تحقيقات واستطلاعات) (الشورى)
عودة مظفَّرة لسلفية التگفير والعنف طائفيون في خدمة السلطة
11/8/2004 المحرر الاجتماعي
الديمقراطية والحزبية والانتخابات.. كفرٌ وضلال. المجتمع يعيش حياة «جاهلية» ويغرق حتى أذنيه في «الشرك والبدع» بما فيها بدع التطوير والتقانة والتحديث. هذه مواقف «مريحة» حيال تفاصيل المشهد السياسي والاجتماعي.. اعتمدها السلفيون منذ كانوا، وبواسطتها أعفوا أنفسهم من عناء ملاحقة مستجدات الساحتين بأي موقف يقيِّم أو يحلِّل. هذه المرة «جدع قصير أنفه» وأطل علينا مشائخ السلفية معلنين عن مواقف لهم حيال جرح سياسي واجتماعي جديد ونازف، هو الحرب على المواطنين في صعدة. وكان علينا أن نقرأ للشيخ محمد المهدي تبريراً لتلك الحرب وتجريماً للحوثي وتكفيراً لكثير من خلق الله.. على مساحةٍ واسعة من صحيفة «الناس» عدد الأسبوع قبل الماضي، وقبل مهدي جمعية الحكمة كان علينا أن نشهد حماساً سلفياً للحرب في خطب «محمد الإمام» كما في محاضرات عددٍ من مشائخ الدرجة الثانية وفي كتابات صحف التيار وفي طليعتها صحيفة «الرشد». ومن حيث المبدأ فإن تجاوز مشائخ السلفية لحالة العيش على هامش السياسة والمجتمع هو أمرٌ جيد ويستحق الترحيب، إلا أن طبيعة هذا الموقف من الحرب على صعدة لا تحمل أي دلالة على أي تطورٍ في هذا السياق.. وكل ما في الأمر أن الدافع الطائفي هو المحرك الأساس بما أن الحرب تشن على مواطنين ينتمون إلى تيارٍ مناقضٍ لتيار السلفية. فحركة الحوثي عند الشيخ محمد المهدي «فتنة وشر وإرهاب وتمرد». لا لأنه خرج عن النظام والقانون و....و... كما تدعي السلطة بل لأنه «خرج من الزيدية إلى الرافضة» وبشكل أوضح لا يبالي المهدي بأي جريمةٍ يستحق معها الحوثي وأتباعه ما هم فيه.. ويكتفي بالقول «يكفي أنه اثنا عشري». يكفي أن يكون الحوثي أثني عشرياً، مع أن هذا خلاف الواقع، ليستحق هو وأصحابه حملة الإبادة التي شنتها السلطة، هذا هو منطق المهدي وهذه هي الطائفية في أقذر تعبيراتها وأشدها عفونة. وإن كان الشيعة الإثنا عشرية مرتدين عن الملَّة وللسلطة أن تفعل بهم ما تشاء فإن «الإسماعيليين»، بنظر المهدي لم يدخلوا الإسلام بعد.. وعليه فإن عقابهم يفترض أن يكون أنكى. ليس في الأمر غرابة.. فالطوائف الأكثر صنمية على مدار التاريخ لم تسجل أي نقطة شرف في خصومتها مع الطوائف المقابلة لها، وعلى الدوام ظلت مستعدة للتحالف مع الشيطان، لا مع السلطان فقط، بغية تحقيق انتصارٍ رخيص على الآخر غير المنتمي إليها حتى لو كان في موقع المظلومية، وحتى لو أدت المعركة معه إلى دمار البلاد والعباد. وطائفة المهدي ومحمد الإمام في اليمن اثبتت أنها ليست استثناءً من تلك القاعدة، وإن كان يبعث على السخرية تصدير صحيفة الناس لمقابلتها مع المهدي بمنحه وطائفته صفة «الإعتدال» في اعتسافٍ واضح للواقع وعبث ساذج باللغة ومدلولها، إذ أين موقع الاعتدال عند رجل: الإثنا عشرية عنده كفر والاسماعيلية لم تدخل الاسلام والصوفية ضلال، والزيدية لا قبول بها إلا لكونها قريبةً من «أهل السنة والجماعة» أي قريبة من طائفته، وطائفته هي الناجية وحدها. الأهم في الموضوع أن الحرب على صعدة بدت، وفق رغبة من النظام الحاكم، مناسبةً مهمة لإعادة تفعيل الصوت التكفيري وإعطائه مساحةً واسعة للعمل ضمن الأدوات اللوجستية لهذه الحرب، بعد أن كان هذا الصوت قد خفت نسبياً خلال المدة الماضية. ولا يمكن استبعاد التحريك السلطوي لهذه الحيوية السلفية وموجتها التكفيرية الجديدة، وتاريخ السلطة في استخدام الطوائف واللعب على حبالها المتناقضة شهيرُ بما يكفي عن سرد الأدلة، على أن خطاب التكفير لدى مشائخ السلفية يغدو أكثر طبيعية بالقياس إلى خطاب السلطة ذاتها والتي كانت استهلت حربها على مواطنيها في صعدة بتكفيرهم ووصفهم بالمرتدين عن الدين. وسائل الإعلام الرسمية كرست جزءاً كبيراً من أدائها لصالح لغة التكفير والتبديع لدرجة أن صحيفة الجمهورية الحكومية صدرت في واحد من أعدادها بافتتاحية بعنوان «لقد كفر الحوثي». قائلة إن الرجل قد ارتد عن الدين وثبتت ردته ولم يبق إلا إقامة حد الإعدام عليه. السلفيون، وهم أصحاب الحق الحصري لفكر التكفير، تجاوبوا مع لغة السلطة دون أن تكون هذه الأخيرة محتاجة لجهد كبير في استدعائهم إلى خدمتها طالما أن المحفز الطائفي موجودٌ ومستعدٌ للانطلاق نحو أي هدفٍ مرسوم مسبقاً. وثمة مفارقات عديدة في خطاب مشائخ السلفية لهذه المرحلة، فالشيخ المهدي يعترض على المذهبية ويحذر من مخاطرها منتقداً في هذا السياق الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري. حسناً كيف استطاع المهدي أن يجد فرقاً بينه وبين المحطوري رغم أن الأخير ليس إلا وجهاً آخر له من حيث انتماء كليهما إلى عقلية الأهداف الذاتية. فالهم الأكبر لدى المحطوري هو التخلص من الوهابية والسلفية والإثنى عشرية ثم «لفلفة» الزيدية في جامعة خاصة حسب تعبيره الشهير عند رئيس الجمهورية خلال اللقاء بالعلماء الشهر الفائت. فيما المهدي همه، أيضاً، التخلص من الشيعة والاسماعيلية والصوفية وإعادة الزيدية إلى «حظيرة» السنة والجماعة ثم لملمة شمل طائفته في كيانٍ واحدٍ ولمصلحة واحدة. ولا شيء آخر لدى الرجلين الخصمين.. ولا شيء من الكوارث النازلة بالأمة والوطن، من ظلم واستعباد وإنهاك، يستحق أن يسترعي انتباههما أو يجبرهما على مغادرة قواقعهم الذاتية باتجاه الناس وقضاياهم الحقيقية والمصيرية. بالإضافة الى ان اصحاب هذه العقلية يتنافسون في عملية الارتهان للحكام في سبيل تحقيق نقاطٍ مصلحية أكثر ضد بعضهم، كما ضد أقرب الناس لهم إذا اقتضى الأمر. وهنا تكمن بعض مأساة الأمة بتخلفها وانحطاطها وضياع دينها ودنياها. نقطة أخرى وردت في حديث الشيخ المهدي لصحيفة «الناس» تستحق التأمل، فهو أدان الحوثي باعتباره، أيضاً، عمل بمبدأ «الخروج على الحاكم الظالم»، وهو مبدأٌ لا يؤمن به السلفيون ولا يجوزونه.. وهذا الموقف لديهم ينسجم مع موقفهم من «الانتخابات» باعتبارها بدعة محرمة، وكلا الموقفين يحملان بالضرورة حقيقة واحدة هي «حماية الحاكم وكرسيه» من أي تغيير سواءاً كان تغييراً قسرياً من خلال الخروج عليه إن كان ظالماً، أو كان تغييراً سلمياً من خلال الانتخابات وكلا الأمرين محرمان لدى المهدي وسلفيته. هكذا ينتهي الحال بأيديولوجيا الطوائف إلى تصنيم «السلطان» وانقلابها إلى موظف بالسخرة لدى القصر والكرسي، مع ما يعنيه هذا الأمر من تحوِّل الأيديولوجيا، أيضاً، إلى سلاحٍ كارثي من شأنه العصف بحياة المجتمع وأمنه وسلامته.