
لقد إشتد الغلاء في بلادنا بصورة لا مثيل لها في العالم ، صحيح أن هناك ارتفاعاً في الأسعار في العالم كله ، ولكن ليس بالصورة الموجودة في اليمن ، أنا الآن في مصر ، وهناك غلاء بالنسبة لما نعتاده في مصر سابقاً ، ولكن ليس مثل القفزات الرهيبة في أسعار المواد الإستهلاكية الموجودة في بلادنا.
مصر مثلما كان قبل عام وعامين بدعم أو بدون دعم لا يهم لا يزال الدقيق والقمح والحبوب بنفس أسعارها في الماضي ، لا يزال السكر بنفس سعره تقريباً ، هناك غلاء في أسعار المواد الكمالية ، والترفيهية ، وهناك غلاء واضح فيما هو مستورد ، وهي أشياء قليلة وغير ذات أهمية ، والحكومة تتعمد أن تبقي هذه المواد غالية لدعم أمثالها من المواد المحلية.
سياسة اقتصادية مدروسة ، وخطة منظمة.
أما ما يحصل في اليمن فقد ارتفعت أسعار المواد الأساسية فيه بصورة لا مثيل لها في العالم ، فكيس السكر الذي كان يباع بألفين وبضع مئات أصبح يباع بأكثر من ستة آلاف ريال ، وكيس القمح كذلك.
وحبة البيض الصغيرة تساوي عشرين ريالاً ، وقصعة حليب نيدو الكبيرة وصل سعرها إلى أربعة آلاف وخمسمائة ريال ، كيف يعيش المواطن في هذا الوضع المرعب ؟!.
إن الفقراء سيموتون جوعاً وعُرياً إذا استمر الوضع هكذا ، وستنتشر الخيانة ، والغش ، والكذب ، والرشوة ، والدعارة أكثر وأكثر.
إن الفقير لا يستطيع اليوم أن يحصل على ما يكفيه ويكفي أولاده وزوجته من أكل وشرب يملأ بهما بطنه وبطونهم ، وقد يستطيع البعض منهم عن طريق الحرام ، وأما نفقات المدرسة ، وثمن الشنطات المدرسية والأقلام والكتب فهي تحتاج إلى مزيد من الغش والخداع ، أو التمسح بإذيال الذين يشترون أو يبيعون أراضي إن وجدهم صدفة في الطريق وادعى أن له سعاية حتى يرموا له ببعض الفتات.
أما كسوة الأولاد فهي معضلة كبرى قد يضطر الأب إلى السرقة أو النهب.
أما إيجار المنزل فإنه يحتاج إلى ذكاء وتفكير وتخطيط للحصول على رشوة لتمرير ما لا يجوز تمريره.
أما (حق القات) فهذه سرعان ما تتيسر كل يوم برشوة صغيرة أو متوسطة لإنجاز معاملة كان يجب على الموظف إنجازها دون أي مقابل.
هذه حياة الفقراء من إخواني اليمنيين ، وأبناء بلدي بل حياة أغلب أبناء شعبنا تسكع ولطش ، وفهلوه وتمحذق ، وتمسح بأذيال الآخرين ومشاغبة ، وسطو على الأراضي.
كلٌّ بحسب طريقته ومزاجه ، أما العمل الذي ينفع الوطن فلا وجود له.
أما الشغل الذي يقدم فيه المواطن ما عنده لإخوانه المواطنين ، ويأخذ مقابله بكل أمانة وصدق وشرف وعزة وإباء فهذا لا يكاد يوجد إلا عند القليل، سبعون في المائة من أبنائه هائمون على وجوههم يبحثون عن الرغيف بأساليب لا تليق بأبناء شعب عريق ، وأكل القات يزيدهم بلادة وشقاء ، ولكن الجميع يصرون على تناوله ، كل فقير وغني لا بد أن يأكل القات إلاَّ من رحم الله ، ولا أحد يتكرم يأخذ بأيديهم ليتركوا أكل هذه الشجرة التي تكلفهم الكثير والكثير.
أما إذا كان القات (مبودر) وهو كله مبودر في بلادنا فإن المواطن المسكين سيحتاج بعد فترة إلى بيع أثاث المنزل ، وحلية زوجته إن كان لها بعض الحلي ، وأية قطعة أرض يملكها في أي مكان ليغطي نفقات العلاج في الأردن أو مصر.
هذا وضع المواطنين في بلادنا غلاء لا يوجد له مثيل في العالم ، وانتشار للرشوة ، والفساد الأخلاقي ، وجرأة على أكل الحرام ، والفساد الأخلاقي ، وعدم المبالاة بأكل الحرام كل يوم يزداد الوضع سوءً ، فما هو السبب في ذلك؟!.
إنها أسباب عديدة أهمها:-
جرأة المسؤولين الكبار على أكل المال العام ، واعتباره حقاً لهم يأكلونه كيفما يشاؤون ، ومن المعلوم أن المال العام (المال الذي بيد السلطة) هو ملك كل المواطنين ، إن لكل مواطن حقاً في كل ريال في المال العام ، ولكن بدلاً من أن يصرف المال العام في مصلحة المواطنين يذهب إلى جيوب المسؤولين الكبار مرة بعد مرة.
هذه الجرعة بعد تلك الجرعة التي تحملها الشعب اليمني ، وتحمل نتائجها من الغلاء الشديد ، وارتفاع الأسعار المرة بعد المرة ماذا كانت نتائجها؟.
إن المسؤولين مصاصي دم الشعب يحمِّلون الشعب نتائج الجرعة من الغلاء الشديد في كل المواد التموينية الأساسية والبترول والديزل، وذلك لإرضاء البنك الدولي حتى يأخذ اليمن منه قروضاً ميسرة تكاد تكون شبه مساعدات وفعلاً يأخذون تلك القروض الميسرة ، وتذهب إلى جيوب الكبار ، هل شاهدتم أنه تغير شيء في وضع بلادنا؟ ، لم يتغير شيء ، وإنما تحمل الشعب الغلاء من أجل الحصول على القروض الميسرة ، ثم أكلها المسؤولون الكبار ، وبقي الشعب كما كان بل أسوأ مما كان ، والمسؤولون يشترون الأراضي الواسعة ، ويبنون الفلل والعمارات ، ويكدسون الفلوس في البنوك.
المسؤولون الكبار يستولون على المساعدات والقروض ، والشعب يئن من الجوع ، والفقر ، والمرض.
أما الموظفون الآخرون الذين هم دون مستوى مصاصي الدماء فإن عليهم أن يسرقوا مما بين أيديهم من المال العام ، لماذا عُينوا في مناصبهم إلاَّ ليعيشوا ، إنهم لم يعينوا لخدمة هذا الشعب المسكين ، إنما عينوا لكي يستفيدوا ويسرقوا ويؤمِّنوا أنفسهم ، ويصبحوا أثرياء.
وهكذا يصرح الكبار ، وهكذا يقولون ، أما القروض والمساعدات فهذه لا تفكر فيها أيها الشعب المسكين ، عليك أن تبحث عن لقمة العيش بأساليب الكذب والغش والخداع.
أسرق أيها المواطن اليمني مما بين يديك كائناً ما كان فهذه فلسفة الوضع الراهن ، وثقافة المسؤولين الكبار.
ورحم الله الشهداء الأبرار المؤمنين ، ورحم الله من ضحى بنفسه من أجل هذا الشعب ، وليرحم الله الشعب اليمني التعيس ، وإنا لله وإنا إليه راجعون..
حسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير ، وعلى الله توكلت..