لماذا يدافع السيد نصر الله عن بشار وصدام؟

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
عبدالوكيل التهامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 105
اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm

لماذا يدافع السيد نصر الله عن بشار وصدام؟

مشاركة بواسطة عبدالوكيل التهامي »

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا يدافع السيد نصر الله عن النظام السوري ؟ ولماذا دافع من قبل عن نظام صدام حسين ؟

موقف السيد نصر الله من الأزمة السورية يثير استغراب البعض مثلما يثير استياء البعض الآخر .. فبعد أن اجتاحت حمى الربيع العربي عقولنا وأصبحت قناة الجزيرة ومن خلفها قطر عرابا للتحول العربي نحو الديمقراطية - ذلك التحول الذي لن يشمل ممالك الخليج العربي بالطبع - وهو أيضا التحول الذي ارتبط ببزوغ نجم حركة الإخوان المسلمين وفوز إحدى حرائرهم بجائزة نوبل للسلام (جائزة سياسية أمريكية بامتياز لا يحظى بها إلا من أصبح جزءا لا يتجزأ من استراتيجية السياسة الأمريكية) مما أوحى لكثير من المحللين ان هناك تنسيقا بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء حركة التمدد الايرانية في الساحة العربية على غرار النموذج التركي .. حركة التمدد الايرانية تلك التي أصبحت بعد حرب تموز 2006 تهدد وجود إسرائيل حيث فشلت الأنظمة الديكتاتورية المتعفنة والحليفة لاسرائيل من احتواء ذلك التمدد فكان لا بد من الاطاحة بها والاتيان بأنظمة أخرى ذات عمق مذهبي تضمن إيجاد حالة تنافر مع إيران (الشيعية) بأدوات مذهبية (سنية) وتعمل على إسقاط المواقع الاستراتيجية الحليفة لها والتي عجزت إسرائيل بنفسها عن إسقاطها كالنظام السوري بالتعاون مع نظام أردوغان الهجين (العلماني - الإخواني) (الإسلامي - الحليف لأمريكا وإسرائيل) !!

ولذلك فقد كانت الحرب الاعلامية التي يتعرض لها النظام السوري حربا مزدوجة كازدواج النموذج التركي .. الوجه الأول لها هو الوجه الليبرالي حيث تطرح قناة الجزيرة شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان كعناوين يرفعها ثوار سوريا وأهداف يناضلون من أجل تحقيقها لكي تتفاعل معهم شريحة كبيرة من المنبهرين بهذه الشعارات في العالم العربي .. أولئك الذين يعتبرونها شعارات أقدس حتى من الدين نفسه.. ففي حين قد يقبلون تعدد الآراء في الدين بل ويحبذونها ويدافعون عن تنوعها إلا ان صدورهم لا تتسع لأي مس بقدسية ثالوث (الديمقراطية - حقوق الإنسان - الحرية) ، وأي نظام لا يؤمن بذلك الثالوث ولا يسبح بحمده ويقدس له مهما كان مضحيا من أجل قضايا أمته فهو نظام رجعي لا يستحق الاحترام أو الشكر فضلا عن البقاء !! مع العلم ان هذه المقولات الفلسفية الغربية ليست مقولات مطلقة في قيمتها بل هي مجرد وجهة نظر إنسانية شجاعة وجريئة ومحترمة حول العدالة السياسية (الديمقراطية) وحول الكرامة الإنسانية (حقوق الإنسان) وحول رفض التبعية والعبودية للغير (الحرية) ، نحترمها وندرسها بحرص ونستفيد منها بتبصر ولكننا لا نقدسها من دون الله.

وإذا كان ثالوث الليبرالية قد استطاع اقناع الكثيرين بالتفاعل مع ما يسمى بالثورة السورية إلا أن شريحة كبيرة من العالم العربي لم تترسخ لديها المقدسات الغربية ولا التبعية الاستراتيجية ، كان الوجه الآخر لهذه الحرب الاعلامية هو الوجه المذهبي حيث تم تناول النظام السوري باعتباره نظاما (شيعيا) دينيا رغم أنه نظام قومي علماني أبعد ما يكون عن التشيع والتدين ،، وهكذا - وفي ظل خرق استخباراتي عميق ينخر جسد هذه الأمة - وبتحريض من بعض الرموز المذهبية والطائفية انضمت شريحة كبيرة في العالم العربي لتأييد ما يسمى بالثورة السورية باعتبارها ثورة (سنية) ضد (الشيعة) الذين أصبحوا أخطر وأبعد من (اليهود والنصارى) وأصبحت الدعوة للجهاد في سوريا للاطاحة بنظام الأسد من أقدس الواجبات وأولى الأولويات عند كل من يعيش حالة الحسد المذهبي ضد المكتسبات التي يظن أن الشيعة حققوها بعد انتصار المقاومة عام 2006 والتي يشكل النظام السوري واحدة من أهم حلقاتها التي كانت عصية على الاختراق والكسر..

والسؤال هنا : ما الذي جعل السيد نصر الله يدافع عن النظام السوري بينما يصر الكثيرون في العالم العربي اليوم على اسقاطه ؟

يمكن فهم الفرق بينهما بالنظر إلى زاويتين :

1- الزاوية الأولى : الفرق في الأولويات .. فهناك فرق بين أولويات السيد حسن نصر الله وبين أولويات كثير من العرب .. ففي حين هناك من أولويته في الحياة هي ثالوث الليبرالية فإنه على استعداد للتضحية بكل مقدس ثانوي موروث في قاموسه من أجلها حتى ولو كان الله وعزة هذه الأمة وكرامتها وحقوقها , وفي حين أن هناك من أولويته في الحياة هي الأهداف المذهبية الضيقة فإنه على استعداد للتضحية بوحدة المسلمين ومستقبلهم وبقضية فلسطين وبالأمن والأمان وبأي شيء لكي يكسر شوكة الشيعة ويحجم نفوذهم وتوسعهم !! إلا أن السيد نصر الله تبقى أولويته هي كرامة هذه الأمة وتحررها من ذل الصهاينة ومن تبعية الأمريكان ، والحفاظ على تبقى لدينا من أدوات القوة والاستقلال لا التضحية بها من أجل أهداف مذهبية ضيقة أو من أجل وعود ديمقراطية مجتزأة وأوهام حرية مجتزأة وسراب حقوق مجتزأة وأهداف ضبابية لا يمكن التنبوء بها !! وبعد أن نكسر شوكة أعدائنا ونقف على أقدامنا ونفرض استقلالنا حينئذ فقط يمكننا أن نتحدث عن طموحاتنا في عدالة سياسية (ديمقراطية) حقيقية عادلة مستقلة وكرامة إنسانية (حقوق إنسان) حقيقية عادلة مستقلة وتحرر من التبعية والعبودية (حرية) حقيقية عادلة مستقلة تكون منسجمة مع فكرنا وثقافتنا وحضارتنا وسببا في وحدتنا وقوتنا واستقلالنا لا أداة لتفريقنا ومسخنا واستغلالنا وتحريكنا كأحجار الشطرنج كما هي الديمقراطية الشكلية التي مزقت مجتمعنا في الداخل ورهنت قادتنا وقرارنا للخارج كما في النموذج اليمني !!

2- الزاوية الثانية : تحديد هوية العدو .. فهناك فرق بين العدو الذي يفكر فيه السيد نصر الله وبين العدو الذي يفكر فيه كثير من العرب .. ففي حين هناك من اعتبر عدوه تلك الأنظمة المهترئة المتعفنة التي فشلت في معالجة الواقع المعيشي المر الذي أوصلنا إلى الكبت والحرمان والبؤس مقارنة بالواقع المعيشي المزدهر في الغرب ، وفي حين أن هناك من اعتبر عدوه هو من يخالفه في المذهب والفكر !! إلا أن السيد نصر الله اعتبر أن إسرائيل ومن ورائها أمريكا هما العدو الذي ينبغي هزيمته وكسر شوكته والانعتاق من هيمنته أولا للحصول على أية حرية أو حقوق أو عدالة , فطالما ظللنا أسرى لهذا العدو فإن مصير أي محاولة لبناء أنفسنا وتحسين واقعنا وتنظيم صفوفنا لن تكون إلا مجتزأة وستبوء حتما بالفشل لأن استراتيجية الغرب في التعامل معنا هي ابقاءنا متخلفين وتابعين ومفككين وضعفاء عاجزين عن سد الفجوة الواسعة بيننا وبين الغرب ولا أدل على ذلك من استهداف علماء الفيزياء الإيرانيين والعراقيين !! ولذلك فالأنظمة المهترئة العاجزة والواقع المعيشي التعيس ليست هي المشكلة بقدر ما هي النتيجة لضعفنا وتبعيتنا وضياع حقوقنا.. ولذلك - وفي ظل الهيمنة الأمريكية - فأي تغيير ترعاه أمريكا في واجهة وشكل الأنظمة العربية لن يؤدي إلى ان ننعم بواقع معيشي وديمقراطي مزدهر كالغرب ، بل سيعني مزيدا من البؤس والفوضى والضعف والتقسيم وضمان أمن وتفوق إسرائيل... ولو فرضنا جدلا أن أمريكا سترعى تغيير أنظمتنا فعليا لننعم بواقع معيشي وديمقراطي كالغرب ، فما هي قيمة أن ننعم بذلك في حين أن الملايين من إخواننا في فلسطين ما زالوا أسرى للعربدة الصهيونية ؟! كيف لنا أن نهنأ والملايين غيرهم من إخواننا ما زالوا مطرودين من أرضهم التي استوطنها اليهود عنوة فأصبحوا لاجئين في أنحاء العالم يستصرخون العدل والنصرة والإنصاف ؟! كيف لنا أن نهدأ وما زالت مقدساتنا رهينة لأقدام شذاذ الآفاق يدنسونها متى شاءوا ؟! .. هل نقبل الرشوة ؟ هل نبيع قضيتنا العادلة ومظلومية شعبنا لأجل التنعم ببعض الرفاهية ؟! هل هذا موافق لأخلاقياتنا ولمبادئنا ولهويتنا ولإنسانيتنا ؟! هل نبيع إخوتنا وأرضنا ومقدساتنا بهذا الثمن البخس أو بسواه ؟ وهل نقبل أن يبيعنا أحد أو يبيع حقوقنا ومصيرنا بهذه الطريقة وبهذا الثمن ؟! إذا كنا تافهين نعم قد نقبل بهذا الثمن لنحظى ببعض الرفاهية متجاهلين ضياع فلسطين وشعبها فالمسألة في النهاية هي مسألة مبدأ واحترام للنفس وإن كانت تنطوي على تضحيات قد يكون أدناها التضيحة بالرفاهية وأعلاها التضحية بالمال والنفس والولد كما يفعل السيد حسن نصر الله ..

من خلال هذه القراءة السريعة يمكننا أن نستخلص قاعدة ذهبية نفهم بها بعض المواقف التاريخية الشجاعة للسيد حسن نصر الله :

"أية حرية أو ديمقراطية أو حقوق تتحمس لها أمريكا وتقودها وتدعمها بالمال والسلاح والدعاية ومجلس الأمن فعليكم فورا بالشك فيها" ، " أية حرية تدعو لها أمريكا وإسرائيل بيننا إنما تنطوي على عبودية ، و أية سيادة تصفقان لها إنما تنطوي على تبعية ، و أية ديمقراطية وحقوق تدافعان عنها إنما تنطوي على سيطرة وإضعاف وتفتيت" ، "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"

السبب : ان الوقائع والتجارب علمتنا ان آخر هم أمريكا ليس هو حقوق الشعب العربي أو ازدهاره أو كرامته بل العكس تماما .. آخر هم أمريكا هو أمن إسرائيل وضمان تفوقها الدائم على العرب وضمان بقاءهم في حالة ضياع وتشرذم وضعف !! آخر هم أمريكا هو السيطرة على النفط العربي ..
علمتنا الوقائع والتجارب أن أمريكا التي تتحمس اليوم لحرية الشعب السوري لم تتحمس كثيرا لحرية الشعب الفلسطيني أو البحريني .. وعلمتنا الوقائع والتجارب أن أمريكا التي تبكي اليوم على مجازر سوريا (المفبركة) ، قد قتلت مئات الآلاف في العراق وأفغانستان ، وغطت على مجازر إسرائيل في فلسطين ولبنان ، واحتضنت الديكتاتوريات والممالك العربية لعقود !!

وبناء على هذه القاعدة فقد رفض السيد نصر الله الاحتلال الأمريكي للعراق رغم أنه انطوى على اسقاط صدام حسين الذي كان يعتبر (الشيعة) مجوسا منكلا بشعبه وأرضه ، ولذلك أيضا فقد نصح أبناء العراق عموما والشيعة خصوصا بالعض على جراحهم العميقة والالتفاف حول صدام حسين لمواجهة الاحتلال الأمريكي (الخطير على هذه الأمة) ، كما نصح صدام حسين بدعوة المعارضة واستيعابها قبل أن تصبح أداة للاحتلال الأمريكي لإدراكه أن ديمقراطية أمريكا المستوردة حينذاك انما هي بوابة لاذلال هذه الأمة .. كل الأمة

ولذلك - وبمنظار استرايتيجي - يستحق السيد حسن نصر الله أن يكون مرجعية سياسية تحظى باحترام العرب (العقلاء) وانصاتهم لما أثبته من بعد النظر والتضحية والصراحة والصدق والحرص على وحدة الصف والمصالح العليا لهذه الأمة والأخلاقيات العالية التي فرضت عليه التعالي عن الآلام والجروح والهموم المذهبية الضيقة والغرائز الطائفية القبيحة ، والتي فرضت عليه حاليا الوفاء لمن ساندوا قضيته (بالأمس) وهم في أضعف حالاتهم (اليوم) .. ساندوا قضيته بالأمس متحملين الضغوط الأمريكية والغربية والعربية عليهم في إباء لا يستحق من أمة العرب في أدنى حد سوى الاحترام والشكر والتقدير..

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“