لا أعتقد، ولا أظن، أن في العالم الإسلامي كله مسلماً لا يعلم أن دور العبادة على اختلافها، وأياً كان نوعها، يجب أن تظل في كل الظروف والأحوال، في مأمن من العدوان عليها أو الإساءة إليها، فضلاً عن أن تكون من نوع الكنائس والبِيَع والصوامع ((أديرة الرهبان)) التي حذر البيان الإلهي، في صريح القرآن، من مسّها بأي إساءة أو عدوان، وذلك في قوله عز وجل: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [الحج: 22/40].
حتى الذين يسمون اليوم بالمسلمين المتطرفين الذين يخضعون كثيراً من المبادئ والأحكام الإسلامية لقرارات أمزجتهم وردود أفعالهم، ليس فيهم من يسعه أن يتجاهل حكم الله ووصاياه في هذه المسألة، أو أن يعمي بصره وبصيرته عن سلسلة المشاهد والشواهد التي سجلتها وقائع الحكم الإسلامي على جبين تاريخنا الإسلامي الأغرّ، منذ عصر النبوة إلى آخر يوم من عمر الخلافة الإسلامية.. تلك المشاهد والشواهد التي تنطق بمدى حماية الدولة الإسلامية لبيع اليهود وكنائس النصارى وأديرة الرهبان، والتسامي بها فوق كل سوء، ووضعها من الكلاءة والرعاية مع جوامع المسلمين ومساجدهم، جنباً إلى جنب، في كلا حالتي السلم والحرب.
إذن، فمن هم هؤلاء الذين اقتحموا بالأمس قدسية الكنائس في العراق، بعد أن مزّقوا في طريقهم إليها وصايا الله وأوامره، واستهانوا بشريعة الإسلام ونظامها، ولطخوا جبين تاريخنا الإسلامي الأغرّ بالكثير من ظُلل قلوبهم الداكنة، وسواد نفوسهم الحاقدة، فأمعنوا عدواناً عليها وتقتيلاً فيها؟!..
أفيوجد في الدنيا كلها عاقل بوسعه أن يتحامق أو يتغابى، ثم يقول للناس - وقد خيل إليه أن فيهم من قد يكون مغفلاً فيصدقه - إن الذين أقدموا على هذه الجريمة الشنعاء في حق الإسلام وقرآنه وتاريخه هم المسلمون أنفسهم، وأنهم إنما ارتكبوا جريمتهم هذه، باسم الإسلام وفي سبيل الإسلام؟!!..
لا... يقيناً ليس في دنيا الناس اليوم من لا يعلم أحدث وأحطّ وسيلة تستعمل للسعي بها إلى تشويه الإسلام بالمخرقة والأكاذيب، ثم للعمل على تقطيعه إلى ((إسلاميات)) متصارعة، أملاً في القضاء عليه بعد ذلك ودفنه في أعماق مظلمة من ذاكرة التاريخ.. وليس في العالم من لا يدري أن أحدوثة الكنائس في العراق ليست إلا من ((رجيع)) هذه الدناءة التي تقيّأتها ذيول الاحتلال الصهيوني الأميركي له.
عهدي بتاريخ العداوات والحروب في العالم، أن المعتدين فيها مهما أوغلوا في عداواتهم وواصلوا حروبهم، لا تنفكّ عنهم صفة الرجولة في الخصام، ولا يبيعون الشرف في غمار العدوان.. أولئك هم الرجال، وهكذا كانوا، قبل أن تمسخ سلالتهم اليوم إلى قطيع دنيء من الحيوانات البشرية، لا يعرفون في خصوماتهم قيمة للشرف، ولا يقفون من عدوانهم عند غاية ولا حدّ.
إنهم اليوم جنود لأقذر تحالف في العالم.. وإنه ليهدف فيما يزعم إلى محاربة الله، من خلال التنكيل بعباده، والسعي إلى القضاء على شرعته ومبادئه، وتحويل الأرض كلها إلى مزرعة لأطماع هذا التحالف وإلى صندوق لمدّخراته. ذلك هو قانون هذا التحالف الساري بين السيد الأرعن ((صهيون)) وخادمه الأذلّ ((البيت الأسود))!..
أما عملية العدوان على الكنائس، وتدنيس رحابها بدماء البرآء، فواحد من الأسلحة الخفية التي يلجأ إليها هذا التحالف في السرّ، كلما ضُيِّقَ عليه أو أحيط به، أملاً في استجلاب عواطف العالم إليه، وتأييد ما هو ماضٍ فيه من التقتيل والتنكيل، ورجاء أن تلتصق تهمة هذا الإجرام، أمام أعين الناظرين والمراقبين، بأهل الدار، أولئك الذين لا مفرّ لهم من الذود عن الأرض والعرض والشرف.. ثم رجاء أن يغدو المجرم العاتي بطغيانه الهمجي ملكاً يستحق الرحمة والإشفاق، وأن يتحول المظلوم المدافع عن وجوده وعرضه إلى مجرم عصيّ يستحق العقاب والنكال!.. ويرحم الله من خلّد المثل القائل: ((رمتني بدائها وانسلّت)).
أما أرض العراق، فلم يولد فيها إلى هذا اليوم، من يحدّث نفسه بأن يمسّ دور العبادة أياً كان نوعها، بأي استهانة أو سوء، فضلاً عن أن يقتحمها ويريق في رحابها دماء البرآء من عبادها أو الداخلين إليها.. أجل، لم يولد في أرض العراق بعدُ هذا النموذج من المستخفّين بشعائر الله والممزقين لوحدة الأمة، أياً كان دينه أو مذهبه ومشربه وأياً كانت قوميته، وإلى أيّ منحى اتجهت سياسته.
ولكنها القِحةُ الصهيونية الأمريكية، ترمينا بدائها، ثم تحاول أن تتجاهل وتتسلل.
محمد سعيد رمضان البوطي
(رمتْنِي بدائِها... وانْسلّتْ)كلمةلفضيلة الشيخ البوطى
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 4
- اشترك في: الأربعاء يونيو 16, 2004 1:17 pm
(رمتْنِي بدائِها... وانْسلّتْ)كلمةلفضيلة الشيخ البوطى
اللهم صلى سيدنا محمد الفاتح لما أغلق الخاتم لما سبق الناصر الحق بالحق والهادى الى صراطك المستقيم وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم