منقول من :
http://www.alwelayah.net/esdarat/tawthi ... yana/1.htm
صيانة الدين والعقيدة
بسم الله الرحمن الرحيم
{فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً} (النساء:65).
قبل البدء
الإنسان ــ خلق الله الأكرم ــ مخلوق بجنبتين. خلقه الله وجعل فيه العقل والعاطفة، وكرّمه بأنْ جعله عاقلاً، وجعل العقل سيّد العاطفة يحرّكها في خدمة الهدف الأكبر وهو الأمانة التي تحمّلها الإنسان {إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً} (الاحزاب:72).
لكن أن تحكم العاطفة تصرّفات الإنسان، وأن يكون هدف الإنسان إشباع العاطفة فقط، وأن لا توظّف العاطفة في سبيل الهدف الأكبر فذاك مما لا يرضاه الله ولا العقل السوي.
إنّ المتتبّع لرسالات الأنبياء وأوصيائهم يلاحظ أنّ العاطفة تُخاطب للوصول إلى الإيمان وإلى العقل ولم توظّف يوماً ما من أجل العاطفة ذاتها.
مشكلتنا أننا استغرقنا في العواطف، مشكلتنا أننا ندور مع العواطف وكأنّها الهدف الأكبر. لم نرتق سلّم العواطف لتحقيق الأهداف التي ما خُلقنا إلاّ لأجلها. لم نعِ سنن الأنبياء والأوصياء لنصل إلى ما خلقنا الله من أجله.
لقد عشنا مئات السنين لم نغيّر ما اعتدنا عليه، حتّى أعطينا القدسيّة لغير المقدّس، أعطينا القدسيّة لأشياء قد تكون في وقت ما الوسيلة الوحيدة بأيدينا للوقوف في وجه الطواغيت والوسيلة الوحيدة للتعبير عن مبادئنا وأهدافنا؛ وأصبحت اليوم أبعد ما تكون عن القدسيّة. أضحت في نظر الكثيرين هي الدين، وسواها تُرّهات وخزعبلات. لم يكن ممارسوها أناساً غير متديّنين؛ بل انّ أغلبهم متديّنون، لكن مشكلتهم انّ العاطفة طغت على كلّ شيء في وجودهم.
لقد استغلّ الكثيرون إيمان الناس البسطاء ليحرّكوهم حول الظواهر بعيداً عن اللباب وعن الأهداف السامية المقدّسة، بعيداً عن أهداف الأنبياء. إنّها سنة التاريخ وكيد الشيطان وحيله الخفية. إنّه يعلم من أين تؤكل الكتف، لا يقول للإنسان إنّك على باطل، بل {يعدُهم ويُمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلاّ غروراً} (النساء:120).
لقد تحوّل الحسين(ع) ومن قبله أنبياء الله العظام(ع) إلى ظواهر تُقدَّس، لم يُعر أيُّ اهتمام لأهداف الأنبياء، لم يَتَّبع الناس سنن الأنبياء، بل راحوا يلهثون وراء ما لا يقي من برد ولا يُغني من جوع.
هكذا عشنا مع الحسين(ع) ونهضته المقدّسة. لم نمسَّ حقيقتها إلاّ قليلاً. شُغلنا بمأساتها العظيمة التي ما حدثت ولن تحدث بأدهى وأمرّ منها، شُغلنا عن اقتفاء أثر الحسين(ع) وأهداف الحسين(ع)، شُغلنا بالقشور عن اللباب.
حتّى جاءت صرخة ولي أمر المسلمين سماحة آية الله العظمى الخامنئي (حفظه الله) بعد دراسة متأنّية وشاملة لما يراد بهذه الأمة والمذهب الحقّ، وكيف استُغلّت بعض الظواهر لتكون وبالاً على الإسلام المحمّدي الأصيل. حتى غدا حريم الإسلام الأصيل هدف لكل من هبَّ ودبَّ. أصبحت هذه الظواهر حاجزاً بين الإسلام المحمّدي الأصيل وانتشاره، بل سيفاً يرفع في كلّ حين وفي كلّ أرض للقضاء على شعلته الوضّاءة.
لقد كان الحكم المناسب حقّاً في الوقت المناسب. وكانت بحقّ شجاعة قلّ نظيرها. إلاّ أنّ الخير كلّ الخير فيما وقع..
وكانت وقفة علماء الأمة الواعين ومن ورائهم كلّ المؤمنين في دعم هذه الخطوة المباركة. كانت بحقّ ثورة جديدة مباركة.
فسّر يا سيّدنا المفدّى على طريق أجدادك الطاهرين (ع) وسر على نهج إمامنا الراحل (رض) والأمة من ورائك..
توجيهات ولي أمر المسلمين سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول مراسم عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
لحسن حظّنا ان يتمّ لقاء السادة العلماء والمبلّغين هذا العام في هذه المدينة وهذه المحافظة بالذات، وهو كما تعلمون عادة سنوية تسبق شهر محرم من كلّ عام. ونحن إذ نغتنم هذه الفرصة، نستعرض بعض المسائل المتعلّقة بهذا الشهر الحرام وذكرى عاشوراء الخالدة في الأذهان. ولكن قبل الخوض في هذه المسائل لابدّ من تقديم الشكر للعلماء الأفاضل لا سيما البارزين من علماء هذه المحافظة الذين يتحمّلون ــ والحمد لله ــ مسؤولية التدريس والبحث والتفسير وتبيان الحقائق وإقامة صلاة الجمعة وما إلى ذلك في هذه المحافظة التي تعتبر من المحافظات البارزة من حيث القوّة الإيمانية. فرغم تمسّك شعبنا برمّته بالدين وإيمانه به فإنّ لكلّ شيء نسبته، وثمّة تفاوت في النسب، وهذه المحافظة هي من المحافظات التي أثبت مواطنوها أنّهم مؤمنون ومخلصون؛ وأينما وجد مثل هؤلاء كانت الأرضية مناسبة ومساعدة لرجال الدين لأداء واجباتهم الإلهية. وأنا إذ أشكر السادة العلماء الذين أدّوا وما زالوا يؤدون خدمات جليلة قيّمة، أدعوهم إلى بذل ما بوسعهم لإنهاء التخلّف الثقافي في المحافظة (كهكيلويه وبوير أحمد) المحرومة، وجعل هذه المسألة من الأولويات.
وفيما يتعلّق بشهر محرم فثمّة أمران:
الأول: الخطابة حول نهضة عاشوراء، فرغم ما قيل عن فلسفة ثورة الحسين(ع)، وكلّ ما جاء على ألسنة وأقلام كبار العلماء والمفكّرين حتّى يومنا هذا، يبقى المجال مفتوحاً للحديث عن هذه الحقيقة الساطعة عمراً بكامله. فكلّما تمعّنّا في مسألة عاشوراء والثورة الحسينية، نجد أنّها مترامية الأطراف والأبعاد وتستحق التفكير والتبيان، وكلّما تبحّرنا في التفكير قد نجد ما هو جديد وقد نكتشف حقائق جديدة. والحديث عن عاشوراء ــ رغم كلّ ما يدور فيه ويجب أن يدور فيه كلّ عام ــ تبقى لمحرّم خصوصياته، ويتوجّب الحديث أكثر عن هذه الخصوصيات حاضراً ومستقبلاً إن شاء الله.
الأمر الثاني الذي يجب التطرّق إليه مع حلول شهر محرّم هو أمر قلّما جرى الحديث عنه، وهذا ما سأتطرّق إليه اليوم، وهو مسألة مراسم عزاء الإمام الحسين(ع) وفضل إحياء ذكرى عاشوراء. ففي الحقيقة إنّ من أهمّ ما يميّز الشيعة عن سائر إخوتهم المسلمين هو أنّ لديهم ذكرى عاشوراء. فمنذ أن أصبحت ذكرى مصيبة الإمام الحسين(ع) سنّة يعمل بها، تفجّرت فيوضات ومعنويات في قلوب وأذهان محبّي أهل البيت(ع)، ومازالت تتفجّر إلى يومنا هذا وستبقى كذلك بفعل ذكرى عاشوراء. إنّ الهدف من عاشوراء ليس مجرد الحديث عن الذكرى وحسب، بل تبيانها بكلّ أبعادها وجزئياتها التي لا عدّ لها ولا حصر، كما ذكرنا منذ قليل.
إذن، إحياء هذه الذكرى هو في الحقيقة عمل ذو فضل عظيم، ومن هنا كانت مسألة البكاء والإبكاء على مصاب الحسين(ع) سائدة حتى في زمن أئمتنا عليهم السلام، وينبغي أن لا يفكّر أحد بعدم جدوى البكاء، وما إلى ذلك من العادات القديمة، في زمن الفكر والمنطق والاستدلال، فهذا فكر خاطئ؛ لأنّ لكلّ شيء مكانه، ولكلًّ سهمه في بناء شخصية الإنسان، العاطفة من جهة، والمنطق والاستدلال من جهة أخرى، أمور كثيرة لا تحلّ إلاّ عن طريق العاطفة والمحبّة، ولن يؤثّر فيها المنطق والاستدلال.
إذا ما نظرنا إلى حركة الأنبياء والرسل لوجدنا انّ المنطق والاستدلال لم يكن لهما أيّ دور في التفاف عدد من الناس حول أيّ نبي مرسل، وليس هناك في التاريخ وبالتحديد تاريخ الرسول الأكرم(ص) - وهو تاريخ مدوّن وواضح - ما يشير إلى انّ النبي الأكرم(ص) كان يخاطب كفّار قريش بمنطق الاستدلال. فلم يكن يستدلّ لهم على وجود الله أو على وحدانية الله أو على بطلان الأصنام والأوثان، فهذه مرحلة تأتي فيما بعد عندما تمضي النهضة قدماً في طريقها، أمّا بداية فإنّ الحركة لن تقوم إلاّ على العواطف والأحاسيس، لذا كان النبي الأكرم(ص) يؤكّد في مخاطبته الكفّار أوّل الأمر على عجز أصنامهم وآلهتهم، ويدعوهم إلى الإيمان بوحدانية الله تعالى، «قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا»، فعلى أيّ دليل استند بـ«لا إله إلاّ الله»، وعلامَ يفلح من يقول «لا إله إلاّ الله»، وهل هناك في هذه المقولة استدلال عقلي أو فلسفي؟
طبعاً لا ننكر أنه في كل احساس صادق يكمن برهان فلسفي، ولكن المسألة هي ان النبي(ص) عندما يهم بنشر دعوته لا يستند في ذلك بداية إلى الاستدلال الفلسفي، بل يدخل من باب العواطف والأحاسيس الصادقة التي لا تخلو من المنطق بحد ذاتها وهي تحمل استدلالاً بين جنباتها، فاهتمامه(ص) انصّب بداية على الظلم الذي كان يسود المجتمع وما يعانيه هذا المجتمع من اختلاف بين الطبقات وضغوط يمارسها أعداء الله من البشر وشياطين الإنس بحق الناس، وهذا ما يدخل في إطار العواطف والأحاسيس، وعندما تستقر دعوته يحين دور المنطق والاستدلال الذي يستوعبه من يمتلك عقلاً نيراً وفكراً متفتحاً، فيما يبقى البعض في درجات أدنى من ذلك، ولكن ليس من الواضح والمؤكد ان من يمتلك مستوى عالياً في مجال الاستدلال يمتلك مستوى مماثلاً في مجال المعنويات ودرجاتها، فقد تجد أحياناً اناساً ذوي مستويات متدنية في المنطق والاستدلال، لكنهم يملكون عواطف وأحاسيس جيّاشة، ويرتبطون في بواطنهم بالمبدأ الغيبي أكثر من غيرهم ويهيمون في حبهم للنبي الأكرم(ص)، مثل هؤلاء يحققون درجات عليا. إذاً فللعاطفة مكانها ودورها ولكنها لا تستطيع ان تحل محل الاستدلال ولا الاستدلال يمكن ان يحل محلها.
إنّ واقعة عاشوراء هي بحدّ ذاتها وطبيعتها بحر متلاطم من العواطف الصادقة، حيث نهض إنسان عظيم طاهر لا تطرق قلبه الملكوتي إيّ شائبة أو تردّد لتحقيق هدف أجمع كلّ منصفي العالم على سموّه وصحته وهو إنقاذ الامة من الجور والظلم والعدوان، «أيّها الناس إنّ رسول الله(ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً - وهذا بيت القصيد، فقد كانت فلسفة حركة الإمام الحسين(ع) محاربة الظلم - يعمل في عباد الله بالجور والطغيان أو بالاثم والعدوان»، إنّه من أقدس الأهداف التي لا يمكن لذي إنصاف إنكارها، مثل ذاك الإنسان العظيم يتحمّل من أجل تحقيق مثل هذا الهدف النبيل أصعب أنواع الجهاد، وأصعب أنواع الجهاد هو الجهاد في الغربة، إذ ليس من الصعب الموت وسط ضجيج وأهازيج الأصدقاء وإشادة عامة الناس، فعندما يصطف فريقان ويقف الرسول الأكرم أو أمير المؤمنين في مقدّمة جبهة الحق ليدعوا إلى مبارزة الأعداء ويخرج غلام ملبياً الدعوة فيودعانه بالدعاء ويمسحان على رأسه ويرفع المسلمون أيديهم له بالدعاء، ويتوجه الغلام من ثمّ إلى ساحة القتال ليجاهد ويستشهد، فهذا نوع من الجهاد والاستشهاد. ولكن ثمّة نوعاً آخر من الجهاد، ويتجلى بخروج الإنسان إلى ساحة المعركة والمجتمع من حوله ما بين منكر عليه وغافل عنه ومعاد له، وحتى تلك الفئة القليلة التي ترتاح له قلبياً تراها لا تتجرّأ على إبداء ارتياحها له ولمسيرته. ففي عاشوراء الإمام الحسين(ع) لم يتجرّأ أمثال عبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر اللذين ينتميان إلى بني هاشم والى تلك الشجرة الطيبة، لم يتجرّأ على الوقوف في مكة أو المدينة وإطلاق شعارات موالية للإمام الحسين(ع)، لهذا وصف جهاده(ع) بالجهاد في الغربة وهو من أصعب أنواع الجهاد، الجميع أعداء له، والجميع معرض بوجهه عنه حتى المقرّبين اليه. الإمام الحسين(ع) يطلب من أحدهم مساعدته، فيردّ عليه: هاك جوادي استفد منه، هل من غربة أكبر من هذه؟ إنّه الجهاد في الغربة، وفي هذا النوع من الجهاد يفقد الإمام أعزّ أعزّته أمام ناظريه، أبناءه وأبناء اخوته واخوته وأبناء أعمامه؛ زهور بني هاشم تتساقط الواحدة تلو الاخرى أمام ناظريه، حتى طفله الرضيع لم يسلم من القتل، أضف إلى كلّ ذلك انّ الامام كان يعلم انّه بمجرّد استشهاده ستسبى عياله البريئة الطاهرة، حيث ستتكالب الذئاب المتعطشة على الفتيات اليانعات لبثّ الخوف والهلع في نفوسهن، وسلب أموالهن وأسرهن وإهانتهن، حتى بنت أميرالمؤمنين زينب الكبرى التي كانت من أبرز الشخصيات الإسلامية، حتى هي تعرّضت للإهانة والتعذيب.
الإمام الحسين(ع) كان يعلم بكلّ ما سيحصل. إذن تصوّروا ما أصعب هذا الجهاد، وإلى جانب كلّ ذلك لا ننسى عطشه وعطش عياله، الصبية عطاشى، الصبايا عطاشى، العجائز عطاشى، الطفل الرضيع عطشان، هل أدركتم الآن مدى صعوبة هذا النوع من الجهاد؟، مثل هذا الإنسان العظيم الطاهر الذي تتسابق ملائكة السماء لمشاهدة نور وجهه والتبرّك به، ويأمل الأنبياء والأولياء أن يكون لهم مثل مقامه، مثل هذا الإنسان بكلّ تلك المكانة والمنزلة يستشهد في هكذا جهاد وهكذا شدّة ومحنة، إنّها واقعة لا يمكن لأيّ إنسان أن يعاين تلك الواقعة ويدرك وقائعها ولا تهتز مشاعره لها؟ هذا كلّه من فضائل عاشوراء منذ قيامها، منذ أن صعدت زينب الكبرى - كما يروى - تلّة الزينبية وخاطبت الرسول(ص): «يا رسول الله صلَّتْ عليك ملائكة السماء، هذا حسينك مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، مسلوب العمامة والرداء»، وأخذت تتلو مصيبة أبي عبدالله، وتروي الواقعة بصوت عال، تلك الواقعة التي أرادوا إخفاءها، روتها في كربلاء والكوفة والشام والمدينة، ومن يومها تفجّرت الينابيع الحسينية ومازالت إلى يومنا هذا، هذه هي واقعة عاشوراء.
يصادف أحياناً أن لا يملك إنسان أيّ نوع من النعم، مثل هذا الإنسان لا يسأل عنها أبداً، أمّا الإنسان الذي يحظى بنعمة ما فإنّه سيسأل عنها، وإنّ من أفضل وأكبر النعم نعمة ذكرى الحسين بن علي(ع) وأقصد نعمة مجالس العزاء، نعمة محرّم، نعمة عاشوراء التي ينعم بها شيعتنا، ومن المؤسف انّ اخوتنا المسلمين من غير الشيعة لم يفيدوا أنفسهم بهذه النعمة لكنّهم يستطيعون كسب هذه النعمة كما هي الحال في بعض الأماكن.
إذاً ماذا يمكن أن نستفيد من هذه المجالس وهذه الذكرى؟، وكيف يمكن شكر هذه النعمة؟، هذا ما أودّ أن أطرحه على شكل سؤال، وعليكم أنتم الإجابة عليه. نعمة بهذه العظمة من شأنها أن تفعم القلوب بالإيمان الإسلامي، وبفضل هذه النعمة بات الظلمة الذين شهدهم التاريخ يخشون عاشوراء ويخشون ذكرى الإمام الحسين، وهذا الخوف بدأ منذ عهد خلفاء بني أميّة ومازال مستمراً إلى يومنا هذا، وقد شاهدتم نموذجاً عن ذلك إبّان ثورتنا. فعندما كان يحل «محرّم» كانت أجهزة النظام البهلوي الرجعي الكافر الفاسد تشعر بالعجز، وأدركت انّ عجزها ناجم عن محرّم، وقد أشار بعض التقارير التي خلّفها النظام البائد إلى تخبّط أجهزته وارتباكها مع حلول شهر محرّم، وقد عرف إمامنا العظيم رضوان الله عليه - ذلك الرجل الحكيم الفذ المؤمن - عرف كيف يستفيد من تلك الواقعة تحقيقاً لأهداف الإمام الحسين(ع)، وهذا ما فعله.
إنّ شهر محرّم شهر ينتصر الدم فيه على السيف، وانطلاقاً من هذا المنطق جعل إمامنا الدم ينتصر على السيف بفضل شهر محرّم الحرام، إنّه نموذج عشتموه بأنفسكم ويجب أن تستفيدوا منه، كما ينبغي على عامة الناس بمن فيهم رجال الدين الاستفادة من ذلك، واستفادة الناس تكمن في عشقهم وإحيائهم لهذه المجالس واستلهامهم منها قدر استطاعتهم وبمشاركتهم بإخلاص في مثل هذه المجالس ابتغاء الاستفادة وليس لتمضية الوقت أو لمجرّد كسب الثواب الاخروي وهم لا يدرون من أين يأتي هذا الثواب، طبعاً هناك ثواب اخروي ولكن ثواب مثل هذه المجالس من أين يأتي وكيف؟ حتماً هناك هدف، وإن فقد الهدف فقد الثواب، فليشارك الناس في مجالس العزاء وليعرفوا قيمة ذلك وليستفيدوا خير استفادة منها، ويجعلوها الوسيلة التي تربطهم قلباً وروحاً بالحسين بن علي(ع) وآل بيت رسول الله(ص) وروح الإسلام والقرآن؛ هذا ما يتعلّق بالناس.
أمّا ما يتعلّق برجال الدين فهو أصعب من ذلك لأنّ من مقوّمات مجالس العزاء أن يجتمع عدد من الناس، ويشارك رجل دين في ذلك المجلس لإقامة العزاء بغية إفادة الناس.
كيف تقيمون مجالس العزاء؟، سؤال أوجِّهه إلى كلّ الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه هذه المسألة.
ثلاثة أمور يجب أن تقوم عليها المجالس حسب اعتقادي:
الأوّل: أن تسهم هذه المجالس في زيادة حبّ آل البيت في قلوب الناس؛ لأنّ الرابطة العاطفية رابطة ذات قيمة عظيمة، عليكم أن تعملوا كل ما من شأنه أن يزيد من حبّ الناس المشاركين للحسين بن علي(ع) وآل بيت الرسول(ص) ومصادر المعرفة الإلهية، وإذا ما قمتم في هذه المجالس - لا قدَّر الله - بما من شأنه عدم تقريب المستمع الحاضر أو ذاك المستمع خارجاً، عاطفياً من أهل البيت(ع)، أو قمتم بما من شأنه إبعاده عنه، أو - لا سمح الله - انزجاره مما يسمع، يعني نقلتم الواقعة بشكل يبعد المستمع عاطفياً عن أهل البيت(ع)، عندها ستفقد مجالس العزاء أحد أكبر فائدة قامت من أجلها، بل وستصبح أحياناً مضرّة، هذا أوّلاً، عليكم أن تعلموا ما ستفعلونه، أنتم القائمين على المجالس والخطباء فيها. اعرفوا كيف تزيدون من عواطف الناس تجاه الحسين بن علي(ع) وأهل بيت النبوة عليهم أفضل صلوات الله، في هذه المجالس.
الأمر الثاني: أن تتوضّح مبادئ قيام عاشوراء للناس، يجب أن لا نأتي إلى مجالس الحسين بن علي(ع) ونرتقي المنبر ونخطب ويخرج المستمع - وهو من أهل الفكر والتأمّل وما أكثرهم في مجتمعنا اليوم من شباب وشيوخ ونساء ورجال وذلك بفضل ثورتنا - يخرج هذا المستمع وهو يتساءل: لم جئت إلى هنا وعلامَ ذرفت الدموع؟، ما القضية؟ لماذا يجب البكاء على الحسين(ع)؟، لماذا قدم الحسين إلى كربلاء لتحصل واقعة عاشوراء؟، يجب أن تجيبوا على هذه الأسئلة قبل أن تتبادر لأحد، يجب أن تتوضح مبادئ واقعة كربلاء، إذن إذا تجاهلتم في مجالسكم وخطاباتكم وبياناتكم إشارة حتى ولو كانت صغيرة إلى هذا المعنى فإنّ ركناً من الأركان التي أشرت اليها يكون ناقصاً، وقد يخسر المجلس الفائدة التي انعقد من أجلها، وقد نتعرض أحياناً إلى الضرر لا سمح الله.
الأمر الثالث الذي يجب أن تقوم عليه المجالس هو العمل على زيادة المعرفة الدينية والإيمانية، عليكم أن تذكروا شيئاً ما عن الدين في مجالسكم يزيد من معرفة الناس وإيمانهم، وأن تأتوا بموعظة حسنة أو حديث مسند، وأن تنقلوا أخباراً عن أحد العلماء والمفكرين الإسلاميين، يجب أن تخطوا إحدى هذه الخطوات، ينبغي أن لا نرتقي المنبر لمجرّد الحديث أو أحياناً ذكر أحاديث ضعيفة، ليس فقط لا تسهم في دعم إيمان الناس بل تضعف الإيمان لديهم. وإذا ما حصل ذلك نكون قد تعثّرنا في بلوغ فوائد وأهداف مثل هذه المجالس، ويؤسفني أن أبلغكم أنّ ذلك يحصل أحياناً، فنسمع انّ خطيباً ما استند في مجلسه إلى حديث ضعيف من حيث الاستدلال وقاعدة الادراك العقلي ومن حيث التأثير على ذهن مستمع مستفسر من أهل المنطق والاستدلال. ثمة أمور كثيرة تنقلها الكتب ليس هناك دلائل تشير إلى دحضها، فقد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، ولكن عندما تستندون إليها حتى وإن لم يثبت خلافها، فإنّ مستمعيكم من الشباب أو الطلبة أو الجامعيين أو المقاتلين أو الثوريين الذين تفتّحت أذهانهم بفضل الثورة، عندما يسمعون منكم مثل هذه الامور قد تتبادر إلى أذهانهم أسئلة كثيرة حول الدين وقد تثار لديهم عقد ومشاكل عديدة. يجب أن تتجنّبوا ذلك حتى وإن كان الحديث مسنداً لكنّه يؤدّي إلى ضلال وانحراف، فكيف بتلك الأحاديث التي هي في غالبيتها فاقدة للسند الصحيح في غالبيتها. أحدهم يسمع شيئاً ما، فينقل ذلك الذي سمعه خلال سفر كان يقوم به، مجرد حادثة قالها أحدهم وسمعها الآخر وصدّقه، ثمّ لنفرض انّ المستمع جاء وذكر ما سمعه في كتاب ألَّفه، لماذا يجب علينا أن ننقل ذلك الذي لا يمكنه أن يكون مبرراً لأصحاب الأذهان المستفسرة والواعية؟، هل من المفروض نقل كلّ ما يكتب وأينما كتب؟، إنّ الجزء الأكبر من التحوّل الثقافي في مجتمعنا يكمن في أنّ شبابنا الذين كنّا بالأمس نقصد بهم الجامعيين نقصد بهم اليوم عامة شباب الوطن وحتى من غير الشباب، من الرجال والنساء والصبيان والبنات، فلقد تفتّحت أذهانهم، وهم ينظرون إلى الامور بعين البصيرة والاستفسار، يريدون أن يعرفوا، لا تجعلوا هؤلاء يغرقون في الشبهات، انّه عصر التحول الثقافي، والعدو يثير الشبهات، ليس العدو وحده بل حتى الذين ينكرون أفكارنا يثيرون الشبهات. هل يمكن إخراس كلّ من لا يتّفق مع أفكارنا ودعوته إلى عدم إثارة الشبهات؟، كلاّ لا يمكن ذلك، إنّهم يثيرون الشبهات ويتحدّثون بما يروق لهم ويحاولون إثارة الشكوك، وعليكم أن تدحضوا هذه الشبهات بما تقولونه لا أن تدعموها، البعض يرتقي المنبر متجاهلاً هذه المسؤولية المهمة ويتحدّث بما يزيد من شكوك وعقد المستمع، إذا ما حصل ذلك وأصيب عشرة شباب أو خمسة أو شاب واحد بشكوك حول مسألة الدين وخرج من المجلس دون أن نعرفه، فكيف سنعوّض ذلك؟ وهل يمكن التعويض؟، وهل سيسامحنا الله؟، إذن فالقضية أكبر من ذلك.
ثلاثة أمور يجب أن تُراعى في مجالس العزاء؛ إثارة عواطف الناس تجاه الحسين بن علي(ع) وأهل بيت النبوة عليهم السلام أكثر فأكثر وتوطيد العلاقة والرابطة العاطفية معهم، وتوضيح واقعة عاشوراء ومبادئها للمستمع، وإثارة المعرفة والإيمان ولو بشكل يسير. لا نطلب أن تتناول المنابر كلّ هذه الامور في آن واحد، فإذا ما نقلتم حديثاً صحيحاً من كتاب معتبر وشرحتم معناه بشكل جيد - لأنّ بعض الأحاديث تفقد معناها أحياناً نتيجة الشروحات المعقّدة - فإنّ ذلك سيفيد مستمعيكم وقد يحقّق الجزء الأكبر مما نصبو إليه، أو تناولتم آية قرآنية واستندتم إلى تفسير صحيح لها ثمّ نقلتموها بعد مطالعة وتحليل فستبلغون المراد.
ولذكر المصيبة افتحوا «نفس المهموم» للمرحوم المحدِّث القمّي واقرأوا ما فيه لمستمعيكم فإنّه سيثير عواطفهم إلى حدّ البكاء، لماذا يجب أن نقوم بما من شأنه أن يحرف مجلس العزاء عن فلسفته الواقعية، إنّني أخشى أن نكون في هذا الزمن - وهو زمن ظهور الإسلام وتجلّيه وتجلّي أفكار أهل البيت عليهم السلام - عاجزين عن أداء مسؤولياتنا.
هناك أمور تقرِّب الناس من الله ومن الدين، مجالس العزاء التقليدية هذه تقرِّب الناس من الدين، وهذا ما أوصى به الإمام الراحل، إنّ الجلوس في المجالس والاستماع إلى العزاء والبكاء واللطم على الرؤوس والصدور والخروج في مواكب العزاء، كلّ ذلك يثير عواطف الناس تجاه أهل بيت النبوّة عليهم السلام وهذا أمر عظيم، وهناك ما هو عكس ذلك مما يبعد البعض عن الدين.
يؤسفني أن أقول انّ أموراً جرت خلال الأعوام القليلة الماضية وأعتقد انّ أيادي تقف وراءها، أموراً جرت أثارت الشبهات لدى كلّ من رآها، منذ القدم كان متعارفاً أن يربط الناس أيام العزاء أجسادهم بالأقفال ثمّ تحدَّث العلماء عن ذلك فزالت تلك العادة، واليوم ظهرت هذه العادة مجدّداً، ما هذا العمل الخاطئ الذي يقوم به البعض، و (التطبير) أيضاً من جملة هذه الامور، ويعتبر عملاً غير مشروع.
أعلم انّ البعض سيقول لم يكن من المناسب أن يتحدّث فلان عن التطبير، وما دخله في الأمر، كان حرياً أن يدعهم يضربون الرؤوس بالقامات (السيوف)، كلاّ لا يصحّ ذلك، لو كانت مسألة (التطبير) التي بدأوا يروّجون لها في السنوات الأربع الماضية سائدة أيام حياة إمامنا الراحل رضوان الله عليه لوقف الإمام بوجهها، إنّه عمل خاطئ، البعض يمسكون بالقامات ويضربون بها رؤوسهم ليغرقوا بدمائهم، علام ذلك؟، وهل يعتبر ذلك عزاء؟، اللطم على الرؤوس هو العزاء، وعفوياً يلطم الذي نزلت به مصيبة، رأسه وصدره، هذا هو العزاء، العزاء الطبيعي، ولكن هل سمعتم انّ أحداً راح يضرب رأسه بالسيف لفقده عزيزاً من أعزّائه؟ هل يعتبر ذلك عزاءاً؟ كلاّ، إنّه وهم، ولا يمتّ ذلك إلى الدين بصلة، وما من شك بأنّ الله لا يرضى بذلك.
ربّما السلف من علمائنا لم يكن يستطيع أن يصرِّح بذلك، ولكنّنا اليوم نعيش حاكمية الاسلام وظهوره، فينبغي أن لا نقوم بعمل يجعل من المجتمع الاسلامي المحب لأهل البيت عليهم السلام والذي يفتخر باسم ولي العصر أرواحنا فداه وباسم الحسين بن علي(ع) وباسم أميرالمؤمنين(ع) لا ينبغي أن نجلعه في نظر باقي مسلمي العالم وغير المسلمين يبدو وكأنّه مجتمع خرافي وغير منطقي.
كلّما فكّرت في الأمر رأيت إنّني لا يمكنني السكوت عن هذا العمل الذي هو بالتأكيد عمل غير مشروع وبدعة، فليكفّوا عن هذا العمل، فإنّني غير راض عنه، إنّني غير راض من كلّ قلبي عن كل شخص يريد التظاهر بالتطبير.
أحياناً كان يجتمع عدد من الأشخاص في ركن ناءٍ ويقومون بهذا العمل بعيداً عن أعين الناس وعن التظاهر بذلك أمامهم، ولم يكن أحد يتدخّل في شؤونهم مشروعاً كان عملهم أم غير مشروع، كان يتمّ ذلك ضمن نطاق محدود، ولكن إذا تقرر أن يخرج عدّة آلاف من الناس فجأة في أحد شوارع طهران أو قم أو مدن اذربيجان أو خراسان ويضربوا رؤوسهم بالسيوف، فإنّنا لن نقبل بذلك، وهذا أمر غير مشروع لن يرضى به الإمام الحسين(ع). لا أدري من أين تأتي هذه الامور لتنتشر في مجتمعاتنا الاسلامية ومجتمعنا الثوري؟
لقد ظهرت مؤخّراً بدعة غريبة غير محبّذة في باب الزيارة، كلّنا يعلم انّ أئمة الهدى عليهم السلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم(ص)، كما انّ إمامنا الصادق عليه السلام والإمام موسى بن جعفر(ع) وباقي الأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للإمام الحسين(ع)، كذلك أصبحت المراقد الطاهرة لأهل البيت عليهم السلام في العراق وإيران مزارات يؤمّها العلماء والفقهاء والفضلاء، هل سمعتم انّ إماماً أو عالماً كبيراً كان ينبطح أرضاً عند دخوله حرم أحد المراقد ويزحف نحو الضريح؟، لو كان هذا الأمر مستحسنا ومحبّذاً ومقبولاً لأقدم عليه أئمتنا وعلماؤنا، ولكنّهم لم يفعلوا، حتى أنّه يروى أنّ المرحوم آية الله العظمى السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه العالم الكبير والمجتهد والمفكّر الفذ، كان يمنع تقبيل عتبات المراقد على رغم انّ ذلك قد يكون مستحبّاً، ويحتمل أن تكون الروايات قد أوردت مسألة تقبيل العتبات، إنّها مسألة تتناولها كتب الأدعية وكذلك الروايات حسبما يتبادر إلى ذهني، رغم انّ ذلك قد يكون مستحبّاً، كان المرحوم البروجردي يمنع الناس عنه لكي لا يفكّر البعض أنّهم يسجدون لها وحتى لا يُشنّع الأعداء بالشيعة.
واليوم يقوم البعض في المرقد الطاهر للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام بالانبطاح أرضاً عند دخولهم والزحف نحو مئتي متر حتى يصلوا إلى الضريح المطهّر، إنّه عمل خاطئ، انّه توهين، توهين بالدين وبالزيارة، من الذي ينشر هذه البدع بين الناس؟، ربّما كان ذلك أيضاً من صنع الأعداء، اشرحوا هذه الأمور للناس، أنيروا أذهانهم، الإسلام دين منطقي، وأكثر المفاهيم منطقية في الإسلام هي مفاهيم الشيعة، إنّها مفاهيم راسخة.
لقد سطع المتحدّثون الشيعة كالشمس كلّ في عصر وزمان، لم يكن أحد يجرؤ على القول بأنّ منطقهم ضعيف؛ ففي زمن أئمتنا برز رجال أمثال مؤمن الطاق وهشام بن الحكم وغيرهما، وبعد زمن الأئمة برز أمثال الشيخ المفيد وغيره، كما برز فيما بعد الكثير من المتحدّثين أمثال العلاّمة الحلّي وغيره، إنّنا أهل منطق واستدلال، انظروا إلى قوة كتب الاستدلال التي تتناول البحوث المتعلقة بالشيعة، ككتب المرحوم شرف الدين في زماننا، وكتاب الغدير للمرحوم العلاّمة الأميني في زماننا، أينما وجّهت وجهك ثمة استدلالات محكمة، هذا هو التشيّع، لماذا يروّجون لأعمال ليس فقط تفتقر للاستدلال بل إنّها أشبه شيء بالخرافة، هذا هو الخطر الذي يتهدّد عالم الدين ومعارفه، وينبغي على حماة الدين والعقيدة الالتفات له.
كما ذكرت هناك عدد من الناس سيسمعون هذا الكلام ويقولون في أنفسهم كان يجدر بفلان أن لا يتحدّث في هذا الأمر، لا! أنا من يجب أن يتحدَّث به، فمسؤوليتي أكبر من مسؤوليات الآخرين، طبعاً يجب على السادة العلماء أن يتحدّثوا بهذا الأمر أيضاً.
لقد كان لإمامنا الراحل مواقف حازمة وصارمة، كان أينما رأى مسألة فيها انحراف يتحدِّث بشأنّها بصراحة وحزم ولا يخشى لومة لائم، ولو كانت هذه الامور سائدة في زمانه أو كانت رائجة كما هي اليوم لكان تحدَّث بشأنها دون شك.
ثمّة أشخاص متعلّقون بهذه الأمور سيستاؤون من الطريقة التي تحدَّثت بها عن تلك الأمور المحبّبة لهم، إنّهم في غالبيتهم أفراد مؤمنون وصادقون ولا يرمون لشيء، ولكنّهم خاطئون.
هذه هي المسؤولية الكبيرة التي يجب عليكم أيّها السادة العلماء أن تحملوها على عاتقكم أينما كنتم، إنّ مجلس عزاء أبي عبدالله الحسين(ع) هو ذلك المجلس الذي يقوم على المعرفة والذي يعتمد على الأركان الثلاثة التي ذكرتها للتو.
نأمل أن يوفِّقكم الباري عزّ وجلّ لتبيان ما يرضاه بكلّ قدرة وشجاعة وجد ومثابرة لتكونوا على قدر المسؤولية بإذن الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نصّ جواب ولي أمر المسلمين قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله) ردّاً على رسالة حجّة الإسلام والمسلمين مروّج إمام جمعة أردبيل التي أعلن فيها امتثال أبناء أردبيل لتوجيهات وإرشادات سماحته الخاصة بالمواكب الحسينية وضرورة تنزيهها من كلّ الأعمال التي لا تمتّ للدين بصلة
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد مروّج إمام جمعة أردبيل دامت بركاته..
بعد التحية والسلام:
لقد استلمت رسالتكم الموقّرة التي تعكس موقف أهالي أردبيل الأعزّاء الجدير بالتقدير من نصائحي التي تتعلق بمواكب سيّد الشهداء عليه ألف تحية وسلام..
إنّ هذا الموقف ليس غريباً عن أناس مؤمنين وغيورين ومضحّين يقفون في الصفوف الأولى مع الصالحين. لقد شاهدت عن قرب سواء في ميدان الحرب المفروضة أو في المواقف الثورية والسياسية والدينية بطولات أهالي أردبيل الأعزّاء وحبّهم وعشقهم لآل البيت عليهم السلام وسيكون أجرهم على الله تبارك وتعالى.
ما طرحته للشعب المتديّن والعاشق لآل النبوّة والولاية عليهم السلام هو من منطلق الحرص، لقد شاهدت كيف يحكم العالم بجفاء على إخلاص ومحبّة الناس لسيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وشاهدت كيف يفسّر استيعاب الناس وفهمهم وإدراكهم لعقيدتهم بمنزلة أهل البيت(ع) الرفيعة أخذت تفسر ونتيجة لممارسة أعمال عن جهل وبشكل لا يناسب الشيعة والأئمة الأطهار، وشاهدت كيف عمد الأعداء المتعصّبين للإساءة بإعلامهم الشيطاني لمواكب عزاء عترة الزهراء الطاهرة عليهم السلام، وشاهدت كيف اتّخذ الأعداء بعض الأعمال التي لا تمّت للدين بصلة ذريعة كي يصفوا الإسلام والشيعة - والعياذ بالله - بالخرافات وأخذوا يعلنون غضبهم وعداءهم لنظام الجمهورية الإسلامية المقدّس.
هل إنّ الشيعة المحبّين والمخلصين عندما يضربون رؤوسهم أو رؤوس بعض الأطفال يوم عاشوراء راضون بأن يتبدّل عملهم هذا إلى سند بأيدي الأعداء في وقت تتسلّط فيه الآلاف من الأعين وتتكالب الألسن من أجل الإساءة للإسلام والتشيع! هل يرضى هؤلاء ومن أجل التظاهر بهذا العمل أن يسيئوا إلى دماء عشرات الآلاف من التعبويين (البسيج) التي أريقت من أجل الحفاظ على كرامة الإسلام والتشيع ونظام الجمهورية الإسلامية؟
إنّ ما نُقل عن مراجعنا الأوائل حول هذه الأعمال لا يتعدّى هذا الحكم - إذا لم يترتّب على هذا العمل ضرر يُعتد به فهو جائز -. ألم يكن التقليل من مكانة الشيعة في أنظار العالم ضرر يُعتد به؟ ألم تكن الإساءة لمحبة وعشق الشيعة لآل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخاصة لسيّد الشهداء عليه السلام ضرراً؟ أيّ ضرر أكبر من هذا؟
عندما يتمّ ضرب الرؤوس بالسيوف بشكل فردي وفي البيوت فهو مضرّ وضرره هو ضرر جسمي، وهذا ملاك للحرمة، ولكن عندما يتمّ هذا العمل أمام الناس وأمام عدسات الكاميرات وعيون الأعداء والأجانب وأمام أعين شبابنا فهو ليس مضرّاً جسمياً وشخصياً فقط، بل يعتبر من الأضرار الكبرى حيث الإساءة للإسلام والشيعة.
لقد أصبح هذا الضرر اليوم كبيراً ومدمّراً، لذا فإنّ شجّ الرؤوس (التطبير) بشكل علني وأمام الأعين حرام وممنوع.
طبعاً إنّ الأشخاص الذين سبق أن ضربوا رؤوسهم بنيّة العشق والإخلاص والثواب فأجرهم على الله، ولكن علينا أن نقيم مجالس العزاء والمواكب التي تعكس الحب والشوق والحزن لأهل البيت بشكل يختلف عن تلك المواكب التي كانت تقام في السابق. وما يقرأ في هذه المجالس من شعر ونثر ومصائب يجب أن يكون ذا مغزى وهدف ويستند إلى مصادر متواترة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام.
تحياتي ودعائي بالتوفيق لسماحتكم وجميع أهالي أذربيجان وأردبيل وسائر مناطق البلد الإسلامي.
السيد علي الخامنئي
السابع من محرّم الحرام 1415هـ