أسعد الله خواتمكم الرمضانية، ووفق الجميع لاغتنامها، ولا جعلها تنقضي الابسعي مشكور و ذنب مغفور
سادتي الكرام ، رغم كوني قد قررت مقاطعة مفاتيح الكيبورد في العشر الأواخر (بالرغم مما يعنيه ذلك من وجوب الغيبة عن صفحات المجالس) ، وذلك لكوني كلما قررت أن أخصص ساعة لذلك وجدتني قد قضيت ثلاثا ، وكلما قلت شأرسل ايميل طلعين لي عشرة للرد عليها، الا أني لم أتمكن من تجاهل رغبتي الملحة في طرح هذا الموضوع بين أيديكم والذي نويت كتابته منذ فترة ولكن حبسني عن ذلك مرة التسويف ، ومرة السهو وأخرى الحياء ، لحداثة العهد فخشينا أن تقولوا "فتحنا له يتشاقر ، دخل يبترع"

لكن الحاح الفكرة وقرآءتي لبعض لكتابات المتشنجة ، دفعني لعدم التأخير أكثر.
وهنا أقول مستعينا بالله ،
لو تصورنا أمة نبينا (ص وآله) كجسد بشري فأني لا أرى للزيدية موقعا فيه سوى القلب - أولا، لكونه عضو أساسي لحياة الجسد
وثانيا كونه العضو الذي يمر عبره الدم من والى جميع أجزائه
ولا يظنن أحد أني أشير هنا الى أفضلية من أي نوع على سائر الفرق الأخري فهذ أمر لايجوز لي أن أدعيه ، وأنا أدعي أنني طالب علم زيدي ، فشهادتي هنا للمذهب يمكن أن يقال أن فيها محاباه ، ولكن نظرتي التي أرجو أن تكون محايدة منطلقة من نقطتين أساسيتين أبدأ بالثانية ، وهي أن الزيدية بوسطيتها في نظرتها لأمور الخلاف بين الفرق الأسلامية ومحاولتها الدائمة لتجنب التعصب ، (وان كان هذا الداء يمكن أن يصيب بعض أفرادها الا أنها والحمد لله كانت وستضل منه دوما براء ، لسبب بسيط أنها تشجع دوما على استماع القول والاجتهاد في أتباع أحسنه)، هذه الوسطية تجعل من الزيدية قناة الاتصال الأنسب لمرور كل الطروحات والآراء المختلفة بن أطياف الأمة وخاصة بين قطبيها السني والشيعي ، مع الاحتفاظ بحق النظر في جميع الطروحات و قبولها أو التعليق عليها ، والشاهد على ماندعي، القبول الذي من الله به على الزيدية من جميع فرق الأمة ، فنحن بوصف الجميع الأقرب من المخالفين (أو الآخرين بالاطلاق).وبالتالي فهي همزة الوصل بأقل تعبير بين جميع أجزاء الأمة.
وأعود للنقطة الأولى ، وهي (في نظري) أنه وعلى مر التأريخ الاسلامي كانت الزيدية تمثل نبض الأمة التي يؤدي ارتفاعه الى ارتجاف كل جسدها ، كما يؤدي خفوته الى استكانتها ، وهنا تأتي أهميتها بالنسبة للأمة ، ومن شكك في كلامي فليقراء آثار ملاحم الزيدية ، ابتداء بكربلا الحسين ، ومرورا بثورة زيد بن علي ومن ثم ماتلاها من ثورات وآثارها على الأمة في أوقاتها والى الآن.
انطلاقا مما سبق ، أجدني هنا اؤكد على الدور الأساسي الذي يقع على عاتق الزيدية في لممة أجزاء جسد الأمة، واستنهاضها ، قياما بواجب ارث الزيدية الشرعي من أئمتها (ع) ، وان تم التهاون بهذا الدور (تحت أي مبرر) فان هذا الشرف وعظيم الأجر سينتقل لأصحاب المواقف الوسطية من جميع أطياف الأمة والذي سيأتي اليوم الذي يدركون فيه الواجب الشرعي الذي تفرضه عليهم وسطيتهم ،
لكن هنا لي نقطة نظام ، فاذا كنا سنسعى لاستعادة دورنا الطبيعي الفاعل في الأمة فيجب أولا الاجابة على سئوال "عن أي أمة نتحدث؟"
تجنبا للتطويل (وان كان ، كالعادة قد وقع!) سأتناول هنا الجانب التأريخي فقط، فمن مقومات الأمة وحدة الـتأريخ.... وهنا أطرح بعض التساؤلات على سبيل المثال ، لا الحصر، للتفكر.....
- هل يمثل تأريخ الأمة الاسلامية منذ "عام الجماعة" بداية فترة انتكاسات متلاحقة للأمة أم وبالرغم من كل التجاوزات التي حدثت ، والآلام ، كانت انطلاقة لحظارة لا زالت آثارها تبهر العالم؟
- هل تمثل الحقبة الأموية والعباسية فترة تنوير وازدهار عالميين (بحسب رأي جميع الأمم والحظارات المعاصرة) أم أنها تمثل حقب ظلال وظلم وفسق ومجون صرف؟
- هل يمثل سقوط بغداد على ايدي التتار بتفاصيلة الدموية، مأساة انسانية بكل المعايير وجرح غائر في قلوب الجميع ، أم أنه مثل للعدالة الالهية؟
- ماالذي تعنيه لنا الشخصيات التالية في التأريخ الاسلامي:
1- الخليفة الثالث ، عمر بن الخطاب (بغض النظر عن مسألة تقدمه على الامام على (ع) وشرعية النص عليه من قبل الصديق) ، أهو من أمثلة العدالة ضمن حدود الاجتهاد البشري؟
أهو مثال يحتذى به في الصدق والشجاعة الأدبية عند اعترافه لمنافس سياسي بالتفوق العلمي والاجتهادي (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها ابا الحسن / لولا علي لهلك عمر) و حتى (أصابت امرأة وأخطأ عمر) ؟
اليست العهدة العمرية رمزا للتسامح وحجة لاثبات تفوق الاسلام الحظاري على كافة ماسبقه من الأديان في التعامل مع المهزوم واحتوائه؟؟
2- خالد بن الوليد ، الم يكن بطلا من أبطال الفتوحات الاسلامية؟ سيف من سيوف الله؟
الم ينقذ به الله جيش المسلمين باليرموك من مأساة محققة؟
قد يتهمني البعض من المتشنجين ، بناء على ماسبق أنني من الداعين الى مهادنة السياسيين والرضوخ وقبول الدنية في الدين وووووو (وهم والحمد لله القلة القلية من الزيدية، بحسب ما المسه من واقع معرفتي الشخصية ومما يمكن استشفافه من النقاشات التي تدور في أروقة هذه المجالس المباركة)
ولهم أقول ، أنني لا أرى ذلك البته ، ما احاول الوصول اليه هو أنه من غير المنطقي ادعاء الانتماء الى أمة ، بل وتمثيل قلبها (بحسب رؤيتي ، وهذ محل نقاش) ومن ثم هدم جزء من أركانها وعناصر قوتها!! أو التقوقع بداخلها عازلين أنفسنا عن جزء كبير من تأريخها!!
موقفي هنا منطلق من مهادنة علي بن ابي طالب (ع) لمن تقدم عليه في الخلافة ومن مصالحة الحسن (ع) لمعاوية ، ومن طلب الحسين (ع) ممن كان يحرص على قتله أن يخلوا بينه وبين طلب الروم لما سمع بنيتهم الاغارة على المسلمين ، حماية لمن تخلوا عنه وخذلوه بل ومن طلبوا دمه !! وحتى من تخيلي لمواقف من تعرضوا للقمع والتعذيب والقتل من أئمتنا (ع) ، مواقفهم من انتصارات الأمة على المتربصين بها ومن هزائمها أمام من استحلوا الأرض والعرض!!
ومايرى فيه البعض خنوع وضعفا ، أرى فيه أوج عنفوان الزيدية وعوامل منعتها التي تجعلها تخرج دوما من تحت الرماد أشد صلابة وتأثيرا بقدرتها على احتواء الألم وعدم اظهار مثالب الآخر فقط وجحود محاسنه ، والتزامها بالعدل في جميع الأمور "بحسب القدرة"