مواجهة الفكر بالحرب.. الخوف من الصحوة الزيدية (1-2) .
الأربعاء 4/5/2005 عبد الفتاح الحكيمي
(الاهداء.. الى المفكر الكبير الأستاذ فهمي هويدي)
على خط المواجهة بين السلطة وقبائل صعدة مؤخراً والشباب المؤمن العام الماضي يونيو 2004م دخل الفكر الشيعي الزيدي بصورة مباشرة ضمن ادوات النزاع، ربما باعتباره احد الهواجس الخفية التي دفعت بالسلطة الى موقع التخندق والتهيئة لمنازلة جلفة خرجت بها عن حدود العقل والمعقول الى انهار من الدماء.
ادركت السلطة منذ وقت مبكر من يناير 2003م عندما خططت لتصفية العلامة المجدد حسين بدر الدين الحوثي انها سوف تحشر نفسها بلاضرورة في مواجهة غير متكافئة، ستكلفها الكثير من اهل المذهب الزيدي كلهم، وهم يمثلون %50 من سكان البلاد.
وحصلت في الوقت نفسه على غطاء الشرعية المذهبية للمواجهة.
تأسست فكرة السلطة للتخلص من جماعة الشباب المؤمن اذن باتجاهين:
الاول: عزل الجماعةعن انتمائها للمذهب الزيدي الشيعي حتى لايقال ان الرئيس تنكر للمذهب الذي كان ينتمي اليه وانه يسعى لالغائه ومواجهته.
الثاني: عزل الجماعة عن الشارع فالالتفاف الشعبي حولها، خصوصا في اوساط الشباب الذين وجدوا في (الشباب المؤمن) الروح الجديدة للتعبير العقائدي السياسي الرافض للسياسة الامريكية في البلدان الاسلامية، ومنها اليمن.
وكلما توسعت خارطة الجماعة ودعوتها تراجعت شعبية الرئيس بين اتباع الزيدية مع مواقفه العملية المعلنة المتوائمة مع النهج الامريكي في المنطقة، خصوصا بعد احداث 11 سبتمبر 2001م، وتوقيع السلطة اتفاق الشراكة مع واشنطن فيما يسمى بـ(مكافحة الارهاب) اواخر نوفمبر 2002م، وهي الفترةا لتي تحولت معها جماعة الشباب المؤمن من فئة مذهبية عقائدية تتشيع للزيدية وتوالى آل البيت الى جماعة سياسية ثقافية ناشئة لها رؤيتها ومواقفها من الاحداث والقضايا والتحولات الفكريةالتي تمس هوية الشخصية اليمنية الاسلامية في الصميم.. وفي مقدمة ذلك التدخل المباشر في اعادة صياغة مناهج التعليم والتربية الاسلامية برؤية أمريكية تلغي الخصوصية الثقافية وتنتهكها.
مع الانتقال الفكري للجماعة في تبني قضايا راهنة جديدة فقد ميزت تمامآً بين رفضها المطلق والمشروع للتدخل السياسي الامريكي في خصوصيات الشعوب، وبين عدم رفض الشباب المؤمن لكل ماهو امريكي بالضرورة الا من باب رفض الوصاية والهيمنة الامريكية على الشعوب الاسلامية، تتضح اهداف الجماعة بجلاء من خلال الشعار الذي اطلقته بكثرة، من محافظة صعدةالى صنعاء ومناخة وعمران وذمار وحجة منذ يناير 2003م (الله اكبر.. الموت لامريكا.. الموت لاسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للاسلام)، مايؤثر في توجهات السلطة السرية للتطبيع مع اسرائيل.
فالشعار يوائم بين امريكا وإسرائيل الى درجة (التوأمة) بما يعني ان الموقف يناهض سياسة أمريكا الداعمة لبقاء احتلال فلسطين، وماتبع ذلك من تمادٍ اسرائيلي وحشي في استئصال وقتل وتشريد اصحاب الحق بعد احداث ال11 من سبتمبر 2001م، بدعوى مكافحة الارهاب الفلسطيني، ممثلا بالمقاومة الاسلامية، وماتلا ذلك من غزو افغانستان في 7 اكتوبر 2001م واحتلال العراق في 9 ابريل 2003م وماتبعه بسقوط نظام صدام حسين من انفراد اسرائيلي بالفلسطينيين وتجاهل امريكا لحقوقهم بعد وقوع بغداد سياسيا بيد الاحتلال.
يستطيع القارىء المحايد للاحداث والمغيرات الدولية الاستنتاج بان جماعة الشباب المؤمن في اليمن في ادبياتها الفكرية المعلنة لاتحمل الضغينة الايديولوجية العقائدية التاريخية للامريكان، بل هي ضد سياسة الاستعلاء والممارسة العملية التي ينتهجها الامريكان بمؤازراتهم للطغيان الاسرائيلي، وتدخلهم في إعادة توجيه وتكييف مناهج التعليم والتربية الاسلامية في اليمن وغيرها، وبتعبير واداوت سلمية يكفلها الشرع الاسلامي الحنيف والقانون الوضعي.
وتتلخص مواقف جماعةالشباب المؤمن السياسية في قضيتين:
القضية الاولى: استنكار انحياز ودعم امريكا للاسرآئيليين ضد حقوق الشعب الفلسطيني العادلة في حياة كريمة وحرة، ودولة مستقلة.
القضية الثانية: التمسك بالهوية الاسلامية المستقلة في تطوير مناهج التعليم في اليمن وغيرها.
فوبيا الامريكان
عندما شخص العلامة المجدد حسين بدر الدين الحوثي ازمة الثقافة الاسلامية المعاصرة في اليمن والبلدان الاخرى لخصها في جملة واحدة بليغة وهي (ابتعاد الامةعن ثقافة القرآن وعدم تدبره).
لكن السلطة كانت تعاني من مرض رهاب الامريكان او (فوبيا الامريكان)، فعندما توجهت احدى المظاهرات بعد صلاة الجمعة 9 مارس 2003م للتنديد بالتهديد الامريكي لاجتياح العراق، سارعت السلطة باتهام الشباب المؤمن بالوقوف وراء المظاهرة وقال الرئيس يوم 2004/7/3م (عندما حصلت المظاهرة على السفارةالامريكية مازهدنا الا وهم في المقدمة).
وتحدث الرئيس بعد ذلك عن الثمن الكبير الذي دفعته اليمن جراء ترديد شعارات (الموت لامريكا.. الموت لاسرائيل) بعد صلاة الجمعة اعتبارا من يناير 2003م،وسقط 4 قتلى في مظاهرة الجمعة الدامية امام السفارة الامريكيةعلى ايدي الامن الحكومي، لكن السلطة زجت باسم الشباب المؤمن عنوة دون دليل، على الرغم من أن التظاهر تعبير سلمي لايحتمل ارتفاع درجة هلع السلطة من الامريكان، وزاد سقوط الرئيس صدام حسين بعد شهر على المظاهرة من سيطرة مرض الفوبيا على السلطة في اليمن، وان وجود اي مظهر للتعبير السلمي الرافض لسياسة امريكا الجديدة يعني عند الرئيس نهاية السلطة في اليمن.
المرجح ان التهويل من ظاهرة (الشباب المؤمن) في صنعاء وصعدة ناجم عن خوف السلطة من الامريكان وليس بسبب حقيقة تأثير هذه الجماعة الفعلي، بل استمد الشباب اهميتهم المبالغ فيها عند السلطة من ارتباطهم بالمتيغرات السياسية الكبرى في المنطقة، لكنهم لم يتحولوا الى كتلة مؤثرة تحسب لها السلطة فعلا الا بعد ان اختارت هي مواجهتهم المسلحة في 18 يونيو 2004م في منطقة مران- صعدة واكراههم على حمل السلاح للدفاع عن انفسهم وزعيمهم العلامة المجدد حسين بدر الدين الحوثي في منطقة قبلية بطبعها والسلاح يباع في اسواق رسمية، يتاجر به في سوق الطلح الشهيرة بصعدة.
اع المجال امام الاختلاف الفكري الحاد بين المسلمين
حتى في ذروة الاعتقالات التي شنتها السلطة منذ يناير 2003م في صفوف الشباب المؤمن بسبب ترديد الشعار بعد صلاة كل جمعة وسجن 800 من الجماعة في البداية وطرد 500 اخرين من وظائفهم في صعدة لم يلوح الشبان باي رد فعل فوضوي او عنيف ضد السلطة، اذ التزموا الصمت والهدوء والاذعان لزعيمهم العلامة حسين بدر الدين الحوثي، فلم يتركوا للسلطة مبررات لادانتهم سياسياً اوا منيا رغم الضرر المعنوي والمادي الفادح الذي لحقهم. الا ان صبر السلطة بدأ ينفد من اوائل مايو 2004م بزعم ان الشباب بدأوا يرددون في صعدة حديث (لا طاعة في معصية الله) ونطيع الحاكم ما اطاع الله ونعصيه ماعصى الله، ولم تأبه السلطة الى ان رد الفعل الطبيعي هذا نجم بفعل سياسة العقاب الجماعي المكثف التي اتبعتها، في سجون الامن السياسي لمئات الاشخاص الذين امضوا اكثر من عام ونصف في الزنازن من يناير 2003م بسبب ترديد شعار (الموت لامريكا.. الموت لاسرائيل) الا ان السلطة تطلب لنفسها الطاعة والتوقير دون اكتراث منها بحقوق وكرامة الاخرين.. وهي فترة كبيرة بكل المقاييس الاخلاقية والقانونية لاناس يمضون شبابهم في السجون دون تهمة او قضية او محاكمة.
وبالفعل اظهر الامريكان تخوفهم من ترديد الشعارات، خصوصا بعد تنديد مواطني صعدة بزيارة السفير الامريكي السابق في النصف الثاني من عام 2003م، لكن الصلابة التي ابداها الشبان في ثباتهم على المبدأ ورفض خروجهم من المعتقلات مقابل تحريرهم تعهدات بعدم ا لعودة الى ترديد الشعارات، يفقد السلطة رشدها، وربما جعلها تعيد الحسابات بتصعيد اسلوب التعامل مع الشباب المؤمن وزعيمهم، الامر الذي ارتبط بدرجة معينة بعودة الرئيس علي عبدالله صالح من امريكا بعد حضوره (ضيفاً) على قمة الدول الثماني في سي آيلاند 2004/6/10-8م واللقاءات التي اجراها مع مدير جهاز الـ(سي. آي. إيه) بعد القمة، وبحسب باحث امريكي زار اليمن في فترة اندلاع الاحداث قال في مقابلة شخصية (من المحتمل ان جهاز الـ(سي. آي. إيه) ناقش مع الرئيس صالح موضوع جماعة الحوثي، لكنني استبعد انه تلقى توجيهات او طلبات بالضربة العسكرية).. والمرجح ان حضور الرئيس قمة الثماني كان ثانوياً بالنسبة الى مهمته الامنية الرئيسية، وفي 18 يونيو 2004م، بعد اسبوع على قمة الثماني، زحفت وحدات من الجيش الحكومي معززة بالأسلحة الثقيلة والطيران لضرب وتطويق منطقة مران في صعدة، حيث يقطن الزعيم الروحي لجماعة الشباب المؤمن.
قال العلامة حسين الحوثي، عقب اندلاع المواجهة الأولى بأسبوعين لصحيفة الشورى (ان الرئيس علي عبدالله صالح قام بضربنا ارضاءً لأمريكا)، وادعت السلطة بان العملية العسكرية ضد الحوثي جاءت بسبب قيام مجموعة من انصاره بمهاجمة بعض النقاط العسكرية واقسام الشرطة وقتل 4 جنود، فيمااكدت معلومات اخرى ان الجنود قتلوا على ايدي مهربي سلاح ظنوا انهم ملاحقون من قبل قوات الامن.
وبين طاعة ولي الامر التي تستجديها السلطة من الشباب المؤمن وارضاء امريكا التي اتهم الحوثي السلطة بها توزعت الاتهامات لمعرفة الطرف الذي استخدم العنف المسلح أولاً، عدا الدوافع الخاصة، الخفية والمعلنة، فثأر السلطة من الشباب المؤمن لايخفى بعد ان تحول عملها العسكري الى جريمة بهذا الحجم الذي تحصد اليمن مساوئه الى اللحظة، فالسلطة تصرفت في الاحداث بوحي ذاتي لارضاء امريكا، ولو لم يطلب منها ذلك.. وكون تصفية الشباب المؤمن والمذهب الزيدي عسكريا قد يمثل رغبة مشتركة للسلطة والامريكان، فذلك لا يعفي السلطة في النهاية، فهي مسؤولة امام الله والناس والتاريخ على غشامة ما حدث.
تغطية على النوايا
في حرب الصيف الماضي بصعدة 18 يونيو 10 سبتمبر 2004م اطلقت السلطة مجموعة من الإدعاءات لتبرير الحملة العسكرية ضد جماعة الشباب المؤمن وزعيمها ومنها ا نهم يدعون الى اقامة حكم الإمامة، وحصرالولاية في البطنين (نسل الحسن والحسين) ورفع علم حزب الله اللبناني في مران- صعدة، تشكيل مليشيات مسلحة ومقاومة السلطات. لكن حسابات السلطة الخفية نبعت اساسا من خشيتها من صحوةالمذهب الشيعي (الزيدي) وتحوله الى تيار شعبي كبير يناهض تقارب النظام مع الأمريكان ويعجل بسقوط الحكم من الداخل بكل ماللمذهب الزيدي من تأثير روحي ومبادىء اخلاقية تعبر بمضمونها ا لمتجدد عن مقتضيات المرحلة ونبض الشارع الاسلامي في اليمن، بعد ان استطاعت السلطة تدجين واحتواء التيارات الاسلامية الفاعلة، تارة كما هو حال جماعة الاسلام السياسي، وقمعها وارهابها تارة اخرى، كما فعلت مع الجماعات الجهادية والمشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة، وعددهم 3000 شخص، اودعتهم السلطة زنازن المعتقلات تحت الارض من اكتوبر 2000م، بعد تفجير المدمرة كول في ميناءعدن مرورا بما رافق احداث 11 سبتمبر 2001م في نيويورك وواشنطن من توسع قائمة المطلوبين بطلب امريكي تحت بند (اجراءآت وقائية احترازية).
من مبادىء المذهب الزيدي قاعدة (جواز الخروج على الحاكم الظالم) ،وهو ما استغلته الاجهزة السرية لتضخيم ردود فعل الشباب المؤمن الطبيعية على اجراءات الاعتقال الجماعي وطرد المئات من وظائفهم باعتبار ان التذمر من السلطة الذي ساد اوساط الشباب في صعدة وصنعاء يمثل وفق المذهب الزيدي بداية الخروج على الرئيس الذي انطلت عليه (خدعة الاجهزة). وعلقت في ذهنه الفكرة اكثر عندما تباطأ العلامة حسين بدر الدين الحوثي في الوصول الى صنعاء لمقابلة الرئيس منتصف 2004م بعد وساطات، بحجة احترازه على حياته من التصفية الجسدية بطائرة امريكية بدون طيار في طريق مغادرته تماماً كما حصل ذلك لـ(ابو علي الحارثي) في نوفمبر 2002م بمارب، هذا الكلام ورد على لسان الرئيس اوائل يوليو 2004م في لقائه بعلماء الزيدية عندما قال (لم يصل حسين الحوثي إلى صنعاء وقال يخشى ان الامريكان يضربوه في الطريق).
في اوائل يونيو 2004م عندما فشلت خطابة وزير الاوقاف في مساجد صعدة بإعادة الشباب المؤمن الى (بيت الطاعة) ربما اقنع الرئيس علي عبدالله صالح نفسه ان العلامة حسين الحوثي وجماعته قرروا الخروج عليه وفق مبادىء المذهب الزيدي دون ان يكلف نفسه من باب المسئولية اطلاق سراح 800 من الشباب المعقتلين منذ عام ونصف بالضبط في زنازن السلطة..
حتى عدم طاعة الحاكم وعدم الاعتراف به من اي فرد او جماعة (سلمياً) لايقتضي اية عقوبة على اصحابه، باجماع كل اصحاب المذاهب الاسلامية، على قاعدة (الطاعة في المعروف) بينما لاتعدو مجاهرة الشباب المؤمن بعدم طاعة الحاكم، كونها مجرد احتجاج رمزي انساني على انتهاك السلطة حقوق وكرامة اقاربهم ورفاقهم في المعتقلات، دون تهمة او محاكمة، ولم يتبعوا ذلك اي عنف اومواجهة الا حينما دبرت قوات امن حكومية يوم 18 يونيو 2004م محاولة اختطاف لحسين الحوثي وقامت بمطاردة سيارة مجهولة في منطقة ضحيان بصعدة، اعتقدت انها تقل الشخص المطلوب، ثم اتضح بعد الاشتباك معها انهاتتبع مهربي السلاح الذين قتلوا أربعة من رجال الأمن.
أماكيف تداخلت المواجهة العسكرية بالفكرية وتداعياتها ومخاطرها، فذلك موضوع الحلقة الثانية إن شاء الله تعالى.
مواجهة الفكر بالحرب.. الخوف من الصحوة الزيدية (1-2)
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
الجزء الثاني من المقال
الجزء الثاني من المقال
مواجهة الفكر بالحرب ..الخوف من الصحوة الزيدية (2-2) .
الأربعاء 11/5/2005 عبد الفتاح الحكيمي
(الاهداء.. الى المفكر الكبير الأستاذ فهمي هويدي)
تبدو المعركة التي اندلعت بين السلطة وجماعة الشباب المؤمن في يونيو 2004 عسكرية في ظاهرها وأدواتها غير ان اهدافها تظل فكرية ضد التشيع الزيدي خوفاً من صحوة فكرية اسلامية أكبر مع تحاشي السلطة توسيع نطاق المواجهة مع كل أهل المذهب، ومحاولة عزل جماعة (الشباب المؤمن) وقضيتهم عن المذهب الزيدي (الأم) واتهامهم بـ(الاثني عشرية والجعفرية) للانفراد بضربهم وتصفيتهم.
في 26 يونيو 2004 دست السلطة في الصحف الرسمية الثلاث أحد البيانات القديمة التي اصدرها علماء الزيدية قبل شهر من الحرب لتبيين خلافهم الفقهي مع العلامة حسين الحوثي، فنفى العلماء صحة البيان وان لا علاقة له بالحرب التي بدأتها السلطة وأدانوا عدوانها في بيان لاحق.
جنون الاقتلاع
في 29 يونيو 2004 عاشر أيام معركة (مران) التي استمرت 85 يوماً اصدر مجلس الوزراء قرار اغلاق المراكز الصيفية لتحفيظ القرآن الكريم في اليمن كلها للتمويه على طبيعة الاستهداف الرسمي الأساسي باغلاق مراكز التعليم الزيدية في صعدة وصنعاء، حجة، عمران، ذمار، البيضاء، وفي صدارة ذلك المراكز التابعة للشباب المؤمن، التي ساهمت السلطة نفسها في تمويلها، على اعتقاد انها تستطيع توظيفها فيما بعد لتحجيم نشاط مدارس ومراكز تتبع حزب الاصلاح والجماعات السلفية.
بعد خمسة أيام في 4 يوليو 2004م تشكلت بقرار من مجلس الوزراء لجنة الحصر والمسح والتقييم الشامل لمراكز ومدارس ومنشآت التعليم الديني الأهلي في اليمن، وقدمت اللجنة المشتركة من وزارتي التربية والتعليم والاوقاف والارشاد تقريرها في 45 صفحة ضمنته وجود (651) منشأة ومركز تعليمي من أصل 4500 ما بين مركز تحفيظ قرآن وجامع ومدرسة تتبع من اسمتهم اللجنة بـ(الإمامية) الذين يسيطرون بحسب ادعاء التقرير على %70 من مفاصل التعليم والمواقع القيادية على حساب كوادر المؤتمر الحاكم، وانه يجب تطهير التعليم الديني من هؤلاء، وفق توصيات عقابية تبدأ بالطرد من الوظيفة العامة واعادة توزيع المعلمين في مناطق نائية وبعيدة عن مناطق سكنهم الاصلي، وهو ما دشنه بالفعل محافظ صعدة يحيى العمري بنفي عشر مدرسات من مناطقهن بتهمة (الهاشمية). وأوصى التقرير التربوي (الأمني) بإلغاء الشعائر الدينية المرتبطة بالأذان من (حي على خير العمل) إلى الأدعية السجادية بالترحم على آل البيت في مساجد الزيدية باعتبارهم الامتداد لحكم الإمامة ومتواطئين مع ما اسماها التقرير بـ(حركة التمرد التي قادها حسين بدرالدين الحوثي) وانتهاءً بإلغاء يوم الغدير والاحتفال بالمولد النبوي.
ونشرت صحيفة «الوحدة» (الحكومية) مضمون التقرير قبل اسبوعين، والذي تبعه تجميد رئىس تحرير الصحيفة من عمله ثم توسط الاستاذ نصر طه مصطفى لاعادته بحسب بعض الصحف بعد رفض الشخص البديل (اسكندر الأصبحي) شغل موقع زميله بعد ان تلقى وعوداً سابقة بتعيينه رئيس مجلس ادارة مؤسسة الجمهورية.
وجد معدو التقرير فرصة ذهبية لتصفية حسابات سياسية ومذهبية مع الشيعة الزيدية، فظهرت لغة التقرير بصيغة تحرض السلطة على التصفية الفكرية، مستغلة انفعال الرئيس الحاد ورد فعله الجامح من جماعة الشباب المؤمن الذين تحصنوا في جبال مران 85 يوماً دون ان تتمكن جحافل الجيش من السيطرة على آخر المعاقل إلا يوم 10 سبتمبر 2004 بعد مقتل 4000 جندي وضابط في حرب قال عنها الرئىس (ان فتنة مران كلفتنا انهاراً من الدماء) فالحالة المعنوية للسلطة اثناء المواجهة الأولى اتاحت للعديد من التيارات المذهبية الأخرى تمرير كثير من المثالب على حساب المذهب الزيدي ومدارس ومراكز تعليم يشرف عليها علماء ومدرسون من اتباع المذهب.
القضاء على الزيدية
رأت السلطة الفرصة مواتية للقضاء على المعالم الفكرية للزيدية في فترة الحرب، كون ذلك اسهل من القضاء على مقاومة الشباب المؤمن المسلحة في جبال مران.. ففي ذروة المعارك العسكرية هدمت السلطة بقذائف الدبابات معظم ابنية مراكز تحفيظ القرآن الكريم بصعدة وحجة التي اسستها جماعة الشباب المؤمن بموافقة السلطة من باب تعويض تأخير الحسم العسكري الباهظ.
وفي 4 يوليو 2004 اسقطت السلطة الحصانة القضائية عن القاضي محمد علي لقمان واحالته الى محكمة (أمن الدولة) الجزائىة ثم حكم عليه بعد ذلك في اغسطس بالسجن 10 سنوات بتهمة دعم تمرد الحوثي وتعليق صور الخميني وحسن نصرالله والطعن بشرعية ولاية رئيس الجمهورية واحياء يوم الغدير.. وفي اغسطس 2004 أحالت نيابة الصحافة الاستاذ عبدالكريم الخيواني رئىس تحرير «الشورى» الى المحكمة الابتدائية بتهمة دعم ومناصرة الحوثي، واثارة الفتنة الطائفية واهانة رئىس الجمهورية. وصدر الحكم خلال أقل من شهر، بسجن الخيواني لمدة عام واغلاق صحيفة «الشورى» لمدة 6 أشهر واستكمال محاكمة 7 من كتاب الصحيفة بالتهم الملفقة ذاتها.. وعندما اعتصم علماء وسياسيون زيود وشيعة وشوافع سنة بعد صلاة الجمعة في جامع (الشوكاني) يطالبون السلطة بوقف اراقة الدماء والاحتكام الى صوت العقل زجت السلطة بمجاميع من خيرة علماء وشباب الشيعة الزيدية فقط في المعتقلات، وفي صدارتهم العلماء يحيى حسين الديلمي ومحمد مفتاح سبقهم بشهرين اعتقال العلامة الشاب محمد سالم عزان الذي عاد من بيروت أوائل يوليو بعد مشاركته في ندوة فكرية حول حقوق الانسان انتهت به الى زنزانة انفرادية.
في سجن محافظة حجة ايضاً اعتقلت السلطة ادباء ومثقفين اصدروا بيانات تدعو الى وقف الحرب ومنهم الشاعران (عادل شلي) و«عبدالرحمن الشريف) وغيرهم من اتباع الزيدية امثال ماجد الحوثي. اقتصرت موجة انتقام السلطة على الرموز الزيدية والهاشمية، علماء، مثقفين، في صعدة وصنعاء وذمار وحجة باعتبارهم عيّنات رمزية يتعظ بها اتباع المذهب من وعيد السلطة، أما التضييق على المحتجين من غير المنتمين فكرياً للزيدية فقد اكتفت السلطة ازاءهم بالتلويح بالعقاب والتهديد فقط. ولم تصل عملياً الى السجون والمداهمات عدا ما قامت به السلطة من محاصرة عسكرية لمقر الحزب الاشتراكي اليمني الرئىسي في صنعاء بعد ثلاثة ايام من تفريق اعتصام جامع (الشوكاني) بسبب تبني الاشتراكيين لفعالية الاعتصام مجدداً في مقرهم.. وفعلاً اوقفت السلطة الاعتصام الثاني بالقوة العسكرية ومنعت دخول مقر الاشتراكي عدا اشخاص معدودين بعد تفتيشهم ومصادرة هواتفهم النقالة، وأدعى الدكتور رشاد العليمي وزير الداخلية أمام مجلس النواب إثر شكوى تقدمت بها كتلة الاشتراكي للبرلمان ان الاجراءات المشددة بمنع الاعتصام كانت حماية للاشتراكيين وغيرهم من احتمال تعرضهم للانتقام من اقارب العسكريين الذين قتلوا في مران دفاعاً عن السلطة!!
مع وقائع جلسات محاكمة العالمين مفتاح والديلمي أودعت السلطة ايضاً علماء زيود جدد في المعتقل منهم شرف النعمي والجلال بتهمة حشد التضامن الشعبي الكبير داخل قاعة المحكمة وخارجها، وهي التظاهرة الجماهيرية التي اضطرت السلطة الى ارسال مدرعات الأمن المركزي لتهديد المتجمهرين وحجز بعضهم داخل جدران المدرعات نفسها.
تمادي السلطة
حسمت السلطة يوم 10 سبتمبر 2004 معركتها عسكريا في جبال مران ضد اتباع العلامة حسين بدرالدين الحوثي، لكن الحرب المذهبية (غير المعلنة) ظلت الهدف الأبرز، فمن ملاحقة واعتقال الرموز العلمية والثقافية والصحافية للشيعة الزيدية، واغلاق مراكز تحفيظ القرآن الكريم والتضييق على تدريس علوم الدين منذ الصيف الماضي، الى مصادرة الكتب الفقهية من المكتبات الخاصة كما حدث في مداهمة مكتبة شخصية كاملة للعلامة محمد أحمد مفتاح وترويع أسرته ليلاً في شهر رمضان ومصادرة أكثر من ألف عنوان دون امر قضائي بالتفتيش ولا حكم بالمصادرة، وأوامر رسمية صدرت من وزارة العدل أوائل مارس 2005 بتجفيف مكتبة الوزارة من عناوين الفقه والفكر الزيدي والشيعي بوجه عام، ومنها كتاب (نهج البلاغة) للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمأثورات الأخرى التي تحتفظ بها حتى المكتبات السلفية في البلدان الاسلامية، فالسلطة لا تقدر مخاطر سياسة رد الفعل دون مراعاة لعواقب القمع والكبت الفكري الذي قد يتحول فعلاً الى انفجار مدمر من نوع آخر، فالمصادرة الفكرية تاريخياً وبالتجربة ايضاً توسع من نطاق اهتمام الناس بالانتاج الثقافي وتنقل الافكار المذهبية الاجتهادية كالزيدية الى مرحلة السرية السياسية والعمل تحت الأرض، عدا ان كل ممنوع مرغوب، فالسلطة في اليمن دون وعي زجت بنفسها وسط معركة فكرية طويلة، فالمصادرة والاقتلاع الفكري لا يحسمان معركة من هذا النوع، بل تزيدان في تجذيرها وتأصيلها، والسلطة في غنى عن معارك فكرية مع الزيدية أو غيرها من المذاهب، فالشباب المؤمن بعلم السلطة اختلفوا معها حول السياسات والتوجهات في علاقات اليمن الدولية غير المتوازنة مع الأمريكان أو في الهرولة نحو التطبيع مع اسرائيل، دون اعتبار لحقوق الفلسطينيين وتضحياتهم، ولا تقدير لمخاطر التفريط بهوية التعليم الاسلامي في اليمن عندما تتحدد المناهج برغبة أمريكية ويطبق الحصار على مراكز تعليم القرآن.
ولعل بعض المحيطين بالرئىس يستغلون ثقته الشخصية واسمه لتصفية حسابات مذهبية مغلَّفة بالحرص على الرئيس والاستدلال بما حدث للسلطة في صعدة من صعوبة الحسم الصيف الماضي حد الورطة غير المحسوبة.
نقولها خالصة لوجه الله أخطأت السلطة في اعتماد الخيار العسكري لمواجهة الشباب المؤمن مع وجود بدائل الحلول السلمية الاخوية التي التزم بها الطرف الآخر قرابة ستة اشهر، والخطأ الفادح هو في تزامن الخيار العسكري مع المواجهة الفكرية ضد مراكز الزيدية وكتبها وثقافتها الدينية، فرسخت بذلك قناعات وافكار المختلفين معها ودفعت الاقل التزاماً من الزيود بالمذهب الى التشبث به والاستعداد للدفاع عنه، وهي كل الظروف والعوامل التي يحتاج اليها أي فكر أو عقيدة للانتعاش، فالسلطة عملت ضد النتائج التي خططت لتفاديها، وخاضت المعركة الفكرية بعقلية عسكرية سادها الانتقام بتأثير طول المواجهات المسلحة التي لم تتوقعها السلطة.
بصرف النظر عن خطأ تقديرات المعركة الفكرية للسلطة مع الزيدية، لا يزال بمقدورها الاستفادة من أرقام وبيانات حصر منشآت التعليم الديني في اتجاه واحد فقط، وهو ابقاء كل مراكز ومنشآت التعليم القائمة زيدية شيعية، سنية وسلفية أو اصلاحية بإشراف القائمين عليها ومنهج تقره الدولة ويشارك الجميع في صياغته، يراعي الخصوصية المذهبية للمراكز بدرجة ما ويربط المواد الدراسية بمراحل التعليم الأساسي والعام.. وتصلح رؤية الدكتور عبدالكريم الارياني بشأن مراعاة الخصوصية المذهبية واحترام فقه الدعوة الى الله الملزمة للدولة باعتبارها اقل تطرفاً من مؤامرة اقتلاع التعليم الديني على حساب فريضة الدعوة الى الله.. وهي دعوة بدأت تتبلور باستهداف الزيدية أولاً، ثم باتجاه تجفيف التعليم الديني وتجريد المذاهب من خصوصيتها ونعمة التنوع.
مواجهة الفكر بالحرب تغرق السلطة والوطن في مستنقع سحيق لا يمكن التنبؤ بنتائجه الضالة..
قد تكون بداية نهاية النظام الحاكم وقد تكون دروساً يتعظ منها الحاكم ويستفيد.. من يدري!. اما الخوف من الصحوة الاسلامية الزيدية فإنه يشغل الحاكم والخارج بالدرجة نفسها.
ولا يمكن «حجب عين الشمس بمنخُل» كما يقال، حين يتمادى خطاب التضليل في وصف جماعة الشباب المؤمن وعلمائهم، على انهم حركة تمرد أو جعفرية واثني عشرية يجب القضاء عليها.
مواجهة الفكر بالحرب ..الخوف من الصحوة الزيدية (2-2) .
الأربعاء 11/5/2005 عبد الفتاح الحكيمي
(الاهداء.. الى المفكر الكبير الأستاذ فهمي هويدي)
تبدو المعركة التي اندلعت بين السلطة وجماعة الشباب المؤمن في يونيو 2004 عسكرية في ظاهرها وأدواتها غير ان اهدافها تظل فكرية ضد التشيع الزيدي خوفاً من صحوة فكرية اسلامية أكبر مع تحاشي السلطة توسيع نطاق المواجهة مع كل أهل المذهب، ومحاولة عزل جماعة (الشباب المؤمن) وقضيتهم عن المذهب الزيدي (الأم) واتهامهم بـ(الاثني عشرية والجعفرية) للانفراد بضربهم وتصفيتهم.
في 26 يونيو 2004 دست السلطة في الصحف الرسمية الثلاث أحد البيانات القديمة التي اصدرها علماء الزيدية قبل شهر من الحرب لتبيين خلافهم الفقهي مع العلامة حسين الحوثي، فنفى العلماء صحة البيان وان لا علاقة له بالحرب التي بدأتها السلطة وأدانوا عدوانها في بيان لاحق.
جنون الاقتلاع
في 29 يونيو 2004 عاشر أيام معركة (مران) التي استمرت 85 يوماً اصدر مجلس الوزراء قرار اغلاق المراكز الصيفية لتحفيظ القرآن الكريم في اليمن كلها للتمويه على طبيعة الاستهداف الرسمي الأساسي باغلاق مراكز التعليم الزيدية في صعدة وصنعاء، حجة، عمران، ذمار، البيضاء، وفي صدارة ذلك المراكز التابعة للشباب المؤمن، التي ساهمت السلطة نفسها في تمويلها، على اعتقاد انها تستطيع توظيفها فيما بعد لتحجيم نشاط مدارس ومراكز تتبع حزب الاصلاح والجماعات السلفية.
بعد خمسة أيام في 4 يوليو 2004م تشكلت بقرار من مجلس الوزراء لجنة الحصر والمسح والتقييم الشامل لمراكز ومدارس ومنشآت التعليم الديني الأهلي في اليمن، وقدمت اللجنة المشتركة من وزارتي التربية والتعليم والاوقاف والارشاد تقريرها في 45 صفحة ضمنته وجود (651) منشأة ومركز تعليمي من أصل 4500 ما بين مركز تحفيظ قرآن وجامع ومدرسة تتبع من اسمتهم اللجنة بـ(الإمامية) الذين يسيطرون بحسب ادعاء التقرير على %70 من مفاصل التعليم والمواقع القيادية على حساب كوادر المؤتمر الحاكم، وانه يجب تطهير التعليم الديني من هؤلاء، وفق توصيات عقابية تبدأ بالطرد من الوظيفة العامة واعادة توزيع المعلمين في مناطق نائية وبعيدة عن مناطق سكنهم الاصلي، وهو ما دشنه بالفعل محافظ صعدة يحيى العمري بنفي عشر مدرسات من مناطقهن بتهمة (الهاشمية). وأوصى التقرير التربوي (الأمني) بإلغاء الشعائر الدينية المرتبطة بالأذان من (حي على خير العمل) إلى الأدعية السجادية بالترحم على آل البيت في مساجد الزيدية باعتبارهم الامتداد لحكم الإمامة ومتواطئين مع ما اسماها التقرير بـ(حركة التمرد التي قادها حسين بدرالدين الحوثي) وانتهاءً بإلغاء يوم الغدير والاحتفال بالمولد النبوي.
ونشرت صحيفة «الوحدة» (الحكومية) مضمون التقرير قبل اسبوعين، والذي تبعه تجميد رئىس تحرير الصحيفة من عمله ثم توسط الاستاذ نصر طه مصطفى لاعادته بحسب بعض الصحف بعد رفض الشخص البديل (اسكندر الأصبحي) شغل موقع زميله بعد ان تلقى وعوداً سابقة بتعيينه رئيس مجلس ادارة مؤسسة الجمهورية.
وجد معدو التقرير فرصة ذهبية لتصفية حسابات سياسية ومذهبية مع الشيعة الزيدية، فظهرت لغة التقرير بصيغة تحرض السلطة على التصفية الفكرية، مستغلة انفعال الرئيس الحاد ورد فعله الجامح من جماعة الشباب المؤمن الذين تحصنوا في جبال مران 85 يوماً دون ان تتمكن جحافل الجيش من السيطرة على آخر المعاقل إلا يوم 10 سبتمبر 2004 بعد مقتل 4000 جندي وضابط في حرب قال عنها الرئىس (ان فتنة مران كلفتنا انهاراً من الدماء) فالحالة المعنوية للسلطة اثناء المواجهة الأولى اتاحت للعديد من التيارات المذهبية الأخرى تمرير كثير من المثالب على حساب المذهب الزيدي ومدارس ومراكز تعليم يشرف عليها علماء ومدرسون من اتباع المذهب.
القضاء على الزيدية
رأت السلطة الفرصة مواتية للقضاء على المعالم الفكرية للزيدية في فترة الحرب، كون ذلك اسهل من القضاء على مقاومة الشباب المؤمن المسلحة في جبال مران.. ففي ذروة المعارك العسكرية هدمت السلطة بقذائف الدبابات معظم ابنية مراكز تحفيظ القرآن الكريم بصعدة وحجة التي اسستها جماعة الشباب المؤمن بموافقة السلطة من باب تعويض تأخير الحسم العسكري الباهظ.
وفي 4 يوليو 2004 اسقطت السلطة الحصانة القضائية عن القاضي محمد علي لقمان واحالته الى محكمة (أمن الدولة) الجزائىة ثم حكم عليه بعد ذلك في اغسطس بالسجن 10 سنوات بتهمة دعم تمرد الحوثي وتعليق صور الخميني وحسن نصرالله والطعن بشرعية ولاية رئيس الجمهورية واحياء يوم الغدير.. وفي اغسطس 2004 أحالت نيابة الصحافة الاستاذ عبدالكريم الخيواني رئىس تحرير «الشورى» الى المحكمة الابتدائية بتهمة دعم ومناصرة الحوثي، واثارة الفتنة الطائفية واهانة رئىس الجمهورية. وصدر الحكم خلال أقل من شهر، بسجن الخيواني لمدة عام واغلاق صحيفة «الشورى» لمدة 6 أشهر واستكمال محاكمة 7 من كتاب الصحيفة بالتهم الملفقة ذاتها.. وعندما اعتصم علماء وسياسيون زيود وشيعة وشوافع سنة بعد صلاة الجمعة في جامع (الشوكاني) يطالبون السلطة بوقف اراقة الدماء والاحتكام الى صوت العقل زجت السلطة بمجاميع من خيرة علماء وشباب الشيعة الزيدية فقط في المعتقلات، وفي صدارتهم العلماء يحيى حسين الديلمي ومحمد مفتاح سبقهم بشهرين اعتقال العلامة الشاب محمد سالم عزان الذي عاد من بيروت أوائل يوليو بعد مشاركته في ندوة فكرية حول حقوق الانسان انتهت به الى زنزانة انفرادية.
في سجن محافظة حجة ايضاً اعتقلت السلطة ادباء ومثقفين اصدروا بيانات تدعو الى وقف الحرب ومنهم الشاعران (عادل شلي) و«عبدالرحمن الشريف) وغيرهم من اتباع الزيدية امثال ماجد الحوثي. اقتصرت موجة انتقام السلطة على الرموز الزيدية والهاشمية، علماء، مثقفين، في صعدة وصنعاء وذمار وحجة باعتبارهم عيّنات رمزية يتعظ بها اتباع المذهب من وعيد السلطة، أما التضييق على المحتجين من غير المنتمين فكرياً للزيدية فقد اكتفت السلطة ازاءهم بالتلويح بالعقاب والتهديد فقط. ولم تصل عملياً الى السجون والمداهمات عدا ما قامت به السلطة من محاصرة عسكرية لمقر الحزب الاشتراكي اليمني الرئىسي في صنعاء بعد ثلاثة ايام من تفريق اعتصام جامع (الشوكاني) بسبب تبني الاشتراكيين لفعالية الاعتصام مجدداً في مقرهم.. وفعلاً اوقفت السلطة الاعتصام الثاني بالقوة العسكرية ومنعت دخول مقر الاشتراكي عدا اشخاص معدودين بعد تفتيشهم ومصادرة هواتفهم النقالة، وأدعى الدكتور رشاد العليمي وزير الداخلية أمام مجلس النواب إثر شكوى تقدمت بها كتلة الاشتراكي للبرلمان ان الاجراءات المشددة بمنع الاعتصام كانت حماية للاشتراكيين وغيرهم من احتمال تعرضهم للانتقام من اقارب العسكريين الذين قتلوا في مران دفاعاً عن السلطة!!
مع وقائع جلسات محاكمة العالمين مفتاح والديلمي أودعت السلطة ايضاً علماء زيود جدد في المعتقل منهم شرف النعمي والجلال بتهمة حشد التضامن الشعبي الكبير داخل قاعة المحكمة وخارجها، وهي التظاهرة الجماهيرية التي اضطرت السلطة الى ارسال مدرعات الأمن المركزي لتهديد المتجمهرين وحجز بعضهم داخل جدران المدرعات نفسها.
تمادي السلطة
حسمت السلطة يوم 10 سبتمبر 2004 معركتها عسكريا في جبال مران ضد اتباع العلامة حسين بدرالدين الحوثي، لكن الحرب المذهبية (غير المعلنة) ظلت الهدف الأبرز، فمن ملاحقة واعتقال الرموز العلمية والثقافية والصحافية للشيعة الزيدية، واغلاق مراكز تحفيظ القرآن الكريم والتضييق على تدريس علوم الدين منذ الصيف الماضي، الى مصادرة الكتب الفقهية من المكتبات الخاصة كما حدث في مداهمة مكتبة شخصية كاملة للعلامة محمد أحمد مفتاح وترويع أسرته ليلاً في شهر رمضان ومصادرة أكثر من ألف عنوان دون امر قضائي بالتفتيش ولا حكم بالمصادرة، وأوامر رسمية صدرت من وزارة العدل أوائل مارس 2005 بتجفيف مكتبة الوزارة من عناوين الفقه والفكر الزيدي والشيعي بوجه عام، ومنها كتاب (نهج البلاغة) للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمأثورات الأخرى التي تحتفظ بها حتى المكتبات السلفية في البلدان الاسلامية، فالسلطة لا تقدر مخاطر سياسة رد الفعل دون مراعاة لعواقب القمع والكبت الفكري الذي قد يتحول فعلاً الى انفجار مدمر من نوع آخر، فالمصادرة الفكرية تاريخياً وبالتجربة ايضاً توسع من نطاق اهتمام الناس بالانتاج الثقافي وتنقل الافكار المذهبية الاجتهادية كالزيدية الى مرحلة السرية السياسية والعمل تحت الأرض، عدا ان كل ممنوع مرغوب، فالسلطة في اليمن دون وعي زجت بنفسها وسط معركة فكرية طويلة، فالمصادرة والاقتلاع الفكري لا يحسمان معركة من هذا النوع، بل تزيدان في تجذيرها وتأصيلها، والسلطة في غنى عن معارك فكرية مع الزيدية أو غيرها من المذاهب، فالشباب المؤمن بعلم السلطة اختلفوا معها حول السياسات والتوجهات في علاقات اليمن الدولية غير المتوازنة مع الأمريكان أو في الهرولة نحو التطبيع مع اسرائيل، دون اعتبار لحقوق الفلسطينيين وتضحياتهم، ولا تقدير لمخاطر التفريط بهوية التعليم الاسلامي في اليمن عندما تتحدد المناهج برغبة أمريكية ويطبق الحصار على مراكز تعليم القرآن.
ولعل بعض المحيطين بالرئىس يستغلون ثقته الشخصية واسمه لتصفية حسابات مذهبية مغلَّفة بالحرص على الرئيس والاستدلال بما حدث للسلطة في صعدة من صعوبة الحسم الصيف الماضي حد الورطة غير المحسوبة.
نقولها خالصة لوجه الله أخطأت السلطة في اعتماد الخيار العسكري لمواجهة الشباب المؤمن مع وجود بدائل الحلول السلمية الاخوية التي التزم بها الطرف الآخر قرابة ستة اشهر، والخطأ الفادح هو في تزامن الخيار العسكري مع المواجهة الفكرية ضد مراكز الزيدية وكتبها وثقافتها الدينية، فرسخت بذلك قناعات وافكار المختلفين معها ودفعت الاقل التزاماً من الزيود بالمذهب الى التشبث به والاستعداد للدفاع عنه، وهي كل الظروف والعوامل التي يحتاج اليها أي فكر أو عقيدة للانتعاش، فالسلطة عملت ضد النتائج التي خططت لتفاديها، وخاضت المعركة الفكرية بعقلية عسكرية سادها الانتقام بتأثير طول المواجهات المسلحة التي لم تتوقعها السلطة.
بصرف النظر عن خطأ تقديرات المعركة الفكرية للسلطة مع الزيدية، لا يزال بمقدورها الاستفادة من أرقام وبيانات حصر منشآت التعليم الديني في اتجاه واحد فقط، وهو ابقاء كل مراكز ومنشآت التعليم القائمة زيدية شيعية، سنية وسلفية أو اصلاحية بإشراف القائمين عليها ومنهج تقره الدولة ويشارك الجميع في صياغته، يراعي الخصوصية المذهبية للمراكز بدرجة ما ويربط المواد الدراسية بمراحل التعليم الأساسي والعام.. وتصلح رؤية الدكتور عبدالكريم الارياني بشأن مراعاة الخصوصية المذهبية واحترام فقه الدعوة الى الله الملزمة للدولة باعتبارها اقل تطرفاً من مؤامرة اقتلاع التعليم الديني على حساب فريضة الدعوة الى الله.. وهي دعوة بدأت تتبلور باستهداف الزيدية أولاً، ثم باتجاه تجفيف التعليم الديني وتجريد المذاهب من خصوصيتها ونعمة التنوع.
مواجهة الفكر بالحرب تغرق السلطة والوطن في مستنقع سحيق لا يمكن التنبؤ بنتائجه الضالة..
قد تكون بداية نهاية النظام الحاكم وقد تكون دروساً يتعظ منها الحاكم ويستفيد.. من يدري!. اما الخوف من الصحوة الاسلامية الزيدية فإنه يشغل الحاكم والخارج بالدرجة نفسها.
ولا يمكن «حجب عين الشمس بمنخُل» كما يقال، حين يتمادى خطاب التضليل في وصف جماعة الشباب المؤمن وعلمائهم، على انهم حركة تمرد أو جعفرية واثني عشرية يجب القضاء عليها.


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
على ذمة الكتابة عن التصفيات بصعدة ..تصفية الحكيمي من وظيفته
الأربعاء 11/5/2005 الشورى - عدن
استهدفت قرارات جمهورية خاصة بتعيين قيادة جديدة لمؤسسة 14 اكتوبر للصحافة (الرسمية) عدن هذا الاسبوع تصفية الكاتب الصحفي عبدالفتاح الحكيمي من منصبه الذي يشغل (نائب رئيس مجلس ادارة المؤسسة).
وارجع الحكيمي في بيان خاص استهدافه الشخصي من قبل السلطة وتعليق وضعه الوظيفي الى كتاباته الاخيرة في صحيفة الشورى التي ركزت على رصد وتحليل خلفيات الحرب الاولى والثانية في صعدة والابادة والعقاب الجماعي التي يتعرض لها الشيعة الزيدية وقبائلها على يد قوات السلطة الحاكمة منذ يونيو 2004م.
وقال الحكيمي ان وزارة الاعلام مارست ضده التهديدات منذ اكثر من عام ممثلة بالوزير حسين ضيف الله العواضي بسبب كتاباته حول موضوع (توريث الحكم) وكان رده على الوزير هو ان قانون الصحافة لايحرم على العاملين في مؤسسات الاعلام الرسمية الكتابة للصحف الاخرى او التعبير الحر عن الرأي الذي يتكرر على لسان الوزير نفسه، كما ان صلاحيات الوزارة في محاسبة العاملين معها لاتخول للوزير او غيره محاسبة الصحافيين والكتاب على ماينشرونه في الصحافة غير الحكومية بل وظيفة الوزارةحماية الرأي وليس قمعه.
واضاف بيان الحكيمي ان تصفيته من وظيفته العامة جاءت بسبب آرائه ودفاعه عن حقوق الانسان في صعدة، وكذلك بسبب معتقده السياسي الرافض لإبادة الشيعة الزيدية والانتقام الجماعي منهم عسكرياً وثقافياً على يد السلطة. كما ان اجراء السلطة ضده شخصياً هو تأكيد على نهج تصفية حقوق المواطنة والتعبير والعيش والانتقاد الحر للسياسات الكارثية التي تجر اليها عقلية النظام الحاكم في اليمن.
واكد الحكيمي انه يتمسك بكامل حقوقه القانونية والوظيفية والانسانية ويستغرب تدشين اليمن للدعوة الى الاصلاح السياسي بعقلية تصفوية انتقامية أكان ضد مواطني صعدة او مايتعرض له امثاله في وظيفتهم وعيشهم وحياتهم باستغلال سلطة الرئاسة ضد اشخاص عبروا عن ارائهم فقط.
ودعا الحكيمي نقابة الصحافيين اليمنيين والهيئات المهتمة بحقوق الانسان لإدانة انتهاكات حقوق المواطنة في اليمن التي تسلبنا حقوق التعبير وتصادر عنا حق العيش الكريم بمحاولة الاذلال لا لشيء الا لاننا نرفض وحشية السلطة وندافع بالكلمة عن حقوق اخوتنا واحبتنا واهلنا في صعدة وصنعاء وذمار وعمران وحجة وتعز وغيرها ومع حق هؤلاء في التعبيرعن معتقداتهم الدينية والمذهبية.
الأربعاء 11/5/2005 الشورى - عدن
استهدفت قرارات جمهورية خاصة بتعيين قيادة جديدة لمؤسسة 14 اكتوبر للصحافة (الرسمية) عدن هذا الاسبوع تصفية الكاتب الصحفي عبدالفتاح الحكيمي من منصبه الذي يشغل (نائب رئيس مجلس ادارة المؤسسة).
وارجع الحكيمي في بيان خاص استهدافه الشخصي من قبل السلطة وتعليق وضعه الوظيفي الى كتاباته الاخيرة في صحيفة الشورى التي ركزت على رصد وتحليل خلفيات الحرب الاولى والثانية في صعدة والابادة والعقاب الجماعي التي يتعرض لها الشيعة الزيدية وقبائلها على يد قوات السلطة الحاكمة منذ يونيو 2004م.
وقال الحكيمي ان وزارة الاعلام مارست ضده التهديدات منذ اكثر من عام ممثلة بالوزير حسين ضيف الله العواضي بسبب كتاباته حول موضوع (توريث الحكم) وكان رده على الوزير هو ان قانون الصحافة لايحرم على العاملين في مؤسسات الاعلام الرسمية الكتابة للصحف الاخرى او التعبير الحر عن الرأي الذي يتكرر على لسان الوزير نفسه، كما ان صلاحيات الوزارة في محاسبة العاملين معها لاتخول للوزير او غيره محاسبة الصحافيين والكتاب على ماينشرونه في الصحافة غير الحكومية بل وظيفة الوزارةحماية الرأي وليس قمعه.
واضاف بيان الحكيمي ان تصفيته من وظيفته العامة جاءت بسبب آرائه ودفاعه عن حقوق الانسان في صعدة، وكذلك بسبب معتقده السياسي الرافض لإبادة الشيعة الزيدية والانتقام الجماعي منهم عسكرياً وثقافياً على يد السلطة. كما ان اجراء السلطة ضده شخصياً هو تأكيد على نهج تصفية حقوق المواطنة والتعبير والعيش والانتقاد الحر للسياسات الكارثية التي تجر اليها عقلية النظام الحاكم في اليمن.
واكد الحكيمي انه يتمسك بكامل حقوقه القانونية والوظيفية والانسانية ويستغرب تدشين اليمن للدعوة الى الاصلاح السياسي بعقلية تصفوية انتقامية أكان ضد مواطني صعدة او مايتعرض له امثاله في وظيفتهم وعيشهم وحياتهم باستغلال سلطة الرئاسة ضد اشخاص عبروا عن ارائهم فقط.
ودعا الحكيمي نقابة الصحافيين اليمنيين والهيئات المهتمة بحقوق الانسان لإدانة انتهاكات حقوق المواطنة في اليمن التي تسلبنا حقوق التعبير وتصادر عنا حق العيش الكريم بمحاولة الاذلال لا لشيء الا لاننا نرفض وحشية السلطة وندافع بالكلمة عن حقوق اخوتنا واحبتنا واهلنا في صعدة وصنعاء وذمار وعمران وحجة وتعز وغيرها ومع حق هؤلاء في التعبيرعن معتقداتهم الدينية والمذهبية.

