أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
( لقد من الله على المؤمنين إذا بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ظلال مبين ) صدق الله العظيم
الإخوه الأخوات (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) وأهلا وسهلا بكم جميعا في هذا اللقاء الطيب المبارك .
ذكــرى تعود مولـد يتجدد ** ياطيبها ذكرى ونعم المولد
هلت مطالعـه ربيعـا نـيرا ** فالبشريات تفتح وتستورد
رجع الزمان بيوم مولده فتى ** والنور أشرق واستنار الفرقد
المقطع الأول
شاءت إرادة الله تعالى أن يمن على الإنسانية بمحمد ( ص آله ) الذي أودع سبحانه فيه من أسرار جمال خلقة مالا يحصى فهو النور الذي نسخ الظلمات جميعها فكان ( ص آله ) قدوة الخلق في كل خير وفضل وإمامهم ومعلمهم رجلا ذا همة أحيا الله به أمة ..
نعم إنه الإنسان الذي ألقى في قلوب جيله الاحترام والهيبة له رغبة فيه فحملهم على محاكاته وحبب إليهم طاعته وصبغهم بصبغته واتصل ذلك الحب بقلوب كل الأجيال فكان أكمل مثال يحتذى فما زالت أعماله تتحدث عن نفسها .
نعم هو الرجل الكامل الذي شهد على صدق نبوته أعداؤه في الماضي والحاضر أبو جهل وفولتير وغيرها الكثير ... وحسبنا ذلك شاهدا على صدقة ومكارمة ( صلوات الله وسلامة علية وعلى آلة )
المقطع الثاني :-
هل أتاك حديث المولود اليتيم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الذي هدى الإنسانية كلها والدنيا بأسرها والشعوب كافة منذ أن بعثة الله برسالته إلى اليوم وإلى ما بعد هذا اليوم وحتى تقوم الساعة إنه الفتى الصادق الأمين .. المتألق الوجه والمبتسم الثغر المضيء لأسارير الذي أورثه نسبة حسبا على حسب وشرفا على شرف وعزة فوق عزة والذي فقد حنان الأب ولكنه لم يفقد الشخصية حتى في يتمه وحتى في صغر سنه بل ازداد جلالا فوق جلال وعاش رجلا في ثياب طفل يفخر به الأطفال يفخر به الأطفال والرجال جميعا .
عاش رسول الله ( ص آله ) قبل البعثة وبعدها والله جل جلاله في قلبه وروحه ووجدانه وأعماق مشاعره وكان ذلك نشيده ونسيجه وابتهالاته ونجواه.
الدنيا كلها من حوله ترنوا إليه والملأ يحوطه بالرعاية والسماء تضيء شعاب قلبه وروحة .
يا لعظمة هذا الإنسان ويا لروعة وعبقرية هذه الشخصية التي أرسلها الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين .
قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) صدق الله العظيم
المقطع الثالث :-
أما أعظمه محمد الأمين صلوات رب العالمين عليه وعلى آله الطاهرين فعظمته خالدة بخلود أثارها التي ما زالت وستظل بفضل الله تعالى تنمو وتمتد وتسري أشعتها الضيائية إلى مجاهيل الكرة الأرضية فتنبض لها القلوب وتستضيء بها العقول وتنشرح لها الصدور وترسم للعالم أجمع سبل السير ورائها لأنها رسالة خالدة بكتابها الهادي للتي هي أقوم عقيدة ونظام وحياة وروابط إنسانية ومدنية واستقرار نفسي وعمارة للكون الذي أثارته وأنقذت البشرية من ضلالها وشركها ...
لذا ينبغي أن تكون هذه الذكرى خاضرة لا تغيب حية لا تموت خالدة لا تفنى , ماثلة لا تخفى في سيرة حياته الشريفة بكل مضامينها وما حوته لأنه ( ص آله ) المثل والقدوة لكل شيء .
نعم سيبقى مولده ( ص آله ) انتصارا للإنسانية ودروسا لكل الذي يمارسون زراعة الخوف في المجتمع الإنساني ويصادرون الحرية فقد جعل من الإنسانية أمة واحدة متحدة ترقى دائما إلى السماء .
إنه محمد ( ص آله ) هدى كل هادي سبيل كل السبل رسول مصطفى لأمة مصطفاه .
ليس الطريق سوى طريق محمد فهو الصراط المستقيم لمن سلك
من يقتفي أثاره فقد اهتدى سبل الرشاد ومن بزغ عنه هلك
من يقتفي أثاره فقد اهتدى سبل الرشاد ...
المقطع الرابع :-
وهكذا اختار الله تعالى أسمى إنسان في روحة وخلقة يحمل رسالته للعالمين .
فإذا بإنسان القبيلة الجلف المتزمت يحول إلى إنسان يحمل هموم العالم وإذا بإنسان الوأد للبنات ينقلب إلى عطوف يحارب الظلم والظالمين . وإذا بإنسان الضياع والتيه يتحول إلى حامل الرسالة الخلاص من كل أرض يحل بها ... وإذا بإنسان الوثنية والشرك ينقلب إلى حامل لعقيدة التوحيد والإخلاص .
والوعي بمجموع الحقائق لنيرة التي بها أِشرف الخلق محمد ( ص وآله ) هو الذي يجعل لذكرى المولد النبوي الشريف معنى وهو الذي يحقق لها هدفا حتى لا تبقى مجرد شعار باهت أوحدث عابر ... نعم أخي المؤمن أختي المؤمنة ..
لا يكفينا التغني بصفاته ( ص آله ) وأمجاده هو وأصحابه لا يكفي أن نقول أنه كان يعلم ويجاهد ويضيء السبل وينير الدروب المظلمة .
لا يكفي كل ذلك .. في الوقت الذي نرى الإسلام عبارة عن مجرد عمل فردي في أحسن الأحوال – لا يسمن ولا يغني من جوع , طقوس صورية أو شعارات ضبابية .
ترى هل الإسلام صوم وصلاة وأحوال شخصية فقط ؟
هل هذا هو إسلام محمد ؟ !
إنها الصورة الناقصة للإسلام والتي لن يرضى عنها رسولنا الكريم في ذكراه ولن ترضى كافة المسلمين الصادقين .
وكلنا يعلم أن رسول الله (ص آله ) عمل في نطاق الفرد والمجتمع ودعى الفرد والمجتمع وأسس الدولة الإسلامية بقواعد فكرية وثقافية واجتماعية وعقيدية وعلمية ترتبط بالله وبالحياة معا .
المقطع الخامس :-
الحضور الكريم :-
علينا أن نتخذ من هذه الذكرى الشريفة بحرا طهورا نغمس فيه قلوبنا حتى تبرأ من العيوب وينسى كل نفسه وأنانيته ويضحي ببعض مآربه ومصالحة الشخصية في سبيل أمته ووطنه , ولنعمل جميعا على استرداد أمجادنا الموروثة التي تكاد تلفظ أنفاسها وتستل الأيام روحها .
والله لا يرضى المذلة أحمد ...... حاشا فعنوان المعزة أحمد .
المقطع السادس :-
حقيقة لم يتحمل الرسول ( صلى الله علية وآله وسلم ) بذكرى مولده ولكنه ( ص آله ) كان يعظم يوم مولده ويشكر الله فيه على نعمته الكبرى عليه وتفضله عليه بالوجود الذي أسعد كل موجود ...
وكان ( ص آله ) يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في الحديث الشريف عندما سئل
(ص آله ) عن صوم يوم الاثنين قال ( ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه وأنزل علي فيه )
ولقد كان الصحابة ( رضي ) لا يفتئون في كل حين من تغذية نفوسهم وبذكريات رسول الله ( ص آله ) وسيرته العطرة ولا يفترون عن التحدث بجلاله وكماله ومكارم أخلاقه فلم تكن الدقيقة تمر إلا ويستعرضون السنة النبوية ويعملون على إحيائها .
إنهم كانوا يقيمون في كل ساعة ذكرى في نفوسهم عن رسول الله ( ص وآله ) .
المقطع السابع :-
الأخوة والأخوات الأكارم :
إننا في حاجة إلى أن ننطلق إلى خطوة نحو العمل الجدي الذي يؤلف القلوب ويجمع الجهود ويصهرها في وعاء واحد هو وعاء رابطة الأخوة والمحبة والتسامح ..
رابطة تنسيق وتوحيد الجهود الإسلامية لإحباط المخططات الظالمة للإسلام والمسلمين وإيصال صوت الحق وقيمة إلى عالم المحرومين والمستضعفين بعيدا عن كل ما يشتت الجهود ويبعثرها من تفرقة مقتية وسوء تقدير للمخاطر المحدقة بالأمة الإسلامية .
يقول تبارك وتعالى ( واعتصموا بجبل الله جميعا وتفرقوا ) ويقول جل شأنه ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ...
المقطع الثامن :-
لقد كان ( صلوات الله وسلامة عليةوعلى آله ) يقرأ المستقبل لأمته المسلمة فينذرهم المناهج المختلفة التي أدت إلى تفرقهم و تنازعهم , فطمع بهم أعداؤهم وأوضح لهذا المفهوم بطريقة حية .
فقد خط رسول الله ( ص آله ) خطا بيده في الرمل ثم قال :- هذا سبيل الله مستقيما وخط عن يمينه وشماله خطوط ثم قال :- هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعوا إلية ثم قرأ (ص وآله ) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الأنعام 153
وأخيرا نذكر أنفسنا جميعا بأننا مأمورون بالتأسي به ( ص آله ) في أقواله وأعماله في صفاته وأحواله قال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا ) .
