أركان الحج ومناسكه

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك الحادي عشر: طواف الزيارة

روى الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام في قوله تعالى: (( ﴿ ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطَّوَّفوا بالبيت العتيق ﴾ قال: هو طواف الزيارة يوم النحر، وهو الطواف الواجب. فإذا طاف الرجل طواف الزيارة حل له الطيب والنساء، وإن قصر وذبح ولم يطف حل له الطيب والصيد واللباس، ولم يحل له النساء حتى يطوف بالبيت.))، انتهى. ويسمى طواف الإفاضة، وطواف الركن لأنه أحد أركان الحج، وطواف النساء. وصفته كطواف القدوم وركعتيه، إلا أنه لا رمل فيه. قال في شرح التجريد: (( ولا خلاف في أنه فرض، ولا يجبر بغيره، ولا خلاف أنه لا رمل فيه ولا سعي بعده...))، إلى آخره. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه، أخرجه أبو داود وابن ماجه. ويفعل فيه من الأذكار ما سبق، ولا يفوت الحج بفواته، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج عرفات ))، ولا يجبر بالدم إجماعًا، بل يجب العود له ولأبعاضه والإيصاء به لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر صفية لما حاضت: (( أحابستنا هي. ))، فقالوا: إنها قد أفاضت، قال: (( فلا إذن. ))، أخرجه الستة بروايات. وفي الجامع الكافي قال محمد: (( بلغنا عن علي صلوات الله عليه فيمن ترك الطواف الواجب قال: يرجع ولو من خراسان.)). وفي الأحكام: (( روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: يرجع من نسي طواف النساء ولو من خراسان. قال يحيى بن الحسين: وإن جامع النساء قبل أن يرجع ويطوف ذلك الطواف فعليه بدنة.)).




فصل في وقت طواف الزيارة

ووقت أدائه من فجر يوم النحر عند العترة وأبي حنيفة ومالك، واستدل على ذلك بخبر أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسل بها ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون عندها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أخرجه أبو داود والبيهقي. وفيه رواية أخرى وألفاظ وقد صحح، وليس فيه تصريح بالطواف في الفجر مع احتمال أن يكون لعذر. واستدل في البحر بفعله صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يفيد، إذ طوافه صلى الله عليه وآله وسلم متأخر عن الفجر، والأَولى الاستدلال بقول أمير المؤمنين عليه السلام السابق في تفسير الآية: (( هو طواف الزيارة يوم النحر...))، الخ، مع أنهم رووا الإجماع على أن يوم النحر وقت له، وخلاف الشافعي في جوازه من نصف ليلة النحر لا يضر، وآخره آخر أيام التشريق. وعند أبي حنيفة: إلى ثاني التشريق كالأضحية. وأجاب في البحر بأنه عبادة تختص بالحج يحصل بها التحلل، فامتدت إلى آخر وقته كالرمي. واختار الجلال في ضوء النهار أن آخره شهر ذي الحجة بناء على أنه بكماله من أشهر الحج. والصحيح أن العشر من أشهر الحج فقط كما سبق. نعم ويلزم دم لتأخيره أو بعضه عن أيام التشريق لعذر أو لغير عذر، فلو غربت شمس آخر يوم منه وقد بقي منه شوط أو بعض شوط لزمه دم. وذكر الأمير الحسين بن بدر الدين عليهما السلام أن من أخّره لعذر كالحائض فلا دم عليه. قال الإمام المهدي عليه السلام: ويقاس عليها المعذورون. قلت: وهو قوي.

وإنما يحل الوطء بعده كاملاً.

ويقع عنه طواف القدوم إن أخّر إلى وقت طواف الزيارة ثم طاف للقدوم وترك طواف الزيارة حتى لحق بأهله وهو دخول ميل وطنه، فينصرف طواف القدوم إلى طواف الزيارة، ولا يجب قضاؤه، ويلزمه دمان لترك طواف القدوم وسعيه وإن كان قد سعى. ويقع عنه طواف الوداع ولو لم يلحق بأهله لأنه لا يسمى مودعًا من ترك طواف الزيارة. واختار الإمام يحيى للعترة والشافعي أنه لا يقع عنه إذ لكل امرىء ما نوى. قال في الحواشي: (( ومحل الخلاف مع النية، وأما مع عدم النية فإنه يقع عن الزيارة اتفاقًا.)). قلت: المختار أنه مع عدم النية يقع عنه، وأما مع نية القدوم أو الوداع فلا، إذ الأعمال بالنيات، وإنما يقع عنه بدون نية لأن نية الحج كافية عن نية الأبعاض كالصلاة كما سبق. أما المقرر للمذهب فهو أنهما يقعان عنه مطلقًا إلا أنه يشترط في طواف القدوم اللحوق بأهله، وأما الوداع فمن حينه. فلو مات قبل اللحوق بأهله لزمه الإيصاء بطواف الزيارة. قال السيد يحيى: وهو المذهب. ولو طاف للقدوم مرتين سهوًا فإنه يقع الثاني عن الزيارة. قال في الغيث: أو طاف طوافين بنية النفل ولم يطف للزيارة والقدوم وقعا عنهما. ولو طاف للقدوم والوداع وقع طواف الوداع عن الزيارة ليكفي دم واحد، إذ لو وقع طواف القدوم لزمه دمان عنه وعن السعي كما سبق لترتبه عليه.

وإذا وطىء بعد أن طاف للقدوم قبل الرمي فهو غير مفسد إن لم يطف للزيارة حتى لحق بأهله وهي الحيلة، وإلا فسد حجه، كذا قرروه للمذهب. ولو طاف طواف الوداع وهو جنب وجبر بدم ولم يطف طواف الزيارة، وجب عليه أن ينحر بدنة لأنه انقلب عن الزيارة، فكأنه طاف للزيارة وهو جنب.



فصل في من أخر طواف القدوم


ومن أخّر طواف القدوم إلى ما بعد الوقوف قدّمه على طواف الزيارة وجوبًا، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخّر طواف الزيارة. ويسعى عقيب طواف القدوم قبل طواف الزيارة ندبًا، فلو طاف للقدوم ثم طاف للزيارة في وقته ثم خرج للسعي صحّ على المذهب. قلت: الدليل يقتضي تقديمه وسعيه على الزيارة.

فائدة: لو قدّم طواف الزيارة ثم طاف للقدوم، وقع ما نواه للزيارة عن القدوم، وما نواه للقدوم عن الزيارة على المذهب.





فصل في وجوب الطهارة لكل طواف

يجب كل طواف على طهارة كطهارة المصلي، وقد سبق تفصيل ذلك في طواف القدوم. ويختص طواف الزيارة بأن من طاف جنبًا أو محدثًا ثم لحق بأهله وكفَّر ثم عاد إلى مكة، فإنه يجب عليه إعادته بخلاف سائر الطوافات، فمن لحق بأهله وكفّر لم تلزمه إعادته إن عاد، وإن أعاده قبل أن يكفّر سقط عنه التكفير في الجميع، وإن وطىء قبل الإعادة وقد طاف جنبًا أو حايضًا فلا شيء عليه، إلا أنه لا يجوز له الوطء حتى يلحق بأهله. وقيل: إنه إن أعاده لزمته البدنة، لأن سقوطها مشروط بأن لا يعيده. والصحيح للمذهب أنه لا يلزمه لأنه قد حل بالطواف الأول، وإنما تجدد عليه الخطاب بالعود، وقد سبق.




فصل في ما يفوت به الحج

ولا يفوت الحج إلا بفوات الإحرام أو الوقوف بعرفة. أما الإحرام فالمعلوم من الدين أنه لا حج بغير إحرام وإنما الأعمال بالنيات. والعجب من الشوكاني حيث قال في سيله الجرار: (( لا دليل يدل على ذلك...))، إلى آخره. وأما الوقوف فلقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج عرفة. ))، ونحوه وقد سبق.

ويفوت الإحرام بأحد ثلاثة : إما بعدم النية، أو الوطء قبل الرمي وقبل طواف الزيارة فإنه يفسده كما يأتي، أو الردة. ولا يلزم الإتمام لو أسلم.

ويفوت الوقوف بأحد أمرين: إما أن يقف في غير مكان الوقوف نحو بطن عرنة، أو في غير وقت الوقوف.

ويلزم دم لفوات العام كما سيأتي، هذا ويجبر ما عداهما - أي الإحرام والوقوف - دم. ووقت الجبر فيما كان مؤقتًا مثل الرمي والمبيت خروج وقته. وما لا وقت له كطواف القدوم والوداع بعد اللحوق بأهله ، أي وطنه ومن لا وطن له وجبت عليه الإعادة. إلا طواف الزيارة، فإنه يجب العود له ولأبعاضه ولو بعض شوط منه أو خطوة أو قدمًا لما سبق إن لم يطف للوداع ولا للقدوم بعد الوقوف ولا نفلاً، إذ لو قد طاف أحدها وقع عن الزيارة كما مر. وقال أبو حنيفة: إذا أتى بأربعة أشواط منه أجزاه، وللثلاثة دم، ومثله عن الإمام المنصور بالله وعن الأمير علي بن الحسين: لا يكون محصرًا إلا بثلاثة فصاعدًا.

فرع: ولا تشترط الاستطاعة في العود، بل يجب التوصل إليه بغير المجحف كالمحصر إذا زال عذره قبل الوقوف. ولا تصح الاستنابة إلا لعذر مأيوس كالحج، فإن زال عذره تجدد عليه وجوب طواف الزيارة. والمذهب أنها تلزمه الدماء بما فعله من المحظورات في حال كونه معذوراً من وطء ونحوه، ولكنه يسقط عنه الإثم والدم بعد فعل المستناب، وبعد زوال العذر يحرم عليه الوطء ويلزمه في كل شيء بحسبه. قوله: ونحوه، وقوله: في كل شيء بحسبه هكذا عبارتهم، وتحمل على من وقع له العذر قبل أن يرمي وقبل مضي وقته، وإلا فما بقي عليه إلا النساء.

فائدة: من بقي عليه طواف الزيارة فلا يصح أن يحج ولا يطوف عن غيره في أيام التشريق من سنته التي حج فيها، لأن وقته باقٍ. وأما بعد أيام التشريق أو في السنة القابلة فالمذهب أنه يصح أن يحج ويطوف عن غيره، وقيل لا يصح.

ومن بقي عليه طواف الزيارة أو بعضه وجب عليه الإيصاء بذلك، والأجرة من رأس المال في حال الصحة، وإلا فمن الثلث. ولا يشترط في الأجير أن يكون عليه بقية إحرام، بل يجوز بغير إحرام حيث كان داخل الميقات، وإلا أحرم بحج أو عمرة. ويدخل طواف الزيارة تبعًا، فإن ترك الوصية لم يصح حجه.

فرع: ويسير النائب من بيته حيث مات في بيته، وإن مات في غيره فمن الموضع الذي مات فيه. هذا مع الإطلاق، وأما مع التعيين فما عيّنه كما يأتي إن شاء الله.

فائدة: قال في البحر: ولا يتحلل بالهدي إن أُحصر عنه عندنا؛ انتهى. وسيأتي في الإحصار إن شاء الله تعالى.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك الثاني عشر: طواف الوداع

ويقال له طواف الصَدَر، وصفته كطواف القدوم وركعتيه بلا رمل، وهو على غير المكي لأنه غير مودع، والحائض، والنفساء لورود النص ما لم تطهر قبل الخروج من ميل مكة، ومن فات حجه أو فسد إذ المقصود في الخبر الحج الصحيح، ومن نوى الإقامة بمكة لما سبق فهؤلاء لا يجب عليهم، إلا أن يعزم المكي قبل إتمام الحج على الخروج وكان مضربًا عن الرجوع. وهو لازم لغير المكي، وأما أهل المواقيت ومن ميقاته داره فيلزمهم على المذهب، ومن مات في مكة قبل طواف الوداع فعليه الإيصاء بدم. والقول بوجوبه هو مذهب الإمام الهادي والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه، وعند الناصر للحق ومالك وغيرهما أنه سنة، ولا يلزم عندهم دم في تركه. وفي الجامع الكافي عن الباقر أنه قال: (( من خرج من مِنى ولم يطف للوداع فلا يضره.)). وألحق بعضهم سائر المعذورين بالحائض، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (( من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا النساء الحُيَّض، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لهن في ذلك.))، رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام. والأخبار في هذا كثيرة، منها عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت. ))، أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقي. وفي رواية: (( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض.))، متفق عليه. وفعله صلى الله عليه وآله وسلم. روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفاض من مِنى في اليوم الثالث - أي بعد يوم النحر بعد الظهر - إلى المحصب وهو الأبطح، فوجد قبته قد ضربت هناك، فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة خفيفة، ثم نهض إلى مكة فطاف للوداعسحَرًا ولم يرمل، وصلّى الفجر في المسجد، وقرأ بالطور ثم نادى بالرحيل، فارتحل راجعًا إلى المدينة، فلما أتى ذا الحليفة - أي أبيار علي عليه السلام - بات بها، فلما رأى المدينة كبّر ثلاثًا وقال: (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ آيبون، تائبون عابدون، ساجدون، لربنا حامدون. صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.)). وحكمه في النقص والتفريق ما سبق في طواف القدوم. ويعيده من أقام بمكة أو ميلها ثلاثة أيام على المذهب، ومن اشتغل بعد الفراغ من ركعتي طوافه بشراء زاد أو صلاة جماعة لم يعده، إذ لا يعد متراخيًا. وعند عطاء أنه يعيده، وقال الشافعي وأحمد: إنه يعيده إن أقام بعده لتمريض ونحوه، وقال أبو حنيفة: لا يعيده ولو لشهرين، وقال الإمام المنصور بالله: له بقية يومه فقط. قال في الروض: وهو أقرب الأقوال. قلت: وهو الراجح، وهو الذي يفيده نص الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام كما يأتي، وفيه: من ودّع ثالث النحر أجزاه إجماعًا إن نفر. وأما يوم النحر فمذهب الهادوية والشافعي لا يجزي، ويحتج له بقوله: فليكن آخر عهده بالبيت، إذ الإضافة في عهده عهدية يراد بها عهده من المناسك إلى قوله: ويلزم على هذا ألا يصح في ثاني النحر. وقال العثماني من أصحاب الشافعي: إنه يجزي يوم النحر إذ هو مشروع للمفارقة، وهذا قد فارق. وأُجيب بأنه مشروع ليكون آخر عهده بالبيت وليجعله خاتمة مناسكه.

فائدة: لا يجب الوداع على المعتمر. قال في البحر: لفعل علي عليه السلام وابن عمر وعائشة، وإذ لم يؤمر به في الخبر إلا الحاج. وفي تخريجه روي عن علي وابن عمر أنهما كانا يعتمران كل يوم مدة إقامتهما بمكة، ولم ينقل عنهما أنهما كانا يطوفان للتوديع، حكى ذلك في الانتصار، وساق خبر عائشة في عمرتها من التنعيم، ولم يذكر فيه أنها طافت للوداع. قلت: وهو المفهوم من قوله: من حج فليكن آخر عهده بالبيت، إلا أنه قد روي: من حجّ أو اعتمر فليكن آخر عهده الطواف بالبيت، رواه السيوطي، ورمز إلى أنه أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي عن الحرث الثقفي، وأخرج نحوه الترمذي عن ابن عباس. لكن الخبر الصحيح ليست فيه هذه الزيادة، ولم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عمره.




فصل في دعاء طواف الوداع:

ما سبق في طواف القدوم من الأدعية والأذكار مستحبة في كل طواف ، فلهذا لم نكررها. ولم يختص طواف القدوم وكذا طواف العمرة إلا بالرمل في الثلاثة الأول، وكذا الاضطباع ووجوب السعي؛ فهذه الثلاثة غير مشروعة إلا في القدوم والعمرة، ولا يجب شيء من الأدعية والأذكار في شيء من الطوافات.


وقد استحسن هذا الدعاء في طواف الوداع، أن تقف في الملتزم - وهو بين الركن والباب - ويدك اليمنى ممدودة إلى الباب، واليسرى إلى الركن فتقول:

(( اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمَتِك، حملتني على ما سخّرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك، وبلغتني بنعمتك، وأعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنتَ رضيتَ عني فازدد عني رضًا، وإلا فمن الآن قبل أن تنأ عن بيتك داري هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك. اللهم فأصحبني العافية في بدني، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي خيري الآخرة والدنيا إنك على كل شيء قدير.)).

ويفتتح هذا الدعاء ويختمه بالثناء على الله سبحانه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما هو مستحب في غيره من الدعاء. وإن كانت حائضًا أو نفساء استحب لها أن تقف حول باب المسجد إن أمكن بدون زحام، وتدعو بهذا الدعاء أو غيره.

وقال الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام: (( فإذا عزم على النفر، نفر من مِنى فأتى الكعبة فطاف بها سبعة أشواط، وصلى ركعتين، ثم استقبل القبلة، ثم قال: اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار. اللهم اجعله سعيًا مشكورًا، وحجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وعملا متقبلاً. اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام الذي جعلته قبلة لأهل الإسلام وفرضت حجه على جميع الأنام. اللهم اصحبنا في سفرنا، وكن لنا وليًا وحافظًا. اللهم إنا نعوذ بك من كآبة السفر، وسوء المنقلب، وفاحش المنظر في أهلنا وأولادنا ومالنا ومن اتصل بنا من ذوي أرحامنا وأهل عنايتنا. اللهم لك الحمد على ما مننت به علينا من أداء فرضك العظيم، ولك الحمد على حسن الصحابة والبلاغ الجميل. اللهم لا تشمت بنا الأعداء، ولا تسوء فينا الأصدقاء، ولا تكلنا إلى أنفسنا. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا. ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا، إنها ساءت مستقرًا ومقامًا. ثم تدخل زمزم فتشرب من مائها، وتطلع فيها وتقول: اللهم أنت أخرجتها وجعلت الماء فيها، وأقررته وأسكنته في أرضها تفضلاً منك على خلقك بما سقيتهم منها، ومننت عليهم بما جعلت من البركة فيها، فاسقنا بكأس محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم الظمأ، واجعلنا من حزبك وحزبه، وأدخلنا في زمرته، وامنن علينا بشفاعته، وسكنَّا في جواره، وامنن علينا في الآخرة بقربه، واحشرنا يوم الدين على ملّته، إياك وحّدنا، وإليك العدل في كل أفعالك نسَبْنا، وبجميع وعدك ووعيدك صدّقنا، وسنة نبيك اتّبعنا، وإياك على أداء جميع فرضك استعنّا، فأعنَّا بعونك، وافتح لنا أبواب رحمتك، ووسّع علينا في الأرزاق، وارفق علينا بأعظم الإرفاق.)).

قال عليه السلام: (( وإن كان له بمكة مقام أخَّر الوداع إلى يوم خروجه، ثم ودّع ودعا بما فسرت لك إن شاء الله تعالى، فإن الوداع لا يكون إلا في يوم الرحيل.))، قلت: وهذا هو الأَولى كما سبق.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

باب العمرة

قال في البحر: وسميت عمرة لفعلها في العمر مرة، أو لكونها في مكان عامر، أو لقصد البيت، إذ العمرة في اللغة القصد. هي سنة مؤكدة عند الإمام زيد بن علي والقاسم وأبي حنيفة وأصحابه وقول للشافعي، وواجبة عند الجمهور. استدل الأولون بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا، ولكن أن تعتمر خير لك. ))، رواه الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال المقبلي في المنار: وأن تعتمر خير لك، صحّحه الترمذي والضياء المقدسي، وأخرجه أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة والدارقطني، وأكثر العمل يكون بدون هذا. واستدل الموجبون بالآية: ﴿ وأتِمّوا الحج والعمرة لله ﴾ وأجيب بأنه لم يوجب إلا الإتمام لا الابتداء، وبأخبار لا تقوى على معارضة الخبر، لا سيما رواية الإمام زيد بن علي عليهما السلام، فهي أصح شيء في هذا الباب. وقد روي عن علي عليه السلام الإيجاب، ولكن هذه الرواية أصح، ويمكن تأويل ما روي عنه عليه السلام من الوجوب بقصد التأكيد كما روى في غسل الجمعة، وليس هذا محل البسط وإنما نشير بمقتضى الحال.

ولا تكره إلا في أيام التشريق ويوم عرفة ويوم النحر، لما في شرح الأحكام بسند صحيح عن علي عليه السلام أنه قال:(( لا بأس أن يعتمر الرجل بعد أيام التشريق.)). وفي الشفاء عن علي عليه السلام أنه كره فعلها في أيام التشريق، وأنه أمر من أحرم بالعمرة فيها أن يرفضها ويقضيها إذا انقضت أيام التشريق. وفي الأحكام: (( لا يجوز لمن كان عليه عمرة قد فرضها أن يقضيها حتى تنسلخ عنه أيام التشريق، وكذا التطوع...))، إلى آخره. وفي البحر: (( والأصح للمذهب أنها تكره في أشهر الحج لغير المتمتع والقارن إذ يشتغل بها عن الحج في وقته.))، انتهى. قلت: ولا يخفي ضعف هذا القول، فإن عُمَر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كلها في أشهر الحج، فقد اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية سنة ست؛ وعمرة القضاء في العام القابل؛ وعمرة الجعرانة في الفتح سنة ثمان؛ كلهن في ذي القعدة، وعمرة حجة الوداع.


كلام الشوكاني والجواب عليه:

وأما قول الشوكاني في سيله الجرار عند قول الإمام المهدي: (( وهي لا تكره إلا في أشهر الحج والتشريق لغير المتمتع والقارن ما لفظه، ما كان يحسن من المصنف أن يعتمد على هذه السنة الجاهلية ويذكرها في كتابه هذا...))، انتهى. فحاشا الإمام المهدي وأمثاله من أعلام الهدى من الاعتماد على الجاهلية، فقد نسبهم إلى ما لا يجوز أن ينسب إلى مسلم، وإنما قصدوا أن لا يشتغل بها عن الحج الذي هو الأفضل، وما قصدوا بالكراهة هنا إلا خلاف الأولى. وقد قال الإمام عليه السلام: (( لغير المتمتع والقارن.))، وكفى بهذا خلافًا لفعل الجاهلية إذ كانوا يحرمونها على الإطلاق، فأي شبه بين القولين؟ وهذا معلوم وعند الله تجتمع الخصوم. ولعلهم يجيبون عن فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لها في أشهر الحج بأنه لم يكن قد تمكن من الحج. ولم ينفرد أهل المذهب بالقول بكراهتها في أشهر الحج، فقد قال الطبري في كتابه القرى ما لفظه: (( حجة من كره العمرة في أشهر الحج؛ عن سعيد بن المسيب أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى عمر، فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج؛ أخرجه أبو داود. قال الخطابي: في إسناد هذا الحديث مقال، والإجماع منعقد على جواز ذلك، وحديث النهي إن صح يحمل على وجه الاختيار والاستحباب، إذ الحج أعظم الأمرين فكان أولى بالتقديم، وقد قدمه الله في قوله تعالى: ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾، ولأن وقته محصور، والعمرة وقتها العمر كله...))، إلى قوله: (( وعن محمد بن سيرين قال: ما أحد من أهل العلم يشك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج. وعن ابن عمر: وسأله رجل عن العمرة في أشهر الحج فقال: هي في غير أشهر الحج أحب إليّ؛ أخرجهما سعيد بن منصور.))، انتهى. ولكن الحق لله تعالى أن القول بكراهتها فيها غير قوي، وطريقة العلماء العاملين أن ينظروا في الأدلة، ويرجحوا ما ترجح، ويطرحوا ما لم يصح، من دون تشنيع ولا تبديع ولا سوء ظن بأئمة الدين المجتهدين، وكل إناء بالذي فيه ينضح.

هذا وكفى بالآية الكريمة في شأن العمرة ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( عليكم بالحج والعمرة فتابعوا بينهما، فإنهما يغسلان الذنوب كما يغسل الماء الدرن عن الثوب، وينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديد. ))، رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام، وله شواهد. وأخرج الستة إلا أبا داود: (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. )).



فصل في أفضل أوقات العمرة


وأفضل أوقاتها في شهر رمضان، لما رواه القاسم بن إبراهيم عن علي عليهم السلام أنه قال :(( عمرة في رمضان تعدل حجة. )). وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي بعض الأخبار: (( عمرة في رمضان كحجة معي. ))، انتهى.


عمرة رجب:

ويذكر بعضهم العمرة في رجب: روى ابن عمر أن النبي (ص) اعتمر في رجب، وقد أنكرته عائشة وهو يسمع فسكت، أخرجه البخاري ومسلم.




ميقات العمرة

وميقاتها مواقيت الحج إلا مَن في الحرم فميقاته الحل لما سبق في خبر عائشة، حيث أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن تخرج من التنعيم وهو أقرب حدود الحرم، وهو المسمى الآن مساجد عائشة، وله أن يحرم من أي جهة خارج الحرم مثل الجعرانة أو عرفات. وقد صار بعض الجهال يعتقدون أن الإحرام للعمرة لا يكون إلا من ذلك المحل.


من أحرم بالعمرة من الحرم أو في أيام التشريق:

فإن أحرم للعمرة من الحرم أو في أيام التشريق لزم دم للإساءة ويحسن تكرارها. روى في الجامع الكافي عن علي عليه السلام أنه قال: اعتمر في الشهر مراراً، وفيه: وقد اعتمر علي بن الحسين في شهر واحد ثلاث عمر.





فصل في مناسك العمرة

ومناسك العمرة أربعة: إحرام وطواف وسعي، هذه الثلاثة مجمع عليها، وحلق أو تقصير. ويفعل في إحرامه وطوافه وسعيه وركعتي الطواف كما يفعل الحاج المفرد، إلا أنه يقطع التلبية عند رؤية البيت؛ هكذا ذكروه للمذهب وغيرهم، والمختار عند استلام الحجر كما وردت به الروايات. قال في الجامع الكافي: (( وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه اعتمر ثلاث عمر، فكان يلبي في كلهن حتى يستلم الحجر. وعن ابن عباس وعبدالله بن الحسن ومحمد بن عبدالله مثل ذلك.))، انتهى. قلت: وهو الذي يفيده كلام الهادي عليه السلام كما في شرح التجريد.

ويجعل مكان الحج العمرة في نية الإحرام، وهذه الأربعة أركان فلا يجبر أيها بدم على المذهب. وخالف بعض الأئمة في كون السعي والحلق أو التقصير ركنين، فجعلهما كسائر المناسك التي تجبر بالدم، واستدل بقول أمير المؤمنين: (( الحج عرفة، والعمرة الطواف بالبيت.))، رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام، وبقول ابن عباس رضي الله عنهما: (( لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل سنة نبيكم.))، أخرجه البخاري ومسلم، وحكى في البحر خلاف الإمام القاسم عليه السلام في الحلق أو التقصير كالحج، وهي مرتبة على هذا الترتيب، فلا يتحلل بالحلق أو التقصير قبل السعي.

ولا زمان للحلق أو التقصير ولا مكان ولو خارج الحرم، وعند بعض الفقهاء والوافي أن موضعه الحرم، وفي الوافي إذا أخر الحلق في الحج حتى خرجت أيام التشريق فعليه دم، وروي ذلك عن المؤيد بالله. قلت: فالأَولى فعله في الحرم وفي أيام التشريق في الحج ليتخلص بالإجماع، ولأنه المأثور من فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.





فصل في الحل

ويحل بتمام السعي من محظورات الإحرام إلا الوطء، فلا يحل إلا بالحلق أو التقصير. فالسعي في العمرة بمنزلة الرمي في الحج كما سبق، إلا أنه لا يحل إلا بتمام السعي، بخلاف الرمي فبأول حصاة.

فائدة: لا يجزى بالنورة والزرنيخ ونحو ذلك على المذهب. وعند الإمام يحيى: يجزي النتف إذ القصد الإزالة، ولا شيء على من مات قبله.


حكم الوطء قبل الحلق أو التقصير في العمرة :

فإن وطىء بعد الطواف والسعي وقبل الحلق أو التقصير لزمته بدنة على المذهب. وقال الإمام الهادي عليه السلام: أكثر ما يجب عليه دم، وفسروه بالبدنة، وهو خلاف الظاهر. وأما الإمام القاسم بن إبراهيم عليهم السلام فروى عنه في الأمالي ما لفظه: (( أكثر ما في ذلك عليه أن يهرق دمًا، وإن لم يهرق دمًا فأرجو أن لا يكون عليه بأس.))، ومثله في الجامع الكافي.

تنبيه: صفة الحلق أن يحلق جميع رأسه والحذفة الزائدة على الصدغين، وإن كان أصلع فيمر الموسى على رأسه بحيث لو كان على رأسه شعر لأزاله، ولا يجزي بالموسى الكلة، ويجب حلق الأذنين على المذهب وإن لم يكن عليهما شعر. قلت: لأجل دخولهما في مسمى الرأس كما في الوضوء، ولما روي: الأذنان من الرأس، وفي ذلك خلاف قوي إذ لم ينقل حلقهما، ومثله لا يخفى. والخلاف في تعميم الرأس بالحلق أو التقصير كالخلاف في الوضوء، واستدل في البحر على وجوب إمرار الموسى على الأصلع بأنه روي عن ابن عمر ولم ينكر، وحكي عن الشافعي أنه مندوب.

هذا والتقصير الأخذ من مقدم الرأس ومؤخره وجانبيه ووسطه، ويجزى قدر أنملة فيمن شعره طويل أو دونها فيمن دون ذلك. وقد نص على أن التقصير كما ذكرنا الإمام زيد بن علي في المنسك، وروي مثله في الأمالي عن عبدالله ابن الحسن عليهم السلام، أي من الخمسة الجوانب، فهذا يفيد تعميم شعر الرأس كالحلق، وهو المختار لأنه في بيان تقصير الشعر الطويل. فما يفعله الكثير من الناس من تقصير الشعر القصير حتى أن البعض يوصل التقصير إلى أصل البشرة غير صحيح، ويدل على ذلك قول عبد الله بن الحسن الكامل الآتي في صفة التمتع بالعمرة: (( وقصِّر من جوانب رأسك ومن وسطه وأطرافه وقد حللت.)).

فائدة: الإحرام قبل الحلق أو التقصير للعمرة ليس بإدخال نسك على نسك، ولا يلزم فيه شيء على المذهب لأنه قد حل بالسعي، إلا أنه بقي تحريم النساء، وستأتي الإشارة فيمن وطىء قبل طواف الزيارة فتأمّل.




في فساد العمرة

وتفسد العمرة بالوطء لا مقدماته قبل كمال السعي جميعه، وسيأتي تمام الكلام على ذلك فيما يفسد الإحرام. وعند بعض الأئمة: لا تفسد إلا بالوطء قبل الطواف، وعند أبي حنيفة: قبل أربعة منه.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

أنواع الحج
هي ثلاثة: الإفراد، والتمتع، والقِران، وهي معلومة من ضرورة الدين.


فصل في التمتع


والتمتع في اللغة: الانتفاع، وفي الشرع: الانتفاع بين الحج والعمرة بما لا يحل للمحرم. والمتمتع: من أحرم بالحج بعد عمرة متمتعًا بها إليه. وقد دل عليه الكتاب العزيز ﴿ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ﴾. عن عمران بن حصين: (( أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينهَ عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء.)). قال البخاري: يقال إنه عمر، أخرجه البخاري ومسلم. وعن عبدالله ابن شقيق قال: (( كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي عليه السلام يأمر بها.))، أخرجه مسلم، والأخبار في هذا كثيرة.

وله ستة شروط:

الشرط الأول: أن ينويه، ولا بد أن تكون النية مقارنة لتلبية أو تقليد على المذهب، وقد سبق القول في ذلك. وفي قول للشافعي: لا تجب نية التمتع، بل متى كملت شروطه صار متمتعًا، وحكي مثله عن المرتضى وأبي العباس، واستدل على لزومها بقوله تعالى: ﴿ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ﴾. قلت: الذي يظهر أن الخلاف في اشتراط قصد التمتع في العمرة إلى الحج، لا في لزوم النية للعمرة عند الإحرام بها والحج عند الإحرام به، فهو لا ينعقد الإحرام إلا بها بلا نزاع، لأدلة وجوب النية لكل قول وعمل لقوله تعالى: ﴿ مخلصين له الدين ﴾ ولا إخلاص إلا بنية، وأخبار: (( إنما الأعمال بالنيات. ))، و (( لا قول ولاعمل إلا بنية. )).
الشرط الثاني:أن يكون آفاقيًا، أي من خارج المواقيت على المذهب، وهو قول القاسمية والحنفية لقوله تعالى: ﴿ ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ﴾ ولم يرد المسجد الحرام وحده إجماعًا، ولا تخصيص أقرب من ذلك، ولكون من داخل المواقيت يدخلون بغير إحرام، فهم كالمكي.
وعند الشافعي: (( حاضر المسجد الحرام من لم يكن بينه وبين الحرم مسافة قصر.)).وعند مالك: (( أهل مكة وذي طُوى، إذ هو السابق إلى الفهم.)). وعند ابن عباس ومجاهد والثوري وطاووس والإمام يحيى: (( من كان في الحرم المحرم، إذ هو المفهوم.)).

مسألة: قال المؤيد بالله وخرجه للإمام الهادي، والإمام يحيى والشافعي ومالك: يصح التمتع من حاضري المسجد الحرام، ولا هدي عليهم إذ الإشارة إلى الهدي لكونه أقرب. وأجيب بأنه لو كان المراد الهدي لأتى بـ"على"، ولما جاء بصيغة البعيد وهو ذلك. فلو تمتع من داخل المواقيت صحت منهم العمرة والحج إفرادًا، ويأثمون ويلزمهم دم إن اعتمروا في أيام التشريق. ولو خرج المكي إلى خارج الميقات صح منه التمتع. وقال المنصور بالله: لا يصح، ولو كان للمكي وطن آخر خارج الميقات صح تمتعه إذا أتى من خارج الميقات.

الشرط الثالث: أن يحرم من الميقات أو قبله، فلو جاوز الميقات ثم أحرم لزمه دمان للمجاوزة وللإساءة إن كان في أيام التشريق، ولا يكون متمتعاَ على المذهب.
الشرط الرابع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج؛ هذا هو قول العترة والشافعي وأحمد وغيرهم. قال في البحر: (( إذ قوله تعالى: ﴿ فمن تمتع..﴾ الآية رد لتحريم المشركين إِياها في أَشهر الحج، فتقديرها فمن تمتع في أشهر الحج...))، إلى قوله: (( وللإجماع على أن ذلك شرط وإن اختلف في التفصيل.))، انتهى. والعجب ممن قال ليس عليه دليل، وما أيسر الإنكار عند من لا يهمه إلا الجدال. وقال أبو حنيفة: يكفي كون أكثر أعمالها في أشهر الحج. وقال الحسن البصري وبعض العلماء: لو عقدها في غيرها وفعلها فيها كان متمتعًا، إذ العبرة بالعمل. وحكى في الجامع الكافي عن محمد الخلاف بين أَهل البيت في ذلك.
فرع: على القول الأول وهو المذهب، فلو أحرم بالعمرة في غيرها لم يصح تمتعه، وتكون عمرة مفردة يلزمه إتمامها. فإن أحرم بعمرة قبلها، فلما فرغ منها أَحرم بعمرة أَخرى فيها من داخل الميقات لم يكن متمتعاً بأيهما، لأن الأولى قبل أشهر الحج، والأخرى من داخل الميقات؛ فإن أحرم بالأولى في أشهر الحج من الميقات كان متمتعًا بها، ولا يضر ما زاد من بعد، ويلزم دم إن أحرم بالثانية في أيام التشريق.

الشرط الخامس: أن يجمع حجه وعمرته سفر واحد، لأنه إن فعلهما في سفرين لم يكن جامعًا بينهما، ولأنه خلاف ما فعلوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فلو أحرم بعمرة التمتع، ثم رجع إلى أهله قبل أن يحج، ثم رجع إلى الحج لم يكن متمتعًا، سواء رجع قبل كمال العمرة أم بعدها مهما كان قد أحرم بها، فإن لم يلحق بأهله - أَي وطنه - فهو سفر واحد ما لم يخرج مضربًا، فحد السفر: أن لا يتخلل لحوق بأهله قبل أن يقف للحج، فلو لحق بأهله بعد الوقوف لم يضر، ولو بقي عليه بقية مناسك الحج. ومن لا وطن له فقيل بالخروج من الميقات، والمذهب لا يضر لأنه سفر واحد. وعند محمد بن منصور وحكاه عن الحسن، أن الرجوع إلى الأهل بعد قضاء العمرة في أشهر الحج لا يمنع التمتع. واعتبار الوصول إلى الوطن هو المذهب، وقول الإمام الناصر وأبي حنيفة؛ وعند الشافعي وبعض أصحابنا: بمجاوزة الميقات يبطل تمتعه.
مسألة: عند الإمام يحيى والفريقين وهو المذهب: ولا يبطل التمتع بالاعتمار بين حجه وعمرته إذ لم يختل شرط.

الشرط السادس: أن يجمع حجه وعمرته عام واحد، لأن قوله تعالى: ﴿ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ﴾ يقتضي الاتصال، ولأن الذين تمتعوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عملوه كذلك. فلو أحرم بعمرة الحج في عام، ولبث بالحج إلى العام القابل لم يكن متمتعًا، ولا يلزمه دم على الصحيح للمذهب. فلو اعتمر في أشهر الحج، ثم خرج من الميقات أو زار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أحرم بالحج من الميقات كان متمتعًا لأنه في سفر واحد وعام واحد إن لم يكن له وطن يقطع حكم السفر.






فصل في صفة التمتع


وصفة التمتع: أن يفعل ما مرّ، إلا أنه يقول في عقد إحرامه: (( اللهم إني محرم لك بالعمرة، متمتعًا بها إلى الحج.))، ويقدم العمرة، فيقطع التلبية عند استلام الحجر كما سبق. وتقديم العمرة في التمتع والقِران واجب لا شرط على المذهب، وهو المروي عن الإمام الهادي إلى الحق والمؤيد بالله وأبي طالب والفريقين. فيطوف ويسعى للعمرة كما سبق، ويحلّ له عقيب السعي جميع المحظورات إلا الوطء، ثم يحلق أو يقصّر وجوبًا، ويحل له بعد ذلك جميع المحظورات من وطء وغيره. والتقصير له أفضل ليحلِق في الحج، ثم يحرم للحج من أي مكة شاء. فإن أحرم قبل الحلق أو التقصير لم يلزمه شيء على المذهب كما سبق. وندب أن يكون الإحرام يوم التروية، أي اليوم الذي قبل عرفة.

وليس الإحرام من مكة شرطًا، فلو أَحرم للحج من أي المواقيت أو من خارج الميقات جاز ما لم يلحق بأهله، هذا هو المذهب. وعند الأمير المؤيد والشيخ النجراني: إن جاوز الميقات لم يكن متمتعًا. والأَولى أن يكون إحرامه للحج من المسجد الحرام، والوجه فيه فضيلة المكان، فقد عُلِم أن له أثرًا في مضاعفة الثواب، كالصلاة في المسجد الحرام ونحوه. ولا يقال: لو كان أفضل لأشار به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولفعله الصحابة الذين أحرموا من مكة معه؛ لأنه يكفي ما علم من فضل المسجد الحرام. ولعل الصحابة لم يفعلوا ذلك لبعض الأعذار كمشقة الاجتماع في المسجد الحرام، أو لتعسر المرافق أو نحو ذلك. وعلى الجملة هو مثل الصلاة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بهم في المنزل الذي نزل فيه مدة إقامته صلى الله عليه وآله وسلم بظاهر مكة أربعة أيام، الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وتوجه إلى منى ضحى يوم الخميس. فلا يقال: إن الصلاة خارج المسجد الحرام أفضل لذلك، هذا معلوم لكل ذي علم، بل يحمل تركه صلى الله عليه وآله وسلم لمعنىً وإن لم يظهر. والأقرب أنه لضيق المسجد الحرام في ذلك الوقت، وقد كان معه صلى الله عليه وآله وسلم مائة ألف من المسلمين، ولم تكن قد ظهرت الاستدارة على الكعبة، ولو لم يكن إلا لبيان جواز الصلاة خارج المسجد لكان وجهًا، وهكذا في كثير مما دل على فضله الدليل أو شرعيته، وإن لم يفعله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يقال: إن فعله بدعة، كما لهج بذلك من لا تحقيق عنده لمعنى السنة والبدعة. فليست السنة مقصورة على فعله صلى الله عليه وآله وسلم، والمقام يحتاج إلى مزيد بسط ليس هذا محله.

هذا ويستكمل مناسك الحج التي تقدمت مؤخِراً لطواف القدوم وسعيه وجوبًا عن الوقوف، فلو قدم الطواف والسعي أعادهما بعد الوقوف لأنه لا يكون قادمًا إلا بعد ذلك، وكذا المكي. والذي يدل على أن على المتمتع طوافين وسعيين أنه أحرم بالعمرة والحج فلا بد من تأدية أعمالهما. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (( فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب...))، إلى قوله: (( ثم أُمِرنا عشية التروية أن نهلّ بالحج...))، إلى قوله: (( فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة.))، أخرجه البخاري. وفي أمالي أحمد بن عيسى عن عبد الله بن الحسن الكامل عليهم السلام أنه قال للسائل: (( فاغتسل والبس ثوبي الإحرام ثم قل: اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج، وأحرِم بالعمرة، فإذا أتيت مكة فطف بالبيت وبين الصفا والمروة، واخرج إلى المروة وقصّر من جوانب رأسك ووسطه ومن أطرافه وقد حللت...))، إلى قوله: (( فإذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت، ثم ائت الحجر الأسود فصلّ إليه إن شئت تطوعًا وإن شئت فريضة، ثم أحرِم بالحج واخرج مع الناس، فإذا رجعت فعليك طواف بالبيت وبين الصفا والمروة وطواف الزيارة، ثم إذا فرغت فقد حل لك كل شيء، وجمع الله لك الحج والعمرة.))، انتهى.

فائدة: وجوب تأخير طواف القدوم هو على من أحرم من الحرم المحرم، أما من أحرم من الميقات فهو مخير في تقديمه وتأخيره كالمفرد.




فصل في الهدي

وعلى المتمتع الهدي وهو شاة عن واحد أو بقرة عن سبعة إجماعًا. واختلف في البدنة، فعند القاسم والهادي ورواه في البحر عن العترة وزفر وهو المذهب أنها تجزي عن عشرة، واحتجوا بما روى المؤيد بالله في شرح التجريد بسنده إلى الحسن بن علي عليهما السلام قال: (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأسمنِ ما نجد، البقرة عن سبعة، والجزور عن عشرة.))، وبما رواه أيضًا بسنده إلى المسور بن مخرمة، قال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية...))، إلى قوله: (( وكان الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة، فكانت كل بدنة عن عشرة.))، ورواه في الشفاء وأخرج نحوه الدارقطني. وعن ابن عباس قال: (( كنا في سفر فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي البعير عشرة.))، أخرجه الترمذي وحسّنه ورواه أحمد وابن حبان والنسائي وابن ماجه. وعن الإمام زيد بن علي وأحمد بن عيسى والحنفية والشافعية أن البدنة لا تجزي إلا عن سبعة، واحتجوا بخبر جابر قال: (( خرجنا مع رسول الله مهلّين بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بدنة.))، وفي رواية: (( اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة، فقال رجل: أيشترك في البقرة ما يشترك الجزور؟ فقال: ما هي إلا من البدن.)). هذه من روايات حديث أخرجه الستة، ذكره في تخريج البحر. وفي الجامع: (( روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي عليه السلام أن الجزور والبقرة تجزي عن سبعة.))، انتهى. وأجاب في البحر عن خبر جابر بأن ذلك للفضل لا للاجزاء، قال في المنار: وهو جمع حسن.

قلت: ولا يخفى عدم التنافي غايته أن مفهوم العدد في سبعة عارضه منطوق عشرة، وهي زيادة مقبولة، لكن الاقتصار على السبعة أحوط.

تنبيه: ويكون الهدي سليمًا من العيوب المنقصة من القيمة بسن الأضحية. والذكر والأنثى سواء، وأفضله البدنة ثم البقرة ثم الشاة. ويشترط في الشركاء أن يكونوا مفترضين، وإن اختلف فرضهم، كمتمتع وناذر، ولو كان النذر أقل من عشر بدنة أو سبع بقرة، هذا هو المذهب. وعند المؤيد بالله، وخرّجه للهادي، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وهو المختار أنه يصح ولو كان بعضهم متطوعًا، إذ لم يتضح دليل المنع. أو طالب لحم عند الناصر والشافعي. ولا يجزي الاشتراك في جزاء الصيد، ولا يجزي أحدهم لو كان ملكه دون العشر، ولا يجزي أيضًا عن الباقين لأنهم شاركوا غير مفترض.

فرع: فلو غاب أحد الشركاء أو تمرد ناب عنه شريكه في بيع حصته إلى مفترض ليجزي عن الجميع، إذ له حق في ذلك، وإن لزم المحرم عشرة دماء أو سبعة أجزته بدنة أو بقرة فيما ليس بجزاء، ومن وجبت عليه بدنة أو بقرة أجزته عشر شياه عن البدنة أو سبع عن البقرة.






فصل في ضمان الهدي

ويضمن هدي المتمتع إلى محله إن ساقه، فيلزمه تعويضه إن مات قبل أن يبلغ إلى محله مطلقًا، وأما بعد ذبحه في مكانه فضمان أمانة، إن فرّط فيه ضمنه للفقراء، وإن لم يفرّط فلا شيء. فإن مات المُهدي في طريقه وجب على وصيه أو وارثه إيصال الهدي إلى محله في النفل على الإطلاق، وأما غيره فإن كان قد أحرم وأوصى فكذلك، وإلا فالهدي باقٍ على ملكه ويورث عنه كما قالوا في المتمتعة والقارنة، حيث رفضت العمرة على القول بأنها ليست قارنة ولا متمتعة.



فصل في الانتفاع بالهدي

ولا ينتفع به قبل النحر، فإن انتفع به لزمته الأجرة إن لم يَنْقُص والأرش إن نقص، ويصرفها في مصرف الهدي، وهذا يعم هدي التمتع والقِران والنفل. ولا يحمل عليه إلا نتاجه وعلفه وماءه إلا أن يتضرر بالمشي، ولا يجد غيره في الميل ملكًا جاز له أن يركبه، ويحمل عليه ماله المجحف، وكذا إذا اضطر إليه غيره من المسلمين أو محترم لكن لا يكون متعبًا، بل ساعة فساعة، ويوما فيومًا. والمختار جواز الركوب إن لم يجد غيره مطلقًا لقول علي عليه السلام: (( ورأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجالاً يمشون فأمرهم فركبوا هديه...))، إلى آخره، رواه في المجموع وأخرجه أحمد في المسند، ولأمره صلى الله عليه وآله وسلم صاحب البدنة أن يركبها، متفق عليه. فإن نقصت بهذا الركوب لم يلزم أرش ولا أجرة في غير المتعب، ويلزمه الأرش في المتعب. ولا ينتفع بفوائده، وهي الولد والصوف واللبن، ويجوز له شرب اللبن إذا خشي التلف، كما يجوز من مال الغير بنية الضمان، ويكون بنية القرض.



فصل في ما خشي فساده من الهدي

وما خشي فساده من الهدي نفلاً أو فرضًا قبل نحره، أو فوائده قبل بلوغ محله في وقته، وجب التصدق به إن لم يبتع في الميل، ويلزمه تعويض الهدي. وأما النتاج وسائر الفوائد حيث تصدق بها فلا يلزمه التعويض إلا لجناية أو تفريط، والواجب ترك اللبن في الضرع، فإن خشي ضرره ضربه بالماء البارد، فإن لم يؤثر حلبه وحفظه حتى يتصدق به مع الهدي في مِنى، فإن خشي فساده باعه وتصدق بثمنه هنالك، فإن لم يبتع ولم يجد من يقرضه تصدق به على الفقير، فإن لم يجد فقيرًا في الميل شربه ولا شيء عليه. قال الإمام المهدي: وهذا الترتيب صحيح على المذهب؛ انتهى. قلت: المختار أن له شرب ما فضل عن ولدها من اللبن مطلقًا لقول علي عليه السلام في البدنة: (( لا يشرب من لبنها إلا فضلاً عن ولدها، فإذا بلغت نحرهما جميعًا فإن لم يجد ما يحمل عليه ولدها فليحمله على أمه التي ولدته غير باغٍ ولا عاد.))، انتهى.






فصل في حكم ما فات من الهدي

وما فات من الهدي قبل أن ينحر أو بعده وفرط أبدله في الواجب مطلقًا والنفل إن فرط، نحو أن لا يبيعه لخشية تلفه، فإن باعه وجب عليه أن يشتري بثمنه هديًا آخر، فإن نقص ثمنه عما يجزي في الهدي وفَّاه، وإن فضل من ثمنه شيء صرفه في هدي ولو سخلة أو تصدق به في محله، فإن فرط فالواجب عليه المثل سنًا وسمنًا ولو بدون قيمة الأول ولو زائدًا على الواجب، كبدنة عن واحد، فإن لم يجد عوضًا عن هذا تصدق بقيمة تسعة أعشار بدنة، وصام بقدر العُشر عشرة أيام، وإن لم يفرط فلا يلزمه إلا تعويض القدر الواجب في الهدي الواجب، فإن فاتت بدنة كفته شاة أو سبع بقرة أو عشر بدنة، لا لو كان متنفلاً، فلا يجب عليه إبداله إن لم يفرط، فإن فرط في النفل وجب عليه إبداله دون الزائد، فإن عاد الهدي الغائب بسرقة أو ضياع وقد أبدله، خُيِّرَ المتمتع في ذبح أيها شاء، ويتصدق بفضلةِ الأفضل إن ذبح الأَدون. فأما النفل فلا يخلو إما أن يفوت بتفريط أو لا؛ إن كان بتفريط لزمه تعويضه بمثله أو أفضل، فإن عاد تعيّن عليه نحره ولو كان البدل أفضل، ولا يجب عليه أن يتصدق بفضلة الأفضل هنا لتعيين الوجوب في الأول بعد عوده، بخلاف الفرض، فالواجب فيه بعد التعويض أحدهما لا بعينه، فأيهما فيه فضلة لزم التصدق بها لتعلق القربة بها للفقراء. والتفريط: نحو أن يسرق أو يهلِك بسبب تقصير في حفظه ورعايته، وإن لم يكن فوات النفل بتفريط لم يجب عليه تعويضه كما سبق، فإن عوضه ثم عاد لزمه نحرهما كليهما لتعلق القربة بهما، لأن الإبدال غير واجب، فلما تبرع به تعلقت به القربة، بخلاف الواجب، فإبداله لوجوبه والواجب عليه واحد، هكذا ذكروه للمذهب. قلت: وكلام أمير المؤمنين عليه السلام في المجموع في رجل ضلت بدنته فاشترى مكانها مثلها أو خيًرا منها، ثم وجد الأولى قال: (( ينحرهما جميعًا.))، لم يفرق بين فرض ونفل، فهو الأَولى، واستدلوا على لزوم إبدال الواجب دون التطوع بما أخرجه البيهقي بسنده إلى ابن عمر قال: (( من أهدى بدنة فضلت أو ماتت، فإنها إن كانت نذرًا أبدلها، وإن كانت تطوعًا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها.))، قال البيهقي: (( هذا هو الصحيح موقوفًا، وقد روي مرفوعًا: ولا يصح.))، أفاده في الروض.




فصل في حكم من لم يجد الهدي


فإن لم يجد المتمتع الهدي في الميل، أو لم يجد من يشاركه في البدنة أو البقرة ولو في ملكه، أو وجد الثمن ولم يجد الهدي، أو لم يجد الثمن، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج، آخرها يوم عرفة ندبًا، فإن فاتت فأيام التشريق وجوبًا ولو يوم النحر. في شرح التجريد بسنده من طريق الناصر للحق إلى جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًا عليه السلام كان يقول: (( صيام ثلاثة أيام في الحج، قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة، فإن فاتت تسحر ليلة الحَصْبة، وصام ثلاثة أيام، وسبعة إذا رجع.)). وروى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام مثله. وفي الدر أخرج عن عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي بن أبي طالب عليه السلام مثله، إلا أنه قال: (( فإن فاتته صام أيام التشريق.)). وأخرج البخاري وابن أبي شيبة والبيهقي والدارقطني عن ابن عمر وعائشة قالا: (( لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أيام التشريق أن يُصمن إلا للمتمتع لم يجد هديًا.)). وفي البحر عن الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة وأصحابه: (( نهى عن صوم أيام التشريق. قلنا: مخصوص...))، إلى آخره. وعندهم أنه إن فات الأول لزم هديان؛ هدي المتمتع، وهدي لتأخيره عن الإهلال بالحج، فيتعين المبدل بفوات البدل، كالظهر لفوات الجمعة. وأجيب بأن أيام التشريق مجزية لما سبق.

فائدة: الموالاة في الثلاثة الأيام مستحبة، فلو فرقها جاز إلا أن يخشى فواتها في وقتها.

فرع: ومن ظن تعذر الهدي، جاز له تقديم الثلاث منذ أحرم بالعمرة، ولو في أول يوم من شوال. فيصح أن يحرم ليلة العيد ويبيت الصوم، ولو صام مع وجود الهدي ثم تعذر عليه فالعبرة بالانتهاء على المذهب. وعند الشافعي: لا يجوز تقديمها لقوله تعالى: ﴿ في الحج ﴾، وأجيب بأن المراد في وقته، وأيضًا عمرة التمتع من جملة الحج.






فإذا صام الثلاثة الأيام في الوقت المذكور، وجب عليه أن يكملها عشرًا أيضًا بصيام سبعة أيام بعد أيام التشريق في غير الحرم ولو في الطريق، لقوله تعالى: ﴿ وسبعة إذا رجعتم ﴾. هذا هو المذهب، إلا أن يعزم على استيطان مكة أجزاه فيها، وقيل: المراد بالرجوع المصير في الوطن، وهو في البحر من رواية الإمام يحيى عن القاسم والهادي وقول أبي حنيفة وأصحابه. وعن مالك ورواية عن القاسم: أنه الخروج من مكة للرجوع، إذ يسمى راجعًا. قال في البحر: وهو الأقرب للمذهب. وعند أحمد: الفراغ من أعمال الحج، إذ هو المقصود وكما لو أقام بمكة.

فرع: ويجب الفصل بين الثلاث والسبع للآية، فإن وصلها بطل يوم واحد، فإن مات قبل فواتها وقبل أن يصوم تعين الهدي على المذهب. وعند من يجيز التصويم عن الميت يصح الصوم عنه قبل فواتها، وتستحب المتابعة لما رواه في الانتصار عن علي وابن عباس رضي الله عنهم: أن التتابع في صيام هذه الأيام مستحب، فإن مات بعد الثلاث وقبل السبع وجب إخراج كفارة صوم السبع، ثلاثة أصواع ونصف من الثلث إن أوصى. ورجّح بعضهم أنه في حجه من رأس المال لأنه دَين، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر الخثعمية: (( فدَين الله أحق أن يُقضى. ))، وهو قوي.

فائدة: لو خرج الحرمي من الحرم لصح تمتعه، فإذا تعذر عليه الهدي صحّ صومه في الحرم.




فصل في تعين الهدي

ويتعين الهدي بفوات الثلاث أو أحدها في وقتها، وهو من يوم أحرم بالعمرة إلى آخر أيام التشريق، وبإمكانه فيها ولو لم يمكنه الذبح وعليه دم التأخير ودم التمتع، فإذا وجد الهدي وقد صام يومًا أو يومين أو في اليوم الثالث قبل الغروب لزمه الانتقال إلى الهدي، لا إذا وجد الهدي بعد أن صام الثلاث، فلا يلزمه إلا أن يجد الهدي في أيام النحر أو قبلها حيث قدم الصوم لخشية تعذر الهدي، فإنه يجب عليه أن يهدي ولو قد فرغ من صيام الثلاث، لا في اليوم الرابع، إلا أن يكون صائما.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

القران

والقِران هو الجمع بين الحج والعمرة بإحرام واحد. ونية القِران شرط عند العترة، فيقول عند الإحرام مع النية بالقلب: (( لبيك بحجة وعمرة معًا.))، وهذا اللفظ مروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم. قال الإمام المهدي: ويكفي أن يريد ذلك بقلبه مع تلبية أو تقليد للهدي كما مرّ، والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أتاني آتٍ من ربي وأنا بوادي العقيق فقال: صلِّ بهذا الوادي المبارك ركعتين، وقل لبيك بحجة وعمرة. )) انتهى. ولا يشترط أن يكون إحرامه في أشهر الحج، ولا في سفر وعام واحد. قلت: وقد سبق الكلام في الإحرام.




فصل في شروط القران
وشروطه ثلاثة:

الأول: النية، وقد تقدم الكلام عليها في الإحرام.
الثاني: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، فلا يكون ميقاته داره، بل من خارج المواقيت. أقاسوه على المتمتع، وقد نظره في البحر، والقياس غير واضح، والأَولى الاستدلال بقول أمير المؤمنين عليه السلام بعد ذكره للقارن والمتمتع: (( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.))، ويأتي قريباً.
الثالث: سوق بدنة، ووجوب السوق هو قول زين العابدين والباقر والقاسم والهادي عليهم السلام. وهو شرط في صحة القران عند القاسم والهادي عليهم السلام، فإن لم يسق بطل القران، ووضع إحرامه على حجة نفلاً، ولا تجزي عن حجة الإسلام، أو عمرة يتحلل بها، فإن لم يصنع وخرج بطواف وسعي وحلق أو تقصير خرج من إحرامه ولا قضاء عليه ولا دم، وهذا كله على المذهب. وعند الناصر والمرتضى والمؤيد بالله وأَبي العباس والإمام يحيى، والفريقين الحنفية والشافعية ومالك: السوق ليس شرطًا بل يستحب. وعند أَبي طالب أنه نسك واجب يجبر بالدم. والمختار وجوب السوق لفعله صلى الله عليه وآله وسلم إن وجد، فإن لم يجد أَجزاه الصوم، لما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: (( على القارن والمتمتع هدي، فإن لم يجدا صاما ثلاثة أَيام في الحج، آخرهن يوم عرفة وسبعة أَيام إذا رجع إلى أهله، ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.)). وعند الإمام زيد بن علي والباقر والنفس الزكية والناصر وأبي حنيفة والشافعي: تجزي شاة، ويحمل كلام الإمام الهادي عليه السلام في روايته عن آل رسول الله صلى الله عليهم وسلم أنهم لا يرون قرانًا إلا بسَوق بدنة، على أن المراد طائفة مخصوصة كما قد عرف ذلك من إطلاقه في غير هذا، وهو واضح لمن مارس كلامه.
فرع: يجزي عن البدنة سوق عشر شياه أو بقرة وثلاث شياه، ولا بدل له صومًا على المذهب، وقد تقدم المختار.

فائدة: السَوق من موضع الإحرام وهو الميل. ولا يشترط أن يسوق إلى موضع النحر، بل ما يسمى سوقًا ولو يسيرًا. فإن تلِفت عوضها ولو من مِنى، فإن لم يجد بقي في ذمته، ويلزم دم التأخير. ولا يشترط مقارنة الإحرام للسوق، بل لو ساق قبل الإحرام ثم مضى من موضع السَوق لم يضر، فإن مضى من غير موضع السوق، أو لم يسق إلا بعد الإحرام لم يصح. أما لو أحرم وبقي مدة في موضع الإحرام قبل السَوق ثم ساق من ذلك الموضع فإنه يصح هذا كله على المذهب.

فائدة: وحكم فوائدها والخشية عليها وفواتها وتعويضها وعودها حكم ما تقدم في المتمتع سواء.





فصل في مندوبات الهدي


يندب في كل هدي ينحر بمكة أو مِنى، عن فرض أو نفل، فدية أو جزاء أربعة أمور:

الأول: التقليد للبدنة أو البقرة بنعلين لهما قيمة، والشاة بالودع أو الخرز. وعند الإمام المنصور بالله أنه واجب في البدنة فقط.
الثاني: الإيقاف به في عرفة ومزدلفة ومِنى.
الثالث: التجليل، وهو أن يضع على ظهر الهدي جُلالاً - بضم الجيم - من ثوب أو نحوه مما له قيمة. والقلادة والجلال تتبعه، فيصير للفقراء كالهدي في الجامع.
روى محمد عن علي عليه السلام: (( أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أتصدق بجلال الهدي وجلودها.))، وهو بمعناه متفق عليه.

الرابع: إشعار البدنة فقط، وهو أن يشق في الجانب الأيمن من سنامها عند ابتداء السَوق، ويسلت الدم بأصبعه المسبحة اليسرى، وقال مالك: في الجانب الأيسر. وفي شرح الأحكام بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم أُتي ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت عنها الدم، وقلدها نعلين، وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود بلفظ: دعا ناقته فأشعرها... الخ. وفي الجامع، قال محمد: (( أهل البيت يقولون الإشعار سنة، ولكن إن تركه تارك فليس عليه في قولهم شيء.)).




فصل في أعمال القارن
ويفعل القارن بعد الإحرام ما مرّ في صفة التمتع، فيقدم مناسك العمرة وجوبًا، ولا يتحلل بعد الطواف والسعي بحلق ولا تقصير وهو باقٍ على إحرامه. وتقديم العمرة واجب غير شرط، فلو قدم طواف الحج وسعيه، انصرف إلى طواف العمرة وسعيها، ولا دم عليه. وإن ورد الجبل أولاً ثم ورد مكة، طاف أولاً وسعى لعمرته، ثم يطوف للقدوم ويسعى، ولا دم عليه.


فصل في طواف وسعي القارن
ويفعل في طواف العمرة والحج وسعيهما ما مرّ في طواف القدوم وسعيه.

فرع: ويتثنى ما لزمه من الدماء والصدقات والصيام قبل كمال سعي العمرة، فأما بعد سعيها فلا يتثنى غالبًا احترازًا من دم الإفساد، فإنه يتثنى ولو بعد سعيها، هذا احتراز من المفهوم. ويحترز من المنطوق: صيد الحرم وشجره، والطواف على غير طهارة، ودم الإحصار، وتفريق الطواف، ودم التأخير، فلا يتثنى. وتثني الدماء ونحوها على القارن، هو قول الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة وهو المذهب، قالوا: لأنه قبل سعي العمرة محرم بإحرامين. وعند مالك والشافعي: لا تتثنى.





فصل
وكون القارن يطوف ويسعى مرتين لعمرته وحجه هو قول الإمام زيد بن علي والهادي والناصر وأبي حنيفة وأصحابه، رواه عنهم في البحر والروض ونيل الأوطار، وهو في الجامع عن القاسم ومحمد. قال النووي: (( وهو محكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود والشعبي والنخعي.))، انتهى. ورواه الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام عن جميع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( وقال غيرهم يكتفي بطواف واحد وسعي واحد لعمرته وحجته…))، إلى آخره. وعند الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم أنه يكفيه طواف واحد وسعي واحد، ودليل الأول ما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام في القارن: (( عليه طوافان وسعيان.)). وفي شرح التجريد بسنده إلى علي عليه السلام: أنه جمع بين الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى سعيين، ثم قال: (( هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل.)). وأخرج النسائي عن حماد وعبد الرحمن الأنصاري عن إبراهيم بن محمد بن حنفية قال: (( طلعت مع أبي وقد جمع الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى سعيين، وحدثني أن عليًا فعل ذلك، وحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك.))، قال في الروض: (( وحماد ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه الأزدي بلا حجة، وإبراهيم هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب. قال ابن حجر: صدوق…))، الخ. وفي فتح الباري شرح البخاري ما لفظه: (( قد روى الطحاوي وغيره مرفوعًا عن علي وابن مسعود ذلك- أي طوافين وسعيين- بأسانيد لا بأس بها.))، انتهى. والروايات مستوفاة في البسايط. واحتج غيرهم بروايات أقواها عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من قرن بين حجة وعمرة أجزاه لهما طواف واحد. )) رواه أحمد وابن ماجه، وفي لفظ: (( من أحرم بالحج والعمرة أجزاه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعًا.))، رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن غريب. وقد أعله الطحاوي بأن الصواب أنه موقوف على ابن عمر، أفاده في النيل. وعن عائشة قالت: (( وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا.))، متفق عليه. وعن جابر: (( لم يطف النبي ولا الصحابة بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول.))، أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما. ولا يخفى أن العمل بما فيه الإثبات والزيادة مع صحة الرواية أحوط وأولى، كيف وهي من رواية أهل البيت عن علي عليه السلام؟! ومن علم حجة على من لم يعلم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( علي مع الحق. اللهم أَدِر الحق معه حيثما دار. )). قال ابن عباس: (( إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لم نتجاوزها.))، أخرجه ابن حجر في الجزء السابع من فتح الباري، وقال بإسناد صحيح. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب بلفظ: (( إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.))، وأخرج معناه في المحيط، والكلام مبسوط في محله.



حكم من حاضت أو نفست
ومن حاضت أو نفست أخرت كل طواف، وكذا تؤخر السعي لأنه مترتب على الطواف، وقد سبق الكلام والاستدلال في السعي، إلا أن تكون قد طافت فتسعى، وكذا إن كانت قد فعلت أربعة أشواط من الطواف وإذا طهرت أتت بباقي الطواف، ولا يلزمها إعادة السعي، ولا دم عليها لتفريق الطواف لأنه عذر، ولا يسقط عنها إلا طواف الوداع، فإن طهرت قبل الخروج من ميل مكة لزمها طواف الوداع، فإن لم تطف لزمها دم بعد اللحوق.

تنبيه: أما الأجيرة فتستنيب من يطوف عنها الوداع، والحاصل أن المرأة إن حاضت أو نفست قبل إحرامها اغتسلت، وهو مؤكد لها لأمره صلى الله عليه وآله وسلم أسماء بنت عميس لما ولدت بمحمد بن أبي بكر وأحرمت وعملت جميع المناسك، إلا أنها تؤخر الطواف والسعي حتى تطهر، وإن حاضت بعد طواف القدوم سعت، ولا تطوف الزيارة حتى تطهر، فإن خرجت أيام التشريق قبل أن تطوف لزمها دم.




المتمتعة إن ضاق عليها الوقت


فإن كانت متمتعة فضاق عليها الوقت نوت رفض العمرة إلى بعد أيام التشريق، فإن فعلت في أيام التشريق لم يلزم دم، نعم. وبعد رفض العمرة تحرم بالحج، وتفعل ما تقدم في أول الإحرام، ثم تعمل جميع أعمال الحج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، ثم بعد طواف الزيارة ومضي أيام التشريق تحرم للعمرة من الحل، وتطوف وتسعى وتقصر قدر أنملة من جميع جوانب الرأس، وعليها دم الرفض لأنها أحصرت عن العمرة ولأنها تركت نسكًا، وهو تقديم العمرة. هذا غاية ما يحتج به في إيجاب الدم، وهو كلام أهل المذهب وغيرهم، ولم يرد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر عائشة بدم. والصحيح أنها كانت معتمرة وأنه أمرها برفض العمرة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنقضي رأسك وامتشطي، وأهلّي بالحج، ودعي العمرة. )). قالت: (( ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني مع عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك...))، الخبر متفق عليه.

وهذا واضح في الرفض، إذ معنى: "دعي" و "ارفضي" واحد، فقول المقبلي في المنار: (( هذا اللفظ ليس في شيء من روايات الحديث ولا معناه...))، غير صحيح. والعجب من القائلين بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بإدخال الحج على العمرة وأنها صارت قارنة، مع قوله: (( ودعي العمرة. ))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( هذه مكان عمرتك. ))، والخبر عندهم هذا صحيح. وأما استدلالهم على ذلك بما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها:(( يسعك طوافك لحجك وعمرتك. ))، أخرجه أحمد ومسلم، فليس بصريح، والخبر السابق صريح في ترك العمرة، ومثله ما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها بعد أن طافت وسعت: (( قد حللت من حجك وعمرتك... )) الخبر، فيحمل على أنها حلت من العمرة حين نوت رفضها. وعلى الجملة الأولى أصرح، وفي الأمالي بسند صحيح إلى الباقر عليه السلام: (( لما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذي الحليفة أمر الناس أن يهلّوا، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تهلّ مع الناس وتقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. قال: وأهلّت عائشة مع الناس، فلما قدمت أصابها الحيض، فأمرها أن تجعلها حجة، فلما كان حين الصَدَرَ دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة، فأقام بالأبطح وأرسلها مع أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فلبّت بعمرة...))، إلخ، وفي قوله: أن تجعلها حجة، وقولها: وأرجع بحجة، مع تقريره صلى الله عليه وآله وسلم لها، ردّ واضح على القائل بأنها صارت قارنة، إلا أنه يشكل على من أوجب عليها الدم عدم ذكره، وهو في مقام البيان، وكذلك القضاء حيث لم يكن إلا بمراجعتها، والله ولي التوفيق.



فصل في هدي المتمعة التي رفضت العمرة

وما كان مع المتمتعة التي رفضت العمرة لِما ذكر من هدي فهو باقٍ لها فتجعله عن دم الرفض أو غيره وقد بطل حكم التمتع بالرفض.



فصل في حكم القارنة التي تضيق عليها الوقت

وأما القارنة التي تضيق عليها وقت الحج وهي حائض أو نفساء، فإنها تنوي تأخير العمرة، وليس برفض حقيقي، وليس عليها دم، والإحرام باقٍ. قالوا: (( وإنما تنوي القارنة الرفض مع أنه يجوز لها تأخير العمرة حتى تنزل من الجبل، لئلا تقف وهي محرمة بإحرامين فتتثنى عليها الدماء ونحوها...))، وهذا نظر منهم واجتهاد، والنص ورد في المتمتعة. وحكم المتمتع والقارن إن ضاق عليهما وقت الحج حكم المتمتعة والقارنة كما سبق التفصيل فيهما، فتأمل موفقًا إن شاء الله تعالى.

تنبيه: إن انكشف عدم التضيق لم يصح الرفض.





فصل في ما يفسد الإحرام

ولا يفسد الإحرام إلا الردة، أو الوطء في أي فرج كان، قبلاً أم دبرًا، حلالاً أم حرامًا، آدميًا أم بهيمة، حيًا أم ميتًا، كبيًرا أم صغيرًا، صالحًا للجماع أم لا، أنزل أم لم ينزل، ولو مجبوبًا غير مستأصل على ما يقتضيه المذهب، ولو لفّ على ذكره خرقة ثم أولج. أما لو استمتع في خارج الفرج أو في قُبل الخنثى فلا يفسد، وعلى أي صفة وقع الوطء فإنه يفسد عمدًا أم سهوًا، عالمًا أم جاهلاً، مختارًا أم مكرَهًا له فعل.

وإنما يفسد إن وقع الوطء قبل التحلل بأحد المحللات: وهي إما برمي جمرة العقبة في وقته بأول حصاة ولو في غير يومها؛ أو بمضيّ وقته أداء وقضاء، وهو أيام التشريق؛ أو طواف الزيارة جميعه؛ أو السعي في العمرة جميعه في غير القارن؛ أو صوم الثلاث حيث لم يجد الهدي؛ أو الهدي للمحصر بعد الذبح؛ أو العمرة في من فات حجه؛ أو نقض السيد إحرام عبده قولاً أو فعلاً؛ أو الزوج حيث له ذلك؛ أو نية الرفض حيث أحرم بنسكين، أو أدخل نسكًا على نسك، فلو حصل الوطء قبل رفض أحدهما فسدا، وأما إذا قد رفض أحدهما لم يفسد المرفوض، أو بالحلق أو التقصير على القول بأنه نسك في الحج خلاف المذهب، أو يمضي وقت يمكن فيه الرمي عند الإمام المنصور بالله عليه السلام.

وقال أبو حنيفة: إن الوطء بعد الوقوف لا يفسد الحج ويلزم بدنة، وعنده أن الوطء في غير القُبُل لا يوجب الفساد ولا الكفارة. وعند الإمام زيد بن علي والباقر والصادق والناصر الأطروش والقاسم بن محمد وابن عمر وإبراهيم النخعي وغيرهم أن الوطء قبل طواف الزيارة يفسد، ولو كان قد أتى بجميع المناسك غيره وعليه دم، وعليه الحج من قابل، وهو قوي لقوله: (( وهما محرمان...))، كما يأتي، فتعلق الحكم بالإحرام وهو لا يحل منه بالكلية إلا بعده، والأصل فيه ما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: (( إذا واقع الرجل امرأته وهما محرمان تفرقا حتى يقضيا مناسكهما، وعليهما الحج من قابل، ولا ينتهيان إلى ذلك المكان الذي أصابا فيه الحدث إلا وهما محرمان، وإذا انتهيا إليه تفرقا حتى يقضيا نسكهما، وينحر كل واحد منهما هديًا.)). وروى أبو داود من طريق يزيد بن نعيم أن رجلاً من جذام جامع امرأته وهما محرمان فسألا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( اقضيا نسكًا واهديا هديًا. ))، رجاله ثقات مع إرساله، ورواه ابن وهب في موطئه من طريق سعيد بن المسيب مرسلاً أيضًا، ذكره في التلخيص، أفاده في الروض. وقد استدل أهل المذهب والشافعي بقول ابن عباس رضي الله عنهما: (( من وطىء بعد التحلل الأول - أي الرمي - فحجه تام وعليه بدنة.)). قالوا: (( ولا مخالف له في الصحابة.))، والمقام لا يقتضي البسط.

فائدة: لا ينعقد الإحرام حال الجماع، كالصلاة حال الحدث على المذهب.







فصل في حكم من فسد إحرامه بالوطء

ومن فسد إحرامه بالوطء لزمه خمسة أحكام، سواء كان الإحرام لحج أو لعمرة أو لهما، أو إحرامًا مطلقًا.

الأول: الإتمام كالصحيح إلا طواف الوداع كما سبق، فإن خرج من إحرامه لم يصح، وإن أخلّ بواجب أو فَعَل محظورًا لزمه ما يلزم في الصحيح، فلو تكرر منه الوطء لزمته بدنة لكل مرة. وذكر ابن أبي الفوارس للهادي عليه السلام أنه لا يتكرر في الوطء إلا أن يتخلل التكفير، وحكاه السيد يحيى للمذهب والمذهب الأول، وهذا الخلاف في الوطء. فأما سائر المحظورات فكما تقدم، ولا يصح قياس الحج على سائر العبادات، فإنه لا يلزم إتمام فاسدها لأنه فاسد الاعتبار لمخالفة النص، ولأن إلحاقه بالوطء في نهار رمضان أولى، وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (( إن فجر ظهركَ فلا يفجر بطنُكَ. ))، فأمره بإتمام ما أفسد، وفي هذا رد على ابن حزم ومن تبعه، والعجب من استدلاله بقوله تعالى: ﴿ إن الله لا يصلح عمل المفسدين ﴾ وأين هذا من معنى الآية، ولا يسع الحال المجاراة.
فرع: وحكم الأجير إذا فسد حجه كغيره، فيلزمه إتمامه لنفسه، فإن كانت السنة معينة استأجر الوصي أو الورثة إن لم يكن وصّى من يحج عن الميت الأجير المذكور بعد التوبة إن كان عمدًا في السنة الثانية أو غيره مطلقاً، ولا قضاء عليه، ومتى كانت الإجارة صحيحة فلا أجرة له، وإن كانت فاسدة أو ذكرت المقدمات استحق لما قبل الفساد، وإن كانت السنة غير معينة فهي في ذمته وليس لهم الفسخ.

الثاني: أنه يلزمه بدنة، وهي اسم لما ينحر من الإبل ذكرًا أو أنثى، وإن كان قارنًا فبدنتان ولو بعد السعي في العمرة لأنه ينعطف الفساد، وفي البحر: المراد إذا فسد قبل سعي العمرة كما تقتضيه أصول المذهب. قلت: والمقرر للمذهب الإطلاق.
تنبيه: وإنما أوجبوا البدنة وإن كان في الخبر السابق ورواية الإمام زيد بن علي عن علي عليهم السلام الهدي، وهو مطلق يصدق بالشاة والبدنة، لأنه ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام تعيين البدنة؛ رواه في شرح التجريد عن ابن أبي شيبة بسنده عن علي عليه السلام قال: (( على كل واحد منهما بدنة.))، مع أنه الظاهر من قوله عليه السلام: (( وينحر كل واحد منهما هديًا.))، إذ النحر خاص بالإبل، وسبقت الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفي المجموع عن الإمام زيد بن علي عليهما السلام: (( من قضى المناسك كلها إلا الطواف بالبيت الحرام ثم واقع أهله فسد حجه، وعليه الحج من قابل وعليه بدنة.)). وروى أبو جعفر عن الإمام زيد بن علي والناصر وأبي حنيفة وأصحابه: شاة. قلت: والرواية السابقة عن الإمام أصح.

فإن لم يجد البدنة في الميل فعدلها صيام مائة يوم متتابعة، فإن لم يستطع فإطعام مائة وخمسين صاعًا، والمراد التمليك أينما ورد في الحج، قياسًا على الجزاء في القدر، وعلى الظهار في الترتيب، إذ هو في الجزاء مخير هذا على المذهب. وعن ابن عباس والشافعي: بدنة ثم بقرة ثم سبع شياه، ثم يطعم بقيمة البدنة، ثم يصوم عن كل مد من قيمتها يومًا.

الثالث: قضاء ما أفسد فورًا. أما الفرض فبالإجماع وليس بقضاء حقيقة، وإنما المعنى أن الحج المفروض باقٍ عليه، وأما النفل ففيه خلاف ربيعة وداود، وقوله في الخبر السابق: اقضيا نسكًا، وقول أمير المؤمنين عليه السلام: وعليهما الحج من قابل عام.
ولا تلزم نية القضاء، ولا تشترط الاستطاعة فيه، ولا يجب القضاء على الأجير، خلاف الإمام يحيى عليه السلام، ويقضي كما فات إفرادًا وقرانًا وتمتعًا إن كان الفساد بعد الإحرام بالحج، حيث كان ناذرًا بالتمتع في سنة معينة، أو أجيرًا، أو لم يعين عليه عام الحج، وإلا فلا يلزمه إلا قضاء الحج لأنه قد خرج من العمرة على المقرر، وإن فسد القضاء قضى الأول لا الثاني، قالوا: لئلا يؤدي إلى التسلسل، فإن نوى قضاء الثاني لم يسقط الواجب.

الرابع: أنه تلزمه بدنة الإفساد لزوجة أو أمة أو مغلوط بها مع جهلها أكرهها وبقي لها فعل، ويلزمه أيضًا ما لا يتم قضاؤها إلا به من الفدية التي لا يتم القضاء إلا بفعل موجبها كتغطية الوجه لعذر، وإلا فعليها والزاد والراحلة وأجرة المَحرم إن وجد، وإلا وجب عليه العزم بمن يصح له السفر بها، فإن أخرجت هي الكفارة رجعت بقيمتها عليه إن نوت الرجوع، ولا يحتاج هو إلى إذنها إن أخرجها على المذهب. فإن أخرجت هي البدنة، أو أطعمت لتعذر الصوم وأخرج هو بدنتها جاهلاً لإخراجها، فلا ترجع عليه لأنه معذور مع الجهل، فإن كفّرت بالصوم فلا رجوع . فأما لو لم يبقَ لها فعل فلا فساد عليها وعليه بدنتها، فإن أكرهت الزوج لزمها ما يلزمه، فإن كانا مكرَهين معًا فعلى المكرِه لهما، لكن إن بقي لهما فعل أخرجا الكفارة ورجعا على المكره، وإن لم يبقَ لهما فعل فيخرجها هو، ولا يجب عليهما الإخراج. وعند السيد يحيى: لا يفسد حج المكرَهة، وعند الإمام محمد بن المطهر: أن النسيان غير مفسد في حق الزوج، ورجّح اشتراط العمد في الفساد الجلال والأمير.
فائدة: إن أفسد قارن على قارنة لزمه سبع بدن؛ واحدة التي ساقها في هذا الحج الذي أفسده، وأربع للإفساد، واثنتان للقضاء، والثامنة التي ساقتها أولاً، وإن تمرد الزوج عن إخراج بدنتها لم تلزمها على المذهب. وفي البحر: أنها تلزمها وترجع عليه، ولا تسقط عنه بموته ولا موتها.

فائدة: لو وطىء أجنبية فالأقرب أنه لا يلزمه ما يلزم الزوج لأنه يلزمه الحد، ولا يجتمع غرمان في ماله وبدنه . وأما إن وطىء أجنبية غلطًا فيلزمه ما يلزم الزوج إن أُكرِهت، ومتى سقط عنه بلزوم الحد وهي مكرهة، فأما الزوج فتلزمه نفقة سفر فقط لا البدنة ولا المؤونة على المذهب.

فائدة: العبرة بمذهب الزوج المكرِه في قدر فدية الإفساد، إذ الوجوب عليه. وعند أبي طالب وأبي حنيفة والمزني: أن مؤونة الزوجة على الزوج وإن طاوعت وكذا بدنتها، عند أبي حنيفة ومحمد وعند الإمام يحيى بدنتها عليها وإن أكرهت، إذ لم يفصل الدليل. وأجاب في البحر: بأنه فصل القياس، وفيه: ولا يفسد حج نائمة ومجنونة ومكرهة لا فعل لهن وإن لزمت البدن، قال: والوجوب عليه، فلا يفتقر إلى إذن منهن، ولو أخرجن لم يجزه والعكس حيث لهن فعل ويرجعن عليه إن كفرن؛ انتهى.

مسألة: ولا يصح القضاء للحج في عامه لوجوب إتمامه، وعند أصحاب الشافعي: يصح حيث أحصر ثم تحلل بالهدي، ثم يزول الحصر قبل الوقوف، فله أن يحرم بالقضاء إذ قد انحل الأول، ولا يصح عندنا لوجوب الإتمام إن أدرك الوقوف، ولأنه لا يتحلل قبل أيام التشريق.

الخامس: وجوب التفرق في السنة التي فسد فيها، وفي سنة القضاء من حيث فسد الإحرام حتى يحلا بطواف الزيارة. ومعنى التفرق: أن لا يخلو بها في محمل واحد أو منزل واحد، أما إذا كان معهما غيرهما جاز، ولا بأس أن يَقْطُر بعير أحدهما إلى الآخر. وليس في الاجتماع إلا الإثم، فإن خشي عليها من الافتراق جاز الاجتماع على المذهب. وقد دل على هذا الحكم كلام أمير المؤمنين عليه السلام السابق، وهو يفيد أن عليهما أن يحرما للقضاء من حيث أفسدا ولو قبل المواقيت، وهو الراجح. وعند أهل المذهب: لا يجب الإحرام إلا من الميقات، ولا يجب الافتراق في القضاء إلا بعد الإحرام بالاتفاق، وهو قول أمير المؤمنين وابن عباس وأكثر العترة والفقهاء. وعند الإمام يحيى وبعض الفقهاء: ندب فقط. وعند أبي حنيفة: لا يجب ولا يندب. قالوا: والحكمة في التفرق أن للأمكنة تأثيًرا في الدعاء والتشوق لما فعل فيها كما قال:
وحبب أوطان الرجال إليهمُ مآرب قضّاها الشباب هنالك
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

فصل في تعريف الإحصار


الإحصار هو عن السعي في العمرة، أو عن الوقوف في الحج لا بعد الوقوف، فيبقى محرمًا حتى يمضي وقت الرمي كله وحل من إحرامه إلا النساء، ولو طال زمن الحصر حتى يطوف للزيارة. وعند الشافعي: من أُحصر بعد الوقوف جاز له التحلل، فيحل له النساء. وعند الحنفية: لا حصر في الحرم، فمن عرض له فيه أحد الأسباب لم يجز له أن يتحلل، بل يبقى بحاله حتى يفوته الحج أو يفعله إن تخلص. والمعتبر في جواز التحلل في العمرة أن يغلب على ظنه أن لا يزول المانع حتى تمضي مدة يتضرر ببقائه محرماً، أفاده في الفتح وهو المقرر. وعند مالك: لا حصر في العمرة إذ لا يخشى فواتها، وأجيب عليه بأن إحصار الحديبية عن العمرة. والمحصر عن الحج من يغلب على ظنه فوت الحج.

فمن أحصره عن السعي، أو بعضه ولو قلّ، في العمرة، أو الوقوف في الحج:

حبس، أو مرض، أو خوف، أو انقطاع زاد، بحيث يخشى على نفسه التلف أو الضرر

أو انقطاع مَحرم ؛ فلو أحصر محرمها وقد بقي بينها وبين الموقف دون بريد لم يجز لها الإتمام من دونه، إلا أن لا يبقى إلا ما يعتاد مفارقة المحرم في السفر في مثله، وأقرب ما يقدر به ميل مع الأمن على ما قرر. ولا يجب على المرأة أن تزوج ابنتها أو أمها ليحصل المحرم على المذهب

أو أخّره مرض من يتعين عليه أمره، كأحد الزوجين مع الآخر، أو رفيق أو بعض المسلمين، وخشي عليه التلف أو الضرر إن لم يكن معه من يقوم به، فيجب عليه أن يقف معه، والزوجة أخص من المحرم، والأمة أخص منهما سواء كانت فارغة أم لا، ولا يصح تعيين غير الأخص، ولا يجوز إلا أن يعرف أن المحرم مثلا أرفق من الزوجة مع يمينه إن طلبت، فإن تعدد من ذكر فله أن يعين من شاء، فإن لم يمكنه التعيين فالقرعة،

أو أحصرها حدوث عدة، كحرة طلقت، أو مات زوجها، أو فسخ بعد الإحرام، فالواجب عليها أن تعتد حيث وجبت ولو لم يكن بينها وبين مكة أو الجبل إلا دون ميل، إلا لخوف أو عدم ماء ، بخلاف منزلها فإنها ترجع إليه إن لم يكن إلا دون بريد ولو قد أحرمت،

أو أحصره منع زوج أو سيد لهما ذلك حيث لم ينقض الزوج أو السيد أو المحصر الإحرام، وإنما يجوز لهما المنع من الإتمام إن كان الإحرام متعدى فيه كالإحرام بالنافلة قبل مؤاذنة الزوج. وفي حكم التعدي أن تحرم بحجة الإسلام ولا محرم لها، أو امتنع وهي جاهلة لامتناعه وكونه شرطًا، وأما إذا لم يجز لهما المنع لم يصيرا محصرين بمنعهما باللفظ، ولا يتصور إحصار بفعل محظورات الإحرام، فأما إن كان المنع بالوعيد الذي يقتضي الخوف أو الحبس فيصيران محصرين ولو لم يجز للزوج والسيد ذلك ، ويلحق بمنع السيد لعبده كل من طولب بحقٍّ عليه، كالمطالب بالدين الحال وهو مليء،

أو أحصرته حاجة أبويه للإنفاق ولو لم يعجزا عن الكسب إن كان له مال،

فأما ضيق الوقت فهو وإن كان محصرًا به لكنه يتحلل بعمرة، ولا يجزي التحلل بالهدي إلا عند تعذر العمرة، ويلزمه دم لفوات حجه،

أو أحصره عدم معرفة الطريق، فيتحلل بالصوم لتعذر إنفاذ الهدي،

أو أحصره مطالبة الإمام له،

أو منع المستأجر للأجير الخاص.

فائدة: الإحصار بالعدو المشرك مجمع عليه لنزول الآية فيه، وعند الشافعي أنه لا يكون الإحصار إلا بالعدو. وروي عن ابن عباس احتجاجًا بالآية، وأجيب بأن العام لا يقصر على سببه. قال الإمام زيد بن علي عليهما السلام في تفسيره: (( وقوله تعالى: ﴿ فإن أحصرتم ﴾ معناه بحرب أو مرض أو غير ذلك...))، وعلى هذا أئمة العترة عليهم السلام إذ المراد مطلق المنع، كما هو حقيقة الإحصار على الصحيح.

فمن أحصر بأي تلك الأسباب بعث بهدي - شاة أو سُبع بقرة أو عُشر بدنة - سواء كان قارنًا أم غيره وجوبًا إن أراد التحلل، وإن بقي محرمًا فلا يجب إلا أن يخشى الوقوع في المحظور وجب. والدليل على وجوب الهدي قوله تعالى: ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾، وهذه الصيغة ظاهرة في الإيجاب كقوله تعالى: ﴿ فعدّة من أيام أُخر ﴾، وكقوله تعالى في آية الأذى: ﴿ ففدية من صيام ﴾ الآية في آيٍ كثيرة، ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية، وهو قول أمير المؤمنين وابن عباس والعترة والفريقين وغيرهم. وقال مالك: لا يجب.

نعم وإن كان أجيرًا فهو عذر له في استئجار غيره لإتمام العمل، لكنه لا يتحلل إلا بالهدي أو الصوم أو العمرة كسائر المحصرين. وأما العبد فيصوم.

وإذا بعث بالهدي عين لنحره وقتًا معلومًا من أيام النحر في الحج، وأما العمرة فلا وقت له بلا خلاف، فإن لم يعين تعينت أيام النحر ولا يتحلل إلا بعدها. فلو عيّن غيرها؛ فإن كان قبلها لم يصح، وإن كان بعدها صح ولزم دم التأخير. وعند أبي حنيفة أن دم الإحصار لا يختص بزمان، بل يصح في أي وقت شاء. ولا يصح إلا في محله عند من يشترط المكان، وهم الجمهور لقوله تعالى: ﴿ حتى يبلغ الهدي محله ﴾. وعند الشافعي أنه يصح أن ينحره في موضع إحصاره، وحمل الآية على الزمان، واحتج بنحره صلى الله عليه وآله وسلم دم إحصاره عام الحديبية، وظاهر السياق في الآية يدل على أن المراد المكان، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: ﴿ هديًا بالغ الكعبة ﴾، وقوله تعالى: ﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾، وأما نحره صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية فإنما هو للعذر. واختلفوا في المكان، فقال الإمام زيد بن علي والناصر عليهم السلام وأبو حنيفة: إنه كل الحرم اختيارًا، وقال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام: محله في إحصار الحج منى، وللمعتمر مكة اختيارًا، وفي سائر الحرم اضطرارًا، وهذا هو المذهب. ورجّحه المقبلي في المنار وقال ما حاصله: (( قد بين المحل في الآية فعله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج والعمرة في وقت الاختيار، وأما نحره صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية فللعذر، وهذا وجه الجمع بين فعله في الحديبية وبين الآية الكريمة وبيانها، ويرجع بهما إلى الاختيار والاضطرار...))، أفاده في الروض. وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم نحر عام الحديبية في طرف الحرم، وسيأتي الكلام في الدماء.

هذا، فيحل بعد ذلك الوقت، بمعنى أنها تحل له محظورات الإحرام، ولا يحل إلا بفعل شيء من محظورات الإحرام بنية التحلل. ويستحب له إن كان فوضه أن يؤخر نصف النهار وإلا فلا، لأنه لو أخّر بدون تفويض صار فضوليًا، فلا يصح ولا يجوز له التحلل إلا مع غلبة الظن أنه قد ذبح، وتحصل بسلامة الطريق وعدم بلوغ عائق، هذا عند الإمام زيد بن علي والناصر والقاسمية. وعن الفقهاء لا بد من العلم وفيه حرج وقد لا يمكن، وقد تأول لهم الإمام يحيى بأن المراد الظن القوي.





فصل في انكشاف الحل قبل الوقت أو الذبح

فإن انكشف حله قبل أحدهما- أي قبل الوقت الذي عينه، أو قبل الذبح بأن يغلب على ظنه أنه قد مضى الوقت الذي عينه، فحل ثم انكشف أنه قبل الوقت أو بعده لكنه قبل الذبح لكون الرسول أخّره، لزمته الفدية الواجبة في ذلك المحظور، وبقي محرمًا حتى يتحلل بالعمرة أو بهدي آخر. إن تعذرت عليه العمرة ينحره أيام النحر من هذا العام أو بعدها، ويلزم دم التأخير. والحاصل أنه لا يخلو إما أن يفوض الرسول أم لا؛ إن فوضه فالعبرة بالذبح ولا عبرة بالوقت الذي عينه، وإن لم يفوضه فالعبرة بالذبح في وقته، فإن قدم الرسول أو أخر ضمن الهدي، ولا حكم للتحلل لأنه قد صار فضولياً ويرجع على الرسول إن أخر الذبح لغير عذر لأنه غرم لحقه بسببه.

فإن زال عذره قبل التحلل بفعل شيء من محظورات الإحرام بعد الذبح بنية نقض الإحرام في العمرة، وقبل مضي وقت الوقوف في الحج لزمه في هاتين الصورتين الإتمام لما أحرم له لقوله تعالى: ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله ﴾، وسواء كان قد ذبح أم لا فيتوصل إليه بغير مجحف بحاله لقوله تعالى: ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾، فيلزمه أن يستكري ما يحمله إن احتاج إلى ذلك، وإلا وجب عليه السير إن قدر، ويستأجر من يعينه أو يهديه الطريق لا من يؤمنه فلا يجب، ولا تُشترط الاستطاعة إلا أنه يبقى له ما يكفيه إلى العود إلى أهله، إلا أن يكون ذا كسب اتكل في العود عليه حيث لم يكن ذا عول. وإذا زال عذره فأتم ما أحرم له جاز له أن ينتفع بهديه ويفعل به ما شاء ولو قد ذبح وصرف، ما لم يستهلك حسا. هذا في هدي العمرة مطلقًا، سواء كان قد أتمها أم لا، إذ لا وقت لها إلا أن تكون عن نذر معين، وأما في هدي الحج فلا يجوز أن ينتفع به إلا إن أدرك الوقوف أو غلب على ظنه إدراكه، وإن لم يدرك الوقوف تحلل بعمرة، ولا يحتاج إلى تجديد الإحرام لها بل يكفيه أن يطوف ويسعى ويحلق أو يقصّر، لقوله في الخبر الآتي: (( وليجعلها عمرة ولو في أيام التشريق...))، ولا دم للإساءة لأنه لم يستأنف الإحرام لها. وإن كان قد طاف وسعى عن الحج انصرف إليها وتحلل به، ولا يحل له الوطء حتى يحلق أو يقصر، فإن لم يمكنه التحلل بالعمرة فهو محصر عنها فيتحلل بذبح الهدي عن العمرة، فيلزمه دمان؛ دم لفوات الحج، ودم لفوات العمرة، لأنه قد لزمه التحلل بها. ومتى قضى الحج الذي أحصر عنه في الأصل لم يلزمه قضاء هذه العمرة، لأن الإحصار في الأصل عن الحج هذا، ومتى أمكنه التحلل عن الحج بالعمرة نحر هذا الهدي أو غيره، فإن كان قد نحره المأمور يوم النحر فقد أجزاه.

وعند أبي حنيفة والشافعي: لا يجب عليه، والدليل على وجوب ما ذكر ما أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد عن ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( من لم يدرك عرفة فعليه دم، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل. )). وأخرج البخاري والنسائي عن سالم قال: كان ابن عمر يقول: (( أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عامًا مقبلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا.)). وفي البحر: (( لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من لم يدرك الحج فعليه دم وليجعلها عمرة )) ))، انتهى، رواه في الانتصار. وثمة روايات موقوفة، والحجة في المرفوع وخبر عطاء وإن كان مرسلاً قوي.





فصل فيمن لم يجد الهدي أو ثمنه أو من يوصله

فإن لم يجد الهدي أو ثمنه أو من يوصله في الميل صام كصيام المتمتع قدرًا وصفة، لا وقتًا وهو ثلاثة أيام منذ أحصر في الحج، فيصوم الثلاث حيث عرض له الإحصار في أي وقت، ثم يصوم سبعة إذا رجع، ولا يجب الفصل بين الثلاث والسبع كالمتمتع، ويحصل التحلل بصيام الثلاث، ولا يتعين الهدي بفوات الثلاث إذ لا قائل به، فإن فاتت أيام التشريق قبل صيامها لزمه الصوم، ولا دم عليه على المذهب.


فصل في زوال الحصر
فإن زال الحصر وأمكنه الوقوف لزمه إتمامه ولو قد تحلل، ويلزمه حكم التحلل بحسبه سواء كان وطئا أو غيره، ويجوز له التحلل مع غلبة الظن باستمرار الحصر.

ولا يصح تقديم الصيام قبل الإحصار إن خشي وقوعه، بخلاف المتمتع فيجوز له تقديم الصوم إن خشي عدم الهدي كما سبق، لأنه هناك قد وجد سببه وهو الإحرام، كذا ذكروا على المذهب.



فصل في العدول إلى الصوم عند عدم الهدي
والعدول إلى الصوم عند عدم الهدي هو قول القاسمية والناصر وأبي يوسف. وعن الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة ومحمد والشافعي أنه لا بدل للهدي، رواه في البحر، إذ لم يذكر في الآية بدلاً .واحتجوا على البدل بخبر ابن عمر السابق: (( فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا.))، والقياس على المتمتع، قال الإمام يحيى: وإذا قلنا لا بدل له، ففي جواز التحلل قبل وجود الهدي وجهان: أحدهما لا يجوز له ذلك فيبقى على إحرامه حتى يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر لعموم قوله تعالى: ﴿ حتى يبلغ الهدي محله ﴾، والثاني أنه يتحلل لأجل الحرج في بقاء الإحرام.



فصل في تعذر الهدي والصوم
فإن تعذر عليه الصوم والهدي جميعًا فقال الإمام المنصور بالله: جاز له التحلل ويبقى الهدي في ذمته، وقوّاه الإمام المهدي. والمذهب أن المحصر لا يتحلل إلا بالهدي أو الصوم أو العمرة.


فصل في قضاء المحصر
وعلى المحصر القضاء لما أحصر عن إتمامه، أما الواجب فبالإجماع؛ فإن كانت حجة الإسلام أو نذرًا مطلقًا فليس بقضاء حقيقة وإنما هو تأدية لواجب، وأما النفل فعند العترة وأبي حنيفة أنه يجب قضاؤه لما سبق في خبر عطاء: (( وعليه الحج من قابل.)). وفي خبر ابن عمر: (( حتى يحج عامًا قابلاً.))، ولم يفصل بين فرض ونفل، وفعله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه اعتمر هو وأصحابه، وسميت عمرة القضاء. وروى الواقدي من طرق أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه رضي الله عنهم أن يعتمروا، فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات، وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهد الحديبية فكانت عدتهم ألفين. وفي البحر عن ابن عباس وابن عمر والشافعي ومالك وأحمد: لا يلزم.

نعم، فيقضي ما فات من حج أو عمرة كما فات، ولا يلزم زيادة عمرة. وقال أبو حنيفة: تلزم العمرة من لم يتحلل بها إذ قد لزمه التحلل بها مع الفوات، وأجيب بأنه قد تحلل بما هو بدل عنها وهو الهدي أو الصيام.

فائدة: لا يلزم الأجير القضاء، فيتحلل حيث أحصر ولا قضاء عليه، ولو كان إحصاره بعد أن فسد عليه إحرامه.

تنبيه: على المحصر الحلق أو التقصير لفعله صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية، وهو بيان لما يفعله المحصر.




ورد الميقات لا يعقل
ومن ورد الميقات لا يعقل فلرفيقه العدل، وهو ما يسمى رفيقا عرفًا ولاية عليه بعد مجاوزة الميل، فيفعل به ما مر في صفة الحج من فعل وترك إن عرف أن نيته الحج أو العمرة، وإلا فلا؛ وجوبًا بعد إحرامه بالعليل، وندبًا قبله على المذهب. وفي البحر: ولا وجه لتحتمه على الرفيق، بل ندب له معاونته على البر والتقوى، انتهى. وله الأجرة إن نواها، وله الاستنابة للولاية والأجرة على المريض، وله ولاية على حفظ ماله وبيعه للإنفاق عليه وما يبلغ به المقصد. وعند الإمام الناصر والشافعي وأبي يوسف ومحمد: لا نيابة عمن لم يكن قد أحرم ولا قبل الوقوف عند الشافعي، وقد استدل على ذلك بعموم قوله تعالى: ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ﴾ ونحوه، وبالقياس على الموت. وكلام الإمام الناصر عليه السلام ومن معه قوي، ولم يتضح القياس.

نعم، فإن لم يكن قد أحرم أخره إلى آخر المواقيت في الآفاقي، وآخر جزء من الحل في الميقاتي، ثم يجرده مما يحرم على المحرم من الثياب ونحوها، ويغسله ندبًا، ولا ييممه هنا لأنه للصلاة لا للإحرام، فإن ضره الغسل فالصب، فإن ضره فالترك ثم يهلّ عنه بما عرف من قصده. قال الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام، يقول: (( اللهم إن عبدك فلانًا خرج قاصدًا لحج بيتك الحرام، متبعًا في ذلك سنة نبيك عليه السلام، فأدركه من المرض ما قد ترى، وقد أحرم لك بالحج شعره وبشره ولحمه ودمه. ثم يلبي عنه ويجنبه ما يجنب المُحرِم من الطيب وغيره، فإن أضر به التجرد ألبس ما يحتاج إليه من الثياب، وكفّر عنه...))، إلخ، فإن فعل به ما يوجب الفدية لمصلحة المريض فمن ماله، وإلا فعلى الرفيق، ويركع عنه ركعتي الطواف ويرمي عنه، فإن أفاق بنى على ما قد فعل به رفيقه من أعمال الحج، ولا يلزمه الاستئناف ولو كان الوقت باقيًا، إلا أن يكون طاف به ولم يطهره أعاد، وأما لأجل اختلال الطهارة بزوال العقل فلا، فإن استأنف الإحرام كان كمن أدخل نسكًا على نسك على المقرر للمذهب.

وإن مات محرمًا بقي حكمه، فلا يطيب بحنوط ولا غيره، ولا يلبس مخيطًا، ولا يغطي رأسه إن كان رجلاً ولا وجه المرأة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ولا تخمروا رأسه. ))، أخرجه في الجامع من رواية القاسم بن إبراهيم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخرجه البخاري ومسلم.

وفي الجامع الكافي: وعن علي والحسن بن علي وابن عباس وأبي جعفر محمد بن علي عليهم السلام أنهم قالوا: (( لا يغطى رأس المحرم إذا مات ولا يحنط.))، انتهى. وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: (( إذا مات المحرم غسل وكفن وخمر رأسه ووجهه.))، وقد حمل على أنه بعد الرمي. وعلى كل حال العمل بالأول أحوط كما لا يخفى، وهو مذهب الإمام الهادي والشافعي خلاف أبي حنيفة ومالك والأوزاعي. نعم، ولا يتمم عنه إلا بوصية، ويبقى عليه حكم الإحرام ولو أتم عنه حيث أوصى.

فإن كان قد أحرم قبل زوال عقله وعرف ما أحرم له تمم به، فيقف به المواقف ويطوف به ويصلي عنه ركعتي الطواف ويسعى به ويرمي عنه كما سبق، يتولى ذلك الرفيق بنفسه أو يستأجر غيره، وإن لم تعرف نيته في إحرامه فكناسي ما أحرم له على التفصيل الذي سبق، ولا يتثنى ما لزمه من الدماء إلا أن ينكشف كونه قارنًا.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

فصل في أوقات الدماء وأماكنها
ولدم القِران والتمتع والإحصار والإفساد والتطوع بعد الإحرام، والمراد بالإحصار وما بعده في الحج وقتان : اختياري: وهو أيام النحر بلياليها ما عدا ليلة العاشر؛ واضطراري: وهو ما بعدها.

ويلزم لكل دمٍ أخره عن الاختياري دمٌ ولا يتكرر بتكرر الأعوام؛ وبتأخير بدنتي الإفساد في القران دمان.

روى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال: (( أيام النحر ثلاثة أيام، يوم العاشر من ذي الحجة ويومان بعده في أيها ذبحت أجزاك.))، وله شواهد عن علي عليه السلام وابن عباس وعمر، وهذا هو المذهب، وقول للشافعي ووافقهم أبو حنيفة: إلا في دم الإحصار فلا زمان له عنده، وقول للشافعي آخر أنه يجزي دم الحج بعد الإحرام ولو قبل أيام النحر. واحتج في البحر بنحر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيام النحر، وقد قال: (( خذوا عني مناسككم. ))، واعترض في المنحة بأنه صلى الله عليه وآله وسلم نحر هديه بمنى يوم النحر، قال: فالاختياري يوم النحر لا غير إلا أن يثبت نص، وأما حديث كل أيام التشريق ذبح ابن ماجه وابن حبان وغيرهما فإن صح كان هو الدليل، إلا أنه يدل على أن أيام التشريق كلها أيام النحر. قلت: نقل ابن القيم عن علي عليه السلام: أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده. ونقل عن الحسن البصري وعطا والأوزاعي والشافعي وابن المنذر.انتهى. قلت: وروي عن الإمام المنصور بالله في الأضحية قالوا: ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى وأيام الرمي وأيام التشريق ويحرم صيامها، فهي أخوة في هذه الأحكام، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع؟ أفاده في الروض. وقد سبق بالسند الصحيح عن علي عليه السلام، وفيه - وقد روى من وجهين يشد أحدهما الآخر - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح. ))، روي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر. قال: وقد روى الحديث في مجمع الزوائد عن جبير بن مطعم، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد وغيره ثقات؛ انتهى. وذهب داود إلى أنه يوم النحر فقط لكونه مجمعًا عليه، وما عداه مختلف فيه، ويدفعه أن مجرد الاختلاف لا يدفع ما ظهر صحته من الأقوال. وذهب سليمان بن يسار وسلمة بن عبد الرحمن بن عوف إلى أن وقته ممتد إلى هلال المحرَّم واختاره ابن حزم، واحتج بأن الأضحية فعل خير وقربة إلى الله، وفعل الخير حسن في كل وقت، قال تعالى: ﴿ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ﴾، فلم يخص وقتًا من وقت، ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يمنعه نص ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة. وأجيب بأن المانع حديث جبير بن مطعم السابق، وإجماع السلف على عدم القول بامتداده إلى آخر شهر ذي الحجة، وإن اختلفوا في كونه جميع أيام التشريق أو بعضها. ولم ينقل مخالف لهم في ذلك قبل سليمان وسلمة . والعجب من ابن حزم في توسيع وقت النحر فأفرط، ومن إمامه داود في اقتصاره على يوم النحر ففرط، والدليل وأقوال السلف تخالف قولهما؛ انتهى باختصار. وليس هذا محل بسط، ولكن لأن البحث حقيق بالتأمل، هذا ولا توقيت لما عدا هذه الخمسة الدماء من كفارة أو فدية أو جزاء إذ لا دليل، ففي أي وقت نحرها أجزى بعد سبب وجوبها.




فصل
واختياري مكان هذه الخمسة الدماء مِنى، لا ميلها، ذبْحا وصرفًا لقوله تعالى: ﴿ حتى يبلغ الهدي محله ﴾، وقوله تعالى: ﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾، وقد بينه فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحج والعمرة، كما سبق في الإحصار. وحدّ مِنى من العقبة إلى وادي محسر، وليسا منها وقد سبق. واختياري مكان دم العمرة مكة للآية، وحَدَّها من عقبة المريسي إلى ذي طُوى، ولا يدخل ميلها. وأما عمرة القران فكالحج في منى.

ولا زمان لدماء العمرة، سواء كانت عن إحصار أم إفساد أم تطوع أم فعل محظور أم ترك نسك أم تفريق طواف.

واضطراري دماء الحج والعمرة الحرم المحرم، ويلزم دم على المذهب كالزمان، فلو ذبح فيه لغير عذر لم يجزِ، ولا يجوز له الأكل منها. وعن الإمام المنصور بالله: يجزيه ذلك، وعليه دم كتأخيره عن زمانه، وقيل: قد أساء وأجزاه ولا شيء عليه. وقد استدلوا على هذا بنحره صلى الله عليه وآله وسلم هدي الإحصار عام الحديبية في طرف الحرم. وفي الشفاء عن الإمام زيد بن علي والإمام الناصر وأحد قولي الشافعي أن مكان الدماء الحرم المحرم، وهو كذلك عند أبي حنيفة وأصحابه إلا المحظورات. قلت: وظاهر الأخبار أن منى ومكة مكان للدماء كلها، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ومنى كلها منحر، وشعاب مكة كلها منحر. ))، رواه في الجامع الكافي وما في معناه، وقد سبق في ذكر عرفة. وأما المضطر ففي الحرم لفعله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية وإن كان في العمرة، فيقاس عليها غيرها. والظاهر عدم لزوم الدم إذ لم يؤثر أنه صلى الله عليه وآله وسلم فعله في الحديبية وهو في مقام التعليم.

هذا والحرم المحرم مكان ما سوى دماء الحج الخمسة ودماء العمرة، من جزاء الصيد ودماء المحظورات وصدقاتها وما يلزم من ترك نسكًا من دم أو صدقة. وعلى الجملة فما عدا دماء الحج الخمسة، ودماء العمرة، من دم أو صدقة أو قيمة، فموضع ذبحها وصرفها الحرم المحرم إلا الصيام ودم السعي في الحج. وأما في العمرة فلا يجبره الدم إلا لتفريقه فحيث شاء ، ويستثنى من الصوم صوم التمتع والإحصار، فله زمان ومكان كما سبق. وقد استدلوا على أن الحرم مكان ما ذكر بقوله سبحانه: ﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾، يعني البدن التي سبب وجوبها الإحرام، فكذلك سائر الدماء التي وجبت لأجل الإحرام، كذا قاله في الغيث، أفاده السيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي في الضياء، قال: (( والقيمة والصدقات مقيسة عليها، وسائر الحرم له حكم البيت العتيق، واختصاص دماء الحج الخمسة، ودماء العمرة بمنى ومكة، لدليل خاص من فعله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله كما تقدم...)) ثم أفاد ما معناه أنه إن كان الدليل الآية فهي تفيد أنه اختياري لا اضطراري... إلى آخر كلامه.

قلت: وأقوى ما تمسكوا به في الحرم نحره صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية في أطراف الحرم، ولكنه حال اضطرار، وقد أقاسوا عليه ما سوى الخمسة ودم العمرة في حال الاختيار، وكان قياسها على الخمسة أوضح.

وقد حكى في الروض كلام الإمام الهادي عليه السلام في دم الإحصار، وكونه في الحج بمنى، وفي العمرة بمكة اختيارًا، وفي سائر الحرم اضطرارًا. قال: (( وجنح إليه في المنار بما حاصله أن سائر الحرم لم يقيموا برهانًا على محليته، وقد بين المحل في الآية فعله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج والعمرة في وقت الاختيار مطابقًا لقوله بأن المحل كل منى في الحج، وكل فجاج مكة في العمرة، وما نحره عام الحديبية فللعذر، وهذا وجه الجمع بين فعله في الحديبية وبين الآية الكريمة وبيانها، ويرجع بهما حينئذٍ إلى الاختيار والاضطرار...))، الخ وهو قويم، إلا أن قوله: (( كل منى في الحج ، وكل فجاج مكة في العمرة...))، لم أقف على هذا التخصيص في شيء من الأخبار، إلا أنه ذكر في شرح الأثمار ما لفظه: (( وفي الموطأ قال مالك بلغه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بمنى هذا المنحر وكل منى منحر. وقال في العمرة: هذا المنحر يعني المروة، وكل فجاج مكة وطرقها منحر.))، انتهى. ففيه رايحة ولكنها غير واضحة في التخصيص، إذ قوله: في العمرة، ليس من لفظ الخبر مع أنه مرسل، وهو أشف ما يستند إليه في الفرق بين دماء الحج والعمرة كما هو المذهب. أما كون دم السعي حيث شاء فهو المذهب، قال في الضياء: (( ذكره محمد بن أبي الفوارس في تعليقه لمذهب الهادي، ونحوه في الوافي لمذهب الهادي أيضًا، وكذا دم طواف القدوم إذا لزمه بتركه. فقد أشار الشيخ أبو جعفر في الكافي أنه يهريقه في أي موضع شاء، كدم السعي عند القاسمية...))، قال في الضياء: (( لم أعرف وجه اختصاص هذين الدمين.))، انتهى. وفي شرح الأثمار بعد ذكر دم السعي: (( ولم أقف على دليله.))، انتهى. قلت: في شرح التجريد: (( ومن وجب عليه دم لنسيانه السعي أراقه حيث أحب، وهذا منصوص عليه في المنتخب. ووجهه أن وجوب الدم بمجرده لا يقتضي تخصيصه بمكان دون مكان...))، إلى قوله: (( والوجوه التي توجب كون النحر بمنى أو بمكة وجوه مخصوصة كلها، مرتفعة عن الدم الذي يجب لنسيان السعي...))، ثم ساق تلك الأوجه بما لا يسعه المقام، والمختار أنه كغيره من الدماء.

فائدة: ورد في خبر رواه أحمد ومسلم وابن ماجه عن ذيب قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث بالبدن ثم يقول: (( إن عطب منها شيء فخشيت عليها موتًا، فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك. )). وعن ناجية الخزاعي نحوه، وفيه: (( وخلّ بين الناس وبينه فليأكلوه. ))، رواه الخمسة إلا النسائي. قال الترمذي: حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم في هدي التطوع؛ انتهى. والحكمة في غمس نعلها... الخ أن يعلم أنها هدي، وفي أنه لا يطعمه ورفقته أنه ربما وقع منهم تقصير في حفظها لو جاز لهم ذلك، وظاهره عدم وجوب الإبدال وإن لم تكن قد بلغت الحرم. وقد حمل على أن ذلك في النفل كما ذكره الترمذي، وقال العلامة الشرفي: (( أما إذا لم يتمكن من النحر في الحرم فيجوز في غيره، لما روي...))، وساق خبر ذيب قال: (( وظاهره يقتضي في الحرم وغيره، وحمله صاحب الشفاء على الحرم فقط. قال: فأما في غير الحرم فلا يجزي مطلقًا، ولا دليل على ذلك.))، انتهى. قلت: بل الدليل نحو قوله تعالى ﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق هديًا بالغ الكعبة ﴾ إلا أن يقال: هذا خاص فيما تعذر مع صحته عند من يجيز تخصيص الكتاب والمتواتر بالآحاد وهم الجمهور. وأما المذهب فلا بد من الإبدال في الفرض كما سبق، والمقام لا يحتمل الزيادة. وقد طال البحث لقصد الإفادة، فمن كان من أهل النظر فالمجال واسع، وإلا فيكفيه فتوى من ذكر من أئمة الهدى.

فرع: وإذا ذبح الهدي في الحرم وتصدق باللحم خارجه فقد أجزاه الذبح ويتصدق بقيمة اللحم بالحرم، وإن لم يجد من يتصدق عليه بعد ذبحه فقد أجزاه مع عدم التمكن من بيعه، وإن تلف بعد ذبحه ضمن قيمة اللحم مع التفريط أو الجناية، وإلا فلا ضمان.




فصل
وجميع الدماء الواجبة في الحج والعمرة لأجل الإحرام أو لغيره كدم المجاوزة وما لزم في صيد الحرم من رأس المال وإن لزمت في المرض لأنها جناية إلا دم القران والتمتع، حيث أوصى أن يحج عنه قرانًا أو تمتعًا. وأما إن حج قرانًا أو تمتعًا فمن رأس المال، وذلك حيث تلفت بعد السَوق في القِران، أو على القول بأنه نسك.




فصل في المصارف
ومصرف الفداء والجزاءات والقيم والكفارات ودم الإحصار الفقراء المؤمنون غير الهاشميين كالزكاة، ولا يعطى الجازر منها إلا أن يكون مصرفًا غير أَجْره، ويجزي الصرف في واحد ما لم يبلغ النصاب. وأما دم القران والتمتع والتطوع فمن شاء من فقير أو غني، أو هاشمي أو غيرهم، غير الحربي والمحارب، وله الأكل منها إن نحرها في محلها لا في غيره، ولا يستغرقها بالأكل لقوله تعالى: ﴿ فكلوا منها ﴾ وهي للتبعيض، فإن أكل الكل ضمن ما له قيمة. وعند الشافعي: لا يأكل من هدي القران والتمتع لوجوبهما، والآية وفعله صلى الله عليه وآله وسلم حجة.





فصل
و
لا تصرف الدماء إلا بعد الذبح، فلو صرفها قبله لم يملكها الفقير، وكان له استرجاعها قبل الذبح وبعده. وأما الفوائد فيصح صرفها قبل ذبح أصلها، إلا أن تكون نتاجًا فبعد ذبحه. فلو أخر الصرف لغير عذر حتى تغير اللحم ضمن القيمة لا المثل، أي لا هديًا إذ قد أجزاه الذبح.

فائدة: من دفع الهدي قبل ذبحه إلى فقير، ووكَّله في ذبحه ثم صرفه في نفسه جاز. وللمصرف فيما صرفه إليه كل تصرف من أكل وهبة وبيع، وذلك التصرف بعد قبض أو تخلية مع تقدم التمليك أو رضاء المصرف. وليس للفقير أن يصرفها عن دم عليه إذ يشترط الذبح.

خاتمة البحث:

تلحق بهذا أربع مسائل:

الأولى: أنه إذا ذبح الهدي ولم يجد فقيرًا فقد أجزاه مع عدم التمكن من بيعه كم سبق.
الثانية: إذا تلف بعد الذبح بغير جناية ولا تفريط لم يضم
الثالثة: إذا كان متمتعًا أو قارنًا وأحصر أو بطل حجه، فهديه باقٍ على ملكه يفعل به ما يشاء
الرابعة: إذا اتفق قارنان أو متمتعان أو غير ذلك والتبس عليهم هدي بعضهم ببعض، وَكَّل كُلُّ واحد منهم صاحبه يذبح عنه بنية مشروطة عما لزمه إن كان هديه، وإلا فعن فلان وأجزاهم. وأما من فسد حجه وهو قارن أو متمتع فحكم الهدي باقٍ عليه لأنه يلزمه الإتمام.




فصل في الدماء التي لا بدل لها
ولا بدل لدماء المناسك والمجاوزة والإمناء والإمذاء ونحوهما وهدي القران، ومن طاف جنبًا أو حائضًا أو محدثًا أو وطىء بعد الرمي، وقد سبق الكلام على الجميع.




فصل في أفضل أنواع الحج
في أفضل أنواع الحج، لم يتضح دليل يقطع النزاع على أفضلية أحد الثلاثة الأنواع، والذي صح عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قرن، روي من بضع وعشرين طريقًا. قال عبدالله بن الحسين أخو الإمام الهادي إلى الحق عليهم السلام: والصحيح عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرن، وكذلك علي والأئمة صلوات الله عليهم من أولادهما، وذلك أفضل سبيل الحج عندنا. وفي الشفاء ذكر الهادي والقاسم عليهما السلام أن القران أفضلها، وبه قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، أفاد هذا في الضياء، ورواه في البحر عن أبي حنيفة والثوري وغيرهما. واختار بعض الأئمة تفضيل التمتع، ورواه في البحر عن علي عليه السلام وابن عباس والباقر والصادق وأحمد بن عيسى وإسماعيل وموسى ابني جعفر ومالك وأحمد والإمامية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي... )) الخبر ونحوه. فأسف صلى الله عليه وآله وسلم على ترك التمتع. قال في البحر: قلنا لا لفضله، بل لتألم الناس من مخالفته.

قلت: وذلك واضح، وأما الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام فقوله وفعله يخالفها. وفي شرح التجريد وشرح الأحكام بالسند إلى عبدالرحمن بن أبي ليلى أن عليًا عليه السلام جمع بين الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل، وأخرجه الدارقطني في سننه. وفي البخاري ومسلم اجتمع علي وعثمان، فكان عثمان ينهى عن المتعة فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول صلى الله عليه وآله وسلم تنهى الناس عنه؟ فقال له عثمان: دعنا عنك، فقال: إني لا أستطيع أن أدعك. فلما رأى ذلك - يعني عليًا رضي الله عنه - أهلّ بهما جميعًا ولمسلم تراني أنهى الناس وأنت تفعله، فقال علي: ما كنت لأدع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لقول أحد. وفي رواية النسائي: فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقولك.

قلت: وقوله ينهى عن المتعة: المراد بها هنا القران، فقد يطلق عليه ذلك. وينبغي أن تحمل عليه رواية من روى التمتع في حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفضيل التمتع إن صحت، ولهذا شواهد لا يسعها المقام.

وأما رواية الجامع الكافي عن الحسن بن يحيى عليه السلام: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن التمتع أحب إليهم من التجريد، فليس فيها إلا تفضيله على الإفراد، مع احتمال أن يكون أراد بالتمتع القران . ويدل على ذلك أن فيه عنه - أي الحسن عليه السلام - عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: أفضل الحج القران لمن ساق ثم التمتع ثم الإفراد، وهذا الاحتمال أيضًا في سائر الروايات عن أهل البيت عليهم السلام، ولا يبعد أن يختار بعضهم التمتع لكونه أخف من القران، وإن كان عنده أفضل. واختار بعضهم تفضيل الإفراد، وهو تحصيل الأخوين لمذهب الهادي عليه السلام إذا انضمت إليه عمرة بعد أيام التشريق، وهو مذهب الشافعي وأصحابه، قال النووي في شرح مسلم أنه صح ذلك عن جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة قال: ومن دلائل ترجيح الإفراد أن الخلفاء الراشدين أطبقوا على إفراده، واختلف فعل علي رضي الله عنه. قال: وأما الخلاف عن علي عليه السلام وغيره فإنما فعلوه لبيان الجواز... إلى آخره، أفاده في الروض.

قلت: وقد قرروا هذا للمذهب، والراجح القران لأن الله سبحانه اختاره لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما صرحت به الروايات البالغة حد التواتر، وفيها أنه سبحانه وتعالى أمره أن يهلّ بحجة في عمرة. قال ابن القيم: (( وخبر من هو من أعلم الناس عنه صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين يخبر أنه أهلّ بهما جميعًا...))، إلى آخره وقد أفاد، وكان الصواب حذف "من" في التفضيل فهو المعلوم على الإطلاق والعموم. هذا واحتمال أنه صلى الله عليه وآله وسلم فعله لبيان الجواز لا لفضله غير وارد، لإمكان البيان بالقول، ولأنه أشق أنواع الحج مع جمعه للنسكين ثم التمتع لإيجابه صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي وإن كان الوجوب خاصًا بهم على الصحيح كما سبق، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي. ))، وإن كان تطييبًا لنفوس أصحابه لما شق عليهم كما سبق، ولورود الروايات عن كثير من أهل البيت عليهم السلام باختياره، والله سبحانه وتعالى أعلم.






فصل فيمن نذر بالمشي إلى بيت الله الحرام

ومن نذر بالمشي إلى بيت الله تعالى الحرام، أو ما لا يصل إليه إلا بإحرام مما داخل الحرم المحرم كالمسجد الحرام والصفا، أو ما لا يصح إلا بإحرام كالوقوف أو الرمي، بخلاف المشي إلى عرفات فلا شيء لزمه. وعند أحمد بن عيسى والناصر: يجزيه عن نذره كفارة يمين، فإن عين نسكاً عند النذر فيؤديه، ولا يجزيه عن الفريضة. وإن لم يعين فما شاء من حج أو عمرة ولو عن حجة الإسلام أو أجيرًا، ويمشي إلى تمام طواف الزيارة في الحج، والسعي في العمرة والمشي من موضع النذر على المذهب. وروى في البحر عن القاسم والهادي عليهم السلام: من وطنه إذ هو المعتاد. وعن المؤيد بالله: من وقت الإحرام إذ هو أول الحج، ويركب للتضرر لا للتألم على المذهب. ويشترط أن يكون التضرر طارئًا لا أصليًا، فلا يلزمه في النذر إلا كفارة يمين لأنه غير مقدور، ويلزمه دم للركوب ولا بدل له. فإن ركب لا لعذر لم يجزه على المذهب، ومن ركب للعذر فتجزيه شاة، إلا أنه يستحب له إن كان ركوبه أكثر بدنة، وإن استويا فبقرة. فإن مات الناذر قبل أن يفي بعد التمكن لزمه حيث له مال أن يوصي بأن ينوب غيره منابه، ويلزمه دم لعدم مشيه وإن مشى الأجير.

فائدة: من نذر بعشر حجج ماشيًا فمشى في أول حجة من حيث أوجب ثم وقف بمكة حتى فرغ، كفاه ولو كان مشيه في أول حجة أجيرًا لغيره. هذا إذا لم يخرج من المواقيت، فإن خرج فعليه المشي للرجوع، فإن ركب فعليه دم، هذا على المذهب. وفي البحر يلزم المشي لكل حجة وهو الواضح. والأصل في هذا ما أخرجه الإمام المؤيد بالله بسند صحيح إلى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتته امرأة فقالت:(( إني جعلت على نفسي المشي إلى بيت الله الحرام، وإني لست أطيق ذلك. قال: تجدين ما تشخصين به؟ قالت: نعم. قال: فامشي طاقتك واركبي إن لم تطيقي، واهدي لذلك هديًا. ))، ونحوه في المجموع موقوفًا.





فصل فيمن نذر بأن يهدي شخصًا
ومن نذر بأن يهدي شخصًا، حج به أو اعتمر وقام بمؤونته من نفقة وركوب وغيرهما وإن لم يسر معه. ويشترط أن يكون المنذور بإهدائه مكلفًا مسلمًا ولو عبدًا وأن يطيعه، وإلا فلا شيء وتكفي استطاعة المنذور به. وإن مات بطل النذر وتلزم كفارة يمين بعد التمكن، وله مطالبة الناذر، وتجزيه عن حجة الإسلام ويصير مستطيعًا فيلزمه الإيصاء، وما لزمه من الدماء والصدقات فعليه لا على الناذر. وإن التبس المنذور بإهدائه بآخر لزمه مؤونة واحد تكون بينهما نصفين، وإن امتنع أحدهما سقط النصف. ويجب على الناذر من رأس ماله وليس الامتناع برد على الحقيقة، فلو ساعد بعده لزم الناذر إيصاله، فلو فسد حج المنذور بإهدائه فقد سقط هذا جميعه على المذهب. وعن القاسم وأبي حنيفة والشافعي، لا شيء في هذا النذر لتعذره. وعن مالك يهدي عنه هديًا كمن نذر بذبح ولده، والأول أقرب.


فصل فيمن ومن نذر بإهداء عبده أو فرسه
ومن نذر بإهداء عبده أو فرسه أو شيء من حيواناته التي لا يجوز ذبحها، لزمه بيعها ويشتري بثمنها هدايا، ويصرفها حيث نوى. وله أن يتركها له ويشتري بقيمتها هدايا ويصرفها حيث نوى. فإن لم يكن له نية صرفها في الحرم المحرم، فإن لم يكن المنذور به ملكًا له لزمه كفارة يمين لا غير. فإن مات العبد أو الفرس قبل التمكن من بيعه وصرف ثمنه بطل النذر ولا كفارة عليه.

فائدة: من أباح الخيل لم يُجْزِ إهداؤها، إذ لم يتعلق الهدي الشرعي إلا بالأنعام الثلاث فيتعين البدل.


مسألة: ومن نذر بذبح ما يجوز ذبحه بمكة أو بمنى أو سائر الحرم لزمه، فإن لم يعلقه بالحرم وجب حيث شاء؛ لأن له أصلاً في الوجوب، ويتصدق بلحمه على الفقراء كدم المناسك.





فصل فيمن نذر بذبح نفسه
ومن نذر بذبح نفسه أو ولده، أو أم ولده، أو مكاتبه وعتق، أو أجنبي من بني آدم، أو من الحيوانات التي لا يجوز ذبحها ولا بيعها في مكة أو منى، ذبح كبشًا هنالك على المذهب. واستدلوا على ذلك بأنه ثبت أن ابراهيم عليه السلام أمر بالافتداء بذبح الكبش عن ابنه، فصار لذبح الكبش مسرح في الافتداء لذبح الابن في شريعته ولم يثبت نسخه، وقد قال تعالى: ﴿ ثم أوحينا إليك أن اتّبع ملة إبراهيم حنيفا… ﴾ الآية. ورووا عن عطاء قال: نذر رجل أن ينحر ابنه، فأتى ابن عباس فأمره أن يفديه بكبش ثم قرأ ابن عباس: ﴿ وفديناه بذبح عظيم ﴾. قالوا: وتجزي الإبل والبقر والمعز والإناث من الغنم، ويشترط بسن الأضحية والسلامة من العيوب، ولا يجوز التشريك ولا يأكل منه لأنه بمنزلة النذر من أول الأمر. وعن الإمام زيد بن علي وأبي حنيفة أنه يلزمه الكبش في الولد خاصة. وعن الإمام الناصر ومالك والشافعي أنه لا شيء عليه لأن نذره معصية، وهو قول الإمام القاسم بن إبراهيم، قال في الأمالي: (( أخبرني جعفر عن قاسم بن إبراهيم…))، إلى قوله: وفي رجل حلف فقال: ((هو يهدي داره، أو ماله، أو أمه، أو أباه، أو ولده، أو امرأته، أو غلامه، أو أشباه هذا، قال: أما أمه، أو أبوه، أو ولده، أو امرأته، وما لا يجوز هدي مثله، ولا ملك له فيه فلا يلتفت إلى قوله، ولا يلزمه فيه شيء. وأما الدار أو الغلام فيلزمه فيهما ما جعل لله على نفسه في ثمنها أصلاً.)). قلت: وهو المختار، وتلزمه كفارة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من نذر نذرًا لم يسمّه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية الله، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا فيما يطيق فليوفِ بما نذر. ))، رواه في أمالي أحمد بن عيسى بسنده إلى ابن عباس، وفيها بسنده إلى عمران بن الحصين: (( لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين.)). وفي الجامع الكافي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا وفاء بنذر في معصية الله، ولا نذر فيما لم يملك ابن آدم. )). وأخرج أحمد ابن حنبل وأهل السنن عن عائشة: (( لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين.)). وفي الشفاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمن نذرتْ بنحر ابنها : لا تنحري ابنك وكفّري عن يمينك. فقيل له: كيف يكون في هذا كفارة؟ فقال: إن الله تعالى قال: ﴿ الذين يظاهرون من نسائهم ﴾ ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيتِ؛ انتهى بالمعنى. وما روي من الآثار الموقوفة اجتهاد، ولم يصح لنا عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا شيء مما روي عنه.





فصل فيمن جعل ماله في سبيل الله
ومن جعل ماله في سبيل الله صرف ثلثه في القرب. وفي الكافي عن أحمد بن عيسى والناصر أن لفظ "جعلت" ليس من ألفاظ النذر، فلا شيء فيه عندهما. وأما من جعله في هدايا، ففي هدايا البيت. ولفظ المال للمنقول وغيره ولو دينًا وكذا الملك، خلاف المؤيد بالله في الدين فهو عنده لا يدخل في الملك ويدخل في المال، وهو مبني على اختلاف العرف.

واحتجوا على أنه لا ينفذ النذر إلا في الثلث بما حققه في شرح التجريد ولفظه: (( ووجهه أنه لا خلاف في أن النذر لا يتعلق بما لا يكون قربة، فقد ثبت أن إخراج الرجل جميع ما يملكه لا يكون قربة بل يكون محظورًا، لأننا نعلم من دين المسلمين أنهم لا يختلفون فيمن تصدق بجميع ماله حتى لا يستبقي ما يستر عورته ويسد جوعته ويكفي عيلته أنه لا يحمد على ذلك بل يُذم، يعرف ذلك من حال العقلاء أجمع. وقد نبه الله تعالى نبيه على الإنفاق من غير إسراف، ونهاه عن الإقتار، وقد مدح سبحانه من وقف بين ذلك.)). قال: (( ولا يجوز أن يمدح الله سبحانه أحدًا على الانصراف عن فعل القرب، فعلم أن الإفراط في إخراج ما يملك لا يكون قربة.)). ثم ساق خبر البيضة وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى )). قال: (( فوجب أن ينصرف إلى الثلث دليله الوصية.))، هذا تقريره لكلام القاسم والهادي عليهم السلام ومن معهما وهو المذهب. وفي البحر عن المؤيد بالله والشافعي أنه ينفذ في الكل لقوله تعالى: ﴿ أوفوا بالعقود… ﴾ ونحوها. وعند أبي حنيفة يحمل على مال الزكاة لقوله تعالى: ﴿ خذ من أموالهم صدقة ﴾. فإن قال ملكي، فجميعه إلا قوته وعياله.وقال الإمام يحيى: إن كان ممن لا يعف عن السؤال، لم يصح نذره بجميع ماله، لخبر البيضة وإلا صح. قلت: وكلام الإمام يحيى عليه السلام قويم، وهو وجه الجمع بين الأدلة السابقة وبين ما ورد في مدح الإيثار كقوله تعالى: ﴿ ويؤثرون على أنفسهم ﴾.. الآية، ﴿ ويطعمون الطعام على حبه ﴾ الآية، والله سبحانه ولي التوفيق.






فصل في في الحج عن الميت
وهو مشروع بالإجماع لخبر الخثعمية. أخرج الستة عن ابن عباس قال: (( كان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم.))، ولم يسألها عن الوصية، وهو في مقام البيان، وفي معناه أخبار. وفي البحر عن العترة والحنفية ومالك، لا يصح بدون وصية لقوله تعالى: ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾، ولخبر: (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ))، أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة، وفيه أحاديث. وقال الإمام المنصور بالله والمؤيد بالله والأمير الحسين عليهم السلام، أنه يصح من الولد بدون وصية لخبر الخثعمية وغيره، وهو الراجح. وكذا من الأخ ونحوه لخبر شبرمة الذي رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام، وفيه قال: " أخ لي "، وسيأتي. وأخرج البخاري ومسلم والنسائي ونحوه في الأخت عن ابن عباس ولم يذكر الوصية، وهو في مقام البيان. وفي الجامع الكافي عن القاسم عليه السلام أنه سئل عن رجل مؤسر ولم يحج ولم يوصِ أن يحج عنه، قال: (( إذا حج عنه من غير ماله فلا بأس في ذلك لأن المال قد صار لورثته بعد موته، فإن حج عنه ولده أو قريب أو صديق فلا بأس، وقد جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( أرأيت إن كان على أبيك دَين أكنت قاضيته؟ )) )). وحكى في البيان خلاف الناصر. والآية ليست بصريحة مع أنه قد ورد في الولد أنه من كسبه، أخرجه الطبراني عن ابن عمر، وكذا الخبر ليس فيه ما يفيد المنع والمقام لا يسع التطويل.

وحكى في البحر عن ابن عباس والشافعي أنه يجب وإن لم يوصِ.

وعن الباقر والصادق والناصر أنه من رأس المال وإن احتاج إلى الوصية، والمذهب أنه من الثلث إن كان له وارث ولم يجز إذ لم يجب إلا بالوصية، إلا أن يعين الموصي شيئًا من ماله زايدًا على الثلث ويجهل الوصي زيادته على الثلث فكله وإن علم الأجير. أما إن علم الوصي فمن ماله، ويشترط أن يستمر جهله إلى أن يحرم الأجير، فإن علم قبل كان له الفسخ، فإن لم يفسخ مع تمكنه ولو برسول أو كتاب كانت الزيادة من ماله. وأما إن كان المستأجر بالزايد على الثلث هو الموصي، فإن استأجر في حال ينفذ تصرفه فيه من رأس المال، استحق الأجير ما عقد عليه مطلقًا؛ وإن كان في مرضه المخوف المأيوس، فإن علم الأجير بالزيادة على الثلث قبل أن يحرم وعلم أنه يرد إلى الثلث، رد إلى الثلث وثبت له الخيار. فإن لم يعلم حتى أحرم استحق الجميع لأنه مغرور، وبعد الإحرام لا يستطيع الفسخ. فإن صح من مرضه استحق الأجير الجميع مطلقًا وإن لم يجزِ عن فرض المستأجر؛ هذا حاصل ما قرروه للمذهب باختصار.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

امتثال ما عينه الموصي

ويجب امتثال ما عينه الموصي من: زمان أو مكان أو نوع أو مال أو شخص، وتختلف أحكام المخالفة.

فأما بتأخير في الزمان، فيجزئ في الفرض والنفل ويأثم إن كان لغير عذر، ولا تبطل الولاية بالتراخي، وبالتقديم يجزئ في الفرض لا في النفل.

وأما في المكان، فإن كان من أقرب إلى مكة أو مساوٍ لم يصح، وإن كان من أبعد صح بشرط أن يمر من ميل الموضع الذي عينه الميت أو نائبه ولو لغير عذر. وعند المؤيد بالله: يجزي وإن لم يمر.

فائدة: من استؤجر ليحرم بالحج من الميقات فأحرم بعمرة لنفسه وحج من مكة، لم يصح للمخالفة إلا أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه أجزى ولا دم عليه. وعند الإمام يحيى أنه يجزيه الحج من مكة ويلزم دم للإساءة.

وأما في النوع، فلا يصح. قال في البحر: ويحتمل أن يجزي إذا أتى بالأعلى، انتهى. وهو قول الفقيه علي إن كانت الإجارة واحدة أو تبرع بالزيادة ويأتي على الخلاف في أي الأنواع أفضل.

وأما في المال، فإن كان في العين أو الجنس أو الصفة فالمذهب أنه لا يجزي، ويضمن الوصي في الفرض والنفل إلا أن يعرف أن قصد الموصي مجرد التخلص عن الحج بذلك المال أو بغيره فإنه يجزي، وهكذا في سائر الواجبات وديون بني آدم على ما قرروه.

فائدة: ما يتعين فيه النقد: يتعين النقد فلا يجوز إبداله في الهبة والصدقة والنذر والوصية والشركة والمضاربة والوديعة والغصب. فلو أبدله بغيره أثم، ولا يلزمه رد العين حيث خرجت من يده بل مثلها. هذا فلو تلف المال المعين بطلت الوصية، إلا أن يفهم من قصده تحصيل الحج والثلث متسع، أو أجاز الورثة. وهذا إن كان التلف على وجه لا يضمن، وإلا فيحج بالعوض. ومعنى قولهم: بطلت الوصية، أنه لا يجب التحجيج من باقي التركة، وأما الوصية فلا تبطل؛ فلو رضي الورثة أو تبرع الغير صح. قال الإمام عز الدين بن الحسن عليهما السلام: (( وكذا لو تلفت عين الأجرة قبل القبض بغير تفريط من الوصي وأتم الحج، رجع الوصي على التركة، فإن لم تكن له تركة ضمن من ماله لأنه غار للأجير.))، انتهى وقرر هذا للمذهب. وكذا إذا أوصى أن يقرأ على قبره بشيء من ماله ثم التبس موضع قبره، بطلت الوصية وقيل يقرأ في أي موضع. وأما إن كانت المخالفة في المقدار، فإن زاد كانت الزيادة من مال الوصي وصح التحجيج ، وإن نقص فقال أبو طالب: لا يصح ويضمن الوصي وهو المذهب. وعن الناصر والشافعي أنه يحجج عنه بالباقي في حجة أخرى من حيث تبلغ.

وأما في الشخص، الذي عينه فلا يصح ويضمن الوصي، إلا أن يعرف من قصد الموصي أن غرضه الشخص ذلك أو من يماثله صح. فإن امتنع المعيَّن أو مات، فقال الفقيه يحيى والفقيه علي: إن الوصية تبطل، وهو المذهب. وقال الفقيه حسن يحجج غيره، ورجّحه في البحر. ويتفقون أنه إذا عرف أن قصد الموصي الخلاص من الحج فقط أجزاه مطلقًا، وهو المقرر للمذهب.

فائدة: لو قال الموصي: " حج عني بنفسك " ، فإذا أريد العقد الصحيح، فإن كانا وصيين عقد أحدهما للآخر، وإن كان واحدًا عقد له الحاكم. وإن قال: " حجج عني غيرك "، عمل به. فإن لم يصرح لا بالنفس ولا بالغير، فإن عرف قصده عمل به، وإن لم عمل بالعرف. فإن لم يكن شاهد حال ولا عرف، فالظاهر في قوله: حج عني، أنه أراد بنفسه، وفي قوله: حجج عني، أنه الغير. هذا حاصل ما قرروه للمذهب وهو واضح.





فصل
فإن لم يعين الموصي شيئًا من ذلك، فيعمل في أنواع الحج بعرفه. ففي اليمن الإفراد. وكذا إن عين والتبس وإن لم يذكر الموضع فمن وطنه أو ما في حكمه، وهو المكان الذي مات فيه من لا وطن له أو المسافر في سفر الحج، فإن جهل أو لا وطن له فمن الميقات. ومن كان له وطنان أو أكثر فمن الأقرب إلى مكة. وفي البحر: (( مسألة: الهادي والناصر والمؤيد بالله وأبو حنيفة والشافعي: ومن صحت النيابة عنه أنشئت من وطنه، إذ وجب عليه منه فوجب إنشاؤه منه. المؤيد بالله: أو من مسامت له. أبو يوسف ومحمد: أو مما يمكنه الذهاب إليه والرجوع في يومه. أحد قولي المؤيد بالله وقولي الشافعي: بل الميقات إذ الحج يبدأ منه وما قبله ليس منه. قلنا: لا يتم إلا به فكان منه.)). قلت: وفيه نظر، والأقرب قول المؤيد. قال في الحواشي: وجه النظر أن الموصي لو حج من غير وطنه أجزاه، فكذا الأجير؛ انتهى.

قلت: فهذا خلاصة ما ذكروه في الإنشاء، ولا يخفى ضعف الاحتجاج على لزومه. والمختار أنه يلزم السير من حيث عينه الموصي، وإن لم يعين فمن وطنه أو ما في حكمه على ما مر، وذلك لأجل امتثال الوصية إن عين ولانصرافه إلى العرف إن لم يعين، ولهذا يفرق بين الوصية بالحجة والبلاغة. فلو استأجر المعذور المأيوس عن نفسه، أو حج أحد عن أبويه أو نحوهما بدون وصية، صح ذلك من أي مكان ولو من مكة المشرفة، والله ولي التوفيق.

فائدة: معنى الإنشاء: أن ينوي أن سيره عمن استؤجر له، وللأجير أن يستنيب بعد العقد من ينشىء عنه إلى موضعه ولو لغير عذر، ما لم يعين أنه لا ينشىء إلا هو.




فصل
ويفعل الوصي في بقية الأمور التي لم يعينها الموصي حسب الإمكان. ففي الزمان في تلك السنة التي مات فيها أو بعدها، وفي المال إن بلغ ثلث ماله من وطنه أو ما في حكمه، وإلا فمن حيث يبلغ ولو من مِنى، وفي الشخص مَنْ جمع الشروط المعتبرة في الأجير للحج حسب الإمكان، ولا يحجج بكثير مع إمكان القليل واستواء الشخصين إلا أن يكون الشخص معينًا وامتنع، فيجوز إلى الثلث.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

فصل في شروط الأجير
يشترط في الأجير ثلاثة:

الأول: العدالة، لأن غير العدل غير مأمون ولا مقبول العمل. وعند أبي طالب يندب فقط، وهذا قد أغنى عن التكليف وسواء كان ذكرًا أم أنثى، حرًا أم عبدًا، مأذونًا أو تمرد سيده عن إنفاقه، وإلا فهي فاسدة لا تجزي، ولا يستحق أجرة المثل. فإن عين الموصي فاسقًا وهو عالم بفسقه صح ولا يجزي، وإن استؤجر وهو عدل ثم فسق ثم تاب وأتم أعمال الحج صح، وإن أتم وهو فاسق لم يستحق شيئًا إلا أن يكون قد أتى منذ فسقه بشيء من الأركان استحق بقدره ويبنى عليه. وإن انكشف أن الأجير فاسق، فإن قصر الوصي عن البحث ضمن الأجرة وانعزل، وإن كان لغير تقصير لم يضمن ولا يجزي عن الميت، ويستأنف التحجيج من الثلث. والعدالة شرط في الإجزاء لا في صحة الإجارة، فيصح العقد ولا يجزي عن الميت، وإن شرط الصحة لم يصح وإن تاب.
فائدة: تصح وصية الفاسق بالحج، ولا يجوز للأجير الدعاء له.

الثاني: أن يكون غير متضيق عليه حج في السنة التي استؤجر فيها، ولا عمرة ولا طواف زيارة ولا بعضه. والدليل على ذلك ما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلاً يلبي عن شبرمة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ومن شبرمة؟ )) قال: أخ لي. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن كنت حججت فلبِّ عن شبرمة، وإن كنت لم تحجج فلبِّ عن نفسك. )). وأخرجه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس بلفظ: أخ لي، أو قريب لي. قال: (( أحججت عن نفسك؟ )) قال: لا. قال: (( حج عن نفسك ثم عن شبرمة. )). وأخرجه الدارقطني وابن حبان والبيهقي بلفظ: (( هذه عنك ثم حج عن شبرمة.))، قال البيهقي إسناده صحيح، وليس في هذا الباب أصح منه.
قلت: وظاهره أن من لم يحج لا يصح استئجاره سواء كان مستطيعًا أم لا، وهو المروي عن الصادق وولده موسى والناصر للحق، واختاره الإمام القاسم بن محمد وولده المتوكل على الله عليهم السلام. وذهب القاسم والهادي إلى أنه إن كان متضيقًا عليه لم يصح، وإن كان غير متضيق صح. وقد احتج على ذلك بما روي عن ابن عباس قال سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يلبي عن نبيشة، فقال: (( أيها الملبي عن نبيشة، هذه عن نبيشة واحجج عن نفسك. ))، أخرجه الدارقطني وقال تفرد به الحسن بن عمارة، وهو متروك. وقال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام: (( وأما خبر نبيشة فتفرد به الحسن بن عمارة وقد تكلموا فيه.))، انتهى. وقد روى في الجامع التفصيل عن القاسم وعن أبي جعفر أنه أجاز أن يحج الصرورة عن غيره إذا لم يستطع أن يحج عن نفسه. وعن علي بن الحسين وإبراهيم النخعي أنهم أجازوا أن يحج الصرورة عن غيره. قال محمد: الصرورة الذي لم يحج.

وروى المؤيد بالله في شرح التجريد عن ابن أبي شيبة بسنده عن جعفر عن أبيه أن عليًا عليه السلام كان لا يرى بأسًا أن يحج الصرورة عن الرجل. قال المؤيد بالله: (( فكان فيه مثل ما في الحديث الذي ذكر فيه نبيشة. فلما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى واحدًا أن يحج عن غيره إلا بعد أن يحج لنفسه، وأباح لآخر أن يحج عن غيره وإن لم يحج عن نفسه...))، إلى قوله: (( فبان أن المؤثر فيه هو ما ذهبنا إليه.)). قلت: أي كون أحدهما ممن يلزمه الحج والآخر ممن لا يلزمه، فجعلوا هذا وجه الجمع، وهذا هو المذهب. والأحوط هو الأول والله تعالى ولي التوفيق.

وعن أبي حنيفة وأصحابه أنه يجزي الحج عن الغير مطلقًا كالزكاة والدين، وهو قياس فاسد الاعتبار لمخالفة النص. وقد استشكل هذا مع أن المشهور عنه أنه لا يصح الاستيجار للحج قياسًا على الصلاة. وأجيب أن مراد أبي حنيفة أن حج الأجير لا يصح عن الميت، لكن يستحق ثواب النفقة. وأما امتثال وصيته بالحج فواجب بالاتفاق، أفاده في الغيث. نعم، وإنما يجزي حج الفقير عن غيره قبل أن يحج عن نفسه حيث تكون إجارته صحيحة، لأن منافعه تصير مستحقة فلا يمكنه أن يحج لنفسه. أما في الإجارة الفاسدة فلا يجزي، لأنه إذا قرب من مكة وأمكنه الحج لنفسه وجب عليه، وسواء كان قد أحرم أم لا، ويصير بعد الإحرام محصرًا فيتحلل بعمرة ويحرم بحجة نفسه، فإن استمر في التي استؤجر لها أثم ولا يجزي، ويستحق أجرة المثل على المذهب. فلو أحرم عن نفسه في الصحيحة صح وعصى، فأما بعد الإحرام فلا ينصرف ولو صرفه، ويستحق الأجرة لحصول المقصود.

فائدة: العبرة بمذهب المستأجر في صحة الاستئجار على المقرر.

الثالث: أن يكون في وقت يمكنه أداء ما عين، أما لو لم يعين سنة صح العقد وصارت في ذمته.



فصل في شروط عقد الإجارة
وشروط عقد الإجارة ثلاثة:

الأول: الإيجاب والقبول
الثاني: تعيين الأجرة، وهذا للزوم المسمى، وإلا فهي تصح ولو لم يذكر ويستحق أجرة المثل.
الثالث: تعيين نوع الحج لفظًا أو عرفًا. فإن أطلق، فقال الإمام أبو طالب والإمام يحيى: يفسد وهو المذهب. ورجح في البحر صحة الحج للمذهب إفرادًا إذ هو الأقل. ويستحب ذكر موضع الإنشاء وموضع الإحرام والإنشاء من موضع العقد حيث وقع في الموضع الذي عينه الميت، أو في الوطن حيث لم يعين، أو في موضع الموت حيث لا وطن وإلا لم يجزىء عن الميت، والأجرة من مال الوصي على المقرر، وأحرم من الموضع الذي شرع الإحرام منه وهو الميقات. فلو أحرم من داخل الميقات لم يصح عن الميت ولم يستحق شيئًا.




فصل في استحقاق الأجرة
ومتى كانت الإجارة صحيحة، استحق الأجير الأجرة كاملة بالإحرام والوقوف وطواف الزيارة وبعضها بالبعض، وتقسط على قدر التعب. وقال النجراني: بل على كل ركن ثلث، وتلزمه الدماء بترك بقية المناسك في ماله. وللمستأجر حبس الأجرة حتى يأتي بالدماء.

فائدة: إن شُرط على الأجير أنه إن لم يستكمل المناسك فلا شيء له صحّ، ولا شيء له إن لم يستكملها.



فصل في سقوط الأجرة

وتسقط الأجرة جميعها بمخالفة الوصي، وإن طابق الموصي نحو أن يستأجره على حجة مفردة فيفعل غيرها، إلا أن يكون الأجير وارثًا، أو يكون أحد وصيين وطابق الموصي لأن له ولاية وقد بطلت ولاية الوصي مع علمه بعدم جواز المخالفة وأنه أوصي بنوع آخر لكن لا يستحق إلا أجرة المثل لعدم العقد، وتسقط الأجرة كلها بترك الإحرام. وهذه أولى من عبارة الأزهار بترك الثلاثة لأنه لا حكم لما فعله بغير إحرام.

فائدة: ذكر في شرح الأثمار أنه إذا كانت السنة معينة للأجير ثم أحرم فقط وتعذر عليه باقي الأركان، فإنه لا يستحق شيئًا من الأجرة. قال: ويكون كما لو لم يفعل إلا السير، وجعل هذا تفسيرًا لقوله في الأثمار: وبعضها ببعضها غالبًا؛ انتهى. وقال العلامة الشرفي في الضياء: (( أما حيث أحرم الأجير فقط فلا يستحق شيئًا ولا إشكال فيه، لأنه لم يأتِ بشيء يصح البناء عليه، فلا بد من استئناف الإحرام. وأما إذا انضم إلى الإحرام الوقوف، فالذي يترجح لي أنه كذلك أيضًا، إذ لا بد من إحرام مستأنف لأن بقية المناسك لا تصح من غير إحرام، فلم يسقط عن الوصي شيء من الغرامة. وظاهر كلام أهل المذهب خلافه، وليس بواضح...))، الخ. ولا شيء في غير الثلاثة الأركان من المقدمات كقطع المسافة وسائر المناسك، لأن الأجرة إنما تستحق على المقصود من العمل إلا لذكر لها في العقد أو فساد عقد، لأن الإجارة في الفاسدة مقابلة للعمل.




فصل في الاستنابة
وللأجير ولورثته الاستنابة للعذر ولو مرجوًا. والحاصل أنه إن كان ثمة شرط أو عرف في الاستنابة أو عدمها، عمل عليه، وإن لم يكن شرط ولا عرف فله الاستنابة للعذر ولو لبعد عامه إن لم يعين العام في العقد.

فائدة: إذا استناب وكان قبل الوقوف، وجب على المستناب أن يحرم، ويجوز للأجير ولورثته البناء على ما قد فعل. وأما وصي المحجج عنه أو ورثته، فلا يجوز لهم إذا لم يكن قد أحرم ولا ذكرت المقدمات. فإن كان قد أحرم أو ذكرت المقدمات بنى أجير الوصي، ذكر معناه في الغيث. وتصح الاستنابة ولو اختلف الأشخاص، وإن زال عذر الأجير الأول بعد أن كان قد استناب وأحرم المستناب، لزم الأجير الأول الحج كمن استؤجر له من يحج عنه لعذر مأيوس وزال عذره. ويتم المستناب أعمال الحج عمن استنابه، وتكون الأجرة له وهي التي سمى له الأجير الأول. فأما لو زال عذره قبل إحرام المستناب فيلزم أجرة ما فعل، وله فسخ الإجارة لأن هذا عذر يبيح الفسخ ولو كانت الإجارة صحيحة، لأن العذر أتى من قبل المستأجر. والحاصل أن له الاستنابة ولورثته للعذر على ما سبق إن أرادوا إتمام الأجرة، وإلا فلا تجب عليهم في الإجارة الصحيحة والفاسدة، سواء كان قد أحرم أم لا. لكن يشترط في الإجارة الفاسدة أن يكون قد سار قدرا لمثله أجرة.

فائدة: ليس للوصي تعجيل الأجرة إلا في مقابل رهن أو ضمين وفي أو عرف أو لم يجد من يحج إلا بذلك، وإن عجلها لغير ذلك ضمن، وحيث تكون لعذر يحجج من باقي الثلث. وكذا ليس له أن يتجر في المعين للحج، فإن فعل ضمن وتبطل ولايته مع علمه بالتحريم، ويتصدق بالربح.

فائدة: إن عين الموصي موضعًا أو حيوانًا للحج، فغلوله قبل العقد به للورثة.




فصل في ما لزم الأجير من الدماء والصدقات
وما لزم الأجير من الدماء والصدقات بفعل محظور أو ترك نسك فعليه لا على المستأجر، إلا دم القِران والتمتع فهما على المستأجر، وهي من الثلث إن كان عن أمر الميت. وأما دم الإحصار فعلى الأجير.


فصل في الرد على منكر صحة الإيصاء
أنكر القاضي الشوكاني صحة الوصية بالحج فقال: لم يكن في هذا دليل يصلح للتمسك به... إلى آخر كلامه، ونقول:

أما أولاً: فصريح القرآن والسنة ناطقان بثبوت الوصية على العموم والإطلاق، فما الذي منع الوصية بالحج وأخرجها من العموم؟

ثانيًا: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شبهه بالدين. وظاهر الأخبار أنه يصح بدون وصية، فبالأَولى والأحرى بالوصية.

ثالثًا: أنه ورد النص على الوصية بالحج بخصوصه. روى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال: (( من أوصى بحجة كانت ثلاث حجج عن الموصي وعن الموصى إليه وعن الحاج.)). وهذا له حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مقادير الأعمال. وقد روى الإمام أبو طالب والبيهقي بسندهما إلى جابر ما يشهد له.

وكم لهذا من نظاير، فقد صار الإنكار أقوى سلاحه في سيله الجرار، ولست بصدد المجاراة ولكن لقصد النصيحة والتحذير لذوي الأنظار. أما أرباب التعصب والتقليد الأعمى فلا ينفع فيهم التذكير، والله نعم المولى ونعم النصير.


تنبيه: قيل: إن الإجارة إن كانت لسنة معينة فهو كالأجير الخاص، فيقبل قوله. وإن كانت غير معينة فعليه البينة، لأنه يشبه المشترك. وقرروا للمذهب أن البينة عليه في الوجهين لأنها إجارة على عمل. قال في الغيث: وهو الصحيح؛ انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإلى هنا يتوقف عنان القلم وسنفرد إن شاء الله تعالى للزيارة وما يتعلق بها مؤلفًا مستقلا نستوفي فيه البحث من جميع النواحي، مع أن الزيارة لا مناسك فيها ولا واجبات ولا محظورات كالحج. وقد تم هذا بإعانة الله تعالى وتيسيره وتسديده. فقد اقتضى الحال الإسراع بما قد تحصل لتوارد الطلب بتنجيزه لقصد الانتفاع، وقد تيسر فيه بحمد الله تعالى ومنه وتوفيقه ما فيه كفاية للمستفيدين وبغية للمسترشدين وبلاغ لقوم عابدين. وقد كان العمل فيه على كثرة موانع وقواطع وشواغل وقلاقل.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

اللهم إليك رفعت الأبصار، وبسطت الأيدي، وأفضت القلوب، ودعيت بالألسن، وتحوكم إليك في الأعمال. اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين؛ نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وتظاهر الفتن، وشدة الزمن. اللهم فأغثنا بفتحٍ تعجّله، ونصر تعز به وليك، ولسان حق تظهره إله الحق، آمين رب العالمين.
جمعه المفتقر إلى الله سبحانه، مستمد الدعاء من جميع إخوانه، مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبد الله بن يحيى ابن الحسن بن يحيى بن عبد الله بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن المؤيد بن أحمد بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن المختار القاسم بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله ورضوانه عليهم.

حرر بتاريخه 27 شهر رمضان المعظّم سنة 1398 من الهجرة النبوية صلوات الله وسلامه على صاحبها وآله. والله تعالى أسأل وبجلاله أتوسّل، كما وفق للتمام مع أداء العمرة إلى بيته الحرام في هذه الليلة المباركة، أن نكون من أهل الفوز برحمته ومغفرته ورضوانه في المقام الأمين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يصلح أمر الإسلام والمسلمين، وأن يجعله من الأعمال المقبولة والآثار المكتوبة، إنه قريب مجيب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وسبحان الله وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وكان الفراغ من نساخة هذا الكتاب المبارك قبيل غروب شمس يوم الجمعة الثالث عشر من شهر شوال سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلوات والتسليم، بقلم خادم العلم الشريف أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبد الكريم بن حسن بن يحيى ابن أحمد بن إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن القاسم بن محمد رضوان الله عليهم أجمعين، ويلحقنا الله بهم صالحين، آمين يا رب العالمين.

(كتاب الحج والعمرة)

صدرت الطبعة الأولى عام 1396هـ

توزيع مكتبة اليمن الكبرى

صنعاء – الحديدة
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“