ريحان و عوسج (5) و الاخيره

مجلس للمشاركات الأدبية بمختلف أقسامها...
أضف رد جديد
آية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 82
اشترك في: الأحد إبريل 03, 2005 3:16 pm
مكان: صنعاء

ريحان و عوسج (5) و الاخيره

مشاركة بواسطة آية »

تركه حسن يمضي في طريق قريته و اتجه عائداً إلى البيت..

في اليوم التالي وقبل أن تشرق الشمس كان حسن قد توجه إلى الحقل...
فوجىء والده عندما وصل إلى الحقل ووجد حسن قد سبقه فابتسم بفخر لابنه.. و مضى النهار سريعاً و حان موعد عودتهم إلى البيت .. و في الطريق إلى البيت اقترب حسن من أبيه و قال له

- أبي..بالنسبة لما أخبرتني البارحة.. لقد أعدت النظر في الأمر ... لم اعد ارغب في الذهاب الى المدينة.. على الأقل ليس الآن ولا في المستقبل القريب.
- و ما الذي جعلك تغير رأيك هكذا
- لقد أدركت أن الذهاب إلى المدينة و الدراسه فيها ليس سبباً مضموناً لنيل الثقافة و سعة الأفق التي انشدها و أنني أستطيع الحصول عليها وأنا هنا من خلال المطالعة.
- و ما الذي جعلك تصل إلى هذا الاستنتاج
لم يرد حسن فقال له والده
- اخبرني..هل من سبب معين
اخيراً اجاب حسن قائلاً
- ليس هناك سبب معين و لكني كنت أفكر في عدة أمور حتى توصلت لهذه النتيجة
نظر إليه أبوه بعمق..و هو يدرك أن هناك ما يخفيه و لكنه ابتسم له اخيراً قائلاً
- اياً كان سببك فانا سعيد لأنك توصلت إلى هذا القرار, ارجوا أن تكون أوليته التفكير الكافي ووصلت إليه عن قناعه تامة
- و هو كذلك يا أبي...أنا واثق من صحة خياري تماماً.

و هكذا انخرط حسن كلياً في العمل بالأرض بروح جديدة مليئة بالإصرار و العزيمة و أصبح يقضي فيها اغلب أوقاته

بعد مضي أسبوع على زيارة دغمان ألسابقه.. و في نهار مختلف كلياً عن ذلك النهار و عن الحالة النفسية التي كان يمر بها حسن .. عاد حسن الى بيته بعد نهار شاق ليجد والدته باستقباله و يبدوا على وجهها القلق
- حسن..صديقك الذي كان برفقتك الأسبوع الماضي ينتظرك منذ ما يقرب الساعة...و هو..لا يبدوا بحاله حسنه
اندفع حسن إلى الداخل و هو يشعر بتأنيب ضمير ..لقد نسي كل ما يختص بموضوع دغمان في انشغاله بنفسه..ياله من صديق..
- دغمان..مرحباً بك أخي... يا الهي!! ما بك يا رجل؟
لم يتوقع حسن أن يجده على هذه الصورة المزرية...كان يبدوا كرجل فقد كل ما يهمه ...زائغ النظرات شاحب الوجه ... لا يمت إلى دغمان الواثق بنفسه بصله
- خبرني بالله عليك...ماذا هناك؟
- لقد فعلها
- من هو و ما هي ؟؟
- ياسر..! ياسر ابن عمك..لقد اخبر الشيخ بحقيقة أصولنا....
- عليه اللعنه!! يا له من وضيع عديم الامانه ! و ماذا قال الشيخ؟
- لم يقل شيئاَ...لقد فعل..
- ماذا تعني؟
- لقد أرسل برجال القرية ليحرقوا منزلنا و يبسطوا على أراضينا
- ..........
- طُردنا من القرية شر طرده عقاباً لنا على تجرؤنا على خطبة ابنة الشيخ و على إخفاء حقيقتنا طوال هذه السنين.... أما أختي فقد طلقها زوجها ما أن عرف بالخبر.. بيتنا حُرق عن بكرة أبيه..بالكاد استطعنا الهروب بأرواحنا.. أموالنا؟؟ لم يعد لنا من شيء...كرامتنا المستعارة مُرغت في الوحل...قاموا بإخراجنا من القرية و أطفال القرية يلحقوننا و يرشقونا بالشتائم و الحجارة......

شعر حسن انه يحلم..لا يعقل أن يكون هذا كله حقيقة..لا يمكن... ابشر هؤلاء أم وحوش؟
إلى ما قبل أسبوع..أسبوع فقط..كان دغمان يحيا حياه كريمه شريفه واثق من نفسه سعيد في بيته و مع أهله محترم في قريته .. إلى ما قبل أسبوع و هو يحسد دغمان على حياته و ثقته بنفسه...
.كيف يعقل أن يذهب هذا كله في غمضة عين..و لماذا؟ لأجل خزعبلات و خرافات متوارثة.

بالكاد استطاع حسن الكلام
- و أين استقر بكم المقام الآن
- سخرية الأقدار...عدنا إلى قريتنا ألام...والدي طريح الفراش من يومها..أختي تندب حظها العاثر ليل و نهار..أمي ممزقه ما بين الحالة الصحية لأبي و النفسية لأختي...و أنا....أنا عاجز عن عمل أي شيء ! لقد جئتك اليوم متسللاً خشية أن يصيبني هنا ما صابني في قريتنا...اعني...قريتنا ألسابقه

قالها و شرد بنظراته من جديد..

مازال حسن مصدوماً لا يقوى الحديث.... كيف دُمرت حياة أسره كاملة... من الملام الرئيسي في هذا.. اهو مجتمع القرية الذي يقدس خزعبلات الأجداد...أم هو ياسر من خان الامانه و باح بالسر و عرض دغمان و أسرته لهذا الدمار..

بل هو ياسر...
و ما أن وصلت أفكاره إلى هذه النقطة حتى شعر بنفسه يكاد ينفجر غيظاً و غضباً و حقداً...لو كان ياسر أمامه في هذه اللحظة لهجم عليه يمزقه بيديه العاريتين.

نهض حسن فجاءه فتنبه دغمان من شروده و سأله
- أين ستذهب
لم يجبه حسن بل تحرك صوب الباب و خرج من الغرفة و من ثم من المنزل متجهاً صوب منزل عمه عبدالله


- طخ طخ طخ
- من هناك؟
جاءه صوت أسماء مذعور من قوة الطرق على الباب
- افتحي الباب يا أسماء هذا أنا حسن
فتحت أسماء الباب و هي مستغربه و زاد استغرابها عند رؤيتها لحسن و ما ارتسم على وجهه من غضب شديد
- حسن... ماذا هناك
- أين أخاك
- ياسر؟ لقد ذهب هو وأبي إلى زيارة للقرية المجاوره
- ذهب للاحتفال بفعلته...قالها حسن محدثاُ نفسه
- ماذا؟؟
لم تكد أسماء تنهي سؤالها حتى دار حسن على عقبيه مغادرا
انطلق حسن لا يلوي على شيء متوجهاُ إلى القرية المجاوره وهكذا وصل إلى هناك مسابقاً الريح لا يكاد يشعر بخطو قدميه...و ما أن وصل حتى اتجه إلى منزل الشيخ عُمير ...

تمالك حسن أعصابه قبل أن يقرع الباب..فتح له الباب صبي صغير فسأله
- هل الشيخ عُمير موجود
- اجل و لكنه بالمجلس مع ضيوفه
- اخبره أن هناك من يريد التحدث إليه في أمر عاجل و هام
انتظر حسن عدة دقائق قبل أن يأتي الشيخ إليه متساءلاً عن هذا الزائر..

- مرحباً
- مرحباً أيها الشيخ,, أنا حسن بن سلمان من القرية المجاوره
- اجل اجل..استبشر وجه الشيخ عند معرفته بمن يكون و قال:
- أتيت في وقتك..تفضل على الرحب و السعه..عمك و ابن عمك قد سبقوك..
- اعذرني أيها الشيخ لم آتي في زيارة اجتماعيه..لقد أتيتك في شأن هام
- و ما هو ؟
- هل تأذن لي بالدخول و التحدث إليك على انفراد
- تفضل يا بني
قاده إلى غرفه منفصلة عن تلك التي يجلس فيها عمه و ياسر ثم التفت إليه متساءلاً
- ما هو هذا الأمر الخطير ؟
- في البداية أريد أن أقول أني لم آتي إليك إلا بعد صراع عنيف بين ضميري و بين ولائي العائلي
- خير يا بني؟ أفزعتني
- لقد سمعت عن تطاول بعض عديمين الأصل على سيادتكم و تجرأهم على طلب يد مصونتكم و أحزنني ما سمعت أيما حزن
عُقد حاجبا الشيخ عند تذكره ذلك و قال
- اجل...أترى إلى أي حال وصل بالناس انعدام الأخلاق
- اجل ..حسبنا الله و نعم الوكيل... و لكن هذه الحادثة هي ما جعلت ضميري يدفعني إلى المجيء إليكم
فانه لمن عظيم الجُرم أن تتعرضوا لموقف شبيه يقلل من مقامكم و لهذا كان لا بد أن أتدارك الوضع
- ما هذا الذي تقوله؟ أي موقف مشابه ؟
- حسناً سوف أخبرك بالقصة كاملة و لكن أريد أن أذكرك في البداية أن هذا قد لا يؤثر في كون ياسر شخص جيد و إنسان خلوق
- ما باله ياسر....قل ما لديك فوراً...
قالها الشيخ بعصبيه..

- ياسر هو ابن عمي.....بالتبني
- ماذا؟
- اجل... هو طفل لقيط تبناه عمي منذ أربعه و عشرون عاما
- يا لهذا الهراء... الديك دليل على ما تقول

- كلا..لا يوجد لدي أي دليل.. و لكن ما يهمني هوان ابلغ الامانه و اخلص ضميري من حمل هذا الوزر..الآن تستطيع أن تمضي قدماً و أنت تعرف حقيقته و لكن هذا لا يسيء إليه ارجوا أن لا يؤثر ما قلته لك في قرارك السابق بمصاهرتنا..و سنظل نحن نفخر بنسبتكم و إن كان عن طريق لقيط الاسره..و لكن الناس لا يعلمون بذلك و كل أملي أن لا يعلموا به بمرور الزمن.


- يا الهي..

- و لا اعتقد أنهم سيعلمون يوماً ...اعني..لا تجعلوا ما حدث من أمر عائلة"شديد " و انكشاف أمرهم بعد كل هذه السنين يؤثر عليكم ...فلا سبيل للمقارنة اعني أننا في القرية منذ أجيال...صحيح أن عمي هاجر لفترة من الزمن ثم عاد بياسر و لكن لا أظن الناس يدققوا على هكذا تفاصيل..أو حتى على حقيقة عدم شبه ياسر بأي منا آل سلمان فكما ترون نحن جميعاً نحمل ذات الملامح و يظهر جلياً لكل من يعرفنا أننا ننتمي لنفس العائلة ما عدا ياسر..
- يا الهي...

كان الشيخ مذهول و أكاذيب حسن تدخل إلىعقله و يصدقها رويداً رويدا حتى انتفض قائلاً
- هل أصبح الشيخ عُمير اهزوله في يد اللقطاء و عديمي الأصل..!! هل أصبح مشاعاً لكل ذو اصل وضيع!! كلا و ألف كلا!! سأريهم من هو الشيخ عُمير...
و انطلق خارجاً إلى المجلس..

تبسم حسن بسعادة و خرج في عقبه...لا يريد تفويت فرصة الشماتة في ياسر و رؤية ملامحه..

دخل الشيخ عُمير إلى المجلس كإعصار و انطلق إلى ياسر و امسك بخناقه
- أيها الوضيع الحقير...كيف تجروء على طلب مصاهرتي...

ذُهل ياسر و لم يسعه الرد..بينما قام أبوه للحيلولة بين الشيخ و بينه فالتفت إليه الشيخ و امسك بخناقه ايظاً قائلاً له
- و أنت...أتظن أني أبرئك. إن كنت تعرف حقيقة ابنك اللقيط فكيف تجروء على توسيخنا به !
- ما هذا الذي يجري؟؟ ما هذا الهراء الذي تقوله؟
- اصمت أنت و ابنك اللعين..لقد عرفت حقيقتكم... و احمد الله أن الأوان لم يفت بعد... اغربوا عن وجهي و غادروا منزلي قبل أن ارتكب جريمة ... هيا لا أريد لمنزلي أن يوُسخ بوجودكم ...اغربوا عن وجهي

كانت أسمى آيات الذهول مرتسمة على وجهي ياسر و أباه حتى لمح ياسر حسن واقفاً عند الباب يبتسم بشماتة و أدرك ياسر فوراً أن له يد في التحول العجيب لمعاملة الشيخ

- عمي..لا ادري ماهو السم الذي بثه حسن و لكن عليك ألا تصدقه
- تناديني بعمك أيها الوضيع!! قلت لك ان تغرب عن وجهي قبل ان اقضي عليك
- - أرجوك اسمعني
- اغرب عن وجهي!!!!!!
و هنا تدخل الأب و سحب إليه ياسر قائلاً
- هيا يا بني... علينا المغادرة من هنا
ثم التفت إلى الشيخ قائلاً:
- و إن كنت لا ترغب بمصاهرتنا فكان يكفي أن تقول كلا ...
صرخ الشيخ من جديد...: اغربوا عن وجهي...كيف تجرؤون على طلب المصاهرة !!

ظل الشيخ يصرخ وهو في حال شبه هستيرية فيما غادر ياسر و أبوه .. و يليهم حسن الذي اكتفى برمي ابتسامة شماتة على ياسر ثم انطلق في حال سبيله.

في اليوم التالي..


كانت الشمس في اتجاهها للغرب قد باشرت في رحلة العودة..و حسن ما زال في الحقل يعمل بنشاط ..
عندما سمع صوت يقول له:

- أتظن انك انتصرت علي..

التفت حسن فوجد ياسر واقفاً و الشرر يتطاير من عينيه ...
أدار له حسن ظهره من جديد و انكب يعمل ... فصرخ ياسر قائلاً :
- سوف لن تنجوا بفعلتك... صدقني..سأجعلك تندم على ما فعلته اشد الندم
مازال حسن متجاهلاً لياسر حتى جُن جنون هذا الأخير وأوشك على الانقضاض على حسن مهاجماً :
- سوف اجدع انفك أيها المعتوه سأجعلك تمشي بين الناس منكساً رأسك بخجل ...
قالها ياسر و اخرج من جيبه مطواة..

- كف يديك عن ابن عمك.....

نطق والد حسن بعبارته بحزم شديد جعل ياسر يتوقف هنيهة ليرى عمه و والده واقفين على بعد عدة أمتار...والده يبدوا مذهول مما يراه بينما عمه يقف بهيبة و جلال منتظراً منه الانصياع

- هذا بيني و بين حسن يا عماه لا شأن لك به و الأفضل أن تظل بعيداً عن الأمر

صرخ حسن بغيظ:
- تحدث بأدب مع والدي أيها النذل

و هنا..كانت هذه القشة التي قصمت ظهر البعير...انقض ياسر مهاجماً حسن الأعزل بسكينه.. و تدفقت دماء حسن......... ثم.........دوت طلقه شقت سكون الدقائق الاخيره من هذا النهار المشئوم..... شقت طريقها إلى صدر ياسر..... منطلقه من بندقية والد حسن..

بدا لهم أن الأرض توقفت عن الدوران.... و جمدت الشمس لدقائق من الزمن ترسل بأشعتها الاخيره حارقه..أكثر حرقة منها ساعة الظهيرة.... و رائحة الأرض....التي طالما عشقها آل سلمان امتزجت برائحة الدماء.....

و نظرات الذهول تعلو الأوجه جميعها.. ابتداء من وجه ياسر الذي يلفظ أنفاسه الاخيره إلى حسن الذي يمسك بذراعه الجريحة و ينقل نظراته ما بين أبيه و ياسر بذهول...إلى عمه ..والد ياسر الذي خر على الأرض ينظر إلى ابنه بتبلد و ذهول تام...انتهاءً بوالد حسن الذي خلا وجهه من اللون و تسمر في مكانه مذهولاً.
______

أصيب عبدالله والد ياسر بالشلل... لم تتحمل أعصابه منظر ابنه يُقتل على يد أخيه الأكبر الذي يكُن له أسمى آيات الحب و التقدير..

بينما اعتكف والد حسن في غرفته و اعتزل الناس ...بعد أن انتهت التحقيقات بأن الأب كان يدافع عن ابنه و تنازل عبدالله عن حقه..ليس نتيجة حبه لأخيه و لكن نتيجة الذهول التام الذي أصابه و لم يعد على أثره يدرك ما يدور .. لكأنه حلم..كابوس سينهض منه الجميع ليجد ياسر ابنه الحبيب.. حي..و أخاه الغالي مازال كما عهده ..

منذ ذلك اليوم المشئوم و حسن يسعى إلى رؤية أبيه و الحديث إليه و ذاك الأخير يرفض كلياً... محاولات ألام بالتوسط لابنها عند أبيه باءت كلها بالفشل... حتى جاء صباح يوم دخلت والدته عليه تقول له بأن أباه يرغب بالحديث إليه

توجه حسن إلى غرفة أبيه..متفائلاً... انه يدرك بطبيعة الحال أن أباه يحمله الذنب.. و يقدر موقفه..و لكنه يرغب بالحديث معه لثقته انه سيقنعه و يبعد هذه الأفكار عن رأسه

- أبي..
- ما أن رآه حسن حتى انحنى مقبلاً يديه..
- أبي..حمداً لله على سلامتكم...
- ....
- قد أخبرتني والدتي بأنك ترغب بالحديث إلي... أظن أن الأوان قد آن لنتحدث عن الموضوع و أبعاده
- اجل ....قد آن الأوان......... و قد تحدثت مع عمك
- حقاً؟؟؟تحدثت مع عمي؟؟ حمداً لله !! اذاً فقد عادت المياه إلى مجاريها...أشكرك يا رب على ما أنعمت علينا...
نظر إليه أبيه بجمود ثم قال
- اخبرني عمك بما فعلته في منزل الشيخ عُمير
- ........
- لماذا.. أين أخطأت في تربيتك حتى تكبر لتصبح على ما أصبحت عليه
- أبي...أنت لا تفهم الموضوع.... يجب أن تسمعني.... أنت لا تعلم مالذي فعله ياسر ليجعلني أقوم بما قمت به
- اصمت!!! لا تذكر اسم ياسر على لسانك...تستطيع أن تكذب عليه و تلفق له ما شئت و لن يستطيع هو أن يدافع عن نفسه بكلمه...... لقد رحل..توفي..بل قُتل!! قتلته أنا!! أنا الذي لم أطلق في حياتي رصاصه على سبع أو ضبع أو ابن آوى ...أطلقته على ابن أخي لحمي و دمي و كل هذا بسببك!! اجل بسببك...أنت من استفززت ياسر بتدمير أمله في الزواج و الادهى من هذا تشويه سمعته بكذبه وضيعه لا ادري من أين جاءك بها خيالك المريض ...أنت من أوصلنا جميعاً إلى ما نحن عليه....أنت شيطان هذه الاسره..بل أنت اللقيط!! لا يعقل أن تكون ابني من لحمي و دمي..و تصنع ما صنعت...

ظل حسن صامت منكساً رأسه..فقد قالها أبيه...لن يستطيع الدفاع عن نفسه أو تبرير موقفه طالما الطرف الآخر ياسر لم يعد موجود ليقول كلمته....لن يصدقه احد... لن يرغبوا بتصديقه حتى و إن جاء بدغمان ليؤكد كلامه..هذا إذا افترضتا أنهم سيقبلوا بشهادة دغمان..

- أريد منك أن تحزم أمتعتك و تغادر القرية
رفع حسن رأسه مذعوراً
- و لكن يا أبي
- لا أريد أن اسمع كلمه أخرى...أريدك أن تغادر القرية و لا تعود إليها ابدآ ما دمت أنا على قيد الحياة
سأعتبر انك قُتلت يوم قُتل ياسر...
أما كان هذا ما تريد...الآن تستطيع أن تغادر القرية إلى الأبد... بعد أن دسست السم في دماء أهلها..
اذهب إلى حال سبيلك ... انظر أين ستقودك قدماك لتكمل مسيرة الشر الذي تغلغل في عروقك...اذهب و انشر أكاذيبك و دمر علاقات و حياة و أعمار..

لم ينطق حسن بكلمه حتى انتهى أبيه من حديثه ثم قال

- استودعك الله يا أبي..في أمان الله و في حفظه..قد لا نلتقي مجدداً و لكن ...أنا اعلم بأنك و في أعماقك تدرك أني بريء مما نسبته إلي... لم تقبل أن تسمع دفاعي بحجة أن ياسر لم يعد موجود...و لكن لنا يوم نجتمع فيه جميعاً بما فينا ياسر عند من لا يأخذ بظواهر الأمور..و عندها ستعلم ...
في أمان الله أبي...

قام حسن بحزم متاعه في حقيبة صغيره لم يضع فيها غير اليسير من حاجياته...و أمه تندب و تبكي...ودع أمه و هو يشعر انه يودع روحه و أنها تُنتزع منه بعنف و بدون أدنى مبرر... و خرج متجهاً إلى بيت عمه...المحطة الاخيره التي لا بد له أن يقف بها...

توقف حسن أمام الباب مطولاً... متردداً...لا يدري أيطرق الباب ليودع أسماء الصغيرة أم يرحل دون أي عبارة ..يرحل و يتركها لهم ليغذوا عقلها بما اتهموه به...
و يخسر آخر إنسان بل أكثر إنسان يعني له على وجه الأرض...
و بعد صراع بين رغبته في رؤيتها و بين ما هو الأفضل لها.....أدار حسن ظهره للباب و توجه صوب الطريق العام مغادراً قريته و أهله و أحبته.... بذنب لم يعد يدري إن كان صحيح أم لا..لم يعد يميز أين اخطىء و أين أصاب..لقد اخطىء..و لكن ليس بمقدار ما اتهم به.. و هاهو يتحمل وزر خطيئته أضعاف أضعاف ما تستحق
ألقى نظره أخيره على القرية...ثم استدار مغادراُ إلى الأبد
______________


كانت دموع أسماء تنهمر بغزاره و لم تتوقف دقيقه منذ ابتدأ حسن يقص عليها ما حدث....
لقد كانت طفله..طفله في ربيعها الثالث عشر على وشك الدخول بالرابع عشر... طفله وجدت عالمها ينهار من حولها فجاءه و بدون أي مقدمات.. و لم تجد من تلوم الا من كان الكل يلومه...

رغم صغر سنها...كانت تشعر في أعماقها أن حسن بريء من كثير مما نُسب إليه...فهي تعرف حسن ربما أفضل مما يعرفه أي شخص آخر
صحيح أن حسن كان ذو دم حار يفور لأبسط الأسباب..صحيح أن حسن كان مشاكس و كانت هي أول ضحايا مشاكسته و مشاغبته و لسانه الحاد..و لكنها كانت تعرف أن وراء هذا كله يكمن قلب ابيض و روح مثاليه متمرده على الواقع البائس من حولها....

نظرت أسماء إلى حسن بصمت.....و تبادلا نظرات صامته كانت ابلغ من كل ما قيل...
و اخيراً قالت أسماء
- انتظرتك طويلاً...
-.....
- حسن....لم يفت الأوان بعد
أشرق وجه حسن كألف شمس مضيئة وتفتحت ورود و أزهر الريحان... أشرق الكون فجاءه و مرة واحده ليمحي ظلام السنوات السابقة و ما عانوه فيها....... انتهى موسم العوسج و أزهر لهم الريحان.
------------------------النهايه------------------------

ارجوا ان تكون نالت استحسانكم :wink:
أنا حامل كفني وفي طياته مازال يثقلني السؤال
كفني أخف علي من حمل السؤال فمن يزيحه
ما الموت,ما الميلاد ,ما الشرف الرفيع وما الفضيحة
أهي الحياة تريد إغواء الحياة..فما الحياة؟! و ما السؤالات الجريحة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأدب“