عنزة السلطة .. تطير!
الأربعاء 1/9/2004 رشيدة القيلي
> (عنزة ولو طارت) هذا المثل الواسع الانتشار يتصل بحقيقة تتعمق في نفوسنا كثيرا، وهي الاصرار على المواقف والآراء مهما كانت خاطئة، مع أن كل شيء قابل للمراجعة واعادة النظر فيما يرتبط بأقوالنا وافعالنا وتفكيرنا البشري، الا اننا في العالم العربي وفي اليمن بالذات نرى أن مراجعة المواقف والافكار واعادة النظر فيها، يعتبره البعض من مظاهر النقص والضعف في شخصية الانسان المراجع، خاصة اذا كان حاكما او عالما أو مثقفا أو سياسيا. بل وفي المقابل يوجه الحاكم أو العالم او المثقف او السياسي هذه النظرة الاتهامية نحو ذاته، فيرفض بنفسه ان يقوم بأي مراجعة لآرائه ومواقفه ظنا منه ان هذا ينقص من قدره ويضعف من قوته! ولهذا فهم يرون ان الاصرار على الموقف او الرأي هو الذي يمنحه قوة الحق الذي لايقبل النقاش، بيد ان الذي يعطي الشخص نفسه قوة الحق هو صواب الموقف والرأي حتى ولو كان هذا الموقف والرأي هو التراجع عن الخطأ وإعادة النظر فيه. > والذي دعاني الى تناول هذا الموضوع هو ما نراه من اصرار السلطة - مدعومة بكل امكانيات الدولة- على حسم قضية (الحوثي) عسكريا وبأي ثمن، الأمر الذي لم يتأت حتى الساعة، رغم الثمن الباهض الذي يدفعه الوطن يوميا من دماء ابنائه من الطرفين، ومن الامكانيات التي تذهب هدرا لاسترضاء فلان وعلان من القادة والمشايخ والوجاهات الاجتماعية التي بدأ الشارع يهمس بأنها صارت مستفيدة من إطالة الحرب حرصا على دوام استدرار بقرة الخزينة العامة الى جيوبهم. ويأتي انتقادنا لإصرار السلطة على هذا الخيار الأرعن ليقيننا انه لم يكن الحل الوحيد لمعالجة قضية (الحوثي) سواء كظاهرة او كحدث عارض، والشعب يدرك انه كان امام السلطة اكثر من خيار غير خيار الحرب، بعضها طرحها الشيخ عبدالله حسين الأحمر رئيس مجلس النواب- وبعضها طرحها آخرون يملكون الخبرة والاخلاص. > ولكن عقلية (عنزة ولو طارت).. قد حالت بين فراعنة السلطة وبني سماع دعوات التعقل ومنطق الرفق والتأني في المعالجة، على الرغم من انه قد ثبت لهم الآن فشل اسلوبهم في معالجة القضية، ونجاحه في تعقيدها اكثر واكثر. لكنهم مازالوا يعتبرون التراجع عن الخطأ نقصا وعيبا في حقهم! رغم انهم في قرارة انفسهم يؤمنون ان من خالفوهم منذ البداية كانوا محقين. > ان مراجعة المواقف، واعادة النظر فيها بعد ثبوت خطأها هو الصواب بعينه، بينما الاصرار عليه هو الخطأ المركب بعينه، لأن الاصرار على الخطأ في البداية يكون قائماً على حسابات خاطئة لم تثبت بعد بل هي متوقعة ليس الا. لكن الإصرار على الخطأ بعد اتضاح وظهور خطأ تلك الحسابات، يعتبر خطأً مركباً لأنه قائم على عناد ومكابرة وليس على حسابات صحيحة. > هذا متطابق تماما مع حالة المثل السابق، فالذي رأى الغراب ظنه في البداية عنزة ولم يوافق صاحبه في انه غراب، وكان موقفه مبنياً على الظن، لكن عندما اقتربا من الغراب طار، فنظر إليه صاحبه الذي تأكدت رؤيته بطيران الغراب، لكن الآخر(شبيه السلطة حقنا) انتقل من حالة الموقف المبني على الظن الذي ثبت بطلانه، الى حالة العناد والمكابرة التي ثبت طغيانها حين أكد موقفه بقوله: (عنزة ولو طارت)!!!