ستة شهور مرّت على استحياء، مثلها آتية صراعاً، وما زال سجين الرأي المجاهد/ عبدالكريم الخيواني قابعاً خلف قضبان مركز الحرية الصحفية، وسجيناً في مركزي الديمقرطية والشورى، يودّع الشهور الصريعة ولسان حاله يرتل:
جوّدت سفراً ناطقاً بالشهور
فجوّدوا مثلي قيود السفـور
صدعت: لا نرضى بهذا ولا
تصدّعوا من احتراق البخور
وصدّعوا مسخ الرواغ الذي
يلوك عيدي منذ فجر الظهور
ولا أظنه إلا مستطرداً يستقبل الصرع النصفي لبقية شهور الحكم الجائر تالياً:
يا كربـلاء الطـف حريتـي
نهرية النهدين تسقي الفهود
رمضاء ماء القهر من عينها
ومن مخاضٍ في رؤاها يجود
بكاسر الظـل الطفيلـي يـا
حريّة الإبراق حنّ الرعـود!
وعلى هذا فلا غرابة لو قلنا إن استمطار مطر الحرية لأحياء الأرض الميّتة لا يكون بدعاء الوالدين، ومثله تبديد جحافل الظلام –لعبور النفق..، إذ لا يتم برواغ فوانيس الليل..!!، فلا بد من احتراق يضيء للآخرين، لابد من صرخة جهورية تحيل السكون الخائر إلى زئير وتحوّل خلفاء الله في أرضه إلى صفٍ مرصوص ثائر السكنات يصمّ آذان الصمم نفسه، ولابد لابد من أن نسأل أنفسنا بعنف مشروع فنقول: ولماذا ؟.. لماذا لا يحدث هذا؟! مادامت الكرامة الإنسانية ذات قيمة إيمانية سامية تستدعي أن لا يجوع الإنسان ويعرى في يمن الإيمان والحكمة!، مادامت الكرامة بمفهومها الأدنى تكفل للإنسان اليمني أن يعيش مستور الحال، أن يحصل على دخل يحميه من عوز الحاجة ومأوى يأويه من حرّ شمس التشرد، وأن يشعر بدبيب حرّية في المعتقد والانتماء تقيه بطش وتسلط من لا يرى أن الوطن يتسع لأكثر من (أنا)!
لقد ضرب الخيواني أروع الأمثلة في التضحية بالغالي والنفيس، ضحى بحريته من أجل هذا الإنسان الذي يتبوء أدنى درك للعيش، فكان بحق المثال الناطق الحي الذي نستلهم منه معنى القيمة الوجودية للإنسان في الحياة.. ولا غرابة في ذلك مادام قد ترعرع في ربوع فكر يعتبر من أقوى قوى المعارضة الثورية في الإسلام!، لما يتميز به هذا الفكر المعارض من حدة ثورية واحتجاج صاخب آتٍ كردة فعل على الاضطهاد السياسي الذي يحاك ضده، ونتيجة لذلك تولدت لدى معتنقيه مبادئ التضحية والشجاعة والتمرد المستمر على الإستقواء!
فللخيواني عبدالكريم، لكاسر الحرف الأبي، لسجين الرأي الثائر نسوق:
أُواه يا وجع الظلامة في زنازنك صراحي
آهاته الحبلى تنازع فجرها بخطوط راحي
وهنا الحروف تزاوجتك.. هنا جراحك ما جراحي ؟!
أما والله لو صلبوا يقيـني * * * ونُصّب للسكوت على لساني
لأنطق نطفة للصمت حبي * * * لحيــدرة بأرحـام الزواني