صعدة وشهوة الاستبداد
محمد غالب غزوان ( 14/02/2006 )
(والله لايأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا الا ضربت عنقه) كانت هذه -كما روى السيوطي- كلمات الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان وهو واقف على منبر مسجد دمشق, وكانت ايضاً بياناً واعلاناً لاعن بداية عهده فقط, ولكن عن استمرار عصور متتاليه من استبداد الحاكم العربي المسلم. فلم يشد تاريخا بعد الإسلام عن قاعدة الاستبداد الشرقي كثيراً. فالحاكم الذي يعتقد انه يستمد سلطة من الالة قد تحول الى خليفة لهذا الاله أي انه اكتفى بان يكون ظلاً لله, بدلاً من ان يكون تجسيداً له, ولكن لم يؤثر هذا في سلطته المطلقة, ولم يجعله يفكر ابداً في اخضاع تصرفاته او تصرفات المقربين له للمحاسبة او المساءلة ولم يضع الله- كما يدعي خلافته له- نصب عينيه. وبطبيعة الحال حول السلطة في الاسلام الى حكم خاص باهله وقام بطباخة الدين بما يناسب رغبته. وكان هذا انقلاباً على الدين وقد قال تعالى (أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم) صدق الله العظيم.
وقد كان عالم الاسلام بفضل مافيه من تعاليم تحض على العقل والتفكير في أمر الكون, وبفضل مادخله من أ جناس الارض وارباب الحضارات القديمة, وبقدر المعرفة التي توارثتها من الحضارة اليونانية مهيأًا لان يقدم حصيلة اكبر من هذا واكثر ديمومة. لكن قوة الدولة وسطوتها وفتوتها وارهابها حالت دون نجاح كثير من الأفكار المتقدمة والثورات التي حملت افكاراً تسبق زمانها واوان قبولها لدى الناس.
واذا تاملنا حالنا اليوم كمسلمين نجد ان الاستبداد والسطوة والارهاب يلازم حكامنا وواقعنا. فتكفير بعضنا حاصل وقتل بعضنا تحت راية الدفاع عن الدين حاصل, وتحويل الدين الى ذريعة لتمرير قوة وسطوة الاستبداد قائم.
ونمر اليوم بتجربة دموية ضحيتها مئات القتلى والاف الجرحى, ويتضاعف العدد كل يوم, ومسرح هذه التجربة محافظة صعدة وابناء المذهب الزيدي. وحين نكتب عن صعدة والمذهب الزيدي نرسل ماهو كامن فينا الى ساحة كتاباتنا, وننقل اليها القهر المزمن والاستبداد والتعسف الذي تشكو منه معنوياتنا. ربما هناك من يقول ان ماننقله الى كتاباتنا يترجم بدقة واقعنا الملتهب والمؤلم. وهكذا يبدو الامر وكأننا نرسل كرات ملتهبة بغية ان تصيب اهدافاً يعتقد اصحاب هذا الرأي انها طائفية أو ثورية, والحقيقة هي كتابات انفعالية. ويبدو لي ان ثمة هناك فرقاً بين ان نثور وننفعل ذلك اننا عندما نثور ونخالف ونرفض ونغير بينما يعني الانفعال شعوراً ينشأ عن عوامل قاهرة, وهو الى الظاهرة البكائية اقرب منه الى الحافز الثوري وليست انفعالنا هذا مباشر اذا لاختلف الامر ولو قليلاً انما المؤسف ان كل كتاباتنا لاتصنف الى مستوى الانفعال الاول او المباشر واعزو ذلك الى عوامل كثيرة, منها الاحباط الشديد, التواطؤ مع السلطة وقلة الحياد, فضلاً عن الجبن والرقابة ومرور كتاباتنا بدروب ملتوية واطوار من التزين والترويض, فنترجم انفعالنا إلى مايصلح ان نضعه في خانة (شبه الانفعال).
وبهذه المعنوية المقهورة سوف اتناول في مقالة جريمة شنعاء نفذت في سجن صعدة المركزي على مجموعة من الشباب الاحداث مادون سن الثامنة عشرة ينسبون الى الحوثية. وهذه المقالة لاتهدف الى الدفاع عن من نسبوا الى الحوثية دفاعاً اعمى ولكن تريد ان تصل حقاً الى اجابة شافية وتشخيص سليم للمأساة فقد أصبح شيوع استباحة دماء هؤلاء الناس واموالهم وممتلكاتهم وقراهم ومزارعهم بمخالب وحوش رجال الامن والجيش والمستفيدين من اصحاب الافكار الهزيلة ممارسة طاغية بشكل يلفت الانتباه, ادى الى استنتاج مر, وهو عدمية الدستور والقوانين والمعاهدات والمواثيق, مما يؤكد ان الشعب يمر بمنزلق خطير, سيؤدي به الى الهاوية, وعليه ان يفرز الصحيح من الفاسد والغث من السمين.
(الطغيان والمذبحة)
في صباح يوم السبت 24-12-2005م شاهدت وشاهد معي جمع غفير من السجناء مجموعة الشباب صغار السن تتراوح اعمارهم مابين 16, 17, 18 سنة تم اخراجهم من زنزانة السجن المركزي الانفرادية بصنعاء, تحت اشراف جنود السجن وكان هؤلاء الفتية محمولين على النقالات وبعضهم محمولين على اكتاف بعضهم البعض وكانت الدماء تلون ملابسهم ورائحة الدم تزكم الانوف ومنظرهم يبكي اصحاب القلوب القاسية. كان الخوف والفزع يسيطر على ملامح وجوههم الصغيرة وهم سائرون طائعين لاوامر الجنود القاصدين بهم مستوصف السجن لغرض مجارحتهم. وقد اثار هذا المشهد دهشة وفضول الجميع, واثار التساؤلات ولم نصل الى اجابة شافية. غير انهم جاءوا بهم منتصف الليل من سجن صعدة وهم من جماعة الحوثي, حسب قول من افادنا وبعد ذلك علمنا في ظهر نفس اليوم السبت انهم عادوا من المستوصف الى زنزانتهم المعزولين فيها والدموع تذرف من اعينهم, والحزن يخيم عليهم وعلى نفسياتهم الصغيرة بعد موت احدهم, علمنا فيما بعد ان اسمه عبدالعظيم الضحياني, الذي استمرت دماءه تنزف من ظهر يوم الجمعة الدامي الى ساعة وفاته الحادية عشرة صباح يوم السبت.
وفي صباح يوم الاحد جمعني بهم مستوصف السجن اثر خروجي لتلقي العلاج والمعاينة فالتقيت بهم ورأيت الجرحى بام عيني. كانت جراحهم بالغة من جراء اطلاق الرصاص الحي عليهم. ورأيت على اجسادهم كدمات واحمرارات تؤكد تعرضهم للقسوة والضرب الشديد وقد شرحوا لي مأساتهم وكيف نفذت المذبحة عليهم. قالوا منذ اسبوع كامل وسجناء سجن صعدة يشكون من عدم توفر المياه ولم تكن مشكلة عدم توفير المياه هي المشكلة الوحيدة في ذلك السجن المرعب, فالتغذية ردئية ولا تفي بالحاجة, وعدم توفر الدواء وابتزاز السجناء واستغلالهم واستخدام القسوة. كل هذه الممارسات تمارس داخل سجن صعدة من قبل الادارة ودون خوف او وازع من ضمير. وفي يوم الخميس 22-12-2005م شدد جميع نزلاء سجن صعدة, ونحن من ضمنهم على ضرورة توفير المياه ووعدت ادارة السجن بتوفير المياه وفي يوم الجمعة الدامي طالب السجناء بتنفيذ وعد الادارة بتوفير المياه, فقامت ادارة السجن بإدخالنا نحن الى بدروم السجن وضربنا بالعصي والكابلات واثناء ضرب الجنود لنا ومحاولات بعضنا تفادي تلك الضربات بكف ايديهم اعتبرها الجنود مقاومة واطلقوا النار علينا مباشرة. سقط اربعة قتلى واربعة عشر جريحاً كان من بين القتلى طفل (رهينه) واضافوا في اقوالهم وشرحهم لي, بانهم خلال فترة حبسهم التي هي بدون حكم وبمسوغ غير قانوني أو انساني يواجهون سيلاً من الاهانات والتعسف والأقوال المهنية لهم من السب والشتائم من قبل مسؤولي السجن ومدير سجن صعده- حيث يقول لهم: علماءكمالزيود يخفون زنانيرهم تحت عمائمهم وضربكم وقتلكم حلال انتم وعلماءكم اشد واخس والعن من اليهود والنصارى, وغيرها من الكلمات القبيحة والخطيرة. واضافوا في شرحهم ا نهم يتعرضون للضرب بشكل مستمر وللتعذيب النفسي, حتى اشمأزت نفسي, واغرورقت عيناي بالدموع وانا اتذكر قول الشاعر:
مزجنا دماءً بالدموع السواجم
فلم يبق منا عرضةً للمراجم
وشر سلاح المرء دمع يريقه
اذا الحرب شبت نارها بالصوارم
واذا باحدهم يسالني ببراءة الطفل (عمره مادون السابعة عشر تقلريباً).. قال (الرئيس يدري بما يفعلونه بنا والعلماء حقنا يدرون انهم يقولون عنهم انهم بزنانير؟).
ولم اجب ولكن سألت نفسي: الى من يلوذ ويلجاء هؤلاء الفتية في محنتهم العصيبة والى من يرفع امرهم الى رئيس الدولة الاب الحنون الرمز القائد الذي تركهم نهباً لفرسان الميدان الى علمائهم المتهمين بتربية الزنانير تحت العمائم حتى عمائمهم لم تنج من الاتهامات.. الى ..... الى........؟ صدقوني لا اجابة.
ثم سألتهم عما استطيع ان اعينهم فيه رغم اني مثلهم سجين فاجاب على ذلك الشاب وبنفس البراءة كونوا زيدوا لنا الخبز لا عندنا الزنزانة نحن نجوع!!
وصعقني بهذا الرد وشعرت بامعائي تتمزق اين انا والى متى؟
وبعد تسعة عشر يوماً, وبالتحديد يوم الخميس 12-1-2006م وفي منتصف الليل وصل عدد من الشاحانات لياخذوهم دون ان نعرف وجهتهم لا نحن ولا أسرهم.. أهي التصفية الجسدية ثم المقبرة الجماعية أم سجون اخرى لايعلم بها احد؟
هؤلاء هم جنودنا الأشاوس جنود سجن صعدة لايشفقون على احد حتى على الدين يتوسلون الرحمة. سقط السجناء العزل تحت طلقات بنادقهم مثلما تسقط اوراق الشجر المهترئة حين يهزون اغصانها.
ان زيارة سجن صعدة المركزي المعروف بسجن (قحزه) وسجن الامن السياسي في صعده لابد ان يكون هدف المنظمات الانسانية ومعركة بقاء على احترامهم, بحيث يكون شعار هذه المنظمات اما ان نكون او لا نكون. ومايحز في النفس ان نقل السجناء الجرحى من سجن مركزي صنعاء جاء بناءً على نصيحة تقدم بها احد العاملين باسم المنظمات الانسانية الى وزارة الداخلية حتى لا يكونوا هدفاً لزيارات المنظمات الانسانية, وتنكشف بشاعة المعاملة. يقال والله اعلم- ينتهي الانسان حين يبدأ يعتاد على الاشياء- ومن حقنا ان نرفض الاعتياد على مثل هذه الممارسات, وعلى العلماء ورجال الدين والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ان لايكرسوا هذه العادات ويمنحوا حضورها زخما وكثافة, الا وهي عادة الصمت الذي يخيم على من نصفهم بالاغلبية الصامتة تلك الشريحة الضخمة التي امرت بالصمت فاطاعت مقهورة, ثم تقف مواقف مزدوجة لتعبر عن موقف مزدوج, عبت من ناحية, ووعيد وتربص من ناحية اخرى ثم تتكرم علينا جميعاً السلطة بدفقات هائلة من الاكاذيب تعقبها وعود اخرى واكاذيب.
اني اتساءل عن العلماء رجال الدين. الاحزاب السياسية, المنظمات الانسانية, منظمات المجتمع المدني رجال الفكر والادب, المنظمات الدولية مشائخ القبائل, رجال السلك الدبلوماسي, جميعهم وقعوا في الجب أخرسهم, مادارت لأحناكم ولانطقت السنتهم جميعهم يستنكرون في غرف كظيمة, بكاء بدون اسبال دموع صياح في قيعان اودية سحيقة يجب على السلطة ان تعلم بان عليها تطهير دواخلها من هذه الممارسات وان دعاويها في الاصلاح والنزول لهيبة القانون, ووعودها الزائفة الاخرى قد استنفذت طاقات بشريه خلاقة, ورفعت الى السقف زبد الامة, بينما غاص في الاعماق او هرب ابناؤها النابهون بجلودهم
(انتصار)
اخت السجين في الامن السياسي الطفل المشلول ابراهيم 12 عاماً واخت الشهيد وزوجة السجين- خير نساء هذا العصر- (انتصار السياني) كان الله في عون ابيك صاحب الهامة الشامخة والقلب الحزين, سيكتب الله لك وله الاجر ان شاء الله.
عاصفة صفاقة هبت
الورد تعرق- واستغرب
امجاد تتلي قبل المغرب
اعداؤك صاحوا فلنهرب
هي مثل قرنفله من عسجد
مالانت ابدا بل كانت
رمحاً في صدر محند
صارت علماً صارت قسماً صارت رمزاً صارت نجماً صارت جبلاً صارت سهلاً صارت قوة صارت نخوه صارت قمه صارت أمه صارت.... صارت.... صارت...... لكل المسلمين والعرب.
وللحديث بقية اذا سلمنا
سؤال (مهربين وهاربين)
بعد حادث الهروب الذي حصل في سجن رجال السلطة الاوفياء الامن السياسي قامت ادارة السجن المركزي بصنعاء بنقل العلامة محمد مفتاح من الغرفة رقم (10) في قسم الاصلاح الى غرفة رقم (2) في نفس القسم ليكون تحت رقابد احد المقربين. وكذلك قامت بنقل العلامة يحيى الديلمي من غرفة رقم (1) قسم الغفران الى غرفة (2) الخاصة برئيس القسم محمد العنسي حتى يكون تحت الرقابة العنسية, في الوقت الذي يتنقل اصحاب قضايا الارهاب والاغتيالات بحرية تامه وفي كل الاوقات.
http://al-shoura.net/sh_details.asp?det=2070