السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن ما ذهب إليه الأخ الكاظم من أن أئمة الشيعة الإمامية يعينهم الشيعة أنفسهم با ختيار اكبر الأخوة هو كذب وافتراء على الشيعة الإمامية الأثنى عشرية لأن أئمتنا لم نعينهم نحن وليس لدينا أي دخل في اختيارهم وإنما هم أناس اصطفاهم الله وأكرمهم وحباهم من عنده بالعلم الذي ميزهم على غيرهم فهم أشهر من نار على علم يعرف علمهم القاصي والداني ولا ينكر علمهم وفضلهم إلا الجاحد المعاند
فهذا جعفر بن محمد الصادق قد ملأ الدنيا بعلمه واشاد بفضله العدو قبل الصديق والمخالف قبل الموالف وسأذكر لكم جانب من علمه في التوحيد الذي أملاه على المفضل بن عمر وفيه من العلم الغزير ما يبهر العقول فهل حصل له هذا العلم بالصدفة وهل حصل لأحد من أخوته جزءاً من هذا العلم فأذكر لكم هذا الحوار الذي جرى بين الصادق عليه السلام وبين المفضل بن عمر على أن ترجعوا إلى كتاب بحار الأنوار لاستكمال باقي الحوار هناك في الجزء الثالث ابتداءً من ص57 :
روى محمد بن سنان قال : حدثنا المفضل بن عمر قال : كنت ذات يوم بعد العصر جالسا في الروضة بين القبر والمنبر ، وأنا مفكر فيما خص الله به سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله من الشرف والفضائل ، وما منحه وأعطاه وشرفه به وحباه مما لا يعرفه الجمهور من الامة ، وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته وخطر مرتبته ، فإني لكذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء فجلس بحيث أسمع كلامه فلما استقر به المجلس إذا رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه فتكلم ابن أبي العوجاء فقال : لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله ، وحاز الشرف بجميع خصاله ، ونال الحظوة في كل أحواله ، فقال له صاحبه : إنه كان فيلسوفا ادعى المرتبة العظمى والمنزلة الكبرى ، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول ، وضلت فيها الاحلام ، وغاصت الالباب على طلب علمها في بحار الفكر فرجعت خاسئات وهي حسير ، فلما استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء دخل الناس في دينه أفواجا فقرن اسمه باسم ناموسه ، فصار يهتف به على رؤوس الصوامع في جميع البلدان ، والمواضع التي انتهت إليها دعوته ، وعلت بها كلمته ، ظهرت فيها حجته برا وبحرا وسهلا وجبلا في كل يوم وليلة خمس مرات ، مرددا في الاذان والاقامة ليتجدد في كل ساعة ذكره ، لئلا يخمل أمره . فقال ابن أبي العوجاء : دع ذكر محمد صلى الله عليه وآله فقد تحير فيه عقلي ، وضل في أمره فكري ، وحدثنا في ذكر الاصل الذي يمشى به . ثم ذكر ابتداءالاشياء وزعم أن ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير ، ولا صانع له ولا مدبر ، بل الاشياء تتكون من ذاتها بلا مدبر ، وعلى هذا كانت الدنيا لم تزل ولا تزال .
قال المفضل : فلم أملك نفسي غضبا وغيظا وحنقا فقلت : يا عدو الله ألحدت في دين الله ، وأنكرت الباري جل قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم ، وصورك في أتم صورة ، نقلك في أحوالك حتى بلغ بك إلى حيث انتهيت ، فلو تفكرت في نفسك و صدقك لطيف حسك لوجدت دلائل الربوبية وآثار الصنعة فيك قائمة ، وشواهده جل وتقدس في خلقك واضحة ، براهينه لك لائحة . فقال : يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك ، فإن ثبت لك حجة تبعناك ، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك ، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا يخاطبنا ، ولا بمثل دليلك يجادلنا ، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت ، فما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا ، وإنه للحليم الرزين العاقل الرصين ، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق ، ويسمع كلامنا ويصغي إلينا ويستعرف حجتنا حتى استفرغنا ما عندنا وظننا أنا قد قطعناه أدحض حجتنا بكلام يسير وخطاب قصير يلزمنا به الحجة ، ويقطع العذر ، ولا نستطيع لجوابه ردا ، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه .
قال المفضل : فخرجت من المسجد محزونا مفكرا فيما بلي به الاسلام وأهله من كفر هذه العصابة وتعطيلها ، فدخلت على مولاي صلوات الله عليه فرآني منكسرا ، فقال : مالك ؟ فأخبرته بما سمعت من الدهريين وبما رددت عليهما ، فقال : لالقين إليك من حكمة الباري جل وعلا وتقدس اسمه في خلق العالم والسباع والبهائم و الطير والهوام ، وكل ذي روح من الانعام ، والنبات والشجرة المثمرة وغير ذات الثمر والحبوب والبقول المأكول من ذلك وغير المأكول ما يعتبر به المعتبرون ، ويسكن إى معرفته المؤمنون ، ويتحير فيه الملحدون فبكر علي غدا . قال المفضل : فانصرفت من عنده فرحا مسرورا وطالت علي تلك الليلة انتظارا لما وعدني به ، فلما أصبحت غدوت فاستؤذن لي فدخلت وقمت بين يديه ، فأمرني بالجلوس فجلست ، ثم نهض إلى حجرة كان يخلو فيها ، فنهضت بنهوضه فقال : اتبعني فتبعته فدخل ودخلت خلفه ، فجلس وجلست بين يديه ، فقال : يا مفضل : كأني بك وقد طالت عليكم هذه الليلة انتظارا لما وعدتك ؟ فقلت : أجلت يا مولاي ، فقال : يا مفضل إن الله كان ولا شئ قبله ، وهو باق ولا نهاية له ، فله الحمد على ما ألهمنا ، وله الشكر على ما منحنا ، وقد خصنا من العلوم بأعلاها ومن المعالي بأسناها ، واصطفانا على جميع الخلق بعلمه ، وجعلنا مهيمنين عليهم بحكمه ، فقلت : يا مولاي أتأذن لي أن أكتب ما تشرحه ؟ وكنت أعددت معي ما أكتب فيه فقال لي : افعل .
يا مفضل إن الشكاك جهلوا الاسباب والمعاني في الخلقة ، وقصرت أفها مهم عن تأمل الصواب والحكمة ، فيما ذرأ الباري جل قدسه وبرأ من صنوف خلقه في البر والبحر ، والسهل والوعر فخرجوا بقصر علومهم إلى الجحود ، وبضعف بصائرهم إلى التكذيب والعنود ، حتى أنكروا خلق الاشياء وأدعوا أن كونها بالاهمال لاصنعة فيها ولا تقدير ، ولاحكمة من مدبر ولا صانع ، تعالى الله عما يصفون ، وقاتلهم الله أنى يؤفكون . فهم في ضلالهم وعماهم وتحيرهم بمنزلة عميان دخلوا دارا قد بنيت أتقن بناء وأحسنه ، وفرشت بأحسن الفرش وأفخره ، واعد فيها ضروب الاطعمة والاشربة والملابس والمآرب التي يحتاج إليها لا يستغنىعنها ، ووضع كل شئ من ذلك موضعه على صواب من التقدير وحكمة من التدبير فجعلوا يترددون فيها يمينا وشمالا ويطوفون بيوتها إدبارا وإقبالا ، محجوبة أبصارهم عنها ، لا يبصرون بنية الدار وما اعد فيا ، وربما عثر بعضهم بالشئ الذي قد وضع موضعه واعد للحاجة إليه ، و هو جاهل بالمعنى فيه ولما اعد ولماذا جعل كذلك فتذمر وتسخط وذم الدار وبانيها فهذه حال هذا الصنف في إنكارهم ما أنكروا من أمر الخلقة وثبات الصنعة ، فإنهم لما غربت إذهانهم عن معرفة الاسباب والعلل في الاشياء صاروا يجولون في هذا العالم حيارى ، ولا يفهمون ما هو عليه من إتقان خلقته وحسن صنعته وصواب تهيئته ، و ربما وقف بعضهم على الشئ لجهل سببه والارب فيه فيسرع إلى ذمه ووصفه بالاحالة والخطأ ، كالذي أقدمت عليه المانوية الكفرة ، وجاهرت به الملحدة المارقة الفجرة وأشباهم من أهل الضلال ، المعللين أنفسهم بالمحال ، فيحق على من أنعم الله عليه بمعرفته وهداه لدينه ، ووفقه لتأمل التدبير في صنعة الخلائق ، والوقوف على ما خلقوا له من لطيف التدبير وصواب التعبير بالدلالة القائمة الدالة على صانعها ، أن يكثر حمد الله مولاه على ذلك ، ويرغب إليه في الثبات عليه والزيادة منه فإنه جل اسمه يقول : لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد .
يا مفضل : أول العبر والادلة على الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ماهي عليه ، فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والارض ممدودة كالبساط ، والنجوم منضودة كالمصابيح ، والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكل شئ فيها لشأنه معد ، والانسان كالمملك ذلك البيت ، والمخول جميع ما فيه ، وضروب النبات مهيأة لمآربه ، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ، ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة ، نظام وملائمة ، وأن الخالق له واحد وهو الذي ألفه ونظمه بعضا إلى بعض ، جل قدسه ، وتعالى جده ، وكرم وجهه ، ولا إله غيره ، تعالى عما يقول الجاحدون ، وجل وعظم عما ينتحله الملحدون .
نبتدئ يا مفضل بذكر خلق الانسان فاعتبر به ، فأول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم ، هو محجوب في ظلمات ثلاث : ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة ، حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ولا دفع أذى ، ولا استجلاب منفعة ولا دفع منصرة ، فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذوا الماء النبات فلا يزال ذلك غذاؤه حتى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه ، وقوي أديمه على مباشرة الهواء ، وبصره على ملاقات الضياء هاج الطلق بامه فأزعجه أشد إزعاج ، وأعنفه حتى يولد ، إذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم امه إلى ثدييها فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء ، وهو كأشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمظ وحرك شفتيه طلبا للرضاع فهو يجد ثديي امه كالا داوتين المعلقتين لحاجته إليه ، فلا يزال يغتذي باللبن مادام رطب البدن ، رقيق الامعاء ، لين الاعضاء ، حتى إذا تحرك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد ويقوي بدنه طلعت له الطواحن من الاسنان والاضراس ، ليمضع به الطعام فيلين عليه ، ويسهل له إساغته فلا يزال كذلك حتى يدرك فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر وعز الرجل الذي يخرج به من حد الصبا وشبه النساء ، وإن كانت انثى يبقى وجهها نقيا من الشعر ، لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرك الرجال لما فيه دوام النسل وبقاؤه .
اعتبر يا مفضل فيما يدبر به الانسان في هذه الاحوال المختلفة ، هل ترى يمكن أن يكون بالاهمال ؟ أفرأيت لو لم يجر إليه ذلك الدم وهو في الرحم ألم يكن سيذوي ويجف كما يجف النبات إذا فقد الماء ؟ ولو لم يزعجه المخاض عند استحكامه ألم يكن سيبقى في الرحم كالموؤود في الارض ؟ ولو لم يوافقه اللبن مع ولادته ألم يكن سيموت جوعا ، أو يغتذي بغذاء لا يلائمه ولا يصلح عليه بدنه ؟ ولو لم تطلع عليه الاسنان في وقتها ألم يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام وإساغته ، أو يقيمه على الرضاع فلا يشد بدنه ولا يصلح لعمل ؟ ثم كان تشتغل امه بنفسه عن تربية غيره من الاولاد ، ولو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته ألم يكن سيبقى في هيئة الصبيان والنساء فلاترى له جلالة ولاوقارا ؟ .
فقال المفضل : فقلت : يا مولاي فقد رأيت من يبقى على حالته ولا ينبت الشعر في وجهه وإن بلغ حال الكبر ، فقال : ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد ، فمن هذا الذي يرصده حتى يوافيه بكل شي من هذه المآرب إلا الذي أنشأه خلقا بعد أن لم يكن ، ثم توكل له بمصحلته بعد أن كان فإن كان الاهمال يأتي بمثل هذا التدبير فقد يجب أن يكون العمد والتقدير يأتيان بالخطأ والمحال لانهما ضدا الاهمال ، وهذا فظيع من القول وجهل من قائله ، لان الاهمال لا يأتي بالصواب ، والتضاد لا يأتي بالنظام ، تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا ، ولو كان المولود يولد فهما عاقلا لانكر العالم عند ولادته ولبقي حيران تائه العقل إذا رأى مالم يعرف وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير إلى غير ذلك مما يشاهده ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم ، واعتبر ذلك بأن من سبي من بلد إلى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران فلا يسرع في تعلم الكلام وقبول الادب كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل . ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه محمولا مرضعا ، معصبا بالخرق ، مسجى في المهد لانه لا يستغني عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حين يولد ، ثم كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل فصار يخرج إلى الدنيا غبيا غافلا عما فيه أهله فليقى الاشياء بذهن ضعيف ومعرفة ناقصة ، ثم لا يزال يتزايد في المعرفة قليلا قليلا وشيئا بعد شئ ، وحالا بعد حال حتى يألف الاشياء ويتمرن ويستمر عليها ، فيخرج من حد التأمل لها والحيرة فيها إلى التصرف والاضطراب إلى المعاش بعقله وحيلته وإلى الاعتبار والطاعة والسهو والغفلة والمعصية ، وفي هذا أيضا وجوه آخر فإنه لو كان يولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الاولاد ، وما قدر أن يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة ، وما يوجب التربية للآباء على الابناء من المكلفات بالبر والعطف عليهم عند حاجتهم إلى ذلك منهم ، ثم كان الاولاد لا يألفون آباءهم ولا يألف الآباء أبناءهم لان الاولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء وحياطتهم فيتفرقون عنهم حين يولدون فلا يعرف الرجل أباه وامه ، ولا يمتنع من نكاح امه و اخته وذوات المحارم منه إذا كان لا يعرفهن ، وأقل ما في ذلك من القباحة بل هو أشنع وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع لو خرج المولود من بطن امه وهو يعقل أن يرى منها مالا يحل له ولا يحسن به أن يراه . أفلا ترى كيف اقيم كل شئ من الخلقة على غاية الصواب ، وخلا من الخطأ دقيقه وجليله ؟
اعرف يا مفضل ما للاطفال في البكاء من المنفعة ، واعلم أن في أدمغة الاطفال رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة ، وعللا ، عظيمة من ذهاب البصر وغيره فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم ، فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم ، والسلامة في أبصارهم ، أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ، ووالده لايعرفان ذلك ، فهما دائبان ليسكتاه ويتوخيان في الامور مرضاته لئلا يبكي ، وهما لا يعلمان أن البكاء أصلح له وأجمل عاقبة ، فهكذا يجوز أن يكون في كثير من الاشياء منافع لا يعرفها القائلون بالاهمال ، ولو عرفوا ذلك لم يقضوا على الشئ أنه لا منفعة فيه من أجل أنهم لا يعرفونه ولا يعلمون السبب فيه فأن كل مالا يعرفه المنكرون يعلمه العارفون ، وكثير مما يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جل قدسه وعلت كلمته ، فأما ما يسيل من أفواه الاطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو بقيت في أبدانهم لاحدثت عليهم الامور العظيمة ، كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إلى حد البله والجنون والتخليط ، إلى غير ذلك من الامراض المختلفة كالفالج واللقوة وما أشبههما ، فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من أفواهم في صغرهم لمالهم في ذلك من الصحة في كبرهم ، فتفضل على خلقه بما جهلوه ، ونظر لهم بمالم يعرفوه ، ولو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك عن التمادي في معصيته ، فسبحانه ما أجل نعمته وأسبغها على المستحقين وغيرهم من خلقه ، وتعالى عما يقول المبطلون علوا كبيرا .
انظر الآن يا مفضل كيف جعلت آلات الجماع في الذكر والانثى جميعا على ما يشاكل ذلك ، ذلك ، فجعل للذكر آلة ناشزة تمتد حتى تصل النطفة إلى الرحم إذ كان محتاجا إلى أن يقذف ماءه في غيره ، وخلق للانثى وعاءا قعر ليشتمل على المائين جميعا ، ويحتمل الولد ويتسع له ويصونه حتى يستحكم ، أليس ذلك من تدبير حكيم لطيف ؟ سبحانه وتعالى عما يشركون .
فكريا مفضل في أعضاء البدن أجمع وتدبير كل منها للارب ، فاليدان للعلاج ، والرجلان للسعي ، والعينان للاهتداء ، والفم للاغتذاء ، والمعدة للهضم ، والكبد للتخليص ، والمنافذ لتنفيذ الفضول ، والاوعية لحملها ، والفرج لاقامة النسل ، وكذلك جميع الاعضاء إذا تأملتها وأعملت فكرك فيها ونظرك وجدت كل شئ منها قد قدر لشئ على صواب وحكمة .
قال المفضل : فقلت : يا مولاي إن قوما يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة ، فقال : سلهم عن هذه الطبيعة ، أهي شئ له علم وقدرة على مثل هذه الافعال ، أم ليست كذلك ؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق ؟ فإن هذه صنعته ، وإن زعموا أنها تفعل هذه الافعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب و الحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم ، وأن الذي سموه طبيعة هو سنة في خلقه الجارية على ما أجراها عليه .
فكريا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير ، فإن الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه ، وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق رقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفى للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شئ فينكأها ، وذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثم إن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما ، وينفذ إلى البدن كله في مجاري مهيأة لذلك ، بمنزلة المجاري التي تهيؤ للماء حتى يطرد في الارض كلها ، و ينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مفائض قد اعدت لذلك ، فما كان منه من جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السواء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السواء جرى إلى الطحال ، وما كان من البلة والرطوبة جرى إلى المثانة ، فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن ، و وضع هذه الاعضاء منه مواضعها ، وإعداد هذه الاوعية فيه لتحمل تلك الفضول ، لئلا تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه ، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير ، وله الحمد كما وأهله ومستحقه .
قال المفضل : فقلت : صف نشؤ الابدان ونموها حالا بعد حال حتى تبلغ التمام والكمال . فقال عليه السلام : أول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لاتراه عين ولاتناله يد ، ويدبره حتى يخرج سويا مستوفيا جميع مافيه قوامه وصلاحه من الاحشاء والجواح والعوامل إلى ما في تركيب أعضائه من العظام واللحم والشحم والمخ والعصب والعروق والغضاريف ، فإذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمي بجميع أعضائه وهو ثابت على شكل وهيئة لاتتزايد ولا تنقص إلى أن يبلغ أشده إن مد في عمره أويستو في مدته قبل ذلك ، هل هذا إلا من لطيف التدبير والحكمة ؟ .
يامفضل انظر إلى ما خص به الانسان في خلقه تشريفا وتفضيلا على البهائم ، فإنه خلق ينتصب قائما ويستوي جالسا ، ليستقبل الاشياء بيديه وجوارحه ، ويمكنه العلاج والعمل بهما فلو كان مكبوبا على وجهه كذات الاربع لما استطاع أن يعمل شيئا من الاعمال .
انظر الآن يا مفضل إلى هذه الحواس التي خص بها الانسان في خلقه وشرف بها على غيره ، كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكن من مطالعة الاشياء ، ولم تعل في الاعضاء التي تحتهن كاليدين والرجلين فتعرضها الآفات ، و تصيبها من مباشرة العمل والحركة ما يعللها ويؤثر فيها وينقص منها ، لا في الاعضاء التي وسط البدن كالبطن والظهر فيعسر تقلبها واطلاعها نحو الاشياء ، فلما لم يكن لها في شئ من هذه الاعضاء موضع كان الرأس أسنى المواضع للحواس ، وهو بمنزلة الصومعة لها ، فجعل احواس خمسا " تلقي خمسا " لكي لا يفوتها شئ من المحسوسات ، فخلق البصر ليدرك الالوان فلو كانت الالوان ولم يكن بصر يدركها لم يكن منفعة فيها ، وخلق السمع ليدرك الاصوات فلو كانت الاصوات ولم يكن سمع يدركها لم يكن فيها إرب ( 3 ) وكذلك سائر الحواس ، ثم هذا يرجع متكافئا " ، فلو كان بصر ولم يكن ألوان لما كان للبصر معنى ، ولو كان سمع ولم يكن أصوات لم يكن للسمع موضع ، فانظر كيف قدر بعضها يلقي بعضا فجعل لكل حاسة محسوسا يعمل بفيه ، ولكل محسوس حاسة تدركه ، ومع هذا فقد جعلت أشياء متوسطة بين الحواس والمحسوسات ، لايتم الحواس إلا بها ، كمثل الضياء والهواء فإنه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون ، ولو لم يكن هناء يؤدي الصوت إلى السمع لم يكن السمع يدرك الصوت ، فهل يخفى على من صح نظره وأعمل فكره أن مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس والمحسوسات بعضها يلقي بعضا وتهيئة أشياء آخربها تتم الحواس لايكون إلا بعمد وتقدير من لطيف خبير ؟ .
فكريا مفضل فيمن عدم البصر من الناس وما يناله من الخلل في اموره ، فإنه لايعرف موضع قدمه وتلا يبصر ما بين يديه ، فلا يفرق بين الالوان ، وبين المنظر الحسن والقبيح ، ولا يرى حفرة إن هجم عليها ولا عدوا إن أهوى إليه بسيف ، ولا يكون له سبيل إلى أن يعمل شيئا من هذه الصناعات مثل الكتابة والتجارة والصياغة حتى أنه لولا نفاذ ذهنه لكان بمنزلة الحجر الملقى ، وكذلك من عدم السمع يختل في امور كثيرة فإنه يفقد روح المخاطبة والمحاورة ، ويعدم لذة الاصوات واللحون بالشجية المطربة ، ويعظم المؤونة على الناس في محاورته ، حتى يتبر موابه ولايسمع شيئا من أخبار الناس وأحاديثهم ، حتى يكون كالغائب وهو شاهد ، أو كالميت وهو حي ، فأما من عدم العقل فإنه يحق بمنزلة البهائم بل يجهل كثيرا مما يهتدي إليه البهائم ، أفلا ترى كيف صارت الجوارح والعقل وسائر الخلال التي بها صلاح الانسان والتي لو فقد منها شيئا لعظم ما يناله في دلك من الخلل يوافي تخلقة على التمام حتى لا يفقد شيئا منها ، فلم كان كذلك إلا لانه خلق بعلم وتقدير ؟ .
قال المفضل : فقلت : فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي : قال عليه السلام : ذلك للتأديب والموعظة لمن يحل ذلك به ولغيره بسببه ، كما قد يؤدب الملوك الناس للتنكيل والموعظة فلا ينكر ذلك عليهم بل يحمد من رأيهم ويصوب من تدبيرهم ، ثم للذين ينزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت إن شكروا وأنابوا ما يستصغرون معه ما ينالهم منها حتى أنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب .
فكريا مفضل في الاعضاء التي خلقت أفرادا وأزواجا ، وما في ذلك من الحكمة والتقدير ، والصواب في التدبير ، فالرأس بما خلق فردا ولم يكن للانسان صلاح في أن يكون أكثر من واحد ، ألاترى أنه لواضيف إلى راس الانسان رأس آخر لكان ثقلا عليه من غير حاجة إليه ، لان الحواس التي يحتاج إليها مجتمعة في رأس واحد ، ثم كان الانسان ينقسم قسمين لو كان له رأسان فإن تكلم من أحدهما كان الآخر معطلا لا إرب فيه ولا حاجة إليه ، وإن تكلم منهما جميعا بكلام واحد كان أحدهما فضلا يحتاج إليه ، وإن تكلم باحدهما بغير الذي تكلم به من الآخر لم يدر السامع بأي ذلك يأخذ ، و أشباه هذا من الاخلاط ، واليدان مماخلق أزواجا ولم يكن للانسان خير في أن يكون له يد واحدة الان ذلك كان يخل به فيما يحتاج إلى معالجته من الاشياء ألاترى أن النجار والبناء لوشلت إحدى يديه لايستطيع أن يعالج صناعته ، وإن تكلف ذلك لم يحكمه ولم يبلغ منه ما يبلغه إذا كانت له يدان يتعاونان على العمل .
أطل الفكر يا مفضل في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الانسان ، فالحنجرة كالانبوبة لخروج الصوت ، واللسان والشفتان والاسنان لصياغة الحروف والنغم ، ألاترى بأن من سقطت أسنانه لم يقم السين ، ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء ، ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء ، وأشبه شئ بذلك المزمار الاعظم ، فالحنجرة يشبة قصبة المزمار والرية يشبه الزق الذي ينفخ فيه لتدخل بالريح ، والعضلات التي تقبض على الرية ليخرج الصوت كالاصابع التي تقبض على الزق حتى تجري الريح في المزمار ، والشفتان والاسنان التي تصوغ الصوت حروفا ونغما كالاصابع التي يختلف في فم المزمار فتصوغ صفيره ألحانا ، غير أنه وإن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة والتعريف فإن المزمار بالحقيقة هو المشبه بمخرج الصوت .
قد أنبأتك بما في الاعضاء من الغناء في صنعة الكلام وإقامة الحروف ، وفيها مع الذي ذكرت لك مآرب اخرى ، فالحنجرة ليسلك فيها هذا النسيم إلى الرية فتروح على الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو احتبس شيئا يسيرا لهلك الانسان ، و باللسان تذاق الطعوم فيميز بينها ويعرف كل واحد منها حلوها من مرها ، وحامضها من مرها ، ومالحها من عذبها ، وطيبها من خبيثها ، وفيه مع ذلك معونة على إساغة الطعام والشراب ، والاسنان تمضغ الطعام حتى تلين ويسهل إساغته ، وهي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما وتدعمهما من داخل القم ، واعتبر ذلك بأنك ترى من
سقطت أسنانه مسترخى الشفة ومضطربها ، وبالشفتين يترشف الشراب حتى يكون الذي يصل إلى الجوف منه بقصد وقدر لايثج ثجا فيغص به الشارب أوينكا في الجوف ، ثم هما بعد ذلك كالباب المطبق على الفم يفتحهما الانسان إذا شاء ، ويطبقهما إذا شاء ، ففيما وصفنا من هذا بيان أن كل واحد من هذه الاعضاء يتصرف وينقسم إلى وجوه من المنافع ، كما تتصرف الاداة الواحدة في أعمال شتى ، وذلك كالفاس يستعمل في النجارة والحفر وغيرهما من الاعمال ، ولو رأيت الدماغ إذا كشف عنه لرأيته قد لف بحجب بعضها فوق بعض لتصونه من الاعراض وتمسكه فلا يضطرب ، ولرأيت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيما يفته هد الصدمة والصكة التي ربما وقعت في الرأس ، ثم قد جللت الجمجمة بالشعر حتى صار بمنزلة الفرو للرأس يستره من شدة الحر والبرد ، فمن حسن الدماغ هذا التحصين إلا الذي خلقه وجعله ينبوع الحس والمستحق للحيطة والصيانة بعلو منزلته من البدن وارتفاع درجته وخطر مرتبته ؟ .
تامل يامفضل الجفن على العين ، كيف جعل كالغشاء والاشفار كالاشراج ، وأولجها في هذاالغار ، وأظلها بالحجاب وما عليه من الشعر .
يا مفضل من غيب الؤاد في جوف الصدر ، كساه المدرعة التي هي غشاؤه ، وحصنه بالجوانح وما عليها من اللحم والعصب لئلا يصل إليه ما ينكؤه ؟ من جعل في الحلق منفذين ؟ أحدهما لمخرج الصوت وهو الحلقوم المتصل بالرية ، والآخر بمنفذ الغذاء وهو المرئ المتصل بالمعدة الموصل الغذاء إليها ، وجعل على الحلقوم طبقا يمنع الطعام أن يصل إلى الرية فيقتل ، من جعل الرية الفؤاد ؟ لاتفتر ولا تخل لكيلا تتحيز الحرارة في الفؤاد فتؤدي إلى التلف . من جعل لمنافذ البول والغائط أشراجا تضبطهما ؟ لئلا يجريا جريانا دائما فيفسد على الانسان عيشه فكم عسى أن يحصي المحصي من هذا ؟ بل الذي لايحصى منه ولا يعلمه الناس أكثر ، من جعل المعدة عصبانية شديده وقدرها لهضم الطعام الغلظ ؟ ومن جعل الكبد رقيقة ناعمة لقبول الصفوا للطيف من الغذء ولتهضم وتعمل ما هو ألطف من عمل المعدة إلا الله القادر ؟ أترى الاهمال يأتي بشئ من ذلك ؟ كلا ، بل هو تدبير من مدبر حكيم ، قادر عليم بالاشياء قبل خلقه إياها ، لايجزه شئ وهو اللطيف الخبير .
فكر يا مفضل لم صار المخ الرقيق محصنا في أنابب العظام ؟ هل ذلك إلا ليحفظه ويصونه ؟ لم صار الدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف إلا لتضبطه فلا يفيض ؟ لم صارت الاظفار على أطراف الاصابع إلا وقاية لها ومعونة على العمل ؟ لم صار داخل الاذن ملتويا كهيئة الكوكب إلا ليطرد فيه الصوت حتى ينتهي إلى السمع وليتكسر حمة الريح فلا ينكأ في السمع ؟ لم حمل الانسان على فخذيه وإليتيه هذا اللحم إلا لايقيه من الارض فلا يتألم من الجلوس عليهما ، كما يألم من نحل جسمه وقل لحمه إذا لم يكن بينه وبين الارض حائل يقيه صلابتها ؟ من جعل الانسان ذكرا وانثى إلا من خلقه متناسلا ؟ ومن خلقه متناسلا إلا من خلقه مؤملا ؟ ومن خلقه مؤملا ومن أعطاه آلات العمل إلا من خلقه عاملا ؟ ومن خلقه عاملا إلا من جعله محتاجا ؟ ومن جعله محتاجا إلا من ضربه بالحاجة ؟ ومن ضربه بالحاجة إلا من توكل بتقويمه ؟ ومن خصه بالفهم إلا من أوجب له الجزاء ؟ ومن وهب له الحيلة إلا من ملكه الحول ؟ ومن ملكه الحول إلا من ألزمه الحجة ؟ من يكفيه ما لا تبلغه حيلته إلا من لم يبلغ مدى شكره ؟ فكر وتدبر ما وصفته ، هل تجل الاهمال على هذا النظام والترتيب ؟ تبارك الله عما يصفون .
أصف لك الآن يا مفضل الفؤاد ، اعلم أن فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في الرية تروح عن الفؤاد ، حتى لو اختلفت تلك الثقب وتزايل بعضها عن بعض لما وصل الروح إلى الفؤاد ولهلك الانسان ، أفيستجيز ذو فكر وروية أن يزعم أن مثل هذا يكون بالاهمال ولا يجد شاهدا من نفسه ينزعه عن هذا القول ؟ لو رأيت فردا من مصراعين فيه كلوب أكنت تتوهم أنه جعل كذلك بلا معنى ؟ بل كنت تعلم ضرورة أنه مصنوع يلقي فردا آخر فتبرزه ليكون في اجتماعهما ضرب من المصلحة ، وهكذا تجد الذكر من الحيوان كأنه فرد من زوج مهيأ من فرد انثى فيلتقيان لما فيه من دوام النسل وبقائه ، فتبا وخيبة وتعسا لمنتحلي الفلسفة ، كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة حتى أنكروا التدبير والعمد فيها ؟ لو كان فرج الرجل مسترخيا كيف كان يصل إلى قعر الرحم حتى يفرغ النطفة فيه ؟ ولو كان منعظا أبدا كيف كان الرجل يتقلب في الفراش أو يمشي بين الناس وشئ شاخص أمامه ؟ ثم يكون في ذلك مع قبح المنظر تحريك الشهوة في كل وقت من الرجال والنساء جميعا ، فقدر الله جل اسمه أن يكون أكثر ذلك لا يبدو للبصر في كل وقت ، ولا يكون على الرجال منه مؤونة ، بل جعل فيه القوة على الانتصاب وقت الحاجة إلى ذلك لما قدر أن يكون فيه دوام النسل وبقاؤه .
اعتبر الآن يا مفضل بعظيم النعمة على الانسان في مطعمه و مشربه وتسهيل خروج الاذى ، أليس من حسن التقدير في بناء الدار أن يكون الخلاء في أستر موضع فيها ؟ فكذا جعل الله سبحانه المنفذ المهيأ للخلاء من الانسان في أستر موضع منه ، فلم يجعله بارزا من خلفه ، ولا ناشرا من بين يديه ، بل هو مغيب في موضع غامض من البدن ، مستور محجوب يلتقي عليه الفخذان ، وتحجبه الاليتان بما عليهما من اللحم فيواريانه فإذا احتاج الانسان إلى الخلاء وجلس تلك الجلسة ألفى ذلك المنفذ منه منصبا مهيئا لا نحدار الثفل ، فتبارك الله من تظاهرت آلاؤه ولا تحصى نعماؤه .
فكر يا مفضل في هذه الطواحن التي جعلت للانسان فبعضها حداد لقطع الطعام وقرضه ، و بعضها عراض لمضغه ورضه فلم ينقص واحد من الصفتين إذ كان محتاجا إليهما جميعا .
تأمل واعتبر بحسن التدبير في خلق الشعر والاظفار فإنهما لما كانا مما يطول ويكثر حتى يحتاج إلى تخفيفه أولا فأولا جعلا عديمى الحس لئلا يولم الانسان الاخذ منهما ، ولو كان قص الشعر وتقليم الاظفار مما يوجد له مس من ذلك لكان الانسان من ذلك بين مكروهين : إما أن يدع كل واحد منهما حتى يطول فيثقل عليه ، وإما أن يخففه بوجع وألم يتألم منه .
أقول : هذا جعفر الصادق عليه السلام سادس أئمة أهل البيت العالم الرباني فهل لديكم أحداً مثله ؟ وهذا يبطل ما ذهبتم إليه من أن الإمامة تكون للأخ الأكبر !!!!!!!!!!!!!!!! وإذا كان الأخ الأكبر جاهلاً ولا يعي شيئاً كيف يكون إماماً ؟
كتب الكاظم :
أي أنّ الصحيفَة السجّادية صحيحةٌ كلّها ، من أوّل دعاء فيها ، إلى آخر دعاء استكشاف الهموم ، وهذه الأدعية فسواد الصحّيفَة ، لا أنّ دعاء استكشاف الهموم هُو الصّحيح وحدَه !! .
عندما أقولُ لكَ أخي جعفري : أنّ أصول الكافي للكليني لَم تَصِح إلاّ إلى الجزء الرّابع . ماذا تَفَهم من هذا الكلام ؟! ، هل تفهَم منه أنّ الجزء الراّبع هُو الصّحيح وباقي الأجزاء (الثلاثة الأولى ، وما بعد الرّابع) غير صحيحة ، أم تفهم منه أنّ أصول الكافي صحيحة إلى الجزء الرابع ، أي أنّ الجزء الأوّل والثاني والثّالث ، والرّابع كلّها صحيحة ، وما بعدَ الرّابع فليس بصحيح ؟! .
نعم ! ثمّ لَو كُنتَ حصيفاً ، لراجَعت مشاركتنا الثّالثة قبل الأخيرَة (في خصوص عقيدة زين العابدين (ع) ) وحثّنا على عرض عقائدنا عليها ، ونقلُنا من الصحيفة السّجاديّة عنه كان من غير دعاء (استكشاف الهموم) ، ولكنّك للأسَف مُتعجِّل .
أمّا بالنسبَة لِعَدم ثبوتيّةالأدعيَة (التي بعدَ دعاء استكشاف الهموم) فنحنُ لَم نَقُل بها إلاّ لأنّه لم يثبت وُرودها في نُسخ الزيدية المُعتمدَة عند كبار عُلماءها ، فهيَ زيادَة مُلحَقَة محلّها النَّظَر .
* ولو تأمّل أخي القارئ الصّحيفَة السّجادية الموجودة نُسختُها في مكتبة (علوم آل محمّد) ، أو على موقع مؤسسة الإمام زيد بن علي (ع) ، لوجدوا أنّ هُناكَ فصلاً بين الصّجيفة السّجاديّة ، وبينَ ما ألِحقَ بها ، فما كان من الأدعيَة تحت الصّحيفة السّجاديّة فهو الثّابت عند الزيدية ، وما كانَ مُلحقاً بالصحّيفَة فهو محلّ نظر . (وليتأمّله كلّ واحدٍ منّا) ، ومَن أرادَ مزيد اطّلاع فليُطالع مُقدّمة الصّحيفة السجّاديّة للنسخ المطبوعَة (لا الإلكترونيّة) ففيها البيان .
أقول : أخي العزيز النسخة التي بين يدي هي نسخة مطبوعة وليس الكترونية وقد ذكرت لك في مشاركة سابقة مصدرها فراجع وأما بالنسبة لما ذكرته فسنراجع لننظر الفرق بين النسخة التي لدينا والنسخة التي لديكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته