أركان الحج ومناسكه

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

أركان الحج ومناسكه

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

أركان الحج ومناسكه
صورة


صورة

للمولى العلامة السيد أبي الحسين مجدالدين بن محمد المؤيدي رحمه الله



اركان الحج


بسم الله الرحمن الرحيم


أركانه ثلاثة:

الإحرام.
والوقوف.
وطواف الزيارة.

هذه الثلاثة لا يجبرها شيء، ويفوت الحج بفوات أحد الأولين





فصل في مناسك الحج
ومناسكه اثنا عشر :

الثلاثة الأركان

الإحرام.
والوقوف.
وطواف الزيارة.

و

وطواف القدوم
والسعي
والمبيت بمزدلفة
وجمع العشائين فيها
والدفع منها قبل الشروق
والمرور بالمشعر
والرمي
والمبيت بمنى
وطواف الوداع




فصل في النسك الأول: الإحرام
أول مناسك الحج الإحرام، وله في الشرع معنيان :

أحدهما الدخول في حرمة أمور بنية الحج أو العمرة، وهذا هو المراد بقولهم: لا ينعقد الإحرام إلا بنية. وحقيقته: الدخول في أحد النسكين أو كليهما أو ما يصلح لأحدهما. قوله: أحد النسكين، يدخل الإفراد والتمتع والعمرة المفردة. وقوله: أو كليهما، يدخل القِران. وقوله: أو ما يصلح لأحدهما، المطلق. وهذا أوضح الحدود للإحرام وفي الفتح الذي يظهر أنه الصفة الحاصلة من تجرد وتلبية.
والثاني: النية المذكورة نفسها، وهو المراد بقولهم الإحرام أحد أركان الحج والعمرة.



زمان ومكان الإحرام
وللإحرام زمان ومكان.

أما زمانه فقال الله سبحانه: ﴿ الحج أشهر معلومات ﴾ وهن شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. قال الإمام الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام: ((لا ينبغي لمسلم أن يخالف تأديب الله سبحانه وتأديب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في أن يهلّ بالحج في غير وقته...)) إلى قوله: (( بل يجب عليهم أن ينتظروه، فمن أحرم [ أي قبل وقته] فقد أخطأ وأساء وخالف أمر ربه وتعدى، ويجب عليه ما أوجب على نفسه.)).

مسألة مفيدة: قلت: وثبوت الحكم لا ينافي التحريم كالظِّهار، فإنه يقع ويثبت له حكمه بالإجماع للنص القرآني وكطلاق البدعة على الصحيح. وبهذا يتضح أن ليس معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما لم يكن عليه أمرنا فهو رد )) أنه لا حكم له، وللكلام على هذا مقام آخر.

نعم، والذي ذكره الإمام عليه السلام هو الذي يفيده الحصر في الآية الكريمة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (( ليس من السنة أن يحرم بالحج في غير أشهر الحج.)). أخرجه في الجامع الكافي عن محمد بن منصور، وأخرجه البخاري تعليقًا عن ابن عباس بلفظ: ((من السنة ألا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج.))، ووصله ابن خزيمة والدارقطني عنه بمعناه. وأما ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: ((تمام الحج والعمرة أن تحرم لهما من دويرة أهلك.)) فمحمول على من يمكنه في أشهر الحج. وقد حمله القاسم بن إبراهيم ومحمد بن منصور رضي الله عنهم على مَن كان مِن دون الميقات، روى ذلك في أمالي الإمام أحمد بن عيسى وفي الجامع الكافي (وهما المراد أينما أطلَقتُ الأمالي والجامع)، وتأويل هذا ونحوه أولى من تأويل الآية كما لا يخفى على ذي بصيرة. وقد رُويت روايات لا تقوى على معارضة الآية والأخبار الصريحة.



المواقيت
وأما مكانه: فالمواقيت وهي:

لأهل المدينة المطهرة: ذو الحليفة على ستة أميال منها، وعلى مائتين غير ميلين من مكة المشرفة، عشر مراحل. وبها مسجد معروف، ويقال لها أبيار علي عليه السلام. وقد أضجرت هذه النسبة بعضهم - وهو ابن تيمية - فأنكرها في منسكه زاعماً أن أصلها دعوى أن أمير المؤمنين عليه السلام قاتل بها الجن، ونزهه من أن تثبت الجن لمقتالته، فجاء بما أعجب من الدعوى. وكم ينسب كثير من البقاع والبلدان ولم يتمحل لإبطالها مثل هذا التمحل. ثبتنا الله سبحانه على حب من حبه إيمان، ومن بغضه نفاق.
ولأهل الشام: الجحفة على اثنين وثمانين ميلاً ست مراحل من مكة وعلى نحوها من المدينة. وبها غدير خُم كما في النهاية وغيرها بإزاء رابغ.
ولأهل نجد: قرن المنازل على مرحلتين ويسمى الآن وادي السيل. ولما تحولت طريق السيارات صار أغلب من يرد الطائف يحرمون من وادي المحرم على التقدير. والراجح عندي الإحرام من الطائف احتياطًا لمن لم يمر من قرن المنازل.
ولأهل اليمن: يَلَمْلَم بفتح المثناة التحتية واللام وسكون الميم الأولى، على اثنين وثلاثين ميلاً مرحلتين من مكة المشرفة، ويسمى الآن السعدية من طريق الساحل.
هذه المواقيت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلا خلاف، وقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلم وقّت لأهل العراق ( ذات عرق ) على مرحلتين.

والحرم: للحرمي، فإن أحرم من خارج الحرم فقيل يلزمه دم، والمذهب لا يلزم كمن قدّم الإحرام.
وميقات مَن مسكنه خلف هذه المواقيت، أي بينها وبين الحرم، داره، أي موضعه، ولا يُحرِم مِن أقرب مِن داره إلى الحرم، فإن جاوز إلى الحرم بغير إحرام لزمه دم على المذهب. وكون هذه مواقيت من ذكر أفاده الخبر المتفق عليه عن ابن عباس رضى الله عنهما: ((ومن كان دونهن فَمَهِلّه من أهله.))، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها. وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام: (( وميقات من كان دون المواقيت من أهله.)). وهذا قول القاسم بن إبراهيم وحفيده الهادي إلى الحق قال الإمام يحيى: وهذا رأي أئمة العترة؛ انتهى. وحكي عن أصحاب أبي حنيفة وأبي العباس أنه يُحرم من حيث شاء إلى الحرم المحرم.
وهذه المواقيت لأهلها ولمن ورد عليها ولساكنيها كما ورد في الأخبار النبوية: (( هن مواقيت لأهلهن ولمن أتى عليهن غير أهلهن.)). أخرجه الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام، وهو في الخبر المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومن ورد بين هذه المواقيت فميقاته ما حاذى أدناها إليه عرضًا، فإن كان لا يحاذي أحدها فعلى مسافة مرحلتين مسافة أقرب المواقيت إلى مكة المشرفة، يقدرها بغلبة الظن إن لم يمكن التحقيق.

تنبيه: معنى المحاذاة: وقيد المحاذاة بالعرض هو المعلوم. أما المقابلة طولاً فكل ميقات له مقابل إلى منقطع الأرض. وقد غلط فيها كثير للجهل بمعناها.

ومن لزمه الحج وهو خلف المواقيت فميقاته موضعه؛ فإن كان بمكة أحرم منها، وإن كان بمنى أو نحوها استحب له من مكة إن كان لا يخشى فوات الوقت.

فائدة: يجوز لساكني هذه المواقيت الدخول إلى الحرم لا لنسك بغير إحرام اتفاقًا.

تنبيه: ليس حكم الميل في هذه المواقيت حكمها، بل المعتبر الموضع المخصوص نفسه.

فائدة: هذه المواقيت للإحرام بالحج والعمرة، ويستثنى من ذلك إحرام العمرة لمن بالحرم، فإنه يلزمه الخروج إلى الحل وأقربه التنعيم، حيث أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن تخرج إليه عائشة للإحرام بالعمرة، فدل على تخصيص خبر المواقيت إذ ليس بنص في ميقات عمرة المكي، وإنما هو عموم مع رواية الإجماع على ذلك. وليس بعد بيانه صلى الله عليه وآله وسلم بيان، فلا معنى لما طول به ابن القيم وغيره من عدم لزوم ذلك، محتجًا بأنه لم ينقل ذلك إلا عن عائشة. وما أحسن ما أجاب به عليه في فتح الباري حيث قال: وبعد أن فعلته بأمره صلى الله عليه وآله وسلم دل على مشروعيته. والعجب من قول الأمير في المنحة: إنه بدعة، أي الخروج من الحرم. فيقال له: إن لم يكن أمره صلى الله عليه وآله وسلم سنة، فما هي السنة؟

نعم، فإن كان خلف المواقيت فميقاته داره، أي موضعه إن كان في الحل، وإلا وجب أن يخرج إليه. فإن أحرم بالعمرة من الحرم لزمه دم.



ما يحسن قبل الإحرام
يحسن قبل الإحرام، قلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق ما يعتاد حلقه من الشعر، وهذا مستحب في الحج وغيره، ويسنّ الغسل ولو حايضًا أو جنبًا، ويتيمم غيرهما للعذر.

وفي الجامع الكافي قال محمد: (( وقلّم أظفارك، واحلق عانتك إذا احتجت إلى ذلك، وأفض عليك الماء، وليكن ذلك في وقت صلاة فريضة أو نافلة، ثم البس ثوبين جديدين أو غسيلين إزارًا ورداء.)). قال: (( فصل ركعتين أو ما تيسر لك، وإن صليت الفريضة أجزاك، ثم قل دبر صلاتك وأنت متوجه إلى القبلة...))، وذكر صفة الإهلال وستأتي. قال: (( وإذا اغتسلت لإحرامك فلا تلبس قبل أن تحرم ما لا ينبغي للمحرم لبسه، فإن لبست شيئًا جاهلاً أو ناسيًا فانزعه وأعد الغسل.)). وروى ذلك عن علي عليه السلام وعن أبي جعفر محمد بن علي عليهم السلام، وأوجب الناصر عليه السلام عليهم الغسل والأَولى عدم التفريط فيه. وقد ذكر استحباب ما سبق من التنظيف والغسل ولبس الثوبين الإمام زيد بن علي وأخوه الباقر عليهم السلام، والمروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه اغتسل لإحرامه ولبس ثوبين وأحرم عقيب صلاة الظهر، فإن أمكن ذلك فهو الأَوْلى، وإلا فبعد أي صلاة فريضة أو نافلة.


حكم مجاوزة الميقات إلى الحرم المحرم
وتحرم مجاوزة الميقات إلى الحرم المحرَّم إلا بإحرام على الآفاقي، الحر، المسلم، المكلف، المختار، غالبًا.

قوله: إلى الحرم، احتراز من أن يجاوزه غير قاصد للحرم أو مترددًا في دخول الحرم، فلا يلزمه الإحرام إلا إذا عزم على الدخول لأحد النسكين، أحرم من موضعه كمن ميقاته داره.

فائدة: من جاوز الميقات مريدًا لدخول الحرم بعد إقامته مدة وإن طالت، لزمه الإحرام على المذهب. ورجح الإمام المهدي والفقيه حسن عدمه.

وقوله: الآفاقي، احتراز ممن ميقاته داره، إلا أن يقصد أحد النسكين، أو يأتي من خارج الميقات قاصدًا لمكة.

وقوله: الحر، احتراز من العبد ولو مكاتبًا أو موقوفًا.

وقوله: المسلم، احتراز من الكافر، فلا يصح منه الإحرام ولا يلزمه دم، خلافًا للشافعي. ومن جاوز الميقات ثم أسلم أو عتق، أحرم من موضعه إجماعًا.

وقوله: المختار، احتراز من المكره، ومن حصلت المجاوزة به وهو نايم أو مغمى عليه أو مجنون، فإنه بعد عود عقله لا يلزمه الإحرام، بل يجوز له دخول الحرم لا لنسك بغير إحرام. فأما السكران فهو لازم له، وكذا من جاوزه ناسيًا أو ظانًا أن الميقات أمامه فيلزمه على المذهب.

وقوله: غالبًا، احتراز من ثلاثة المرخص لهم بلا إحرام:

الأول: من عليه طواف الزيارة أو سعي العمرة أو بعضهما، أو الحلق أو التقصير في العمرة، فيجوز له الدخول بلا إحرام ولو قد طاف جنبًا أو حايضًا فيجوز له قبل اللحوق بأهله.
الثاني: الإمام وجنده، أو من يقوم مقامه إذا دخلوا لحرب الكفار أو البغاة.
الثالث: الدائم على الدخول والخروج كالحطاب والحشاش والسقاء، فلا يلزمهم إجماعًا. واختلف في تفسير الدايم، فقال في الانتصار: من يدخل في الشهر مرة؛ وقال الإمام أحمد بن الحسين: في العشر مرة؛ والمذهب: ما يسمى دايمًا عرفًا، وتثبت العادة بمرتين فيلزم الإحرام أوّل مرة.
فمن جمع هذه الشروط وجاوز أثم مع العمد، ولزمه دمٌ مطلقاً، ولا بدل له. ولا يسقط عنه الدم إلا أن يرجع إلى الميقات قبل أن يحرم، وقبل أن يصل الحرم المحرم بكل بدنه. فإن جاوز وفاته الإحرام في عامه ذلك قضاه مع الاستطاعة، وفواتُه بطلوع فجر النحر سواء كان حجاً أو عمرة، ولا دم للتأخير. وينوي بإحرامه في القضاء قضاء ما فاته من الإحرام، ولا يداخل في هذا الإحرام غيره، فإن نواه عن قضاء ما فاته وعن حجة الإسلام أو عن نذر أو نحوه لم يُجْزه لأيهما، ووجب عليه أن يقضيهما ويضع إحرامه على عمرة أو حجة نفلاً، وإن نوى لأحدهما صح وبقي الآخر في ذمته. فأما لو أحرم بعد مجاوزة الميقات في تلك السنة فله أن يضع إحرامه على ما شاء من حجة الإسلام أو غيرها، وسواء كان قد رجع إلى أهله قبل أن يحرم أم لا. ولا يسقط عنه الإحرام حيث جاوز الميقات مريداً لدخول الحرم المحرم، ولو رجع واضرب كما لو مات، أفاده في الغيث. وعليه الإيصاء بحجة أو عمرة، وإن لم يحرم فقد لزمه الدم والإحرام على المذهب. وفي حاشية السحولي: لا يلزمه دم ولا إحرام.

فائدة: ويتكرر لزوم الدم والإحرام بتكرار الدخول كنزع اللباس، إلا أن يصير مع التكرار دائم الدخول والخروج. ويجب عليه الرجوع إلى الميقات والإحرام منه إلا لخوف أو لضيق وقت، فيحرم قبل الحرم وعليه دم المجاوزة. فإن أحرم من موضعه من غير عذر أثم، وسقط وجوب الرجوع ولزمه دم واحد... أفاده في الغيث.

رواية الترخيص في الدم : هذا وفي شرح التجريد: وذكر أن القاسم عليه السلام روى عن أمير المؤمنين عليه السلام فيمن جاوزه: لا شيء عليه، فإن صحت الرواية لم يعدل عنها، وإلا فالأولى ما ذكرناه؛ انتهى. وفي أصول الأحكام عن علي عليه السلام فيمن جاوز الميقات فلم يحرم فلا شيء؛ انتهى. وفي شرح التجريد عن المنتخب أن من جاوز الميقات من غير أن يحرم فيه، وجب عليه أن يرجع ويحرم منه، فإن لم يمكنه الرجوع لعذر قاطع أحرم وراءه قبل أن ينتهي إلى الحرم. ويستحب أن يهرق دمًا... إلى آخره.

تنبيه: حكم المريد لأحد النسكين وغير المريد:

اعلم أن المريد لأحد النسكين تحرم عليه المجاوزة للميقات إلى الحرم بغير إحرام إجماعًا. وأما من لا يريد أيَّهما ففيه خلاف؛ فعند الجمهور أنها تحرم المجاوزة على ما سبق تفصيله. وعند الصادق والإمام الناصر وأبي العباس من العترة وأخير قولي الشافعي أنها لا تحرم، ولا يلزم الإحرام إلا القاصد لأحد النسكين. استدل الأولون بقوله تعالى: ﴿ وإذا حللتم فاصطادوا ﴾، ولم يتقدم ذكر الإحرام، فدل على أن المجاوزة إنما هي بإحرام. كذا في البحر وغيره، وفيه ما لا يخفى. وأجيب بأنه قد تقدم تحريم الصيد عليهم في قوله تعالى: ﴿ غير محلي الصيد وأنتم حرم ﴾ ولا إحرام إلا عن أحد النسكين، وأخبر بإباحته لهم إذا حلَّوا فلا دليل في الآية على المطلوب. واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا يحل لأحد دخول مكة بغير إحرام ، ورخّص فيه للحطابين... رواه في الشفاء وغيره. قال ابن حجر في التلخيص، حديث ابن عباس أخرجه البيهقي من حديثه نحوه، وإسناده جيد. ورواه ابن عدي من وجهين ضعيفين، وأخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ: لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها. وفي إسناده طلحة بن عمرو وفيه ضعف. وأجيب بأن المرفوع ضعيف، والموقوف اجتهاد، فلم يثبت دليل التحريم. واستدل المجيز بدخول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مكة يوم الفتح بغير إحرام. وما في الأخبار من اختصاص الحل به صلى الله عليه وآله وسلم، فالمراد حِلُّ القتال كما هو ظاهر في السياق والألفاظ، لا المجاوزة فلم يجرِ لها ذكر، فهي باقية على الأصل، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر المسلمين الداخلين لحوايجهم إلى مكة المشرفة بالإحرام، كما في قصة الحجاج بن علاط وأبي قتادة لما عقر الوحش داخل الميقات وهو حلال. وأخرج في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم. وفي الجامع الكافي روى محمد بن منصور بإسناده عن محمد بن علي وعمرو بن دينار أنهما خرجا إلى أرضهما خارج الحرم، ثم دخلا مكة بغير إحرام. وروى فيه عن ابن عمر أنه دخل مكة بغير إحرام.

والحجة في فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتقريره، وهو الذي يفيده مفهوم أخبار المواقيت كما في خبر ابن عباس رضي الله عنهما: ((وقّت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة...)) إلى قوله: (( ممن أراد الحج والعمرة ))، أخرجه الخمسة إلا الترمذي. وقول علي عليه السلام المروي في المجموع: (( ميقات من حج من المدينة أو اعتمر ذو الحليفة... )) إلى آخره. والأصل البراءة وإن كان الأحوط والأفضل هو الإحرام؛ هذا هو المختار.

فائدة: وجه لزوم الدم على من ترك نسكًا:

ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( من ترك نسكًا فعليه دم ))، رواه في الشفاء والانتصار. وأخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا: من نسي شيئًا من نسكه أو تركه مما بعد الفرايض فليهرق دمًا. قال أيوب: لا أدري قال ترك أم نسي، والمراد بالفرايض الثلاثة الأركان. وظاهر كلام المؤيد بالله في شرح التجريد حكاية الإجماع على لزوم الدم لمن ترك نسكًا وهذا هو أقوى ما يحتج به. فقد ظهر من السلف والخلف العمل عليه، والله تعالى أعلم.
آخر تعديل بواسطة مواطن صالح في الاثنين نوفمبر 10, 2008 4:31 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

كيفية الإحرام وما ينعقد به

فصل في النية
وإنما ينعقد الإحرام بالنية - وهي قصد الدخول فيه ومحلها القلب، إلا أنه يستحسن التلفظ بها هنا، وكرهه البعض، وقد سبقه إلى الاستحسان الكثير من أعلام الهدى وفي السنة ما يفيد ذلك - مقارنة لتلبية ويكفي لبيك، أو تقليد للهدي. والمختار أن الإحرام ينعقد بالنية وحدها، وهو قول القاسم بن إبراهيم والمؤيد بالله والشافعي لعدم الدليل على اشتراط غيرها، وإن كانت التلبية واجبة ولو مرة لورود الأمر بها كما يأتي. والتقليد من سنن الحج، فيقول مستحضرًا بقلبه: اللهم إني محرم لك بالحج إن كان مفردًا، أو بالحج والعمرة، إن كان قارنًا، أو بعمرة، إن كان متمتعًا أو معتمرًا فقط، حجة الإسلام أو الفرض إن كانت الفريضة، أو عن فلان إن كان عن غيره.

وقد صح أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذكر ما أحرم له من حج وعمرة. ومما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( لبيك حجة وعمرة ))، وتلبية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي اتفقت عليها الروايات: (( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك )). وقد استحسن السلف أقوالاً كثيرة. قال الإمام زيد بن علي عليهما السلام في منسكه بعد قوله: (( اللهم إني أريد الحج فيسره لي...)). وقل: (( أحرم لك بالحج شعري وبشري ولحمي ودمي من النساء والطيب، أبتغي بذلك وجهك الكريم والدار الآخرة ومحلي حيث حبستني بقدرتك التي قدرت علي...)) ثم لبه وقل: (( لبيك اللهم لبيك...))، وذكر ما سبق. ثم قال: (( إن شئت أجزاك، وإن ألحقت لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعيًا إلى دار السلام لبيك، لبيك غفار الذنوب لبيك، لبيك بحجة تمامها وأجرها عليك...)) ثم قال: (( وأكثِر من يا ذا المعارج، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر ذكرها ويقول: (( لبيك يا ذا المعارج لبيك )).)).

قلت: هذه رواية في زيادتها من الإمام الأعظم عليه السلام، إلا أنه يحتمل كونه كان يكثر ذكرها في التلبية للحج أم في غيرها. وأخرج أبو داوود عن جابر أن الناس كانوا يزيدون يا ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع فلا يقول شيئًا.

وقال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام فإذا اغتسلت فقل: ((اللهم إني أريد الحج رغبة مني فيما رغبت فيه منه لطلب ثوابك، وتحريًا لرضاك، فيسّره لي، وبلغني فيه أملي في دنياي وآخرتي، واغفر لي ذنبي، وامح عني سيئتي، وقني شر سفري، واخلفني بأحسن الخلافة في ولدي وأهلي ومالي ومحلي حيث حبستني. أحرم لك بالحج شعري وبشري ولحمي ودمي وما أقلت الأرض مني، ونطق بذلك لساني، وعقد عليه قلبي...)) ثم يقول: (( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. لبيك ذا المعارج لبيك، وضعتْ لِعَظَمَتِكَ السمواتُ كنفيها، وسبَّحَتْ لك الأرض ومن عليها، إياك قصدنا بأعمالنا، ولك أحرَمْنا بحجنا، فلا تخيب عندك آمالنا، ولا تقطع منك رجاءنا...))

وفي الأحكام أيضًا: (( فإذا استويت على ظهر البيداء ابتدأت التلبية، ورفعت بها صوتك رفعًا حسنًا متوسطًا يسمع من أمامك ووراءك، وذكر التلبية الأولى...)) وزاد: (( لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت.)).

قلت: اختلف في محل ابتداء التلبية، وقد أوضح ابن عباس رضي الله عنهما السبب في ذلك حيث قال : (( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاجًا، فلما صلى بمسجده بذي الحليفة ركعتين أهَلَّ، فسمع ذلك أقوام فحفظوا عنه.ثم ركب، فلما استقلت به ناقته أهَلَّ، فأدركه أقوام فحفظوا عنه، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتونه أرسالاً، فسمعوه حين استقلت به ناقته، فقالوا: إنما أهَلَّ حين استقلت به ناقته، ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهَلَّ، فأدركه أقوام فقالوا: إنما أهَلَّ رسول الله عليه وآله وسلم حين علا شرف البيداء، ولعمر الله لقد أوجب في مصلاه، وأهَلَّ حين استقلت به راحلته، وأهَلَّ حين علا شرف البيداء.)) انتهى. فيسن كل ذلك.

وندب الجهر بالتلبية، في الجامع الكافي روى محمد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قيل له: أي الحج أفضل قال : (( العج والثج )). وفي شرح التجريد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( أتاني جبريل وأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية ))، أو قال: بالإهلال. وعن زيد بن خالد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعار الحج )). أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم، ولها طرق مستوفاة في البسايط.

وندب استمرار التلبية في الحج إلى رمي جمرة العقبة بأول حصاة. بذلك اتفقت الروايات عنه صلى الله عليه وآله وسلم وفي العمرة إلى استلام الحجر كما يأتي.

وندب الاشتراط كما علّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب لما قالت: يا رسول الله، إني أريد الحج، أَشْتَرِطُ؟ قال: نعم، قالت: فكيف أقول ؟ قال: (( قولي: لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث حبستني )). أخرجه الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد. وقال: روى ذلك أبو داود في السنن، ورواه ابن أبي حاتم في المناسك، انتهى. وأخرجه الجماعة إلا البخاري عن ابن عباس، وفي رواية النسائي: (( فإن لك على ربك ما اشترطت ))، وهذا الشرط للتعبد، ولا يسقط به دم الإحصار لأنه ثابت بالدليل القطعي القرآني ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾، ولا دلالة في الخبر على سقوطه.

فائدة: سمع في "ان الحمد" الفتح على تقدير لام العلة، والكسر على الابتداء أي الاستئناف، والوجهان مفيدان للتعليل، إلا أنها مع الفتح جملة، ومع الكسر جملتان.

فائدة أخرى: مَحِلي بفتح الميم وكسر المهملة، أي مكان إحْلالي.





فصل في آداب التلبية وغيرها

قال في الأحكام: (( ثم يلبي ولا يفحش في تلبيته بشدة الصياح ولا يخافت بها، وكل ما علا من الأرض نشزًا قال: الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر. وإذا انحدر لبّى، ولا يغفل التلبية الفينة بعد الفينة، ويتوب إلى الله من الخطيئة، ويحذر الرفث والفسوق والجدال والكذب، فإنه من الفسوق.)). وفي منسك الإمام زيد بن علي عليهما السلام: (( فعليك بتقوى الله وذكره كثيرًا، وقلة الكلام إلا في خير، فإن من تمام الحج والعمرة أن يحفظ الإنسان نفسه كما قال تعالى: ﴿ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ﴾...))، إلى قوله عليه السلام: (( فعليك بورع يحجزك عن معاصي الله تعالى، وحِلم تملك به غضبك، وحسن الصحبة لمن صحبك، ولا قوة إلا بالله.))

قلت: وروي مرفوعًا أنه إذا أشرف على وادٍ هلل وكبر، أخرجه الستة. وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: (( كنا إذا صعدنا كبّرنا، وإذا نزلنا سبّحنا.)). وعن عبدالله بن عمر قال: (( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة، ولا أعلمه إلا قال الغزو، ويقول كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثًا، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون. صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.))، أخرجهما البخاري. فلا التفات لما في جرار الشوكاني ولفظه: (( أقول: لم يرد في التكبير مطلقًا في هذه المواطن ما يصلح للتمسك به لا عند الصعود ولا عند غيره.))، انتهى. فإنْ كان عرف الرواية فهو افتراء، وإنْ جهلها فكان الواجب عليه أن يقول: لا أعلم. وكم له من أمثال هذه، ولسنا بصدد المجاراة ولكن للتنبيه، والله ولي التوفيق.

قال أئمتنا عليهم السلام: ويلبي في الأسحار وعقيب الصلاة ولو كان جنبًا أو حائضًا، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة: (( واصنعي ما يصنع الحاج... ))الحديث.


الاغتسال لدخول مكة والحرم:

ويستحب الاغتسال لدخول مكة المشرفة والحرم، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين ومحمد بن علي عليهم السلام أنهم كانوا يغتسلون بذي طوى، ثم يدخلون مكة المكرمة، رواه في شرح التجريد. وفي جامع الأصول، وذكر رزين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغتسل لإحرامه وطوافه ولوقوفه بعرفة؛ انتهى. قوله: (بذي طوى) - هو بتثليث المهملة مقصور، ويمد ويصرف ويمنع - وادٍ على نحو فرسخ من مكة على طريق التنعيم، ويعرف الآن بالزاهر.

فائدة: ذكر الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام أنه إذا انتهى المحرم إلى قرب الحرم استحب له أن ينزل فيغتسل، ثم يدخل الحرم ويقول: (( اللهم هذا حرمك وأمنك والموضع الذي اخترته لنبيك وافترضت على خلقك الحج لك إليه، وقد أتيناك راغبين فيما رغبتنا فيه، راجين منك الثواب عليه، فلك الحمد على حسن البلاغ، وإياك نسأل حسن الصحابة في المرجع، فلا تخيب عندك دعاءنا، ولا تقطع منك رجاءنا، واغفر لنا وارحمنا وتقبل منا سعينا، واشكر فعلنا، وآتنا بالحسنة إحسانًا وبالسيئة غفرانًا يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.)) انتهى.

وفي الجامع الكافي : (( فإذا وضعت رجلك في الحرم فقل: بسم الله ولا قوة إلا بالله. اللهم هذا الحرم حرمك والعبد عبدك، وقلتَ ﴿ ومن دخله كان آمنًا ﴾ اللهم فحرّم بدني على النار.)) انتهى.

ومما يستحسن أن يقول: (( اللهم هذا حرمك وأمنك الذي دعانا إليه إبراهيم خليلك بأمرك. اللهم اجعلنا ممن أجاب فوفقته، ورحل إليك فقبلته، يا قابل التوابين.)). ثم يقرأ سورة القدر.


تنبيه: حدود الحرم المحرم، قد جمعتها في هذين البيتين:

و سبعتها نحو اليماني المحببِ ثلاثة أميـال إلى نحو يثرب
وزد عرفاتٍ واحدًا فتجنبِ عراق له تسع وعشر لجدةٍ

أي من مكة المشرفة إلى نحو المدينة المطهرة ثلاثة أميال وهو التنعيم، ويقال مساجد عائشة، وإلى جهة اليمن سبعة أميال، وإلى العراق تسعة، وإلى جدة عشرة بالقرب من الحديبية، وإلى عرفات والطائف أحد عشر. وقد جمعتها مع ذكر حرم المدينة المطهرة في هذه الأبيات :

والطا عراقٌ ياءُ جدةََ ُيحسبُ زايٌ يمــانيٌّ وجيمٌ يثربٌ
حرمُ الإلهِ فصيدُها لا يقربُ عرفا ُنـا ألفٌ وياءٌ هـذه
من كلِّ ناحيـةٍ بريدٌ يكتبُ أما مدينةُ أحمدٍ فحرامـُها

وينعقد الإحرام بالنية، ولا عبرة بما خالفها من اللفظ. فلو نوى حجًا ولبىّ بعمرة أو نحو ذلك، لم يلزم إلا ما نواه، وكذا سائر العبادات.



مسألة من أحكام الإحرام

: ويصح الإحرام من غير تعيين لأحد أنواع الحج، والدليل عليه إحرام أمير المؤمنين عليه السلام حين قدم من اليمن بما أحرم به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتقريره لذلك، وهذا قول الجمهور. ويضع مطلق الإحرام على ما شاء من حج أو عمرة، وصورته أن ينوي الإحرام فقط من غير قصد لحج أو عمرة. والمذهب أنه لا يجزئ عن حجة الإسلام، وقد حمل في البحر فعل علي عليه السلام على النفل. والمختار التفصيل وهو أنه إن كان الإطلاق في نوع الحج الفرض فهو يجزئ عن الواجب، وعليه يحمل فعل أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاصد لأداء فريضة الحج قطعًا، وإنما لم يعلم نوعه. وإن كان الإطلاق بمعنى قصد الإحرام فقط من غير نية لحج أو عمرة كما سبق، فلا يجزئ عن الفرض لعدم الدليل عليه، والله سبحانه أعلم.

فرع: وإذا التبس ما عيّن أو نوى، كإحرام فلان وجَهِله، طاف وسعى للعمرة لجواز أنه متمتع، ولا يتحلل لجواز أنه مفرد، فإن تحلل فلا شيء عليه إذ الأصل البراءة، إلا أن ينكشف له أنه مفرد لزمه الدم، وبعد السعي يستأنف نية معينة للحج، ثم يستكمل المناسك مؤخرًا لطواف القدوم كالمتمتع، ويجزيه عن حجة الإسلام إذ قد ابتدأ الاستئناف، ولا يكون اللبس إلا بين الإفراد والتمتع، وأما القِران فلا عند من يشترط السوق في صحته، وهو المذهب. ولا يلزم دم التمتع إذ الأصل البراءة.



فائدة: يصح الإحرام المخير فيه نحو حجة أو عمرة.

فرع: حكم الإحرام بحجتين: ومن أحرم بحجتين أو عمرتين أو أكثر، استمر في إحداها ورفض الأخرى. ومن أدخل نسكًا على نسك استمر في الأول ورفض ما بعده بالنية، وما رفضه أدّاه لوقته بإحرام جديد. فإن لم يرفض لم يجزه لأحدهما، وبقي محصرًا حتى يفعل إحدى الحجتين في العام القابل والأخرى فيما بعده، ويبعث بهدي كالمحصر، ويلزمه دم للرفض. ويتعدد بتعدد المرفوض، ويتعدد ما لزمه من الدماء ونحوها قبله. وعند مالك وأحد قولي الشافعي: لا ينعقد الدخيل.

فرع: فلو التبس الدخيل مع الاستواء كحجتين أو عمرتين رفض الدخيل في علم الله تعالى، ومع الاختلاف كحج وعمرة رفضهما معًا لتعذر المضي وعدم المخصص، ويتحلل بعمرة ويقضيهما.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

محظورات الإحرام

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

محظورات الإحرام


محظورات الإحرام أربعة أنواع:

النوع الأول:

الرفث، والمراد به هنا الكلام الفاحش والفسوق، وهو الظلم والتعدي والتكبر والتجبر والجدال بالباطل. وإنما قيد الرفث هنا، لأن المراد ما لا يلزم فيه شيء. وأما المراد في الآية فيدخل فيه الجماع كما فسّره به الإمام زيد بن علي وأخوه الباقر عليهم السلام. وقال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام: ((والرفث، فهو الدنو من النساء وذلك قول الله عز وجل: ﴿ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ﴾. ومن الرفث أيضا الفراء على الناس واللفظ القبيح مما يستشنعه أهل الخير...)) إلى آخر كلامه عليه السلام. وفي شرح التجريد روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ﴿لا رفث﴾ الجماع ﴿ولا فسوق﴾ المعاصي ﴿ولا جدال في الحج﴾ لا تُمارِ صاحبك حتى تغضبه.)). وأخرج الإمام المرشد بالله والبخاري عن أبى هريرة قال: ((قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه )).
والتزين بالكحل ونحوه من الأدهان.
فائدة: الكحل ثلاثة أقسام: التوتو ونحوه جايز بالاتفاق، والمطيب محرم، والأسود الذي لا طيب فيه مختلف فيه، والمذهب التحريم. وفي الجامع الكافي قال القاسم ومحمد: (( لا بأس بالكحل للمحرم بأي كحل شاء ما لم يكن فيه طيب.)) انتهى. وفي المجموع بسنده إلى علي عليه السلام: (( فإن اشتكى عينيه اكتحل بالصبر ليس فيه زعفران.)).
والدهن ثلاثة أقسام: محرم بالاتفاق وهو المطيب كالعطر، وجايز بالاتفاق وهو ما لا زينة فيه ولا طيب كالسمن إلا أن يقتضي العرف أنه زينة، ومختلف فيه وهو الذي فيه الزينة لا الطيب كالزيت والسليط. فظاهر كلام الهادي عليه السلام، وهو المذهب، التحريم. وقال المرتضى عليه السلام: جايز. والأولى ترك الدهن كله إلا لضرورة لقول علي عليه السلام المروي في المجموع: (( لا يدهن المحرم ولا يتطيب فإن أصابه شقاق دهنه مما يأكل.)).

ولبس ثياب الزينة كالحرير والحلي والمعصفر والمورس وخاتم الذهب - لا الفضة والعقيق والثياب البيض والسود والخضر والزرق فجايزة - وإن انفصل شيء من المزعفر أو المورس إلى الجسد لزمت الفدية لأنه طيب، وكل هذا للرجال والنساء. وأجاز الشافعي للمرأة الحرير والحلي. و أجاز الإمام يحيى والفريقان الحلي. وأجاز الإمام زيد بن علي والناصر عليهما السلام المورس والمزعفر للمرأة، ويحتج لهم بما رواه في شرح الأحكام بسند صحيح إلى علي عليه السلام: (( تلبس المرأة المحرمة ما شاءت من الثياب غير ما صبغ بطيب، وتلبس الخفين والجبة والسراويل.)). وليس بواضح، والأحوط الترك لما روي من نهيه عما مسه الورس، ولمنافاة لبس الحلي والزينة للإحرام. ويحمل كلام علي عليه السلام على غير المنهي عنه فيكون العموم مخصوصًا، وهذا هو المذهب. وفي المجموع فيما لا يلبسه المحرم من كلام علي عليه السلام: (( ولا ثوبًا مصبوغًا بورس أو زعفران.)). وفي الخبر الذي أخرجه الستة عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما لا يلبسه المحرم: (( ولا ثوب مسه ورس أو زعفران )). وفي الجامع الكافي عن عقيل أنه أحرم في مُوردتين، فقال عمر: (( أتحرم في موردتين؟ إنك لحريص على الخلاف.)). فقال له علي عليه السلام : (( دعنا منك فليس أحد يعلمنا بالسنة، قال: صدقت صدقت.)). ويحمل على أن ذلك لا زينة فيه.
وعقد النكاح له أو لغيره، إيجابًا أو قبولاً، أصالة أو وكالة أو فيضلة. ويعتبر إحلال الولي حال عقده أو عقد وكيله أو إجازته لا حال توكيله، ولا تحرم الشهادة على حلال، ولا الرجعة ولو بعقد، لأنه إمساك، والنهي ورد عن النكاح. فأما الخِطْبة، فالمذهب الجواز، والمختار عدمه لما في أمالي أحمد بن عيسى بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًا عليه السلام كان يقول: (( لا يخطب المحرم ولا ينكح، فإن نكح فنكاحه باطل.)). وفي الجامع الكافي عن محمد ذكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب )). وأخرجه الستة إلا البخاري عن عثمان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكر الترمذي: ولا يخطب. وفي الجامع الكافي عن علي عليه السلام: (( لا ينكح المحرم ولا ينكح فإن نكح فنكاحه باطل.)). قال محمد: (( لا أعلم بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلافًا أن المحرم لا يتزوج ولا يُزوج.)). وفي شرح التجريد وروى أبو بكر ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًا وعمر قالا: (( لا ينكح المحرم ولا ينكح، فإن نكح فنكاحه باطل.)) انتهى، وهو في أمالي أحمد بن عيسى بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام.
فائدة: والنكاح مع العلم باطل، ومع الجهل فاسد للخلاف. وقد خالفت الحنفية لحملهم النكاح على الدخول، محتجين بخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نكح ميمونة وهو محرم، وهو معارض بأخبار أنهما حلالان، وهي أرجح لأنها ناقلة وحاظرة، وروتها ميمونة وأبو رافع وهما أخص. والنكاح حقيقة في العقد، وأيضًا قد وصف بالبطلان ولا يوصف به إلا العقد.

تنبيه: لا توجب هذه المحظورات إلا الإثم، ولا فدية فيها.

انتهى الكلام في النوع الأول.

النوع الثاني:

الوطء ومقدماته من لمس وتقبيل ونظر لشهوة، ولا شيء في المقدمات إلا الإثم على المذهب. وفي الجامع الكافي، وروى محمد بإسناده عن علي عليه السلام وابن عباس وأبي جعفر وعبد الله بن الحسن عليهم السلام وغيرهم أنهم قالوا: (( إذا قبّل المحرم امرأته أهرق دمًا.))، انتهى.
هذا وفي الوطء بدنة، وأقله ما يوجب الغسل. وتدخل مقدمات الوطء في كفارته كتحرك الساكن والإمناء قبله وبعده لا الإمذاء فلا يدخل، وسواء وقع إنزال مع الوطء أم لا، وفي أي فرج وسواء الرجل والمرأة. ولزوم البدنة في الوطء هو قول القاسمية من العترة والشافعية وروي ذلك عن علي عليه السلام. وعند الإمام الناصر والحنفية: شاة. وفي الجامع عن محمد بن منصور ما لفظه: (( فإن لم يكن بدنة فبقرة، فإن لم يكن بقرة فشاة.)). وروى محمد بإسناده عن علي عليه السلام وابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن المسيب نحو ذلك؛ انتهى. وفي المجموع والأمالي وشرح التجريد بالأسانيد الصحيحة عن علي عليه السلام: الهدي.وهو صادق بالشاة، وسيأتي بلفظه إن شاء الله.
والبدنة لازمة في ذلك ولو بعد الوقوف وبعد الرمي قبل طواف الزيارة. وعند الإمام زيد بن علي والناصر والإمام يحيى: لا يلزم بعد ذلك إلا شاة. قلت: هكذا روي عنهم في البحر. وفي المجموع عن الإمام زيد بن علي عليهم السلام لزوم البدنة، وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة: (( لا شيء فيما دون الإمناء.)). حكاه عنه في بيان القاضي، أفاده الإمام عز الدين بن الحسن في شرح البحر.
وفي الإمناء لشهوة في يقظة بأي سبب عن تقبيل أو لمس أو نظر أو تفكر بدنة. وعند الإمام زيد بن علي والناصر والفريقين شاة.
وفي الإمذاء أو ما في حكمه بقرة، والذي في حكمه صورتان:
إحداهما: حيث لمس أو قبل ثم بعد ساعة أمنى، لكنه خرج لغير شهوة وغلب في ظنه أن الموجب له ذلك، ولا غسل في هذا.
الثانية: أن يستمتع ولم يولج ولا أمنى ولا أمذى.
وعند الإمام زيد بن علي: ليس في الإمذاء إلا شاة، ولاشيء فيه عند الشافعي.
وفي تحرك الساكن شاة إذا تحرك لأجل شهوة عن لمس أو تقبيل أو نظر أو تفكّر، وسواء في ذلك الرجل والمرأة.

تكرار الكفارة:
وتتكرر الكفارة بتكرر الموجب في جميع هذه الصور ولو في مجلس واحد، إلا تحرك الساكن إذا كان متصلاً، ولو طالت المدة ما لم يسكن ثم ينتشر فتتكرر. وحكى السيد يحيى للمذهب أن الكفارة لا تتكرر بتكرر الوطء ما لم يتخلل إخراجها. وذكره ابن أبي الفوارس عن الهادي عليه السلام في المفسد كما يأتي.

ولا بدل لهذه الدماء على الصحيح إلا دم الوطء المفسد، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

النوع الثالث سبعة أشياء:

الأول:
لبس الرجل المخيط والمعتبر ما يسمى لُبْسًا عرفًا. فلو أدخل يده في كيس أو كم الغير أو وضع القلنسوة على يده فلا فدية، والمعتبر من المخيط ما كان عن تفصيل وتقطيع. وفي البحر والكواكب: المُحيط بالحاء المهملة سواء كان بخياطة أو نسج أو إلصاق إذا كان يسمى لبسًا وإن قلَّ المغطَّى من العضو.

قلت: ولم يرد في المخيط نص بلفظه فيما أعلم، ولكنه نبّه عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (( لا يلبس المحرم قميصًا ولا سراويل ولا خفين ولا عمامة ولا قلنسوة ولا ثوبًا مصبوغًا بورس ولا زعفران )).

قال: وإن لم يجد المحرم نعلين لبس خفين مقطوعين أسفل من الكعبين. أخرجه الإمام زيد بن علي بسند آبائه عليهم السلام. وأخرجه الستة عن ابن عمر بزيادة البرنس، واختلاف يسير في اللفظ مع الاتفاق في المعنى. وزاد في خبر الإمام: ((وإن لم يجد إزارًا لبس سراويل، وإن لم يجد رداء ووجد قميصًا ارتدى به ولم يتدرعه)) انتهى. وقد وردت زيادة السراويل في أخبار صحيحة، فنبّه بالقميص على كل مخيط.

تنبيه: ورد في خبر ابن عباس رضي الله عنهما ذكر الخفين بدون قطع، فأخذ من ذلك الشيخ ابن تيمية وبعض الظاهرية النسخ للقطع وهو غير صحيح، بل هو مطلق مقيد بخبر القطع السابق كما هي القاعدة الصحيحة المقررة في الأصول، فقد اتفقا حكمًا وسببًا. وأيضًا نسب ابن تيمية الترخيص إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (( وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالقطع أولاً ثم رخص بعد ذلك في عرفات.)) انتهى. ولم يرد بلفظه فهو إيهام، وأيضًا أضاف الخبر الذي عن ابن عباس في عرفات إلى ابن عمر حيث قال: (( لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في عرفات، كما رواه ابن عمر.)) وهو غلط، ولفظه قال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب بعرفات: (( من لم يجد إزارًا فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين ))، متفق عليه. وليس فيه ذكر القطع، وهو مقيد بالخبر السابق، فتدبر وكن على بصيرة في هذا وغيره.

فائدة: الخف إلى نصف الساق، والجورب إلى فوق الركبة، والبرنس بكسر الموحدة كل ثوب رأسه منه ملتصق به. وقال الجوهري: هو قلنسوة طويلة ، والقلنسوة - بفتح القاف مع ضم السين أو ضم القاف مع كسر السين وقلب الواو ياء.

هذا ولا يحرم لبس المخيط على المرأة، ويحرم على الخنثى على المذهب ترجيحًا لجنبة الحظر، ولا فدية عليه إن لبس، ويلحق بالقميص ما في حكمه كالدرع.

فائدة: لا حرج في الارتداء بالقميص ونحوه، إذ ليس لبسًا. وقد أفاده الخبر السابق ولا في شد الهميان والمنطقة عند العترة والفريقين، وكتقليد السيف والمصحف ونحوها ولو مخيطات لذلك.

وإن لم يجد إزارًا ولبس سراويل لزمته الفدية على المذهب، والمختار عدم اللزوم إن لم يجد غيره ولم يكن الاتزار به، إذ قد وردت به الرخصة. ولم يذكر الفدية وهو في مقام البيان.

حكم اللابس عامداً أو ناسياً:
من لبس عامدًا لزمته الفدية. قال المؤيد بالله: لا خلاف في ذلك. ومن لبس ناسيًا أخرجه بلا تغطية لرأسه ولو أدّى إلى شقه ما لم يجحف به، ولزمته الفدية على المذهب وقول أبي العباس وأحمد وأبي حنيفة. وعند أبي جعفر الباقر والهادي إلى الحق والناصر والمنصور بالله ومحمد بن منصور والشافعي: لا شيء على الناسي وهو المختار. قال في شرح التجريد: (( فأما الناسي فلم نوجب عليه شيئًا، وهو قول الشافعي خلافًا لأبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما لبس الثوب ناسيًا شقه وخرج منه، ولم يُروَ أنّه فدّى. وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعرابيًا محرمًا عليه جبة فأمره بنزعها ولم يأمره بالفدية.)). انتهى. وأما على ما قرروه للمذهب، فإن أخرجه وغطى رأسه فلا تلزم إلا فدية اللبس إذا كان في مجلس واحد.

الثاني:
تغطية رأس الرجل ،والأذنان منه، خلاف محمد بن منصور، وتغطية وجه المرأة. وقد أشار إلى ذلك النهي عن العمامة والبرنس. وفي شرح الأحكام بسند صحيح إلى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام: (( إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها.)). وفيه عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها )). قلت: والقصر هنا إما ادعائي للمبالغة وهو من الحقيقي، وإما إضافي بحسب اعتقاد المخاطب. فإن اعتقد أن الإحرام في غير الرأس والوجه، فقلب، أو تردد فتعيين، أو فيهما وفي غيرهما فإفراد. وقد وهم هنا الشارح في الروض وهمًا واضحًا، وقد علّقت عليه هناك. وبه ((لا تتنقب المرأة الحرام )). وفي شرح التجريد، وروى أبو داود وابن أبي شيبة بأسانديهما إلى ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب، وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوان الثياب معصفرًا أو خزًا أو سراويل أو قميصًا. انتهى. وأخرج أحمد والبخاري والنسائي والترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( لا تتنقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين )).

فائدة: النقاب: هو الخمار وفيه نقبان للعينين، والقُفَّاز كَرُمَّان. قال في الجامع: شيء تتخذه المرأة تدخل فيه يديها إلى الرسغين، وله موضع الأصابع؛ انتهى.

قلت: وهذا يدل على تحريم ما ذكره على المحرمة. وروى في البحر عن علي وعمر وعائشة وعن العترة برواية الإمام يحيى وعن الشافعي: أنه يحرم على المرأة النقاب والقفازان لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عنه. وعند أهل المذهب وبعض الصحابة وأبي حنيفة وغيرهم أنه يجوز لها لبس القفازين، والأول هو الأَوْلى، فتحرم تغطية رأس الرجل، ووجه المرأة أو جزء منهما يتبين أثره في التخاطب بأي مباشر استقر قدر تسبيحة أو لم يستقر بلباس أو بغير لباس. ويدل على التعميم شق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قميصه لئلا يصيب رأسه. وفي الجامع الكافي، روى محمد بإسناده عن ابن عباس قال: (( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخل المحرم بين الكعبة وبين أستارها.)). أما غير المباشر كالخيمة والظلة والسقف ونحو ذلك مما لا يباشر فلا بأس به. وقد روي أن المرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تسدل الجلباب من الرأس على وجهها إذا حاذاها الركبان، فينبغي مثل ذلك. أما عند خشية الفتنة فيجب الستر وإن لم يمكن إلا بالمباشر، وتلزم الفدية كالمريض. وحكم الخنثى حكم المرأة، ولا تلزمه الفدية إلا لتغطية الرأس والوجه أو بعضهما.

فائدة: ما يستثنى من التغطية: يستثنى تغطية الرأس والوجه عند الغسل بدون انغماس، فإن انغمس لزمت الفدية ولو لم يستقر. وعند التغشي والحك، بشرط عدم استقرار التغطية في ذلك كله قدر تسبيحة. ويعفى أيضًا عند النوم والاضطجاع عما يتغطى بالأرض أو وضع اليد أو الوسادة تحته. وكذا إذا ألصق رأسه عند النوم بالحائط أو نحوه. قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: أو وقعت التغطية حال نومه، فإذا انتبه رفعه. والمذهب تلزم الفدية والخلاف فيه كالخلاف في الناسي وقد سبق. وما لا فعل له فيه كما تلقيه الريح أو غيرها وأزاله فورًا فلا فدية فيه. ويعفى للمرأة من تغطية الوجه ما لا يتم تغطية الرأس إلا به.

الثالث:
التماس الطيب، فيحرم تعمّد شمه ولا فدية، وإنما تجب الفدية حيث لمس الطيب بحيث يعلق ريحه، ولو ذهبت حاسة الشم لم تسقط الفدية.

فرع: ومن لطخه غيره بطيب ألقاه عن نفسه فورًا، والفدية على من لطخه، فإن فرط في حفظ نفسه لزمتهما وتعددت، وإن ألقته الريح وأزاله فورًا فلا شيء عليه. وإن تراخى وقتًا تمكن إزالته فيه، لزمته ويحرم مسه إذا كان ينفصل ريحه وإلا جاز. ويجوز له بيع الطيب وحمله في قواريره ونحوها.

تخصيص الحجر الأسود:
يخص من ذلك الحجر الأسود فإنه يقبله ولو كان فيه طيب، ويزيل ما انفصل إليه فورًا. وفي البحر: وله التماس الركن مطيبًا والدنو من الكعبة حال تجميرها.

مسألة: الرياحين على ثلاثة أضرب:

الأول: تتعلق بفعله الفدية والإثم، وهو الذي إذا يبس كان طيبًا كالورد والوالة والبنفسج والكاذي والصندل.
الثاني: محرم شمه ولا فدية فيه، وهو الريحان الأبيض والأسود.
الثالث: لا إثم فيه ولا فدية، وهو الشذاب والخزامى وهو النرجس والبردقوش والبعيثران وهو الغبيراء ونحو ذلك.
ولا يأكل طعامًا مزعفرًا إلا ما ذهب ريحه. ولا يلبس ثوبًا مبخرًا بالعود ونحوه لا بالمائعة واللبان والجاوي ونحوها. وفي الإبانة والانتصار: (( ويجوز شم الطيب ما لم يستعمله.)). وفي البحر: (( والمسك يحرم التماسه إجماعًا إذ نص على الورس والزعفران وهذه أبلغ.)).

الدليل على تحريم الطيب للمحرم:

قلت: وبالسند الصحيح إلى الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام: (( لا يدهن المحرم ولا يتطيب.)). وفي شرح التجريد: (( أما الطيب فلا خلاف أن المُحرم ممنوع منه، وإنما الخلاف في التطيب للإحرام...))، وفيه: (( فأما الفاكهة فإنها لا تجري مجرى الطيب.)) انتهى. فالفواكه المأكولة كالسفرجل والأترج والليم والتفاح يجوز شمها، لأن المقصود بها الأكل ويلزم شمها. وفي البخاري أن يعلى قال لعمر: أرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين يوحى إليه. قال: فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعة فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى، فجاء وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوب قد أُظِلّ به فأدخل رأسه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمر الوجه وهو يغطّ ثم سُرِّيَ عنه. فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل، فقال: (( اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك )). وأخرجه المؤيد بالله عليه السلام مختصرًا بلفظ: وعليه جبة وهو مصفر اللحية والرأس، وفيه: انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة. وقال: وفي بعض الأخبار: اغسل عنك أثر الخلوق والصفرة... إلى آخره.

الكلام على الطيب عند الإحرام:

وأما ما رواه الستة عن عائشة قالت: (( طيبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.)). وفي شرح التجريد أنها قالت: (( كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو محرم.)). فقد أجيب عنه بأجوبة أحسنها ما قاله المؤيد بالله عليه السلام: (( ويجوز أن تكون طيبته قبل إحرامه، ثم لما أراد الإحرام غسله عن نفسه.)). فقد روي أيضًا أنها قالت: ((طيبته قبل أن يحرم.)).

قلت: وفي رواية النسائي: (( حين أراد أن يحرم.)). وفي الجامع الكافي، قال القاسم عليه السلام في الطيب قبل الإحرام: روي عن عائشة أنها قالت: تطيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند إحرامه حتى رأيت وبيص الطيب في مفرقة بعد ثلاث. وروى داود عن القاسم أنه سئل عن ذلك فقال: ما أكثر ما جاء في تسهيل الطيب عند الإحرام، وإنا لنكرهه لما يجد غيره من المحرمين معه. انتهى.

قلت: يعني وليس كذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإن الذين معه لم يحرموا إلا بعده.

وفي الجامع عن الحسين بن زيد قال: (( رأيت عمر وحسينًا ابني علي وجعفر بن محمد عليهم السلام إذا أرادوا أن يحرموا اغتسلوا في منازلهم، ثم يتطيبون بأطيب طيبهم، ثم يلبسون ثياب إحرامهم، ثم يخرجون إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون آخر ما يخرجون به.)).

قلت: ويحتمل أنهم اغتسلوا بعد ذلك للإحرام، ولا يخفى أن الترك أحوط، وأن القول أقوى وهو صريح في المنع، وحكاية الفعل محتملة. هذا فيما كان فعله قبل الإحرام، أما بعده فهو مجمع على تحريمه، والله الموفق.

الرابع:
أكل صيد البر:
وأقله ما يفطر الصايم، ولو كان مُحَرَّمًا لغير الإحرام كالميتة منه، وما لا يؤكل لحمه كالفهد، ويدخل الجراد والشظاء والنحل على الصحيح. والمعتبر ما كان جزءً منه كالجلد والصوف، أو يؤول إليه كبيضِه، لا اللبن والسمن والعسل والحرير بعد انفصاله فليس بصيد، ومذهب العترة وهو المرويُّ عن علي عليه السلام وابن عباس وابن عمر وغيرهم تحريمه مطلقًا، سواء صاده المحرم أو غيره، صِيْد له أو لم يُصَد له، بإذنه أم بغير إذنه، لقوله تعالى: ﴿ وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا ﴾ والمراد المصيد لا الاصطياد لأنه قد أغنى عنه قوله تعالى: ﴿ لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ﴾، ولخبر الصعب بن جَثَّامة المتفق عليه، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم رد صيده وقال: (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم. ))، فعلّله بالإحرام. وفي الجامع: وإنما كان الصعب صاده لنفسه، ولأن عليًا عليه السلام امتنع من الأكل منه بعد أن قال عثمان: (( ما كرهت من هذا، فوالله ما أشرنا، ولا أمرنا، ولا صدنا. فقال عليه السلام: ﴿ أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرمًا ﴾.))، أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد بسند صحيح إلى عبدالله بن الحارث عن أبيه، وأخرج نحوه أحمد وأبو يعلى والبزار.

وقد احتج من أجازه إذا لم يصده المُحرم ولم يُصَد له بما لا يقاوم هذا، وعلى كل حال فتركه أحوط.

فصل في تفسير الفدية
وهذه الأشياء من قوله: (( الأول لبس الرجل...)) إلخ، فيها الفدية. وهي:

إما صيام ثلاثة أيام متوالية أو متفرقة.
أو إطعام ستة مساكين، كل واحد نصف صاع من أي جنس من الحبوب. والمراد بالإطعام: التمليك أينما ورد في الحج، وتجزي القيمة، وفي واحد ما لم تبلغ النصاب على المذهب.
وإما شاة بسن الأضحية، أو عُشر بدنة، أو سُبع بقرة.
فهذه هي الفدية أينما ذكرت، وهذا هو تفسير قوله تعالى: ﴿ من صيام أو صدقة أو نسك ﴾، والتخيير للمعذور وغيره. وروى الإمام يحيى عن الهادي إلى الحق، وهو قول الناصر للحق وأبي حنيفة وأصحابه: إنه خاص بالمعذور، وأما المتمرد فالدم. قلت: والنص وارد في المعذور، لكن غيره يحتاج إلى دليل.

فائدة: الفدية: اسم ما لزم بمحظور غير الوطء وقتل الصيد. والكفارة: ما لزم بالوطء ومقدماته، وبترك نسك، وبفوات ما أحرم له. والجزاء: ما لزم بقتل الصيد. والصدقة: لما دونهما. والقيمة: ما وجب بقتل صيد الحرم وأكل لحمه، وأخذ شيء من شجره، وتلزم الحلال والمحرم والعامد وغيره، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.

الخامس:
الخضاب بالحناء لا بغيره لأنه طيب وزينة. فتلزم الفدية في كل أصابع اليدين والرجلين إن كان في مجلس واحد، لا في مجالس فأربع فدى. وكذا في خضب خمس منها، ولو متفرقة في اليدين والرجلين.

فائدة: لا شيء في خضاب اللحية والرأْس وسائر البدن؛ أفاده الإمام عز الدين بن الحسن عليهما السلام وهو المذهب، وكذا لا شيء في الإصبع الزايدة.

السادس:
تقصير الأظفار، والمعتبر فيه المعتاد. وحكمه حكم الخضاب، ففي الجميع فدية، وكذا في خمس منها، وكذا تلزم الفدية في خضب أو قص نصف عشرة أو ربع عشرين على المذهب، وما أضيف منه بطل باقيه.

السابع:
مما تجب فيه الفدية إزالة سن أو شعر أو بشر منه، أو من محرم غيره ولو بعد فساد إحرامه، يتبين أثره في التخاطب مع القرب المعتاد بغير عناية، وفيما لا يرى إلا بتأمل صدقة نصف صاع، وفيما لا أثر له ما تيسر ولو تمرة سواء كان لعذر أم لا.

فرع: قلع الأسنان: فلو قلع جميع الأسنان في مجلس واحد ولم يتخلل الإخراج لم تلزم إلا فدية واحدة.

فائدة: لو سقط فأزال شعرًا أو بشرًا أو نحوه فلا شيء إن لم يتعمد وسار السير المعتاد. وبهذا يستفاد أن جميع بدنه في حكم الأمانة كالوديعة.

فرع: وتدخل فدية شعر الجلدة إن قطعت في فديتها كمن جرح ثم قتل متصلاً.

مسألة: ويجب فيما دون ذلك من السن والشعر والبشر وعن خضب كل إصبع أو تقصيرها صدقة، وهي نصف صاع، وفيما دون الإصبع حصته. ويعتبر في الإصبع بالمساحة، ففي نصفها نصف صدقة وهكذا. وفي الشعرة الواحدة ملء الكف أو تمرة أو رغيف، ويجزي الدم ولو كانت قيمته أقل من الصدقة، هذا كله على المقرر للمذهب.

فائدة: لو جنى المحرم جنايات توجب القصاص لم تجب الفدية لئلا يجتمع غرمان.

مسألة: ولا تتضاعف الفدية بتضعيف الجنس الواحد من هذه المحظورات في المجلس. فالمخيط جنس واحد، وهو أربعة أنواع: للرأس كالقلنسوة والعمامة والبرنس، ولليدين كالقفازين، وللرجلين كالخف والجورب، وللبدن كالقميص والجبة والقبا والدرع والفرو، فإن لبس ذلك كله في مجلس ففيه فدية واحدة، ولو طال المجلس أو استمر في لبسه في مجالس ما لم يتخلل إخراج الفدية جميعها، أو الصدقة، أو نزع اللباس. فمتى فعل جنسًا واحدًا وكرره في مجلس واحد لم تلزمه إلا فدية واحدة، فإن تخلل نزع اللباس مثلاً نحو أن يلبس المخيط ثم ينزعه ثم يلبسه لزمت فديتان، ونحو أن يتضمخ بالطيب ثم يغسله حتى يزول ريحه بالكلية ثم يتضمخ لزمت فديتان. وكذلك الخضب بأن يزول جِرْمه لا لونه وغيره. وكذا لو تخلل إخراج الفدية تكررت، خلاف أبي حنيفة وعنده لا تجب الفدية إلا بلبس يوم كامل أو ليلة، فإن تضاعف اللباس من نوع واحد كمغفر وعمامة فوق قلنسوة، أو قبا فوق جبة فوق قميص في مجلس واحد ففدية واحدة، وفي مجالس إِن غطَّى الثاني غير ما غطَّى الأول تعددت وإلا فلا.

تنبيه: تغطيةُ الرأسِ ولبسُ المخيط جنسٌ واحد. والتماس الطيب على أي صفة جنسٌ. وخضب الأصابع جنسٌ، وتقصيرها جنس. وإزالة الشعر والبشر كلاهما جنس إن أزيلا بفعل واحد، وجنسان إن كانا بفعلين وتكرر الفدية. وأكل الصيد أَيِّ صيد كان جنس واحد، والجسم كالعضو الواحد.

مسألة: ومتى تخلل نزع اللباس ولا عذر، أو معه ولم ينوِ المداومة، تكررت إجماعًا. والمذهب أنها تكرر ولو نواها، وعند الإمام المنصور بالله وابن أبي الفوارس لا تتكرر معهما. قلت: وكلام الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام يفيد أن المعذور لا تتكرر عليه الفدية، وهو الراجح لما في ذلك من الحرج والمشقة ﴿ يريد الله بكم اليسر ﴾، ولعدم الدليل على التكرار.

فرع: ولا شيء في الحجامة وعصر الدماميل وإزالة الشوك ولو خرج دم، إلا أن يزيل بذلك شعرًا أو بشرًا له أثر. فأما لو قلع الضرس المؤذي جاز ووجبت الفدية، خلاف أبي حنيفة، وتكون الفدية على المحرم لا على الفاعل، إلا أن يقلعه بغير اختياره. قلت: وروى الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: (( لا ينزع المحرم ضرسه ولا ظفره إلا أن يؤذياه.)). وبهذا السند قال: (( يحتجم المحرم إن شاء.)). وقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو محرم برواية أئمة العترة وعلماء الأمة. والظاهر من هذا عدم لزوم الفدية إن لم يزل إلا ما لا بد منه، إلا أن في الأمالي قال محمد: (( سألت عبد الله بن موسى عن المحرم يحتجم فقال: يحتجم ويكفر.)). وذكر غير عبد الله من أهل البيت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وفدى، فالأَولى إخراجها.

والأصلُ في لزوم الفدية في هذا الباب كله النص في شعر الرأس وهو قوله تعالى:﴿ فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ﴾، وقيس عليه غيره. وبهذا تم الكلام على السبعة الأشياء من النوع الثالث.

النوع الرابع من محظورات الإحرام قسمان:

القسم الأول: يستوي فيه العمد والخطأ في اللزوم، وهو قتل القَمْل - بسكون الميم لا بتشديدها فيجوز - وسواء كان منه أو من محرم غيره، ولو من ميّت محرم لا من حلال فيجوز، وسواء قتله في موضعه أو غير موضعه، أو طرحه فيموت، وكذا بيضه، وهو السخب، فلو سقط بغير اختياره لم يجب رده، ويجوز تحويله من موضع إلى موضع مثله أو أعلى منه، ولا يجوز نقله إلى غيره ولو رضي، وله إلقاء الثوب، ويتصدق بقدر ما غلب في ظنه، وإذا دفن الميت المحرم وفيه قمل لزمت من ماله.
فائدة: الواجب في القملة الواحدة أو النحلة أو النملة كالشعرة إذا أزيلت، صدقة ملء الكف أو تمرة.

مسألة: من لزمه عشرة دماء أجزته عنها بدنة، وعن السبعة بقرة، إلا ما وجب من الدماء عن الجزاء فلا يجزى إلا ذلك لقوله تعالى: ﴿ فجزاء مثل ما قتل من النعم ﴾.

القسم الثاني: وهو الذي يفترق فيه العمد والخطأ، قتل كل متوحش، سواءً كان صيدًا أو غيره، وإن تأهل مأمون الضرر. أما لو خشي ضرره ولو في المآل، وذلك بأن يعدو أو عادته العدو كالأسد والنمر جاز قتله. أما النملة والنحلة فلا يجوز قتلهما إلا مدافعة. وسواء قتله قاصدًا بمباشرة بأن يضربه، أو يتسبب قاصدًا بما لولاه لما انقتل، نحو أن يمسكه حتى مات أو قتله الغير، أو يحفر له بئرًا، أو يمد له شبكة ولو قبل إحرامه، أو وقع فيها الصيد بعد إحلاله حيث فعله للصيد، أو بدلالة أو إغراء أو إشارة أو دفع سلاح للغير لقصد القتل؛ إلا المستثنى، وهو الحية والعقرب، والفأرة والغراب والحدأة، والكلب العقور والسبع العادي، فهذه ورد النص النبوي بجواز قتلها للمحرم. وزاد بعضهم الذئب والنمر. وقد أُلحق بها كلما شاركها في المعنى الذي هو الأذى والإضرار، ومنها الوزغ والقراد والحلم.
والسباع كلها وحشية إلا الهر والكلب، وإلا البحري ما لم يكن في نهر في الحرم. والجراد بري فيضمن بالقيمة ولا جزاء فيه إجماعًا، وإلاّ الأهلي وإن توحش أي في لزوم الجزاء، وإلا فكل الحيوانات حرام إلا ما دل عليه الدليل.

فائدة: فلو صال الصيد على المحرم فقتله دفاعًا فلا جزاء عليه، خلاف أبي حنيفة.

وجميع الطيور وحشية إلا الدجاج، فإن التبس فلا شيء من الجزاء، لكنه يأثم فيحرم.


فصل في الجزاء

وفيه مع العمد الجزاء، والعمد هو أن يقصد الصيد، والخطأ هو أن يقصد غيره فيصيبه، فلو رمى صيدًا ظانًا أنه مما يباح لزمه الجزاء ولو ناسيًا لإحرامه. قال في الكافي: وهو إجماع إلا عن الناصر.

الجزاء:

والجزاء هو أن ينحر مثله من النعم، وهي الإبل والبقر والشاء، أو يفعل عدل ذلك المماثل من إطعام أو صيام كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

والمماثلة هي في شيء واحد في الخلقة أو الفعل، كالتماثل بين الشاة والحمامة في العب، هكذا ذكروه ورووه عن بعض السلف، وهو في أمالي أحمد بن عيسى عن القاسم بن إبراهيم عن علي عليهم السلام. وروى ابن أبي شيبة بسنده إلى ابن عباس وعمر وعثمان: في الحمامة شاة، ومتى صح الحكم منهم بذلك فلا وجه للاستبعاد الذي ذكره المقبلي في المنار والأمير في المنحة وغيرهما، إذ النص القرآني قد أوجب ما حكم به ذوا عدل، وهم أعرف بالمماثلة، إذ هم أعلم باللغة والشرع، وكفى بباب مدينة العلم وترجمان القرآن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: (( بل المماثلة القيمة، إن شاء اشترى بها هديًا، وإن شاء أَطعم المساكين، كل مسكين نصف صاع، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يومًا...))، وهو خلاف معنى المماثلة لغة وما ورد عن السلف.

ويعتبر في الجزاءات المماثلة في الذكورة والأنوثة والصحة والعيب. وإن اخرج الصحيح عن المعيب فهو أفضل لا العكس، وفي الحامل مثلها. ويعتبر في ولد الصيد ولد مثله من الجزاء، وإن عدل إلى الإطعام أو الصيام قدر قيمته من قيمة أمه، النصف أو الربع أو نحو ذلك، وأطعم بقدره، أو يصام عن كل نصف صاع يومًا، وإن بقي أقل منه أخرجه أو صام عنه يومًا، فإن كان له مثلان خير الجاني.

ويرجع فيما لا مثل له إلى ما حكم به السلف، ويكفي خبر عدل أنهم حكموا، ويستمر الحكم. وقال مالك: (( يعاد.)). وقد صح عن علي عليه السلام: (( في النعامة بدنة، وفي البقرة الوحشية بدنة، وفي الظبي شاة، وفي الضبع شاة، وإن عدى فلا شيء، وفي الجرادة قبضة من طعام.)). وعن عمر: (( في الضب جدي.)). وعن ابن عباس: (( في القمري والدبسي واليعقوب والحجل الأخضر - أي الدرة - شاة.)). وقال كثير من العلماء: إن في بقر الوحش وحماره بقرة. وفي الوعل بقرة. وفي الثعلب مثله، والمذهب لا شيء لأنه ضار. ولا شيء في القرد، وقيل: شاة. وفي الرخمة شاة. ومثل اليربوع والأرنب عناق، وهي التي لها دون سنة. والكلام في هذا مستوفى في البسائط.

وإلا يكن قد حكم السلف، وهو يوجد له مثل، فعدلان يرجع المحرم إلى حكمهما. وفي ما لا مثل له إلى تقويمهما. ويصح أن يكون أحد العدلين بعد التوبة، وإن لم يوجدا حكم على نفسه إن كان يفقه الحكم، وإلا أخرج المتيقَن.

ويجزي الصوم عن القيمة، ويعتبر بقيمته في موضع الجناية إن مات بالمباشرة وبالسراية بالأكثر من قيمته في محل الجناية أو موضع موته، ويعتبر فيما لا يؤكل بقيمته لو كان يؤكل، وإن اختلف المقومون فبالأكثر إن كمل العدد في كل تقويم، وإلا فبالأقل من تقويم الاثنين.

وفي بيضة النعام وساير الطيور الكبار كالرخ صوم يوم أو إطعام مسكين على المذهب لروايات وردت بذلك. وقد صح هذا، وصح أيضًا ما ورد عن علي عليه السلام من التلقيح على النوق بعدد البيض، وإهداء النتاج، فيكون مخيرًا. وفي الجامع الكافي وغيره أن عليًا عليه السلام سُئِلَ عن بيض النعام وأجاب بما سبق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( قد سمعتم ما قال علي، ولكن هلم إلى الرخصة. عليك في كل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين، وفي العصفور ونحوه كالصعوة والقنبرة وأشباهها القيمة. ))، وقدّرها الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام بمدين، فإن لم يكن له قيمة أخرج على حسب ما يراه، وأقله كف من طعام. وفي إفزاعه عمدًا وإيلامه مقتضى الحال عند العترة، والشافعي بقدر ما رأى من إفزاعه، أقله كف أو لقمة أو تمرة، وأكثره نصف صاع، وعند أبي حنيفة ومالك: لا شيء في ذلك، وقدر الهادي عليه السلام في إفزاعه بحمله من بلد إلى بلد مدين.

وإن أراد العدول إلى الإطعام أو الصيام فعدل البدنة إطعام مائة، لكل مسكين نصف صاع من أي قوت، ويجزي الصرف في واحد ما لم يصر غنيًا، وتجزي القيمة ابتداء، أو صيام مائة يوم متتابعة، ولا يجزي الجمع بين الصيام والإطعام، وعدل البقرة سبعون إطعامًا أو صيامًا، وعدل الشاة عشرة، رجوعًا إلى ما ثبت من أن صيام عشرة أيام تقوم مقام الشاة في التمتع، والبقرة تقوم مقام سبع شياه، والبدنة مقام عشر، وأنَّ إطعام مسكين يقوم مقام صيام يوم في كفارتي الظهار وصوم رمضان، هذا قول العترة وأبي حنيفة. وعند الشافعي عدله قيمة مثله يشتري بها طعامًا يفرقه، فإن أراد الصوم ففي كل مد يوم، وعند مالك قيمة الصيد.

وهذه مسائل من البحر بالمعنى وأكثر اللفظ:

علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن عوف والعترة وغيرهم، ومن أعان بإشارة أو آلة لزمه الجزاء. الشافعي ومالك: ليس بقاتل. قلنا: ألحق السلف حكمه به. أبو طالب: إن لم يمكن قتله إلا بفعل المعين، فعلى كل واحد جزاء إذ هو كالمباشر، وإلا فعلى المباشر إذ لا تأثير للإعانة. قلنا: لم يفصل الدليل. عطاء ومجاهد وأحمد وحماد: على المحرمين جزاء واحد كما لو قتلا نفسًا، ثم على المحرم إذ هو الموجب. لنا: ما سيأتي.

مسألة: وعند العترة وأبي حنيفة ومالك: يتعدد الجزاء على المشتركين لعموم ﴿ ومن قتله ﴾. وفي شرح الأحكام بسنده إلى علي عليه السلام أنه كان يقول في النفر يصيبون الصيد وهم محرمون: (( فعلى كل واحد جزاؤه كاملاً.))، وعند عطاء والشافعي جزاء واحد.

مسألة: العائد كالمبتدىء في وجوب الجزاء عند الأكثر، خلاف الإمامية وداود. وقالوا: قال الله تعالى: ﴿ ومن عاد فينتقم الله منه ﴾، ولم يذكر الجزاء. قلنا: اكتفى بذكره أولاً كقوله تعالى: ﴿ ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم… ﴾ الآية، ولم يذكر قودًا ولا دية.

فائدة: المملوك من الصيد وغيره، والمأكول وغيره سواء في لزوم الجزاء.

تنبيه: اجتماع الجزاء والفدية والقيمة: قد يجتمع الجزاء والفدية والقيمة في شيء واحد؛ فالجزاء لقتل الصيد، والفدية لأكل لحمه، والقيمة إن كان من الحرم. وتجب الفدية على المحرم فيما أكل من الصيد، سواء ذبحه هو أو غيره. وما قتله المحرم في الحرم وليس له مثل وجب قيمتان للجزاء وللحرم. ولا صوم في القيمة التي لزمت للحرم، فإن كان قارنًا وقتل صيدًا في الحرم وأكل منه قبل سعي العمرة لزمه جزاءان وفديتان وقيمة.

فرع: وإن غمر الجراد الطريق ولم يمكن المحرم السير إلا عليه، فإنه يضمن قيمة ما قتل، ويعمل بظنه في القدر.

مسألة: ويخرج الصيد وفوائده عن ملك المحرم حتى يحل، فلو أخذه غير المحرم قبل أن يحل مالكه جاز، فإن حل مالكه قبل أن يتلفه حسًا لا حكمًا، رجع إلى ملكه لأن له فيه حقًا. وعند أبي حنيفة والشافعي: (( لا يخرج عن ملكه إن كان في منزله.)). وعند الشيخ محيي الدين النجراني أنه لا يجوز أخذه مع أنه يوافق في زوال ملكه عنه. هذا ولا يجوز للمحرم إمساكه بعد الإحرام، فإن تلف بعد التمكن لزمه الجزاء.

مسألة: فإن أخذ المحرم صيدًا لزمه رده ورد ما حدث معه من بيض وأولاد إلى موضعه، سواء كان في الحرم أم في الحل، إلا الطير فالهواء حِرز له فيرسله، إلاَّ حيث معه بيض فيحمله وبيضه. وإن مات شيء من أولاده لزمه الجزاء ولو كان بعد إحلاله، وأما الحليب فهو حلال للمحرم كما مرّ.

مسألة: العترة والحنفية: وإذا ذبح المحرم صيدًا فميتة، ولذا سماه تعالى قتلاً، خلاف الشافعي في أحد القولين، بخلاف بيض الصيد، فلا يكون نجسًا إذا كسره المحرم، ولا يحرم على الحلال إذ التذكية غير شرط فيه.

مسألة: والمضطر المحرم يقدم الميتة على صيد الحرم، إذ يَحْرُم من وجهين: كونه ميتة ولحم صيد. الإمام يحيى وأبو يوسف: (( تحريم الميتة مؤبد ضروري مجمع عليه وهذا عكسه.)). قال الإمام المهدي: (( التحريم من جهتين أغلظ.))، وإن اضطر حلال خُيِّر عند الهادي وأبي حنيفة، وعند الإمام يحيى وأبي يوسف: بل الصيد.



فصل في ما لزم العبد


وما لزم العبد من جزاء أو كفارة أو فدية أو هدي تمتع أو قِران، فإن كان مأذونًا له بالإحرام ونسي إحرامه أو اضطر فعلى سيده، فيخير إما أهدى عنه، أو أطعم، أو أمره بالصوم. وإن لم يؤذن له، أو ارتكب المحظور غير ناسٍ ولا مضطر ولو جاهلا،ً ففي ذمته ما كان من محظورات الإحرام. وأما محظورات الحرم ففي رقبته يسلمه، وإلا فداه بالغًا ما بلغ. فلو أخرج عنه السيد ما في ذمته لم يجزه، وللسيد منعه من الصوم، ولا يجزيه إلا بإذنه، فلو أذن له أحد السيدين بالإحرام فعلى الآذن بالغًا ما بلغ لأنه جناية.

فائدة: لو أوجب عند الأول بإذنه، وأحرم عند الثاني، فما لزمه لعذر فعلى الأول.


مسألة: ولا شيء على الصغير والمجنون من وقت إحرامه من محظورات الإحرام لأنه غير مكلف وليس بجناية، ويجب على الولي حمايته عن المحظورات تمرينًا.


فصل في تحريم صيد الحرم

ويحرم صيد حرم مكة المشرفة إجماعًا.

قلت: ومستند الإجماع الأخبار الواردة في تحريم مكة، فيدل ذلك على أنها قد تطلق على الحرم كله، فلا يرد ما قاله في ضوء النهار من أنه لا دليل على غير ما شمله اسم مكة، وما قرره الأمير في المنحة.

نعم، وكذا حرم المدينة المطهرة، خلافًا للإمام زيد بن علي والناصر وأبي حنيفة. وعن الشافعي: يكره.

وقد سبق ذكر حدود الحرمين، والمقصود ما وجد فيهما من الصيد ولو لم يكن حالاً، وسواء ما يؤكل وما لا يؤكل إذا كان مأمون الضرر، وغير مستثنى كما مر، ويضمن هنا العمد والخطأ.

مسألة: ويُضمن بالقيمة عند العترة وأبي حنيفة، وعند الشافعي ومالك فيه الجزاء ويرجع إلى تقويم عدلين، فيخير بين أن يهدي بها، أو يطعم، ولا صيام هنا. وعند الشافعي ومالك: أو يصوم.

مسألة: وتصرف قيمة صيد الحرمين وشجرهما في حرم مكة.

مسألة: لا يشترط أن يكون الهدي هنا بسن الأضحية.

مسألة: وعلى المحرم جزاء وقيمة عند الإمام زيد والهادي والناصر وقول للشافعي. وعند أبي حنيفة وقول للشافعي يتداخلان.

مسألة: عند الإمام يحيى والأستاذ أن على الجماعة قيمة واحدة، والمذهب أنها تكرر.

مسألة: والعبرة بموضع الإصابة لا بموضع الموت، فلو رمى صيدًا في الحل فمات في الحرم فلا شيء فيه إلا الجزاء إن كان محرمًا، وفي العكس يلزمه القيمة والجزاء إن كان محرمًا، والفدية أيضًا إن أكل. والصيد في الصورة الأولى حرام إن مات بالسراية لا بالمباشرة فيحل، وفي الصورة الثانية حرام. ومن رمى من الحل إلى الحرم ضمن اعتبارًا بالإصابة. وفي العكس وجهان: يضمن اعتبارًا بالفعل في الحرم، وقوّاه الإمام يحيى عليه السلام؛ ولا يضمن، واختاره للمذهب كمن رمى من الحل إلى الحل مخترقًا للحرم. ولو أخرج شخص الصيد إلى الحل فقتله شخص آخر، تعددت القيمة عليهما.

مسألة: والعبرة فيمن يصيد بالكلاب القتل أو الطرد في الحرم، وإن خرج الكلب والصيد من الحرم وقتله في الحل، أو استرسلا من خارجه حتى أدخله الحرم لزمت القيمة، ولو ظفر به في الحل بعد أن أدخله الحرم. فلو لم يقع منه إرسال الكلب ولا زجر ضمن إن كان عقورًا، أو فرط في الحفظ حيث يجب.

مسألة: ويحرم قطع الشجر من الحرمين بخمسة شروط:

الأول: أن يكون أخضر، لا اليابس على وجه لا يعود أخضر. وأما الحشيش الذي يكون بين الزرع، وما يزال من العنب، وما يمنع الزرع، وما يمنع الطريق، فيجوز قطعه، واستدل بالإجماع على قطع اليابس.
الثاني: أن يكون غير مؤذٍ. أما المؤذي كالعوسج فيجوز قياسًا على الفواسق ولو في غير الطريق. وما كان في الطريق جاز وإن لم يكن فيه شوك.
الثالث: أن لا يكون مستثنى كالإذخر، بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة، نبت طيب الريح له قضبان دقاق.
الرابع: أن يكون أصله نابتًا فيهما.
الخامس: أن يكون مما نبت بنفسه أو غرس ليبقى سنة فصاعدًا، كالعنب وعروق القضب، فإذا بلغ حد القطع جاز في كل شيء وخرج بذلك الزرع، ولو نبت بنفسه ونحوه كالثوم والبصل والدباء ونحوها. وقال أبو حنيفة: يجوز قطع ما ينبته الناس سواء كان شجرًا أَم زرعًا.
فائدة: قال في الكافي: (( فأما ما تأكله الدابة حال سيرها فلا شيء فيه بالإجماع.))، انتهى. من النجري لأنه يتعذر الاحتراز منه، ذكره في الكافي.

قلت: حكاه في البحر عن الشافعي، وقوّاه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إلا رعي الدواب ))، وهي زيادة في بعض الأخبار ولا يختلى خلاها. وفي الانتصار روي أن ابن عمر رعى حماره في الحرم، فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكر عليه ولا نهاه. أفاده في التخريج. قلت: إن صح هذا الخبر أو الزيادة السابقة، فلا كلام في جوازه، وكذا إن ثبت الإجماع، وإلا فالأصل التحريم مع العمد والضمان مطلقًا، وهو المذهب.

وما قلعه السيل ويبس جاز.

مسألة: ولو قلع شجرة من الحل وغرسها في الحرم حرمت، خلاف الشافعي. ولو غُرست شجرة الحرم في الحل فحرمته باقية، خلاف الشافعي، هذا إن لم تفسد، فإن فسدت فلا حرمة لها. فلو أخرج السيل الأشجار إلى خارج الحرم، جاز قطعها كالصيد إذا خرج بنفسه، بخلاف ما لو أخرجها الغير لتعديه.

فائدة: إذا كان الشجر مملوكًا، فاللازم للآدمي الأرش، وللحرم جميع القيمة، لأن بقطعه لها أخرجها إلى الإباحة فأشبه إتلافها.

مسألة: ويجب الرد والإصلاح والحفظ إن أمكن، وإلا غرسها حيث هو والحرمة باقية. وأما الطير فلا يجب إيصاله الحرم كما سبق، وتسقط قيمة الشجرة بالإصلاح. وأما إذا زال ريش الصيد ومانه حتى صلح ريشه وأرسله، فلا يسقط الأرش.

مسألة: ضمان القيمة في شجر الحرم هو المذهب، وهو قول الأكثر. وعند الإمام زيد بن علي والناصر وأبي طالب ومالك أنه لا يضمن وإن كان محرمًا، وهو قوي.

فائدة: الفرق بين الحرمين أنه يحرم بيع حرم مكة عند من حرمه وهو المذهب، لا حرم المدينة المطهرة. وبهذا تم الكلام على النسك الأول.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

النسك الثاني: طواف القدوم

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك الثاني: طواف القدوم


طواف القدوم هو واجب عند العترة ومالك وبعض أصحاب الشافعي وغيرهم لقوله تعالى: ﴿ وليطّوّفوا… ﴾ الآية، ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (( خذوا عني مناسككم ))، كذا في البحر.

قلت: ولا يتم الاستدلال به. أما الآية فهي في طواف الزيارة، وأما فعله صلى الله عليه وآله وسلم فالصحيح أنه كان قارنًا. والأولى الاحتجاج برواية جابر، وفيه: (( وأهللت معه بالحج خالصًا حتى قدمنا مكة، فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة.)) أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد، وقال: (( ولا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في وجوبه.))، انتهى. وقال علي عليه السلام: (( أول مناسك الحج أول ما يدخل، يأتي الكعبة... )) إلى قوله: ((ويطوف.))، وإجماع العترة. وسنة عند أبي حنيفة وعند الشافعي كتحية المسجد، فإذا أخّره لم يلزم شيء عنده.

فائدة: لا يصح طواف القدوم إلا بعد الإحرام ولو قد حل، ولا وقت له ولو قبل أشهر الحج أو بعدها.




فصل في فروض الطواف
فروض الطواف عشرة:

الأول: النية للطواف المستقل كالمنذور به. فأما طواف الحج والعمرة فتكفي نيتها كغيره من المناسك كما سبق على المذهب، والأحوط استحضارها عند كل نسك.
الثاني: الطهارة من الحدث، وهي واجبة في كل طواف، وليست شرطًا إلا عند مالك والشافعي، وتكون كطهارة المصلي ولو بالتيمم حيث هو فرضه، لفعله صلى الله عليه وآله وسلم إذ توضأ كما سبق، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( خذوا عني مناسككم ))، والظاهر الوجوب في جميع أعماله الخاصة بالحج، إلا ما خصه الدليل. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الطواف بالبيت صلاة ))، أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد عن ابن أبي شيبة بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه الترمذي عنه بلفظ: (( مثل الصلاة.)). فإن لم يجد ماء ولا ترابًا طاف على الحالة، ويلزمه دم على المذهب. ويلزم عادم الماء التلوم في طواف الزيارة إلى آخر أيام التشريق لأن له وقتًا معلومًا. ومن طاف على غير طهارة أعاد إن لم يلحق بأهله، أي ميل وطنه، ولو من أهل المواقيت، ومن لا وطن له يجب عليه العود مطلقًا، ومن له وطنان فبالأقرب منهما. وقال المنصور بالله عليه السلام: لا يجب الرجوع للإعادة على من خرج من الميقات، فإن لحق بأهله ولم يعد الطواف فشاة ولو قارنًا، عن الطهارة الكبرى أو الصغرى في طواف القدوم والوداع والعمرة. وقيل: لا يلزم عن الصغرى إلا صدقة، أما طواف الزيارة فبدنة عن الكبرى وشاة عن الصغرى. وعند الإمام زيد بن علي والناصر عليهم السلام شاة عنهما.
فائدة: المذهب أنه إن كان قد طاف طواف القدوم أو الوداع متطهرًا فلا ينقلب عن الزيارة فتسقط البدنة إذ قد لزمت بنفس الطواف، ولأنه هنا قد فعل وهناك لم يفعل، أفاده المفتي، ولا بدل لهذا الدم. وعند الشيخ عطية راويًا له عن المذهب أنه يجب عدلهما مرتبًا، فمن لم يجد الشاة صام عشرة أيام، فإن لم يستطع أطعم عشرة مساكين، ومن لم يجد البدنة صام مائة يوم، فإن لم يستطع أطعم مائة مسكين.
فرع: يجب أن يعيد طواف الزيارة من عاد إلى مكة، وإن كان قد أخرج الكفارة، وإن لم، لم يلزمه إلا ما قد لزمه. وأما طواف القدوم والوداع فلا يجب، بل يستحب ولو لم يكن قد كفّر، إلا أن الكفارة لازمة له إن لم يعد، فإن أعاد طواف الزيارة أو غيره من الطوافات قبل أن يكفّر سقطت الكفارة، ويلزم دم لتأخير طواف الزيارة. وقال الفقيه علي: لا يلزم.
فائدة: من طاف الزيارة وهو محدث وعاد قبل اللحوق بأهله لم يلزمه إحرام، بخلاف طواف القدوم والوداع، فيحرم بعمرة على المذهب؛ وإن أعاد بعد اللحوق لزمه الإحرام سواء للزيارة أم لغيره، والمختار أنه لا يلزمه مطلقًا.
فائدة: لو أعاده بعد عوده جنبًا أو محدثًا لم يلزمه شيء على المذهب.
فائدة: من وطىء قبل القضاء وقد طاف جنبًا أو نحوه، فلا شيء عليه لأنه قد حل به وإن قضاه، لأنه إنما تجدد عليه الخطاب، هذا هو المذهب. وقيل: إن الكفارة تلزمه إن أعاد، وإن الحيلة في سقوطها أن لا يعيد، وهو غير صحيح، ولا يجوز له الوطء حتى يلحق.
مسألة: من ترك ثلاثة أشواط لم يلزمه إلا صدقات كما سيأتي. وأما لو طاف ثلاثة أشواط محدثًا لزمه دم، وتتعدد الدماء بتعدد الطوافات، كطواف القدوم وطواف الوداع.
فائدة: لو طاف وهو محدث الحدث الأصغر ثم تذكر فأمنى وهو يطوف، فقيل: يلزمه بدنتان، للإمناء، ولكونه طاف جنبًا، وشاة للأصغر. والمذهب لا يلزمه إلا بدنة لأنه طاف محدثًا حدثًا أكبر في الزيارة، ويدخل الأصغر تحت الأكبر ولا شيء في المقدمات.
فرع: لو مات قبل اللحوق لزمته الوصية بطواف الزيارة، ويلزمه دم التأخير على المذهب.
الثالث: اللباس، لقوله تعالى: ﴿ خذوا زينتكم عند كل مسجد ﴾، ولخبر: (( ولا يطوف بالبيت عريان.))، والتعري كالحدث الأصغر وحده ما تفسد به الصلاة، فمن طاف أي طواف عاريًا لزمته شاة، ولا تتكرر بتكرر كشف العورة.
فرع: فمن طاف عارياً محدثاً لزمه دمان على المذهب، وقيل دم واحد. فلو لم يجد ستًرا هل يكون عذرًا له ؟ قيل: يجزيه، ويلزمه دم كسائر المناسك.
مسألة: ولا تجب طهارة اللباس والمكان والبدن، وادعى في شرح الإبانة الإجماع على أنه من طاف بثوب متنجس فهو كالمحدث.
الرابع: جعل البيت على يساره، وهو شرط عند الأكثر. قال في البحر: (( ولا خلاف إلا عن محمد بن داود الأصفهاني، وأنكروا عليه وهمّوا بقتله.))، انتهى. وخالف إبراهيم بن محمد الحجلم من المطرفيه.
الخامس: الابتداء بالحجر الأسود، وقد ذكروا أنه مندوب على المذهب، والمختار أنه فرض كما هو قول الإمام يحيى والشافعي، لفعله صلى الله عليه وآله وسلم مع قوله: (( خذوا عني مناسككم )). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (( فإذا انتهى إلى الحجر الأسود فذلك شوط، فليطف كذلك سبع مرات.)). ونص عليه الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام بقوله: (( ويكون ابتداؤه من الحجر الأسود.)). وفي شرح التجريد: (( ولا خلاف أن الطواف يبدأ من الحجر الأسود إلى جانب الباب ثم الحجر، وعلى ذلك فعل السلف والخلف.))، انتهى.
السادس: كونه داخل المسجد، كما يفيده قوله تعالى: ﴿ وليطّوفوا بالبيت العتيق ﴾ والباء للإلصاق، وبيّنه بفعله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان يجزي من خارجه لأمر الحائض به، إذ ليس المانع الواضح إلا دخول المسجد، وهو الذي عليه السلف والخلف، قالوا: ولو على سطوحه.
قلت: أما السطوح المرتفعة على البيت كما هي عليه الآن ففيه نظر، إذ لا يصدق عليه إلصاق التطوف به، بل هو تطوف عليه، مع أنها قد صارت خارج المسجد. وفي عجائب الملكوت أن المسجد سبعة أجربة، وطوله ثلاثمائة وستون ذراعًا.
السابع: كونه خارج الحجر بجميع بدنه حتى يده، ويكون طوافه من خارج الشذروان، فلو وضع يده على الشذروان أو على جدار الحجر، لم يصح ذلك الشوط لأنه لم يطف بالبيت؛ انتهى من الأثمار باختصار، وسيأتي التفصيل.
الثامن: كونه سبعة أشواط متوالية، ولو طاف وهو زايل العقل - لأن أعمال الحج لا تفتقر إلى تجديد النية عند كل جزء من أجزائها، بل تكفي نية الحج في الابتداء كسائر العبادات. ويلزمه دم لكونه على غير طهارة إن لحق بأهله ولم ُيعِدْه، وعليه الإعادة قبل اللحوق ما لم يوضّه رفيقه أو ييممه إن كان فرضه. ولا يقال: لا ثمرة للطهارة لأن زوال العقل من النواقض؛ لأنه لا ينتقض بالحدث الدايم كالمستحاضة، أو محمول على آدمي أو غيره، لا على طاير - أو طاف وهو لابس أو راكب غصبًا، لأنه لم يعص بنفس ما به أطاع.
التاسع: الموالاة.
مسألة: ويلزم دم لتفريق أي طواف لزم بالإحرام أو شوط منه. وحدّ التفريق ما يعد متراخيًا، مثال تفريق جميعه: أن يقعد بين كل شوطين، أو في وسط كل شوط، أو يستقيم، أو يدخل الحجر ثم يرجع إلى حيث دخل منه ويتم الشوط، فإن فعل ذلك في كل شوط فقد فرق جميعه، وإن فعله في واحد فقد فرق بين ذلك الشوط. فمهما حصل التفريق أوجب الدم، ولو فرق جميع الطواف لزمه دم واحد ما لم يتخلل الإخراج فتتعدد.
فرع: ومن التفريق دخول الحجر حال الطواف، وله صور: فإن كان في الأول ورجع من حيث دخل فدم للتفريق، وإن استمر ولم يعتد به - أي رفضه - فلا شيء، وإن اعتد به فصدقة للترك، وإن كان في الوسط وعاد فدم للتفريق، وإن استمر ولم يعتد به فدم للتفريق، فإن اعتد به فدم للتفريق وصدقة للترك، وإن كان في الآخر ورجع فدم، وإن استمر واعتد به فصدقة، فإن لم يعتد به فدم للتفريق؛ أفاده في التذكرة، وهو المقرر للمذهب.




فصل في لزوم الدم


وإنما يلزم الدم بثلاثة شروط:

الأول: أن يكون عالمًا عامدًا، فلو كان جاهلاً لعدم جوازه أو ناسيًا فلا شيء.
الثاني: أن يكون غير معذور، فلو فرّق لزحمة منعته الاستمرار، أو للشرب، أو صلاة فريضة جماعة أو فرادى لا النفل، ولو في أول الوقت، أو فرق لأجل الدعاء، أو لينفس على نفسه قدر ما يحتاج إليه، أو احتاج إلى الوضوء، وسواء طال الفصل الذي لعذر أم قصر، فإنه يجوز البناء عليه ولا دم.
الثالث: إن لم يستأنف الطواف من أوله، ولا يحتاج إلى نية للاستئناف، ولا يخير بينه وبين الدم قبل اللحوق، بل الواجب عليه هو الاستئناف ما لم يلحق بأهله، وإذا استأنف الطواف استأنف الركعتين.
تنبيه: لزوم الدم في هذا ونحوه هو المذهب وقول الكثير. وقد أنكر السيد الحسن الجلال في ضوء النهار الإيجاب في مثل هذا، وقرره السيد الأمير في المنحة، قال: (( وهذا الكلام الذي ذكره صحيح، ووجه لسقوط الدماء التي ملؤوا بإيجابها الأوراق صبيح، فإنه ليس في إيجاب الدماء غير هذا الأثر الموقوف على ابن عباس، ولا تقوم به حجة... )) إلى آخره.
قلت: قد سبق الكلام على ذلك، وان أشف ما يستدل به ما روي من عدم الخلاف وفيه ما فيه، والأحوط الإخراج من دون جزم بالوجوب إلا فيما ورد به النص، والله سبحانه ولي التوفيق.
مسألة: وترك شوط أو بعضه أو شوطين إلى ثلاثة ونصف يوجب صدقة، عن كل شوط نصف صاع. وترك بعض الشوط كترك كله في الصدقة لا في الدم لصحة البناء. وفي ترك أكثر من ثلاثة ونصف يوجب الدم كترك الكل، إلا طواف الزيارة فهو محصر بما ترك منه ولو قل. ولا تجزي الصدقة قبل اللحوق بالأهل، وكذا لا يجزي الدم في التفريق قبل ذلك كما مر.
فائدة: لا فرق في النقص بين العلم والجهل.
تنبيه: الفرق بين الترك والتفريق أن الموالاة نسك فيجب لتفريقه دم، والترك للشوط ونحوه ترك لبعض نسك، فلا يلزم إلا إذا ترك أكثر النسك، هكذا ذكروه.
العاشر: ركعتان فرادى وجوبًا بعد كل طواف لزم بإحرام، وندبًا فيما لم يكن عن إحرام. وعند الناصر وأبي جعفر وأحد قولي الشافعي وحصّله المؤيد بالله أنهما سنة. ويجب الجهر فيهما، ولا وقت لهما ولا مكان، ويستحب أن يصليهما خلف مقام ابراهيم صلى الله عليه وآله. فإن تركهما عمدًا أو سهوًا فحيث ذكر ولو في بيته. وعند مالك والثوري: يلزم دم بتركهما في المقام. ويستحب أن يقرأ فيهما مع الفاتحة الإخلاص والكافرون كما في خبر جابر وغيره.
فائدة: ولا دم على من تركهما على المذهب إذ هما غير نسك، فإن تركهما والطواف لم يلزم إلا دم واحد.
فرع: فلو تركهما حتى فرغ من الحج أجزاه أن يصلي ست ركعات، ولا يلزمه التعيين كما مر في أن نية الحج كافية، فهذه فروض الطواف الواجبة فيه.




فصل فيما يستحب من الأعمال والأذكار

متى دخلت مكة المكرمة فادخلها بسكينة ووقار وقل:

اللهم إن هذا الحرم حرمك، والبلد بلدك، والعبد عبدك، جئتك بذنوب كثيرة، وأعمال سيئة، أسألك مسألة المضطر إليك، المشفق من عذابك، أن تستقبلني بعفوك. اللهم إن هذا حرمك وحرم رسولك، فحرّم لحمي ودمي وعظمي على النار. اللهم آمنّي من عذابك يوم تبعث عبادك، ووالدي وما ولدا، وصلى الله وسلم على رسوله محمد الأمين وآله الطاهرين.

ويستحب الغسل كما سبق من فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مكة. ففي الرواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم بات بذي طوى، المعروفة الآن بآبار الزاهر، ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح، ثم اغتسل ونهض إلى مكة، فدخلها من أعلاها من الثنية التي تشرف على الحجون. وكان في العمرة يدخلها من أسفلها، وفي الحج دخلها من أعلاها، وخرج من أسفلها، ثم دخل المسجد الحرام من باب بني عبد مناف المسمى باب بني شيبة، ولم يركع تحية المسجد بل عمد إلى البيت. وسنسوق إن شاء الله تعالى أعماله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج كاملة.

نعم ومتى نظرت إلى الكعبة المشرفة فقل: (( الله أكبر (رافعًا يديك، روي ذلك عنه صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من شرّفه وكرّمه ممن حجّه أو اعتمره تشريفًا وتعظيمًا وتكريًما وبرًا. )). وهذا الدعاء مأثور، أخرجه الشافعي في مسنده وغيره عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وروى فيه رفع اليدين.

هذا وقل عند الدخول إلى المسجد الحرام: (( بسم الله وبالله والحمد لله، والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. اللهم افتح لي أبواب رحمتك. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، حيّنا ربنا بالسلام.)). رُوي هذا عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وقل: (( الحمد لله الذي بلّغني بيته الحرام، اللهم إني أشهدك أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنًا مباركًا فيه وهدى للعالمين. اللهم إني عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، فصلّ وسلم على محمد رسولك الأمين وآله الطاهرين، وأدخلني في رحمتك ووالدي وما ولدا يا أرحم الراحمين.)).

وهذا من مواضع استجابة الدعاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( تفتح أبواب السماء، وتستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة )).
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

فصل في مسنونات الطواف


أول ما يبدأ به:

مسألة: أول ما تبدأ به الطواف، كما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم



الأول: استلام الأركان

كيفية الاستلام: وصفة الاستلام أن تضع يدك اليمنى على الركن، ثم تمسح بها وجهك. فأما الحجر الأسود فتقبله وتسجد عليه كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هذا إن أمكن بدون مشقة. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيه ثلاث كيفيات: الأولى: تقبيله، والثانية: وضع يده عليه ثم تقبيلها، الثالثة: استلامه بالمِحْجَن وتقبيله، وهو - بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم - عصا محنية الرأس. وقد سبق قول أمير المؤمنين: (( يتمسح بالحجر الأسود ويكبّر ويذكر الله ويقول إذا استلم الحجر: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، واتّباعًا لسنة نبيك.)). ثبت هذا عن أمير المؤمنين عليه السلام. وفي الجامع قال محمد: (( وإذا دخلت المسجد الحرام، فامشِ حتى تدنو من الحجر الأسود، فإذا عاينته فارفع يديك حياله وكبّر، فإن أمكنك أن تقبّله وتستلمه فعلت، وإلا فاستلمه بيدك اليمنى وقبّل يدك، وروي ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي عليهم السلام، وإن لم يمكنك ذلك وقفت حياله، وارفع يديك وكبّر الله وهلّله وقل: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وكذلك فافعل بالركن اليماني.)). وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( مسحهما يحطّ الخطايا )). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أن مسح الركن اليماني والحجر الأسود يحطّ الخطايا حطًا، أخرجه أحمد والنسائي عن ابن عمر. وعن بعض الصحابة أنه قال: (( يا رسول الله، كيف نقول إذا استلمنا؟ قال: قولوا: بسم الله، والله أكبر، إيمانًا بالله، وتصديقًا بما جاء به محمد.))، رواه الشافعي في الأم. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه استقبل - يعني الحجر - فاستلمه، ثم وضع شفتيه عليه طويلاً يبكي، ثم قال :(( ها هنا تسكب العبرات ))، أخرجه الشافعي عن ابن عمر في الأم. وأخرج أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قبّل الركن، وسجد عليه ثلاث مرات، أخرج ذلك الطبري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل الركن اليماني، ويضع خده عليه، رواه الدارقطني. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يدع أن يستلم الحجر والركن واليماني في كل طوافه، رواه أحمد وأبو داود. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مضى إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود، فكبّر واستلم، ثم قال: (( اللهم وفاء بعهدك، وتصديقًا بكتابك.))، قال جابر رضي الله عنه: (( وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقول: واتّباعًا لسنة نبيك.))، أخرجه ابن ماجه. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (( يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلّل وكبّر )). وعن ابن عباس رضي الله عنهما: طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر، أخرجه البخاري وبوّب له التكبير عند الركن.

قلت: ولا التفات إلى ما ذكره ابن القيم من أن افتتاح الطواف بالتكبير بدعة. فقد صح أنه سنة، وكيف يكون ذكر الله تعالى بدعة، وهو مشروع على الإطلاق، ولم يرد نهي عنه في حال من الأحوال؟

هذا وأخرج الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري قال: قبّل عمر الحجر الأسود وقال: (( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك.)). فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (( بلى إنه يضر وينفع.))، وذكر أن الله تعالى لما أخذ المواثيق على بني آدم كتب في رق وألقمه الحجر. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( يؤتى بالحجر الأسود يوم القيامة، وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد )) ، وساق الخبر الذي أخرجه الحاكم الطبري بأبسط منه عن الأزرقي، وزاد فيه فقال عمر: (( أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن.))، وأخرجه الشوكاني في نيل الأوطار من رواية الحاكم، قال: وفي إسناده أبو هارون العبدي، وهو ضعيف جدًا.

قلت: لأنه محب لآل محمد عليهم السلام جدًا، فهو من الثقات الأثبات عند أئمة العترة عليهم السلام كما أوضحت ذلك في لوامع الأنوار. قال القاضي الشوكاني: ولكنه يشد عضده خبر ابن عباس؛ انتهى كلامه. قلت: هو شديد العضد، قوي الساعد، وتزيده قوة الشواهد وحديث التقبيل، أخرجه الجماعة.

فإن لم يتمكن من التقبيل كفى المسح باليد وتقبيلها أو نحو ذلك، كما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم استلم الركن بمحجن وقبّله في خبر جابر وغيره. قال الشوكاني في نيل الأوطار: (( وقد استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل المحجن جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره.)). ونقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيل قبره، فلم يرَ به بأسًا.

قلت: رواه عن أحمد بن حنبل في فتح الباري.وقال الإمام زيد بن علي عليهما السلام في المنسك: (( فإذا دخلت المسجد الحرام، فاستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فادعُ الله، وأثنِ عليه بما هو أهله، وصلِّ على النبي وأهل بيته وقل: اللهم تصديقًا بكتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، ثم استلم الحجر الأسود وقبّله إن استطعت على ألا تؤذِي ولا تُؤذَى، وإن استقبلته استقبالاً أجزاك...)) إلى قوله: (( فإن لم تستطع أن تقبّله، فاستلمه بيدك اليمنى ثم قبّلها، ثم قل: اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار. وتخيّر لنفسك من الدعاء ما أحببت، ثم تستلم الركن اليماني والحجر الأسود ما استطعت. فافعل ذلك سبع مرات إن قدرت، وإلا فافتتح بالحجر الأسود واختم به.))، انتهى. وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام مثل قول أخيه الإمام الأعظم عليه السلام بلفظه إلى قوله: وسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ساق معنى كلامه.



الكلام على استلام جميع الأركان:

مسألة: نص الإمام الهادي إلى الحق وغيره من العترة عليهم السلام على استلام جميع الأركان. وقد قال باستلام جميع الأركان من الصحابة السبطان الحسن والحسين، وجابر بن عبدالله، وأنس وابن الزبير، ومن التابعين أبو الشعثا وعروة، ورواه عنهم النووي في شرح مسلم، وروى ذلك ابن المنذر وغيره عن الحسنين وجابر وسويد بن غفلة، ورواه البخاري عن ابن الزبير. والعجب من العلامة الأمير حيث قال في سبل السلام: (( واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الطائف الركنين الآخرين.))، قال القاضي: (( وكان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا على أنهما لا يستلمان.))، انتهى.

فكيف ينقل رواية الإجماع هذه الباطلة ولا يبين بطلانها، وخلاف أهل بيته معلوم مملوء به مؤلفاتهم؟ وأعجب منه قوله في منسكه: (( فاستلام غيرهما بدعة منكرة.)). فجعل الحسنين ومن معهما من الصحابة وأعلام أئمة العترة مبتدعين، إنا لله وإنا إليه راجعون. وأعجب منه دعوى المقبلي في المنار أن الشيعة تابعت معاوية في ذلك، وهو بهتان نعوذ بالله من الخذلان. وفي شرح التجريد بسنده إلى جابر رضي الله عنه قال: (( كنا نستلم الأركان كلها.)). وفي شرح الأحكام بسنده إلى جابر مثله. وقول الصحابي (( كنا )) له حكم الرفع. وأخرج النسائي عن أسامة بن زيد قال: ( دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيت، فجلس فحمد الله وأثنى عليه، وكبّر وهلّل ثم قام إلى ما بين يديه من البيت، فوضع صدره عليه وخده ويديه، ثم كبّر وهلّل ودعا، فعمل ذلك بالأركان كلها... )) الحديث. قال في أنوار التمام: (( والفضل فيما داخل وخارج متحد، ولأن في رواية جابر زيادة على ما روى ابن عمر، والزيادة من العدل مقبولة.))، انتهى.

وفي الجامع روى محمد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه طاف بالبيت، وفي رواية: يستلم الأركان بمحجنه. وأخرج البخاري ومسلم أن ابن جريج قال لابن عمر: (( ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين.))، وجعل ذلك من الخصال التي لم ير أحدا من الصحابة يصنعها، وذلك دليل على أن غير ابن عمر من الصحابة كانوا يستلمونها كلها. وقد عللوا الاقتصار على اليمانيين بأنهما هما الباقيان على أساس إبراهيم عليه السلام، ومع ثبوت الشرعية فلا التفات إلى ذلك، وقد ثبت التمسح بجميع البيت واستلامه. ففي الجامع الكافي وروى محمد عن مجاهد عن ابن صفوان قال: (( قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجئت فإذا هو وأصحابه مستلمون ما بين الحجَر إلى الحجَر، واضعون خدودهم على البيت، وإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقربهم إلى الباب.)). وفي سنن أبي داود عن عبد الرحمن بن صفوان قال: (( لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، انطلقت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا الركن من الباب إلى الحطيم، ووضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطهم.)).



الرمل في الثلاثة الأشواط الأول

الثاني: من المسنونات الرمل في الثلاثة الأشواط الأول لا في غيرها، للرجل دون المرأة في طواف القدوم والعمرة. وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطا مثل الهرولة دون العدو، والراكب يحرك دابته.

وتقول حال الرمل: (( اللهم اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا.)). رواه في الانتصار وغيره عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلم رمَل من الحجر إلى الحجر كما رواه أهل البيت عليهم السلام والبخاري ومسلم، فلا يترك بين الركنين كما روى.



الاضطباع

الثالث: الاضطباع، وهو جعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، وكشف الجنب الأيمن. روي ذلك عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وروي أنه اضطبع ببرد اخضر. وهو كذلك للرجل دون المرأة، وفي القدوم والعمرة خاصة.



الرابع: الدعاء.

تنبيه: قال أهل المذهب أنه يقف للدعاء ولا يكون تفريقًا، والمختار ألا يقف للدعاء لأنه أحوط، ويدعو حال المشي، وإن أحب الوقوف للأدعية فبعد إتمام الطواف. هذا وقد سبق ما تقول في الابتداء وعند الاستلام.

وتقول إذا حاذيت باب الكعبة وأنت مقبل بوجهك إليها: (( اللهم هذا البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، اللهم فأعذني من عذابك، واختصّني بالأجزل من ثوابك، ووالدي وما ولدا، والمسلمين والمسلمات، يا جبّار الأرضين والسموات.)). ذكر هذا الدعاء الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام.

وتقول في مشيك: (( رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم.)). رواه في الانتصار عنه صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي الأمالي بالسند الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن جبريل عليه السلام لقيه مستلمًا للحجر يقول له: (( يا محمد، قل: يا واحد يا أحد يا حليم يا جبار يا قريب يا بعيد، أردد علي نعماءك التي أنعمت علي.)).

وروي أنه وكّل بالركن اليماني سبعون ألف ملك، فمن قال: (( أسألك العفو والعافية. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. قالوا: آمين.)).

وتقول عند الميزاب: (( اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب.)). روي هذا عن جعفر بن محمد عن أبيه. وتقول: (( اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف عليّ كل غايبة لي بخير.))

وتقول عند ركن العراق: (( اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.))، فقد روي ذلك.

وتقول بين اليمانيين: (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.))، فذلك مروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم.

وتكرر حال الطواف: (( رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الله الأعز الأكرم.)).

وفي الجامع الكافي: (( وتقول في طوافك بالبيت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. وتزيد على هذا من ذكر الله ما أحببت. وكلما مررت بباب البيت وجهت وجهك نحوه، ورفعت يديك وقلت: اللهم هذا البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار. اللهم فك رقبتي من النار، وكلما مررت بركن من أركان البيت، وجهت نحوه، ورفعت يديك، وحمدت الله وكبّرته وتقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. ثم في الشوط السابع عند المستجار، ابسط يديك على البيت، وألزق خدك وبطنك بالبيت، ثم قل: اللهم هذا البيت بيتك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار. اللهم من قِبَلِكَ الروح والفرج والعفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة. اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك، أستجير بالله من النار. وتصلّ على محمد وآله وتدعو بما تيسر.))، انتهى.

وفي الإفادة للمؤيد بالله عليه السلام: (( فإذا انتهيت في الشوط السابع إلى مؤخر الكعبة، وهو المستجار دون اليماني، فقل: (( اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، وهذا مقام العائذ بك من النار.)). ثم اعترف لربك بذنوبك، وسله العفو والمغفرة، فقد روي عن جعفر بن محمد أنه كان يميط أصحابه عنه في ذلك المكان ليقر لربه عز وجل بذنوبه، ويقول: ما من مؤمن يقر بذنوبه في هذا الباب إلا غفر الله له.))، انتهى.

فائدة: المستجار مسامت لباب الكعبة من الغرب، والملتزم بين الحجر الأسود والباب، وهما من مقامات الأدعية الشريفة. وقد روي عن ابن عباس مرفوعًا: (( ما بين الركن والمقام ملتزم.))، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء، وما من عبد دعا الله فيه دعوة إلا استجابها )) أو كما قال؛ انتهى. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا حاذى ميزاب الكعبة وهو في الطواف يقول: (( اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب.)). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما من أحد يدعو تحت الميزاب إلا استجيب له )).

هذا ولما كان المقام مقام ذكر الله عز وجل ودعائه كما قال عز وجل: ﴿ اذكروني أذكركم ﴾، ﴿ ادعوني أستجب لكم ﴾ وقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى ))، رواه أحمد وأبو داود والترمذي؛ فينبغي الاجتهاد في ذلك بحسب الإمكان، وقد شرع الشارع ذلك، ولم يوجب شيئًا من ذلك، ولا عيّن دعاء مخصوصًا ليكون الباب لعباده مفتوحًا. وقد حفظ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن بعض السلف الصالح كلمات طيبات قد سبقت، وقد أفرد بعض أهل المناسك لكل شوط دعاء، ولا بأس بذلك ليكون أقرب إلى ضبطها، وسأذكر لكل شوط ما تيسر من المرفوع والمأثور وغيره، ولا مانع من أن يُدعى بذلك أو غيره، وما رفع فهو أولى، وبالله التوفيق.

1. الشوط الأول: بسم الله الرحمن الرحيم، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك صلواتك وسلامك عليه وعلى آله.

وتحت باب الكعبة المشرفة في كل شوط: اللهم هذا البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، فأعذني من عذابك، واختصني بالأجزل من ثوابك، ووالدي وما ولدا، والمسلمين والمسلمات، يا جبار الأرضين والسموات.

ثم تمضي وتقول: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الله الأعز الأكرم.

وتحت الميزاب: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب. اللهم اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا. اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

2. الشوط الثاني: بسم الله الرحمن الرحيم، والله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، واتباعًا لأمرك، واقتداء بسنة نبيك محمد صلى الله عليه آله وسلم وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار الصادقين الأبرار. رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق العصيان، واجعلنا من الراشدين. رب اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

3. الشوط الثالث: بسم الله الرحمن الرحيم، والله أكبر. اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلواتك وسلامك عليه وعلى آله، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم. اللهم إني أعوذ بك من سوء المنظر في الأهل والمال والولد. اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

4. الشوط الرابع: بسم الله الرحمن الرحيم، والله أكبر. اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. سائلك ببابك، مسكينك ببابك، فقيرك ببابك، تصدق عليه بالجنة. اللهم صل على محمد وآل محمد، وأدخلني الجنة برحمتك، ووالدي وما ولدا، والمؤمنين والمؤمنات، وعافني من السقم، وأوسع علي من الرزق والحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، وكل دابة أنت آخذ بناصيتها. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

5. الشوط الخامس: بسم الله الرحمن الرحيم، والله أكبر. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. اللهم إني أسألك إيمانًا دائمًا، وأسألك قلبًا خاشعًا، وأسألك علمًا نافعًا، وأسألك يقينًا صادقًا، وأسألك دينًا قيّمًا، وأسألك العافية من كل بلية، وأسألك دوام العافية، وأسألك تمام العافية، وأسألك الشكر على العافية، وأسألك الغنى عن الناس. ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

6. الشوط السادس: بسم الله الرحمن الرحيم، والله أكبر. اللهم صل على محمد وآله. اللهم إني ضعيف فقوِّ في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي، وبارك لي فيما قسمت لي، وبلغني برحمتك الذي أرجو من رحمتك، واجعل لي ودًّا في صدور المؤمنين وعهدًا عندك يا كريم. اللهم اغفر لي ولوالدي ولأولادي وإخواني وأرحامي وللمؤمنين. اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا، وأدخلنا الجنة، ونجنا من النار، وأصلح شأننا كله. ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار. ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

7. الشوط السابع: بسم الله الرحمن الرحيم، والله أكبر. اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعله حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا، وعملاً مقبولاً. اللهم أعني على مناسكي، ووفقني لما يرضيك عني، وتقبل مني صالح عملي واغفر لي ولوالدي ولمن ولدا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

وتقول تحت باب الكعبة كما سبق: اللهم هذا البيت بيتك، والحرم حرمك... إلى آخره.

وتقول عند الركن الذي يلي الحجر: اللهم صل على محمد وآل محمد، وافتح لي أبواب رحمتك، وأغلق عني أبواب غضبك.

ومقابل الميزاب: اللهم صل على محمد وآله. اللهم اعتقني من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال.

وعند الركن الذي يليه: اللهم إن إبراهيم وإسماعيل - صلواتك وسلامك عليهما - سألاك أن تتقبل منهما، فتقبل مني كما تقبلت منهما، إنك أنت السميع العليم. اللهم اغفر لي ولوالدي، وارحمني واهدني وعافني واعف عني وارزقني واحفظني ووفقني.

ومتى وصلت إلى المستجار، فألصق خدك وبطنك به وقل: اللهم من قِبَلِك الروح والفرج والعفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك، أستجير بالله من النار. اللهم رب البيت العتيق، صل على محمد وآله، والطف بي في الدنيا والدين يا رب العالمين. اللهم هذا مقام من أساء واقترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي اجترم، هذا مكان المستغيث المستجير من النار، مكان من لا يدفع عن نفسه سوءًا، ولا يجر إليها نفعًا، هذا مقام من لاذ ببيتك الحرام راغبًا راهبًا، أستعيذ بك من عذاب يوم لا تنفع فيه شفاعة الشافعين إلا من أتى الله بقلب سليم. اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، وسلّمني من هول ذلك اليوم يا أرحم الراحمين. رب إن البيت بيتك والعبد عبدك، فاجعل قِراي مغفرتك، وهب لي ما بيني وبينك، وأرضِ عني خلقك، واغفر لي ولوالدي برحمتك يا أرحم الراحمين، وصل الله على محمد وآل محمد.

وتستلم الركن اليماني وتلتزمه، وتسأل الله سبحانه قضاء الحوايج، وتكثر التضرع إلى الله تعالى.

وتستلم الحجر الأسود، وتقول عنده مثلما قلت في أول شوط.

وعند الملتزم، وهو ما بين الباب والركن، تلتصق بالبيت، وتضع خدك الأيمن عليه، وتبسط ذراعيك وكفيك عليه، وتقول: يا رب البيت العتيق، اعتق رقبتي من النار، وأعذني من الشيطان الرجيم، وامنعني من كل سوء، ومتعني بما رزقتني، وبارك لي فيما أعطيتني. اللهم إن البيت بيتك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، فأعذني من عذابك ووالدي وما ولدا. اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك. اللهم أعتق رقبتي ورقاب آبائي وأمهاتي وأولادي وإخواني من النار يا ذا الجود والكرم والفضل والمن والعطاء والإحسان. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم إني عبدك وابن عبديك، واقف تحت بابك، ملتزم بأعتابك، متذلل بين يديك، أرجو رحمتك وأخشى عذابك. اللهم إن لكل وافد قِرى، وقد وفدت إليك وأنت رب العالمين وأكرم الأكرمين، فاجعل قِراي رضاك والجنة لي ولوالدي. اللهم اجعلني من أكرم وفدك عليك. اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم. اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري، وتضع وزري، وتصلح أمري، وتطهر قلبي، وتنور لي في قبري، وتغفر لي ذنبي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة. اللهم انصر الحق وأهله، واخذل الباطل وحزبه، وأيّد شريعة سيد المرسلين صلواتك وسلامك عليهم أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأهلك المفسدين، والطف بعبادك المؤمنين، آمين رب العالمين.

قال الإمام الهادي إلى الحق: (( فإذا فرغ من السبعة الأشواط، وقف بين الحجر الأسود والباب، ثم دعا وقال: اللهم أنت الحق، وأنت الإله الذي لا إله غيرك، إياك نعبد، وإياك نستعين، وأنت ولينا في الدنيا والآخرة، فاغفر لنا ذنوبنا، وتجاوز عن سيئاتنا، وتقبل سعينا، ويسّر لنا ما تعسر علينا من أمورنا، ووفقنا لطاعتك، واجعلنا من أوليائك الفائزين يا رب العالمين.)). هذا وادع الله جل جلاله بما حضرك في جميع هذه المقامات الشريفة، ولا تتكلم بغير ذكر الله سبحانه حال طوافك، وأحضر قلبك في جميع أذكارك وأفعالك.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

آداب الطواف

وهذا كله بحسب الإمكان مع السكينة والوقار، وتجنب الزحام والأضرار والبعد عن الأجنبيات، كما أن عليهن ألا يزاحمن الأجانب، وأن يبتعدن عن مخالطة الرجال في جميع الأعمال فذلك أفضل وأطيب وأطهر، فقد تنقلب الطاعة عصيانًا، والقربة بعدًا وحرمانًا، نعوذ بالله تعالى من غضبه، ونسأله التوفيق لرضاه، والأعمال بالنيات، وإذا كان القصد إبلاغ الجهد في الطاعة، وفعلها على أكمل وجه، ولم يمنعه إلا المانع الشرعي والحاجز الديني والأمر الإلهي، فسينال صاحبه بفضل الله أقصى الغايات وأعلى الدرجات. وقد نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن المزاحمة، واكتفى بالإشارة في الاستلام عند الزحام، وأمر أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليها أن تطوف خلف الناس متى قاموا لصلاة الفجر، ولعلنا نذكر ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى. ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ﴾.

حكم الشك في الطواف:

فائدة: من شك قبل الفراغ من الطواف أو السعي، لا بعده، فلا حكم له في شوط أو أكثر. فقال الإمام أبو طالب، وهو المقرر للمذهب: (( إن الشوط كالركن في الصلاة، فيعمل فيه بظنه المبتدأ والمبتلى، فإن لم يحصل له ظن بنى على الأقل. والطواف كالركعة، والحج كالصلاة.)).

وروي عن المنصور بالله أنه يجب العمل هنا باليقين، لأن الزيادة غير مفسدة وهو الراجح. والمختار البناء على اليقين من غير فرق بين الشوط والطواف والركن والركعة، لما رواه زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام: في الرجل يهم في الصلاة فلا يدري أصلى ثلاثًا أم أربعًا فليتم على الثلاث، فإن الله لا يعذب بما زاد من الصلاة. وفي خبر أبي سعيد الخدري، عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( فليبنِ على اليقين وليلقِ الشك ))، أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما. وما في بعض الأخبار من الأمر بالتحري فمحمول على من لا يستطيع البناء على اليقين، بل يتسلسل عليه ذلك كما هو معروف من حال من غلبت عليهم الأوهام والشكوك، والأخبار واردة في الصلاة، ولكن الطواف بالأولى، إذ لا فساد في الزيادة فيه كما ذكر، والله سبحانه ولي التوفيق.

مسألة: يكره الطواف والصلاة في الوقت المكروه كراهة تنزيه على المذهب. وفي الانتصار عن العترة عدم الإجزاء في الأوقات الثلاثة. قيل: والكراهة لأجل الصلاة عقيب الطواف، فلو صادف فراغه من الطواف خروج الوقت فلا كراهة. وعند الإمام المنصور بالله والأمير الحسين والشافعي رضي الله عنهم: لا كراهة، لخبر جبير بن مطعم، وسيأتي الكلام عليه.

قلت: أما الطواف فالمختار عدم الكراهة في أي وقت لعدم الدليل. وروي في الجامع الكافي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لأم سلمة: (( إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس ))، وروى ذلك غيره، وتشبيهه بالصلاة لا يفيد. أما الفرض فالفرائض لا تكره على الصحيح في أي وقت، ويدل على ذلك الخبر: من أدرك من العصر ركعة فقد أدركها، ومثله في الفجر. ثانيًا، أن تشبيهه بالصلاة لا يوجب أن يكون مثلها من كل وجه. وأما ركعتاه فالأَولى تركهما في الثلاثة الأوقات، أي وقت الشروق والغروب والزوال. ولا يقال خبر النهي مخصوص بخبر جبير بن مطعم: (( يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة من ليل أو نهار.)) - أخرجه الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد، ونحوه في الجامع الكافي، وأخرجه ابن تيمية في المنتقى، وقال: (( رواه الجماعة إلا البخاري.))، وهو خطأ، فإنه يفيد أن مسلمًا أخرجه، ولم يخرجه كما ذكره في نيل الأوطار - لأن كل واحد منهما أعم من الآخر وأخص من وجه، فيعدل إلى الترجيح، وتخصيص خبر جبير أولى لترجيح جنبة الحظر، ولكون أخبار النهي أكثر. وأما ما روي من التصريح باستثناء مكة أو عند البيت أو يوم الجمعة فضعيف لا يصلح للتخصيص. وأما بعد صلاة الفجر والعصر فالنهي فيهما محمول على ما إذا كانت الصلاة قبيل الشروق والغروب، كما أفادته الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر إلا أن تكون الشمس نقية )). وفي رواية مرتفعة أخرجه أبو داود والنسائي، قال في فتح الباري بإسناد حسن، وفي موضع صحيح، وأخرج مسلم عن عائشة أنها قالت: (( وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى عليه وآله وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها.))، والموجب لهذا أدلة، منها أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قضى سُنَّة الظهر بعد صلاة العصر، واستمر على ذلك ولم تثبت دعوى أنها من خواصه وأنه نهى غيره، إذ لم يصح ذلك. ومنها أن الحسن والحسين وابن عباس عليهم السلام كانوا يطوفون ويصلون بعد العصر وبعد الفجر، رواه عنهم القاسم بن إبراهيم، وأخرجه الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام، وأخرجه في الجامع الكافي، وروى فيه أيضًا عن الحسن والحسين وابن عباس وابن عمر وأبي الطفيل وأبي جعفر وجعفر وعبد الله بن الحسن أنهم كانوا يطوفون بعد العصر ويصلون، والرواية عن الحسنين عليهم السلام مشهورة، وليس هذا موضع البسط، وإنما هو عارض ولا يخلو عن الإفادة إن شاء الله.





فصل في الصلاة في مقام إبراهيم عليه السلام

هذه صفة كل طواف، إلا أن الرمل والاضطباع خاصان بطواف القدوم والعمرة، ومخصوصان بالرجال كما سبق.

هذا وبعد تمام الطواف تمضي إلى مقام إبراهيم صلوات الله عليه وآله وتقرأ: ﴿ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ﴾، وفي خبر جابر الذي رواه جعفر بن محمد عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما طاف تقدم إلى مقام إبراهيم، فقرأ: ﴿ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ﴾، وصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، ثم عاد إلى الركن فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا.

وفي رواية: وقرأ الحمد وقل هو الله أحد في الأولى، وفي الثانية الحمد لله وقل يا أيها الكافرون، ذكره في أصول الأحكام. ولا تتعين السورتان بلا خلاف كما ذكره في شرح التجريد وفي الأحكام، وإن شاء قرأ غيرهما من سور مُفَصَّل القرآن، غير أنا لا نحب له إلا أن يقرأ بصغار السور، ولا يحبس غيره، ولا يضر بمن يطلب مثل طلبته. ثم ينهض فيستقبل الكعبة ثم يقول: اللهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وزكّ لنا أعمالنا، ولا تردنا خائبين... إلى آخر كلام الهادي عليه السلام.

ومما يستحسن خلف المقام هذا الدعاء : (( اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي، أسألك إيمانًا يباشر قلبي، ويقينًا صادقًا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي، ورضاء بقضائك.)). رواه الطبراني عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن آدم عليه السلام دعا به في ذلك المكان، فأوحى الله عز وجل إليه: (( يا آدم، قد دعوتني دعاء استجبت لك فيه، ولن يدعوني به أحد من ذريتك من بعدك إلا استجبت له، وغفرت ذنوبه، وفرجت همومه...)) إلى آخره، والله سبحانه أعلم. وإن صح فالاستجابة والمغفرة لمن استجاب لله سبحانه من المؤمنين المتقين، أو لمن اقترن هذا منه بالتوبة الصحيحة ﴿ إنما يتقبل الله من المتقين ﴾. هذا وتقول: اللهم إن هذا مقام خليلك إبراهيم، ومصلى صفيك محمد صلواتك وسلامك عليهما وعلى آلهما، أسألك فيه أن تتقبل مني كما تقبلت منهما، وأن توفقني لاتباع ملتهما واقتفاء هديهما، وأن تغفر لي ولوالدي وما ولدا، وتشرح صدورنا، وتيسر أمورنا، وتختم بالصالحات أعمالنا، وتنور بصائرنا، وأن تعز دينك، وتعلي كلمتك، وتنصر أوليائك، وتدمر أعداءك، فاطر السموات والأرض، أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلمًا، وألحقني بالصالحين.



فصل في ماء زمزم

يذكر الأصحاب الشرب من ماء زمزم عقيب طواف القدوم، والذي في الخبر الطويل المشهور في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي رواه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شرب منها عقيب طواف الزيارة، حيث قال: (( فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: (( انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ))، فناولوه دلوًا فشرب.))، وعلى كل حال فقد دلت الأدلة على استحبابه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( ماء زمزم لما شرب له ))، أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد وأحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة والبيهقي والدارقطني والحاكم، وصححه المنذري وغيرهم عن جابر رضي الله عنه. وأخرج الدارقطني والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله عليه وآله وسلم: (( ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته ليشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهي هزمة جبريل، وسقيا اسماعيل )). قال:(( فكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاء من كل داء.)). وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (( إذا شربت منها فاستقبل القبلة، واذكر اسم الله،وتنفس ثلاثًا، وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم )) ))، والتضلع: الامتلاء. وعن ابن عباس أن رسول الله عليه وآله وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: (( يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله عليه وآله وسلم بشراب من عندها، فقال: (( اسقني ))، فقال: يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه. فقال: (( اسقني ))، فشرب، ثم أتى زمزم وهم يستسقون ويعملون فيها فقال: (( اعملوا فإنكم على عمل صالح )). ثم قال: (( لولا أن تغلبوا، لنزلت حتى أضع الحبل )) ))، يعني على عاتقه، أخرجه البخاري.

وفي بعض الروايات أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( اسقونا مما تسقون منه المسلمين ))، لما أرادوا أن يأتوا له بشراب من البيت. قال الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام: (( ثم يدخل إن أحب زمزم، فإن في ذلك بركة وخيًرا، فيشرب من مائها ويطلع في جوفها ويقول: اللهم إنك أظهرتها وسقيتها نبيك اسماعيل رحمة منك به يا جليل، وجعلت فيها من البركة ما أنت أهله، فأسألك أن تبارك لي فيما شربت منها، وتجعله لي دواء وشفاء ينفعني من كل داء، وتسلمني به من كل رداء، إنك سميع الدعاء، مستجيب من عبادك لمن تشاء.))، انتهى.

وعن ابن المبارك أنه استسقى شربة من زمزم، فشرب مستقبل الكعبة وقال: (( اللهم إن ابن أبي الموالى حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له، وهذه شربة لعطش يوم القيامة.)). وابن أبي الموالي: قال السيد صارم الدين: (( هو علامة الشيعة عبد الرحمن بن أبي الموالي، ضربه المنصور الدوانيقي ليدل على محمد بن عبد الله عليهما السلام فلم يفعل، روى عنه البخاري صلاة الاستخارة))، انتهى.

ويستحب أن يرش على رأسه وبدنه منه، قال في الجامع الكافي: (( وأما الغسل منها على جهة التبرك فلا بأس، فقد صب النبي صلى الله عليه وآله وسلم دلوًا من مائها.))، انتهى. وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما شرب صب على رأسه. وعن علي عليه السلام أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا بسجل من زمزم فشرب منه وتوضأ.

ويجوز إخراج مائه إذ استهداه صلى الله عليه وآله وسلم، رواه البيهقي عن ابن عباس. وعن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم أرسل له وهو بالحديبية. وفي جامع الأصول عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر رجلاً من قريش في المدينة أن يأتيه بماء زمزم إلى الحديبية. وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمله، أخرجه الترمذي، أفاده في التخريج، والكلام في فضله وبركته كثير، وفي هذا كفاية.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

النسك الثالث: السعي بين الصفا والمروة

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك الثالث: السعي بين الصفا والمروة


السعي بين الصفا والمروة قد سبق في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه جعفر الصادق عن أبيه الباقر عن جابر بن عبد الله رضوان الله وسلامه عليهم. ومن لفظه: (( حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمّل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: ﴿ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ﴾، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون. ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: ﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله ﴾، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك. قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة.))

فائدة: أبدأ بصيغة المضارع للمتكلم المفرد، رواية مسلم، وبالنون رواية مالك وأحمد وغيرهما، وابدؤوا بصيغة الأمر في رواية للنسائي.

مسألة: والسعي فرض عند العترة وأبي حنيفة بدليل فعله صلى الله عليه وآله وسلم مع قوله: (( خذوا عني مناسككم ))، وهو بيان لمجمل قوله تعالى: ﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾، وليس ركنًا. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا ))، أخرجه المؤيد بالله وشارح الأحكام وأحمد والشافعي، وفي معناه خبر آخر، وفي صحتهما مقال. وروي: (( ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة.))، أخرجه مسلم، والحجة ما سبق. وعند مالك وأحمد والشافعي أنه ركن، واستدلوا بالخبر السابق وهو لا يفيد غير الوجوب. واحتج في شرح التجريد والبحر على أنه غير ركن بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج عرفات ))، وسيأتي إن شاء الله. ولا يصح السعي إلا بعد الطواف أو أكثره عند الأكثر، وخالف عطاء وبعض المحدثين.

وفعله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على وجوب الترتيب، ونقل الإجماع على ذلك، فإن لم يرتب فدم لترك السعي ولو بعذر بعد اللحوق بأهله، فإن أعاده فلا دم.

فائدة: من فرّق الطواف ثم سعى ثم أعاد الطواف لزمه إعادة السعي، وإلا فدم متى لحق بأهله.

وهو سبعة أشواط متوالية، وحده أن لا يعد متراخيًا، يبدأ من الصفا وجوبًا، وهو منها إلى المروة شوط، وذلك لفعله صلى الله عليه وآله وسلم. وروى الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: (( يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، فإن انتهى إلى بطن الوادي سعى حتى يجاوزه، فإن كان به علة لا يقدر أن يمشي ركب.))، انتهى. وفي البحر عن الصيرفي وابن خيران وابن جريج أن السعي أربعة عشر مرة، لأنهم يجعلون الذهاب والرجوع مرة، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وآله وسلم ختم بالمروة ولو كان كما قالوا لختم بالصفا.

وحكمه في النقص والتفريق ما سبق في الطواف، وقد حكي الإجماع على وجوب التسبيع. والعجب من العلامة الجلال حيث قال في ضوء النهار: (( التصريح بالتسبيع لم نقف عليه في حديث.))، انتهى.

وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أنه قال: (( قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فطاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين، فطاف بين الصفا والمروة سبعًا وغير ذلك.)).

فرع: ولا وقت للسعي بل هو بعد طواف القدوم.

مسألة: ندب في السعي خمسة أمور:

الأول: الطهارة كطهارة المصلي ولو بالتراب، حيث هو فرضه، فإن تعذر فعلى الحالة.

فائدة: لا تجب الطهارة في جميع المناسك غير الطواف وركعتيه، لما رواه الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال في الحائض: (( أنها تُعَرِّف وتنسك مع الناس المناسك كلها، وتأتي المشعر الحرام، وترمي الجمار، وتسعى بين الصفا والمروة، ولا تطوف بالبيت حتى تطهر.)). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعائشة لما حاضت: (( فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي ))، أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي واللفظ له. وفي رواية للنسائي: (( تصنع ما يصنع الحاج غير أن لا تطوف بالبيت.))، والأخبار في هذا كثيرة. وقد ورد في بعضها: (( غير ألا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة.))، ولم يصح مع أنه يمكن حمله على من لم تكن قد طافت بالبيت للجمع بين الأخبار، فيكون من أدلة الترتيب، هذا ولا دليل في الأخبار السابقة على عدم الترتيب بين الطواف والسعي لإمكان حمله على أن الحيض أتاها بعد الطواف، ومع الاحتمال فلا استدلال، وغايته أن يكون خاصًا بالحائض كما ذكره في الياقوتة وألحق بها المعذور. ومما يقوي الحمل المذكور ما في الجامع عن محمد: (( والحائض تقضي المناسك كلها ما عدا الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، إلا أن يكون أدركها الحيض بعدما طافت بالبيت وصلت ركعتين، فلا بأس أن تسعى بين الصفا والمروة وهي حائض. وروي ذلك عن عطاء والحسن وإبراهيم.))، انتهى.

الثاني: أن يلي الطواف بلا تراخٍ إلا لعذر.

الثالث: يندب للرجل دون المرأة والخنثى صعود الصفا والمروة في كل شوط، وإن كان على راحلة ألصق قدميها إذا أقبل، ورجليها إذا أدبر، ومن لم يصعد ألصق العقب بأصل ما يذهب منه، وأصابع رجليه بما يذهب إليه، فإن لم يفعل لزمه دم على المذهب لأنه تارك نسك. ولا درج الآن في الصفا والمروة، ومحل الصعود واضح. أما المرأة فالوقوف في أسافل الصفا والمروة أزكى لها ولو في خلوة، وقد استدل على عدم وجوب الصعود بقوله تعالى: ﴿ فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ﴾ ولم يذكر الصعود. قال القاضي زيد: (( ولا أعرف في هذه الجملة خلافًا.))، ذكره حافظ العترة الأمير الحسين عليه السلام في الشفاء.

الرابع: الدعاء قد سبق في خبر جابر ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم فتعمله. فبعد صلاة الركعتين تستلم الحجر الأسود، ثم تخرج إلى الصفا وتقول: ﴿ إن الصفا والمروة من شعائر الله ﴾، أبدأ بما بدأ الله به. وترقى إلى الصفا حتى ترى البيت وتستقبله وتقول: (( لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله ، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.)). ثم تدعو كما في الخبر أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مرات. وفي منسك الإمام زيد بن علي عليهما السلام: (( ثم استقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، واثبت عليه، فكّبر الله تعالى سبعًا وهلّل سبعًا واحمده سبعًا، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات، وصلِّ على النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وتخيّر لنفسك من الدعاء، واستغفر لذنبك، ثم انحدر من الصفا فإذا بلغت من الوادي حين تأخذ من الهبوط فاسعَ فيه حتى تجاوزه.)). قلت: وقد صار موضع السعي - والمراد به الرّمل - معلومًا بسلوك خضر. قال: (( وقل وأنت تسعى: اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم. ثم ائت المروة فاصعد عليها، واستقبل البيت، وادع الله تعالى وأثنِ عليه، وصلِّ على النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وقل كما قلت على الصفا...)) إلى آخره.

فائدة: الوقوف للدعاء على الصفا والمروة في الشوط الأول فقط، فإن كرره لزمه دم للتفريق على المذهب.

وقال الباقر محمد بن علي عليهم السلام: (( ثم اخرج إلى الصفا، فاصعد عليه واستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فادعُ الله وأثنِ عليه، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتخيّر لنفسك من الدعاء، واستغفر لذنبك...)) إلى آخره. وقال الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام: (( ثم يخرج إلى الصفا من بين الأسطوانتين المكتوب فيهما، فليستقبل القبلة بوجهه، ثم ليقل: بسم الله، وبالله، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. وليقرأ الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي وآخر سورة الحشر، ثم ليقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. اللهم اغفر لي ذنبي، وتجاوز عن خطيئتي، ولا تردّني خائبًا يا أكرم الأكرمين واجعلني في الآخرة من الفائزين. ثم لينزل عن الصفا ويمضِ، حتى إذا كان عند الميل الأخضر المعلق في جدار المسجد هرول حتى يحاذي الميل المنصوب في أول السراجين، ثم يمشي حتى ينتهي إلى المروة ويقول في طريقه: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الله الأعز الأكرم، يردد هذا القول وغيره من الذكر الحسن حتى يفرغ من سعيه، فإذا انتهى إلى المروة فليرقَ عليها حتى يرى الكعبة، ثم ليدع بما دعا به على الصفا.))، انتهى.

وقد روى في المهذب أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال بين الصفا والمروة: (( رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم.)). ذكره في تخريج البحر وفي التلخيص من طرق عدة صح وقفها في الدعاء عند السعي، رب اغفر وارحم بلفظ ما ذكره الإمام الهادي إلى الحق قال: (( وفي رواية: اللهم اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم.))، انتهى. وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه لاستقبال البيت، رواه في الشفاء. وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم علا الصفا حتى نظر إلى البيت ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو، أخرجه مسلم وأبو داود. وأخبار رفع اليدين عند مطلق الدعاء كثيرة، وخصوصًا على الصفا والمروة وفي عرفة، وهذا من مقامات الإجابة ومواطن ذكر الرحمن جل جلاله، وقد ذكرت ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة الهدى من أهل بيته الطاهرين عليهم السلام. وإن أحببت أن تدعو في السبعة الأشواط في السعي بما سبق في أشواط الطواف فخذها من هناك، وإلا فتخيّر لنفسك كما قال أئمة الهدى عليهم السلام. وقد خفف الله سبحانه فليس شيء من ذلك بواجب، قال الأمير الحسين عليه السلام في الشفاء : (( وقد أجمع أئمتنا عليهم السلام على أن الدعاء والرمل واستلام الأركان وركوب الراحلة حال الطواف غير واجب.))، انتهى. وقال القاضي زيد: (( ولا خلاف أن شيئًا من الأذكار والأدعية وسور القرآن في هذه البقاع الشريفة لا يتعين حتى لا يجوز غيره، فان ذلك ليس بواجب.))، انتهى. وإنما قال الأمير الحسين: (( وركوب الراحلة.))، لما روى جابر قال: (( طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة في حجة الوداع على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس، ويشرف ويسألوه فإن الناس غشوه.))، رواه في الشفاء وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. والمراد بالطواف بالبيت غير الطواف الأول حين قدم، لما صح في خبر جابر رضي الله عنه وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم مشى فيه، وأما السعي فالمراد به بعضه كما أوضحه ابن عباس رضي الله عنهما. فعن أبي الطفيل قال: (( قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبًا أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة. قال: صدقوا وكذبوا، قلت: وما قولك صدقوا وكذبوا ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثروا عليه ركب، والمشي في السعي أفضل.))، أخرجه أحمد ومسلم. وقد أراد أنهم صدقوا في أنه ركب، وكذبوا في أنه سنة، وهذا من إطلاق الكذب على الخطأ في الرأي. وقد دل على أن الركوب للعذر ما سبق في رواية الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عليهم السلام، فإن كان به علة لا يقدر أن يمشي ركب.

الخامس : السعي، وهو الهرولة حسب الإمكان. يندب للرجل لا المرأة في بطن الوادي بين الميلين الأخضرين كما سبق في السبعة الأشواط. وقد غلط ابن حزم هنا غلطًا فاحشًا حيث قال ما لفظه: (( وطاف صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفا والمروة أيضًا سبعة راكبًا على بعيره يخبّ ثلاثًا ويمشي أربعًا. قال ابن القيم: وهذا من أوهامه وغلطه، فإن أحدًا لم يقل هذا قط غيره، ولا رواه أحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم البتة. قال: وسألت شيخنا عنه فقال: هذا من أغلاطه، وهو لم يحج... ))، الخ. وقد استدل على عدم وجوب السعي بقول ابن عمر: (( لئن سعيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسعى، ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي، وأنا شيخ كبير.))، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه.

فائدة: روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن هاجر أم اسماعيل لما أسكنهما ابراهيم عليه السلام في مكة، ونفد ما معهما من الماء، صعدت الصفا تنظر هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، فلذلك سعى الناس بينهما، انتهى.

وأصل الرمل في الطواف أن المشركين قالوا: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم صلى الله عليه وآله وسلم أن يرمّلوا الأشواط الثلاثة. قالوا: والحكمة في بقاء ذلك هو استحضار الوقائع الماضية للسلف الكرام لما فيه من المصالح الدينية. وبهذا يظهر أن كثيرا من أعمال الحج التي يقال فيها إنها تعبدية لا تظهر وجه الحكمة فيها ليست كذلك، فإنا إذا تذكرنا أسبابها حصل لنا تذكر ما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله سبحانه، وكان هذا التذكر باعثًا لنا على مثل ذلك، ومقررًا في أنفسنا تعظيمهم. وإذا تذكرنا قصة هاجر مع ابنها وترك الخليل لهما في ذلك المكان الموحش منقطعي أسباب الحياة بالكلية، وتذكرنا ما أظهره الله عز وجل من الكرامة من إخراج الماء لهما، كان في ذلك مصالح عظيمة، وكذلك في الجمار إذا فعلناه فتذكرنا أن سببه رمي إبليس بالجمار في هذه المواضع عند إرادة الخليل ذبح ولده عليه السلام كان لذلك موقع عظيم النفع في الدين.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

فصل في دخول الكعبة المشرفة

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

فصل في دخول الكعبة المشرفة

يستحب دخول الكعبة المشرفة، وقد سبق ذكر دخوله صلى الله عليه وآله وسلم في استلام الأركان. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( من دخل البيت دخل في حسنة، وخرج من سيئة، وخرج مغفورًا له. ))، رواه في الشفاء عن بلال، وأخرجه الطبراني والبيهقي عن ابن عباس. وفي فضل الطواف والصلاة والنظر إليه، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن لله عز وجل في كل يوم عشرين ومائة رحمة تنزل على هذا البيت، فستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين. ))، رواه في الشفاء. قال في تخريجه للضمدي أخرجه الطبراني والحاكم في الكنى وابن عساكر. وفي الشفاء روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( تفتح أبواب السماء وتستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة. ))، قال في التخريج: أخرجه الطبراني مع زيادة ولفظه: تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف في سبيل الله، وعند نزول الغيث، وعند الصلاة، وعند رؤية الكعبة. وأخرج ابن ماجه عن عبد الله بن عمر قال: (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( من طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق رقبة )). وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( يحشر الحجر الأسود يوم القيامة وله عينان ولسان، يشهد لمن استلمه بحق. ))، أخرجه البيهقي بلفظ: (( ليبعثن الحجر يوم القيامة...))، الحديث. وقد صح في الجامع عن محمد بن منصور: (( بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه دخل الكعبة مرة واحدة لا قبلها ولا بعدها، وبسط رداءه في البيت، فمشى عليه إجلالاً للبيت.))، وقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلم دخله في الفتح ولم يدخله في العمرة، واختلف في دخوله في الحج. وقد صح أن حجر اسماعيل عليه السلام من البيت، فهو يكفي لمن تعسر عليه الدخول، والأَولى تركه إن أدى إلى أذية الزحام خصوصًا النساء، وعن عائشة قالت: (( كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي فأدخلني الحجر، فقال لي: صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت.))، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث صحيح.

قلت: وهذا يفيد أنه كله من البيت، ولما يحصل من الزحام قلّ من يحاول الدخول من العلماء، وإنما يدخله منهم من صادف فراغًا وهو نادر. فإن تيسر دخوله فليفعل ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى ركعتين بين العمودين، وقد استدل بذلك على جواز الصلاة بين السواري في غير جماعة، وكان البيت على ستة أعمدة، فجعل عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة وراءه وصلى. وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم جلس فحمد الله وأثنى عليه وسأله واستغفره وكبّر وهلّل، ثم قام إلى ما بين يديه من البيت، فوضع صدره عليه وخدّه ويديه، ثم هلّل وكبّر ودعا، ثم فعل ذلك بالأركان كلها، ثم خرج... إلى آخره. وليقل حال الدخول: (( اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا بالسلام. ))، رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجامع الكافي عند دخوله. ويحسن أن يقول: (( اللهم صل على محمد رسولك الأمين وآله الطاهرين. اللهم إنك وعدت من دخل بيتك الأمن، وأنت خير من وفى. اللهم فاجعل أماني أن تكفيني كل ما أهمني من أمر آخرتي ودنياي، واغفر لي ولوالدي ولمن ولدا يا أرحم الراحمين.)).


فصل
وبعد تمام السعي إن كنت متمتعًا أو معتمرًا عمرة مفردة، فقد حلّ لك جميع المحظورات إلا النساء، فلا تحل إلا بعد الحلق أو التقصير؛ لأن السعي في العمرة بمنزلة الرمي في الحج، إلا أنه يحل بأول حصاة من الرمي في الحج، ولا يحل إلا بعد تمام السعي في العمرة. والحلق أو التقصير في العمرة بمنزلة طواف الزيارة في الحج في تحليل النساء بعده، وإن كنت مفردًا أو قارنًا بقيت على إحرامك.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك الرابع: الوقوف بعرفة

النسك الرابع الوقوف بعرفة، ولا يتم الحج إلا به، ولا يجبره دم بلا خلاف. قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج عرفات ))، رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام، وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.


حدود عرفة:

حدود عرفة من ثوبة إلى نمرة إلى ذي المجاز إلى عرنة، ولا يدخل الحد في المحدود. وفي شرح المنتقى: (( ولها أربعة حدود، حد إلى جادة الطريق المشرف، والثاني إلى حافات الجبل الذي وراءه أرضها، والثالث إلى البساتين التي تلي قرنيها على يسار مستقبل الكعبة، والرابع وادي عرنة بضم العين وبالنون وليست هي ولا نمرة من عرفات ولا من الحرم.))، انتهى. وعرنة ونمرة بين عرفة والحرم على طرف عرفة الغربي، وعرنة أقرب إلى عرفة من نمرة متصلة بها بحيث لو سقط جدار المسجد الغربي سقط فيها، انتهى. قيل: صدر مسجد إبراهيم من عرنة، وآخره من عرفة، انتهى. وفي بعض حواشي الأزهار في ذكر عرنة ما لفظه: (( وهو وادٍ يماني عرفة مستطيل من اليمن إلى الشام، كثير الأراك، وهو من قرن عرفة يميل إلى الغرب.))، انتهى. فمن وقف فيه ولم يقف في عرفة لم يصح حجّه. وروي عن مالك أنه يجزيه ويريق دمًا، ولا يفيد العامي خلاف مالك في هذا للإجماع قبله وبعده، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( عرفة كلها موقف ما خلا بطن عرنة ))، رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام. وفي الجامع الكافي: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه وقف بعرفة فقال: (( هذا الموقف وعرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة، وجمع كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر، ومنى كلها منحر وشعاب مكة كلها منحر )). وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ))، وأخرجه ابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( كل عرفة موقف وارتفعوا عن بطن عرنة، وكل المزدلفة موقف وارتفعوا عن بطن محسر، وكل منى منحر إلى ما وراء العقبة )). وأخرج مالك في الموطأ بلاغاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن محسر )). وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( نحرت ها هنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم. وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف )). وأخرج أحمد وابن ماجه نحوه وفيه: وكل فجاج مكة طريق ومنحر.


وقت الوقوف:

وأول وقته من ظهر يوم عرفة، إذ لم يقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد الزوال. وعند أحمد بن حنبل: من فجره تمسكاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الخبر : (( وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا.))، فقد تم حجه. وأجيب بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال، بدليل أنه صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، فكأن الجمهور جعلوا هذا الفعل مخصصًا لذلك، ولعله إجماع من قبل أحمد. وآخره فجر النحر بلا خلاف.

فمن وقف في أي ساعة من هذا الوقت أجزاه. وعند مالك: لا يجزي النهار وحده، والخبر صريح بخلافه، ويكفي المرور على أي صفة كان ولو نايماً أم مجنونًا أم مغمىً عليه أم سكران أم راكبًا لمغصوب أم مُكرهًا. ويشترط أن يكون بكلية بدنه مستقرًا، لا على طير أو طائرة لعدم الاستقرار، ولا يشترط أن يستقر قدر تسبيحة لما في خبر عروة بن مضرس: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من شهد معنا هذه الصلاة صلاة الفجر بمزدلفة وقد كان وقف بعرفة ليلاً أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه. ))، أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد، وأخرجه أبو داود والترمذي، وصححه النسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ:(( من صلى معنا في الغداة، ووقف معنا حتى نفيض، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه. ))، وصححه الدارقطني والحاكم. وفي المجموع عن علي عليه السلام: (( من فاته الموقف مع الناس فأتاها ليلاً، ثم أدرك الناس في جمع قبل انصراف الإمام فقد أدرك الحج.)). ففي ذلك دلالة على أن مجرد الإتيان إلى عرفة يكفي، وهو يصدق بالمرور على أي صفة، ولكن مفهومه يفيد أن صلاة الغداة والوقوف بمزدلفة ركن لا يتم الحج ولا يدرك إلا به. وقد ذهبت طائفة إلى ذلك، وذهب الجمهور إلى أن الحج يصح بدونه، وحمل الخبر على إدراك الحج التام، وكذا ما في بعض من زيادة: (( ومن لم يدرك جمعًا فلا حج له. )) على نفي الكمال، مع أن هذه الزيادة ضعيفة، والموجب للتأويل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج عرفات. )) ثلاثًا، (( فمن أدرك عرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك. ))، أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد. وفي الجامع الكافي قال محمد: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( من وقف بعرفة ليلة النحر ساعة من الليل قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج. )). فبهذا يأخذ عامة العلماء؛ انتهى. قالوا: والمعنى أن المعتبر من أعمال الحج التي لا يتم إلا بها عرفة، ولا يصح إلا بالإحرام. ولا يرد ما قاله في المنحة من أنه إن جعل الحصر حقيقيًا لزم أن لا يفوت الحج إلا بفوات الوقوف... إلى آخر كلامه، لأنا نقول ملتزم أنه لا يفوت الحج إلا بفوات الوقوف الشرعي، وهو لا يكون إلا بالإحرام الذي هو شرطه.

مسألة: ولا يدفع من وقف بالنهار حتى تغرب الشمس، لما في خبر الصادق عن أبيه الباقر عن جابر رضي الله عنهم : (( فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص.)). وفي مجمع الزوائد عن المسور بن مخرمة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (( أما بعد، فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذه المواضع إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كعمايم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة ))، قال: وأخرجه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، أفاد هذا في تخريج الشفاء. وفي الروض: ورجاله رجال الصحيح. وقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يدفع إلا بعد الغروب.

فرع: فإن دفع قبل الغروب لزمه دم، خلاف الناصر. فإن رجع ودفع بعد الغروب لم يسقط الدم على المذهب، وعند أبي حنيفة والسيد يحيى والفقيه يحيى يسقط، وروي في شرح الإبانة والبحر الإجماع على سقوطه. قال في الشرح: (( أما لو خرج من الجبل غير قاصد للإفاضة بل لحاجة من استسقاء أو قضاء حاجة أو طلب ضالة وفي نفسه الرجوع فلعله لا يلزمه الدم إجماعًا.)). قال الإمام المهدي: وهو قريب، قلت: وهو المختار، وأما على المذهب فيلزم.

فرع: فلو تقارنت الإفاضة وغروب الشمس لزم دم، وكذا لو التبس، لأن الأصل بقاء النهار، فإن مات قبل الغروب لزم لترك بقية النهار، وكذا لباقي المناسك إلا طواف الزيارة فلا يجبره الدم، فان لم يقف إلا ليلاً أجزاه ولا يلزمه شيء.



فصل: في التباس يوم عرفة

فإن التبس يوم عرفة تحرى، فإن وقف من غير تحرٍّ فلا يخلو إما أن تنكشف له الإصابة أو لا؛ إن انكشفت له الإصابة أجزاه، وإن انكشف له الخطأ لم يجزه ويتحلل بعمرة. وإن بقي اللبس قال الإمام المهدي عليه السلام: فالأقرب أنه لا يجزيه، ويبقى محرمًا حتى يتحلل بعمرة.

وأما إذا تحرى فلا يخلو إما أن يحصل اللبس بين التاسع والعاشر، أو بين التاسع والثامن؛ إن وقع بين التاسع والثامن فلا يخلو إما أن يحصل له ظن أو لا، إن لم يحصل له ظن فقد قال كثير من المذاكرين إنه يجب عليه أن يقف مرتين ويفيض اليوم الأول ويعمل بموجبه، ثم يعود اليوم الثاني فيعمل بموجبه، وإن حصل له ظن فالواجب عليه أن يعمل بظنه، ويستحب له أن يقف يومين ليأخذ باليقين، فإن لم يقف إلا يومًا فإن لم ينكشف له الخطأ أجزاه، وإن انكشف له الخطأ وأنه وقف الثامن وكان ظنه تاسعًا، فإن علم ذلك في يوم عرفة أو ليلة النحر وقد بقي من الوقت ما يتسع لقطع المسافة إلى الجبل لزمته الإعادة، وإلا فقد أجزاه وقوف الثامن ولا دم عليه. وأما إذا وقف يومين فهو الاحتياط، ولا إشكال أن الوقوف قد أجزاه. وأما إن كان اللبس بين التاسع والعاشر فإنه يتحرى، فإن لم يحصل له ظن قال الإمام المهدي: فظاهر كلام الأصحاب أنه يقف يومين أيضًا لما تقدم.

قلت: وهو المذهب وهو على ظاهره غير صحيح كما ذكر ذلك الإمام المهدي، إذ لا وجه لوقوف يومين في هذه الصورة. قال: لكن الواجب عليه أن يقف هذا اليوم الذي وقع فيه اللبس، هل هو تاسع أم عاشر؟ فإن انكشف أنه تاسع أجزاه، وإن انكشف أنه عاشر ولم يكن قد حصل له ظن فالأقرب أنه يجزيه، إذ لا يقف إلا لظن وبناء منه على الأصل.

قلت: والمذهب أنه إن وقف لا بظن ولا بناء على الأصل لم يجزه، ومتى عمل بظنه أجزاه ما لم يتيقن الخطأ والوقت باقٍ، فإن تيقن الخطأ من بعد أن وقف العاشر أجزاه على المذهب خلاف أبي حنيفة، وتوخر الأيام في حقه على الصحيح، ولا تلزمه الدماء.

والحاصل أنه لا يخلو إما أن يقف بتحرٍّ أم لا، إن وقف بغير تحرٍّ لم يجزه إلا أن تنكشف الإصابة لأنه لا بد من اليقين، وإن كان بتحرٍّ فإنه يجزيه ما لم يتيقن الخطأ والوقت باقٍ، وحيث يجزيه تأخر الأيام في حقه ولا دم عليه على الأصح للإجماع، ولا فرق بين الثامن والتاسع والعاشر، هذا هو المقرر للمذهب.





فصل في المسنون والمستحب قبل الوقوف وحاله
فيما يُسنّ فعله أو يستحب قبل الوقوف وحاله وبعده،


في خبر الصادق عن أبيه عن جابر رضي الله عنهم قال: (( فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلّوا بالحج.))،

قلت: والمراد من كان أحل، فأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام الذي أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان قارناً فلم يحلا. وقد ساق علي عليه السلام معه بدناً من اليمن كما في حديث جابر، فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة، وفيه : (( فَحلَّ الناس كلهم، وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان معه هدي.)). قلت: وفيه قبل هذا: (( فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة...)) الخبر. وهذا هو فسخ الحج إلى العمرة، وهو عند أئمتنا والجمهور مخصوص بأولئك الركب. ففي الجامع الكافي قال أبو ذر وغيره من الصحابة: (( كان فسخ الحج خاصاً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.))، انتهى. وأخرج أبو داود عن أبي ذر: (( لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.))، وأخرجه مسلم في صحيحه عنه بمعناه، وكذا النسائي. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن بلال بن الحارث قال: (( قلت: يا رسول الله، أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( بل لنا خاصة )).))، وأخرج أبو داود عن عثمان: (( كانت لنا ليست لكم.)). هذا هو المراد باختصار.

(( وركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة.)). قلت: وفي الجامع الكافي بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قام بين الركن والباب حين زالت الشمس فوعظ الناس فقال: (( إنا نصلي الظهر بمنى، فمن استطاع منكم أن يصلي الظهر بمنى فليفعل. ))، ثم توجه إلى منى فصلى بها خمس صلوات آخرهن صلاة الفجر يوم عرفة. قال محمد: (( وذلك واسع على الناس، كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مضى معه قوم وتلاحق به آخرون، ولم يعب على أحد منهم.)).

فائدة: يستحب حال التوجه إلى منى قراءة سورة القدر والإكثار من التلبية والذكر، ويقول: (( اللهم إياك أرجو، وإياك أدعو، فبلغني أملي، وأصلح لي عملي.)).

فإذا بلغت منى فقل: (( الحمد لله الذي أقدمنيها صالحًا، وبلغنيها في عافية سالمًا. اللهم هذه منى وهي مما مننت به علينا، فأسألك أن تمن علي بما مننت به على أنبيائك وأوليائك وأهل طاعتك، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك، أستغفرك وأتوب إليك، وصلّ على محمد وآل محمد، واغفر لي ذنوبي ولوالدي وما ولدا، واقضِ لي حوائجي، فأنت المرجو وأنت البر الرحيم.)).

وتكبّر تكبير التشريق بعد صلاة الفجر إلى صلاة العصر، اليوم الرابع آخر أيام التشريق يوم النفر الآخر، والمختار أنه فرض بعد الفرايض لورود الأمر به، وهو قول الإمام زيد بن علي والمؤيد بالله والمنصور بالله عليهم السلام مرة واحدة. والمذهب أنه سنة مؤكدة عقيب الفرايض، ويستحب ثلاث مرات، وهو: (( الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.)). هذا اللفظ الذي صحت به الرواية عن علي عليه السلام، واستحسن الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام زيادة: (( والحمد لله على ما هدانا وأولانا، وأحل لنا من بهيمة الأنعام.))، لقوله تعالى: ﴿ ولتكبّروا الله على ما هداكم ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾. واستحسن غيره من الصحابة والأئمة نحو ذلك، وباب الذكر مفتوح.

ومما استحسن حال التوجه إلى عرفات قراءة فاتحة الكتاب وسورة القدر، ثم تقول: (( اللهم إليك صمدت، وإياك اعتمدت، ووجهك أردت، وأمرك اتبعت، وقولك صدقت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي، وأن تقضي لي حاجتي، وتُنجِح لي طلبتي، وتباهي بي اليوم من هو أفضل مني. اللهم صلّ على محمد وآله، وأعنّي على تمام مناسكي، وزكِّ عملي، واجعلها خير غدوة غدوتها، وأقربها من رضوانك، وأبعدها من سخطك.)). ثم تلبي وترفع صوتك رفعاً متوسطاً، وعليك بالسكينة والخشوع والوقار والخضوع. قال في خبر الصادق عليه السلام: (( فسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...))، إلى قوله: (( حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرُحِّلَت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: (( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا... )). ...))، إلى آخر الخطبة النبوية التي قرر فيها معالم الإسلام، وهدم قواعد الشرك والجاهلية، وحرم المحرمات التي أجمعت الملل على تحريمها، الدماء والأعراض والأموال وغير ذلك. وكانت خطبة واحدة، وأسرّ القراءة في الصلاة. : فدل على أنه لا جمعة على المسافر، وقد صلى الجميع بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين، أهل مكة وغيرهم. وهذا من أقوى الأدلة على القصر في البريد. قال في الخبر الشريف: (( ثم أذّن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصوى إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، ولم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص.)).

قلت: ويظهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما اختار الوقوف راكباً مع كونه أشق عليه ليراه المسلمون وتتضح لهم كل أفعاله وأقواله وجميع أعماله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان موقفه صلى الله عليه وآله وسلم أسفل الجبل المسمى جبل الرحمة عند الصخرات، فيستحب الوقوف فيه أو القرب منه حسب الإمكان بدون مشقة ولا زحام. وأما صعود الجبل فلا معنى له.





فصل في دعاء عرفة
في دعاء عرفة، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن أكثر دعاء من كان قبلي من الأنبياء ودعائي يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا. اللهم اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري. اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وشر فتنة القبر، وشر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوايق الدهر ))، أخرجه البيهقي. ولم يزل صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء وابتهال وتضرع، وكان في دعائه رافعًا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين.

وروي عن علي عليه السلام من دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعرفة: (( اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول. اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، وإليك مآبي ولك ربي تراثي.))، أخرجه الترمذي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما من دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفي عليك شيء من أمري. أنا البائس الفقير، الخائف المستجير، الوجل المشفق، المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته، وذل لك خده، ورغم لك أنفه. اللهم لا تجعلني بدعائك شقيًا، وكن بي روؤفًا رحيمًا، يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين.)).

وعن علي عليه السلام أنه قال: (( لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلاً، وليس يوم أكثر عتقًا للرقاب من يوم عرفة، فأكثر فيه أن تقول: اللهم اعتق رقبتي من النار، وأوسع لي من الرزق الحلال، واصرف عني فسقة الجن والإنس، فإنه عامة ما أدعو به اليوم.)).

فائدة: وندب الاغتسال يوم عرفة، فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي منسك الإمام زيد بن علي عليهما السلام: (( فإذا زالت الشمس يوم عرفة، فاغتسل...))، إلى قوله: (( وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والثناء على الله عز وجل، وصلّ على محمد وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، واستغفر لذنبك، وتخيّر لنفسك من الدعاء ما شئت، ولا تسأله مأثمًا. قال: وإن شئت جمعت بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ثم ائت الموقف، واستقبل البيت، فكبّر الله تعالى وهلّله واحمده، وصلّ على النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، واجتهد في الدعاء فإنه يوم مسألة، ولا تدع حاجة تريدها عاجلة ولا آجلة إلا دعوت الله بها، وليكن من قولك وأنت واقف: رب المشعر الحرام اغفر لي وارحمني. اللهم فك رقبتي من النار، وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس. وقف في مسيرة الجبل...))، إلى آخره. وفي الأمالي بسنده إلى جعفر الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام مثل ذلك.

وقال الهادي إلى الحق عليه السلام: (( فإذا صلى الظهر والعصر ارتحل فوقف في أي عرفة شاء، ويحرص أن يدنو من موقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الجبال، فإن لم يقدر على ذلك الموضع لكثرة الزحام فيقف بأي عرفة شاء ما خلا بطن عرنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( عرفة كلها موقف ما خلا بطن عرنة )). قال: فإذا وقف ذكر الله سبحانه وتعالى على كل شأن شأنه، ويسبحه ويحمده ويخلص النية له، ويقول: اللهم أنت ربنا ورب آبائنا الأولين، إياك قصدنا، ولك استجبنا، وعليك توكلنا، وإياك رجونا، ومنك سألنا، فأعطنا سؤلنا، وتجاوز عن سيئاتنا، واهدِ قلوبنا، وثبّتنا على الهدى، وآتنا تقوانا، ولا تكلنا إلى أنفسنا، وتقبّل حجّنا، ولا تردنا خائبين، واقلبنا لثوابك مستوجبين، آمنين لعذابك، ناجين من سخطك يا إله السموات والأرضين. اللهم لك الحمد على نعمائك، ولك الحمد على آلائك، ولك الحمد على ما أوليتنا وأبليتنا وأعطيتنا، فأمتعنا بنعمائك، ولا تزل عنا ما عودتنا من فضلك، وآلائك يا إله العالمين. وتدعو بما أحببت من الدعاء سوى ذلك لنفسك ولوالديك، ويسأل الله ما أحب أن يسأله. قال: وإن حضره شيء فليتصدق على من يرى من الضعفة والمساكين...))، إلى آخره.

فإذا زالت الشمس فينبغي أن تغتسل ثم تخطب إن كنت إمامًا أو نحوه أو تستمع الخطبة. ويفصل الخطيب بين كلامه بالتلبية ثلاثًا أو خمسا أو سبعًا، ويعرِّف الناس أعمال المناسك، ويجمع بين الظهر والعصر. والأَولى أن ترتحل بعد ذلك حتى تقف عند الصخرات بين الجبال، وتنوي الوقوف بعرفة للحج فذلك أحوط، وإن كانت نية الحج كافية كما سبق، وتتوجه إلى القبلة، وعليك بالتوبة والاستغفار وكثرة الأذكار وقراءة القرآن وتقول: (( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مائة مرة. وتكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له...))، إلى آخره كما سبق. وتقرأ ما تيسر من آيات القرآن، ولا سيما الفاتحة وعشر آيات من البقرة وآية الكرسي و ﴿ لله ما في السموات وما في الأرض … ﴾ إلى آخرها. وسورة يس وسورة الصمد والفلق والناس وأول الحديد وآخر الحشر، وتقول:

(( اللهم إني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك، وارحم مسيري إليك، وحاجتي وبكائي وتوكلي عليك. اللهم رب المشعر الحرام، فكّ رقبتي من النار، وأدخلني برحمتك الجنة ووالديّ وما ولدا، وأوسِع عليّ رزقك، وادرأ عني شرّ فسقة الجن والإنس. اللهم إني أسألك بحولك وقوتك ومجدك وكرمك ومنّك وفضلك، يا أسمع السامعين، ويا أنظر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحمني وتغفر لي...))، وتذكر حوائج الدنيا والآخرة لك ولمن تريد وتقول: (( اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرّني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، هي فكاك رقبتي من النار. اللهم فأجرني من النار ووالديّ وما ولدا وإخواني المؤمنين والمؤمنات، يا جبار الأرضين والسموات. اللهم إني عبدك، ناصيتي بيدك، وأجلي بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني، وأن تسلم مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم، ودللت عليها صفيك محمدًا صلواتك عليهما وعلى آلهما الطاهرين. اللهم اجعلني ممن رضيت عمله، وأطلت في ذلك عمره، وأحييته حياة طيبة.

الحمد لله الذي خلقني ولم أكُ شيئًا مذكورًا، وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلا، وملكني ولم أكن أملك قليلاً ولا كثيرًا. والحمد لله على حلمه بعد علمه، والحمد لله على عفوه بعد قدرته، والحمد لله على رحمته التي سبقت غضبه. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك الذي اصطفيته برسالتك وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد؛ وبارك وترحم وتحنن وسلم. اللهم إنك تجيب المضطر إذا دعاك وتكشف السوء وتغيث المكروب. اللهم إنك أقرب من دُعِي، وأسرع من أجاب، وأكرم من عفا، وخير من أعطى، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، دعوتك فأجبني، وسألتك فأعطني، وفزعت إليك فارحمني، وأسلمت إليك نفسي فاغفر لي ولوالدي وأولادي وأهلي وإخواني، ولكل نسب وسبب لي، ولجميع المؤمنين والمؤمنات. اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم. اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم. اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك من كريم أسمائك وجميل ثنائك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت علي منذ أنزلتني إلى الدنيا بركة في عصمة من ديني، وخاصة نفسي، وقضاء حاجتي، وإتمام النعمة علي، وأن تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك إنك جواد كريم. اللهم صل على محمد وآله وسلم، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد مني. اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل واعتقاد ونية، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل. اللهم وما قضيت لي من أمر فاجعل عاقبته رشدًا، واجعل كل قضاء لي خيرًا، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك إخبات المخبتين، وإخلاص الموقنين، ومرافقة الأبرار، واستحقاق حقائق الإيمان. اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. اللهم لا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرّجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا داء إلا شفيته، ولا عدوًا إلا كفيته، ولا طفلاً إلا ربيته، ولا شابًا إلا هديته، ولا كبيرًا إلا رحمته، ولا حاجة من حوايج الدنيا والآخرة لك فيها رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ومن الفقر والدَّين. اللهم أعنّي على أداء شكرك وذكرك وحسن عبادتك. اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر. ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري. ربّ هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلني من ورثة جنة النعيم. اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، ونوّر قلبي وقبري، وأعذني من الشر كله، واجمع لي الخير كله، واملأ قلبي علمًا وخوفًا من سطوتك، وامدد في طاعتك عمري، وأذقني عافيتك إلى منتهى أجلي. اللهم ارزقني الحب فيك، والبغض فيك. اللهم أرني الحق حقًا وارزقني اتبّاعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه. اللهم صل على محمد وآل محمد، واسمع دعائي، وارحم تضرّعي وتذللي واستكانتي بين يديك وتسليمي لأمرك، لا أرجو نجاحًا ولا معافاة ولا تشريفًا إلا بك ومنك، فأعنيّ على طاعتك وطاعة من أوجبت طاعته. اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تحرمني رحمتك، ولا تكلني إلى غيرك، فإني بحبلك اعتصمت وعليك توكلت. اللهم يا رفيع الدرجات، ومنزل البركات، ويا فاطر الأرضين والسموات، يا من ضجّت إليه الأصوات بمختلف اللغات تسأله الحاجات، حاجتي أن تغفر لي ولوالديّ، وأن تؤنسني في دار البلى إذا نسيني أهل الدنيا، لبّيك وسعديك والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت ربنا وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، والشوق إلى لقائك عن غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. اللهم زيّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالّين ولا مضلّين، سلماً لأوليائك، حربًا لأعدائك. اللهم أعطِ نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت ولّيها ومولاها. اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم إني في يوم حرام، في بلد حرام، في شهر حرام، أسألك أن لا تجعلني أشقى خلقك المذنبين عندك، ولا أخيب الراجين لما لديك، ولا أحرم الآملين لرحمتك، الزائرين لبيتك، ولا أخسر المنقلبين من بلادك. اللهم استجب لي جميع دعائي، وأشركني في دعاء عبادك الصالحين. اللهم إني قد دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه، فلا تحرمني الرجاء الذي عرّفتنيه. اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك اتّكالنا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.)).

وتكثر من التلبية وذكر الله سبحانه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء والتلاوة ، فهذا يوم عظيم، ومجمع جليل، تسكب فيه العبرات، وتستقال فيه العثرات، وتعتق فيه الرقاب، ويتفضل على عباده رب الأرباب.



فصل في الإفاضة

فإذا غربت الشمس ودخل جزء من الليل أفضت، ويستحب أن تمر من بين العلمين إن أمكن بلا مشقة، وقل: (( اللهم صلّ وسلم على محمد وعلى آل محمد، ولا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، واقلبني مفلحًا منجحًا مستجابًا لي، مرحومًا مغفورًا لي بأفضل ما ينقلب به أحد من وفدك عليك، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدًا منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لي فيما أرجع إليه من ولد وأهل ومال، وبارك لهم فيّ يا كريم، إليك اللهم أرغب، وإياك أرجو، فتقبّل نسُكي، ولا تخيّبني.)). وتلازم التلبية وقراءة القرآن والدعاء، ولا تترك الاستغفار لقوله عزَّ وجل: ﴿ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ﴾، وتقصد في سيرك بسكينة ووقار وتقول: (( اللهم ارحم موقفي، وزكّ عملي، وسلّم لي ديني، وتقبّل مناسكي.)). فإذا وصلت المأزمين قلت: (( الله أكبر الله أكبر، سبع مرات. اللهم صلّ على خيرتك من خلقك محمد الأمين، وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين. إلهي إلى ما ها هنا دعوتني، وبما عندك وعدتني، وقد جئتك بتوفيقك وفضلك، فارحمني وتجاوز عني، وامنحني توفيق المتقين، وإخلاص العارفين، وهداية الموقنين، واستغفار الوجلين، واعمر قلبي بذكرك، ولساني بشكرك، واستعمل جوارحي في رضاك، وأغنني عن مدّ يدي إلى سواك، بفضلك وكرمك. وفي خبر جابر: ودفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد شنق بالقصوى الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة، كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبّح بينهما شيئًا...))، إلى آخره.

ولم يصم الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة، فإنهم لما اختلفوا في ذلك أرسلت أم الفضل زوج العباس رضي الله عنهم بلبن، فشربه صلى الله عليه وآله وسلم على الناقة ليبين لهم، ولعله تركه مع ما قاله فيه صلى الله عليه وآله وسلم من الترغيب لئلا يشق على أمته، كما ترك إحياء ليلة مزدلفة مع تهجده صلى الله عليه وآله وسلم دائمًا، والله أعلم.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

فصل في النسك الخامس: المبيت بمزدلفة

المبيت أكثر الليل بمزدلفة ليلة النحر، وهو واجب وليس بركن، خلاف جماعة منهم ابن عباس والبصري. وعند الشافعي انه سنة لا غير، والصحيح الأول وقد سبق الكلام.

حدود مزدلفة: وهي ما بين مأزمي عرفة ومأزمي وادي محسر من اليمين والشمال شعابه وقوابله. والمأزم الطريق الضيق بين الجبلين.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك السادس: الجمع بين العشائين في مزدلفة

صلاة المغرب والعشاء فيها بعد دخول وقت العشاء، وهذا هو المقصود من الجمع. وعند الشافعي انه سنة لا غير. والدليل على أنه نسك، قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأسامة: (( الصلاة أمامك ))، أخرجه الإمام المؤيد بالله والبخاري ومسلم، وقول أمير المؤمنين عليه السلام: (( لا يصلي الإمام المغرب والعشاء إلا بجمع...)) إلى آخره، وفعله صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق بأذان وإقامتين كما سبق في الخبر، وهو زيادة على ما في المجموع وغيره من إقامة واحدة، فيجب قبولها، وهي في منسك الإمام زيد بن علي عليهما السلام. ولا دم على الحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه بتركهما.

فإن صلاهما قبل أن يصل مزدلفة لم يجزه إلا أن يخشى فواتهما، ويلزمه دم على المذهب، فإن فرق بينهما لعذر فعند المنصور بالله والأمير الحسين لا دم عليه، والمذهب أنه يلزمه الدم كما لو صلاهما في غير المزدلفة ولو لعذر.

فرع: فلو صلاهما في غيرها ثم وصلها وفي الوقت بقيّة لزمه الإعادة، ولا تصح صلاتهما في غيرها إلا لعذر، ولوصلاهما قبل الإحرام ثم أحرم لزمته الإعادة على المذهب، وقيل لا إعادة ولا دم؛ أفاده في المقصد الحسن.

فرع: فلو استأجر حايضًا أو نفساء للمبيت بمزدلفة لزم دم على المذهب، وقيل لاشيء وقرره المفتي، وهو المختار.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك السابع: الدفع من مزدلفة

الدفع منها قبل الشروق ولو ليلاً. وعند الإمام المنصور بالله: لا دم على من لم يدفع قبل الشروق. والدليل على أنه نسك فعله صلى الله عليه وآله وسلم، والخبر السابق في مخالفة أهل الشرك.

فائدة: اعلم أن الدفع هذا نسك مستقل غير المرور بالمشعر، ووقته من الليل إلى الشروق على المذهب. والمختار أنه لا يصح ليلاً إلا لمن رخص لهم، فلو دفع من مزدلفة قبل الشروق وبعد الفجر وعاد إليها ولم يخرج إلا بعد الشروق لم يلزمه دم، لأنه صدق عليه أنه قد دفع قبل الشروق، ومر بالمشعر بعد الفجر قبل طلوع الشمس، فقد فعل ما أمر به، ولم يرد نهي عن العود إليها. وقد أدخل في البحر و الأزهار وغيرهما هذين النسكين في المبيت، فجعلوا المناسك عشرة مع أنهما نسكان عندهم، وذكرتهما منفردين زيادة في الإيضاح.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك الثامن: المرور بالمشعر الحرام


المرور بالمشعر الحرام، والمقصود به هنا المزدلفة كلها. ووقت المرور بالمشعر الحرام بعد طلوع الفجر يوم النحر إلى طلوع الشمس، وعند أبي حنيفة والشافعي انه مستحب.

فائدة: اعلم أنه يطلق المشعر الحرام على المزدلفة كلها، ويدل عليه خبر ابن عباس رضي الله عنهما الطويل في تعليم جبريل عليه السلام لإبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم المناسك، وفيه أنه أتى به جمعا فقال: (( هذا المشعر الحرام.))، أخرجه أحمد والطبراني في الكبير، قال الهيثمي رجاله ثقات، وهو مراد الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في قوله: (( حد المشعر إلى المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر.))، ويطلق على موضع خاص من المزدلفة كما في خبر الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام: (( ثم يبيتون بها، فإذا صلى الفجر وقف بالناس عند المشعر الحرام حتى تكاد الشمس تطلع، ثم يفيضون وعليهم السكينة والوقار.)). وفي خبر الصادق عن الباقر عن جابر: (( حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبّح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبره وهلله ووحده. فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا فدفع قبل أن تطلع الشمس ...))، الخبر. والذي يدل على أن الإمام الهادي عليه السلام أراد في تحديده للمشعر المعنى العام وأنه يثبت المعنى الخاص قوله في الأحكام: (( فإذا طلع الفجر، فليرتحل وليمضِ حتى يقف عند المشعر الحرام، ويذكر الله سبحانه.))، وقد سبق له أن قال في حج إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم: (( ويقال - والله أعلم - إنها إنما سميت مزدلفة لازدلاف الناس منها إلى مِنى، وإنما سمي موضعها جمعًا لأنه جمع بين الصلاتين، ثم نهض حين طلع الفجر فوقف على الضرب، الذي يقال له قُزَح ووقف الناس حوله، وهو المشعر الحرام الذي أمر الله بذكره عنده...)) إلى آخره. والراجح أنه حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر من إطلاق اسم الجزء على الكل أو العكس، ومن لم يحقق هذا اضطرب فهمه. وقد نظَّر بعض الفقهاء على كلام الإمام في تحديد المشعر، وسببه ما ذكرت لك. قال ابن عبد البر وتبعه المقبلي أن المشعر والمزدلفة وجمعا ثلاثة أسماء لموضع واحد. ونقل عن الزمخشري أنه قال: (( هو قزح أو المزدلفة جميعها.))، وقال: (( قزح هو الجبل الذي يقف عليه الإمام.)). وفي المصباح: (( والمشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح.))، انتهى. وهو بضم القاف وفتح الزاي وآخره حاء مهملة، وهو الجبل المعروف، وقد بني عليه بناء وتحته مسجد، وتسميته بقزح كما نص عليه الإمام الهادي إلى الحق قد وردت في الخبر في الجامع الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( فلما أصبح وقف على قزح.)). وقال: (( هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف غير بطن محسر.)). وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أصبح بجمع أتى قزح فوقف عليه، وقال: (( هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف.))، أخرجه أبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح.

والذكر عنده مؤكد وقد أوجبه القاضي زيد، وهو قوي للأمر به في الآية الكريمة لكن لا بخصوص المكان لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( وجمع كلها موقف.))،. ويسنّ فيه استقبال القبلة والدعاء والتكبير والتهليل والتوحيد كما سبق عنه صلى الله عليه وآله وسلم. ومن مختار الدعاء فيه ما قاله الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام بعد كلامه السابق: (( فإذا أتى المشعر الحرام فليقل: اللهم هذا المشعر الحرام الذي تعبدت عبادك بالذكر لك عنده وأمرتهم به فقلت: ﴿ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ﴾ ولا ذكر لك أذكرك به أعظم من توحيدك، والإقرار بعدلك في كل أمورك، والتصديق بوعدك ووعيدك، فأنت الله لا إله سواك، ولا أعبد غيرك،تعاليت عن شبه خلقك، وتقدست عن مماثلة عبيدك، فأنت الواحد الذي ليس لك مثيل،ولا يعدلك عديل، لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفؤا أحد. الأول قبل كل شيء، والمكون لكل كائن، خالق الأولين والآخرين، والباعث لكل الخلائق يوم الدين، البريّ عن أفعال العباد، المتعالي عن القضاء بالفساد، صادق الوعد والوعيد، الرحمن الرحيم، أسألك يا رب الأرباب، ويا معتق الرقاب في يوم الحساب، أن تعتقني من النار، وأن تجعلني بقدرتك في خير دار في جنات تجري من تحتها الأنهار، فإنك واحد قهار جبار. اللهم اغفر لي ولوالديّ وما ولدا والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم لك الحمد كما ابتدأت الحمد، ولك الشكر وأنت ولي الشكر، ولك المن يا ذا المن والإحسان. اللهم فأعطني سؤلي في دنياي وآخرتي فانك جواد كريم.))، انتهى. وتقرأ سورة القدر، وإن كان في الوقت سعة زدت في الدعاء: (( الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. اللهم إني عبدك وأنت ربي، أسألك اليُمن والإيمان والتسليم والسلام والإسلام. اللهم رب المشعر الحرام صلِّ على محمد وآله، وحرّم جسدي ووالدي على النار. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم لك الحمد كله،ولك الجلال كله، ولك التقديس كله، اغفر لي جميع ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملاً صالحًا ترضى به عني يا ذا الفضل العظيم. اللهم أعطني خير الدنيا والآخرة، وأجرني من كل شر في الدنيا والآخرة، وارزقني جوامع الخير كله. اللهم صلِّ وبارك وترحّم وتحنن وسلّم على رسولك محمد الأمين وعلى آله الطاهرين.))، وما حضرك من ذكر الله سبحانه. ولا تترك التلبية، ومتى بلغت وادي محسر - وهو ما بين مزدلفة ومنى- أسرعت في المشي، وإن كنت راكبًا حرّكت دابتك مقدار رمية حجر، في خبر الصادق عليه السلام: (( حتى أتى بطن محسر فحرّك قليلا.)).

فائدة: بين كل مشعرين برزخ ليس منهما، فبين مِنى ومزدلفة محسر، وبين مزدلفة وعرفات عرنة، وتجوزه وأنت تقول: (( اللهم صل على محمد وآل محمد، وسلّم عهدي، واقبل توبتي، وأجب دعوتي، واغفر زلتي، وأقل عثرتي، وآنس وحشتي في قبري، واخلفني في أهلي وما تركت بعدي.)).

تنبيه: في المزدلفة أربعة مناسك: المبيت بها أكثر الليل، وجمع العشائين فيها، والدفع قبل الشروق، والمرور بالمشعر بعد الفجر وقبل طلوع الشمس. فيلزم بتركها كلها أربعة دماء، وبترك أحدها دم، وقد سبق الخلاف.



فائدة: من أين تؤخذ الحصى؟


لم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ الحصى في هذه الليلة، بل أمر بأخذها من وادي محسر، ومن منى. ففي خبر جابر رضي الله عنه قال: (( لما بلغنا وادي محسر قال: خذوا حصى الجمار من وادي محسر.))، أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد. وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال حين دفعوا : (( عليكم بالسكينة ))، وهو كافٍ ناقته حتى دخل محسرا قال: (( عليكم بحصى الخذف )) الذي يرمي به الجمرة، أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وكان رِدْف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم غداة العقبة وهو على راحلته: (( هات القُطْ لي ))، فلقطت له حصيات من حصيات الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: (( بأمثال هؤلاء، إياكم والغلوّ في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين. ))، أخرجه النسائي. فهذا العمل الذي اعتاده الكثير ليلة مزدلفة من الاشتغال بلقطها مع ما يحصل به من الأذى بمرور بعضهم على بعض، وإيقاظ النائمين، وقد يتلوث بالنجاسات، لا أصل له. وهي تجزي من أي مكان بالإجماع ما لم تكن مستعملة أو مغصوبة أو متنجسة. وإنما استحب تقديم أخذها قبل الوصول إلى الجمرة لئلا يشتغل عن الرمي، لكن لا على هذه الصفة المشتملة على عدة مكروهات. في أمالي أحمد بن عيسى بالسند عن أبي جعفر عليهم السلام: (( وخذ الحصى من المزدلفة إن شئت أو رحلك بمنى،كل ذلك لا بأس به، ولتكن كل حصاة قدر أنملة حصى الخذف...))، الخ.

وصح عن عبدالله بن الحسن عليهما السلام أنه أخذها من منى. وقال القاسم بن إبراهيم عليهما السلام: (( يستحب حمله من المزدلفة، وإن أخذتها من غيرها فلا بأس، وإن غسلته فحسن، وإن لم تغسله فلا بأس إذا لم يكن فيه قذر يتبين.)). وقال الهادي إلى الحق عليه السلام: (( فإن أَخَذه آخذ من بعض جبال منى أو أوديتها أجزاه ذلك، ويستحب له أن يغسله إن رأى فيه دنسًا أو أثرًا. وإن رمى راكبًا أجزاه، ولا يرمي بالحصى إلا مفرقًا واحدة واحدة، يكبر مع كل حصاة...))، إلى آخره.

ومتى وصلت مِنى قلت: (( الحمد لله الذي بلّغنيها سالًما معافى. اللهم هذه منى قد أتيتها، وأنا عبدك وفي قبضتك، أسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أوليائك. اللهم إني أعوذ بك من الحرمان والمصيبة في ديني ودنياي. اللهم أتم لي حجي في عافية وسلامة، وارحمني واغفر لي ولوالدي يا أرحم الراحمين.)).
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك التاسع: الرمي

وقت الرمي:

يرمي أول يوم جمرة العقبة، ووقت أدائه من فجر يوم النحر على المذهب، وقول أبي حنيفة ومالك وأحمد. وروى الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام عن العترة عليهم السلام والشافعي رضي الله عنه: أنه من ضحى. وعن الشافعي: من النصف الأخير ليلة النحر. والمختار أنه من طلوع الشمس، لما رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: (( أيام الرمي يوم النحر - وهو يوم العاشر - يرمي فيه جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ولا يرمي يومئذ من الجمار غيرها…))، الخ. ولفعله صلى الله عليه وآله وسلّم وقوله: ( ( لا ترموا حتى تطلع الشمس ))، أخرجه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، ورواه أحمد والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس. وقد صح أنه صلى الله عليه وآله وسلّم رمى ضحى يوم النحر كما في خبر جابر وغيره. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا ترموا حتى تطلع الشمس. ))، يبين أنه جائز من طلوعها، ولا تفاوت بين الوقتين، ولا حجة للقائلين بجوازه من بعد الفجر بما في بعض الروايات عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلّم: (( لا ترموا حتى تصبحوا. )) لأنه مطلق مقيد بخبر طلوع الشمس. وروي هذا القول في الأمالي عن القاسم بن إبراهيم، وهو في أحكام الهادي إلى الحق عليه السلام.

وآخر وقت أدائه فجر ثانيه، هذا قول أهل المذهب وغيرهم. وقال المنصور بالله عليه السلام وابن أبي النجم: (( إلى الزوال يوم النحر.)). وعن الشافعي: إلى الغروب. قلت: وفي رواية ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يُسأل يوم النحر بمنى، فقال له رجل: رميت بعد ما أمسيت، فقال: (( لا حرج ))، أخرجه البخاري، ما يدل على جوازه في المساء، وهو يطلق على ما بعد الزوال ويدخل فيه الليل، وإن كان السائل المذكور رمى بالنهار، إذ قد تعلق بالمساء ولم يبين له أنه لا يصح إلا النهار، فهذا أشف ما يستدل به. والأَولى أن لا يترك إلى الليل إلا لعذر.



المرخص لهم بالرمي في النصف الأخير:

مسألة: وللمرأة والخنثى والمريض والخائف والمرافق والمحرم ونحوهم الرمي من النصف الأخير ليلة النحر لا قبله، فلا يجزي إجماعاً، لخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قدّم النساء والصبيان وضعفة أهله في السحر، ثم أقام هو حتى وقف بعد الفجر، رواه الإمام زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام، والأخبار في هذا معروفة.

قلت: والأَولى للرفيق والمحرم إن لم يكن عليهم حرج أن لا يرموا إلا بعد طلوع الشمس لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم لابن عباس كما مر. وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى عن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام عن رمي قبل طلوع الفجر، قال: (( رخص ذلك للنساء، ولا يرمي الرجال إلا بعد طلوع الشمس.)).




فرع: الحكم في المرخص له:


ويلزمهم دمان على المذهب لعدم المرور بالمشعر، وعدم المبيت أكثر الليل. فإن كانوا باتوا أكثر الليل وعادوا فوقفوا بعد طلوع الفجر قبل شروق الشمس لم يلزمهم دم، وإن تركوا أحدهما لزمهم دم واحد.

والمختار أنه لا يلزم المرخص لهم دم هنا مطلقًا، إذ لم ينقل أنه صلى الله عليه وآله وسلّم ألزمهم، وهو في مقام البيان، ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة. لا يقال قد اكتفى بقوله: ((من ترك نسكًا فعليه دم ))؛ لأن ذلك عام وهذا خاص؛ ولأن الإذن لهم يفيد عدم الوجوب عليهم؛ فلا يكون في حقهم نسكًا؛ ولأنه قد سبق الكلام عليه. والمعلوم أنه لو لزمهم لأخرِجَ، ولو أُخرِج لنقل كما نقلت تفاصيل أعمال الحج لتوفر الدواعي إلى نقلها، وإنما أطوي التفصيل في مثل هذا للاختصار والاعتماد على فهم الناظر.





فصل في عدد حصيات الرمي

عدد حصيات الرمي:



والرمي يكون بسبع حصيات، لخبر الصادق عليه السلام: (( حتى أتى بطن محسر فحرّك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف...))، الخبر.

ولا يجزي بالبندق أو الوضف أو الخذف، ولا بالشجر والكحل والزرنيخ، ونحو ذلك على المذهب. وعند زيد بن علي عليه السلام: يجزي، وعند أبي حنيفة: يجزي بكل حجر إلا المنطبع كالذهب والفضة. وفي البحر عن العترة: لا يجزي الياقوت والزمرد والعقيق ونحوها. وعند الإمام يحيى والشافعي: يجزي لأنها أحجار.

قلت: والأحوط الحصى لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم : (( بأمثال هؤلاء )). ويستحب أن تكون كالأنملة، ويجزي بأصغر وأكبر مهما أُطلِق عليه اسم الحصى.

وتكون مرتبة، فلو رمى بها دفعة واحدة أعاد الكل ولو ناسيًا. وعن الناصر وأبي حنيفة والشافعي: يجزي عن واحدة. وعن الناصر: إن فعل ناسيًا أجزأ عن الكل. والعبرة بخروجها عن اليد.

ولا يشترط أن يصيب الجمرة، بل يقصد المرمى وهو موضع الجمرة وحولها سواء أصابها أم أصابه، وإن قصد إصابة البناء فلا يجزي على المذهب، لأنه لم يقصد المرمى. والمرمى هو القرار لا البناء المنصوب. وقال الفقيه يحيى: يجزي، لأن حكم الهواء حكم القرار، وقوّاه المفتي، واختاره الإمام شرف الدين وغيره، وهو قوي. فلو أصابت الحصاة بعيرًا أو إنسانًا ثم اندفعت إلى المحل بغير دفع الذي وقعت فيه أجزأ. فلو التبس فلا يجزي. وكذا إن التبس وقوعها في المحل أم في غيره، وكذا لو طفت من فوق الجمرة أو قصرت عن بلوغها، وكذا إن قصد غيرها، ولو أصابها فلا يجزي. كذا ذكروه للمذهب وهو خلاف ما قرروه من أن نية الإحرام كافية عن نية أعمال الحج، والأَولى أن يقال: إن نية الحج كافية حيث لم تكن له نية، أما إذا نوى غير ذلك فلا تجزي، فهذا هو المختار.

مسألة: ويجب أن تكون الحصاة مباحة طاهرة لكونه عبادة، فلا تصح بمعصية، وقد أمر بهجر الرجز. وقد روى الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم غسلها، وعند الإمام يحيى أنه يكره بالمتنجس والمغصوب فقط.

ويجب أن تكون غير مستعملة قد أسقطت واجبًا قياسًا على الماء، كذا استدل في البحر. قلت: وفي الأصل، الذي هو الماء المستعمل، خلاف الإمام زيد بن علي والناصر والمؤيد بالله عليهم السلام وغيرهم. ولم يتضح دليل على عدم الإجزاء لا في الماء ولا في الحصى. وقد نسب في البحر عدم الإجزاء للمذهب وأحمد بن حنبل، والقول بخلافه للشافعي وأصحابه. والأَولى تركه للاحتياط والخروج عن العهدة بيقين. وفي البحر: ويكره أخذها من الجمرة لقول ابن عباس: (( الرمي قربان ))، قال في التخريج: فما يقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك. هكذا في الانتصار. والذي في الجامع عن ابن عباس قال: لولا ما يرفع الذي يتقبل لكانت أعظم من ثبير، ذكره رزين وساق في معنى ذلك روايات. وفيه عن العترة: ويكره أخذ الحصى من المسجد لحرمتها، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلّم :(( إن حصى المسجد لتناشد من أخرجها ))، قال في التخريج: لفظه في الجامع عن أبي هريرة قال أبو بدر شجاع بن الوليد: أراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: (( إن الحصى لتناشد الله الذي يخرجها من المسجد ليدعها )) أخرجه أبو داود، انتهى.

فائدة: يلزم أن يكون بينه وبين الجمرة من البعد مقدار ما يسمى راميًا لا ملقيًا، وقد قدّر بعشرة أذرع وخمسة عشر. وقال الناصر: خمسة أذرع.




فصل في مندوبات الرمي

ندب أن يكون على طهارة، وأن يضع الحصى في اليسرى، ويرمي باليمنى، وأن يكون من بطن الوادي، ويجعل البيت عن يساره ومِنى عن يمينه، ويكبّر مع كل حصاة. وفي شرح الأحكام بسنده إلى الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: (( إن أتيت الجمرة العظمى التي عند العقبة فارمها بسبع حصيات، يكون بينك وبينها نحو من خمسة أذرع، وكبّر مع كل حصاة، وقل: (( اللهم ازجر عني الشيطان، اللهم تصديقًا بكتابك وسنة نبيك. اللهم اجعله حجًا مبرورًا، وعملاً متقبلاً، وذنبًا مغفورًا.)). وإن شئت قلت ذلك مع كل حصاة، وإن شئت قلت حين تفرغ من آخر رميك حين تريد الانصراف.)).

ويصح راكبًا وراجلاً، واختلف في الأفضل، فعند الناصر والإمام يحيى والفريقين: الراكب لفعله صلى الله عليه وآله وسلّم، وعند القاسم والهادي: الراجل لتقديمه في قوله تعالى: ﴿ يأتوك رجالاً ﴾، وفعله صلى الله عليه وآله وسلّم لعذر. قلت: والأظهر أنه ليتمكن الجميع من رؤيته صلى الله عليه وآله وسلّم؛ عن جابر قال: (( رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول : (( لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه )) ))، أخرجه أحمد، ومسلم، والنسائي. وقد سبق ذكر التكبير. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى، فجعل البيت عن يساره، ومِنى عن يمينه ورمى بسبع، وقال: (( هكذا رمى الذي أُنزلت عليه سورة البقرة.))، متفق عليه. وفي رواية لأحمد أنه انتهى إلى جمرة العقبة، فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة، وقال: (( اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا.))، ثم قال: (( ههنا كان يقوم الذي أُنزلت عليه سورة البقرة.)). وفي الجامع الكافي من كلام محمد: (( فإذا أتيت مِنى فضع رحلك بها، وتوضأ إن لم تكن متوضئًا، والغسل أفضل. ثم ائت جمرة العقبة - وهي أقرب الجمرات إلى مكة - وارمها من بطن الوادي بسبع حصيات.)). وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. وفي الأحكام: (( فإذا انتهى إلى مِنى، فليمضِ على حاله حتى يأتي جمرة العقبة من بطن منى فيرميها بسبع حصيات، يقول مع كل حصاة: لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً. ثم ليقطع التلبية مع أول حصاة رمى بها...))، إلى آخره.

قلت: وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في خبر الفضل بن العباس وأسامة بن زيد، وكان أسامة رديفه من عرفة إلى مزدلفة، والفضل من مزدلفة إلى منى.




فصل في الاحلال بعد الرمي

ويحل بعد رمي جمرة العقبة كل محظورات الإحرام غير الوطء، ولاشيء في مقدماته ولو أمنى على المذهب إلا الإثم. وقيل لا إثم، وهو ظاهر الأزهار، والأحوط الترك. ولا يتحلل برمي غير جمرة العقبة لا في اليوم الأول ولا الثاني ولا الثالث. وعند مالك: لا يحل الطيب إذ هو من توابع النكاح. وألحق الليث الصيد بالنساء لإشراكهما في التكفير.

فائدة: والتحليل يقع بأول حصاة، ولو لم يتم الرجم على المذهب، وفي البحر ما لفظه: العترة والفريقان، وبعد الحلق السيد يحيى، أو الرمي بأول حصاة يحل كل محظور إلا النساء لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم : (( إذا رميتم وحلقتم... )) الخبر. قال في التخريج: تمامه فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء، هكذا في الشفاء، انتهى. قلت: وأخرجه بدون الثياب أحمد وأبو داود والدارقطني والبيهقي من حديث عائشة، وأخرج أبو داود والحاكم والبيهقي من حديث أم سلمة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( هذا يوم رخص لكم فيه إذا رميتم الجمرة ونحرتم الهدي أنكم قد حللتم من كل شيء إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت. ))، أفاده في الروض. وفي المجموع عن علي عليه السلام: (( فإذا طاف الرجل طواف الزيارة، حَلَّ له الطيب والنساء، وإن قصر وذبح ولم يطف طواف الزيارة حَلَّ له الطيب واللباس، ولم يحل له النساء حتى يطوف بالبيت.)). قال في الروض: فهو تصريح بأن الطيب ونحوه من محظورات الإحرام ما عدا النساء قد حل بالتقصير والذبح المترتبين على الرمي وإن لم يذكره، فقد صرح به عليه السلام فيما يأتي من قوله - أي علي عليه السلام - : ((أول المناسك يوم النحر رمي الجمرة، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم طواف الزيارة...))، إلى آخره. قال قوله: (( إن قصر وذبح يشعر بأنه لا بد من مجموع الأمرين - يعني بعد الرمي - وأنه يقع التحلل بذلك. ثم نقل عن البدر التمام أنه لا قائل بمجموع الأمرين، فتحمل رواية الجمع على أن الأحسن أن يفعل الحلق بعد الرمي، وإن لم يكن لازمًا.))، انتهى. وفي سبل السلام: ( والظاهر أنه مجمع على حل الطيب وغيره إلا الوطء بعد الرمي وإن لم يحلق.))، انتهى.

قلت: وفي الإجماع نظر، والأحوط عندي فعل الجميع قبل الإحلال لظاهر هذا، ولمفهوم الخبر السابق: إذا رميتم وحلقتم، وإذا رميتم الجمرة ونحرتم الهدي. والمقصود به الهدي الواجب. وقد اختار بعض الأئمة أنه لا يحل إلا بعد الرمي والحلق. والمذهب أنه يحل بالرمي بأول حصاة كما مر. وعند المؤيد بالله عليه السلام: أنه يندب تقديم الرمي ثم الذبح ثم الحلق أو التقصير، وان أي الثلاثة فعل بعد فجر النحر فقد حلت له المحظورات ماعدا الوطء. فللمجتهد نظره، وغيره يكفيه قول من تترجح له متابعته من الأعلام ﴿ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ﴾.

تنبيه: أهل المذهب وبعض الأئمة لا يوجبون الحلق أو التقصير في الحج. وعند الإمام الناصر والمؤيد بالله وأبي طالب وأبي حنيفة والشافعي ومالك: أنه نسك واجب، وهو المختار لظاهر الأدلة، ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال:(( خذوا عني مناسككم )). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أول المناسك يوم النحر رمي الجمرة ثم الذبح ثم الحلق، كما سبق. وفائدة الخلاف أن من جعله نسكًا يوجب حلق الرأس أو التقصير، ويوجب لتركه دمًا، ويجيز تقديمه على الرمي وغيره، وتقديم الرمي عنده مندوب لا غير، ويقع الإحلال به. وعلى القول بأنه غير نسك العكس. والأفضل الحلق لأنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة واحدة كما رواه أمير المؤمنين عليه السلام وغيره. والمشروع للنساء التقصير، أخرج الترمذي عن علي عليه السلام: (( نهى أن تحلق المرأة رأسها.)). وأخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما: (( ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير.))، وهذا مجمع عليه وهو في حقهن مُثلَّه، فإن حلقن أجزأ؛ ذكره في حواشي الأزهار، وسيأتي تمام الكلام عليه في العمرة لأنه نسك فيها بالاتفاق.

مسألة: من قدّم طواف الزيارة، حلّ له جميع المحظورات من وطء وغيره.


ا
لدليل على حل كل شيء من محظورات الإحرام بطواف الزيارة:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (( فإذا طاف الرجل طواف الزيارة حلّ له الطيب والنساء...))، ولم يفصل بين تقديمه وتأخيره. ومفهوم الشرط في تحريم الطيب قبل الطواف غير مأخوذ به لمنطوق ما تقدم من قوله: (( حل له الطيب واللباس ))، وقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: (( إذا رميتم..)) الخبر المتقدم.

ولا دم للترتيب بينه وبين الرمي، لأنه غير نسك. وحكى في حواشي الشرح عن المنصور بالله لزومه. ويدل على عدم اللزوم الأخبار المروية في رفع الحرج عن التقديم والتأخير، منها ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: زرت قبل أن أرمي، قال :(( لا حرج )) ؛ أخرجه البخاري، وسيأتي لهذا مزيد.




فصل في ترتيب أعمال يوم النحر

في مجموع الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام: (( أول المناسك يوم النحر: رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم طواف الزيارة.)). و أخرج الستة إلا ابن ماجه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال : (( هاهنا )) فدفعه إلى أبي طلحة. وفي خبر الصادق عن جابر رضي الله عنهم: (( رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بدنة، ثم أعطى عليًا فنحر ما غَبَر.))، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر...))، وفي خبر ابن عمر أنه صلى الظهر بمنى، وخبر جابر أرجح لوجوه لا يسع المقام ذكرها. وفي سبل السلام: (( وجَمْع بينهما، أنه صلى بمكة ثم أعاده بأصحابه جماعة بمنى لينالوا فضل الجماعة خلفه.))، انتهى، وهو ضعيف كما لا يخفى.


الخطب في الحج

وقد خطب الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في يوم النحر، وبيّن لهم فضل ذلك اليوم، والشهر الحرام، والبلد الحرام، وأن دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام، وأن يبلغ الشاهد الغائب، وألا يرجعوا بعده كفّارًا يضرب بعضهم رقاب بعض. وفتح الله له الأسماع حتى سمعه الناس في منازلهم، وودّع الناس. قال ابن عباس في هذه الخطبة : (( فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته.)). والخطب المشروعة في الحج أربع: في سابع الحجة، ويوم عرفة، ويوم النحر، وثانيه.

الكلام على صلاة العيد في الحج:

فائدة: لم يرد لصلاة العيد ذكر، مع أنهم قد رووا جميع أعماله صلى الله عليه وآله وسلّم خصوصًا في تلك الليلة وذلك اليوم، الفرائض وغيرها، المختص بالحج وغيره. فيظهر أنه صلى الله عليه وآله وسلّم لو صلاها لم تهمل، ولكن الصلاة خير موضوع، فإن صليت على سبيل الاحتياط بدون جزم بالشرعية فلا بأس. هذا الذي يترجح، والله تعالى ولي التوفيق. وقد روى الأمير الحسين عليه السلام في الشفاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لم يصلّ صلاة العيد، وكان في منى، وجعله دليلاً على سقوطها في السفر كالجمعة، وهو صحيح. وقد ذاكرت شيخنا نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي رضوان الله عليهما فيها ونحن بمنى فقال: (( ما قد تقرر وجوبها في الحضر، فكيف في السفر! ))، بهذا أو معناه، وهي واجبة على المذهب.



فصل في رمي الجمار الثلاث

وفي اليوم الثاني من بعد الزوال إلى فجر ثانيه يرمي الجمار الثلاث مبتدئًا وجوبًا بجمرة الخيف - وهي التي تلي المسجد - ثم الجمرة الوسطى جمرة علي عليه السلام، ثم جمرة العقبة. والترتيب هذا واجب غير شرط ولا نسك، فلا يلزم في تركه شيء على المذهب. وفي اليوم الثالث كذلك، وله النفر في هذا اليوم.

وفي الأمالي عن الباقر عليه السلام: (( فارمِ الجمار كل يوم عند زوال الشمس، وأي ساعة شئت غير أن أفضل ذلك عند زوال الشمس، ثم قال: إرمِ قبل الظهر وبعدها، وإن شئت ضحى، وإن شئت بالعشي.))، انتهى. وحكى في البحر عن الناصر: أن وقت الرمي في الثاني والثالث من الفجر كالأول والآخر، وفي كلام الإمامين توسيع عظيم. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله أرخص للرعاة أن يرموا بالليل، وأية ساعة شاءوا من النهار، أخرجه البزار والحاكم والبيهقي بإسناد حسن.

فإن طلع الفجر في اليوم الرابع وهو غير عازم على النفر في هذا اليوم لزمه الرمي لأنه لم يتعجل، والراجح أنه يلزمه الرمي بغروب شمس اليوم الثالث وهو واقف إذ لم يتعجل. وحكى في البحر عن الإمام يحيى للمذهب والشافعي: انه يتحتم الرمي في الرابع بغروب الثالث وهو غير عازم على السفر.

فائدة: المراد بالعزم على السفر أو النفر: العزم على مجاوزة العقبة مرتحلاً من مِنى على المذهب. وقيل: العزم على الخروج من ميل مِنى.

ووقته على المذهب في هذا اليوم من الفجر إلى الغروب، وهو قول الهادي والناصر ومحمد بن منصور وأبي حنيفة، واستدل لهم في البحر بعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: (( حتى تصبحوا ))، وليس بواضح إذ هو في اليوم الأول، والمختار قول الإمام يحيى والشافعي: أنه من بعد الزوال كاليومين الأولين. وفي المجموع بسنده إلى علي عليه السلام: (( أيام الرمي: يوم النحر وهو اليوم العاشر، يرمي فيه جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة، ولا يرمي يومئذ من الجمار غيرها. وثلاثة أيام بعد يوم النحر: يوم حادي عشر، ويوم ثاني عشر، ويوم ثالث عشر، يرمي فيهن الجمار الثلاث بعد الزوال، كل جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة، ويقف عند الجمرتين الأولتين، ولا يقف عند جمرة العقبة.))، انتهى. وفعله صلى الله عليه وآله وسلّم، فإنه رمى في الثلاثة الأيام بعد الزوال، وعن عائشة قالت: (( أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من آخر يوم حين صلى الظهر، ثم رجع إلى مِنى فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبّر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام، ويتضرع، ويرمي الثالثة لا يقف عندها.))، رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (( رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الجمار حين زالت الشمس.))، أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.




فصل في الدعاء حال الرمي

ويندب الدعاء ورفع اليدين عنده، عقيب الرمي للأولى والثانية، لفعله صلى الله عليه وآله وسلّم. ومن أكمل ما ورد في ذلك ما ذكره الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام، وهو هذا مع تصّرف يسير بزيادة ونقص: ((فإذا كان اليوم الثاني نهض طاهرًا متطهرًا بعد زوال الشمس حتى يأتي الجمرة التي في وسط مِنى، وهي أقربهن إلى مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات من بطن الوادي، يقول مع كل حصاة: لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. ثم يستقبل القبلة، ويجعل الجمرة التي رماها من وراء ظهره، ويرفع يديه ثم يقول:

اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلّم. اللهم إني عبدك، وابن عبديك، طالب منك، ضارعٌ إليك، فأعطني بفضلك إقالة عثرتي، وغفران خطيئتي، وستر عورتي، والكفاية لكل ما أهمني. مِنْك طلبت، وإليك قصدت، فلا تخيبني إنك أنت إلهي لا إله لي غيرك. بيدك ناصيتي، وإليك رَجعتي، فأحسن مثواي في آخرتي ودنياي، وآمن يوم ألقاك روعتي، وأعذني من عذابك، وأنلْني ما أنت أهله من ثوابك، واغفر لي ولوالديّ ومن ولدا، إنك لطيف كريم رؤوف رحيم.

ثم ليمضِ حتى ينتهي إلى الجمرة الوسطى، فيرميها بسبع حصيات، يقول مع كل حصاة: لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيًرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، ثم يستقبل القبلة، ويجعل الجمرة من ورائه، ويرفع يديه، ثم يقول:

اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، واغفر لي الذنوب التي تورث الندم، واغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تحبس القِسم، واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء، واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء، واغفر لي الذنوب التي تحبس غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تدخل في الهوى. اللهم وفقني لما تحب وترضى، واعصمني من الزلل والخطأ، إنك أنت الواحد العلي الأعلى، وصلى الله على محمد وآله وسلّم، واغفر لي ولوالديّ ومن ولدا، والمؤمنين والمؤمنات إنك على كل شيء قدير.

ثم تأتي جمرة العقبة، وترميها بسبع حصيات، تقول مع كل حصاة: لا إله إلا الله، والله أكبر كبيًرا، والحمد لله كثيًرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. ثم تنصرف ولا تقف عندها، ويقول في طريقه:

اللهم تولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وعافني فيمن عافيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، تباركت ربنا وتعاليت، لا يذلّ من واليت، ولا يعزّ من عاديت، سبحانك لا إله إلا أنت، عزّ من نصرت، وذلّ من خذلت، وأصاب من وفقت، وحار عن رشده من رفضت، واهتدى من هديت، وسلم من الآفات من صحبت ورعيت، أسألك أن ترعاني وتصحبني في سفري ومقامي، وفي كل أسبابي، يا إله الأولين، ويا إله الآخرين؛ ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير.


فائدة: من نسي حصاة والتبس من أي جمرة هي، رمى كل جمرة بحصاة ليتيقن التخلّص، وكذا اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا.

مسألة: وما فات من الرمي في وقت أدائه قضي إلى آخر أيام التشريق، ويلزم دم، ولا بدل له. فإن أخَّر رمي كل يوم عن وقته، أو أكثره، أو أخَّر الرمي جميعه إلى الرابع، لم يلزم إلا دم واحد. وعند الإمام الناصر والشافعي وأبي يوسف ومحمد: لا دم إذ أيام التشريق وقت له، كالظهر في وقت العصر.

فرع: ولا يلزم في القضاء أن يكون بعد الزوال، ولا يجب الترتيب فيه. فأما بعد أيام التشريق فلا قضاء، لكن يجبر بدم واحد إلا أن يتخلل تكفير التأخير.




فصل في الاستنابة

وتصح الاستنابة للعذر، ولو مرجو الزوال في الرمي، وليلة مزدلفة، وليالي مِنى لأنها مؤقتة، لا في سائر المناسك لأنه لا وقت لها فيخشى فواتها. ويستثنى من ذلك الوقوف، لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: (( الحج عرفة ))، فلا يستناب فيه إلا لعذر مأيوس، هذا فيمن أحرم لنفسه. أما الأجير فله الاستنابة للعذر من غير فرق بين المؤقت وغيره. في الجامع الكافي عن محمد: (( ولا كفّارة عليه عندنا لأن الحديث جاء: (( يرمي عن المريض ))، ولم يذكر فيه كفارة.))، انتهى.

فرع: ويشترط أن يكون النائب عدلاً، وسواء كان حلالاً أم محرمًا، ذكرًا أم أنثى. فلو زال عذره والوقت باقٍ بنى على ما فعله النائب. ومن الأعذار: خشية فوات الرفقة، حيث يخشى ضررًا في نفسه أو ماله، ولا يعتبر الإجحاف. فإن رمى النائب عن المستنيب، وترك الرمي عن نفسه حتى خرجت أيام التشريق، صح الرمي عنه، لا عن المستنيب على المذهب.




فصل في النقص في الرمي


وحكم الرمي حكم طواف القدوم في النقص، فيلزم دم بنقص أربع حصيات فصاعدًا، قالوا: إذ الأكثر كالكل. ويشترط أن تكون من جمرة واحدة، في يوم واحد، وفيما دون ذلك عن كل حصاة صدقة نصف صاع. وعن مالك: عن كل حصاة دم، وأجاب عليه في البحر: بأنه إذا وجب في كله دم، وجب في الأقل صدقات. وثمة خلافات في مثل هذا، قد أترك التعرض لها لقلة جدواها وللاختصار.

فرع: ومن ترك حصيات والتبس عليه كونها من جمرة أم من جمرات، ومن يوم أم من أيام، لزمه عن كل حصاة نصف صاع إلى أن تبلغ ثلاثين، لجواز أنه ترك من كل جمرة ثلاث حصيات، فإن زادت واحدة لزم دم لأن فيها أربعًا من جمرة واحدة وفي يوم واحد، فيجزي الدم عن الجميع. وإن نفر في النفر الأول لزم الدم باثنتين وعشرين، ولا يصير مفرقًا بين ترك جمرتين برمي جمرة بينهما بثلاث حصيات أو دونها، بل بأربع فما فوقها، ويجزي الدم عن الطعام. وحكم تفريق الجمار الثلاث حكم تفريق الطواف.

وأما التفريق بين الحصى فلا يوجب دمًا، ولا تجب الموالاة بينهما. وللتفريق صور منها: أن يترك رمي الجمرة الأولى في ثاني النحر أو أربعًا من حصياتها، ويترك في اليوم الثالث رمي الثالثة أو أربعًا من حصياتها. ومنها أن يترك رمي اليوم الأول والثالث ويرمي في اليوم الثاني، فيلزم في كل واحدة من هاتين الصورتين دمان، للترك والتفريق. والمراد في تفريق الترك لا تفريق الفعل فلا يلزم إلا دم واحد. وضابطه أن كل فعل بين تركين أوجب دمين، وكل ترك بين فعلين أوجب دمًا واحدًا، وكذا في المبيت بمنى.

وفي حاشية: والمختار أنه يعتبر في التفريق بالترك، هل متوالٍ أو متفرق؟ لا بالجمار نفسها، نحو أن يترك الأولى في الثاني، والثانية في الثالث، فهذا ترك متفرق يجب فيه دمان وإن كانت الجمرتان متواليتين، ولو كانت في يومين وجب دم واحد لأن الترك متصل، كأن يترك الثلاث في اليوم الثاني، والأولى في الثالث، ولا شيء لترك الترتيب، ولا يجب للفعل بين تركين دمان إن قضى المتروك، بل يلزم دم التأخير على المذهب.

فائدة: يشترط في لزوم الدم للتفريق أن يكون عالمًا غير معذور وألا يستأنف.

مسألة: ولا يجزي الدم للنقص والتفريق وصدقاته إلا بعد خروج وقته أداء وقضاء.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

النسك العاشر: المبيت بمنى

هو ليلة ثاني النحر وثالثه، وأما ليلة الرابع فيجب المبيت إن دخل فيها غير عازم على النفر في ليلته، بل هو عازم على المبيت أو متردد.

حد منى من العقبة إلى وادي محسر، ولا تدخل العقبة ووادي محسر فيها، وهو عند العترة والشافعي ومالك فرض، وعند أكثر الحنفية مستحب. واستدل المؤيد بالله في شرح التجريد والمهدي في البحر بخبر ابن عباس رضي الله عنهما: (( لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأحد أن يبيت ليالي منى بمكة إلا للعباس من أجل السقاية.)). وفي شرح التجريد قال أبو العباس: (( روى القاسم وساق سنده الصحيح إلى علي عليه السلام أنه كان ينهى عن المبيت وراء الجمرة إلى مكة.)). وفيه وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن عباس أنه قال: (( لا يبيتن أحدكم وراء العقبة ليلاً أيام التشريق.))، وروى بإسناده عن عمر أنه كان ينهى أن يبيت أحد وراء العقبة، وكان يأمرهم أن يرتحلوا إلى منى، وفيه: وروى هناك بإسناده عن ابن عمر حين سئل فقال: (( أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبات بمنى وظل...))، وفعله في الحج على الوجوب لما بيناه... ))، إلى آخره. وقد جعله الإمام المؤيد بالله عليه السلام أقوى من الرمي وقال: (( ولا خلاف أن من ترك الرمي يلزمه دم.)). قال: (( وذهب الشافعي إلى أن من بات بغيرها ثلاث ليال لزمه دم.)).

الواجب في المبيت

قلت: والمذهب أن الواجب المبيت أكثر الليل. وأما النهار فغير واجب لظاهر الأخبار في ذكر المبيت، والذي يفيده كلام الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام وجوب الوقوف بمنى الليل والنهار. وقد حصله المؤيد بالله عليه السلام للمذهب، قال في شرح التجريد: (( فكان تحصيل المذهب أن من حصل أكثر ليله أو أكثر نهاره في مكة يلزمه هدي.))، انتهى.

وهو الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما في خبر ابن عمر: (( فبات بمنى وظل.))، وهو الأحوط والأفضل بلا ريب.

المرخص لهم بترك الوقوف بمنى :

أما من له عذر فهو مرخص له في ترك الوقوف بالليل والنهار. فقد رخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للعباس رضي الله عنه كما سبق. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له.))، رواه البخاري ومسلم، ومثله عن ابن عمر. وفي أمالي أحمد بن عيسى بسنده عن الباقر قال: (( رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للرعاة أن يرموا ليلاً…))، الخبر. وعن عاصم ابن عدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغداة، ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر؛ رواه الخمسة وصححه الترمذي. وفي رواية: رخص للرعاة أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا؛ رواه أبو داود والنسائي. والصحيح أنه يلحق بالعباس والرعاة سائر أهل الأعذار. وفي الشرح نقلاً عن الانتصار والشفا: (( فأما من له عذر كمن يشتغل بمصلحة عامة للمسلمين، أو أمر يخصه من طلب ضالة أو مرض أو نحو ذلك فلم يجب عليهم المبيت بمنى، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رخص في ذلك للعباس لأجل السقاية ورخص للرعاة.))، انتهى. حكم أهل الأعذارلكن أهل المذهب ومن وافقهم يوجبون عليهم الدم عملاً بعموم ما روي: (( من ترك نسكًا فعليه دم...))، الخبر السابق. والمختار عدم الوجوب، إذ لم ينقل أنه ألزمهم بالدم، وهو في مقام البيان، واختاره الإمام يحيى والأمير الحسين، وقد سبق الكلام على من ترك نسكًا.

فرع: وفي ترك المبيت كله أو ليلة منه أو ليلتين متواليتين دم واحد، إلا أن يتخلل الإخراج فثلاثة دماء عن الثلاثة . وحكم ترك نصف ليلة كتركها، ومبيت أكثر الليلة كمبيتها، وهذه صورة النقص. وأما التفريق فمثاله أن يترك الليلة الأولى والثالثة ويبيت الوسطى، فيلزم دمان للنقص والتفريق.






فصل في ذكر الله في منى

ينبغي الإكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن في هذه الأيام الفاضلة والأماكن المقدسة، كما قال جل جلاله: ﴿ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ﴾ ، ﴿ واذكروا الله في أيام معدودات ﴾. روى الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: (( أيام النحر ثلاثة أيام، يوم العاشر من ذي الحجة، ويومان بعده في أيها ذبحت أجزاك، وأشهر الحج ثلاثة، وهي قول الله عز وجل: ﴿ الحج أشهر معلومات ﴾، شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. والأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات هي أيام التشريق.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“