حينما صرخ واعظٌ عسكري: «دماؤهم حلال ونساؤهم حلال» ...
النساء في مرمى الحرب
الأربعاء 11/5/2005 محمد عايش
كان على نساء إحدى قرى حيدان أن يعشن التجربة التي لم تعد تمرُ بها نساء العصر الحديث في أيٍ من ساحات الحروب المتخلفة.
لقد دخل الجنود إلى القرية التي كانت مؤيدة لهم طوال الحرب وقاموا، تحت مبرر التفتيش، بعمليات نهب طالت في المقدمة النساء اللواتي أنتزع الجنود الحلي من أعناقهن وصدورهن وتعرضن للإذلال بمرأى من عوائلهن.
حدث ذلك أثناء حرب صعدة الأولى ونقله عن الضحايا أعضاء في لجنة الوساطة الموسعة مروا بالمنطقة واستوقفتهم هذه الشكاوى ونقلوها إلى رئيس الجمهورية بعد عودتهم.
المألوف في كل الصراعات المسلحة أن ينال النساء قدرٌ غير قليل من الأضرار لكنها تُصنف كـ«أضرار جانبية» أو «غير مباشرة» إذ لا تكون المرأة بحد ذاتها هدفاً لتلك الأضرار عكس ما يحدث الآن في حرب صعدة حيث تبدو المرأة هدفاً مشروعاً كما الرجل المقاتل بالضبط.
ومن حيث المبدأ، فإن حرب السلطة التي تشن تحت مبرراتٍ موروثة من القرون الوسطى لا يمكنها إلا أن تكون قذرة بنفس قذارة حروب تلك المرحلة من التاريخ الأسود.
لذلك كان على محاصرين من أنصار الحوثي في إحدى المناطق القريبة من صعدة أن يسمعوا، حسب مصدر مؤكد، خطيب القوات العسكرية المحاصرة لهم وهو يحرِّض الجنود عبر مكبرات الصوت بعباراتٍ كهذه:
«اقتلوهم واسبوهم فإن دماءهم حلال وأموالهم حلال ونساءهم حلال وأطفالهم حلال».
وليس في هذا التحريض أي غرابة حين يكون مصاحباً لحربٍ تحظى بغطاءٍ ديني سلفي معبأ بفكر استباحي نجح في الوصول بالحرب الى ذروة النزيف الأخلاقي.
بعض تجليات هذا النزيف حدثت في صنعاء، مساء الثلاثاء قبل الماضي، حيث اعتقل جنود الأمن السياسي إحدى النساء مع زوجها في سابقةٍ تعدُّ الأخطر بين ممارسات هذا الجهاز لكنها ليست الأولى في سجل الانتهاكات المصاحبة للحرب.
انتصار السياني وزوجها إيهاب الكحلاني دوهم منزلهما في الجراف واعتقلا بتهمة انتمائهما إلى خلية من خلايا الحوثي في أمانة العاصمة حسب بيان وزارة الدفاع، ولا زالت المرأة مجهولة المصير حتى اللحظة.
وفي حين لا زالت تهمة «الحوثية»، التي يعتقل على أساسها العديد من المواطنين الذكور، محل شك كبير فإن استهداف النساء بذات التهمة المتهالكة يكشف عبثية غير مسؤولة وغير مقدِّرة للعواقب.
التهمة ليست أكثر من كذبة، وما اتضح لاحقاً أن المرأة اختطفت لنفس السبب الذي اختطف من أجله زوجها وأبوها وأحد إخوانها،وهو أن أخاً آخر لها قدم من صعدة إلى عائلته مصاباً بجراح خطيرة يُعتقد أنه تعرض لها أثناء مشاركته بالقتال في صفوف أنصار الحوثي.
ولأن الأم رفضت أن تسلِّم ابنها الذي أصبح مشلولاً ومبتورة ذراعاه.. فقد تصرف جهاز الأمن السياسي بهستيريا واعتقل الأخت وزوجها والأب وأحد أبنائه على طريقة «الرهائن» وأخذ البريء بالمتهم لا غير.
ليست الحادثة معزولة عن حوادث أخرى، وعدا النساء اللواتي لم توفرهن سلسلة القتل الجماعي والمداهمات والاعتقالات في صعدة، فإن حوادث سُجلت في عديد مناطق مدفوعةً بالوعي اللاأخلاقي نفسه:
واحدةٌ من بنات العلامة بدرالدين الحوثي، تسكن في صنعاء، اقتحم منزلها في الثانية بعد منتصف ليل الأربعاء الماضي ثلاثة عشر مسلحاً بلباس مدني مصحوبين بمجاميع مسلحة حاصرت من الخارج المنزل الذي لم يكن فيه غير المرأة التي يقبع زوجها في سجون الأمن السياسي منذ أكثر من عشرة أشهر على ذمة الشعار.
رُوعت المرأة ونساء أخريات من أقاربها بالإضافة إلى الأطفال وانتهكت حرمتهن بشكلٍ يخلو من الإنسانية.
وفي منطقة ضحيان بصعدة اقتحم جنود، السبت الماضي، آخر منازل أبناء العلامة الحوثي الناجية من التدمير وهو منزل محمد بدرالدين المسجون في البحث الجنائي بصنعاء منذ بداية الأحداث.
وكانت خمس عوائل مكوَّنة من النساء والأطفال قد لجأت إلى المنزل واستقرت فيه بعد أن دُمرت منازلها وقتل رجالها أو اعتقلوا، غير أن وضعها هذا لم يحل بين الجنود وبين اقتحام المنزل وتعريض النساء مع أطفالهن لأضرارٍ مادية ونفسية بشعة.
معتقلون آخرون تستمر إلى الآن مداهمة منازلهم واستهداف أسرهم بشكلٍ دوري، وإذ يصعب احصاء مثل تلك الحالات يكفي التذكير بما تعرضت له نساء وأطفال معتقلي الرأي في صنعاء يحيى الديلمي ومحمد مفتاح اللذين دوهم منزلاهما أكثر من مرة، بعضها في أوقاتٍ متأخرة من الليل، أهينت النساء أثناء ذلك وهددت حتى بالإعتقال والتصفية الجسدية.
المعروف أن من أساليب أجهزة الأمن في الضغط على المعتقلين من أجل نزع اعترافات.. أن تهددهم بإستخدام العنف مع عوائلهم والتلويح بتعريض نسائهم للإعتداء، وهذا أمرٌ يعرفه من مرَّ بتجربة الإعتقال لدى هذه الأجهزة.
وفي حين لم يكن ملموساً تنفيذ الأجهزة تلك التهديدات فيما مضى فإن ما يحدث الآن قد يكون مؤشراً لجدية السلطات في القدوم على ارتكاب هذه الأفعال الخرقاء بهدف الضغط على مئات المعتقلين لديها ممن عجزت عن انتزاع اعترافاتٍ منهم لأنهم في الأساس أبرياء وليس لديهم ما يقولون.
المؤكد أن من يدير هذه الحرب هم أناس لم يأتوا من كوكب آخر، فهم يعرفون جيداً ماذا يعني استهداف النساء لدى اليمنيين وأي ردود فعلٍ كارثية يخلقها هذا الاستهداف.
كما أنهم يدركون أن الحرب التي تخلو من شرف الخصومة وتتجاوز كل القوانين بما فيها قوانين المروءة و«القبيلة» وحتى الشرف العسكري.. هي الكفيلة بإدخال البلاد مرحلة «حرب الجميع ضد الجميع» وهي مرحلة يبدو أن صنَّاع الحرب أقسموا على أن يرموا الوطن إلى جحيمها، وهم الآن يعملون على البر بقسمهم بشكلٍ مريع.