كافلٌ ومكـفولٌ .... وبينهما حقٌ ضائع .. "حكاية"

مجلس للمشاركات الأدبية بمختلف أقسامها...
أضف رد جديد
الهاشمي اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 668
اشترك في: السبت أغسطس 07, 2004 3:39 pm
اتصال:

كافلٌ ومكـفولٌ .... وبينهما حقٌ ضائع .. "حكاية"

مشاركة بواسطة الهاشمي اليماني »

يامـبو " مرحبا " ... خبر ياكو ، كيف الحال .... بهذه الكلمات إستهل نعمان يومه بالساحل ، حيث هاجر إلى ساحل أفريقيا الشرقي ( كينيا - تنزانيا ) ... فتى مفعما بالنشاط والحماس هو نعمان كغيره من فتيان اليمن المهاجرين لتحقيق طموحاتهم ، يعمل بجد ونشاط ملحوظين يجعله محط أنظار العم سالم المهاجر من حضرموت والذي سبق له التوطن والعمل بالتجارة ... العم سالم المشدود لنعمان عرض له عملا بمتجره ولم يخيب نعمان أمل سالم فقد بذل جهدا محمودا ... ومتميزا أهله أن يرتقي لتجارة خاصة وبدعم العم سا لم وإشرافه وإرشاداته ونصائحه فهو الخبير والمجرب .. ونعمان الوعاء الصالح القابل لتنفيذ النصيحة والعمل بها ، ولم يكتف العم سالم بإمداد نعمان بالخبرة بل تمتد يده لينكح نعمان إبنته ... ليصبح ناصحا وأبا .. هي علاقة الأب المشرف المسئول بإبنه الطائع العامل ..
تجارة نعمان تنم وتزدهر ويعل شأنه ويصبح من الميسورين حالا ومن أصحاب الممتلكات والمدخرات ، وتنجب زوجه ذات نصف الدم الأفريقي من ا لأبناء أربعة ثلاثة ذكور وأنثى واحدة ... ونصفها الأفريقي يعود لأمها الشيرازية ... والشيرازيين بالساحل الأفريقي هم نتيجة خليط المسلمين ببعضهم بالتزاوج بين عدة أجناس الأسويين والعرب ثم ا لأفارقة ولاتعني بالظرورة مدينة شيراز الإيرانية ، وبالتالي ينتج جنس بديع ورائع من هذه الدماء تجمعهم عقيدة التوحيد .. وبالتالي نعمان ينسجم بمجتمعه شأن أي مهاجر يمني ..
بدأت العواصف السياسية تهب على الساحل الأفريقي ويغذي المحتل أفكارا نشاز كانت تصب بهدف إيجاد الكراهية للعرب وإثارة النعرات ضدهم حيث صوروا العرب كتجار رقيق ( بائعي عبيد) ... كان نعمان صامدا أمام العواصف الهوجاء وكان يبادل السيئة بالحسنة ولاينزلق للمزالق الخطيرة ... صبورا وقورا ..
كان يفهم أصدقائه ومعارفه من الأفريقيين أن اليمنيين تواجدوا بالساحل منذ أكثر من الف عام وأن اليمنيين لم يجلبوا معهم سوى النور والتنوير الثقافي فقد عمموا المعرفة بدين الله وعقيدة التوحيد والعدل ثم أسهموا بإيجاد السوق التجارية وأنعشوا الإقتصاد بتنشيط عمليات التبادل التجارية .. ثم قضية الرقيق والعبودية حديثة نسبيا وتزامنت مع وصول المحتل الأجنبي بالثلاثة القرون الأخيرة ... ولم يكن لليمنيين دورا فقد حيدت حتى وسائطهم حيث لم يتمكن اليمنيين من ممارسة الملاحة البحرية ومنعت سفنهم أوسرقت أو أحرقت وبالتالي بتلك الحقبة السيئة من التاريخ كان على المهاجر اليمني أن يسافر عبر سفن المحتل أو السفن التي ترفع علمه وقد أصيبت صناعة السفن بشلل أو إنتفت من اليمن ... كان نعمان يحاول إفهام الأفارقة أن اليمنيين كانوا ضحايا كالأفريقيين تماما وأن اليمنيين لم يتعاونوا مع المحتل ولم يساعدوه أو يعطوه الخبرة أو يدلوه على طريق الملاحة البحرية بالمحيط الهندي ... بل قاطعوه وتحاشوا الدخول معه بأي علاقة وحتى التجارية ...
كان الأفارقة مندفعين بتعصب أعمى ضد من يتوهمون أنه كان سببا بإستعباد آبائهم وسبي نسآئهم وفتيانهم .. ورغم دفاع نعمان المستميت ثم شرحه بأن ثقافة الرق والإسترقاق غير موجودة بالثقافة اليمنية وأن اليمنيين مجتمع إنساني متميز متفرد ومتطور إجتماعيا ... لكن يبدو أن هناك من كان يدفع للكراهية عبر وسائل الإعلام المتوا ضعة وكانت تتمثل بالصحف والكتيبات ...
خلال هذه الدوامة نعمان يتطلع للخروج من ما يعتقده أزمة .. وتشيع أخبار النفط بالخليج والثروات الهابطة من ااسماء ... ويجمع حقائبة عارضا الفكرة على زوجته وأبنآئه لكنهم رفضوا الفكرة تماما ... وبالطبع لم يكونوا بعيدين عن المعمة فقد تولوا مسئولية تجارة نعمان وأداروها بكفآئة مستفيدين من لون بشرتهم السمراء ... حيث كان الإشراف لجدهم ووالدهم ثم للخبرة المتوارثة الدور الأهم .. نعمان يرى أن أهله سيكونون بخير ولن يمسهم مكروه سافر للخليج مدخرا بعض الدولارات التي تكف للبدء بتجارة .. والتجارة شطارة وقبل ذلك حنكة وخبرة ... وكما روي عن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، المهاجر فارغ الجيب والغني بالخبرة ... قال لإخوته الأنصار الذي يحاولون مساعدته ... قال دلوني على السوق ... وبحكم الخبرة غدى يجهز جيشا من جيوش المسلمين بفعل ثرائه والذي بدأئه ببيع الحبال ...
وصل نعمان للخليج وبداء نشاطه بثبات ومثابرة ... وما هي سوى فترة زمنية وجيزة حيث ينظم لكبار رجال الأعمال ويحصد الثراء ... ويدع زوجته وأولاده لزيارته .. يصلون لكنهم لايرغبون بالبقاء حيث لايطيقون رمال الصحراء ولظى حرها الاهب ... والزوجة مشدوهة لمروج أفريقيا الخضراء منبت الصبى ومسقط الرأس ، ورعاية أبنآئها ووالدها المسن ... وعليه تعود الزوجة والأبناء ... وبعد تفاهم الأسرة يقوم نعمان بالزواج ثانية من مهجره الجديد الذي كسب جنسيته وأصبح يعيش بقصر كعلية القوم وتخدمه الغلمان والمربيات ... وينجب من الزوجة الجديدة نصف درزن من الأبناء والبنات ... وكأي كآئن حي .. يتوفى نعمان ، ... لم تكن الزوجة الجديدة ذات خبرة بل كانت تبذر الوقت على المظاهر والبذخ ومضاهاة من ينثرون مدخراتهم بالهواء الطلق .. عديمة المبالاة وسيئة بإدارة منزلها .. أبنائها عالة وعلة علي المستخدمين ومنهم يكتسبون الطباع الغريبة .. أهدروا أموال أبيهم وبددوا ثروته بوقت قياسي وهم يتسابقون لإقتناء العربات الفارهة والرحلات الأسطورية التي بها يتشبهون بأوناسيس ويخوته الفارهة .... تبخرت الثروة وتقزمت الإمبراطورية المالية وبقي إسم المؤسسة جسدا بلا روح ..
الإبن الأكبر بندر يتواصل مع إخوته بأفريقيا ... ويجد صدى ، يتمحس الأخ الأكبر سالم للتواصل معهم بالخليج ومحاولة مساعدتهم وإنتشالهم ،،، وضع الأسرة بأفريقيا جيدا حيث بنوا بيتا تجاريا جيدا ولهم أعمال مربحة وناجحة ..
بندر يغادر لأفريقيا .... يصل مطار نيروبي بثوبه الحرير الفضفاض وحاله خال الوفاض سوى بقية من مظهر البذخ الزائد ينم عنه لمعان ثوبه ... وزيغان نظراته ... وفجأة ينطلق فاغر الفم مشدوها ومشدودا لفتاة هيفاء القد متمايلة الأرداف يكاد عطرها يشم علي بعد مسافات به المسك والند والكاذي والبشام .... فنسي لقائه سابحا بعد الفتاة .. مرددا وانا حبك ياسلام .... وتستقر الفتاة بعربة خارج مبني المطار وبالسيارة فتوة .. وقبل ولوج العربة أمسكته يد تقول إنني أخوك فلا تبتئس .... كانت الفتاة طعما كاد بندر أن ينخدع به فقد دأبت عصابات الأشقياء الترصد للقادمين من الخليج ليسلبوا ... وفهم بندر أن سالم والشرطة قد أفشلا اللصوص من ا لإمساك بغنيمة وخيبوهم ... كان لقاء الأخ الأكبر سالم بأخيه بندر ... قبل وعناق وحب وإشتياق ..
سالم لم يستطع تحليل ميول أخيه بندر الساذجة ... وحاول تخطي طوفان العواطف ليصل للخلل الذي منه نفذت سوسة العثة لتقضي على ثروة الأب بالخليج ... والتي كانت أضعاف ما يملكه سالم وإخوته بأفريقيا ... سالم يطرد الأفكار مفسحا المكان للترحيب ببندر ومحاولة إدخال البهجة والسرور عليه ..
حرصت الأسرة أن تجعل أيام بندر بأفريقيا أعيادا .... من الطبيعة الخلابة للغابات ... للسواحل الساحرة ... كان لايعطي إنطباعا بالسعادة ، حيث كان يقضي معظم النهار نائما ... وبالليل يحاول الخروج لعالم الليل .. الذي لم يعرفه سالم رغم ولادته بجواره ... كان سالم يشعر بالمسئولية كأكبر أبناء نعمان ... لكن لم يكن باليد حيلة لن يصلح العطار ما أفسده الدهر ...
وفكر سالم بالطريقة التي يمكنه بها مساعدة إخوته بالخليج وإعادة مجد أبيه التجاري ... وشرح العملية لبندر الذي تحمس للفكرة .. لكن هناك عقبات قانونية ،، بسطها بندر .. وهي تأشيرة الدخول لسالم وإقامته بالبلد .. وحيث أن المؤسسة تحمل إسم بندر فمن السهل وصول سالم ... وتتفق الأسرة على رحيل سالم عقب رحيل بندر عائدا من الإستجمام ... أم سالم تعترض وتنصح أن لايمارس سالم عملا تجاريا ويكتف بالزيارة وتفقد الأسرة وإسداء النصح والتوجيه ... لكن سالم يستشف من كلام أمه أنها الغيرة النسوية وحسب .. فهو مصمم لإعادة مجد الأب ..
سالم يتوجه للخليج وبجعبته مأتي الف دولار ... الغرض منها ضخ المادة بمؤسسة الأب وإعادتها للعمل ... يريد إعادة مجد إسم الأب نعمان .. لم ينظر للخسائر التي تسبب بها مجون إخوته وإستهتارهم .. كان يشعر بمسؤليته تجاههم كأب بديل ... كيف.... وهو الأخ الأكبر ..
المؤسسة تستعيد عافيتها وتعود للربحية بفضل نقود سالم ثم لخبرته وحنكته التجارية المتوارثة ... والإخوان ينتظرون على أحر من الجمر نائمين نهارا لاهين ليلا ... ينتظرون الأرباح ليقوموا بالرحلات الممتعة وإبتياع العربات الفارهة ... وبدأت المؤسسة تعاني من سحب السيولة النقدية .. ويعترض سالم لكن ليس له خيطا يمسك به في هذه اللعبة ، فهو أجنبي وتوقيعه غير معترف به ولايستطيع سحب أو تعديل المال الذي هو بالأساس ماله ... فقد دخل بحساب المؤسسة وهي ملكا لبندر .. وفي نفس الوقت بندر يكفل أخاه سالم .. والمكفول تابع للكفيل لاندا له .. لم يستطع سالم حراكا وأنتابه الحزن وهو يرى أحلامه بإعادة مجد أبيه تتبخر وتتلاشى ... ويتذكر كلا م أمه عندما حاولت صده عن الرحيل والإتجار ويتذكر كلامه لها : لن أرجع حتى يسميني الناس باقروش .. هاهي قروش سالم تتبخر لاحقة بثروة الأب ..
حاول سالم إنقاذ البعض ... لكن بندر له مجموعة من أصدقاء الليل بهم من يمتلك أكثر من قرار ... حيث لفق لشقيقه أكثر من تهمة ... بمعونة الأصدقاء ... وبعد شد وجذب يعود سالم من حيث أتى بترحيل قسري وبجعبة فارغة .. مفرغة .. أفرغها الشقيق الكفيل ، فوق تبذيره وتبديده للثروة التي جمعها الأب والتي كان يبنغي أن يكن لسالم وإخوته بها إرثا.. فيظيع الحق والحقوق والمكتسب .. ليصبح وضع الشقيقان .. كافل ومكفول وبينهما حق ضائع ..

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأدب“