ريحان و عوسج (4)

مجلس للمشاركات الأدبية بمختلف أقسامها...
أضف رد جديد
آية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 82
اشترك في: الأحد إبريل 03, 2005 3:16 pm
مكان: صنعاء

ريحان و عوسج (4)

مشاركة بواسطة آية »

لم يستطع حسن إخفاء الصدمة التي ظهرت جليّه على وجهه.. فتبسم دغمان بمرارة..

- ٌترى...أكنت تصادقني لو انك تعرف هذا...
- دغمان..
-
- لا تقل شيء..أنا لا ألومك فهذه موروثات تلبستنا و سيطرت على مفاهيمنا..فكما أنني لا أستطيع عمل شيء حيال تغيير نظرة الناس أدرك انك لا تستطيع عمل شيء لتغيير نظرتك أنت

- لا تقل هذا... بالله عليك..أنت تعرف أني لا أعير هذا الكلام بالاً..لا فرق بيننا جميعاً إلا بالتقوى.


- دعك من كلام النثر و اخبرني..لو كان لديك أخت..أو فلنقل لو تقدمت طالباً يد ابنة عمك..ماذا سيكون ردك؟
ازدرد حسن ريقه بصعوبة و زاغت نظراته و لم يستطع أن يواجه بها صديقه.

- أترى.. لهذا أقول لك أن ابنة الشيخ كانت فرصتي الوحيدة و ألفرصه التي لن تعوض..لقد قامت أمي بفتح حديث من باب جس النبض ووجدت قبولاً ملحوظاً من أمها..و لكن أبي كان يتخوف أن يقدم على خطوه رسميه فيجابه بالرفض..رغم أن أمي أخبرته أن امرأة الشيخ تكاد تكون أجابتها اجابه مباشره بان نعم و بأنها استشارت زوجها في الأمر.

لم أكن اعلم بما ينتويه ابن عمك..لذلك لم أقم باستعجال أبي...و لكن الان..لا أقول إلا أن ابن عمك هو من جنى على نفسه..فقد خطب على خطبة أخيه ..

- و لكن لا تنسى يا دغمان انه لم يكن يعرف ما تعتزمه..فلا تستطيع لومه لهذا
- يالله..انك تقف معه!...لم أتوقع هذا ابدآ رغم انه ابن عمك و لكني ظننت انك ستقف معي أنا..ليس فقط لأني صديقك و لكن لأن الحق معي ايظاً!

- انا معك قلباً و قالباً ولا يخُفى عنك عدم استلطافي لياسر....و لكني أحاول أن اكون موضوعي..و ذلك لأخفف عنك الألم.
- لا شيء سيخففه...مالم...
- مالم ماذا؟
- مالم ينسحب ابن عمك
- و كيف تتوقع أن ينسحب؟؟

- تحدثه... نحدثه كلينا.. سوف اخبره بما أخبرتك لو لزم الأمر.. انه إنسان جامعي و متعلم و في الأخير لا بد أن الحوار المنطقي سيلقى قبولاً لديه.

- لا ادري..لا أريد أن أخيب أمالك و لكن ياسر ليس كما يحاول أن يوحي للناس به
- ماذا تعني
- اعني انه ليس على هذا القدر من سعة الصدر و الأفق.
- يجب أن أجرب على أية حال...قبل أن الجاء لوسائل أخرى.
- أي وسائل أخرى..! دغمان بالله عليك لا تفكر بالقيام بعمل متهور.
- دعنا لا نستبق الأمور.
- اذاً..متى ترغب بالحديث معه..
- الآن إن أمكن.
- لا أظن ذلك..فهو يرافق والدي و عمي إلى الحقل منذ عودته..يقول بأنه يريد الانخراط في الأرض حتى يستطيع تطبيق ما درسه..
- و متى يعود
- مساءا...تستطيع المكوث هنا حتى عودته
- كلا....أفضل الذهاب ثم ألعوده لاحقاً
- كما تشاء يا صديقي
- إلى اللقاء لاحقاً
- في حفظ المولى

انطلق دغمان خارجاً و هو متجهم غارق في أفكاره تاركاً حسن بدوره في دوامة أفكار...

يا لهذا القدر.. لماذا من بين فتيات القرية و القرى المجاوره قام ياسر باختيار نفس الفتاه التي يريدها دغمان............ ابن عمه و صديقه........ كفة من يفترض به أن يرجح..

العقل و المنطق يقول له أن ياسر ليس مذنب..فهذا حق شرعي له طالما لم يعلم بما ينتويه دغمان..

و لكن ما قاله له دغمان زاد في تعتيم صورة ياسر و جعله يراه كجاني...يسلب الفرصة الوحيدة لضحية التخلف المتوارث في المجتمع في عيشه كريمه و صوره لائقة كما وصفها هو بنفسه.

يا لهذه التقاليد الباليه التي تقيدنا و تجرنا ورائها قرن بعد قرن و جيل بعد جيل و نحن نسير ورائها كالنعاج..
و لكن بأي حق ينتقدها...لقد أصابه سؤال دغمان في مقتل.... لم يعهد نفسه بهذه الرجعية و التخلف...أليس هو من يريد التمرد على تقاليد القرية الباليه..أليس هو من نصح أباه بالتوقف عن الذهاب إلى الحقل لما يراه فيه من مجهود غير مبرر طالما هناك من يقوم به..أليس هو من ينوي الذهاب إلى المدينة لتحصيل شهادة اكبر من شهادة ياسر و العودة إلى قريته ليعيد بناءها وفق أفكاره هو..

ولكنه يحب قريته كما هي...يعشق أرجائها النظرة و أهلها الطيبون...

يا لهذا الصراع الذي وجد نفسه فيه منذ فتره ..يريد ولا يريد..يحب ولا يحب...بغضب لأتفه الأسباب.....يتمرد على عادات طيبه نشاء عليها و تغلغلت في نفسه...ثم يجد نفسه يتبع منها السيئ دون تفكير...أهي فورة الشباب و ما يصحبها من تناقضات و صراع نفسي؟

أم انه يقف على مفترق طرق..... اختياره لأحد الطريقين سيحدد أي نهج ستسير عليه حياته.




- اهذا ما نبذت ارض أجدادك لأجله...الجلوس في الحديقة سارحاً محدقاً في الفراغ..
- أبي؟
-
اعتدل حسن واقفاً ليحدث أباه..

- اعذرني يا أبي..لم استطع الذهاب اليوم فقد انشغلت مع صديقي دغمان.

- و ما هذا الأمر الذي لا يحتمل التأجيل و الذي أعاقك عن الحظور حتى من قبل الالتقاء بصديقك هذا.
تلعثم حسن...
- لقد..سوف..اعني لقد كنت انتظر مروره علي اليوم ليحدثني في شأن خاص به.

- اسمع يا بني.. أنا أدرك ما يجول في خاطرك و قلبك منذ وقت ليس بالقصير..أتظن أني لم الحظ تغيرك؟
لقد أنهيت الآن مدرستك و لقد كنت آمل انك ستنخرط من فورك في الحقل.. و لكن يبدوا أنني أسأت تقدير الأمور فلم تعد يا حسن ذاك الصبي الذي يعشق الأرض و يستنشق ترابها بحب ..و لكني واثق أن حبها يسري في عروقك و أن ما تمر به هو سحابة صيف و تزول و يعود حسن ابن الأرض الذي ربيته ليكمل مسيرتي و مسيرة الأجداد من قبل. الأرض يا بني هي ما يبقى بعد ذهابنا جميعاً...الأرض يا بُني وعدها الله للبناء ووُعدِنا نحن للفناء....و لهذا يا بني علينا أن نقوم بواجبنا تجاهها و لكني مستعد أن أبعثك إلى المدينة لتكمل تعليمك عسى خروجك من نطاق القرية و احتكاكك بالعالم الخارجي يجعلك تدرك مقدار قريتك لديك و تعرف قيمتها عند مقارنتها بما يحدث هناك, و عسى معرفتك هذه تعيدك إلينا كما كنت سابقاً..

- أبي..

- لا أريد إجابتك الآن..فكر فيما اقترحته عليك و من ثم بلغني بقرارك..و أنا سأقوم بسؤال ياسر عن ما نحتاجه من معلومات.

أنهى الأب حديثه ثم استدار مغادراً..تاركاً املآ و غضباً جديدين لدى حسن....أمل بتغيير حياته حسبما اقترح عليه والده..و غضب بأن ياسر دائماً هو المرجع الرئيسي في أي قرار أو اقتراح يتم تداوله.

كان حسن قد نسي موضوع دغمان كلياً في انشغاله بما حدثه به أبوه حتى جاء دغمان قاطعاً عليه حبل أفكاره من جديد

- دغمان؟ مرحباً بك من جديد
- هل لنا أن نذهب الآن
- حسناً..لقد عاد والدي و عليه لا بد أن ياسر ايظاً قد عاد إلى بيته
- هلم بنا..
قطعا الطريق صامتين حتى وصلا إلى المنزل الذي لا يبعد كثيراً عن بيت حسن..

- دق دق
- نعم نعم نعم..
و بسرعة البرق فُتح الباب و أطلت أسماء الصغيرة متوثبة سعيدة بهذا آلاتي اياً كان ليكسر الهدوء القاتل في منزلهم.
- حسسسن ...ظننته شخصاً آخر.

- شخصاً آخر مثل من أيتها الشقيه..من يسمعك يظن أن هناك زواراً يأتوكم غيرنا.
قالها مداعباً ليغيظها لعلمه أنها تشكو دائماً من قلة الزوار بعد وفاة والدتها.
- أين ياسر؟
- ياسر؟؟ ماذا تريد منه.
قالتها بفضول لإحساسها أن حسن لم يكن يستلطف ياسر و عموماً هو لم يكن يسأل عنه إطلاقا أثناء زياراته فمالذي جد عليه.
- سوف لن يقتلك سوى فضولك..أين ياسر وبسرعة فنحن على عجل.
و هنا تنبهت أسماء للشخص الآخر الذي يرافقه و ازداد فضولها..
- هممم... ياسر ..اظنه في الديوان يقرأ.
- اخبريه أننا هنا و سوف ننتظره في غرفة الضيوف.
قالها حسن و قام بالتحرك صوب ألغرفه دالاً دغمان على الطريق في حين ظلت أسماء تحدق خلفهم بفضول ثم لم تلبث أن هزت كتفيها في استغراب و انطلقت لتنادي ياسر.


- مرحباً بابن العم و صديقه العزيز
دخل ياسر إلى غرفة الضيوف مرحباً بهم..ويبدوا في عينيه تساؤل عما يريدوه
- مرحباً بك يا ياسر..هذا دغمان صديقي من القرية المجاوره اظنك تعرفه
- اجل اجل..مرحباً بك في بيتي
رد دغمان باقتضاب:
- شكراً
- "ياسر ... سوف لن نطيل عليك وسوف ندخل فوراً في صلب الموضوع." قالها حسن بحزم
أنت تعرف يا ابن العم أن خطبة المسلم عل خطبة أخيه لا تجوز...
- اجل..؟
- حسناً... خطبتك لابنة شيخ قرية دغمان لا تجوز
اعتدل ياسر في مقعده و بدا التوجس في ملامحه..
- ما هذا الذي تقوله..و عل أي أساس أعلنت عدم جوازها
- على أساس أن دغمان كان قد تقدم لها قبلك
- حسناً ؟
و هنا نهض دغمان غاضباً
- حسناً ؟ أما زلت تتساءل؟ أظن الأمر واضح بما فيه الكفاية..عليك أن تنسحب..
اجابه ياسر بمنتهى البرود
- و لماذا انسحب.. أن كنت قد تقدمت طالباً يدها وتقدمت أنا بعدك غير عالم بهذا و تم اختياري..فأين حجتك في الموضوع؟ أنا لا أرى أن هناك ما يبرر طلبك و اتهامكم لي باني خطبت على خطبتك.

و هنا تدخل حسن بغية تهدئة الأوضاع
- في كلامك شيء من الصحة يا ياسر..و لكن هناك ظروف و مبررات أخرى نعجز عن الإدلاء بها لك تجعل ما طلبه منك دغمان مبرر ... لقد جئنا آملين أن تعليمك و عليه سعة أفقك سيبررا لنا ما طلبناه.

- ما زلت لا أرى في ما قلته ما يمكن أن يجعلني أعيد التفكير
تبادل دغمان و حسن النظرات..ثم التفت دغمان إلى ياسر قائلاً:

- ياسر..سوف ائتمنك عل سر ظل طي الكتمان ما يقرب العشرون عاماً و شاء القدر أن أبوح به اليوم مرتين........أنا ممن يطلق عليهم مصطلح" بدون اصل" .... و ابنة الشيخ هي أملي في الحصول على هذا " الأصل" و بالتالي تأصيل أبنائي من بعدي, و كنت قد نجحت في الحصول على رد مبدئي بالقبول قبل ان تتقدم أنت.

- ما هذا الذي تقوله؟ أتعني انك تجرأت و تقدمت خاطباً يد ابنة الشيخ و أنت ذو اصل وضيع؟؟
صرخ ياسر بوجه دغمان غاضباً
اسود وجه دغمان و لم يدر ماذا يقول و لكن حسن هب غاضباً

- ما هذا الهراء الذي تقوله يا ياسر....اهذا ما عدت لنا به من ألمدينه؟ اهذا تعليمك الذي حصلت عليه و لا تنفك تتخايل به أمام أهل القرية كلها؟ بأي شرع و بأي حق تتهم أصله بالوضيع؟؟ ألأن أجداده امتهنوا مهنه صنفها الجهلة في زمنهم بأنها لا تليق بأبناء الأصول ؟

نظر ياسر إلى حسن ببرود و رد عليه
- اصمت يا حسن..أنت ما زلت صغير في السن و لا تفقه شيء .. يبدوا إنني سأضطر إلى تنبيه عمي بشأن الصحبة الفاسدة التي تسايرها...الم تجد إلا ابن الجزار ليكون صديق لك..ماذا سيقول الناس إذا ما عرفوا.

و هنا هب دغمان مذعوراً
- كلا أرجوك يا ياسر... ما أخبرتك به هو سر جاهدنا في الحفاظ عليه و بذلنا المستحيل ليظل طي الكتمان..استحلفك بالله أن لا تحدث به اياً كان.

رد حسن مخاطباً دغمان
- لا تترجاه! هو أدرى بالامانه و حملها....إن كان ضميره سيسمح له بان يخون ما ائتمنته عليه فهذا شأنه و ربه. هيا بنا...لا مقام لنا هنا..لقد أخبرتك بأن لا أمل يُرجى في ياسر.

تردد دغمان قبل أن يتحرك ذاهباً ثم التفت إلى ياسر عند وصوله إلى باب الخروج قائلاً

- ياسر.. إذا اصريت على إتمام الخطبة فهذا شانك..لا أستطيع القيام بشيء لمنعك..و لكن إن تحدثت بما أخبرتك به..فهذا سيصبح شأني أنا..سوف تعطيني الفرصة التي أريدها لأروي غليلي و حينها.....لا تلومن إلا نفسك.


- و الآن ماذا
كانا قد أصبحا على مشارف القرية عندما تحدث حسن أخيرا سائلاً دغمان.

- لا ادري..ارغب في استجماع أفكاري و إعادة النظر في الموضوع كله,,لم أتوقع إطلاقا أن يكون ياسر على هذه الدرجة من التجلد.
- لقد أخبرتك.. و لكن كان لا بد من المحاولة حتى ترى بنفسك
- ارجوا أن تعذرني يا حسن لقد أقحمتك في ما ليس لك به شأن
- لا تقل هذا بالله عليك..
- لا بأس عليك.. استودعك الله و لنا لقاء قريب
- استودعك الله...دغمان...لا تجعل ياسر يكدرك..لا شك ستجد مخرجاً مما أنت فيه بأذن الله تعالى
- خير إنشاء الله.


تركه حسن يمضي في طريق قريته و اتجه عائداً إلى البيت..
أنا حامل كفني وفي طياته مازال يثقلني السؤال
كفني أخف علي من حمل السؤال فمن يزيحه
ما الموت,ما الميلاد ,ما الشرف الرفيع وما الفضيحة
أهي الحياة تريد إغواء الحياة..فما الحياة؟! و ما السؤالات الجريحة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأدب“