للأسف الشديد أن كثيراً من المسؤولين في بلادنا وخاصَّةً الأمنيين، ورُبما أيضاً جُزء من أعضاء النيابة والقضاة، يَظنون أنه بالإمكان طبْعُ الناس بفكر واحد، أو بتفكير واحد، أو عقلية واحدة.. وهذا لعَمري من المستحيلات؛ لأنه مخالفٌ لسُنة الله في الأرض، فقد خلق اللهُ الإنسانَ وأعطاه العقلَ، ثم جعل له حُريةَ الإختيار.. ومن هُنا جاء التكليفُ والثوابُ والعقابُ.. وكثيرٌ من الأمور المتعلقة بالإيمان جعل اللهُ حسابَ ذلك في يوم الجزاء وهو بأمر الله وليس من حق أيِّ إنسان أن يُحاسبَ آخرَ على ذلك، قال تعالى: (لستَ عليهم بمسيطر).
أما ما يَتعلقُ بمُعاملة الإنسان لأخيه الإنسان فقد وُجدت الأحكامُ المنظمة لذلك في حال الإعتداء على المال أو العرض، أو النفس، كما جاءت الشريعةُ السمحاءُ لتبينَ من خلال الأحكام القضايا الأخرى، ولذلك جاءت القوانينُ منبثقةً من الشريعة السمحاء لتنظمَ كُـلَّ ذلك من خلال قوانين إسلامية صانت الحريات، وحافظت على التنوع والإختلاف، وقضت على الظلم والإضطهاد.
في الأيام الماضية أخبرني أحدُ الإخوة عن تضايُقه من الصلاة في أحد المساجد؛ لأن خطيبَ الجمعة في إحدى الجُمَع ذكر الحسنَ والحسينَ سبطـَي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأورد بعضَ الأحاديث النبوية التي جاءت فيهما، وهما ريحانتا رسول الله من الدنيا.. وطلب هذا الأخ أن أخبرَ الخطيبَ بأن يدَعَ ذكرَ الحسن والحسين.. وهُنا لا أريدُ أن أتطرقَ إلى المسؤولية التي يتبوأها أخونا العزيزُ، بل يهُمُّنا هنا أن نطرَحَ الموضوعَ؛ لأنه يعكسُ فكرةً غيرَ مقبولة في ظل حرية العقيدة والمعتقد قبل حرية الرأي والفكر.
والسؤالُ المطروحُ أيضاً: هل مجرد الإحتفاء بالحسن والحسين عليهما السلام يوجبُ التضايُقَ، أو الطلبَ بالكف عن ذلك؟!، فكما يحتفي هذا الخطيبُ بهما فهناك خطباءٌ كـُثـْرٌ لا يحتفون بسبطي رسول الله، ولا بآل البيت، ولم يجبرْهم أحدٌ على ذلك، فلماذا فقط يكونُ الإعتراضُ على مُحبِّي آل بيت رسول الله؟!.. الأمرُ الثاني هو هل الإحتفاءُ بسبطي رسول الله وبريحانتي رسول الله هو عند هؤلاء ضد الدين وضد الإسلام؟!، وهل سبطا رسول الله، وسيدا شباب أهل الجنة على غير الملة؟! »أستغفر الله العظيم«، إن لم يكونا من دعائم الدين الإسلامي حتى يتضايقَ هذا الأخ ويطلبَ أن ننبهَ الخطيبَ إلى ضرورة الكفِّ عن ذكر الحسن والحسين عليهما السلام!!.
إذا كان هذا الأخُ لا يُحبُّ الحسنَ والحسينَ عليهما السلام، ولا يطيقُ ذكرَهما، ولا ذكرَ الإمام علي، وآل البيت فله أن يختارَ ذلك، ولا نجبرُه على غير ما ارتضاه لنفسه، لكن ليس من حقه أن يُجبرَ الآخرين على هواه، وعلى فكرته.. فلكلِّ امرئ أن يختارَ طريقـَه ومنهجَه..
لهذا نقول: إنه إذا أدرك المسؤولون أهميةَ القبول بالإختلاف فهم سيُجَنبون البلاد كثيراً من الصراعات التي لا داعيَ لها، وسيجعلون الكلَّ في بوتقة خدمة الوطن رغم اختلاف الرؤى والأفكار.. المطلوبُ هو عدمُ الإعتداء على حُرية الآخرين.. المطلوبُ عدمُ الإعتداء على أعراض الآخرين وأموالهم، وسفك دمائهم..
إن الفكرَ الإلغائيَّ، الذي لا يُؤمنُ إلا بحقه وحدَه في الحياة والإيمان وبطريقته هو، هذا الفكرُ هو الذي أوجد فكراً لا يُبالي بسفك دماء المسلمين أو المعاهدين، وهؤلاء هم الذين نراهم يُفجّرون أنفسَهم ليَقتلوا إخوةً لهم وهم يظنون أنهم يُحسنون صُنعاً!!.. هؤلاء هم الذين يستبيحون دماءَ الأبرياء من السُّيَّاح ومُرافقيهم المسلمين من الأمن أو السائقين أو المرشدين؟!.
إن الفكرَ الإلغائي هو الفكرُ الذي يَنشُرُ الفوضى والصراعَ، ويستبيحُ سفكَ الدماء، وهو الفكرُ الذي يجبُ أن نواجهُه بالحُجة وبالكلمة وبالحزم والشدة.. أما ما سواه من الأفكار والتوجُّهات مهما إختلفت فلا خوفَ منها ما دامت تؤمنُ بحق الآخر في الإختيار..
إضافةً إلى كُـلِّ ذلك فإن كُـلَّ دعوات التكاتف والتلاحُم ووحدة الصف لا يمكنُ أن تكونَ صادقةً إذا لم يتمْ التمسُّكُ بحق الآخر في الإختلاف في الرؤى والفكر؛ لأنه في ظل عدم الإعتراف بحق الآخر فإن الجُهدَ كُـلَّ الجهد سيذهبُ سُدىً في مُحاولات إلغاء الآخر وهو ما لن يتحققْ إطلاقاً..
ولهذا فإن الإيمانَ بحق الآخر في الوجود سيجعلُ كُـلَّ الجُهود تصُبُّ في خانة البناء، والتنمية، ووحدة الصف، وهذا هو المطلوبُ اليومَ وغداً وفي كُـلِّ وقت.. الوطنُ بحاجة إلى جُهود الجميع بلا استثناء، ولهذا يجبُ أن يتعاوَنَ الكلُّ في البناء والتنمية بعيداً عن كُـلِّ أفكارِ إلغاءِ الآخر..
والعاقبةُ للمُتقين..
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 7&Itemid=0
حق الاختيار وخطورة الفكر الالغائى
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1606
- اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
- مكان: صنعاء حده
- اتصال:
حق الاختيار وخطورة الفكر الالغائى
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif