الرد الجلي على صاحب القول الجلي في الذب عن مذهب زيد بن علي

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

الرد الجلي على صاحب القول الجلي في الذب عن مذهب زيد بن علي

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرّحمن الرحيم

اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد ......

رفاق البحث في هذا المِنبَر المحمّدي المُبارك بإذن الله تعالى ، أشارككُم جُهودَكم في إعلاء كلمة الله ، والرّسول ، وأهل البيت ، ببحثٍ مُتواضعٍ ، أصلهُ عبارةٌ عن مُناقشَة لشبهات تُثار حول فكر أهل البيت (ع) ، وهُو وإن لم يُدقّق لغوياً ، فإنّا آثرنا الاستعجال في طرحِه تواكباً مع ذِكرى استشهاد الإمام أبي عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، وهُو الرّجل إن عُدَّت الرّجال ، والبطل بين الأبطَال ، والشّهيد بين الشّهداء ، فصلوات الله عليه حيّاً وميّتاً ويوم يُبعثُ مظلوماً على رؤوس الأشهَاد .

إهداء :

أُهدِي هذا الجُهد المُتواضِع ......... إلى إمامِي ..... الحُسين بن علي .
صورة
أُهدِي هذا الجُهد المُتواضِع ......... إلى إمامِي ..... زَيد بن علي .
صورة
أُهدِي هذا الجُهد المُتواضِع ......... إلى إمامِي ..... مجد الدّين المؤيدّي
صورة
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الأربعاء يناير 23, 2008 6:52 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الرَّدُّ الجَلَيّ عَلَى صَاحِبِ القَوْلِ الجَلِيّ
فِي الذَّبِّ عَنْ مَذَهَبِ الإمَام زَيد بنُ عَلِي


والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين ، وعلى آله الطيبين الطّاهرين ، ورضوانه على الصّحابَة الرّاشدين ، والتّابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدّين .

وبعد :

فإنّهُ وقعَ تحت أيدِينا كُتّيبٌ عُنوانُهُ (القَولُ الجَلي في الذّب عَن مَذهب الإمَام زيَد بن عَلي) لمُؤلّفه علي بن أحمَد بن ناصِر مجمل ، ونحنُ فَقدُ لفَت انتباهنا حمَاس الأستاذ علي بن أحمد في إيرادِه وتصديره لبحثهِ هذا ، الذي نَرى فيه أنّه قد بذلَ جُهداً لا بأس به في جمع النّصوص الزيدية من أمهات كُتبها ، وكذلك بذلَ جُهداً ملحوظا في الاستنتاج والتعليق على النّصوص المُقتبسَة ، ونحنُ فلا يَبعُد حالُنا مِن حالِه ، فالبحَث عن الحقّ مَطلَبُنا كمَا هُوَ مَطلَبُه ، والفَهُم لا شكّ أنّهُ سيتَفاوتُ بيننَا وبينَه ، خصوصاً أنّنا قد نُمثِّل الطّرفَ المُخالِف على ما أوردَهُ وفَهِمَهُ واستنتجَهُ الأستاذ في بحثه ، هذا ونحنُ نُصِرّ على عدم التَسفيه أو التعدّي على شخص الأستاذ علي ، لحُسنِ ظنّنا به (مع عدم معرفَتِنا لشخصه الكريم) ، فهُو طالبُ للحقّ ، مُجتهدٌ في إصابته ، وطالبُ الحقّ من سِماتِه مُلازَمة الإنصاف قدر المُستطاع .

نعم ! مُقدّمتي القريبة هذه ، ليسَت إلاّ إضفاءً لروح التّسامح والإخوةّ مع المُخالِف، وهُو الشّعار الذي نَدعو إليه دائماً ، (الاختلاف في الآراء يجبُ أن لا يُفسِدَ للوُدِّ قضيّة) ، وهي ليسَت مِن باب التقيّة أو المُجاملَة ، بَل هي حقيقة الله يَعلمُ بها ، ونحن فمَا زلنا نَعيبُ على مَن لا يتقبّل النّقد بصدر رَحب ، فكيفَ نعيبُ على الأخ علي بحثَه هذا؟!.

أولاً : [ التطرّف داءٌ لَم يَخلُ مِنه مَذهبٌ ولا مَشرَب ] :

قال الأخ علي [ص20] :

((وقَد يَقولُ قائل : كيفَ تتَحدَّث عن لمّ الشّمل وأنتَ تتكلّم في كِتابِكَ عَن مَسائل فَرعيّة غَير واجِبَة ؟! . فأقُول : لَم أتكلَّم عَن هذهِ المَسائل مِن أجلِ أن أَحمِلَ النّاس عليها قَسراً ، أو أن أُشنّعَ على مَن تركَها ، ولكن مِن بابِ التماسِ العُذر حتّى يَلتَمسوا العُذر لمَن خالفَهُم ، وعَمِلَ بهذه السُّنَن فلا يُشنِّعُوا عَليه ، ويَروا أنّه قد أتى بالمُعضلات ففي الأمر مَندوحة عن الاختلاف ، ولَقد ساءني مَرّةً مِن المَرّات حين دَخلتٌ مَسجداً مِن مَساجِد صنعاء ، فَوجدتُ في زاوية من زواياه مكتبة صغيرة ، فاقتربتُ منها ، فإذا بي أجدُ فيها كتاباً (مَلزمَة) مكتوباً على غلافِه (هَل تُصلّي التراويح؟ ولماذا؟ ألَم تعلَم أنّها بِدعَة؟) ، وكأنّ مَن صلّى التراويح قد أتى بالمُعضلات ، فَقُلتُ : يالله !! إذاً مثل هذه الأفكار الضّيقَة المُنحرِفَة هِي التي أحدَثَت شَقّاً في صفّ الأمّة ، .. إلخ )) .

تعليق : أخي الفَاضل ، التضييق في بعض المسائل الفَرعيّة الفقهيّة للأسَف هُوَ دأبُ كثيرٍ مِن أهل المذاهب الإسلاميّة ، ومنها فرقَةُ أهل السنّة والجماعة ، فتشنيعُكُم على تضييق الزيدية في مَسألَة التراويح يُجبرُكُم على أن تُشنّعوا على بعض أهل السنّة المُشنّعين والمُضَايقين لأولئكَ المُرسلِين لأيدِيهم فِي الصّلاة ، والمُجاهِرين بالبَسملَة في الصّلوات ، والمُحيعِلين (بِحيّ على خيرِ العَمَل) في الأذان ، بَل وحتّى في مسألة التراويح .. إلخ ، لأنّ غرضَكُم كما فَهِمنا من تصديرِكم هُو رأب الصّدع ولَم الشّمل ، خصوصاً في تِلكَ المَسائل الفَرعيّة التي يتراشقُ بها النّاس ، وحولَها خلافٌ فِقهيّ بينَ العُلماء ، نعم ! ما وجّهتموه أخي في الله من كلام للزيديّة نُوجّهه بصدرٍ مُفعَمٍ بالرّجاء ، لإخواننا ِمن أهل السنّة وغيرهِم ، أن يتقبّلوا الآخَر (أيّا كانَ) خصوصاً في تلك المسائل الفَرعيّة الفِقهيّة التي أُثِرَ حولَها اجتهادٌ تخالفَت أنظار العُلماء حولَه . إن قيل : بيّنوا أكثَر ؟! ، قُلنا : نحنُ ما زِلنا نتعرّضُ للمُضايَقة عندَ إرسال أيدينا في الصّلاة ، معَ العِلم أنّ لنا أدلّتنا في هذا (وسنأتي عليها عندَ مُناقشَة الضّم) ، ولَنا اقتداءٌ في هذا بُعلماء صالحين من آل بيت رسول الله (ص) ، كأحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) ، وكالقاسم بن إبراهيم الرّسي ،ومن غيرهِم من كِبار التّابعين ، كالحسن البصري ، ومالك بن أنس ، وغيرِهِم ، فكيفَ لا يَحترمُ الطّرف السّني صلاة أخيه الزّيدي مُرسِلاً ، بَل وقد يَتعدّى البعض في هذا ، ويقول : إنّ الإرسال بِدعَة!!، وكذلكَ الحال مع الجَهر بالبَسملَة وسادات آل بيت رَسول الله (ص) مُجمعون على سُنّيتِها عن رسول الله (ص) ، وعلى الَجهر بِها ، وكذلكَ هُو قولُ غيرهِم من الصّحابة كابن عبّاس ، وأنس بن مالك ، وكبار التّابعين كسعيد بن جبير ، وطاوس اليماني (كما سيأتي بالتّفصيل) ، ولكّنا نَرى التشنيع تَلو التّشنيع من الطّرف السنّي على الطّرف الزّيدي في هذا ، بَل ويُعدّونَهُ من افتراءات الزيدية على إمامِهم زيد بن علي (ع) ، وعلى رسول الله (ص) قبلَ زيد بن علي (ع) !! ، إذاً الأمرُ مُشترَك ، وما حكمَ بهِ الأخ علي على الزيدية من ضِيقِ الأفُق فليَحَكُم به على أهل السنّة ، وليُوجّه خطاباً راقياً (كخطابِه الزيدي في نبذ شقّ صفّ المسلمين) إلى عُلماء وعوامّ السنّة لكيلا يَقعوا فيمَا وقعَ فيه الزيديّة ، ولكَي لا يَقول الزّيدي : رَماني بِحجرٍ وبيتُه مِن زُجاج ، أو عابَ عَليَّ ما هُو واقِعٌ فيه إلى الثُّمالَة ، إلاّ أن يقول الأخ علي : أنّ تبديع الزيدية لأهل التراويح ليسَ عليه دليلٌ ، وتبديعُ السنّة لأهل الإرسال والجهر والحيعلَة بحيّ على خير العَمَل ، عليه دليل!! ، فتبديع السنّي للزيدي صحيح ، وتَبدِيع الزّيدي للسنّي لا يصح . فِعندَها سَنقول : أن َتبديع المُبدِّع غالباً لا يَنبُعُ إلاّ من استنادٍ على دَليل ، والدّليل الذي يَنظُر إليه أهل السنّة على أنّه صَحِيح ، تنظر إليه الزيديّة على أنّه باطل ، والعكس صحيح ، فالزيدية لهَا أدّلتها على عدم سنيّة التراويح جماعَةً في المساجد ، كما للسنّة أدلّة على سُنّيتها ، فيكونُ تبديعُ الزّيديّة الذي استَنكَرَه أستاذَنا الفاضل في مَسألَة التّراويح ، مَعروضاً على إنصافِه في تجويز تبديع السنّي للزّيدي في عَدم قِيامِه بالتّراويح جماعةً في المساجد ، وتجويزه لتبديع السّني للزيدي في مَسألة الإرسال ، والجهر بالبَسمَلة ، بِعُذر أنّ هذه المسائل لم يَستقِم دليلُها عند أهل السنّة ، فالتبديع فيها جائِز ، فإن قُلتَ بِهذا (وأنا أُعيذُك) فلا لَومَ على الزّيدي إذا بدّع مَن رأى سُنيّة التراويح جماعةً في المسجد ، أو قال بإخفاء البسملة ، لأنّ دليلَ هذه المسائِل عندَهُم هُو الأقوى والأصحّ ، فالكلّ يَنظُر بِمنظارهِ الذي يجدُ فيه القوّة والصّواب .

اجتماعُ المُسلمين ، ورأبُ صَدعهِم ، ولمّ شَملِهِم ، لَن يتأتّى إلاّ باحترام الآخَر ، وبالتّقارب الأخوي ، الذي يَحترمُ فيه السّني الزّيدي ، والزّيدي الإباضيّ ، والجعفريّ السّني ، لا نتباغَضُ لُمجرّد اختلاف مَذاهِبنا ، ولا نَتَنافَرُ عندما يَجمعُنا سوقٌ أو مَسجدٌ أو مَجلِسٌ . نحنُ نَعلمُ عِلمَ اليقين أنّ اتّحاد أمّة الإسلام تحتَ مَذهبٍ واحِد أمرٌ مُستحيل ، بدلالَة اختلافِنا اليوم ، واختلافِ سلفنا سَابقاً ، وإن لَم يَكُن هذا فمَه ؟! ، نجتهدُ في عدم إشعال نار الفِتنَة بين المُسلمين ، أو بثّ الكراهيّة بين السّني والزيدي ، أو الزيدي والجعفريّ ، ونكتفي باحترام الآخَر ، لهُ مَذهبُه ولنا مَذهبُنا ، ليسَ مِن حقّه التضييقُ عليّ قسراً وإرهاباً ، وليسَ مِن حقّي فرضُ رأيي عليه والتضييقُ عليه قسراً وإرهاباً ، فإن قيل : كلامُكَ هذا يُسقِطُ فريضَة الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر في الدّين ؟ قُلتُ : ليسَ مُرادي إلاّ البُعد عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر القَسري التحريضِي المؤدّي إلى أنكَر منه ، كإثارة الفِتنة ، والذي هُو سبب ضعفِنا اليوم ، لا الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر بالموعِظَة الحَسنَة ، القائمَ على احترامِ الاختلاف ، فالتواصل بين عُلماء المذاهب ومُثقّفيهم وطُلاّب العلم لا شكّ أنّه من الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، ولا شكّ أنّنا نحثّ عليه بالتأليف والرّد وتقارُعُ الحُجج شريطةَ استحضار الإنصاف ، والميل مع الدّليل متى ظَهر ، والمُهتّم من العامّة فلا شكّ سيُراجِع أقوال أهل الفِرق ومُصنّفاتِهم ، فإن كان أمّياً فلا بأس بالإشارَة والتنبيه له على الحقّ بالموعظَة الحسنة دون التشنيع بالكلام القبيح عليه وعلى طائفته التي هُو مِنها ، نعم ! فإن قيل : كلامُكم فيه مِثاليّةٌ زائدَة . قُلتُ : وأزيدُكم أنّهُ حُلمٌ مُستحيل ، ولكنّ لي أُسوَة بقولِ الله تعالى : ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )) [الأنعام:108] ، فلكلّ فِعلٍ رَدّة فِعل ، ونحنُ فمتى بَدّعنا فُلان ، أو كّفرنا مشائخ الفِرقَة الفَلانية ، أو تعدّينا على مُقدّسات الفرقَة الفُلانيّة ، فَسنُقابَلُ بالمِثل[1] ، وهذا فالضّعف بِعينِه ، والدّليل ما يحصلُ اليوم في العِراق ، والمُستفيد الأوّل والأخير هُمْ أعداء الله والرّسول والمُسلمين بعموم ، والله المُستعان .

ثانياً : [ علاقَة الجعفريّة بالزيديّة في اليَمن ] :

قال الأخ علي [ص21-25] :

((ولَقد ظهرَ أُناس في زماننا هذا ليسَ لهُم هَمٌّ إلاّ إيجاد الفُرقَة بين المُسلمين ، وإثارَة الأحقاد والنّزعات العُنصرية والمَذهبيّة فيما بينَهُم ، ...[والمُؤلِّف يعني الجعفرية] ... ، والأمر العجيب كيف بدأ التّقارب الآن في هذه الآونَة الأخيرَة بين الإماميّة والزّيديّة مع أنّ الإماميّة يُكنّون كلّ الحِقد والعداء للزيديّة ، والتّاريخ دليلٌ على ذلك ، ... ، وانظُر إلى ما يَقولُه المجلسي في كتابه بحار الأنوار ، وهُو مِن أهمّ كُتب الإماميّة ، يقول : (وكُتُب أخبارِنا مَشحونَةٌ بالأخبار الدّالة على كُفر الزيديّة وأمثالهم) ، ويقول أيضاً في مرآة العقول : (واعلم أنّ الأخبار في أخبار زيد مُختلفَة ففي بَعضِها ما يَدُلّ على أنّهُ ادّعى الإمامة فيكون كافراً) ، ثمّ إنّ أئمّتنا من علماء الزيدية من قديم الزّمان كانوا يُحذّرون منهُم ، ... [ثمّ أوردَ المؤلّف نصّا طويلاً عن الإمام الهادي (ع) استدلّ منهُ على تكفيره للجعفريّة ، ثمّ أومأ إلى تحذير غيره من أئمة الآل منهم ، ثمّ ساق كلام المَقبلي الذي تَعجّب فيه مِن إقبال الزيدي على الجعفري ، ونُفرتهُ من السنّي ، مع أنّ الأخيرين إنّما يًبدّعون الزيدية ، والجعفريّة تُكفّر الزيدية ] ...إلخ )) .

تعليق : أخي الفاضل ، لن نكونَ مُنصِفين إن قُلنا أنّ كلامَك هُنا غيرُ صحيح ، ولكنّا سنقُول أنّ فيه حقٌّ وباطل ، كما أنّه احتوى على كَمٍّ مِن التّهويل والتضخيم لحجم التّداخل الزيدي الجعفري في البلاد اليَمانيّة ، فالمعلومُ أنّ الجعفريّة ما زالَت أقليّة في اليَمن اليوم ، وأنّ مِن الزيديّة مَن هُم قائمون على قدَمٍ وساق لردّ ما قد يُسمّيه البعض (التسرّبات الرّافضية إلى الفِكر الزّيدي) ، والذي أُسمّيه أّنا (التّقارب بِصهر وتقريب المَذهَبين) ، ونحنُ كطلبَة عِلمٍ مُتنبّهونَ لأساليب جَعفريّة أشارَ إليها المُؤلّف بإجمال لمُحاولَة استجلاب زيديّة اليمن إلى المذهب الجَعفري ، ونحنُ فصامدون خلفَ عُلماءنا الأكفّاء بإذن الله أمام هذا التيّار ، وهُو التيّار الذي دَخلَ إلى النّاس عن طريق إظهار وإحياء فضل ومناقب ومواقف أهل بيت رسول الله (ص) ، وهُو الأمر الذي يُعجبُ العامّة من الزّيدية قَبلَ العُلماء والمُثقّفين .

أمّا مَسألَةُ إقبال الزّيدي على الجعفري دونَ السّني ، فإنّ هذا عِندي في بعضٍ دونَ بعض ، على أنّ البعضَ الآخَر قد يكونُ بَعضَين ، بَعضٌ مُقبِلٌ على السّني دون الجعفري ، وبعضٌ مُقبلٌ على السّني والجَعفري وغيرِهِم ، ونحنُ فنُشجّع البعض الأخير ، ونَطلبُ من إخواننا المُسلمين أن يُقبلوا على بعضِهم البَعض بالإخاء والاجتماع ، ونَبذ الخِلاف ، نعم ! ثمّ إنّ نقلَكم سيّدي الكريم عن المَقبلي بخصوص تَوالف وتعايش الزّيدي مع الجعفري دون السّني ، فقد يكونُ مَرجَعُ هذا رائحة التشيّع لآل بيت رسول الله (ص) الموجودَة في الجعفريّة والغير موجودَة عند السنّة ، وإن كانَ الجعفرية لم يتشيّعوا إلاّ في اثني عشر شخصاً ، إلاّ أنّنا سنخصّ اشتراكهُم في أصحاب الكساء ، وفي مظلوميّة أهل البيت (ع) بعموم ، إضافة إلى تعظيم الزيدية لأئمّة الجعفرية الأحد عشر[2]، وهُو الأمر الذي لم يَجِدهُ الزّيدي في السّني ، بَل على العَكس فإنّه يجدُ منهُم مَن يُنكرُ فضائل عديدة لأمير المؤمنين (ع) وأهل البيت ، بإبراز سيف رجال الجرح والتعديل ، هذا ضعيفٌ وذاكَ موضوع ، وقد تزيدُ المُنافرَة مَنافرَةً عندما يُثبتُ السّني صحّة الحديث (كحديث الغدير ، والمنزلة ، مثلاً) ثمّ يَتكلّفُ السّني في صرفِه إلى مُجرّد الفَضل دونَ الدّلالة على الإمامة في علي (ع) ، ولأفضلية أهل البيت ، ثمّ تزيد المنافرة أكثر من ذلك عندما يُدافع بعض المنتسبين للسنة عن أعداء أهل البيت ، وعن قَتَلتِهم ، دَع عنك مسائل الجّبر والتشبيه وما إليها ، التي تخفّ كلّما اتجهنا جهة الجعفريّة ، وتزداد كلّما اتجهنا جِهَة السّنة ، ولستُ هُنا بِصدد مُناقشَة مَدى هُوّة الخِلاف في هذه المسائل (الجبر ، والتشبيه ، والإمامة) بين الزّيدية والفرقة السنّية ، ولكنّي أكتفي بالإشارَة إلى أسباب قد تكون هي مِن العوامل التي جَعلَت الزّيدي يُقبل على الجعفري دون السّني ، ناهيكَ بعامِل التشيّع في أمير المؤمنين والزّهراء والحسنين صلوات الله عليهِم مِن عامِل ، وما زِلتُ أسمعُ مِن بعض عوامّ الشيعة غير الزيديّة قولَهُم (المهم أنّنا وإيّاكُم اجتمَعنا في الخَمسَة) يعني أهل الكساء ، نعم ! ثمّ إنّنا عندما نستلهم حِقبَة رجال الجرح والتعديل من أهل الحديث نَجد أنّهم كانوا يَتوالَفون مع الأشاعرَة أكثرَ مِنَ الشّيعَة ، فمَا هُو السّبَب؟! ، عندي أنّ اتفاقَهُم على تفضيل المشائخ على علي (ع) هُو السّبَب[3] ، وهذا فِقياسٌ يَجعلُنا نستشّف أثرَ الخلاف الذي حصلَ بعد موت رسول الله (ص) ، وتأثير رموزِه (علي ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعائشة ، وطلحة ، والزّبير ، ومعاوية) على عَقيدَة الولاء والبراء ، والمحبّة والنُّفرَة ، على طبقات المُجتمع الإسلامي ، حتّى أنّي أكادُ أجزم (بل أجزم) أنّها أسخنُ وأكثر قضيّة نُوقِشَت على مدار القرون الماضيَة ، إلى يومِ النّاس هذا ، وإلى الغَد ، فمَن رَضّى على أبي بكر وعمر وعثمان كان شخصاً مُقرّبا عند أغلبيّة أهل السنّة ، وإن خالفَ على أهل السنّة في عقائدهم فليسَ يرقى هذا الاختلاف إلى ما قد يُسبّب التنافُر[4] ، ومن قدّم عليّاً والحسن والحسين على غيرهِم كان مُقرّباً عند الزيدية ، وإن خالفَ على الزيدية في عقائدِهم فليسَ يرقى هذا الاختلاف إلى ما قد يُسبّب التنافُر .

نعم ! ثمّ إنّ عقيدة الولاء والبراء غير مُلزِمَةِ التّقليد ، فإن كفّرَ فُلانٌ كفَّرْنَا ، وإن فَسَّقَ فسَّقْنَا ، فالمسألَة عائدةٌ إلى الشخص ، فعليه أن يستحضِر إن كان من أهل البحث أصول المسائل وسبب تكفير المُكفّر ، وتفسيق المُفسّق ، وقول المُخالِف لهُما ، ثم يُحلّل المسألة تحليلاً تَقرُّ به نَفسه ، فلا يكون حينَها مُقلِّداً ، وهذا الكلام شاملٌ عام ، فلا يجوزُ لنا تكفير الجعفرية كردّة فِعلٍ لأنّ المجلسي من الجعفرية كفّر الزيدية ، ولا العكس لأنّ الهادي (ع) كفّرَ الجَعفريّة ، على أنّ الهادي صلوات الله عليه كانَ يذمُ جعفريّةً[5] الأمس لا جعفريّة اليوم[6] ، فالهادي (ع) كان يَذمّ جعفريّة تقول بالتشبيه المحض ، وبإبطال العدّة على الزّوجَة ، والجعفريّة اليوم –فيما نعلم- لا تقول بهذا ، وأيّا كانَ ، فنحنُ نُشدّد على الأخذ بالأسلَم والأحوَط ، والتماشي مع ما يجمع كلمة المُسلمين ، ويلمّ شملهم ، والتكفير فلا تكادُ تخلو منه طائفَة من طوائف المُسلمين .

قال الأخ علي [ص25] :

((والدّليل على هذا التّقارب أنّك ترى بعض العقائد الإماميّة ، قد بدأت تنتشر بين أوساط الزيدية ، كالطّعن في الصّحابَة ، وإنكار شخصيّة عبدالله بن سبأ ، والتّشنيع على البخاري ومُسلم ، وكتب الحديث ودواوين الإسلام وغيرها من شبه الإماميّة ، معَ أنّ هذه مسائل ما قال بها أحد من أئمّة الزيديّة المُتقدِّمين)) .

تعليق : أخي الفَاضل الأمثلَة التي ذكرتموها ، وجعلتموها نتاجَ عمليّة التأثير الجعفري ، بحاجَة إلى تفصيل :

فمسألَة الطّعن بمعنى السّب والشّتم للصّحابَة (وأخصّ المشائخ ، وأهل الجمل) ، أمرٌ لم يَثبُت عن أئمّة وعلماء الزيدية من يوم النّاس هذا ، إلى زمن أمير المؤمنين (ع)[7] ، فهُم بين مُتوقّفٍ ومُرَضٍّ ، وسوادُهُم على التوقّف ، وأمّا التشكّي والتوجّع من فعلهِم فأمرٌ لا نُنكره ، وما زلنا ننعى على أبي بكر تقدّمه على علي (ع) ، وعلى عُثمان في إرخاء الحبل لبني أميّة ، وعلى أصحاب الجمل خروجَهُم على إمامهم الشرّعي ، وهذا فليسَ منّا تأثّرٌ بالجعفريّة بل كان على ذلك أئمّتنا (ع) حاضراً وماضياً ، وعلى رأسهِم أمير المؤمنين علي (ع) ، مروراً بالحسنين ، فزين العابدين ، فالباقر ، فزيد بن علي ، ... ، فالمنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ، الذي ذكرَ المُؤلّف أنّه كان يحطّ على الجعفرية ويُصرِّح بضلالهِم[8] ، فهذا أمرٌ قديم ليس بالطّارئ على خطّ أهل البيت من الاختلاط الجعفري . نعم ! أمّا إن كان المُؤلِّف يتكلّم عن عوامّ الزيدية فليسَت أفعالُهُم وأقوالُهُم يُعوَّلُ عليهَا ، وعليهِم أن يعودوا إلى علمَاء الزيدية لمعرفة رأي الزيدية في هؤلاء الصّحابَة ، فأهل البيت أدرى بالذي فيه .

وأمّا مَسألة ابن سَبأ اليهودي ، فإنّها قضيةٌ تاريخيّةٌ جانبيّة ، ليسَت بِذات أهميّة في نتيجَتها عندَ الشيعة الزيدية المَرْضيّة ، فالإيمانُ بِها مِن عَدَمِه عندنَا أمرٌ غيرُ مُهمّ ، لأنّ الزيديّة ليسَت نَتاج تَمَخُّضِ أفكَار شِيعَةٍ مُحيطين بأهل البيت (ع) ، كَمَا يُعزي البعض تكوّن مذهب الشيعة الإماميّة والإسماعيليّة وغيرهم نتاجَاً لنظريّة ابن سبأ في الغلو في الإمام علي (ع) ، لأنّ الزيدية قائمَة لا على أكتاف شِيعَة سادات بني الحسن والحسين ، بل قائمَةٌ على أكتاف سادات بني الحسن والحسين أنفُسَهُم !! ، فالقاسم بن إبراهيم الرّسي (ع) لم يكُن يوماً مُنتسباً لأبي الجارود الزّيدي ، ولا للسليمانية ، أو البترية من الزيدية ، ولم يكن الهادي إلى الحق (ع) ينتسبُ إلى هؤلاء الشيعة ، بل كانوا ينتسبون إلى مذهب أهل البيت (ع) ، مذهب آبائهم ، وما علّموهُم إيّاه ، وأصّلوهُ لهُم ، لا إلى ما علَّمَهُم إيّاهُ شيعتُهُم ، وأصّلوه لهُم دون آبائهِم الفاطِميّون ، ونحنُ فلم نجد زيديّاً يحتجّ بِفعل أبي الجارود ، والحسن بن صالح بن حي رحمة الله عليهما دون أهل البيت (ع) ، فَافهَم هذَا. ثمّ أضِف إلى ذلك أنّ غايَة الأمر بالنّسبة للزيدية إن ثبتَ وجود شخص ابن سبأٍ اليَهودي ، أن يُقال للمُنصِف : بنَظَرِكَ ما هُو دَورُ ابن سبأ اليهودي على عقيدة الزيدية في الإمام علي (ع) ؟! . إن قال : نَتاجهُ على الزيدية قولُهُم بالنّص ، وغُلوُّهُم في أمير المؤمنين ، لأنّ المعروف عن ابن سبأ أنّه كان يَغلو في علي (ع) حتّى أوصلَهُ إلى مرتبَة الألوهيّة . قُلنا : فاعلَم أنّ الزيدية لم تأتِ بعقيدتها في النّص على أمير المؤمنين صلوات الله عليه من كلامِ الرّجال (الذي منهُم ابن سبأ) ، بَل أتتَ به من كتاب الله تعالى ، وسنّة رَسول الله (ص) الصّحيحَة المُجمَع عليها بالاتّفاق ، ومن إجماع آل بيت رسول الله (ص) سادات بن الحسن والحسين المأمور النّاس باتّباعهُم والمُقارنون بالكتاب العظيم ، الله يَقول في مُحكم كِتابِه : ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة:55] ، والرّسول (ص) يقول : ((مَن كُنتُ مَولاه فعليٌّ مَولاه)) ، ويقول : ((عليٌّ مِنّي بمنزلَة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بَعدي)) ، وإجماع آل بيت رسول الله الملازمون للكتاب يقول فيما حكاه عنهم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) (ت247هـ) : ((أجمَعَ عُلمَاء آل رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ عَلي بن أبي طالب كَانَ أفْضَلَ النّاس بَعدَ رَسولِ الله، وأعلَمَهُم وأولاهُم بِمَقَامِه)) ، وقال فقيه الآل أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) (158-240هـ) : ((أوصَى رَسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أولَى النّاس به وأفْضَلُهم عِندَ الله وعِنده ، وأعلَم النّاس مِن بَعدِه ، عَلي بن أبي طالب -صلى الله عليه-)) ، وهذا أخي المُنصِف ليسَ من إضافات شخص ابن سبأ على فِكر الزيدية ، وأمّا قولُك بأنّ شخص ابن سبأٍ اليهودي هذا قد أضاف عقيدة الغُلوّ في أمير المؤمنين لدى الزّيديّة ، فَهُو قولٌ مِنكَ يَنصرِف إلى غير الزّيديّة من الشّيعة ، أمّا الزيدية فبريئةٌ من هذا براءة الذئب من دم يوسف ، فلا الزيدية قالت بأنّ ابن أبي طالب يُوحَى إليه من السّماء ، ولا الزيدية قالَت أنّه أفضل من ملائكَة السّماء ، ولا الزيدية قالَت أنّه أفضل من جميع الأنبياء والمُرسلين عدى محمد بن عبدالله (ص) ، ولا الزيديّة قالَت بأنّه يَفعَلُ الخوارِقَ العظام ، ولا الزيدية تَعصمُه من السّهو والنّسيان ، ولا الزيدية تَقولُ أنّه وُلِد ذا علمٍ لَدُّنّي ليسَ معهُ يحتاج إلى تعلُّمٍ واكتساب ، ولا الزيدية جعلَت له نصيباً من مراتب الألوهية ، فأيٌّ غُلُوٍّ أخذتهُ الزيدية من شخص ابن سَبأٍ هذا الذي جُعِلَ شمّاعَة شيوع خُرافَة عقائد أهل الحقّ والإيمان من شيعة أهل البيت (ع) ، ولا سيّما الزيدية أتباع أخيار أبناء الحسن والحسين (ع) ، وهذا أخي في الله فليسَ منّا إلاّ قَطعَ لُجاج في مَسألة ابن سبأ هذا ، فليسَ هُو (حتّى وإن ثبَت) بمورد احتجاج على الزيدية العَدليّة ، والحمد لله .

وأمّا مسألة الطّعن على البخاري ومسلم وغيرها من مصنّفات أهل الحديث ، وأنّه لم يسبق المُعاصرون في الطّعن أحدٌ من المُتقدّمين فَوَهمٌ ظاهرٌ مِنَ المُؤلّف ، لأنّ من أئمّة الزيدية وعُلماءها سابقاً وحاضراً مَن تَكلَّموا على مُصنّفات أهل الحديث ، وعلى رأسها البخاري ومُسلم ، ولم يكونوا يَعتبروا كلَّ مافيها صحيحٌ مُطلَق ، ولا كَذبٌ مُطلَق ، بَل ما كانَ لها شاهدٌ من كتاب الله تعالى ، وصحّت أسانيدُه ، ووردَ لهُ شاهدٌ عند أهل البيت (ع) كانَ ، وما خالَف هذه الشروط لَم يَكُن ، على تفصيل في آلية قبول الأحاديث ليسَ هذا مَقامُهُ ، والتركيزُ على الشّاهد هُنا هُو المَطلوب ، أعني أنّ القدح في بعض محتويات مُصنّفات أهل الحديث ليسَ أمراً طارئاً أخذه الزيدية اليوم من الجعفريّة ، بَل هُو أمرُ قديم ، وقد شنّعَ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع على علماء الزبدية القُدماء السّابقين توهينهِم لبعض مسانيد أهل الحديث ومُصنّفاتهم ، وذلك في كتابه (الزيدية نشأتها ومُعتقداتها)[9] ، ثمّ إنّ المُؤلّف إن كانَ يُريدُ أنّ ِفكرَة الطّعن في مُصنّفات أهل الحديث لم يَكُن لها أصلُ عند سلفهم من أهل البيت فهذه عظيمَة ، لَن يُسعَِفهُ الدّليل العَقلي دع عَنكَ النّقلي على إثباتها ، لأنّه لو كان ذلك كذلك لَقَبِلنا جميع أحاديث البخاري ومسلم وهي أجلّها عند أصحابِها، وفيها أحاديث التشبيه والجبر التي لا تزال الزيدية جميعا يُشنّعون عليها ، وخصوصاً تلكَ التي لا تَقبَل التأويل منها ، ثمّ لَو كانَ ذلكَ كذلك لأخذنا بأحاديث البخاري ومسلم المُعارِضَة لأحاديث زيد والهادي والقاسم صلوات الله عليهم ، وهذا فليسَت عليه الزيدية قديماً وحديثاً ، نعم الزيدية لا تُبطَل جميعَ مافي الأمّهات الست وغيرها من مُصنّفات أهل الحديث ، ولكنها تتعاملُ مَعها بضوابط ليسَ هذا مقامُ التفصيل فيها .

ثالثاً : [ الاجتهَاد والإنكَار على العُلماء المُجتهِدين ] :

قال الأخ علي [ص26-31] :

((ثمَّ إنَّكَ تَرى هؤلاء المُنتَسِبين إلى المَذهب الزّيدي قد بَدأوا يُضيِّقونَ المَذهب الزّيدي ويَحصُرُونَهُ في إمامٍ مُعيّن ، أو في قَولٍ مِن أقوالِ المُتأخِّرين ، ومَن خالَف ذلك القَول ، وعَمِلَ بِقولِ إمامٍ آخَر من أئمّة أهل البيت شَنَّعوا عليه ، وأقامُوا الدّنيا ، ولَم يُقعدوهَا ، وأنّهُ خالفَ أهل البَيت ، وأنّهُ عَدوٌّ لأهلِ البَيت ، وأنّهُ يُبغِضُ أهل البَيت ، معَ أنّهُ ما خَرَجَ مِن مَجموعِ أهل البيت ، وقد قالَ في الأزهار في كِتاب السِّيَر : ((لا يَجوزُ الإنكار في أمرٍ مُختَلَف فيه)) .

تعليق : أخي الفاضل ، نحنُ وإيّاكَ والقارئ الكريم سنَتناولُ المَسألةَ بأسلوبٍ بعيدٍ عن التهّويل والتّضخيم ، فنَقول : أنّ حال المخالِف في اجتهادِه ، لا يَخلو مِن أمرَين اثنين : إمّا أن يكونَ خالفَ على إجماعٍ لأهل البَيت (ع) . وإمّا أن يَكونَ خالَفَ على مَسألةً مُختلفٍ حَولَها ، ليس يُقيِّدُها إجماع . فإن كان الأمر الأوّل كانَ المُجتهِدُ مُخطئٌ بالتّأكيد ، وتشنيعُ العُلماء عليه لابدّ وأن يَكون مُستنِدٌ على دليل ، وكيفَ لا يكون كذلك وهُم يُحاجّونَ المُخالِفَ بإجماعٍ مَعصوم ، فإن أنتَ وَقفتَ على هذا ، فِقِف على أنّه لَم يَقَع مِن كبار علمَاء الزيدية في هذا النّوع من المُخالَفَة الاجتهاديّة إلاّ النّزر اليسير ، كابن الوزير ، وابن الأمير ، والشّوكاني ، ممّن اطّلعنا على حَالهِم عن قُرب ، وإن أقربهُم إلى الزيدية ابن الوَزير (ع) ، إذ هُو َ لَم يُخالِف إلاّ في بعض مسائل الوعد والوعيد كالخلود ، يَليه في القُرب ابن الأمير الصنعاني ، ويليه القَاضي الشّوكَانِي ، وهذه المُخالفَة منهم فمُخالفَةٌ لأصولٍ مٌجمَعٌ عليهَا بالاتّفاق ، وأمّا الأمر الثّاني ، فإنّه مُتعلِّقُ بكلّ مَن انفردَ باجتهادٍ لم يَنعقِد حولَهُ إجماعٌ فاطميّ ، وهُوَ محلّ الجَدل ، فنجِدُ أكثر المُنازَعات والتفاوت بينَ العُلمَاء حولَه ، فيُحرّرون الرسائل والردود ، ويَتقارَعُون الحُجج والأدلّة ، ويَنظِمونَ النّثرَ والأشعَار ، كلّ يُريدُ أن يُصحّحِ اجتهادَه ، وهَذا النّوع من الاجتهاد فلا يَخلو حالهُ أيضاً ِمن أمرَين : إمّا أن يَكون اجتهاداً مُوافقاً لاجتهاد عالمٍ مِن عُلماء أهل البَيت ، وإمّا أن يكون اجتهاداً مُوافقاً لعالمٍ مِن عُلماء غير أهل البَيت (ع) ، وهُوّة النّزاع والخِلاف فتَزادد كلّما اقتَربَنا من الأمر الثّاني ، نعم ! أيّا كانَ فالغرضُ من الكلام السّابق القريب هُو التّعريف بِما يصحّ ممّا لا يصحّ من المُخالفَات الاجتهاديّة ، وأنّ النّكير مِن العُلماء على العُلمَاء ليسَ يتّجهُ أكثَر ما يكون إلاّ في (الاجتهاد المُخالِف للإجماع) ، ولَسنا نُنكرُ عدم وجودِه في (الاجتهاد في ما لم يَنعقِد عليه إجماع) ، فما كانَ من الأخير كانَ الأولى عدم التّشنيع فيه وعَليه .

نعم ! من المُفيدِ هُنا أن نتطرّق لِتلكَ الأشعَار التي سَاقَها الأخ علي في كتابه ، وهي لمحمد بن إسماعيل الأمير وظَاهِرُها التّشكيك في مُتابَعة الزّيديّة لإمامهِم زَيد بن عَلي (ع) ، أصُولاً وفُروعَاً ، بينمَا هِيَ في الحقيقَة تتكلّم عن أمورٍ فِقهيَّةٍ بَحتَة ، وكلّ ما أوردَ الأخ علي من أشعارٍ في كِتابِه يَنصرِفُ إلى الاختلاف الفرعي الفقهي ، لا إلى الاختلاف الأصولي العَقدي ، فافهمَ هذا ، فالبعضُ يَستَخدمُ هذه الأبيات ليُوهِمَ أنّها تتكلّم عن الأصول والفروع ، كَي يُنفِّرَ الباحثَ عن الزيديّة بأسلوبٍ أو بآخَر ، وسَنذكُرُ لكَ مُقتبسَات ممّا ساقَهُ الأخ علي من شِعر .

ما نَقلَه عن ابن الأمير محمد بن إسماعيل الصّنعاني [ص28] :

أتَرانِي لَو رَفَعتُ الكَفّ في ***** حالِ تَكبيرٍ وذا رأي الوَلِيّ (يعني زيد بن علي)
هَل تَرى أشياخُكُم تَتْرُكُني ***** أمْ يَقولونَ أتى بالمُعْضِلِ

تعليق : وهُنا تجِد ابن الأمير ، كانَ يتكلّم بكلامٍ فقهيٍّ بَحت ، ويدلّ عليه أيضاً قوله [ص29] :

وليسَ اختلافُ الآلِ في العِلم ضَائرٌ **** ولا هُوَ عَيبٌ عند كلّ مُوحِّدٍ
فقَد خالفَ الهادي بنوه محمّد ******* وأحمد فانظُر كُتُبهم وتفقّد
وخالفَه المَنصور والنّاصرُ الذي ****** يُؤمل سُقيا للإمام المُجدِّد
وكَم ِمن خلافٍ بين صِنوَين قد جَرى **** أبي طالبٍ ثمّ الإمام المؤيّد
وشِاهدي (الأزهار) و (الغيث) فانظروا*** وفي (البحر) للمهدي ما يَروي الصّدي

تعليق : وهُنا تأمّل أخي في الله تَجِد أنّ أكثَر هذه المُساجلات الشّعريّة كانَت مُنصبّة على الفروع ، وليس كلّ الفروع بَل تِلكَ الفروع التي لم يصحّ فيها إجماع في أكثر المواقِف ، فَهل تَرى البدر محمد بن إسماعيل في قوله السّابق ، يُريدُ المُخالفات العَقَديّة أو المُخالفَات الفِقهيّة ، إن قُلتَ المُخالفات العقديّة لم يُسعِفكَ هذا لتطابُق عقائد مَن ذكرَهُم الصّنعاني ، وإن قُلت في فروع الشّريعَة فيما ثبتَ فيه إجماع ، قُلنا : لَن يُسعْفَك الدّليل على هذه أيضاً ، لثبوتِ قولهِم بما صحّ فيه إجماعٌ فِقهي قولاً واحِداً ، وإن قُلتَ : في فروع الشّريعة فيما لَم يَثبُت فيه إجماع عن أهل البيت (ع) ، قُلنا : وهُو رأيُنا ، ولسنا نَذكُر هذا ونزيدُ التّعليقَ فيه وعليه ، إلاّ لِتستَحضِرَهُ فإنّ بعض الحُذّاق قد يَستغلّ هذه الأبيات فيَجعلَ الخلافات التي تكلّمت عنها الأبيات خلافَات عقديّة ، وأنّ الهادي (ع) خالفَ زيد بن علي ، ومحمد وأحمد أبناء الهادي ، خالفوا في عقائدهِم على أبيهِم وعلى زيد بن علي (ع) ، .. إلخ ، مِنَ التدليساتَ التي قَد تحصُل ، وما أحسنَ ما ذكرهُ إمامنا المؤيديّ مُبيّناً هذا الخطّ الرّفيع الذي قَد يَغبى على كثيرٍ من النّاس للأسَف ، فقال (ع) : ((وأمّا الأبيات التي ذَكرَها السيّد البدر محمد بن إسماعيل الأمير ، وهي :

لا عُذرَ للزيّديّ في تَركِهِ ***** للرّفع والضّم وإحرامِه
مُكَبِّراً قبل الدّعا إنّه ******** مَذهبُ زيدٍ عندَ أعلامِه

فأقولُ وبالله التّوفيق ، مُجيباً على غير مُبالغَة ، وإنّما القَصدُ بيانُ الحقّ وإيضاحُ الحجّة:

لا عُذرَ للبَدرِ الأمير الذي **** يُوجِّهُ اللَّومَ لِلُوَّامِهِ
يَلُومُ زَيديَّاً على تَرْكِهِ ****** للرَّفعِ والضّم وإحرامِهِ
يا عَجبَاً للبَدر لمّا غَدا ***** مُسجّلاً عُمَداً لأوهَامِه
أمَا عَرَفتُم أيّها البَدرُ ما الـ***ـزّيديّ فابَحث عِندَ أعلامِهِ
فَعَمُّكَ المَنصور بالله قَد **** حقّقَ في الشّافي لإفْهَامِهِ
وَرَدَّ ما جَاءَ بِهِ صاحِبُ الـ *** ـخَارِقَة الأعمَى بإجرَامِهِ
إذ قالَ جَهلاً مِثلَما قُلتُم **** في حَلِّه سِرتُم وإبرَامِهِ
وهَكَذا تَسقُطُ أنظَار مَن *** يَهُمُّهُ النّقم بأقلامِهِ
وإنَّما الزّيديُّ مَن قالَ بالـ***ـتوحيدِ والعَدلِ لِقِيامه
مُقَدِّمَاً مَولَى الوَرى حَيدراً *** بِسخط مَن يأبى بإرغَامِهِ
مُوافقاً زيداً إمام الهُدى *** مُجِّدَ الدِّين وأحكَامِه
يَرى جِهادَ الظّالم المُعتدي *** حَقّاً ولا يَرضى بآثامِهِ
وليسَ الذي مَعناهُ الذي قَد غدا *** مُقلِّداً أعمى بإظلامِهِ

وليسَ بالرَّفعِ ولا الضَّم والتّأ *** مينِ والعقد لإبهامِه
تِلكَ فُروعٌ ما عَلى ناظِرٍ *** فِيها جُناحٌ كفّ عن ذامّه
هلاّ نَصحتُم هَكذا إن يَكُن *** قَصدُكُم النّصحُ بأقسامِهِ
لا عُذرَ للسّنيّ في تَركِهِ اسـ***ـم الله شُكراً لإنعامِهِ
وحَذفِهِ للآلِ عَمداً وقَد **** قالَ لهُم قولوا بإتمامِهِ
ماذا عَليهِم أن يُصلّوا كَمَا *** عَلَّمَهُم عن أمرِ علاَّمِهِ
صلّى عليهِ ربّنا دائماً **** والآل تَتميماً لإكرامِهِ
فاعمَل بِه إن كُنتَ مِن أهلِهِ ***واطَّرِحِ اللّومَ لِلُوَّامِهِ

اعلَم أنَّ إلزام الزّيديّة بالرّفع والضّم وغَيرِهِما من المسائل الاجتهاديّة ، يُنبئُ عن عدم التّحقيق لمعنى الزّيديّة ، وعَن التّوهّم أنّها نِسبَة تقليديّة كِنسبَة المَذاهب الخلافيّة ، وليسَ كذلك فإنّهُم إنّما سُمّوا زيدية لمُوافقَتِهِم الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن عليهم السّلام في أصول الدّين ، والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر ، والخروج على الظّلمَة ، لا التّقليدُ في المسائل الفروعيّة ، كيفَ والتّقليد مُحرّمٌ على أهل الاجتهاد بالإجماع ، .. إلخ ))[10] .

نعم ! وفي ما مَضَى الكِفايَة لمِنَ تفهّم أصولَ المسألَة ، وراجَعَ مَدار الاختلافات في ذلك العَصر وغيرهِ مِنَ الأعصار .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

رابعاً : [ مُناقَشَة مُن هُمْ أهلُ البَيت ] :

قال الأخ علي [ص33] :

((إنّنا نَجِدُ حصراً وتضييقاً للمفهومِ الواسِع لأهل البَيت ، الذينَ لم يَجمَعهُم قُطر ، ولم يُقَيِّدهُم مَذهَب ، هم مُنتشرون في كافّة البلاد الإسلاميّة وبين كافّة المذاهب ، كُلٌّ له رأي ، وكُلّ له مَذهبٌ واجتهاد ، فلا يصحّ أن نقول في كلّ مَن اجتهَد أنّهُ خالفَ أهل البيت – كمَا فعل عبدالسلام الوجيه عندما ترجم لمحمد بن إبراهيم الوزير في كتابه (أعلام المؤلّفين الزيدية) ، فقد قال عنه : "وقد خالَفَ أئمّة أهل البيت في بعض اجتهاداته" ، فلا نَدري ما مَفهوم أهل البيت عند عبدالسلام الوجيه ؟! فهل يصحّ أن نقول أنّ كلّ مَن اجتهَد مُخالِفٌ لأهل البيت ؟ فقد خالَف الهادي يحيى بن الحسين الإمام زيد في بعض اجتهاداته ، وكذلك الإمام القاسم ، وخالفَ الهادي بنوه محمد وأحمد في بعض الاجتهادات ، وخالَف الإمام يحيى بن حمزة في بعض اجتهاداته الإمام الهادي ، وكذلك الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى خالَفَ مَن سَبَقَه في بعض اجتهاداته ، فهل يُطلَق على هؤلاء مُخالِفون عند عبدالسلام الوجيه ؟!! ، فمَن حاوَل حَصر أهل البَيت وتضييقِهِم على حسب هواه ومزاجه فهُوَ أولى بأن يكون مُخالِفاً)) .

تعليق : أخي الفَاضل الكلامُ هُنا معكم يَنقسِم إلى قِسمين اثنين :

القِسم الأوّل : مُناقشَة مفهوم أهل البيت عند الزيدية ، وهُو أنّ الزيدية تَنظُرُ إلى أنّ أبناء عليٍّ وفاطِمَة إلى يوم الدّين هُم أهل البيت المقصودون في كتاب الله تعالى ، وفي حديث الرّسول (ص) ، ولا شكّ أنّ الرسول (ص) داخلٌ معهُم تحت هذا المُسمّى وهُوَ (ص) أفضَلُهُم قطعاً ، نعم ! بَقيَ الكلام على تشنيع المُؤلّف على السيّد المُحقِّق عبدالسلام الوجيه حفظه الله وأبقَاه عندما نسب الحافظ ابن الوزير (ع) إلى مُخالَفَة أهل البيت (ع) في بعض اجتهاداته ، فغابَ عن المؤلِّف مقصد السيّد عبدالسلام ، ومَقصد الزيدية عندما تقولُ خالفَ الإمام أو العالم الفُلاني على أئمّة أهل البيت (ع) في اجتهاداته ، فمقصدُ الزيدية في هذا : أنّ الإمام أو العالم الفُلاني قد خالفَ إجماعَ أئمّة أهل البيت (ع) ، إجماعَ جماعَة من أهل البيت (ع) ، لا أنّهُ إنّما خالَفَ قول واحِدٍ من أئمّة أهل البيت (ع)، ومثالاً عليه عندما ذهبَ ابن الوزير محمد بن إبراهيم (ع) إلى أمرٍ بين الأمرين (بين الجَهر والمُخافَتَة) في البسملَة في الصّلاة فإنّه خالفَ في اجتهادِه هذا قَولاً صَريحاً لأئمّة أهل البيت (ع) (لإجماع أئمّة أهل البيت) ، وهُم فمُجمعون على الجهر المُطلَق بالبسملة في الصلوات الجهريّة ، وشاركَهُم هذا الإجماع عدّةٌ من الصحابة الكرام ، وكبارٌ من التّابعين، وكذلكَ الحالُ مع مَن اجتهدَ في إسقاط لفظَة (حيّ على غير العمَل) من الأذان والإقامَة فإنّه مُخالفُ باجتهاده هذا على أئمّة أهل البيت (ع) ، ولَسنا نقولُ أنّهُ مُخالفٌ لواحدٍ من أئمّة أهل البيت ، بل نقولُ أنّه مُخالفٌ لإجماع أئمّة أهل البيت (ع) ، والحسن بن أحمد الجلال كان يتمثّل شعراً :

وَمِنهُمَا حَيَّ عَلى خَيرِ العَمَل **** قَال بِهِ آلُ النّبي عَنْ كَمَلْ
وقِيلَ لا دَلِيلَ فِيهِ يُقبَلُ ****** وَأحْوَطُ القَولَينِ عِندِي العَمَلْ

نعم ! فإن أنتَ وقفتَ على هذا ، وَقفتَ على مَقصدِ الزيدية عندما تقولُ خالفَ الإمام أو العالم الفُلاني في اجتهاداته على أهل البيت (ع) ، ولكَ أن تسأل فتقول : فمن المَعلوم أنّ هُناك مسائل في الدّين لم يُؤثَر لأهل البيت (ع) إجماعٌ حولَها ، وقد يَجتهدُ حولَها المُجتهدون فيتخالَفون ، فما الرّأي ؟ عندها سنقول : أنّه قد صحّ إجماع أهل البيت (ع) في مسائل أصول العَقيدَة فلا مجال للاجتهاد فيها ، وكذلك قد ثبتَ عنهُم إجماعٌ في أمهات مسائل الفروع ، كعدم المسح على الخفّين ، والأذان بحيّ على خير العَمَل ، والجهر بالبسمَلَة ، وغيرها ، فالاجتهاد من العالم الفُلاني المُخالِف لما كانَ عليه إجماع أهل البيت (ع) في هذه المسائل لا شكّ أنّه قبيح ، فقولُ ثقل الله الأصغر على الأرض أولى بالاتّباع لا المُخالَفَة عليه . وأمّا ما لم يُؤثَر من المسائل الفرعيّة لأهل البيت (ع) إجماعٌ فيه ، فأُثِرَ عنهُم تيسيرٌ واختلاف ، فلا بأس للمُجتهِد أن يُرجِّحَ ويُخالِف ، كمسألة رفع اليد في تكبيرة الإحرام ، والقنوت في الركوع هل قبلَ الفجر أم بعدَه ، وغيرها ممّا محلّه كُتب الفِقه . نعم ! وهذا الذي أسلفَنا لكَ من البَيان فيه كِفاية بفضل المنّان ، فَافهَمهُ فَهماً مَصحوباً بالأناة ، تَجدهُ بإذن الله كمَا قُلنا ، وباقر عُلوم الأنبياء محمد بن علي (ع) فكان قد سُئلَ عن أهل بَيت محمد هَل يَختلفون ، فأجاب (ع) : ((إنّا نَختَلِف ونَجتَمِع، ولَن يَجمَعَنَا الله على ضَلالَة))[11] ، وقال الإمام زيد بن علي (ع) : ((فَاختِلافُنَا – أهل البيت - لكُم رَحمة، فإذَا نَحنُ أجْمَعنَا عَلى أمرٍ لم يَكُن للنّاس أن يَعْدوه)) [12] .

القِسم الثّاني : مُناقشَةُ مَن هُم أهل البيت المأمورُ باتّباعهِم ، والمؤلّفِ قد أثارَ أنّ سادات الزيدية من بني فاطمة ليسوا كلّ بني فاطمة ، بل إنّ بني فاطمة موجودون في كلّ الأقطار ، ومُتمذهبون بعدّة مذاهب ، فمنهُم الجعافرة ، ومنهُم الأشاعرَة ، ومنهُم الحنابلَة ، ومنهُم المالكيّة ، .. إلخ ، فكيفَ تتحكّمُ الزيّديّة فتحتكرُ وتَبتزُّ قداسَة الآيات القُرآنيّة ، والأحاديث النبويّة ، والإجماعات الفاطميّة ، وتجعلُهَا لِمَن كَانَ على مَذهبِها وقولِها ؟! بَل كيفَ تجرأ الزيدية على قَوْلِ (أجمعَ أهل البيت) وأهل البيت ، أبناء علي وفاطمة ، مُنتشرون في أقطار الأرض ليس يَجمعُهُم قولٌ مُحدّد ؟! .

والجَوابُ وعلى الله التّكلان ، يكمُن في إعادَة الفروعِ إلى الأصولُ ، والنّظر إلى المَسألة لا مِن آخِرِهَا ولا مِن وسَطِها بل من أوّلِهَا ، فالدّين والقَول بعد رَسول الله (ص) هُوَ ما كانَ عليه علي بن أبي طالب (ع) ، فما أجمعَ عليه الحسَن المُجتبى مَع علي (ع) فيه فهُو الإجماع الفاطمي ، ثمّ ما أجمعَ عليه الحسين الشّهيد مع علي والحسن فهُو إجماعُ بني فاطمة ، ثمّ ما أجمعَ عليه زين العابدين علي بن الحسين مع آبائهِ فهُو إجماعُ بني فاطمة ، وما أجمعَ عليه الرّضا الحسن بن الحسن (ع) مع ابن عمّه زين العابدين و بقيّة آبائهم فهُو الإجماع الفاطمي ، وما أجمعَ عليه الباقر وزيد بن علي وعبدالله المحض وعمر الأشرف بن علي وإبراهيم الشّبه والبقيّة من أهل طَبَقتهم ما أجمعوا عليه مع آبائهم فهُو الإجماع الفاطمي المعصوم ، وما أجمعَ عليه محمد النّفس الزكيّة وأخوه إبراهيم النّفس الرضيّة وابن عمّهم جعفر الصّادق والحسين وعيسى ابني زيد والبقيّة من أهل طبقتهِم ، ما أجمعوا عليه مع إخوانهِم وبني عمومتهم وآبائهم فهو الإجماع الفاطمي ، وما أجمعَ عليه الحسين بن علي الفخي وابن عمّه موسى الكاظم ، ومحمد وعلي ابني جعفر الصادق ، ويحيى وإدريس وسليمان أبناء عبدالله المحض ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا ، والبقيّة من أهل طَبَقِتهِم ، ما أجمعوا عليهم مع إخوانهِم وبني عمومتهم وآبائهم فهو الإجماع الفاطمي ، وما أجمعَ عليه علي بن موسى الرّضا ، ومحمد بن إبراهيم طباطبا ، والقاسم الرّسي ابن إبراهيم ، وأحمد بن عيسى بن زيد بن علي ، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ، وعبدالله بن موسى بن عبدالله المحض ، والبقيّة من أهل طَبقَتِهِم فهُو الإجماع الفاطمي المقصود ، والقاسم بن إبراهيم (ع) فقد صحّ عنه أنّ قال : ((أدركتُ مَشيخَةَ آل مُحمّد مِن بَني الحَسَن والحُسين ومَا بَينَهُم اختلاف)) ، والقاسم (ع) فقَد عاصَرَ من مشائخ وسادات أهل البيت (ع) ، يحيى بن عبدالله المحض ، وإدريس بن عبدالله المحض ، وموسى بن عبدالله المحض ، والكاظم موسى بن جعفر ، ووالده إبراهيم طباطبا ، وأخوه محمد بن إبراهيم طباطبا ، ومحمد بن جعفر الصادق ، ومحمد بن محمد بن زيد بن علي ، والسيدة نفيسة بن الحسن بن زيد ، وعلي بن جعفر الصادق ، وإدريس بن إدريس بن عبدالله المحض ، نعم ! وهؤلاء فمَشيخةٌ من مشائخ آل محمّد اجتمعوا مع آبائهم السّابقوين اجتمعوا على قولٍ واحد في أصول الدّين العقديّة ، واجتمعوا على أمهّات مسائل فَرعيّة ، واختلفوا في اجتهاداتهم فيما بينَهُم في مسائل فَرعيّة أخرى بسيطَة ، فما أجمعَ عليه هؤلاء السّادة الفاطميّون في الأصول والفروع كان هُو المعصوم المُلازمُ للكتاب الغير مُفارِق له ، وما اختلفوا فيه من اجتهاد فتقليدُ أيّهم يكفي بعد التّرجيح والنّظر ، نعم ! نَعود للمؤلِّف فنقول : هلّمّ بنا وأنتَ ننظُر في حال بني فاطمة من غير الزيدية المُنتشرون في الأقطار ، والغير مُتقيّدين بمذهبٍ مُعيّن ، هَل خالفُوا في أقوالِهِم أقوالَ آبائهِم الذينَ اجتمعنَا وإيّاهُم على مكانتهِم وحُسنِ دياناتِهِم ، وأنّهم لن ينفكّوا إلاَّ على رأيٍ واحد في الأصول ، وعلى مَظهرٍ واحدٍ في العبادات ، لا سيّما الظّاهرَة منها كالصّلوات . فإن قُلتَ : خالفُوا على آبائهِم . قُلنا : وهُوَ فقولُنا . وإن قُلتَ : لم يُخالفُوا على آبائهِم ! قُلنا : فهَل عَسيتَ أن يكون آبائهُم جعفريّةً وإسماعيليّةً وأشاعرةً وشافعيّةً وحنفيّةً في وقتٍ واحِد ؟! أم أنّ سادات بني فاطمة المُتقدِّمين (أسلافُنا وأسلافُ أولئك المُنتشرون في الأصقاع) لم يكُن لهُم رأيٌ واحدٌ في الدّين ، فعبدالله المحض كان لهُ مَذهبٌ عقديٌّ مُخالفٌ لابن عمّه جعفر الصّادق ، والنّفس الزكيّة كان لهُ مذهبٌ مُخالفٌ لأبيه المحض ، والنّفس الرضيّة كان لهُ مذهبٌ مُغايرٌ لأبيه وأخيه وأبناء عمومته ، والكاظم قد تميّز عن الصادق وبني عمومته بمذهب وقولٍ ناجمٍ جديد ؟! ، فإن قُلتَ بهذا (وأن أُعيذُك) فلن يَستقيمَ لكَ معهُ دليل ، وسَيرُدّهُ عليكَ أولئكَ الفاطميّون المُنتشرونَ في الأصقاع قبلَ غيرهِم ، فما السبيلُ إذاً ؟! السبيل رَحمنا الله وإيّاك أنّ أولئكَ السّلف الفاطميّون كانوا قد أجمعوا على قولٍ في الدّين ، وأتى بعدَهُم مِن أبنائهِم أهلُ عِلمٍ وجَهل ، وانتشروا في البلاد والأقطار ، فأمّا أهل العلم منهُم فبقوا مُحافظين على مذهب آبائهم وإجماعاتهم فلم يكونوا إلاّ زيديّة ، وأمّا أهل الجهل ، وتجوُّزاً فنقول العامّة منهُم فإنّهم تفرّقوا في البلدان وتمذهبوا بمذاهب أهل البلاد ، فأولدوا أجيالاً كان منهُم العُلماء والفُقهاء ولكنّ عِلمَهُم كان مبنيّاً على أقوال الرّجال لا على أقوال آبائهم[13]. وأمّا أهل العلم منهُم المُحافظون على مذهب بني فاطمة المُجمَعَ عليه من سلفنا المُتقدّمين الأخيار من سادات أهل البيت ، فإنّهم فارقوا آبائهُم في المدينة مُنتشرين في الأصقاع وهُم على عهدهِم وقولِهِم باقون ، ولك أن تتأمّل الأعصارَ السّابقَة القريبة من عَهدِ مشائخ وكبار بني فاطمة ، ستجدُ أهل الكُوفَة منهُم زيدية ، وستجدُ أهل الحجاز الذين منهُم أمراء مكّة مَن أُذّنَ في عصر كبيرهِم قتادة بن إدريس بحيَّ على خيرِ العَمل في الحرم المكّي الشريف ، كانوا زيدية ، وستجدُ أهل الجيل والدّيلم وطبرستان على مذهب الزيدية ، وستجدُ أهل المغرب على مذهب الزيدية ، وستجدُ أهل المخلاف السّليماني على مذهب الزيدية ، وستجدُ أهل اليمن على مذهب الزيديّة ، وليسَ هؤلاء الذين على مذهب الزيدية بأراذل القوم بل ساداتُهم وفُضلائُهم وعُلمائُهم ، فإن أنتَ وقفتَ على هذا ، وقفتَ على أنّه لا بدّ لإجماعُ المُتقدّمين من بني فاطمة من أحفادٍ يَبقَونَ عليه ويُحافظونَ عليه ، ويُجمعونَ عليه مَعهُم ، فهذا هُو إجماع بني فاطمة المَقصود بالمَدح والمُقارنَة للكتاب العزيز ، وأمّا ما ذهب إليه المًُؤلّف وسابقاً ذهب إليه الحافظ ابن الوزير من تعذّر الوقوف على الإجماع خصوصاً مع كثرة بني فاطمة وانتشارهم في الأمصار ، وتمذهبهِم بكثيرٍ من المذاهب فقولٌ لا يستقيم ، ويردّه ما ذكرناهُ آنفاً ، بل إنّه على مُقتضى كلامكم لن يستطيع واقفٌ أن يَقفَ على عقيدة وإجماع ثِقَل الله الأصغر في الأرض أبداً ، وكيفَ يَقِفُ عليه واقفٌ وأنتم تَجعلونَ طَريقَه إجماعُ صغير بني فاطمة وكبيرُهُم ، شاميّهُم ويمانيّهُم ، على قولٍ واحد ، وهل إلى هذا سبيل ؟! ، بل إنّكم تردّون بهذا على رسول الله (ص) عندما قال : ((إنّي تاركُ فيكم ما إن تمسّكتم به كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض)) ، فكيفَ ستصلوا إلى عقيدة ثِقل الله الأصغر في الأرض على أصلكم المُتعسِّر هذا ؟! وكيفَ سيحثُّنا رسول الله (ص) على الاقتداء بِثقلٍ ليس لعقيدتهِم سبيل ؟! ، نعم ! فالحقّ في المسألةَ أنّ للسلّف الفاطمي خلفٌ لن ينفّكوا عن الانتهاجِ بنهجِهِم ، والاقتداء بهِم ، إلى أن يرثَ الله الأرض ومَن عليهَا ، سواءً كاَن هذا الخلفُ قليلٌ أو كثير ، ظاهرٌ بالدُّوَل أو مَغمُورٌ بالقَمْع ، وبه نختم هذه الجزئية التي احتوتَ كثيراً مما أثاره المؤلّف ، وما نقلَه عن ابن الأمير الصّنعاني من شُبُهات .

قال الأخ علي [ص39] :

((إنّ الذين يُضيّقون مفهوم آل البيت ويَحصرونَهُم في ذريّة الحسن والحسين يستدلّون بحديث الكساء ، فإن أرادوا أنّهُم يَدخُلونَ في مُسمّى أهل البيت دخولاً أوليّاً بدليل حديث الكساء فهذا لا شكّ فيه ، وإن أرادوا حصرَهُم فهذا حصرٌ لا دليلَ عليه ، ولا نُسلِّمُ لهم به ، فإنّ النبي (ص) حين جلّلَهُم بالكساء لم يكُن الحسن والحسين هُما فقط تحت الكساء ، بل كان عليٌّ معهُم وكذلك النّبي ، وعلى هذا فكلّ من خرج من ذرية الحسنين فهو من أهل البيت ، وكذلك كلّ مَن خرجَ من ذريّة علي فهو مِن أهل البَيت أيضاً مثل : أبي بكر بن علي ، وعمر بن علي ، وعثمان بن علي ، ومحمد ابن الحنفيّة ، وغيرهِم)) .

تعليق : أخي الفَاضل قياسُكم واستدلالُكم واستنتاجُكم من خبر الكساء ذكيٌّ ، ولكنّه غير جليّ ، فهُو دليلٌ على حصر وتخصيص أبناء الحسن والحسين بالأحقيّة بلقب أهل البيت دونَ غيرهِم من بني علي وبني هاشم ، وسنُثبتُ هذا من عدّة أوجه :

الوَجه الأوّل : أنّ قولَكُم في إدخال جميع ذريّة علي (ع) تحت مُسمّى (أهل البيت) سيكونُ صحيحاً لو أنّ رسول الله (ص) لم يُدخِلَ فاطمة الزّهراء (ع) مَعهُم تحتَ الكِساء، وأمّا معَ إدخالِها فإنّ الرّسول (ص) قد خصّ نسلَ علي (ع) المُستحقّ للفظَة (أهل البيت) فجعلُه النّسل العَلوي الآتي مِنْ فَاطمَة البَتول (ع) ، والذي منهُ الحسن والحسين ، وبه أصبحَت لفظَة أهل البيت مَحصورَةً على مَن تناسَل من ذريّة الحسن والحسين ، وذلك هُو قول الرّسول (ص) عندما جلّلهم بالكساء (اللهمّ هؤلاء أهل بيتي) .

الوجه الثّاني : مَعلومٌ أنَّ للحسَن والحُسين ، على لسَان رَسول الله (ص) ، أخبارٌ تُميِّزُهُم عن غيرهِم من أبناء علي (ع) ، أو من بني هاشم بعموم ، فهذا الرّسول (ص) ، يقول : ((كُلُّ بني أُمٍّ يَنْتَمُونَ إلى عَصَبَةٍ إِلا وَلَدَ فَاطِمَةَ فَأَنَا وَلِيُّهُمْ وأنا عَصَبَتُهُمْ))[14] ، وفي رواية : ((أبُوهُما وعُصبَتُهُما))[15] ، ويُشهدُ لهُ أنَّا لَم نِقِف على أحَدٍ مِن بَني هَاشم (أو أبناء علي مِن غير فاطِمَة) يَقول أنا مِن أبناء رسول الله (ص) إلاّ أبنَاء فَاطِمَة ، ويَشهدُ لهُ قبلَ هذا وذاكَ قول الله تعالى : ((فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ..الآية)) [آل عمران:61] ، والأبناء في الآية فُهم الحسن والحسين بالإجماع ، وهذا منه (ص) إثباتٌ لِبُنُوّتهِم له ، وأبوَّتِهِ لهُم ، وروى الحاكم ، بإسناده : ((عَن سَلمَان رضي الله عنه ، قَال: سَمِعتُ رَسول الله (ص) يَقُول : ((الحَسَن والحُسين ابنَايَ ، مَنْ أحَبَّهُمَا أحَبَّنِي ، ومَنْ أحَبَّنِي أحَبَّهُ الله ، وَمَنْ أحَبَّهُ الله أدْخَلَهُ الجنّة ، وَمَنْ أبْغَضَهُمَا أبْغَضَنِي ، وَمَنْ أبْغَضَنِي أبْغَضَهُ الله ، وَمَنْ أبْغَضَهُ الله أدْخَلَهُ النّار)) [16] ، وقال : ((هَذَا حَديثٌ صَحِيحٌ على شَرط الشّيخَين وَلَم يُخَرِّجَاه)) نعم ! ومنهُ أنّ الرّسول (ص) : ((أخَذَ بِيَدِ الحَسَنِ والحُسَين ، فَقَال : مَنْ أحَبَّنِي وَأحَبَّ هَذَينِ وأبَاهُمَا وَأمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوم القِيامَة))[17] ، ومنها ما هُو أوضحُها كلّها ، نعني في الدّلالة على أنّ الحسن والحسين وذريتّهم أخصّ النّاس بلفظَة أهل البيت ، دونَ بقيّة بني هاشم ، وبني علي ، فروى الحاكم ، بإسناده ، ((عَن عبد الله بن مَسْعود رضي الله عنه ، قَال : أتَينَا رَسُول الله (ص) فَخَرَجَ إلينَا مُسْتَبْشِراً يُعْرَفُ السُّرورُ فِي وَجْهِه ، فَمَا سَألْنَاهُ عَن شَيءٍ إلاَّ أخْبَرَنَا بِه ، ولا سَكَتْنَا إلاَّ ابْتَدَأنَا ، حتَّى مَرَّتْ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِم ، فِيهِمُ الحسَنُ والحُسَين، فَلمَّا رَآهُم التَزَمَهُمْ وَانْهَمَلَتْ عَينَاهُ ، فَقُلنَا : يَا رَسُول الله ، مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيئاً نَكْرَهُه . فَقَال : ((إنَّا أهْلُ بَيتٍ اخْتَارَ الله لَنَا الآخِرَةَ على الدّنيَا ، وإنّهُ سَيَلْقَى أهلُ بَيتِي مِنْ بَعْدِي تَطْرِيداً وَتَشْرِيداً فِي البِلاد ، حَتّى تَرْتَفِعَ رَايَاتٌ سُودٌ مِنَ المَشْرِق ،...، فمَنْ أدْرَكَهُ مِنكُم أو مِنْ أعقَابِكُم فَليَأت إمَام أهل بَيتِي ، وَلَو حَبواً على الثّلج ، فَإنّهَا رَايَاتُ هُدَى ، يَدْفَعونَهَا إلى رَجُلٍ مِنْ أهلِ بَيتِي يُواطِئُ اسمُه اسْمِي ، واسمُ أبيهِ اسمُ أبِي ، فَيَمْلِكُ الأرْضَ فَيمْلأهَا قِسْطَاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئت جُوراً وَظُلْمَاً))[18] ، قُلتُ فتأمّل أخي في الله هذا الخَبر ، ففيه : أنّ الرّسول (ص) مَيَّزَ الحسن والحسين عن بقيّة بني هَاشِم . وأنّ الرّسول (ص) تكلّم عن الحسن والحسين فخاطَبَهُما بأهل البَيت (إنّا أهلُ بَيتٍ) . وفيه أنَّ رسول الله (ص) قد خصّ أهل البيت بعلامَة ، وهي التّطريد والتّشريد في البِلاد ، وهذا لَم يكُن أظهَر ما يكون إلاّ في أبناء الحسن والحسين[19] ، دون غيرهِم من أبناء علي ، وبني هاشم ، فهُما وذريّتهما أهل البيت الذين عناهُم الرّسول (ص) بِقولِه القريب . وفيه أنّ الرّسول (ص) قد خصّ إمام آخر الزّمان (المَهدي) أنّه رجلٌ مِن أهل بيتِه ، وليسَ أحَدٌ من أهل الإسلام يَقولُ أنّ مهديّ آخر الزّمان إلاّ مِن بني فاطِمَة ، فهُم أهل البَيت المَعنيوّن ، ليسَ يَدخُلُ مَعَهُم غيرهُم من إخوتهم لأبيهِم ، ولا من بني هاشم ، وهذا ظاهرٌ بيِّنٌ بحمد الله تعالى .

الوَجه الثّالِث : أنّ أرضَ فدَك بإجماع أهل بيت رسول الله (ص) كانَت مِلكاً لفاطمة الزهراء ، بنحلة أبيها (ص) لها ، فلمّا تُوفّت (ع) أصبحَ الإرثُ لِعَلِيّ (ع) ولابنيه الحسن والحسين ، فلمّا تُوفّي علي (ع) أصبحَت للحسنين وأبنائهُما مِن بعدِهِما ، دون أبناء علي الآخَرين ، فكانَت هذه الأرض الفاطميّة هديّة الله لفاطمة وذريّتها الذين من صُلب عَلي من فاطمة ، ولكي لا يتشتّتَ القارئ هُنا فيحتاجُ للمشي بلايين الفراسخ للبحث عن أصول المسألة والخلاف حولَ فدَك ، فليسَألِ التّاريخ عن : هَل كاَن خلفاء بني أميّة وبني العباس يُعيدونَ أو يأخذون هذه الأرض من آل علي عموماً ، أو من أبناء فاطمة ؟! مَن ردّ عُمر بن عبدالعزيز فدك عليه ؟ ومَن أخذَها يزيد بن عبدالملك منه ؟ ومَن أعادَها السّفاح العباسي إليه ؟ ومَن أخذها أبو جعفر المنصور منه ؟ ومَن أعادَها المأمون العبّاسي إليه ؟ إن وجدَ القارئ لهذه الأسئلَة إجابات ، فسيعلمُ اختصاص نسل علي وفاطمة بخصائص أعظم من غيرهم من أبناء علي (ع) ، وأنّهم أصحاب فَدك قديماً في عهد الرّسول بالنّحلَة ، وفي عهد أبي بكر كانوا الأحقّ بها وإن سُلِبَت منهُم ، وفي عهد عليّ (ع) فكانَ يصرفُها علي (ع) على حروبه وجيشه برضا الحسن والحسين لأنّهما مَشاركان لهُ في الإرث ، ثمّ كانَت فدك للحسنيين والحُسينيين مع تعرّض خلفاء الدّول لها دونَهُم ، ولم يُطالب علويُّ من غير أبناء فاطمة (ع) بِهذه الأرض كما طالبَ أبناء فاطمة (ع) ، فإن أنتَ وَقفتَ على هذا ، وقفتَ على الشّاهد من كلامِنا فيه وهُو أنّ علي (ع) لم يُؤرّث أبنائه من غير فاطمة ، نعني لم يُؤرّثهُم من نصيبِه في فدك ، وجعل هديّة الله لفاطمة ، لابنَيها أصحاب الكساء ، ومَن تناسلَ منهما ، وهذا فيُعضِّد مزيد اختصاص بني علي وفاطمة بأوامر الله تعالى الإلهيّة لأنّ فدك أعُطِيَت لفاطِمة بأمر الله تعالى ، وذلك في قوله تعالى : ((وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)) [الاسراء:26] وباتّفاق جماعة من المُفسّرين ، وهُو فيؤيّد قولَنا في الوجه الأول من اختصاص نسل علي من فاطمة بخصائص أعظم لم تتوفّر من نسله (ع) من غير فاطمة ، ولذلكَ كانَ ابن الحنفيّة يتمنّى أن تكون أمّه فاطمة (ع) ، هذا ولَسنَا نُهوّن أو نُقلّل من شأن أبناء علي (ع) من غير فاطمة ، وكيف نُهوّن من شأنهِم ومنهُم قمر أهل البيت العبّاس بن علي ، ومنهُم محمد ابن الحنفيّة رضوان الله عليهما ، فهُم الأعضاد والأعوان لإخوتِهم ، وسَل مذبحَة كربلاء تُنبؤكَ بالنّبأ اليقين .

الوَجه الرّابع : أنّ مَن خرجَ وادّعا الإمامَة من زمن مُتقدّمي أهل البيت (ع) ، لم يكونوا إلاّ من ذريّة عليّ وفَاطمَة ، نعني أئمّة الزيديّة ، وهُم فقائلونَ بحصر لقب (أهل البيت) في أبناء علي وفاطمة دون غيرهِم من أبناء علي (ع) ، وأبناء علي (ع) من غير فاطمة فكانوا بلا شكّ يَعونَ هذا ويُدركونَهُ وخصوصاً المُتقدّمين منهم أهل الفِطر السّليمة ، ولذا لم نَجد منهُم مُدّعٍ للإمَامَة ، والشّاهد هُنا إدراك بنوا علي من غير فاطمة أنّ الإمامة ليست إلاّ في أبناء علي من فاطمة ، ليسَت إلاّ في ذريّة أصحاب الكساء ، ليسَت إلاّ في أهل البَيت .

الوَجه الخامِس : تخصيص الله والرّسول مهديّ آخر الزّمان (محمد بن عبدالله) بأن يكون من ذريّة علي (ع) من فاطمَة ، دليلٌ على تخصيص ذريّة علي من فاطمة دونَ غيرها ، وأكثرُ الأخبار على أنّه من أهل بيت رسول الله (ص) ، وأهل بيت رسول الله ليسوا إلاّ أبناء الحسن والحسين ، والمهدي فلن يكونَ إلاّ من أبناء الحسن أو الحسين ، لا من أبناء العبّاس بن علي أو ابن الحنفية رضوان الله عليهما .

قال الأخ علي [ص40] :

((مِنَ المعلوم أنّ مُسمّى أهل البيت كان يُطلَق في حياة النّبي (ص) على مَن حرُمَت عليهم الصّدقة ، وقد صرّح النّبي بذلك فسمّى مَن حَرَمَت عليه الصدقة أهل البيت ، وقال : (إنّ الصّدقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد) ، ومعلومٌ أنّ النبي (ص) لم يُحرِّم الصّدقَة على الحسن والحسين فقط ، بل حَرَّمَهَا على جميع بني هاشم : آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل العبّاس ، وآل الحارث . فقد جاء في صحيح مُسلم في باب : (ترك استعمال آل النّبي على الصّدقة) أنّ عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث والفضل بن العبّاس ، أتيا النّبي (ص) فسألاه أن يأمّرهُما على الصّدقة ، فامتنع النّبي (ص) وقال لهما : (إنّ هذه الصّدقات إنّما هي مِن أوساخ النّاس ، وإنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد) . وذكر هذا الحديث أحمد بن سليمان في (أصول الأحكام) في باب (صفة مَن توضَع فيهم الزكاة) والإمام المؤيد بالله في (شرح التجريد) ، وابن بهران الصّعدي في (حاشية البحر الزّخار). فنجد أنّه سمّاهم النّبي (ص) مِن أهل البيت مثلمَا سمّى الحسن والحسين في حديث الكساء من أهل البيت . فمَا وجه التفريق وقدَ وردَت نصوص صريحَة عن النّبي (ص) في تسمية الكلّ أهل البيت؟ ، وما وَجه تخصيص حديث الكساء دون غيرِهِ من الأحاديث؟ ، فلا شكّ إذاً أنّ آل علي جميعاً من آل البيت ، وكذلك آل عقيل وآل جعفر وآل العبّاس ودولتهُم التي استمرّت تملك المسلمين عدّة قرون كلّ هؤلاء جميعاً يدخلون في مُسمّى أهل البيت)) .

تعليق : أخي الفاضل قد خَلطُتُم بين قولِنا أهل بيت النّبي ، وآل محمّد ، ونحنُ فمُقدّمون في هذا تعريفاتٍ مَقبولةً بإذن الله ، وهي فتُساهِم في سدّ الخلل : فآل محمّد : لَقبٌ يَحملُ مَعَنيَيْنِ اثنين ، الأوّل : أنّ آل محمّد هُم رهطهُ وجماعتهُ الأقربون في النّسب ، وهُم بنوا هاشم جميعاً ، وهؤلاء فداخلون في عدم جواز الصّدقة عليهِم . والمعنى الثّاني : أنّهم أهل بيت النّبي (ص) ، أصحابُ الكساء الخمسَة وذريّتهم إلى يوم الدّين . فإن قُلتم : ما الدليل على تقسيمكم هذا ؟. قُلنا ما سردتُموهُ من الأحاديث الدّالة على تحريم الصّدقَة على آل محمّد ، والمقصود بآل محمّد في هذه الأحاديث هُم جميع بني هاشم ، وهؤلاء فداخلونَ في المعنى الأوّل ، وتخصيص الرّسول (ص) أصحاب الكساء الخمسَة وذريّتهم يُخبرُنا أنّ لمحمّد (ص) آلٌ أخصّ وأميَزُ من عموم الآل (الذين هم بنوا هاشم) ، بدليل قولِه (ص) عندما جلّل الخمسة بالكساء : ((اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي)) ، فكان محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وذريّتهما هُم المخصوصون بلفظة (أهل بيت النّبي) ، وهُم فداخلونَ في المعنى الأوّل ، وفي المعنى الثّاني ، وبنوا هاشم فليسوا داخلين إلاّ في المعنى الأوّل ، إذ لم نقِف على حديثٍ بلفظ (إنّ الصّدقَة لا تحلّ لأهل بيت محمد) ، ولكنّا نجد أحاديثاً تقول ((إنّ الصّدقة لا تحلّ لآل محمّد)) ، وهذه اللفظَة شمَلت أصحابَ المعنى الأوّل والثّاني ، ولكنّ قول الرسول (ص) لأصحاب الكساء : ((إنّ هؤلاء أهل بيتي)) لَم يَدخُل فيه جميع بني هاشم ، واختصّ به أهل المعنى الثّاني ، فأبناء فاطمة أهلُ بيت النّبي ، وآل محمّد ، وبنوا هاشم آل محمّد ، وليسوا من أهل بيت النّبي (ص) ، والرّسول (ص) في حديث الثّقلين كان يحثّ على التمسّك بعترته أهل بيتِه ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به .. كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) ، والعِترةُ فنقولُ فيها كمَا نقول في تقسيم الآل ، فالعترةُ على المعنى الأوّل ، قد يكونُ المقصودُ بهِم جماعة الرّسول (بنوا هاشم) وعترته الأقربون (أصحاب الكساء) . وعلى المعنى الثّاني ، يكون المقصود بهم أصحاب الكساء وذريّتهم أبناء الحسنين فقط دون بني هاشم . وخُلاصَته أنّ أبناء فاطمة هُم أهل بيت النّبي ، وعِترتُه ، وبنوا هاشم عترةُ رسول الله (ص) ، وليسوا مِن أهل بيت النّبي (ص) ، ولذا نجد الرّسول (ص) قد خصّص في حديث الثّقلين ، وقال ((عترتي أهل بيتي)) وليسَ أحدٌ من العِترَة من أهل بيت رسول الله (ص) إلاّ أصحاب الكساء وذريّتهُم ، إذ لو لَم يَذكُر الرّسول (ص) المُخصّص ، نعني لفظَة أهل بيتي ، واكتفى بقوله : ((كتاب الله وعترتي)) لكانَ لأهل المُتشابِهات مَرتَع[20] ، والعترة عند أهل اللغة تعني : نَسلُهُ وَرهطُه الأدنون ، ولا شكّ أن رَهط الرّسول الأدنون هُم بنوا هاشم . نعم ! لا يَفوتُك إنّ كنتَ متشكّكا في تقسيمنا للآل والعترة تحت مَعنيين ، أن تتأمّل حديث الثّقلين ، وتسألَ نفسَك لماذا ذكرَ رسول الله (ص) ، العترة ، ثمّ لم يكتفِ ، حتّى خصّصها بقوله : ((عترتي أهل بيتي)) ، فإن وُفِّقَت لمعرفة الشّاهد ، وُفِّقْتَ لاستلهام صِدق بياننا في التّقسيم .

وعَليه إن قيل : ولكّنا قد نجدُ أحاديثاً تُشير إلى عترة النّبي (ص) ، وفضلِهم ، ووجوب الاقتداء بهم ، وعدم استحلال دمائهِم والولوغِ فيها ، فأيّ المعنيَين يُقصدُ ، أبنوا هاشم جميعاً ، أم بنوا فاطمَة ؟ . قُلنا : اعلَم رَحمِكَ الله أنّه قد سبقَ البيان أنّ بني فاطمة داخلونَ في معنى العِترة ، كما أنّ بني هاشم أيضاً قد يكونوا داخلين فيها ، والله والرّسول (ص) قد ميّزوا عترة الرّسول أهل بيته بمزايا لم يِرِد مثلها في حقّ العِترَة الهاشميّة ، ولذا فإنّ تلكَ الأحاديث التي تُظهرُ قداسَة العِترة ، ووجوب الاتّباع لهُم ، ثمّ هي لم تُخصّص بلفظة (أهل البيت) بل جاءت بلفظة (العترة) فإنّها تنصرِف إلى أهل التفضيل الإلهي المحمّدي ، إلى أصحاب المعنى الثاني الذين لا يَدخلُ مَعهُم بقيّة بني هاشم ، نعني بني فاطمَة ، فمثلاً روى الحاكم في مُستدركه أنّ رسول الله (ص) قال : ((يَنْزِلُ بأمّتي فِي آخِرِ الزّمَان بَلاءٌ شَديدٌ مِن سُلطَانِهِم لَمْ يُسْمَع بَلاءٌ أشَدُّ مِنه حَتّى تَضِيقَ عنهُم الأرضُ الرّحبَة ، وحتّى يملأ الأرْضُ جُورا وظُلمَاً ، لا يَجِدُ المؤمن مَلجَأً يَلتَجِئ إليهِ مِنَ الظُّلْم ، فَيَبْعَثُ الله عزّ وَجَلّ رَجُلاً مِنْ عِترَتِي فَيمْلأُ الأرْضَ قِسطَاً وَعدْلاً كَمَا مُلِئَت ظُلمَا وَجُورَاً))[21] ، فيَستَشكلُ علينَا أمرُ هذا الرّجل (المهدي) الذي سيخرُج آخِرَ الزّمان ، من أيّ العِترة سيكون ، والعِترَةُ فهم جميعُ بنوا هاشم ، أبناء الحسنين ، وغيرهِم ، ولكن عندما نغوصُ في أعماق هؤلاء العِترَة نجدّ أنّ التكريم والتّفضيل قد نالَ جماعَةً منهُم يُقال لُهم (أهل بيت النّبي) قد فضّلهُم الله على بقيّة العِترَة ، وعلى النّاس أجمعين خلا الأنبياء والمُرسلين ، وهُم أهل بيت النّبي المُقَرَّبُون أبناء علي والحسن والحسين ، أبناء أصحاب الكساء ، فيَجعلُنا هذا نُرجّح ترجيحاً كبيراً أن يكون رُجل آخر الزّمان من أفضل العترَة ، ثمّ عند مُطالعتنا لبقيّة الأخبار والأحاديث التي تُخبرُ أنّه من بني فاطمة سنجدُ أنّ ترجيحَنا السّابق الكَبير في ذلك الرّجل وأنّه من أفضل جماعةٍ من العترة الهاشميّة سيُصبحُ يقيناً ، وأن هُناكَ فرقاً بين أهل بيت النّبي ، وبين آله بعموم ، وبين أهل بيت النّبي ، وبين عترتهِ بعموم ، وأنّ المهدي (ع) لاشكّ أنّه من العترة ، ومن أهل البيت (من أبناء فاطمة) ، والشّاهدُ هُنا رحمكَ الله أنّ لفظَة العِترة (أو آل محمّد) قد تُطلقُ بعموم ولا يكون المقصود بها العترة الهاشميّة جَمْعَاء ، بل يكون المقصودُ بها أهل بيت النّبي (ص) ، كما جاء في حديث الحاكم القريب ، وكما نقوله دائماً في صلواتنا : ((اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمّد)) ، فآل محمّد هُم أصحاب المعنى الثّاني ، لأنّهم أهل الفَضل ، ونجوم السّماء ، وليسُ يُقرنُ بخاتم الأنبياء والمُرسلين إلاّ عَليّة القَوم وأفاضلُهُم[22] .

مَزيدُ بيان : ولمزيد بيانٍ في هذه النّقطة ، نأتي بثلاث بيانات فيها فائدة غير خافيَة:

البيانُ الأوّل : فيه نذكُرُ أحاديثاً نعتبرُها خُلاصَةً لقولِنا السّابِق :

1- روى الحاكم في مُستدركه ، بإسناده ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله (ص) : ((سِتّةٌ لَعَنْتُهُمْ وَلَعَنَهُمُ الله ، وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابٌ : الزّائدُ فِي كِتَابِ الله تَعَالَى، والمُكَذِّبُ بِأقْدَارِ الله ، والمُتَسَلِّطُ بِالجَبَرُوتِ لِيُذِلَّ مَنْ أعَزَّ الله وَيُعِزَّ مَنْ أذَلَّ الله ، والمُسْتَحِلُّ لِحُرَمِ الله ، والمُستَحِلُّ مِنْ عِترَتِي مَا حَرّمَ الله ، والتّارِكُ لِسُنّتِي))[23] .

تَعلِيق : في هذا الأثر النّبوي نجدُ شأناً عظيماً لِعترَة رسول الله (ص) هؤلاء ، حتّى أنّه لُعِنَ المُستحلّون لِحُرَم الله عموماً ، ثمّ خُصّ المُستحلّونَ من النّاس مِن عترة رسول الله (ص) بالويل والنّكير ، وقد كانَ يسعُ الرّسول (ص) أن يُدخِلَ المُستحلّون لعترَة رسول الله (ص) تحتَ المُستحلّين لِحُرَم الله بعموم ، لأنّ مَن استحلّ حُرمَة العتِرة فقد استحلّ حُرمَة الله ، ولكنّ الرّسول (ص) أعادَ ليُبيِّنَ أنّ الأمر جَلل مع هؤلاء العِترَة ، وأنّ حالَهُم والولوغِ في دمائهِم وأعراضهِم بغير وجهِ حقّ ليسَ من الله ، والله منه برئ ، واللّعنةُ والويل له وعليه ، فمَنْ مِنَ العترة بعموم يستحقّ هذا التشريف العظيم ، هل الفاضِلِين أم المفضولين ، هل أصحاب المعنى الثّاني أم المعنى الأوّل ، لا شكّ أنّ أهل الفضل المُلازمين للكتاب ، والمُشبّهين بسفينة نوح ، هُم المقصودين ، نعني أبناء فاطمة (ع) ، وإلى ذلك ذهب القاري في كتابه (مرقاة المفاتيح) ، فقال : ((قَولُهُ ((وَالمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ الله)) أي مِنْ إيذَائِهِم وَتَرْكِ تَعْظِيمِهِم ، وَالعِترَةُ الأقَارِبُ القَرِيبَة ، وَهُمْ أولادُ فَاطِمَة وَذَرَارِيهِم))[24] .

2- روى الحاكم في مُستدركه ، بإسناده ، عن أنَس بن مَالِك : ((أنّ رَسُولَ الله (ص) رَأى فِيمَا يَرَى النّائِم ، قَالَ : ((رَأيتُ كَأنّي مُردفُ كَبشَاً ، وَكَأنَّ ضُبَّةَ سَيفِي انكَسَرَت فَأَوَّلْتُ أنْ أقْتُلَ كَبْشَ القَوم ، وأوَّلْتُ أنّ ضُبَّةَ سَيفِي رَجُلٌ مِنْ عِتَرَتِي)) فَقُتِلَ حَمْزَة ، وَقَتَلَ رَسولُ الله (ص) طَلحَة ، وكَانَ صَاحبُ لِواءِ المشرِكِين))[25] .

تَعلِيق : في هذا الأثَر تأمّل كيفَ أنّ الرّسول (ص) لم يَقُل : ((رَجُلٌ مِن أهل بيتي)) ، أو : ((رَجُلٌ من عترتي أهل بيتي)) ، واكتفى بقول : ((رَجُلٌ من عِترتي)) ، فإن تأمّلتهُ ستجدُ أنّ حمزة بن عبدالمطّلب رضوان الله عليه كانَ من عِترة رسول الله ، من أصحاب المعنى الأوّل ، لا مِن أهل بيت رسول الله ، لا من أصحاب المَعنى الثّاني .

البيانُ الثّاني : أنّي قد اجتهدتُ في التفتيش في أمّهات كُتُب الزيدية والسنّة ، وهَل كانَ رسول الله (ص) يُسمّي بني هاشم ، بأهل بَيتِه فلَم أجِد إلاَّ روايات قليلة ، وذلك في حقّ حمزة وجعفر والعبّاس رضوان الله عليهم أجمعين ، فارتَبتُ فيمَا سبقَ وأن صَدّرتهُ قَرِيباً ، وداخَلني الشكّ في أنّ هؤلاء النّفر من بني هاشم قد يَجوزُ إطلاق لفظة (أهل البيت) مجازاً عليهِم ، ولكنّ قولِي الأوّل ما زال يُطَالِبُني بالدّليل على شكّي هذا : فالدّلالات التي تُشيرُ إلى قوّته أقوى من تلكَ الرّوايات القليلة المُخاطِبَة (حمزة وجعفر والعبّاس) بلفظة (أهل بيتي) ، فَعِندَها ترجّح لي أنّ رَسول الله (ص) لَم يُخاطِب هؤلاء الثّلاثَة بلفظة (أهل بيتي) إلاّ لِمحبّته الشديدَة لهُم ، ومحبَّتُهم الشدّيدة له ، والرّجل فمتَى ما أحبَّ أهل بيت رسول الله (ص) كانَ منهُم ، والعبّاس بن عبدالمطلب فكان مُحبّاً لرسول الله (ص) ولأهلِ بيتِه ، بل كانَ من القائلين بإمامة علي (ع) بعد موت رسول الله (ص) ، نعم ! ومَن أحبّ قوماً فهُوَ منهُم ، مَن أحبَّ أهل البَيتِ فهُوَ منهُم ، والرّسول (ص) فقد كان يقول : ((سلمانُ منّا أهل البيت)) ، والمعلوم أنّ هذا ليسَ إلاّ لِصدق موالاة سلمان الفارسي رضوان الله عليه لأهل البيت في زمن الرّسول (ص) وبعدَه بتمسّكه بعلي بن أبي طالب (ع) ، والشّاهدُ هُنا رحمك الله في أنّ الرّسول (ص) قد يقول للرجّل أنّه من أهلِ بيتِه بمعنى الإشادَة والفَضل والمنزلَة ، لا بمعنى أنّه من أهل بيتِه بالمعنى الخاصّ ، أي أنّه مُنادٌّ مُقارنٌ لأصحاب الكسَاء في الفضل والمنزلَة والخصوصيّة ، وسابقاً كان يُعاتبُ إمامنا النّفس الرضيّة إبراهيم بن عبدالله المحض (ع) أحدَ أتباعِه في ساحَة المعركَة ، عندما قال وهو يَرمِي : ((خُذْهَا إلَيْكَ وأنَا الغُلامُ الحَدَّاد، فَقَال لَهُ إبرَاهيم (ع) : لِمَ قُلتَ: وأنَا الغُلامُ الحَدَّاد؟! ، قُلْ أنَا الغُلامُ العَلَوِيّ ، فَإنَّ أبَانَا إبرَاهيمُ (ع) يَقُول: ((فَمَنْ تَبِعَنِي فَإنّهُ مِنّي)) فَأنْتُمْ مِنّا وَنَحْنُ مِنكُم ، لَكُمْ مَا لَنَا، وَعَليكُمْ مَا عَلَينَا))[26] ، وليسَ يُريد النّفس الرضية (ع) من أنّ الرّجل عَلويّ النّسب ، أو أنّه من بني فاطمة ، بَل يُريدُ أنّه بحبّه لأبناء فاطمة ، والخروجِ مَعهُم ، والنّصرَة لهُم ، أصبحَ علويّاً منهُم بِهَواه ، وكذلكَ يُقالُ في حقّ جعفر وحمزة والعبّاس ، فَلِمَنزِلَتِهِم مِنْ رَسول الله (ص) خاطبَهُم بلفظة (أهْل بيتي) ، والله أعلم ، أضف إلى ذلك أنّهم قد يدخلون تحت مسمّى الأهل مجازاً ، كإطلاق الرّجل على نسائه وخَدَمه كلمة أهلي .

البيانُ الثّالث : وفيه نَذكرُ أدلّةً وقرائنَاً واستنتاجَاتٍ تُقوّي ما ذَهَبنا إليه من اختصاص أبناء فاطمة (ع) بلفظَة (أهل البيت) دونَ غيرهِم من بني هاشم ، فنقول مُتكّلين على مَن لا يَسهو[27] :

1- حكَت زوج النّبي (ص) أمّ سلمة رضوان الله عليها حادثَة الكساء بما نصّه : ((إنّ النّبي (ص) جَلَّلَ على عَليٍّ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً ، ثُمَّ قَال : ((اللّهُمّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بيتي وَخَاصَّتِي ، اللّهُمّ أذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً)) فَقَالَت أُمُّ سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أنَا مِنهُمْ [أي مِن أهل بَيتِكَ] قَال : إنَّكِ إلى خَيْرٍ)) .

تعليق : لنا على هذه الرّواية كلامٌ ، نختصرهُ في أربعَة أوجُه ، منها :

الوَجه الأوّل : أنّ هذه الرّواية بهذا اللفظ مُتّفَقٌ عليهَا ، ورُويَ غيرُها بزياداتٍ ضعيفَة وشاذّة ، وإن شِئتَ أن تقول مُخالِفَة لما اشتُهِرَ منها (والمشهور هي الرّواية أعلاه) فقُل ، ونحنُ فأخذنَا بما أجمعَ عليه الرّواة في المَتن ، لكي نكونَ بعيدِين عن المزالِق ، ولِكَي يكونَ كلامُنا أقبَل ، وروايتنا القريبَة فمِن مسند أحمد بن حنبل[28] ، ولها شواهدٌ من طريق غيره[29] ، وهي فَحَسنَة صحيحَة أشارَ إلى هذا التّرمذي[30] .

الوَجه الثّاني : العِترَة جميعُ بني هَاشِم ، وقوَل الرّسول (ص) : ((اللهمّ هَؤلاء أهلُ بَيتِي)) يُفيدُ الحَصر ، فحصرَ الرّسول (ص) لقب (أهل البيت) في نفسه وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وما أولدهُ عليٌّ من فاطمة[31] ، وما أولدَهُ الحسَن والحسين إلى يوم القيامَة ، فبانَ لك رحمَك الله اختصاص بنوا فاطمة بلقب (أهل البيت) دون غيرهِم من بني هاشم ، وهُو المَفهوم لأهل النّظر والتحقيق ، وهذا ابن حجرٍ العَسقلاني يحصر أهل البيت (ع) في بني فاطمة ، فيقول : ((دَعَا النّبي (ص) فَاطِمَة وَعَلِيَّاً والحَسَن والحُسَين ، فَجَلَّلَهُم بِكِسَاء ، فَقَال : ((اللّهُمّ هَؤلاءِ أهْلُ بَيتِي)) الحديثُ أخرَجَه التّرمذِي وَغَيرُه ، (تأمّل حصر ابن حجر الآتي) وَمَرْجِعُ أهل البَيت هَؤلاء إلى خَديِجَة ، لأنّ الحَسَنَين مِنْ فَاطِمَة ، وَفَاطِمَة بِنتُهَا ، وعَليٌّ نَشَأَ فِي بَيتِ خَديجَة وَهُوَ صَغِير ، ثمّ تَزَوَّجَ بِنتَهَا ، (تأمّل الحَصر) فَظَهَرَ رُجُوعُ أهل البَيت النّبَوي إلى خَدِيجَة دُونَ غَيرِهَا))[32] ، أقول : وبنوا هاشم ليسوا من خديجة قطعاً ، وليسَ من خديجة إلاَّ أصحابُ الكسَاء وذَرَارِيهِم ، نَعنِي بنوا فاطمَة ، وقال المنّاوي شارحاً لحديث الثّقلين : (( "وَعِتْرَتِي" بِمُثنّاة فَوقيّة "أهل بَيتِي" تَفْصِيلٌ بَعْدَ إجمَال ، بَدَلاً أو بَيانَاً ، (تأمّل التّخصيص) وَهُم أصحَابُ الكِسَاء))[33] ، أقول : يُريدُ أنّ المُراد بعترتي أهل بيتي في حديث الثّقلين ، هُم أصحاب الكساء الخمسَة ، وهذا فيُعضّدُ ما ذهَبنا إليه من أنّ الِعترَة التي أُمرنا بالاقتداء والتمسّك بِها ، المُلازمَة للقرآن الغَير مُفارِقَة له ، هُم أهل البَيت ، الذينَ هُم أصحاب الكساء ، وليسَ أحدٌ دخلَ تحت الكساء إلاّ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وذرّيتُهمَا ، وذهبَ إلى تخصيص (أهل البيت) ببني فاطمة القاري ، فتجدهُ يقول : ((قَولُهُ ((وَالمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ الله)) أي مِنْ إيذَائِهِم وَتَرْكِ تَعْظِيمِهِم ، وَالعِترَةُ الأقَارِبُ القَرِيبَة ، وَهُمْ أولادُ فَاطِمَة وَذَرَارِيهِم))[34] أقولُ : وهذا حصرٌ صريح ليس يحتاجُ إلى تعليقٍ أو استنتاج . نعم ! فإن أنتَ وقفتَ على هذا ، وَقفتَ على أنّ بني فاطمة أحقّهم بلقب (أهل البيت) دون بني علي من غير فاطمة ، ودونَ بني هاشم جميعاً .

الوَجه الثّالِث : في رِوايات عَديدَة تُشيرُ إلى أنّ رسول الله سعَى في نداء وتجميعِ هَؤلاء الأربعَة (علي وفَاطمَة والحسن والحسين) واحداً واحِداً ، إلى بيت أمّ سلمَة ، ثمّ جلّلَهُم بكساء خيبريّ وقال ((اللهمّ إنّ هَؤلاء أهل بيتِي ..)) ، وهُنا نَسألُ لِماذا لم يسعَ الرّسول (ص) في تجميعِ زوجاته (وهنّ صَاحِبَات الحُجَر المُتقَارِبَات) كما اجتهد في نداء وتجميعِ هؤلاء الأربعَة ؟! دَعكَ مِن هذا ، ولكن أخبرني رحمكَ الله لِمَ لَمْ يُدخِل الرّسول (ص) زوجتهُ أمّ سلمَة وهِي الحاضرَة لهذه الحادِثَة ، لماذا لَم يُنادِ عليهَا ابتداءً منه عندما جلّلَ الأربعَة بالكساء ؟! دَعكَ مِن هذا ، ولكن أخبِرني رَحمكَ الله لِمَ لَم يَدعُهَا رسول الله (ص) إلى الدّخول تحت الكساء وهِيَ تُشاهِدهُم ويُشاهِدونَها ؟! إن قُلتَ : قد تكونُ تراهُم مِن حيثُ لا يَرونَها . قُلنا : لا بأس سلّمنَا لكُم ، ولكن لا تأتونا بعد قليل وتنقُضوا على أنفُسِكُم وتقولوا أنّها كانَت تراهُم ويَرونَها ثمّ طلبَت من الرّسول (ص) أن يُدخِلَها معهُم تحت الكساء ، فأدخلَها ، لأنّ هذا منكم مُعْتَمِدٌ على شَاذّ ، وقولُنا مُعتَمِدٌ على حسنٍ صحيح ، نعم ! ثمّ إنّ أغلب الرّوايات الصحيحة والشّاذة أجمعَت على أنّ أمّ سلمة ما كلّمَت الرّسول (ص) ، إلاّ بعدَ أن أتمّ الرّسول (ص) دُعائَهُ لأهل الكساء ، وهُوَ قولُه (ص) : ((اللّهُمّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بيتي وَخَاصَّتِي ، اللّهُمّ أذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً)) ، فقالَت أمّ سلمَة : ((يَا رَسُولَ اللَّهِ أنَا مِنهُمْ [أي مِن أهل بَيتِكَ] قَال : إنَّكِ إلى خَيْرٍ)) ، وهُنا تأمّل الموقِفَ جيِّداً ، فأمّ سلمة رضوان الله عليها لَم تَكُن تَعنِي بِقولِها (أنّا منهُم) ، أي أنَا مِن أهلِ الكساء ، لخرُوجِها عنه ، ولتباعُد الموقف[35] ، بَل كانَت تُريدُ بقولِها (أنا مِنهُم) أي مِن أهلِ بيتِكَ الذينَ دَعوتَ الله لهُم بإذهاب الرّجس عنهم وتطهيرِهم ، وهذا الموقِف القريب ، فالضّمير في قولِها (وأنا منهُم) يعودُ على حصر الرّسول أصحاب الكساء تحتَ مُسمّى (أهل البيت) ، والدّعوَة لهُم ، لا أنّه عائدٌ على أنّها منهُم أي مِنَ الدّاخلات في الكساء ، فَهيَ لَم تكُن من أهل الكساء قطعاً ، ولا دخلَت تحتَهُ ، وإنّما الكلام يتوجّهُ على : هَل قَبِلَها الله ورسوله فرداً داخلاً تحت مُسمّى (أهل البيت) الذين دعا لهم الرّسول (ص) بالطّهارَة ، أم لا ، نعم ! ثمّ لَو تأملنا ردّ الرسول (ص) على أمّ سلمَة استفهَامَها (الذي هُو طلبٌ في حقيقة الأمر) هَل هِيَ من أهل البَيت هؤلاء ؟ فردّ عليها الرّسول (ص) : إنّك على خَير ، أي : لا ، لستٍ منهُم ، ولكنّك على خيرٍ ، وإلى خَير ، وكذلكَ كانت أمّ المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليها خيرٍ وإلى خَير . فإن قيل : إنّه قد رُويَ من طريق الإمام المرشد بالله خبرَ الكساء ، بلفظ : ((حدّثنا شدّاد أبو عمّار ، عن واثلة بن الأسقَع ، أنّهُ حدّثه ، قال : طَلَبتُ عليّاً (ع) في مَنزله ، فقالت فاطمة (ع) : ذهبَ يأتي برسول الله (ص) ، قال : فجاءآ جَميعاً فدَخلا ودَخَلتُ مَعَهما ، فأجلسَ عليّاً (ع) عن يسارِه ، وفاطمة (ع) عن يمينه ، والحسن والحسين (ع) بين يدَيه ، ثمّ التفَعَ بثوبِه ، ثمّ قال : ((إنّما يُريدُ الله ليُذهِبَ عنكُمُ الرِّجس أهل البَيت ويُطهِّرَكُم تطهيراً ، اللهمّ هؤلاء أهلي ، اللهمّ هؤلاء أحقّ)) . قال واثلَة : فقُلتُ مِن ناحيَة البَيت : وأنَا مِن أهلِكَ يا رسول الله؟ قال : وأنتَ مِن أهلِي ، قال : واثلَة : فذلكَ أرجى ما أرجو مِن عَملي))[36] ، فكيفَ يكونُ واثلَة بن الأسقَع من أهل البيت ولا يكون أزواج النّبي من أهل البيت ؟! وفي هذا نقول : أنّ هذا الخَبر شاذٌّ في بابه ، وإن كانَ المرشد بالله هُوَ مَن رواه ، ولكنّا نَقولُ على فَرض صحّته : أنّ حالَهُ حالُ قول الرّسول (ص) : ((سلمان منّا أهل البَيت)) ، أي مِن باب (مَن أحبّ قوماً كانَ مِنهُم وفيهِم ، والمرءُ معَ مَن أحبّ) ، لأنّ المُخالِف لن يقولَ قطعاً بأنّ واثلة بن الأسقَع من آل محمّد الذين هُم جميعُ بني هاشم ، إضافةً إلى أزواج الرّسول (ص) –على مذهب المُخالِف- ، فالمُخالِف لَن يقولَ أنّ واثلَة بن الأسقَع أو سلمان الفارسي من هؤلاء الآل على الحقيقة قطعاً ، وعندها لَن يبقَى أمامَهُ إلاّ أن يقولَ بِقولِنا (أنّ المرءَ معَ مَن أحبّ) ، وأن يثمثّل بقول الإمام إبراهيم بن عبدالله المحض معَ الغُلام الحدّاد السّابق الذّكر ، فواثلة إن صحّ الخبَر ليسَ من أهل البيت على الحقيقَة ، وإنّما هُو منهُم بدافِع الهَوى والمحبّة والمَيل .

الوَجه الرّابع : أنّه لَم يكُن يَفتخِر بموقف الكِساء ، والآيَة التي نزلَت فيه ، والتي هي قول الله تعالى : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً))[الأحزاب:33] ، لم يكُن يفتخرُ بهذا الموقِف إلاّ أبناء فاطمة (ع) دونَ غيرهِم من أنباء علي ، وعموم بني هاشم ، فنجدُ الإمام المجتبى الحسن بن علي (ع) ، يختطبُ في أهل الكوفَة قائلاً : ((يَا أَهْلَ الْكُوْفَةِ، اتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيْنَا، فَإِنَّا أُمَرَاؤُكُمْ، وَإِنَّا ضِيْفَانُكُمْ، وَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ الَّذِيْنَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً))[37] ، هذا وقد كانَ رسول الله (ص) لمدّة تِسعَة أشهر بعد موقف الكساء ونزول الآيَة ، يِقفُ على باب علي (ع) ويقول : الصّلاة يرحمُكم الله ، ثمّ يتلو الآيَة ، قال السّيوطي : وأخْرَجَ ابن مردويه عن ابن عبّاس ، قَال : ((شَهِدْنَا رَسُولَ الله (ص) تِسعَةَ أشْهُرٍ يَأتِي كُلَّ يَومٍ بَابَ عَليّ بن أبي طَالب عِندَ وَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ فَيقُول : ((السَّلامُ عَليكُم وَرَحمَة الله وبَركَاتُهُ أهلَ البَيت ، "إنّمَا يُريدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" ، الصَّلاةُ رَحِمَكُمُ الله)) ، كُلَّ يَومٍ خَمس مَرَّات))[38] . قُلتُ : ودار علي (ع) فكانت قريبةً جدّاً من دُورِ رسول الله (ص) ، وما زال أئمّة أهل البيت ، سَادَات الزّيدية يحتجّون بهذه الآيَة في الدّلالة على فضلِهم ، بل إنّ من عُلمائهُم مَن أفردَ لها مَباحِثاً وكُتُباً .

2- قالَ رسول الله (ص) : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به كتاب الله وعِترتي أهل بيتِي ، إنّ اللطيفَ الخَبير نبّأني أّنهما لَن يفترقَا حتّى يردا عليّ الحَوض)) .

تعليق : لنا على هذا الرّواية كلامٌ ، نختصرهُ في وَجهين اثنَين ، منها :

الوَجه الأوّل : أنّ في هذه الرّوايَة تخصيصُ للعترَة بأهل البَيت ، وقد تقدّم مَعنَا أنّ أهل البيت (ع) هُم أبناء فاطمَة (ع) ، كذلك اطّلعنا على قول المنّاوي في شرحِ هذا الخَبر ، الذي قال فيه : (("وَعِتْرَتِي" بِمُثنّاة فَوقيّة "أهل بَيتِي" تَفْصِيلٌ بَعْدَ إجمَال ، بَدَلاً أو بَيانَاً ، (تأمّل التّخصيص) وَهُم أصحَابُ الكِسَاء)) ، وأهل الكِسَاء فَهُم الخمسة وذريّة الحسنين .

الوَجه الثّاني : أنّ في الحديث دليلُ على التمسّك بأهل بيتِ النّبي (ص) ، وبإجماعاتهِم ، فإن كانَ على قولِ المُخالِف من أنّ أهل بيت النّبي هُم آل محمّد بعموم ، بنوا هاشم بعموم ، فهلاّ أخبَرَنا ماهُوَ مَذهبُهم ومَشرَبُهُم ، وأينَ إجماعاتُهم المُطابقَة والمُلازِمَة للقُرآن ؟ وأينَ هُم في هذا الزّمان ؟ فالخبرَ يُفيدُ أنّ هؤلاء الأهل موجودون في جميع الأزمان ، ودينهُم ومَذهبهُم معروفٌ إلى انقطاع التّكليف ، قال في (فيض القدير) : ((قَالَ (الشّرِيف) هَذَا الخَبَر يُفْهَمُ [منهُ] وُجود مَنْ يَكونُ أهْلاً لِلتّمَسّكِ بِهِ مِنْ أهلِ البَيت ، والعِترَةَ الطّاهِرَة فِي كلّ زَمَنٍ إلى قِيامٍ السّاعَة حتّى يُتَوَجَّهُ الحثُّ المَذْكُور إلى التّمَسُّك بِهِ ، كَمَا أنّ الكِتاب كَذَلك ، فَلِذَلِكَ كَانُوا أمَانَاً لأهْلِ الأرْض فَإذَا ذَهبُوا ذَهَب أهْلُ الأرْض))[39] ، فأينَ هؤلاء الأهل في هذا الزّمان رَحِمَكُمُم الله ؟! ، فإن وَقفَت على موضِع الخَلل ، فِقِف على أنّه لا يصحّ لغير الزيديّة في هذا السؤال جواب ، إذ هِيَ القائلة ببقاء سادات أهل البيت (ع) إلى انقطاع التّكليف ، مُنتهجين لمنهج السّلف من سادات بني الحسن والحسين ، ومُعتبرين بُحجيّة الإجماع ، وهُو فالمعصومُ عندَهُم ، وهُو فالمُلازمُ للكتاب أبدَ الدّهر ، وإن قيل بغيرِ هذا ، أو أُجيبَ على سؤالاتنا بإجاباتٍ مُتعسّفَة فقد أضاعوا ثمرَة حديث الرّسول (ص) ، وأساؤوا تطبيقَه ، والإئتمار بأمره ، والله سبحانه وتعالى فيقول : ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ ))[ الحشر:07] ، ويقول جلّ شأنه : ((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم:3-4] .

قال الأخ علي [ص42] :

مُتكلّماً عن دخول زوجات الرّسول (ص) في آية التّطهير (آية الأحزاب) : قال : ((لكن لمّا كان المُتبادَر إلى الذّهن أنّ المُراد بأهل البيت أزواج النّبي (ص) لِمَا يدلّ عليه سياقُ الآيَة ، ولأنّها سبب نزول الآيَة أرادَ النّبي (ص) أن يُبيّنَ أنّ الآيَة ليسَت محصورَة على أزواج النّبي فقط ، فَحينَ نَزلَت الآيَة دعا النّبي (ص) الحسن والحسين وعلي وفاطمَة وجلّلَهُم بالكساء ، وقال : ((اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهِب عنهُم الرّجس وطهِّرهُم تطهيراً)) ، فَخصَّهُم بالذّكر حتى لا يظنّ ظانّ أنّ الآيَة إنّما نزلَت في أزواج النّبي فهيَ مقصورةٌ عليهنّ ، فأدخلَهُم ضِمن أهل البَيت ، وليسَ المُرادُ حصر أهل البيت في أصحاب الكساء فقط ، لذلكَ قالَت أمّ سلمَة : وأنا مِن أهلِك يا رسول الله؟ قال : أنتِ على خَير ، أنت على خَير . ولَم يَقُل أنتِ لستِ من أهلي ، لأنّها معلومةٌ أنّها من أهله فلا تَحتاجُ إلى أن تُخصَّ بالذّكر ، بَل قد جاءت روايات أوردَها الإمام القاسم في الاعتصام أنّه أدخلَها معهم في الكساء بعد أن قضى دُعاءَه لعلي وفاطمة والحسنين ، ونصّ الحديث : ( قالت : قُلتُ : يا رسول الله ألستُ منهُم؟ قال : بلى ، فادخُلي في الكساء ، فدخلَت بعدَ ما قضى دُعاءه لابن عمّه ولابنته ولبنيه) ، وذكرَ هذا الحديث الإمام المرشد بالله في الأمالي)) .

تعليق : أخي الفاضل قد وقعتُم في تناقضٍ عجيبٍ هُنا ، سنبيّنهُ لكم من عدّة تناقضُات :

التناقُضُ الأوّل : أنّه لو كانَ حقّا ما ذهبتُم إليه من أنّ الآيَة كانَت بديهيّة الفَهم في دخول زوجات الرّسول (ص) تحت مُسمّى أهل البيت ، وأنّ موقف الكساء ما جاء إلاّ لكي لا يظنّ ظانّ أنّ زوجات الرّسول (ص) هنّ المقصودات بلقب (أهل البيت) دون أصحاب الكساء ، نعم ! لو كانَ حقّاً ما ذَهبتُم إليه مَا رَدّ رسول الله (ص) أم سلمَة ، عندما قالت له : (وأنَا مِنهُم) ، أي وأنَا مِن أهل البيت هؤلاء الذينَ دَعوتَ لهُم بالتّطهير ، فقال لها رسول الله (ص) : ((إنَّكِ إلى خَيْرٍ)) ، فردّ الرّسول (ص) على أمّ سلمَة يكون لسان حاله : أنْ يا أمّ سلمَة لستِ من أهل بيتي هؤلاء الذينَ دَعوتُ لهُم ، ولكنّك على خير وإلى خَير ، وقد قدّمنا من المُعارضات على هذه الشّبهة آنفاً ما يكفي فلتُراجَع ضمنَ كلامنا القَريب ، نعم ! وهذه الرّوايَة عن رسول الله (ص) هي أصحّ الرّوايات الآتية في هذا الباب ، ومَن ذكرَ أنّ رسول الله (ص) أدخلَ أمّ سلمة مع أهل البيت في ذلك الموقف فقد اعتمَدَ على غيرِ مُعتمَد ، وسيأتي بيانُ حال ما اعتمد عليه المُؤلّف من كتب الزيدية .

التناقُضُ الثّاني : أنّ الأستاذ في كتابه هذا قد اجتهدَ في إثبات أنّ آل عليّ وآل جعفر وآل العبّاس وآل عقيل وزوجات الرّسول (ص) هُم أهل بيت محمّد ، فعلى قولِه من أنّ الآيَة أتت تُخبرُ أنّ زوجاتَ رسول الله هنّ مِن أهل البيت ، وأنّ الآيَة بهِم خاصّة ، وأنّ خبرَ الكساء يُخبر أنّ عَليّ وزَوجَتُه وابنَيه من أهل البَيت ، وأنّ آيَة الأحزاب نزلَت في نساء النّبي وفي أهل الكساء فأينَ موقعُ بقيّة بني هاشم من لقب (أهل البَيت) ، وهذا القُرآن الذي لا يأتيهِ الباطلُ من بين يديه ولا مِن خلفِه قد حدّدَهُم بأصحَاب الكِسَاء ، وبزوجات الرّسول (ص) –على حدّ قول المُؤلّف- فأينَ بقيّة الهاشميين الذين اجتهدَتَ في إدخالهِم تحت مُسمّى (الآل) ؟! ، نعني موضِعَهم من الآية ؟!.

التناقُضُ الثّالث : قولُكَ : ((لذلكَ قالَت أمّ سلمَة : وأنا مِن أهلِك يا رسول الله؟ قال : أنتِ على خَير ، أنت على خَير . ولَم يَقُل أنتِ لستِ من أهلي ، لأنّها معلومة أنّها من أهله فلا تَحتاجُ إلى أن تُخصَّ بالذّكر)) . أقول : ماذا تَعني هداكَ الله بِقَولِك أنّ أم سلمَة معلومَة الحال أنّها مِن أهل بيت الرّسول (ص) ، هَل تعني أنّ أم سلمَة تعلمُ أنّها مِن أهل بيت رسول الله (ص) ، أمّ أنّ رسول الله (ص) يعلمُ أنّ أمّ سلمَة من أهلِه ؟! ، إن قُلتَ بالأوّل : فسؤالُها لرسولِ الله (ص) هل هيِ من أهل بيتهِ الذين دَعا لهُم ، ينمّ عنَ جهلِها بحالِها (فَهِيَ لا تعلمُ هَل هيَ من أهل البيت أم لا) ، والجهلُ يُنافي المَعلومَ ، فكيف تقولُ أنّها عالمَة بكونِها من أهل بيته (ص) ؟! . وأمّا إن قُلتَ بالثّاني : أنّ رسول الله (ص) يعلمُ أنّ أمّ سلمَه من أهل بيتِه ، فهَل يَسوغ لرسول الله (ص) أن يترُكَها وهُو في بيتِها ولا يُدخلَهَا تحت الكساء معَ الأربعَة ؟! ثمّ لماذا لَم يَقُل لها رسول الله (ص) عندما سألتهُ عن مَوقِعِهَا ، أنتَ منّ أهل بيتي يا أمّ سلمَة ؟! ، واكتفى بقولهِ أنت إلى خَير ، بل وبعض الرّوايات مكانك وأنتِ إلى خَير ، وهذا فيدلّ على أنّ الرّسول (ص) امتنعَ من إدخالها تحت مُسمّى (أهل البيت) ، وأمّا اعتراضُكُم بعدم ردّ الرّسول (ص) عليها : بأنّكِ لستِ مِن أهلِي ، فهذا فيه قَسوةٌ على أمّ سلمة رضوان الله عليها ، والرسول فلم تُكن القسوَة والغلظَة مِن طبعِه ، بل لَيَّنَ قلبَها ، بقولِه : ((إنّكِ على خيَر)) .

بيان ما اقتبسَه المؤلّف من كُتب الزّيدية : والمؤلِّف فقَد أحالَ رواية إدخال رسول الله (ص) لأمّ سلمَة بعد الدّعاء ، إلى كتابِ الاعتصام للإمام القاسم بن محمد (ع) ، وإلى أمالي المُرشد بالله ، فأمّا الاعتصام فوقَفنا على شاهِدهَا فيه هُناك ، وأمّا الأمالي للمرشد بالله فإنّها غير موجودَة ، ولعلّ الأخ علي وَهِمَ في هذا ، أو خلطَ بينَها وبينَ روايَة واثلة بن الأسقع ، نعم ! أمّا ما في الاعتصام فإنّ الإمام القاسم بن محمّد كان يَجمعُ جميع الطّرق التي رواها المُحدّثون في خَبر الكِساء ، من كُتُبٍ مُتعدّدَة (زيديّة وغير زيديّة) ، وليسَ إيرادهُ لها جميعاً يعني أنّه يُصحّحُها أو يَقولُ بحجّيتِها ، وكيفَ يكونُ ذلكَ وفيها المُتناقِضات ، فإن تَفهّمتَ هذا فاعلَم أنّ رواية دخول أمّ سلمة مع أهل الكسَاء في الاعتصام ليسَ من طريق أهل البيت (ع) ، وليسَ الإمام القاسم (ع) يُصحّحه ، وإنّما هِي روايةٌ سُرِدَت مع غيرها الغَرض منها الاستظهار بتعدّد طُرق حديث الكساء مِن كُتبُ أهلِ الإسْلام ، ومَن راجعَ الاعتصام سيَجِدُ هذا جليّاً .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

خامساً: [ الصّحابة عند الزّيديّة ] :

قال الأخ علي [ص51] :

((أمّا الطّعن في الصّحابَة فهذه فِريَةٌ عظيمة يُحاولون إلصاقَها بالمَذهب الزّيدي ، وإنَّ أهل البَيت بريئون كلَّ البراءَة من الطَّعن في صحابَة رسول الله (ص) )) .

تعليق : وإضافَةً إلى قولِكم فإنّ الزيديّة من أفضلِهِم (بل أفضَلُهُم) نظرةً إلى الصّحابة رضوان الله عليهم ، فَهِي لَم تَنظُر إليهِم على أنَّهُمُ الأشخاص المَعصومين الذين لا يجوزُ عليهِم خطأٌ بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ الله (ص) كما تُظهرُهُ فِرقَة أهل السنّة[40] ، ولَم تنظُر إليهِم على أنّهُم أولئكَ الكائدين للإسلام والمُسلمين ، المُتحّينِين للفُرَص لإسْقَاطِ مَعَالِم الإسلام ، كما قد يُحكَى عن بَعض فِرقِ الشّيعة ، فالزّيديّة تقولُ لِمَن أحسنَ من الصّحابَة أحسَنْت ، ولمِنَ أساءَ صراحةً تقولُ أسأت ، ولمَن اشتُبِهَ أمرهُ بين الإحسان والإساءة تحملهُ على السّلامَة أو تتوقّف في شأنِه ، وهذا لَعمر الله ميزانٌ سَمحٌ وعَدْل .

قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) : ((وَلا أنْتَقِصُ أحَدَاً مِنَ الصَّحَابَةِ الصَّادِقِين، والتَّابِعِينَ بِإحسَانْ ، المُؤمِنَاتِ مِنهُم وَالمؤمِنِين، أَتَوَلَّى جَمِيعَ مَنْ هَاجَرَ، وَمَنْ آوَى مِنهُمْ وَنَصَرْ، فَمَنْ سَبَّ مُؤمِنَاً عِندِي اسْتِحْلالاً فَقَدْ كَفَرْ، وَمَنْ سَبَّهُ اسْتِحْرَامَاً فَقَدْ ضَلَّ عِندِي وَفَسَقْ، وَلا أَسُبُّ إلاَّ مَنْ نَقَضَ العَهْدَ وَالعَزِيمَة، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ لَهُ هَزِيمَة، مِنَ الذِينَ بِالنِّفَاقِ تَفَرَّدُوا، وَعَلى الرّسُولِ صلّى الله عليه مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ تَمَرَّدُوا، وَعَلى أهلِ بَيتِه اجْتَرَؤُا وَطَعَنُوا، وَإنِّي أسْتَغْفِرُ الله لأمَّهَاتِ المؤمِنِين، اللَّواتِي خَرَجْنَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُنَّ مِنَ الدِّينِ عَلى يَقِين، وأَجْعَلُ لَعْنَةَ الله عَلى مَنْ تَنَاوَلَهُنَّ بِمَا لا يَسْتَحْقِقْنَ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ أجْمَعِين))[41] . أقول : وهذا كما تَرى من الهادي (ع) مَدحٌ عامٌ لأهل الَمدح والإحسان مِن الصّحابَة ، وفيه توَعدٌّ لمِنَ تَطاولَ على أهل الإحسَان والثّبات مِنَ الصّحَابَة ، وفي المُقابِل فإنّ في كلامه (ع) استثناءٌ لِمَن أساءَ وتَمرّد بعد وفاة الرّسول (ص) وأنّه غَيرُ ممَدوح .

وقَالَ الإمَام الُمرتَضَى محمّد بن يَحيَى بن الحسَين (ع) ، (ت310هـ) : ((ثُمَّ تَعْلَمُونَ مِنْ بَعدِ ذَلِكَ أنَّ أصْحَابَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الذِين قَامُوا بالدّين، وكَانُوا فِي حَقِيقَة الإيمَان، واتّبَعُوا بالطّاعَة والإحسَان، وَاجِبٌ فَضْلُهُمْ مَشْهُور، والطَّاعِنُ عَليهِم مَأزُور، والمُنْتَقِصُ لَهُم مَذْمُوم، هَالِكٌ عِندَ الله مَثْبُور، مُعَذَّبٌ مَدْحُور، ... ، فَحَقُّهُم وَاجِبٌ عَلى جَميعِ المُسلمِين، وَفَضْلُهُم لازِمٌ لِجَمِيعِ المؤمِنين، فَلا يَسَعُ أحَدٌ مِنَ النّاس طَعنٌ على أحَدٍ مِمَّن ذَكَرْنَا، إلاَّ التّرَحُمَ عَليهِم، والاستغفَارُ لَهُم وِاجِب، والاقتِدَاءُ بِحَسَنِ أفْعَالِهِم لازِم، إذْ لَهُم السَّابِقَةُ القَديمة، والأفْعَالُ المحمُودَة، والنِيّةُ والبَصِيرَة، رَحْمَةُ الله وَرِضوانُه عليهِم أجمَعِين، ..، فَذَلِكَ الوَاجِبُ لِمَن ثَبَتَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ الله مِنهُم، وَلَم يَتَغَيَّر عَمَّا عَاهَدَ الله فِيه، حَتّى لَقِي الله عَليه))[42] . أقول : الجميعُ يَستثني أهل الإساءَة من الصّحابَة ، ويمدحُ مِن يستحقّ المَدحَ منهُم ، وهذا قولُ الزّيدية مَاضياً وحاضِراً ، فللأسَف عندما يجدُ المُعاصِرُ زيديّا يتكلّم عن أهل الإساءَةِ من الصحّابَة (وسيأتي الكلام عنهُم ، ومَن هُم) فإنّه يتوهَّمُ أنّ هذا قولٌ حادثٌ مُستجلبٌ من أهل فارِس ، وهذا وَهمٌ ظاهِر .

الصّحابَة عِندَ الزّيديّة :

للصَّحَابِيِّ عِندَ الزّيديّة تَعرِيفٌ دَقِيقٌ وَمُنصِف ، قال الإمام الَمنصورُ بالله عبدالله بن حمزة (ع) : ((الصَّحَابِيُّ مَنِ اخْتَصَّ بِمُلازَمَةِ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم، والأخْذِ عَنه ، وَهُو الذي نَخْتَارُه، لا مَنْ لَقِيَه مَرّةَ أوْ مَرَّتَيْن كَمَا ذَهَبَ إليه كَثيرٌ مِنْ أصْحَابِ الحَدِيث))[43] ، وقال الإمام صارم الدّين الوزير ، مُعرٍِّفاً الصّحابي : ((هُوَ مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ للنّبي صلّى الله عليه وآله وسلم مُتَّبعَاً لَه))[44] . ومنهُ نُعرّف الصّحابي بقولِنا : (أنّه لَقبٌ يُطلَقُ على كلّ مَن اختصَّ بمُلازمَة النّبي (ص) ، ومُناصرَته ، والأخْذ عَنه ، ثمّ بِقيَ علَى مَنهَجِه (ص) إلى أنْ مَات) . فمَن تحقّقَ فيه هذا التّعريف مِن أصحاب رسول الله (ص) كانَ هُو الصّحابِيّ الممْدوحُ على لِسانِ رَسول الله (ص) ، المَطلوبُ مِنّا تعظيمُه وتَوقيرُه والثّناءُ عليه . وعلى هذا التّعريف فلنَضْرِب أمثلَةً ونَتَدَارَسُهَا ، وعليكَ مُطابَقة حال كلّ صاحبيِّ عليها :

سلَمان الفَارسِيّ : رَجُلٌ آمنَ بالله تعالى وبالرّسول (ص) ، اختصّ بمُلازَمَة الرّسول (ص) ، ومُلازمتُه فالأخذُ عنه ، ثمّ هُوَ تُوفّي غيرَ مُبدّل لم يُخالِف القُرآن ولَم يُخالِف عليهِ القُرآن ، فهذا صَحَابيُّ داخلٌ في قول الرّسول (ص) : ((لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فلوا أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ))[45] . وهُوَ مِنَ الصّحابَة الذين لا يَقدحُ فيهم أهل بيت رسول الله (ص) .

عبدالله بن مَسعُود : رَجُلٌ آمنَ بالله تعالى وبالرّسول (ص) ، اختصّ بمُلازَمَة الرّسول (ص) ، ومُلازمتُه فالأخذُ عنه ، ثمّ هُوَ تُوفّي غيرَ مُبدّل لم يُخالِف القُرآن ولَم يُخالِف عليهِ القُرآن ، فهذا صَحَابيُّ داخلٌ في مَدحِ الرّسول (ص) ، وأهل البيت فلا يَقدحونَ فيه رضوان الله عليه .

معاويَة بن أبي سُفيان : رَجلٌ آمنَ بالله تعالى وبالرّسول (ص) ، ولَم يختصّ بِتلكَ المُلازمَة لرَسُول الله (ص) ، ثمّ هُو لَم يَلتِزم سنّة الرّسول (ص) بعد موت الرّسول (ص) ، فسُرعَانَ ما بَغى على إمامهِ الشّرعي ، فكانَ رأسُ حِزب الفِرقَة البَاغيَة ، الدّاعيَة إلى النّار!! ، القاتِلَة لعمّار بن ياسر رضوان الله عليه ، الذي قالَ فيهِ رَسول الله (ص) : ((وَيْحَ عَمَّارٍ ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، يَدْعُوهُمْ إلى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إلى النَّارِ))[46] فدُعاةُ النّار لَيسوا ممّن لَو أنفقَ أحَدُنَا مِثل أُحُدٍ ذهباً ما بلَغَ مُدَّ أحَدِهِم ولا نَصِيفِه ، بل إنّ مُعاويَة بن أبي سُفيان لَم تَثبُت لهُ مَنزلةٌ رفيعَةٌ ولا قريبَةٌ منها عندَ الرّسول (ص) ، وليسَ لهُ أفعالٌ مُشرّفَةٌ تدلّ على شَرفِ الصّحابي الممْدُوح في الحديث ، وهذا أبو عبدالرحمن النّسائي صاحب السّنُن الحديثيّة المَشهور ، يحكِي عنهُ صاحِبُه محمد بن مُوسَى المامُونِي قال : (سَمِعْتُ قَوْمَاً يُنْكِرونَ عَلى أبِي عَبدِ الرّحمَن كِتَابَ الخصَائِص لِعَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْه ، وَتَرْكِهِ تَصْنِيفَ فَضَائِلِ الشّيْخَيْن، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِك ، فَقَالَ : "دَخَلْتُ دِمَشْقَ وَالمُنْحَرِفُ عَنْ عَلِيٍّ بِهَا كَثِير ، فَصَنَّفْتُ كِتَابَ الخَصَائِص ، رَجَوتُ أنْ يَهْدِيَهُمُ الله" . ثُمَّ إنّهُ صَنَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَائِلَ الصَّحَابَة ، فَقِيلَ لَهُ وأنَا أسْمَع : ألا تُخْرِجْ فَضَائِلَ مُعَاوِيَة؟! فَقَالَ : "أيُّ شَيءٍ أُخْرِجْ ، حَدِيثُ اللّهُمَّ لا تُشْبِعِ بَطْنَه !!" ، فَسَكَتَ السَائِلْ))[47] ، دَع عَنكَ دعَوة الرّسول (ص) هذه عليه ، وانظُر لو كانَ لهُ (لمعاوية) مَوقفٌ مُشرِّفٌ مَعَ رسول الله (ص) ألن يكونَ هذا منهُ مَنقِبَة ، فلم يَذكُر الحُفّاظ لهُ مَنقبَة واحِدَة أشادَ بها رسول الله (ص) ، بل حتّى لو وُجِدَت لكانَ العِبرَة بما ختمَ به مُعاويَة عَمَله ، ومُعاويَة فقد ابتدأ حياتَهُ بالشّرك ، وتوسّطها بالسّكر والشُّرب ، وسمّ سيّدِ شباب أهل الجنّة الحسن بن علي (ع) ، وتَوليَة الفُسّاق على الأمّة ، نعني ابنه يزيد الفجور ، واختتَمها بِلعن صاحبُ رسول الله (ص) حقّاً حقّاً[48] ، حتى كانَ أوّل مَن سنّ هذه السنّة الخبيثَة لخلفاء بني أميّة مِن بعدِه ، فكيفَ يكونَ مَن هُو مِثلُ مُعاويَة صحابيّ جليل لا يَجوزُ عليه السّب ، وقد يُدخلهُ البَعض في تِلكَ الآيَات القرآنية التي تمدَح الصحّابة ، وليسَت الآيات تخصّ إلاّ أولئكَ الصّادقين على عهدِ الله وميثاقه في حياة رسول الله (ص) وبعد موتهِ ، إلى أن أتاهُم اليقين .

قال الأخ علي [ص54] :

بعدَ أن سردَ آياتٍ قُرآنيّة ، تُبيّن فضل الصّحابَة ، ((فأنتَ بالخِيار أمام هذه الآيات بينَ أمرَين : إمّا أن تُصدِّق القرآن ، وتُكذِّب الشيعة الرّافضَة في مَقولَتِهِم بِتلكَ الخرافات والأكاذيب التي يَفترونَ بها الكَذب على صحابَة رسول الله (ص) . وإمّا أن تُكَذّب القًرآن ، وتُصدِّق أكاذيبَهُم وأباطيلَهُم . أوَليسَ للزيديّة قاعدةً ينسبونَها إلى النّبي (ص) ، قال : ((ما وافقَ القرآن فَهُوَ مِنّي ، وأنا قُلتُه ، وما خالفَ القرآن فليسَ منّي ولَم أقُله)) ، ...، فوجبَ على كلّ زَيديٍّ تكذيب تلكَ القَصص اتّباعاً لهذه القاعِدة )) .

تعليق : أخي الفَاضِل ، مَن عَسيتَ أنّ الله مَدَح في كتابهِ العزيز مِن الصّحابَة ؟ هُل كُلّ الصّحابَة ؟ أم بَعضُهُم ؟ إن قُلتَ : كلّ الصّحابَة . قُلتُ : لَزِمَك أن يكونَ رأسُ المُنافِقِين عبدالله بن أبيّ بن سَلول ممّن قال الله تعالى فيهِم : ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ))[الفتح:29] ، فَهلِ المُنافقُ ممّن يَبتغِي فضلاً مِن الله ورِضواناً ؟! دَعكَ من ابن أُبَيّ ، وهلمّ إلى الوَليد بن عُقبة بن أبي مُعيط الأموي المُصلّي بالنّاس الفجر أربعَ ركعات مِن أثَر السُكْر والشُّرب !! هَل تقولُ أنّه ممّن قال الله تعالى فيه : ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً))[الأحزاب:23] ، ... إلخ من الأمثَلَة المُتناقِضَة مع أوردَهُ الأخ علي ، والمُؤلّف الآن أمام خياريَن اثنَين : إمّا أن يَقول أنّ مُعاويَة ، والوليد بن عُقبة ، وابن أُبَيّ ، مِن أهل المَدحِ في القُرآن ، وعِندَها فعليهِ أن يَرُدّ آياتٍ كثيرة في القرآن تُشنّع على النّفاق والمُنافقين وعلى شُرب الخَمر وعلى قتل النّفس المؤمنَة إلاّ بالحقّ ، وناهيكَ بهذه الشّنائع مِن كبائر . والخِيار الثّاني : أن يقولَ أنَّ القرآن لا يُكُذِّبُ بَعضُهُ بَعضَاً ، فالآياتِ التي جاءت في مَدح الصّحابَة لم تَكُن شاملَةً لجميعِ الصّحابَة (العُدول والفَسقَة) ، بل جَاءت في أولئكَ الذين صَدقوا ما عاهدوا الله عليه وماتوا وهُم من دينهِم ومنهجهِم المحمّدي على أتمّ اليقين كما قال الهادي إلى الحق (ع) آنفاً ، أمثال عمّار بن ياسر ، وأبو أيوبٍ الأنصاري ، وأبو ذرٍّ الغِفاري ، وعبدالله بن مَسعود ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وأمثالُهم من صحابَة رسول الله (ص) ، وأمّا مَن بدّل وشابَ دينَهُ بما لن يُرضيَ رسول الله (ص) لو كانَ بينَهُم فإنّهم غيرُ داخلين في آيات المدح ، لأنّ الله لا يُثني على مَن خالفَ رسول الله (ص) ، وهُم فداخلونَ في آيات الوَعيد حسبَ أفعالهِم فمَن كان مُنافِقاً انطبقَت عليه آيات الوعيد في النّفاق ، ومَن كانَ شارباً للخمر انطبَقَت عليه آيات الوعيد في الخمر ، وكذلك الحال معَ من تسلّط على رِقاب المُسلمين ، والله المُستعان .

نَعَم ! أمّا ما كانَ من المشائخ (أبي بكر ، وعمر ، وعثمان) ، وأهل الجَمل (عائشَة ، وطلحة ، والزّبير) غفر الله لهم جَميعاً ، فإنّ مُخالَفَتَهُم لرسول الله (ص) واضِحةٌ ظاهرَة ، فالرّسول (ص) يقول : ((مَن كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)) ، و ((عليٌّ منّي بِمَنزلَة هَارُون مِن مُوسَى)) ثمّ مع ذلكَ يتقدّم أبو بكر وعمر وعثمان على علي (ع) بالخِلافَة ، ويَغضبُ علي (ع) ستّة أشهرٌ لم يُبايعهُم فلم يَتنازلَ له بها الأوّل ، وكذلكَ ما حصلَ منهُم مِن إغضابٍ لفاطمة الزّهراء (ع) ، والرّسول (ص) يقول : ((فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي))[49] ، وفاطمة فماتَت غضبانَة على أبي بكر وعُمر (وسيأتي بيانُ هذا عند الكلامِ على فَدك) ، نعم ! وهذه فمُخالفات صريحة لقول الرّسول (ص) فيهِم ، وما خالفَ الرّسول فليسَ يُرضي الرّسول (ص) ، وما لا يُرضي الرّسول فلن يُرضيَ الله تعالى . وأمّا بخصوص أهل الجمَل ، فإنّ أمّ المؤمنين عائشة خرجَت مِن بيتِها (وخروجُها هذا فِعصيانٌ للرسول (ص) لأنّه أمرها وبقيّة نسائه أن يَبقينَ في بيوتهنّ) ، وإضافَة إلى خروجها وعصيانها للرسول في هذا فإنّها خرجَت ونَكَثت هِيَ وطلحة والزّبير على إمام المُسلمين (إن لَم يكُن بالنّص ، فبالبَيعَة العامّة) ، ومَن خرجَ على إمِامِه الشّرعي الصّالح فقد أخطأ قطعاً ، فكيفَ لو ثبتَ أنّ طلحة والزّبير كانا قد بايَعا علي (ع) فنَكثَا عليه ، والرّسول (ص) فيقول : ((إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ له لِوَاءٌ يوم الْقِيَامَةِ ، يُقَالُ هذه غَدْرَةُ فُلاَنٍ ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ إلاّ أن يَكُونَ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ تَعَالَى ، أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلاً عَلِى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (ص) ثُمَّ يَنْكُثَ بَيْعَتَهُ))[50]، وطلحة والزّبير وكثيرٌ ممّن مَعهُم كانوا قد بايعوا علي (ع) بالخلافَة ، فلمّا وردَت الأخبارُ في هؤلاء مُتضارِبَة ، شيءٌ يحملُ في طيّاته المَدح ، وشيءٌ يَفرضهُ عدلُ الشّيخين في النّاس بعد توَلّيهِم الخِلافَة ، وشيءٌ يَفرضهُ مَواقفهُم الحسنَة مع رسول الله (ص) قبلَ وفاتِه ، وشيءٌ يَفرضُهُ ما نُقِلَ من أخبار توبَتِهم (ونخصّ أهل الجَمل بهذا) ، وعاملٌ آخَر وهُوَ المُهمّ والأهَمّ ، أنّه لَم يَثبتُ لنا أنّ ساداتنا مِن أهل البيت (ع) كانوا يَسبّونَهُم أو يُفسّقونَهُم من زمن علي (ع) إلى زمن الحجّة مجد الدّين المؤيدي (ع) ، فآثرَنا طُرُقَ الّسلامة على دهاليزِ النّدامَة ، فتمسّكنا بإجماع أهل البيت (ع) المُلازم لكتاب الله تعالى أبدَ الدّهر ، فتوقّفنا في حَالهِم ووَكَلنا أمرَهُم إلى الله تعالى ، إنّ عذّبهُم فهُو العدلُ الذي لا يَجور ، وإن رَحِمهُم وأنعمَ عليهِم فهُو الرؤوف الغَفور الرّحيم ، قال الإمام الَمنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ، فيما يخصّ المشائخ : ((لَنَا أئمَةٌ نَرجِعُ إليهِم فِي أمُورِ دِينِنَا، ونُقْدِم حَيثُ أقدَمُوا، وَنُحْجِمُ حَيثُ أحْجَمُوا، وَهُم: عَلِيٌّ وَوَلَدَاه عَليهم أفضل السلام ، والحَادِثُ عَليهِم وَغَضَبُنَا فِيهِم، وَلَم نَعْلَم أحَداً مِنهُم سَبَّ أحَداً مِنَ الصّحَابَة ولا لَعَنَه ولا شَتَمَه، لا فِي مُدّة حَيَاتِهِم، ولا بَعَد وَفَاتِهِم))[51] .

نعم ! وليس المَقامُ هُنا مَقامُ إسهاب في شرح مسألة الإمامة ، وأحقيّة علي (ع) بِها ، أو التكلّم عن أخطاء المشائخ ، أو عن تفاصيل قصّة أهل الجَمَل ، ولكنّ المقام مَقام التماشي معَ طرح المؤلّف ، وهُو فلم يُعرّج على تفاصيلِ هذه القضيّة .

قال الأخ علي [ص55] :

((أمّا أقوالُ أهل البَيت في الصّحابَة الكِرام فإليكَ بعض أقوالِهم أسوقُها إليكَ من الكُتُب المُعتمدَة عند علماء المَذهب الزّيدي ممّا اطّلعتُ عليها ، وإلاّ فكُتُب أهل البيت كثيرَة في الذّب عن الصّحابَة)) ، ثمّ بدأ يَسرد أحاديثاً وأقوالاً أُثِرَت في تعظيم الصّحابة .

تعليق : أخي الفَاضِل ، ما ذكرتموهُ من أحاديث وأقوال سَنَقِفُ فيها مَعكُم قولاً قولاً ، فممّا نَقلتُموه :

1- ((لمّا قَدِم قوم مِن أهل العِراق إلى المدينَة ، وسبّوا أبا بكر وعُمر ، وافتَركوا في عُثمان رضي الله عنه ، فقلتُ لهم (أي علي بن الحسين زين العابدين) : أنتُم من المُهاجرين الذين قال الله فيهم : ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ))[الحشر:08] ؟ قالوا : لسنَا منهُم. قلت : فأنتُم من الذين قال الله فيهِم : ((والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:09] ؟ قالوا : لسنا منهُم . قلت لهُم: أما أنتم فقد تبرّأتم من أن تكونُوا منهُم ، وأنا أشهَدُ أنّكم لستُم مِن الفِرقَة الثّالثَة الذين قالَ الله عزّ وجلّ فيهم : ((والَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَِلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10] )) .

بَيان : هذا النّقلُ عن زين العابدين صلوات الله عليه ، ليسَ فيه ما تُخالفُ الزيدية عليه ، ولا ما يُخالِفُ عليهَا ، فَفيه نهيٌّ من زين العابدين (ع) على عدم سبّ المشائخ أو لَعنهِم ، والزيدية بريئةٌ مِن هذا براءة مُطلَقة ، وليسَ في قولِها بتفضيل علي (ع) على أبي بكر وعمر وعثمان سبٌّ أو شتمٌ لهُم ، كما أنّ فِرقَة أهل السنّة يُفضّلون الثّلاثة على علي (ع) ، ثمّ هُم لا يسبّون علي (ع) ، فزين العابدين (ع) مع نَهيه أهل العراق عن سبّ الثّلاثَة كانَ مُفضِّلاً لعلي (ع) عليهِم ، قائلاً بإمامته وأحقيّته عليهِم ، روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي صاحب الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، بسنده ، عَن حكيم بن جبير ، قَال : قَال عَلي بن الحسين: يَاحكيم ، بَلغني أنّكم تُحَدّثون بِالكُوفة أنّ عَليّاً فَضّلَ أبَابَكر وعمَر عَلى نَفسِه؟ قَال : قُلت : أجَلْ . قَال : فَهَذَا سَعيدُ بن المسيّب حَدّثني أنّه سَمِعَ سَعد بن أبي وقّاص ، وهُوَ يَقول : سَمِعتُ رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَقول لِعَلي : "أنْتَ منّي بمنزلَة هَارونَ مِنْ مُوسى" . فَهْل كَانَ فِي بَنِي إسرَائيل بَعد مُوسَى مِثلُ هَارون؟! فَأينَ يُذهَبُ بِكَ يَاحَكيم؟))[52] ، وفي رواية : ((ثمَّ ضربَ علي بن الحسين على فَخِذي ضربةً أوجعَنِيهَا . ثمّ قال : فمَن هذا الذي مِنْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بِمَنزلَة هَارون مِن مُوسى؟ ))[53] .

2- نقلَ المُؤلّف من مُسند شمس الأخبار للعلامة القُرَشِي : (( (وبإسنادِه) إلى النّبي (ص) أنّه قال : (( احْفَظونِي في أصحابِي فإنّهُم خيار أمّتي)) .

بَيان : أوّلاً وقبلَ البدء في الكلام على الأثر النّبوي ، نُبيّن للأخ علي أنّه وقعَ في خطأ ، أو في تدليس ، وحملاً منّا لهُ على السّلامَة نقولُ بالأوّل ، فما نَقلَهُ القُرشي في مُسند شمس الأخبار ليس بمنقولٍ عن كُتب أهل البيت (ع) الحديثيّة فقط ، بَل كانَ ينقُل من كُتبِ الشّافعيّة والمُعتزلَة وغيرهِم من أهل الحديث إضافةً إلى كُتب الزيديّة ، وكان رَحمهُ الله تعالى يُشيرُ إلى موضع النّقل قبل كلّ حديث ، وعليه فليسَ كلّ ما وردَ في هذا المُسند يكونُ مَنسوباً إلى الزيديّة فافهمَ هذا ، ومثالاً عليه ، فالرّوايَة القريبَة المَنقولَة ذكرَ العلاّمَة القَرشي أنّه نقلَها مِن مُسند الشِّهاب محمد بن سلامَة الشّافعي ، وعندَ الرّجوع لمُسند الشّهاب وجدنَا هذا الأثَر فيه[54] ، وليسَ هُو بموجودٍ في مُصنّفات الزيديّة الحديثيّة !!، فإن أنتَ وقَفت على هذا ، وَقفتَ على أنّ غرض جامع المُسند مِن شتّى المصادر الحديثيّة ليسَ إلاّ تقريب المواضيع ورَبطِها ببعضها البعض ، لا أنّه يَنقُل هذه الأحاديث على أنّها صحيحةٌ كلّها ، أو أنّها تُمثّل رأي الزيدية . نعم ! وبعد هذه المُقدّمة نقول مُتكّلمين عن متن هذا الحديث : أنّه لا يَتعارَض مَع وُجهَة نظر الزيدية في الصّحابة ، ولا يتعارضُ مع تعريفها لهُم ، فإنّ الصّحابة الذين حثّنا رَسول الله (ص) على الإقتداء بهِم هُم مَن لازموا الرّسول (ص) ، وأخذوا عنه ، وماتوا على نهج ومنهج رَسول الله (ص) ، فليس ابن أبي مُعيط ولا بسر بن أرطأة ولا المغيرَة بن شُعبَة منهم أبداً ، لثبوت تغييرهم وتبديلهِم بعد الرّسول (ص) ، دَع عنك اختصاصهم ومُلازمَتهُم وإقبال الرّسول (ص) عليهِم في حَياتِه ، فإنّه لَم يَحصُل . نعم ! وأمّا مِن ناحيَة السّند[55] : فَفِي سَنَده كثير بن زيد الأسلمي ، وهو ضعيف[56] ، وفيه سعيد بن سالم القدّاح قال عنه السّاجي : ضعيف ، وقال فيه ابن حبّان : ((يَهُمُّ فِي الأخْبَار حتَى يَجيء بِهَا مَقْلُوبَة ، حتَى خَرَجَ عَن حَدِّ الاحْتِجِاجْ))[57] . قُلتُ : وهذا الخَبر فيردُ بصيغٍ أخُرى منها قوله (ص) : ((احْفَظُونِي في قَرابَتي))[58] .

3- نقلَ المُؤلّف من مُسند شمس الأخبار للعلامة القُرَشِي : (( (وبإسنادِه) إلى حُذيفة عن النّبي (ص) أنّه قال : (( اقْتَدوا باللَّذّين من بَعدِي أبي بكر وعُمر)) .

بَيان : هذه الرّوايَة اقتبَسَها العلاّمَة القُرَشي من أمالي قاضي القُضاة عبدالجبّار بن أحمد المُعتزلي ، و خُلاصَة القَول أنّ هذه الرّوايَة لم تَثبُت من طريق أهل البيت (ع) ، ولَم يَكونُوا يُشيروا إليهَا ، لا تصريحاً ولا تَعريضاً ، بَل إنّها ما أتَتْ بهذا الوَجه في مسانيد أهل الإسلام (ممّا اطّلعْنَا عَليه) إلاّ مِن طريق عبدالملك بن عُمير[59] ، وهُو رجلٌ مجروحٌ عند أئمّة وعُلمَاء الزيديّة بالاتّفَاق ، قال الإمام البَاقِر (ع) : كَانَ شُرْطِيّاً علَى رَأسِ الحجَّاج[60] ، عَامِلاً لِبَنِي أُمَيّة . وقال الإمام أبو طَالب (ع) : كانَ مِن أعوَان بني أميّة . وحَكى الإمام المُرْشد بالله (ع) أنّه كان يَمُرّ بأصحابِ عليٍّ (ع) وهُم جَرحَى ، فيَقتُلُهُم ، فَعُوتِب َعلى ذلك ، قال : إنَّما أردتُ أن أُريحَهُم!! . وحكى الإمام المُرشد بالله (ع) أيضاً : أنّه قَاتِلُ عبدالله بن بقطر[61] رضيعُ الحسين بن علي (ع) ، واحتزّ رأسَهُ بالكوفَة. قال الإمام القاسم بن محمد (ع) : مَجروح[62] . وعِندَ غيرنا ، ضعّفَهُ أحمدُ بن حنبل[63] ، وزادَ أنّه مُضطربُ الحديثِ جِدّاً[64] . وقال يحيى بن معين : مُختلِط[65] . وقال أبو حاتم : ليسَ بِحافِظ[66] . وفي الطّبقات مَشهورٌ بالتّدلِيس[67] . نعم ! وبعد هذا فَلْنَفرِض صِحّة سند هذه الرّوايَة ، فإنّ المَتنَ لَنْ يَستَقِيم ، وسيُعارِضُ رواياتٍ أصحّ من هذه الرّواية وأقوَى ، فحثّ الرّسول (ص) لنا بالإقتداء بأبي بكر وعُمر يعني تقديمُ أقوالِهما وأفعالهِما واجتهاداتِهِما على غيرهِم من الصّحابة ، والمَعلومُ أنّ الله والرّسول (ص) قَد قَدّموا علي بن أبي طالب (ع) ، والرّسول (ص) فيقول : ((مَن كُنتُ مَولاه فَعلي مَولاه)) ، وهُنا فيُسألُ المُخالِف عَن مَعنى المُوالاة في هذا الحديث ؟ هَل تَعني المُوالاة في أمور الدّين ، والتي مِنها تقديم قولِه في الحوادِث ، والتقيّد باجتهَادَاته وآرَاءه ؟ أم تَعني المُوالاة التصرّف المُطلَق بأمور الأمّة سِيَاسيّاً ؟ أم تعني المولاة في الدّين ، والموالاة السّياسيّة ، بمعنى (القيادة الرّوحيّة، والقيادَة السياسيّة) ؟ إن قُلتَ بالأوّل ، أنّ الموالاة تعني موالاة أمير المؤمنين علي (ع) في الأمور الدّينيّة التي مِنها الاجتهاديّة قَطْعاً ، وتقديمِ قولهِ على غيرِه من الصحّابَة ، بمعنى الإقتداء به والانضواء تحتَ حُكمهِ وقضاءهِ . قُلنا : قَد خالَفْتَ إذاً بقولِكَ هذا على الحديث الذي تَروونَه (حديث الإقتدَاء بِأبِي بَكر وعُمَر) ، والمَعلومُ أنّ عليّ (ع) كانَ يُخالِفُ عُمر في أحكامِه[68] ، والمعلومُ أيضاً أنّ عُمر كان يحتاجُ لعليٍّ (ع) ولَم يكُن علي (ع) يحتاجُه[69] ، فمَن الأولى بالإقتداء عليٌّ (ع) أم الشّيخان ؟! بَل هَل يُناقض رسول الله (ص) نفسَه فيأمرُ بمولاة علي (ع) في مُتشابهَ الشّريعة وما يُختلَفُ فيها ، ثمّ يأمُر بالاقتداء بأبي بكر وعُمر دونَ علي (ع) ؟! ثمّ هَل يحثُّنا رسول الله (ص) بالإقتداء بِرجالٍ كانوا في حاجةٍ إلى غيرهِم (علي) ؟! ونحنُ في الحاشِيَة القريبَة قد بيّنا أعلميّة علي (ع) على سائر الصّحابَة فتأمّلها . نعم ! فإن أنتَ وَقفتَ على موضع الخَلل ، وقفتَ على أنّ هذا الخبر (خبر الإقتداء بالشّيخين) خُبرٌ مُنتقضٌ مَتناً وإن صحّ سنداً ، فكيفَ لَو لم يصحّ لا مَتناً ولا سنداً ، وجديرٌ بالذّكر هُنا أن نذكُرَ رأينا في الموالاة التي أمَرَنا رَسول الله (ص) تِجاهَ علي (ع) ، وهيَ القَول الثّالث (المولاة الدّينيّة ، والسِياسيّة) ، بمعنى الإمامَة ، ولو قُلنا أنّ الموالاة تعني الموالاة الدينيّة فقط لدخلَت الموالاة السياسيّة ضِمناً ، لأنّ الدّين والسياسَة مُتلازمان ، ولن يستطيع عالمُ الدّين إقامّة الدّين إلاّ بسُلطَةٍ سياسيّة ، دَع عنَك أنّ الدّين والعِلم يَقولان بإمامة أمير المؤمنين علي (ع) ، فمَن والاه في دينِه ورأيِه فقط ، وجبَ عليه أن يُواليه بالقولِ بإمامته ، لأنّ دين عليٍّ ورأيه هُو أنّه المُستحقّ للإمامَة بعد وفاة رسول الله (ص) بنصّ الكتاب ، والسنّة النبويّة الشريفَة .

4- نقلَ المُؤلّف من مُسند شمس الأخبار للعلامة القُرَشِي : (( (وبإسنادِه) إلى ابن عمر عن النّبي (ص) أنّه دخلَ المسجد ، وأبو بكر عن يمينه ، وعمر عن شِماله ، وهُو مُتّكئٌ عليهِما ، وقال : ((هكَذا نُبعثُ يوم القيامَة)) .

بَيان : هذه الرّوايَة اقتبَسَها العلاّمَة القُرَشي من كتاب الأشج ، وليسَ لها أصلٌ عندَ الزيديّة ، وليسَ عليها مُعوَّلٌ عندَهُم ، وقد قال ابن مندَه عن هذا الحديث : (ضعيفٌ جِداً)[70] ، قُلتُ : وقد وقفتُ على طَريقَين لهذا الحَديث ، الأوّل عن ابن عمر وفي سنده سعيد بن مسلمَة الأموي ، وهُو ضعيفٌ مُنكر الحديث[71] ، والثّاني : عن أبي هريرة وفيه سنده خالد بن يزيد العمري ، وهو كذّاب[72] . وفي المشكاة يحكي قول التّرمذي عن هذا الحديث ، بأنّه حديثٌ غريب[73] . نعم ! ولستُ هُنا بمُسهِبٍ فِي مُنَاقشَة جَوانِب الحديث ، لأنّ الغرض الأساسي هُو إبراز أنّ هذه الرّواية ليسَ لها شواهدُ عندَ الزّيديّة .

5- نقلَ المُؤلّف من مُسند شمس الأخبار للعلامة القُرَشِي : (( (وبإسنادِه) إلى ابن عمر عن النّبي (ص) أنّه قال : ((إنَّ الله جَعلَ الحقّ على لِسَان عُمر وقَلبِه)) .

بَيان : هذه الرّوايَة اقتبَسَها العلاّمَة القُرَشي من كتاب الأشج ، وليسَ لها أصلٌ عندَ الزيديّة ، وليسَ عليها مُعوَّلٌ عندَهُم ، بَل إنّ أخطاء عُمر التي كانَ يُنقذُهُ منها علي (ع) ، والتي ذكرنَا شواهدهَا في الحاشيَة القريبَة ، تُخبرُ أنّ عُمر قد يَبعُد عن الحقّ ، ثمّ إنّ إسقاطَهُ للحيعلَة بحيّ على خير العَمل ، أمرٌ بعيدٌ عن الحقّ ، وكذلك جَمْعهُ النّاس في صَلاة التراويح جماعَة ، أمرٌ بعيدُ عن الحقّ ، دَع عنكَ فَدك ، وتقدّمه على أمير المؤمنين علي (ع) .

6- نقلَ المُؤلّف من مُسند شمس الأخبار للعلامة القُرَشِي : (( (وبإسنادِه) إلى حفصة بنت عمر عن النّبي (ص) أنّه قيل : يا رسول الله ، دخلَ أبوبكر وعمر وعلي وأناسٌ مِن أصحابِك ، وأنتَ على هيئتِك لَم تتحرّك ، فلمّا استأذنَ عُثمان تجلّلتَ بِثوبِك ، فقال : ألا أستَحي ممّن تستَحي منهُ الملائكَة)) .

بَيان : هذه الرّوايَة اقتبَسَها العلاّمَة القُرَشي من كتاب الأحاديث المُنتقَاة ، وهُو كِتابٌ لا شكّ عامّي ، ليس مَنسوبٌ إلى الزيدية بدليل عدم وقوفِنا عليه ، بل بدليل عَدم وقُوفِنا على هذا الخَبر في مُصنّفات الزيدية الحديثية بالمرّة ، فليس هُو بحجّة على الزيدية ولا هُو مِن كُتُبِها ، ثمّ إنّ هذا الخبَر لو صحّ فإنّه محمولٌ على حالِ عُثمان قبل موت رسول الله (ص) ، وإن شِئتَ قُل قبل أن يتولّى أمرُ الأمّة ، وإن شِئتَ قُل قبلَ الإحداث الذي نَقمَهُ عليه المُهَاجرين والأنصار من الصّحابَة الكِرام ، بل حتّى أمير المؤمنين كان يُغلظُ عليه ويُعاتبُه لسوء تحكّم بني أميّة في رِقاب النّاس وأعراضهِم وأموالِهم ، ومَن كانَ هذا حالُه فإنّ الملائكَة لا تَستحي منهُ .

7- نقلَ المُؤلّف عن الإمام أحمد بن يحيى المُرتضى (ع) حديث العشرة المُبشرّين بالجنة .

بَيان : لازالت الزّيدية مُؤمنَة بعدَم عِصمَة أئمّتها ، والإمام متى انفردَ بِاجتهادٍ أو نَقلٍ خالفَ فيه على جماعة الأئمّة من أهل البيت (ع) ، فإنّه بهذا يُعتبرُ مُخالفاً بِنقلِه أو اجتهادِهِ هذا ، والأولى في هذه الحالَة الرّجوع إلى الجماعَة ، لأنّها المعصومَة دونَ الأفراد ، والإمام المُرتضى أحمد بن يحيى (ع) قد تفرّد بِذكرِ حديث العشرة على سَبيل التّسليم ، والمعلومُ أنّه لَم يَرِد مِن طريقٍ إمامٍ سابقٍ ، ولا إمامٍ لاحقٍ من أئمّة الزيديّة (ع) ، ولَم يُصحّحْهُ عُلمَاءهم ومُحقّقوهُم ، قال الإمام الحجّة المؤيّدي عن هذا الحديث : ((وَلَمْ يُصَحِّحْهُ آلُ مُحمَّدٍ صَلواتُ الله عَليهِم))[74] ، وكذلكَ كانَ الإمام المُرتضى (ع) يَنفرِد ، كمَا انفردَ بتصحيح حُكم أبي بكر في قضيّة فدك (وسيأتي الكلامُ عليها قريباً) .

نعم ! ونحنُ هُنا فَمُناقشونَ هَذا الحَديث مِن جانِبَين اثنَين ، الجانبُ الأوّل : ما يترتّب على فرض صحّته . والجانب الثّاني : ما يُعترَضُ عليه بِه .

الجَانِب الأوّل : ما يَتَرتّب عليه علَى فَرضِ صحّته :

إنّ أقصَى ما قَد يترتّب على هذا الحَدِيث ، هُو أن تكونَ شهادَة الرّسول (ص) لهؤلاء العشَرة بالجنّة مَبنيّةً على فعلهِم في ذلك الوَقت ، وأنّ الله راضٍ عنهُم إلى ذلك الوَقت ، (وقت إخبار الرّسول (ص) بهذا الخَبَر) ، فمَن بَقِي على حالِه ولَم يُبدّل ويَفعَل ما يُسخِط الله والرّسول (ص) فإنّ الخبَر مازالَ يَنطبقُ عليه ، ومَن بدّل وخفّت عزيمَتُه فإنّه يَخرجُ من قٌدسيّة هذا الخَبَر ، لأنّك لَو تأمّلتَ الخَبَر تَجِدهُ لا يتكلَّم عن المُستقبَل ، أي أنّه لا يتكلّم عَن ما بَعد حال الإخبار المُحمّدي ، بَقدر ما كانَ يَشهدُ لهؤلاء العَشرَة لحُسنِ فِعلهِم قبلَ الإخبَار وحالَه ، يتّضحُ هذا جلياً عِندمَا تُقارنُ خبرَ العشرة المُبشرين بالجنّة بقول الرّسول (ص) لعمّار بن ياسِر : ((وَيْحَ عَمَّارٍ ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، يَدْعُوهُمْ إلى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إلى النَّارِ))[75] ، فإنّ خَبَر عمّار شَهادَةٌ من الرّسول (ص) بالجنّة تُفيدُ المُستقبَل ، أي أنّ عمّار لَن يموتَ إلاّ وهُو مِن أهلِ الجنّة ، أي أنّ عمَلَهُ اليومَ مَرضيٌّ ، وغداً مَرضي ، إلى أن يَموت وهُو داعٍ إلى الجنّة ، ودُعاة الجّنة فَمِن أهْلِ الجنّة ، وليسَ هذه الإفادَة المُستقبليّة تَنطبقُ على خبرِ العشرَة ، فخبرُ العَشرَة يتكلّم عن الماضي ، والحاضِر (حال قول الرسول (ص) للخبر) ، ولكنّها لا تَضمنُ لهُم المُستقبَل ، فإن قيل : كلامُكم هذا يَنسبُ إلى الرّسول (ص) إخلافُ الوَعد ؟ قُلنا : ليسَ قول الرّسول في حقّ العَشرة وَعدٌ بالجنّة ، بل هُو إخبارٌ بحُسنِ إيمانِ العَشرَة ، وأنّ الله راضٍ عنهُم ماضياً ، وحاضراً (إلى وقت الإخبار المحمّدي) ، وأنّهم لو استمروا على عملهم هذا لكانوا مِن أهل الجنّة ، وأمّا المُستقبَل فَمعقُودٌ عليهِم ، مَن يَعمَل خيراً يُجزَ به ، و ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً)) [النساء:123] ، وهذا أقصى ما قَد يُقال في حال إثباتِ صحّته ، ودائماً يحتجّ المُخالف بقول الرسول (ص) لابنته فاطمة أنّه لا يُغني عنها من الله شيئاً ، مع أنّها سيدة نساء أهل الجنّة صلوات الله عليها ، فلماذا لا يَقولُ المخالف بهذا في حقّ العشرة ؟! أم أنّ ميزان الإنصاف في راحَة!! .

الجَانِب الثّاني : الاعترَاض على صحّة هذا الحَديث :

وفيه نُشير إلى رَائحَة الوضع في هذا الحَديث ، بِدَلِيل تَرتيبِ الرّجال فيه سِياسِيّاً ، بتدرّج مراتِبِهم في الخلافَة ، وحسبَ بروزِهِم في الفِتَن الحاصِلَة ، فأبو بكر ، وعمر ، وعُثمان ، وعلي ، ترتيبٌ يُخبرُ أنّ الوضعَ مُتأخِّر ، وأنّهُ وَضعٌ سياسيّ ، ونعني بالسّياسيّ أي أنّه وُضِعَ حسبَ تدرّج الخلافَة ، ثمّ احتواء الخَبَر لأطرافِ الفِتنَة وأبرَز مَن اختلفَ أهل الإسْلام حولَهُم مِن الصّحابَة ، كطلحَة والزّبير ، وهُما النّاكِثان على علي (ع) ، والخارجان عليه يوم الجمَل ، وكذلك عبدالرّحمن بن عَوف وهُوَ فمحلّ جدلٍ كبير في قصّة الشّورى ، ومَن نظرَ شقشقيّة أمير المؤمنين رأى هذا جيّداً ، نعم ! سعد بن أبي وقّاص فكان له دور أيضاً في الشّورى ، ودورٌ في اعتزالِهِ لأمير المؤمنين علي (ع) في حروبِه ، وأبو عُبيدَة بن الجرّاح فكانَ لهُ دورٌ أيضاً يوم السّقيفَة ، وسعيد بن زيد فكانَ من أصحاب مَعاوية ومِن وُلاته . فهؤلاء جميعاً كما تَرى أطرافُ خلاف في التّاريخ ، ومحلّ تنازع من قِبل المُسلمين ، حتّى بين صفّ أهل السنّة أنفُسَهُم[76] !! ، فجاء هذا الخَبَر الذي لَم يُدركهُ زمنُ البخاري ومُسلم ، فوُضِعَ وانتشرَ انتشارَ النّار في الهَشيم ، فَسَدّدَ وقارَب ، وألجَمَ كُلّ ناهقٍ وناعِق ، فمَن فكّر أن يتكلّم على عُثمان أو طلحة والزّبير أُبْرِزَ لهُ هذه الشّهادَة المحمّدية لهُم بالجنّة ، فلا تَقدَح فِيمَن شَهَدَ لهُم رَسول الله (ص) بالجنّة !! ، والغريبُ أنّ هُناك مِنَ الصّحابَة مَنْ هُم أفضلُ من طلحة والزّبير وسعد بن أبي وقّاص ، نعني سلمان الفارسي ، وعبدالله بن مَسعود ، وابن عبّاس ، وأبو ذرّ الغِفاري ، فلماذا لَم يحتوِ هذا الحدِيث أيّاً منهُم ؟! واكتفى بِسردِ أسماء أصحاب الخلاف والاختِلاف ؟! ، نعم ! أكتفِي بهذا القَدر ، وإلاّ فإنّ فِي الخاطِر إيرادُ مُعارضَة هذا الخَبَر لآياتِ الوعيد التي قد تحقّقت في بعض هؤلاء العَشرَة ، كقول الرّسول (ص) في النّاكثين على إمامهم الشرّعي : ((إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ له لِوَاءٌ يوم الْقِيَامَةِ ، يُقَالُ هذه غَدْرَةُ فُلاَنٍ ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ إلاّ أن يَكُونَ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ تَعَالَى ، أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلاً عَلِى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (ص) ثُمَّ يَنْكُثَ بَيْعَتَهُ))[77] ، وطلحَة والزّبير فقد نكَثا ، وتشنيع الله تعالى والرّسول للظّلم وأبو ذرٍ وابن مِسعود ففي ذمّة خلافَة عُثمَان بن عفّان[78] ... إلخ المُخالَفات التي وقعَ فيها كلّ واحدٍ من العشرَة ، عدى أمير المؤمنين (ع) فهُو المَعصوم عن كبائر الظّنون والذّنوب ، وهُو الذي يدورُ مَعَهُ القرآن أينمَا دار .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

سادساً: [ فَدَك عندَ أهل البَيت (ع) ] :

قال الأخ علي [ص59] :

((وَمِنَ المآخِذ التي يأخُذُها الرّافضة على أبي بكر ، قضاؤه في فدك ، وقد اتّبَعَ فيه سُنّة النبي (ص) ، والنّبي (ص) قال : ((إنَّ الأنبياء لَم يُورِّثوا ديناراً ولا دِرهماً ، وإنّما ورّثوا العِلم ، فَمَن أخذَه فَقَد أخذَ بِحظٍّ وافِر)) ، كما وردَ في مسند الإمام زيد بن علي رضي الله عنهما . وقال النّبي (ص) : ((إنّا مَعاشِر الأنبياء لا نُورّث ، ما تَركناهُ فَهُوَ صَدَقَة )) ، وإنّهُ لم يَحرِم فاطمة مِن فدَكَ لِوحدِها ، بَل قَد حَرَم أقربَ النّاس إليه ، عائشَة ، وهيَ زوجَة النّبي (ص) ، فإنّه لَم يُعطِها شيء مِن فدَك ، أمّا عِندَ الزّيديّة فقضاء أبي بكر في فَدك صَحيح ، فقد قال الإمام المهدي (أحمد بن يحيى المُرتضى) في مُقدّمة البحر الزّخار ما لفظُه : (مَسألَة : وقضاء أبي بكر في فدك صحيح ، خلافاً للإماميّة وبَعض الزّيديّة . لنَا [أي دليل المذهب المُختار] لَو كانَ باطلاً لنَقَضَهُ علي ، ولَو كانَ ظُلماً لأنكرَهُ بنوا هاشم والمُسلمون)) انتهى )) .

تعليق : أخي الفاضل ، ذكَرنَا قبلَ قليل أنّ الإمام المُرتضى أحمد بن يحيى (ع) قد انفردَ ببعض الاجتهادات التي خرجَ بها عن إجماعِ أهل البَيت (ع) ، والتي منها إثبات مَظلوميّة الزّهراء ، واستحقاقِها لِفدَك ، وأنتَ بِتضخيمِكَ وتعميمِكَ لقول الإمام المرتضى (ع) ، الذي اعترفَ بنفسه في سياقِ كلامِه أنّ مِنَ الزيديّة مِن يُبطِلُ حُكم أبي بكر في فدك ، ولا يَقولُ بِصحّته ، وقَد عبَّر المُرتضى (ع) بلفظة (بعض الزّيدية) ، وأنا أقول : أنّه لا يوجدُ أحدٌ من أئمّة أهل البيت ، ولا مِن عُلمائهم ممّن عاصرَ المُرتضى أو ممّن سبقَهُ يقول بتصحيح حكم أبي بكر في فدَك[79] ، وسأذكُر قريباً لُمعاً من إجماعَات العترة المَهْديّة يُثبتُ صحّة قولِنا ، ولَسنا نَذكُرُه إلاّ عِتاباً لطيفاً مِنّا لك عندَ تعميمِك قول المرتضى واجتهادَهُ الخاص على جميع الزيديّة[80] ، نعم ! هذا مِن جهة ، ومِن جِهةٍ أُخرى فاستدلالك بحديث الإمام زيد بن علي (ع) مِن المُسند إيرادٌ منكَ غيرُ مُناسِب ، لأنّه لَن يكونَ مُناسباً إلاّ إذا ذَهبَت الزيدية إلى أنّ فَدك إرثٌ وَرِثتهُ فاطمة (ع) مِن رَسول الله (ص) ، وهذا غيرُ ثابتٍ مِنْ طَريق الزّيدية ، فالزّيديّة تَقول : أنّ فدك أرضٌ لرسول الله (ص) من دون المُسلمين ، نَحلهَا (وهَبها) لابنته فَاطِمة (ع) ، قَبلَ وَفَاتهِ بَأربَع سَنوات ، وهذا طريقُ مِلكيّتِها لها ، وليسَ الإرث ، فَفَدك نِحلةٌ لا إرْث ، ومنه فيَسقُط احتجاجُكم علينا بِما نقلتُموهُ مِن مُسند الإمام زيد بن علي (ع) . فإن قُلتم : وما الدّليل على قولِكم بالنِّحلَة . قُلنا : رواياتُنا وروايات غيرِنا ، والتي مِنها :

[ أولاً : رِوَايَاتُ الإنْحَالِ مِنْ غَيرِ طَرِيقِ الزّيديّة ]

1- قال جَلال الدّين السّيوطي : (( وأخْرَجَ البزّار ، وأبو يَعلى ، وابن أبي حَاتم ، وابن مَردويه ، عن أبي سَعيدٍ الخُدري رضي الله عنه ، قال : ((لمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَة : ((وآتِ ذَا القُربَى حَقّه)) ، دَعَا رَسول الله فَاطِمَة، فَأعطَاهَا فَدَكَ ))[81] .

2- رَوَى الهندِي فِي كَنزِ العُمّال بِسَنَدٍ صَحِيح (قالَ : إلاّ الوَاقدي)[82] : (( .. ، فَقَال أبو بَكر : أبُوكِ والله خَيرٌ مِنّي ، وأنْتِ خَيرٌ مِنْ بَنَاتي . وَقَدْ قَالَ رَسول الله : (لا نُوَرِّث مَا تَرَكنَاهُ صَدَقَة) يَعنِي هَذِه الأموَال القَائمَة ، فَتَعْلَمِينَ أنَّ أبَاكِ أعَطَاكِهَا؟ فَوالله لَئن قُلْتِ نَعَم لأقْبَلَنَّ قَولَكِ وَلأصَدِّقَنّك . قَالَت : جَاءتنِي أمّ أيمَن فَأخْبَرَتنِي أنّهُ أعطَانِي فَدَك ، قَال عُمر فَسَمِعتُهُ يَقُول : هِيَ لَكِ ، فَإذَا قُلتِ قَدْ سَمِعْتُهُ فَهِيَ لَكِ فَأنَا أُصَدِّقُكِ فَأقَبَلُ قَوْلَكِ . قَالَتْ : قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِمَا عِنْدِي )) . قُلتُ : يهمّنا هُنا قَولُ الزّهرَاء (ص) أنّ رَسول الله (ص) أعْطَاهَا فَدَك ، أو إخْبَارُ أمّ أيمن أنّ رَسُول الله (ص) أعطَى فَدَكاً لِفَاطِمَة (ع) ، فدَعوى النّحلَة بِغَيرِ طَرِيقِ الإرث هُنا قَائمَة لو تَدبّرْت .

3- قال الواحدي في أسباب النزول: ((أَخْرَجَ الطّبراني وغيره عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِي قَال: لَمّا أُنزِلَت: ((وآتِ ذَا القُربَى حَقّه)) دَعَا رَسُول الله صلّى الله عليه وسلم فَاطِمَة فَأَعطَاهَا فَدَك)) [83] .

4- ومِنهُ مَا ذَكَره اليَعقوبي فِي تَاريخه ، فقَال مَا نصّه : (( وَرَفَعَ جَماعةٌ مِن وَلَدِ الحسن والحسين ، إلى المأمون يَذكُرونَ أنّ فَدك كَانَ وَهَبَهَاَ (تأمّل) رَسول الله لِفَاطِمَة وأنّهَا سَألَت أبَا بَكر دَفْعها إليها بَعد وفاة رسول الله ، فَسَألَهَا أنْ تُحضِرَ عَلى مَا ادّعَت شُهوداً ، فَأحْضَرَتَ علياً والحسَن والحسين وأم أيمن ، فَأحضَر المأمون الفقهاء ، فَسَألَهُم عن [ مَا] رَوَوا أنّ فَاطمَة قَد كَانَت قَالت هَذَا ، وَشَهِدَ لها هَؤلاء ، وأنّ أبا بكر لم يُجِز شَهَادَتَهُم ، فَقَال لهم المأمون : مَا تقولون في أم أيمن ؟ قَالوا : امرأةٌ شَهِدَ لها رسول الله بالجنة ، فَتَكَلَّمَ المَأمُونُ بِهَذا بِكَلامٍ كَثِير وَنَصّهم إلى أن قَالُوا إنَّ عَليّا والحسَن والحُسَين لَم يَشْهَدُوا إلاَّ بِحَقّ فَلمّا أجمَعُوا عَلى هَذا ردّها على ولَد فَاطِمَة وَكَتبَ بِذلك ، وسُلِّمَت إلى محمّد بن يَحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمّد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن عَلي بن أبي طَالب))[84] .

[ ثانياً : رِوَايَاتُ الإنْحَال مِنْ طَرِيقِ الزّيديّة ]

وهُنا ننقل روايات سادات أهل البيت (ع) ، وشيعتهم الكرام ، في أمر إنحال وإعطاء رسول الله (ص) ، فدك لفاطمة الزهراء (ع) ، فمنها :

1- قَالَ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : ((بَلَى! كَانَتْ في أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّماءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قُوْمٍ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ . وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَك وَغَيْرِ فَدَك، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ))[85].

تعليق : هُنا تأمّل كيفَ جَعلَ أمير المؤمنين (ع) ، فدك في أيديهِم ، ومَا كَانَ فِي يَدِ فَاطِمَة (ع) ، فَهُو في يَدِ عَلي (ع) ، وَفي يَدِ وَلَدِهَا . وتأمّل أيضاً أنّ سِيَاقَ هذا الكلام ، كان واقعاً ضِمنَ كِتابٍ يُزهِّدُ فيه أمير المؤمنين عُثمَان بن حُنَيف الأنصَاري فِي أمْرِ الدّنيا ، فيذكُر الإمام (ع) مُستطرداً حالَهُ ، وزُهدَهُ عَن فَدَك ، التي كَانَتْ بَأيدِيهِم ، وأنّهم مَا تَركُوهَا إلاّ سَخاءً مِنهُم ، عِندمَا شَحَّت النّفُوس عَليهَا ، فَافهَم ذَلِك ، فَهَذَا أصلٌ قَويٌّ يُمسَك به . نَعم ! قَال الإمام يحيى بن حمزة (ع) ، فِي الدّيبَاجِ الوَضِيء شَارِحاً لِكَلام الإمَام السّابق : (( "قَد كَانَت فِي أيدِينا فَدَك مِنْ كلّ مَا أظَلَّته السّمَاء" : فَدك : قَريةٌ قريبة مٍِن المدينة نَحَلَهَا (تأمّل) رَسول الله فَاطِمَة ، وأعَطَاهَا إيّاها، وكَانَت ممّا لَمْ يُوجَف عَليه بِخيلٍ ولا بِرِكَاب ، فَكَانَ رَسول الله يَأخُذ مِنها لِخَاصّة نَفسِه مَا يَحتَاجُه، ثمّ أعطَاهَا بَعدَ ذَلك فَاطِمَة ... "فشحَّت عليها نفوس قوم" : يُشيرُ إلى مَا كَان مِن تَيمٍ وعَدي وبَني أميّة ، وإنّمَا عَدى شحَّت بعَلى ؛ لأنّ الشّح فِي معنَى الحِرص، فَإنّ فَاطمة عليها السّلام أخبَرَتْ بِأنّ أبَاهَا نَحَلَهَا إياها (تأمّل) ، فَمَنَعَهَا أبو بَكر ذَلك، وكَانَ هَذا مِنْ أقوَى مَا يُذكَر فِي مَطاعِنِ خِلافَتِه ، مَعَ مَا كَان مِن حَديثِ الميراث ، وغَيرُ ذلك مِن المطَاعن، فإنّهَا لما ادَّعتها قَال لها أبو بكر : أثْبِتي بِرَجُلَين أو بِرَجُلٍ وامْرَأتَين ، فَقد قيل : إنّها جَاءَت بِأمير المؤمنين فأبَى [أبو بكر] ذلك ، ولعلّه كَانَ يَذهبُ إلى بُطلان الحُكْم بالشّاهِِد واليَمِين للمدَّعي، وفَاطمَة تذهب إلى جَوازِ ذَلِك . "وسَخَتَ عَنهَا نفوس آخَرِين " : يُشيرُ إلى نَفسِه وفَاطِمَة والحسَن والحُسَين ، وإنما عدَّاه بِعَن ، لأنّ السّخاوة مُتَضمّنة لانقِطَاع الرّغبة عن الشيء المسخوّ بِه، فَلِهَذا عدَّاه بعن ، لأنّهُم لمّا رَأوا مِن كَثرَة المطَالبَة فِيها أهمَلُوهَا وتَرَكُوهَا . "ونِعمَ الحكم الله" : بَين الخلائق ، أو فِيمَا ندَّعي مِن فَدَك وغَيرِهَا))[86] ، اهـ ، ويقول ابن أبي الحَديد المُعتَزِليّ فِي الشّرح : ((سَامَحَت و أغْضَت ، ولَيسَ يَعني هَاهُنا بالسّخَاء إلا هَذا ، لا السّخَاء الحَقِيقِي ، لأنّه (ع) و أهْلَه لَمْ يَسْمَحُوا بِفَدَك إلاّ غَصباً وَقَسراً ))[87] .

2- روى أبو العبّاس الحَسَنِي (ع) ، بإسناده ، عن زَيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: (( جَاءت فَاطِمَة بنتُ رسول الله إلى أبي بَكر ، فَقَالَت: إنّ رَسول الله أعطَانِي (تأمّل) فَدكاً فِي حَياتِه ... إلخ ))[88] .

تعليق : الغَرَضُ هُنا هُو الإشارة لِثباتيّة النّحلة مِن الرّسول (ص) للزّهراء (ع) ، فلِذا اختصرْنا الخبَر.

3- روى أبو العباس الحسني (ع) ، بإسناده ، عن جَعفَر بن محمّد، عن أبيه: (( أن فَدَكاً تِسع قَريَاتٍ مُتّصِلات، حَدّ مِنهَا ممّا يَلِي وَادِي القُرى، غِلَّتها فِي كلّ سنَة ثَلاثمائة ألف دِينَار، لَم تُضرَب بِخيلٍ ولا رِكَاب، أعْطَاهَا (تأمّل) النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فَاطمَة (ع) قَبل أن يُقبض بَأربَعِ سِنين، وَكَانَت فِي يَدِهَا تَحتَمِل غَلاّتها، وَعبدٌ يُسمّى جُنَيرا، وَكِيلُهَا ... إلخ ))[89] .

4- روى أبو العباس الحسني (ع) ، بإسناده ، عن عبد الله بن الحسَن بن الحسَن (ع) : (( أنّه –أبو بكر- أخْرَجَ وِكِيلَ فَاطمَة مِنْ فَدَك، وَطَلبَهَا بِالبيّنة بَعد شَهْرٍ مِن مَوت النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم فَلمّا وَرَدَ وَكيلُ فَاطِمَة عَليهَا السّلام وقَال: أخْرَجَنِي صَاحِبُ أبي بَكر، سَارَت فَاطمَة عليها السلام وَمَعَهَا أمّ أيمن وِنِسوَةٌ مِن قَومِهَا إلى أبي بَكر، فَقَالَت : فَدَكٌ بِيَدِي أعْطَانِيهَا (تأمّل) رَسُول الله ، وَتَعَرّضَ صَاحِبُكَ لِوَكِيلِي .. إلخ)).

5- روى حافظ الزيدية محمد بن سليمان الكوفي في المناقب ، بسنده ، عن جَعفَر بن محمّد (ع) ، قَال : لمّا نَزَلت هذه الآية : (( وآتِ ذَا القُرْبىَ حقّه)) قَال : دَعَا رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَاطمَة فَأعطَاهَا (تأمّل) فَدك . قَال أبانُ بن تَغلِب : قُلتُ لِجَعفَر بن محمّد : مَنْ رسول الله أعْطَاهَا ؟ قَال (ع) : بَلِ الله أعْطَاهَا))[90] .

6- أجابَ الإمام نجم آل الرسول القَاسم الرسي (ع) ، على مسألة ابنه محمّد (ع) ، عَن تُراثِ الرّسول (ص) ، فتضمّن جوابه (ع) ، ما نصّه: ((وذُكِرَ أنّ رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أعطَى (تأمّل) فَاطِمَة صَلوات الله عليهَا فَدَكاً )) . وفي موضعٍ آخر ، يُجيبُ عن مسألة ابنهِ فَيقُول : ((ادّعَت فَاطِمَة أنّ رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وَهَبَ (تأمّل) فَدَكَاً لهَا فِي حَياتِه، وشَهِدَ لهَا بِهِ مُؤمِنَان ، عليٌّ وأمّ أيمَن.)) [91] .

7- قال صاحب المستطاب يحيى بن الحسين : ((ومنهُم عَلي بن العبّاس الأزرق الأسدي الكوفي ، راوي حديث أبي سعيد لما نَزلت ((وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)) ، دَعا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فَاطِمَة فَأعطَاهَا فَدَكاً . وقَد رَواه أئمّتنا - عليهم السلام - ))[92] .

قلت : انظر هذه الرواية في كتاب المصابيح لأبي العباس الحسني (ع) .

8- وينقلُ العلامة الزحيف في كتابه مآثر الأبرار قول أبي القاسم البستي الزيدي : ((قال البستي: والذي نَقول فِي ذَلك: إنّ فَدك وَخيبر كانَا لها –لفاطمة- ، ومَعلومٌ أنّها ادّعت ونَاظَرَت أبَا بَكر، وأهلٌ البَيتِ أجمَعُوا على ذلك عنهَا، ..))[93] .

نعم ! ومن هذا كلّه ، أخي في الله ، عرَفنا وعرَفت ، واطّلعنَا واطّلعتَ ، على أنّ أمر النّحلَة ثابتٌ عن رسول الله (ص) ، وكانَ مَا سَبقَ من كلام الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، وزيد بن الحسن بن علي ، وجعفر الصادق ، وعبدالله المحض ، دَليلٌ على إجماع أهل البيت (ع) على أنّ فدك كَانَت لِفَاطِمَة (ع) ، نِحْلةً وَهِبةً مِنْ رَسولِ الله (ص) ، لا إرْثاً . والمُتبقيّ على الإنصاف بأن يُعْرضَ رأي الإمام أحمد بن يحيى المُرتضى (ع) ، والذي عمّمه الأخ علي على مَذهب الزيدية ، يُعْرَضَ على إجماع أهل البيت (ع) ، وما أجمعَ عليه أهل البيت كَانَ ، وما خالفَهُ وشذّ عنهُ لَمْ يَكُن .

إجمَاعُ أهْلَ البَيت (ع) على مَظلومِيّة الزّهرَاء ... ( حُكْمُ أبي بَكْر فِي فَدك ) ... :

كُلنا يعلمُ أنّ المَظلومُ لابدّ لهُ من ظَالم ظلمَه ، وبينَ المظلومِ والظّالم لا بدّ من حادثةٍ تُحقّق ذلك ، هذا كلامُ العَقل ، فإن كانَ هذا كَذَا ، فإنّا ذَاكِرُون أقوالَ أئمّة أهل البيت الزيدية من المُتقدّمين والمتأخرّين في حادثَة فدك ، ومنْهَا سنعرِف هل صَحّ حُكم أبي بكر أو لَم يصح عند هؤلاء الأئمّة ، فنقول :

1- قال الإمام أمير المؤمنين عَلي بن أبي طالب (ع) (ت40هـ) ، مُصرّحاً بموتِ البتول الزهراء مظلومةً مَهضومَة ( والهَضم مَعنَاه الظُّلم ) ، ومُخاطباً للرسول (ص) :

((وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ))[94].

تعليق : تأمّل إلحاقَ أمير المؤمنين (ع) ، صفَة المظلوميّة بفاطمة الزهراء (ع) ، وانظُر هل تتحقّقُ في الشخص صفَة المظلوميّة إن كانَ مُخطئاً ، فلَو كانَت الزّهراءُ مُدّعيَةً فدكاً بغير وجهِ حقّ ثمّ غَضِبَت وماتَتْ ، فهَل لأميرِ المؤمنين وهُو غيرُ المُحابي في الله أن يُسمّيها مظلومةً مهضومَة ؟! ، سلّمنَا ، أنّ أبا بكر حكمَ بالحقّ ولم يُرضِ فاطمَة وماتتَ على هذا، فهَل لأمير المؤمنين أن يصِفَ فاطمَة بالمَظلومَة ؟! ، فإذا عرفتَ هذا أخي الباحث ، فاعلَم أنّ أمّ أبيهَا ماتَت مظلومةً مقهورَةً على حقٍّ أعطَاهَا الله إيّاه ، وأنّ حكم أبي بكر في حقّها ليسَ صحيحاً . فالحُكم الصّحيح لا يكون ظُلماً أبداً ، وهذا أصلٌ قوي عن أمير المؤمنين (ع) لا يُتغَافلُ عنه .

2- قرّر الإمام باقر علوم الأنبياء محمّد بن عَلي بن الحسَين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت118هـ) ، شاعرَ أهل البيت الكُمَيت بن زيد رحمه الله تعالى ، عندما أنشَأ مُعاتباً الشيّخان معَ المُسامَحَة والتغاضي :

أهْوَى عَليّاً أميرَ المؤمـنين ولا ****** ألومُ يوماً أبا بكرٍ ولا عُمرا
ولا أقُولُ وإنْ لَم يُعطيَا فدكاً******* بنتُ النّبيّ ولا مِيراثُهُ كَفَرا[95]

تعليق : تأمّل أبيات الكُميت ، تجدهُ يأتي بالحقّ المفروض في الشطر الأول من البيت الأول والثاني ، من ولايَة أمير المؤمنين (ع) وفضلهِ على المشائخ ، وبشاعَة عدم إعطاء فاطمَة حقّها من فدك ، ثمّ يأتي في الشطر الثاني من البيت الأول والثاني بالمُسامَحة والتغاضي وعدم الإفحاش في القول مع هذا التعدّي منهُم ، فلا يلومُ ( واللومُ هُنا لعلّه بمعنى التّكفير ، أي ولا أكَفّرُ ) أبو بكر وعمر تقدّمهما على مَن هُو أفضلُ وأحقّ منهُما ، ولا يُكَفِّر أبو بكر ولا عمر لمنعِهِما فاطمة صلوات الله عليها حقّاً كانَت حَقِيقَةً به ، ولو تأمّل الحاذق في أبيات الكُمَيت حَوَل الوِلاية وفَدك لَوَجَدَها أبياتاً غَير رَاضِيَة بِفِعْل أبي بَكر فِيهَا ، فضأمّا فِي الوِلاية فَظَاِهر ، وأمّا في فدك فإنّ ربطَهُ بين تَكفِير الشّيخين وبَين عَدم إعطاءهِمَا فَدك ، دليلٌ على فُحش عدم الإعطاء هذا ، وخطأه ، وأنّ الصواب كانَ في عَكسِه ، وهذا هُو قَول الزّيدية المرْضِيّة ، التَخْطِئةُ في الحُكم دُونَ التّكفِير .

3- قال الإمام صاحب الديلم يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ت180هـ) ، مُخاطباً مّن شَهِدَ عليه زوراً بِالعُبُودِيّة لهارُون الرّشِيد :

((فَخلَّف [ الرسول (ص) ] بين أظهركم ذرّيَّته فأخرتموهم وقدمتم غيرهم، ووليتم أمورَكم سواهم. ثمّ لَم نَلبَث إلا يَسيراً حتى جُعِلَ مَال وَلَدِه حوزاً، وَظُلِمَت ابنتُه فَدُفِنَت لَيلاً، .. إلخ))[96] .

تعليق : تأمّل تصريح الإمام يحيى بن عبدالله (ع) ، تجدهُ يعني بالمال الذي جُعِلَ حُوزاً ، مَالَ بَنِي فَاطِمَة مِنْ فَدَك ، وَتَأمّل إشَارَتَهُ صَلوات الله عليه إلى تَحقّق وُقُوع الظُلم في حقّ أمه فاطمة الزهراء (ع) ، تَجِدهُ بهذا ينقضُ حُكمَ أبي بَكر ، وتأمّل كَلامَهُ (ع) ثالثةً تجده يُثبتُ مَوتَ البَتول غَاضِبَةً غَير رَاضية على أبي بَكر وعُمر . وهذا قولٌ مُشابهٌ لقول أمير المؤمنين السّابق .

4- قال الإمام القَاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى (ع) (ت246هـ) ، مُصرّحاً أيضاً بموتِ البتول الزّهراء غاضبَةً على أبي بكرٍ وعُمَر :

(( كَانَتْ لَنَا جَدّةٌ صِدّيقَة ، مَاتَتَ وهِيَ غَاضِبَةٌ عَليهِمَا، ونَحنُ غَاضِبونَ لِغَضَبِهَا ))[97] . وفي ذلك يقول أمير مكة عُلَيّ بن عيسَى بن حمزَة بن وَهَّاس بن أبي الطيِّب دَاود بن عبدالرّحمن بن عَبدالله بن دَاود بن مُوسَى بن عبدالله بن مُوسى بن عبدالله بن سُليمَان بن عبدالله بن الإمام مُوسى بن عبدالله المحض بن الحسَن بن الحسَن بن علي بن أبي طالب (ت 503هـ) .

أتَمُوتُ البَتولُ غَضبَى ونَرضَى مَا كَذا يَفعَلُ البَنون الكِرام


تعليق : تأمّل القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه ، بصيغَة كلامه السّابق ، تجدهُ يمتدحُ جدّتهُ فاطمة (ع) ، ويُخطّأ الشّيخَين ، فتجدهُ في هذا يُتابعُ كلامَ والدهِ أمير المؤمنين ، وابن عمّيه الباقر وصَاحب الديلم في إثباتِ موتها على الحقّ ، وأنّ ما غَضِبَت لأجلِه ليسَ باطلاً بل حقّاً ثابتاً ، يُقوي هذا كُلّه أنّ الإمام (ع) ، قرّر أن يغضبَ لِغَضبها ، فلو كان غَضبُها على باطلٍ عندَه (ع) ، ما كانَ غَضِبَ لِغَضَبِها . [ فائدة ] ويبدو أنّ هذه العبارَة التي قالها الإمام القاسم الرسي (ع) ، كانت مُتدوالَة بين سادات أهل البيت (ع) ، فيُلقُونَها نصّاً ، ويُنشئهُا شَاعرُهُم شعراً ، فَذكَر ابن أبي الحَديد فِي الشّرح مَا نصّه : (( .. حَدّثني دَاود بن المبارك قالَ : أتَينَا عبدالله بن موسَى بن عبد الله بن حَسَن بن حَسَن بن علي بن أبي طالب (ع) ، و نَحنُ رَاجِعونَ مِن الحج فِي جَمَاعَة ، فَسَألنَاهُ عَن مَسَائل ، و كُنتُ أحَد مَنْ سَألَه ، فَسَألتُهُ عَن أبي بَكر و عُمَر ؟ فَقَال أُجِيبُك بِمَا أجَابَ بِهِ جدّي عبد الله بن الحسن فَإنّه سُئِلَ عَنهُمَا ، فَقال : كَانَتْ أمّنَا صِدّيقَةٌ ابنَة نبيٍّ مُرسَل ، وَمَاتَتْ وهِيَ غَضْبَى عَلى قَوم ، فَنحنُ غضَابٌ لِغَضَبِهَا ))[98] . قلت : وعبدالله بن موسى هذا هُو زاهد أهل البيت (ع) ، و من وجوه الزيدية في زمَانِه ، وأحدُ المُبايعين للإمام القاسم الرسي (ع) بالإمَامَة .

5- قال الإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى (ع) (ت310هـ) ، مُثبتاً أصُوليّة خَطأ حُكم أبي بَكر فِي آليّة قَضَاءِه فِي فَدَك مِن وُجهَة نَظرِ أهلِ البَيت (ع) :

(( وسألتَ عن رجلٍ ادّعى على رجلٍ حقّاً ، وأقام عليه شَاهِداً عَدلاً ، وأنكرَ المُدعّى عليه، فَقُلتَ : فإن كَانَ ، ما يجبُ في ذلك ؟ قال محمّد بن يحيى (ع) : إذا كان المُدَّعِي عَدلاً ، والشّاهدُ عدلاً ، حَكمُتُ بالشّاهِدِ واليَمين مَع ذَلك ، وبذلكَ حكمَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وكَان السّلف [يعني مِنْ أهلِ البَيت ] يَتَّبِعُونهُ رضوان الله عليهم ، أقَامُوا اليَمِين مَقام شَاهِد ، ألا ترى أنّ الخَصْم لو اسْتَحلفَ المُدّعى عليه وجَعَل اليَمين تَصْدِيقَاً ، أليسَ كَان يُحكَم لَهُ بِحقّه ؟! ))[99] .

6- قال الإمام الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى الوزير الرّسي الحسني (ع) (ت822هـ ) ، مُنشأً ، مُصرّحاً بعقيدة سلفِه من سادات أهل البيت (ع) في هذه المسألة ، من الأخذ لِفَدَك بغيرِ وَجْه حقّ .

إلى الحَاكِمِ الدّيَانِ يَمْضُونَ عَن يـدٍ ******* ومَوْعِدُهُم للحُكمِ فِي مَوقِفِ الحشرِ
ولست أرى التصويب رأياً ولا أرى ******* مِنَ السّبّ رَأيَاً إنّ ذَاكَ مِنَ الْهُجْرِ
ولَكِن أدِيـنُ الله فِيهِـم بِأنّهُـم ******** أفَاضِلُ قَدْ زَلّوا وَرَبُّكَ ذُو غُفـْرِ
وأنْقمُ تَــأخِيرَ الوَصيّ وقَبضهُمْ ********* عَلى فَدَكٍ قَبْضَاً بِنَوعٍ مِنَ القَهْرِ[100]

تعليق : وهنا تأمّل كيفَ نَسَب الهَادِي بن إبراهيم الوزير صفَة القهر إلى القَبضِ من الشّيخين ، تجدهُ مُطابق الفحَوى لما جاء عن سلفه صلوات الله عليه وعليهِم ، ويجدرُ بنا هُنا أن نُنبّه أتباع أهل البَيت من الشيعة الزيديّة على الإقتداء بأرباب سفينة نوح المُنجيَة لَنا مِنَ الهَلاك ، فإنّهم وإن عابوا أموراً على المشائخ بدءاً بالخلافَة ومروراً بفدك ، فإنّ سادات أهل البيت لم يُقابلوا هذا الجفاء والخطأ منهم بالسّب واللعن والشّتم ، وإن كانوا يتوجّعون من هذا ، ولكن بدونِ سبّ أو تكفير ، ولسنَا نُنبّه على هذا إلاّ لتأكّدنا من أنّ البعض قد تأخذُه العاطفَة والغيرَة على مولاته الزهراء الطاهرة ، فيسبّ ويشتمُ ظالميها ، على غيرِ اقتداء منه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وذريّته سادات بني الحسن والحسين ، فإنّه لَم يُؤثَر عنهُم تكفيرٌ للمشائخ ، وليكُن قولُنا كما قالَ أمير المؤمنين المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) : (( لَنَا أئمّةٌ نَرْجِعُ إليهِم فِي أمُورِ دِينِنِا، ونُقْدِمُ حَيثُ أقْدَمُوا، ونُحْجِمُ حَيثُ أحْجَمُوا، وهُم: عَليٌّ وَوَلَدَاه عَليهِم أفْضَلُ السلام والحادِثُ عَليهِم وغَضَبُنا فِيهِم، ولَم نَعْلَم أحَداً مِنهُم سَبَّ أحَداً مِنَ الصّحَابَة ولا لَعَنَهُ ولا شَتَمَه، لا فِي مُدّة حَيَاتِهِم، ولا بَعد وفَاتِهِم ))[101] .

7- الإمام أبو هَاشم النّفس الزكيّة الحسَن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسِم الرسي بن إبراهيم (ع) ( ت433هـ ) ، يُصرّح بغصيبَة (تأمّل) الزهراء صلوات الله عليها فدكاً ، ولفظة الغَصِيبة دلالةٌ على عدم صحّة حكم أبي بكر في القضيّة عندَهُ (ع) ، فيشيرُ مُوافقاً سلَفَهُ من أهل البيت صلوات الله عليه وعليهم ، فَيقُول (ع) ضمنَ دعوةٍ جامعَة له (ع) :

(( فَذَا أمِيرُ المؤمنين صَلواتُ الله عَليه أُزِيحَ عَن مَنزِلَتِهِ الشّريفَة المَنيفَة، وغُصِبَتْ فَاطِمَةٌ عَليهَا السّلام ابنَة رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَدَكَاً، وسُمَّ الحَسَنُ عَليه السلام سِرّاً، وقُتِلَ الحسين جَهراً ))[102] .

8- الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن علي الحسيني (ع) (ت749هـ) ، يُشيرُ إلى وصيّة الزهراء صلوات الله عليها لزوجها وابن عمّها علي بن أبي طالب (ع) ، بأن تُدفنَ ليلاً وسرّاً حتى لا يَحضُرَها أبو بكر وعمر ، فيقول (ع) في ذلك :

((لأنّهَا أوّلُ مَنْ مَاتَ بَعدَ الرّسول مِن أهلِه ، وَرُويَ أنّ الرّسول قَال لَهَا: ((أنْتِ أوّلُ مِنْ يَلحَقُ بِي مِنْ أهلِ بَيتي)) ، فَسُرّت بِذَلِك، ، وَقَد كَانَ فِي دَفْنِهَا مَا كَانَ مِنَ الإسْرَارِ والدّفنِ لَيلاً ))[103] .

تعليق : تأمل أخي الباحث ، أنّ في هذا الإقرار من الإمام يحيى بن حمزة (ع) بالدّفن سرّاً ، دليلٌ على غضب الزهراء صلوات الله عليها عند موتِهَا . وهو قول الفقيه حميد عن أهل البيت (ع) ، فإنّه قال : ((وَعَلى الجُملَة فَالحال ظَاهر عِندَ العِترَة أنّ فَاطِمَة مَاتَت وهِيَ غَاضِبَة مِن ذَلك))[104] ، أضِف إلى تصريح المؤيد بالله يحيى بن حمزة بالدّفن ليلاً ، قَولَه (ع) فيما قد نقلناه عنه سابقاً من الديباج الوضيء : ((وكَانَ هَذا –أمر فدك- مِنْ أقوَى مَا يُذكَر فِي مَطاعِنِ خِلافَتِه ، مَعَ مَا كَان مِن حديث الميراث ، وغَيرُ ذلك مِن المطَاعن)) . فالإمام (ع) يُعدّ منعَ أبي بكر فاطمة فدكًا ، مِنَ المطَاعِن ، بل من أقوَى!! المطاعِن على خلافته ، وهذا دليلٌ على عدم تصحيحِه لحكم أبي بكر في فدك .

9- قال الإمَام الحجّة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيّدي الرّسي الحسني صلوات الله عليه (ت1428هـ) :

((قُلتُ : وأنَّ المَعصومين (علي وفاطمة والحَسنَين) ، ومَنْ قَولُهُم حُجّةٌ ، رَدُّوا حُكمَ أبي بكر ، ولَم يُصدِّقوا قَولَه ، ولَو لَم يَكُن إلاَّ غَضبُ المُطَهَّرَة ، التي يَغضَبُ الله –تعالى- لِغَضَبِهَا ، بإجماعِ جميعِ الأمّة))[105] .


نعم ! وبهذا أخي الباحث ، فإنّ الصورة أصبحَت جليّة ، واضحة المعالم ، ففدك نِحلةُ رسول الله لفاطمَة ، طالبت بها ، ورُدَّ طلبها بحجّة عدم اكتمال نصاب الشهادة ، معَ أنّ الأمر حقوقيّ بَحت ، جرَت السنّة من الرسول (ص) بأنّ للقاضي أن يكتفي بِشَاهدٍ وَيمين طالب الحق فيه ، وقد توفّرَ هذا ، وقضى أهل البيت (ع) ، وعلى رأسهِم الإمام علي (ع) بعدَم صحّة هذا الأمْر ، وعدم عَدلِه ، وصَفّه في مَصافّ الظّلم .

أقْوَال عُلمَاء الزّيديّة وَغيرهِم فِي مَظلوميّة الزّهراء و حُكم أبي بَكر فِي فَدَك :

1- قال أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري الزيدي رحمه الله تعالى في مجالسه ، ضمن كلام ناظرَ به رجل من أهل صنعاء : ((..ثمّ أنتَ تَعلمُ أنّ الأمّة مُجمِعَة عَلى قَول النّبي صلى اللّه عليه : ((إنّ اللّه يَغضَبُ لِغَضَبِ فَاطمَة)) ، وأنّهَا مَاتت وهِيَ غَضبَى عَلى أبي بكر ، وعلى مَن عَاونَهُ عَلى قَطع مِيرَاثها مِن أبيهَا وانْتزاع فَدك مِن يَدهَا، لَيس أحدٌ يَشكّ فِي ذَلك مِن أمّة محمّد صلى اللّه عليه ..))[106] .

تعليق : تأمّل أخي في الله ، كيفَ فصلَ أبي الحسين رضوان الله عليه ، بين الميراث وبين فدك ، وتأمّل كيف جعلَ فدك مِنْ مُمْتَلَكَات فَاطِمَة صلوات الله عليها .

2- ويذكر ابن أبي الحديد في الشرح ، مُنافرَة وقعَت بين رجل من ولد طلحة بن عبيدالله وبين رجل من أبناء علي بن أبي طالب (ع) ، وهُو إسماعيل بن جعفر الصادق عليهما السلام ، فَسَاقَ ابن أبي الحديد ، ما نصّه : (( كَانَ القَاسِم بن محمّد بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمِي ، يُلَقّبُ أبَا بَعرَة ، وَلِيَ شُرطَةَ الكوفَة لعيسَى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، كَلّمَ إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق (ع) بِكَلامٍ خَرَجَا فِيه إلى المُنَافَرَة، فَقَالَ القَاسم بن محمد : لَمْ يَزَل فَضْلُنَا وَ إحْسَانُنَا سَابغاً عَليكُم يَا بَني هَاشِم ، وعَلى بَني عبد مَناف كَافّة . فَقال إسماعيل : أيّ فَضْلٍ و إحسانٍ أسْدَيتُمُوهُ إلى بَني عبد مَنَاف ، أغْضَبَ أبوكَ جَدّي بِقَوله : لَيمُوتَنّ محمّد و لَنَجُولَنَّ بَين خَلاخِيلِ نِسَائه ، كَمَا جَال بَينَ خَلاخِيل نِسَائنَا ، فَأنزَلَ الله تَعالى مُرَاغمَةً لأبيك ((وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً)) ، و مَنَعَ ابنُ عمّكَ (يعني أبو بكر) أمّي حَقّهَا (تأمّل) مِن فَدَك ، و غَيرها مِن مِيرَاث أبيها ، و أجْلَبَ أبوكَ على عثمانٍ و حَصَرَهُ حتّى قُتِل ، و نَكَثَ بَيعَة عَلي ، و شَامَ السّيفَ فِي وَجهِه ، و أفْسَدَ قُلوبَ المسلمِينَ عَليه، فَإنْ كَانَ لِبَني عَبد مَناف قَومٌ غَيرُ هؤلاء أسْدَيتُم إليهِم إحساناً فَعَرِّفنِي مَنْ هُمْ جُعِلتُ فِدَاك!!. ))[107] .

تعليق : تأمّل أخي في الله ، كيف أنّ إسماعيل بن جعفر الصادق (ع) ، فصلَ بين فدك وبين غيرها من المواريث المحمّدية ، يدلّك هذا على صحّة الإيهاب والتملكّ من فاطمة (ع) لأرض فدك ، وتأمّل أيضاً كيف عدّ إسماعيل (ع) فِعل أبي بكر مع فاطمة ، ومَنعُه إيّاها فَدكاً ، مِن أبرز عُيوبه ، فَسَتَجد التخطئةَ منه (ع) لفعل وحكم أبي بَكر وَاضحاً ، وتأمّل أيضاً إدخالَهُ واستبشاعَهُ منعَ أبي بكر ميراثَ فاطمة من الرّسول (ص) ، تجد في هذا تجويزاً لتوريث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم . نعم ! ظهرَ لنا ولكَ أخي في الله أنّ فدكاً هِبةُ رسول الله لفاطمة ، لا إرثُه ، وأنّ رأي الإمام أحمد بن يحيى المرتضى صلوات الله عليه لا يُمثّل إلا رأيَهُ الاجتهادي الخاصّ به ، وأنّ جماعَة آل رسول الله (ص) على خِلافِه.

قال الأخ علي [ص59] :

((فلَو كانَ ظُلماً لَردَّهُ الإمام علي أيّام خِلافَته ، فإنّه لَم يَثبُت عنهُ أنّهُ ردّه)) .

تعليق : في الحَقِيقَةِ أنّ فدَك مِلكٌ لِفَاطِمَة ، ولِبَني فاطمَة ، خَصّهم الرّسول بأمر الله بها ، وذلك بقول الله تعالى : ((وآتِ ذا القُربى حقّه)) ، وأنّها نزلَت تُخبرُ الرّسول بأن يُعطيَ فدكاً لابنته فاطمَة ، وبِشهادة علي (ع) ، وأم أيمن زوجة الرّسول (ص) ، وكفى بقول الله تعالى شَاهداً . نعم ! اعلم أخي في الله ، أنّ تَصرّف أبي بكر ومعه عمر وعثمان في فدك تصرّفٌ بَاطِل ، وذلكَ بِسَبَب عَدم تمّلُّكِهِم ، ولا تَملُّكِ عمُوم المُسلمينَ لَها ، فَهِي دَاخلةُ في مِلك غيرِهِم ، والغَير هؤلاء فغيرُ راضونَ عن هذا التصرّف بَأرض فَدَك ، الأمْرُ الذي جَعلَ فاطمَة (ع) وَهي الأصْل فِي هَذِه المسألَة ، الأمْر الذي جَعلَها تُوصِي بِعَدَمِ حُضور الشّيخين مَدفَنَها ، وَهِي بِهَذا مُفارِقةٌ للحيَاةِ غَاضِبةٌ وَاجِمةٌ مِنهُمَا وَعَليهِمَا ، وَهَذا الغَضب الفَاطِميّ فَبرواية أمّ المؤمنين عائشة في البخاري ، والسنن الكبرى للبيهقي ، والمسند لأبي عوانة ، والمُصنّف لعبدالرزاق[108] ، وغيرها ، وأصل الرواية جاء فيها : ((... فَغَضِبَت فَاطِمَة رضي الله عنها وَهَجَرَته [أي أبو بكر] فَلَم تُكَلّمْهُ حتّى مَاتَتْ ، فَدَفَنَهَا عَلي رضي الله عنه ليلاً وَلم يُؤذِنَ بِهَا أبَا بكر رضي الله عنه ، قالت عائشة رضي الله عنها : فَكَانَ لِعَلِي رَضي الله عنه مِنَ النّاس وَجْهٌ حَياةَ فَاطمِة رضي الله عنها، فَلمّا تُوفّيَت فَاطمَة رَضي الله عنها انصَرَفَ وجُوه النّاس عَنه ...إلخ)) واللفظ للبيهَقي ، نَعم ! فَلو كانَ تصرّف المشائخ في فَدك تَصرّفاً صَحِيحاً عندمَا أدْخَلوهَا فِي عمُوم أمْوال المُسلمِين لكانَ هذا مَحمُوداً مِنهُم ، ولمَا غَضِبَ أهلُ بَيتِ النبوّة مِنهُم ، فَإن أنتَ وقفتَ على موضع الخلل هُنا أخي في الله ، فاعلَم أنّ علي وفاطمة والحسن والحسين في زمانهِم هُم كلّ أهل البيت ، فَلمّا ماتَت فاطمة (ع) أصبحَ علي والحسن والحسين هُم كلّ أهل البيت ، وفدك فَمِن نصيبهِم وِراثةً من فاطمة (ع)، فأصبحَ المُلكُ بهذا مِلكَهُم ، ولهم فيه حُريّة التصرّف ، وعلي فأبو الحَسنين يفعلُ في هذه الأرض ما يَشاء . فإن اعتُرِضَ علينا بأنّ المُلكَ ليس مُلك عليٍّ لوحدِه ، فليسَ لهُ أن يتصرّف فيه كيف شاء ، فللحسن وللحسين نصيبٌ منه ، وهذا يردّ عليكم . قُلنا : ونحنُ فلسنَا نقولُ أنّ علي (ع) قد أرغمَ الحسن والحسين (ع) على أن يتصرّف فيها برأيه ، وما يرى فيه الصّلاح الأخروي ، ولكنّا نَقول أنّ علي (ع) كانَ يستطيب نفسَي الحسن والحسين في غلاّت هذه الأرض فينتفعُ به في وَقَعَاته مَعَ النّاكثين (أصحَاب الجمَل) ، والمارِقين (أصحَاب النّهروان) ، والقَاسِطين (أصحَاب الشّام)، والمعلُوم أنّ هذا كلّه يحتاج إلى جهةٍ مُموّلة ، والإمام علي (ع) فَيحتاج لهذا التّمويل ، وهُوَ فَليسَ بالتّاجر ولا الغَني ، فَكانَت أمامَهُ فَدك ، مُلكاً خَالصاً له ولابنيه ، وابنيه فيُستحال أن يَبخلوا على والدهِم بإذن التصرّف المُطلَق فيها ، وعلي فيُستحال أن يستبدّ عليهم بها ، وكذلكَ كان أمام علي (ع) خيارُ ثانٍ وهو فَمَضمُون مِن جِهَةِ نَفسِه وَمِن جِهة ابنيه الحسن والحسين ، وهُو حصّتهم من الخُمس ، وهذه فكان علي (ع) يطلُبُها منهم طلباً ، لا قسراً وقَهراً ، ويَشهدُ على هذا ما رواهُ الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) ، عن أبيه الباقر محمد بن علي ، أنّه قال : ((إنَّ الحَسَن والحُسين وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن جعفر ، سَألُوا عَلياً حَقّهُم مِنَ الخُمس ، فَقال (ع) : هُوَ لَكُم (تأمّل) فَإن شِئتُم أعْطَيتكُمُوه ، وإنْ شِئتُم أنْ تَتْرُكوه أتَقَوّى بِه عَلى حَرب مُعَاوِيَة فَعَلْتُم ، فَتَرَكُوه))[109] ، وهذا الخبَر فقد رواه مُسند أهل الكوفَة الشريف محمّد[110] بن عَلي بن الحسَن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني ابن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (367-445هـ) ، فإن أنتَ وَقفتَ على هذا ، قِستَ عليه قطعاً ما تكلّمنا عنه قريباً ، من استحالة أن يتصرّف علي (ع) قهراً على الحسن والحسين بغلاّت أرض فدَك ، نعم ! واعلَم أخي في الله أنّ هذا الصّرف من أمير المؤمنين لفدك فيما يخدمُ صالح الإسلام والمُسلمين ، ليسَ إلاّ تكرّماً منه ، ومن أبنائه (ع) ، وليسَ هُو عليهِ بواجِب ، وإنّما الواجبُ إخراج زكاة غلاّت هذه الأرض فقط ، فالأرض مِلكٌ خاصّ لا عام ، وهذا فبيّنٌ ولله الحمد، ولكنّه يبقَى في خاطر الإنصاف سّؤال يقَول : لَِماذا كلّ هذا التذبذبُ من خُلفاء بني أميّة ، وبني العبّاس، تارةً يُعطونَ بني فاطمة أرض فدَك ، وتارةً يُمسكونَها ؟! ، ثمّ لماذا يَقبلُ سادات بني الحسن والحسين هَذهِ الأرض الذي يَخصّهم بها الخُلفَاء دونَ بقيّة النّاس ، عِندمَا يَردّونها عَليهِم ، أليسَ هذا منهم أكلٌّ لأموال المُسلمين بِغيرِ وَجهِ حقّ ، لأنّ فدك على قَول المُخالِف ملكٌ لجميع المُسلمين ، فكيفَ رَضِيَ سادات الصّلاة والصّيام والعِبادة والزّهد ، بأكل مالٍ حرام ، ألا ترى أخي في الله أنّ عمر بن عبدالعزيز ردّها عليهِم وهُو الرّجل ، ثم أُخِذَت وأعادَها السّفاح العباسي عليهم ، ثمّ أُخِذّت وأعادَها المأمون العباسي ، وهذا تذبذُبٌ في الموقِف ظاهر ، فلَو لَم يَكن هؤلاء الخلفاء يَرونَ لبني فاطمة حقّا في فدك دونَ غيرهِم ما خصّوهم بها ، ولو لَم يكُن بنوا فاطمة صلوات الله عليهم يرونَ لهم حقّا في هذه الأرض دونَ غيرهِم لمَا قَبلوها من الحُكّام ، واستأثروا به دون أمّة جدّهم ، وهذا فدليلٌ عقليّ ليس يُمرّره الإنصاف بسهولَة ، فكيفَ لو عرفتَ أنّ هُناك مِنْ بَنِي فَاطمَة مَن ابتدأ هؤلاء الحُكّام بالطّلب لهذه الأرض ، وأنّها لهُم ومِلكُهم ، دون بقيّة النّاس؟! ، فَهَذا اليَعقوبي يقول في تاريخه : ((وَرَفَعَ جَماعةٌ مِن وَلَدِ الحسن والحسين ، إلى المأمون يَذكُرونَ أنّ فَدك كَانَ وَهَبَهَاَ (تأمّل) رَسول الله لِفَاطِمَة ، .. ، فلمّا أجمَعُوا عَلى هَذا ردّها على ولَد فَاطِمَة وَكَتبَ بِذلك ، وسُلِّمَت إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمّد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب))[111] ، وهُنا فالقارئ أمامَ خيارين اثنين لا ثالثَ لهُما : إمّا أن يقولَ أنّ هؤلاء السّادة الأبرار طالبوا بِحقّ ثابتٍ لهُم ، وأكلوا منه حلالاً طيّباً ، أو أنّهم سادةٌ يبحثون ويلهثون عن المال بأيّ طريقٍ كان ، وأنّ أكلَهُم من هذه البلاد حرامٌ حرام ، فأمّا نحنُ فنقولُ بالأوّل ، وأنتَ اختَر أيّهما أحبّ إلى قلبِك ، وبه نختمُ الكلام في مسألة فدك .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

سابعاً: [ الكَلام على الرّسالَة الوَازعَة ] :

قال الأخ علي [ص60] :

((وقد ألَّف الإمام يحيى بن حمزة رضي الله عنه رِسالةً كاملةً في الدّفاع عن الصّحابَة سمّاها (الرّسالة الوازِعَة للمُعتدين عن سَبِّ صَحابَة سيّد المُرسَلين) ذكرَ فيها أقوال أئمّة أهل البَيت ، ابتداءً بالإمام علي (ع) ، وانتهاءً بِعصرِه ، وسَأنقُلُ لكَ بعضاً منها ، لِعِظَم فوائدها)) .

تعليق : اعلمَ رَحِمَنا وَرَحِمَك الله تعالى ، أنّ هذه الرّسالَة المأثورَة عن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة صلوات الله عليه قد أثارَت (ولنَ تزال تثير) جدلاً كَبيراً ، وَهِيَ فقشّةٌ يَتمسّكُ بِها مَن ذهبَ إلى تَفضِيل المشائخِ على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، ولستُ أقولُ أنّهُ يَتمسّكُ بِهَا مَن ذهبَ إلى التّأوّل لهؤلاء المَشائخ مع تَفضيلِهِ وقَولِه بإمامَة أمير المؤمنين ، لأنَّ مَن قرأَ الرّسالَة الوازِعَة بِتدبّر وَجدَ أوّلها يَرُدُّ على آخِرِها ، وآخرُهَا يَنقُضُ على أوّلِها ، فبدأهَا المؤيد بالله (ع) بِقوله : ((واعلَم أنَّ الذي نَعتَقِدُهُ ونَراهُ ، ونُحبٌّ أن نَلقَى الله عزّ وجلّ عَليه هُوَ ما عَليهِ السّلف الصّالِح مِن أكابِر أهل البَيت المُقتصدينَ منهُم والسّابقين ، أنّ أميرَ المؤمنين أفضلُ الخَلق بَعد رَسول الله (ص) ، بما خصّهُ الله بهِ مِنَ الفضائِل الظّاهرَة ، التَي لَم يَحُزْهَا أَحدٌ بَعدَه ، ولا كَانَت لأحَدٍ قَبلَه ، وأنَّ إمامَتَهُ ثابِتَةٌ بالنّص عَليهِ وعلى وَلَديه ، وأنَّ فَضْلَهُ على غَيرِهِ مِنَ الصّحابَة أظْهَرُ مِن نورِ الشّمس ، وقَد أورَدنا ذلكَ في كُتُبِنَا العَقليّة ، وبَيَّنَّا فَضلَهُ وإمامَتَهُ بالنّصوص ، وأوْضَحنَا بُرْهَاَنَها ، وأظْهَرنا فَضلَهُ على غَيرِه ، ودلَّلْنَا عليها بِما لا يَكادُ يُوجَدُ في كتابٍ من كُتُب أصحابِنا ، .. ، فمَن أرادَهُ فليُطالِعهُ في كتاب الشّامل ، وكتاب النّهايَة ، وكتاب التّمهيد ، وكتاب المعالِم ، فإنّهُ يَجِدُ في هذه الكُتُب مِن فضائلِه (ع) مَا نُورِدُهُ هُنا في عِشرين فَضيلَة[112])) ، ثمّ انحرفَ الإمام مائة وثمانونَ درجَة مُنَاقِضَاً لكلامِهِ القَريب هذا ، فقال (ع) : ((المَسلَك الرّابِع : ما كانَ عليه أمير المؤمنين في حقّهم ، ... ، فقال علي (ع) : (أعوذُ بالله أن أُضْمِرَ لهُما إلاّ الحسَن الجَميل ، أخواَ رسول الله (ص) ، وصَاحبَاهُ ، ووزيرَاه)) ، قُلتُ : هذا لم يصحّ عن أمير المؤمنين علي (ع)[113] ، فمرتبَة الأخوّة المحمديّة لَم تَثبُت إلاّ لعِلي (ع) ، والرّسول (ص) فقد آخَا بين أبي بَكر وعُمَر ، وبين نَفسهِ (ص) وبين علي (ع) ، إلاّ أن يُقال : أنّ الأخوّة في النّص المنسوب لأمير المؤمنين (ع) هِي الأخوّة في الإسلام فِعندَها سنقول : أنّ هذا خاصيّة قد شاركَهُما فيها غيرهُما من الصّحَابَة ، نعم ! وأما قولُه : ((وصَاحِباه)) فإنّه ميزةٌ شاركهُما فيها غيرهُما من الصّحابَة، وأمّا قولُه : ((ووَزيرَاه)) فإن كانَت الوزارَة بِمَعنى الصّحبَة العَامّة فمُستقِِيم ، وإن كانَت بِمعنى أنّهم رِجَالٌ قريبونَ من الرّسول ، يَستشيرهُم الرّسول ويُشيرونَ عليهِ فمُستقِيم[114] ، وإن كانت بمَعنى خُلفاءهُ على أمّته (ص) بَعدَه ، فَهُنا تناقضٌ وقعَ فيه المؤيد بالله (ع) ، فقريباً قال صلوات الله عليه : ((الفَضِيلَة الحادِيَة عَشْرَة: ورُويَ عن أنس بن مالك عن الرّسول (ص) ، أنّه قال : ((أخِي وَوَزِيرِي وَخَيرُ مَنْ أترُكُه بَعْدِي ، يَقْضِي دَيْنِي ويُنجِزُ وَعْدِي عَليُّ بنُ أبِي طَالِب))[115] ، ثمّ إنّ المؤيد بالله لَو نقلَ الخبرَ كاملاً (أو اطّلعَ على الخبر كاملاً) ، لوجدَ أنّ هذا الخبر يصفُ أبا بكرٍ وعُمر بأنّهما : بمنزلة الذي لا يُحبّ رَسول الله (ص) كحبِّهما أحد ، والإمام يَقول في الفضيلة الثّانية أنّ علي (ع) أحبّ خلقِ الله لله!! ، ومَن كان أحبّ الخلق لله ، فهُو أحبّ الخلق لرسول الله (ص) ، والخبر يقول أيضاً : أنّ الإمام علي (ع) كان راضياً تمام الرّضا عن بيعة وخلافة الشّيخين وهذا مُعارضٌ بِما في نهج البلاغَة عن أمير المؤمنين (ع) ، وهُو الذي شرحَه المؤيد بالله في سِفرٍ جامعٍ حافلٍ أسماهُ (الدّيباج الوَضيء في الكَشف عن أسرار الوَصي) ، نعم ! فكيفَ يصحّ صدور هذا النّقل عن إمام التّحقيق والتّدقيق أمير المؤمنين يحيى بن حمزة (ع) !! ، سَابقاً (قبلَ الاطّلاع على كامل الرّاسالة الوازعة) كُنتُ أقولُ كلامُهُ مُعارِضٌ ومُناقضٌ لكُتبِه الأخرى ، وحاضراً (بعد الإطّلاع على كامل الرّسالة الوازِعَة) أَجِدهُا تَرُدّ على نفسِها ، ويَنقُضُ آخرُها على أوّلها ، وما هَذا الذي وَقَفنا عليه إلاّ غَيضٌ مِن فَيض من التّناقضات ، وهذا فيَجعلُنا نَأخُذُ كلام الحجّة المؤيدي (ع) المُشكّك في صحّة نِسبَة كلّ أو بَعض هذه الرّسالة إلى الإمام يحيى (ع) ، بمحلّ الاعتبار[116] .

تَناقٌضٌ آخَر : جاء في الرّسالة الوازعَة : ((وثانِيها : ما رُويَ عن الحسن بن علي (ع) ، قال : لَقد أمرَ رَسول الله (ص) أبابَكرٍ أن يُصلّيَ بالنّاس ، وإنّي لشَاهِد ، فَرَضينَا بأمرٍ رَضيَ به رسول الله (ص) لِدينِنَا))[117] .

أقول : هذا الكلام عن الإمام الحسن السّبط (ع) غير مأثورٌ عنه عندَ أهل البيت (ع) ، بل إنّ أهل البَيت (ع) على خِلافِه! ، وفي ذلك سُئلَ الإمام زَيد بن عَلي عَنْ صَلاةِ أبي بَكر فِي مَرَض رَسولِ الله؟! ، فَقال: ((مَا أمَرَ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم أبَا بَكْر أنْ يُصَلِّيَ بِالنّاس))[118] ، وروى أبو العبّاس الحسني (ع) ، بإسناده ، عن موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله المحض عن أبيه عن جدّه ، عن أبيه شيخ الفواطم عبدالله المحض (ع) ، قال (من حديث طويل) : ((...فَلمَا رَجَعَ بِلال[119] وَلَمْ يَقُمْ رَسُول الله بَعَثَتْهُ عَائشَة بنت أبي بَكْر فَقَالَت: يَا بِلال مُرْ أبَا بَكْرَ فَلْيُصَلٍّ بِالنّاس، وَوَجَدَ رَسُولُ الله خِفَّةً فَقَامَ فَتَمَسَّحَ وَتَوَضَّأ، وَخَرَجَ مَعَهُ عَليٌّ وَالفْضْل بن عبّاس ، وَقَد أُقِيمَت الصّلاة وَتَقَدّمَ أبو بَكر لِيُصَلِّي، وكَانَ جِبريل عليه السلام الذي أمَرَه بالخروجِ لِيُصَلِّيَ بِهِم، وَعَلِمَ مَا يَقَعُ مِنَ الفِتْنَةِ إنْ صَلَّى بِهِم أبو بَكْر، وَخَرَج رَسول الله يَمْشي بَين علي والفَضل وقَدَمَاه يِخطّان فِي الأرْض حتّى دَخَل المسجد، فَلمَّا رَآه أبو بَكر تَأخَّر، وَتَقَدَّمَ رَسُول الله وصَلَّى بالنّاس، ..إلخ))[120] ، والزيدية مُطبِقَةٌ على أنّ رسول الله لم يأمُر أبابكرٍ بالصّلاة بالنّاس ، نعم ! ولَنا هُنا أن نَسألَ لماذا لم يُصلّ رسول الله (ص) خلفَ أبي بَكر ؟! ورسول الله (ص) دخلَ المسجد والنّاس قد دخلوا في الصّلاة ، والعادَة أنّ المأموم يَلحقُ بالإمام مُصليّاً خلفَهُ ، حتّى لَو كانَ هذا المأموم هُو الإمام الرّاتبُ لهذا المَسجد ، ولكنّ الرّسول (ص) هُنا وقفَ إلى جانب أبي بكر (تأخّر أبو بكر عن إمامَة الصّلاة) ، فكان يُصلّي بِصلاة رَسول الله ، والمُسلمونَ يُتابِعون أبا بكرٍ في صلاتِه ، وأغلبُ الظّنّ في هذه الهيئَة أنّ رسول الله (ص) كانَ يُصلّي جَالساً ، فلم يكُن أصحاب الصّفوف الخَلفيّة يعرفون ركوعَ الرّسول مِن سجودِه إلاّ من أبي بَكر ، وهُنا نَسألُ لماذا هذا الفِعل مِن رَسول الله (ص) ؟! إن قيلَ : إنّ أبا بكر هُو مَن تأخّر ابتداءً مِنه ، ولَم يكُن الرّسول (ص) هُو الحاثّ له على هذا . قُلنا : قُبول الرّسول (ص) لتأخُّرِ أبي بكرٍ ، يجعلُ اسْتِشْكالَنا قَائماً ، فلَو أنّ رسول الله (ص) كان يُريدُ إيصال رسالة أفضليّة وأحقيّة أبي بكر بخلافَة المُسلمين لأبقَاهُ على مَكانَِتِه ، بَل لأمرَهُ الله تعالى بِذلك ، وعليه (أي على حالَة أنّ الرّسول (ص) هُو الإمام في تِلكَ الصّلاة ، وأنّ أبا بكر كان (مأموماً) مُصلّياً بصلاة الرّسول (ص) ) ، فإنّه لا يصحّ أن نَقول اليوم أنّ أبا بكر صلّى بالمُسلمين ، لأنّ صلاتَهُ لهُم انقطعَت بصلاة الرّسول (ص) بالمُسلمين إمَامَاً . فإن قيل : ليسَ قولُكُم هذا يَستقيم ، فَرسول الله (ص) هُو مَن أمرَ أبا بكرٍ بالصّلاة بالنّاس ، يُريدُ (ص) أن يُظهِرَ فَضلَه ، وأنّه أحقّ وأفْضل الصّحابَة المُستحقّين ، بَل حتّى أفضلُ من علي بن أبي طالب ، وإلاّ لأمرَهُ بالصّلاة بالنّاس بدلاً من أبي بكر . قُلنا : أولاً : لا نُسلّمُ لكُم أنّ رَسول الله (ص) هُو الذي أمرَ أبا بكرٍ أن يُصلّيَ بالنّاس ، بل نَقول أنّ عائشَة هي التي أمرَت بلال بِهذا ، ولعلّ بلال فَهمَ هَذا أنّه أمرٌ مِن رسول الله (ص) . فإن قيلَ وما دليلُكُم على هذا ؟ قُلنا : لِسبَبَين اثنين ، السبّب الأوّل : أنّ الصّلاة التي حولَها الكلام هِيَ صلاةُ الفَجر ، وبلالٌ فَقد كان يتردّدُ على رَسول الله (ص) يُريدُ أن يَقومَ مَعهُ (ص) كي يُصلّيَ بالنّاس ، وفي رواية المحض (ع) أنّ بلال تردّد على الرّسول ثلاث مرّات ، ومنهُ نستشفّ أنّ وَقتَ الفجر قَد ضَاق ، والمُسلمون فلا بدّ أن يُصلّوا ، فَصلّى أبو بكرٍ بالنّاس ، (بغضّ النّظر عَن مَنْ هُو الآمِر له) ، فَمَا راعَنا إلاّ والرّسولُ (ص) قد تَوضّأ وخَرجَ مُتّكئاً على علي والفضل بن العبّاس ، قبلَ أن يُتمّ أبا بكرٍ صلاتَه ، فتقدّم دونَ أبي بكر وصلّى بالنّاس ، وهُنا يجب أن يشدّ انتباهَكَ أمرٌ مُهم ، وهُو السّرعَة الواضحَة التي كانَ عليها رَسول الله (ص) ، والتي نجدُ أثرها واضحاً في لَحاقِه بالمُسلمين قبل أن يُتمّوا رَكَعَتَي الفَجر !! ، بَل إنّه كانَ لهُ وقتُ كافٍ للّحاقِ بالركّعة الثّانيَة على أقلّ تَقدير ، لأنّه (ص) صحّت إمامَتُه بهِم ، ولَن يكونَ بدءُ إمامته (ص) بالسّجود[121] ، فَوضُوء الرّسول (ص) بسرعَة بالرّغم مِن مَرضه ، وخروجهُ مُتّكئاً على صَاحِبَيه ، ثمّ لَحَاقُه بالصّلاة بل وبالإمامة فيها ، كلّ هذا يدلّنا على أنّ رسول الله (ص) لَم يكُن راضياً عن أمرِ عائَشة بصلاة أبي بَكر ، وكلّ هذا أيضاً يُقوّي رواية شيخ آل الرّسول ، وقول حليف القرآن زيد بن علي (ع) ، على غيره من الرّوايات . وأمّا السّبب الثّاني : فإجماع أهل بيت رسول الله (ص) على أنّ رسول الله لم يأمُر أبا بكرٍ بالصّلاة ، وأنّ عائشَة هِيَ الآمرَة ، وإجماعُهم حُجّة . نعم ! أمّا قولُكم المبني على أصلِكم في المسألَة : أنّ أبا بَكر أفضلُ مِن علي ، وإلاّ لأمرَ الرّسول عليّاً بالصّلاة بدلاً مِن أبي بَكر . فإنّ نَقول : أنّا هذا مَردودٌ عليكُم ، فالرّسول (ص) (على فرض صحّة قولِكم) لم يَكُن لِيأمُرَ أبا بكرٍ بالصّلاة بوجود عليٍّ (ع) ، فعليّ صلوات الله عليه لم يكُن موجوداً مع المُسلمين في المَسجد عند أمرِ الرّسول (ص) أبا بكر بالصّلاة ، بل كانَ (ع) عِندَ رسول الله في بيتِه ، بدليل خروجِهِ (ص) من بيتِه مُتكّئاً على علي (ع) وعلى الفضل بن العبّاس ، والمُسلمون داخلون في صَلاتِهِِم ، وخُلاصَتهُ : أنّه ليسَ لكُم دليلٌ في أفضليّة أبي بكر سواءً كان الرّسول هُو الآمِر له بالصّلاة ، أو غيرُه ، فإن كان الرّسول هُو الآمر ، فليسَ ذلك إلاّ لعدم وجود علي (ع) بين أهل المَسجد ، لانشغاله مع الرّسول (ص) . وإن كانَت عائَشة هِيَ الآمرَة ، فإنّ الرّسول (ص) قد استعجلَ استعجالاً مَلحوظاً لإدراك الصّلاة ، وإزالَة أبي بكر مِنْ إمامَة الصّلاة ، هذا والله أعلَم ، نعم ! ونعودُ إلى رسالة الإمام يحيى بن حمزة (ع) ، فَنقولُ أنّ الإمام يحيى (ع) يَعلَمُ أن تلكَ الرّوايَة عن الإمام الحسن السّبط (ع) تُفيدُ رِضَاهُ بخلافَة أبي بكر الدّينيّة ، أي تُفيدُ أحقّيتَهُ بِها دونَ أبيه المُزَكِّي بخاتَمِهِ حالَ الرّكوع ، مَن قالَ عنهُ الإمام يحيى (ع) في فضائله العشرين ، أنّه أعلمُ النّاس ، وأشجَعُهم ، وأسخاهُم ، وأكرَمَهُم ، وقال قبلَ ذلكَ أنّه الإمام بعدَ وفاة رَسول الله (ص) ، بالّنص ، وأنّ لا أحدَ مِن الصّحابَة يَبلُغُ مَنزِلَته ، فكيفَ يَسردُ الإمام المؤيّد بالله (ع) هذه الرّواية عن الحسن السّبط المُناقِِضَة لكلامِه ، وكلامِ سَادَات أهل البَيت (ع) ؟! .

تَناقٌضٌ آخَر : جاء في الرّسالة الوازعَة : ((ثالثُهَا : مَا رواهُ جعفر الصّادق عن أبيه ، عن جدّه ، أنَّ رَجُلاً مِن قُريش جاء إلى أمير المؤمنين ، فقال : سَمِعتُكَ تَقول : ((اللهمّ أصْلِحنا كمَا أصْلَحتَ به الخُلفاء الرّاشدين)) ، مَن هُم؟ ، فقال : (قَصدتُ أبا بَكر ، وعُمر) ، هُما إماما الهُدى ، وشَيخَا الإسلام ، ورَجُلا قُريش ، والمُقتدى بِهِما بعدَ رسول الله ، مَنِ اقتدَى بِهِما عُصِمَ ، ومَن اهتدَى بِهِما إلى صِراطٍ مستقيم)) .

أقول : ليسَ لِهذا الخَبَر أصلٌ عند أئمّة أهل البيت (ع) ، ولا عندَ حُفّاظ الزّيدية ، عن الصّادق عن آبائه ، أو عن غيرهِ (ع) ، كما أنّي لَم أقِف له على أصلٍ فيما بَحثتُ فيه مِنَ المراجِع ، والكلامُ هُنا يَقعُ على مَتنِه ، فَهَل يعلمُ الإمام المؤيد بالله (ع) أنّ عليّاً (ع) اقتدَى بأبي بكرٍ وعُمَر حتّى يعصَمَ ويَهتدي إلى الصّراط المُستقيم ، ما نَعلَمُهُ أنّ أمير المؤمنين لَم يَقتدِ بعُمَر عندما بايَعَ أبا بَكر ، ولا سلَّمَ لأبي بَكر إلاّ عِنَد فُقدان الأمل في حصولِه (ع) على الخِلافَة ، فَبايَعَهُ بعدَ ستّةٍ أشُهر ، فهل يجهلُ الإمام المؤيّد هذه الحادِثَة المرويّة في صَحِيح مسلم عن عائشَة أمّ المؤمنين ، قالَت : ((..، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ على أبي بَكْرٍ في ذلك ، قال : فَهَجَرَتْهُ فلم تُكَلِّمْهُ حتى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ رسول اللَّهِ (ص) سِتَّةَ أَشْهُرٍ فلما تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ لَيْلًا ، ولم يُؤْذِنْ بها أَبَا بَكْرٍ ، وَصَلَّى عليها عَلِيٌّ ، وكان لِعَلِيٍّ من الناس وِجْهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فلما تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ الناس فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أبي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ ولم يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ ، ...))[122] ، فتأمّل كيفَ أنّ لا عليّ ولا فاطمة اقتديَا بِفعل وحُكم أبي بكر ، فَهل لَم يَرْشَدا بِصَنِيعِهِمَا هذا ، وهَل هُما إلى صِراطٍ غير مُستقِيم ، وقول أمير المؤمنين في النّهج الذي شرحَهُ الإمام ، ألم يَكُن مانعَاً من إيرادِ هذه الرّاية عن الصّادق عن آبائه : ((أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ (أبو بَكر)، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا))[123] ، وقول الإمام يحيى نفسَهُ في كتابه (الدّيباج) : ((وقَد رُويَ بهُ (لِعلي) في هذا شِعر ، وهُو قولُه يُخاطبُ أبا بَكر :

فإن كُنتَ بالشّورَى ملَكتَ أمورَهُم ****** فَكَيفَ بِهذا والمُشِيرونَ غُيَّبُ
وإنْ كُنتَ بالقُربَى حَجَجتْ خَصيمَهُم **** فَغَيرُكَ أولَى بالنّبي وأقرَبُ

نعم ! وعلّق الإمام يحيى (ع) على هذا البَيت بِقولِه : ((وَهَذا كَلامٌ بَالِغٌ فِي قَطْعِ احْتِجَاجِهِ بِمَا ذكرَ مِن دَعوى الإجمَاع ، واختِصَاصِه بِالقَرَابَة ، ولا زِيادَة على مَا ذَكَرَهُ وَقَرَّرَه))[124] ، فتأمّل رَحِمَك الله المُناقضَة في الطّرح ، يَروي عن أمير المؤمنين في الوازعة طلبَ الاقتداء والائتمَام والاعتصام بِرَجُلا قُريش (أبو بكَر وعُمر) ، وفي النّهج يَعترضُ على أفعالِهم أمير المؤمنين (ع) ، وفي الشّرح ينتصرُ الإمام المؤيد بالله لِكلام الإمام علي (ع) ويُخطّأ الشّيخَين ، فَهل بعد هذا تَناقُض ؟! .

تَناقٌضٌ آخَر : جاء في الرّسالة الوازعَة : ((سادِسُها : قول أمير المؤمنين (ع) : ((خيرُ الأمّة بعد نبيّها أبو بَكر وعُمَر ، ولَو شئتُ لَسَمّيتُ الثّالث ، يعني نَفسَه)) ، وسَابُعُها : أنّه (ع) لمّا حَضرَتهُ الوفاة ، قالوا له : ألا تُوصِ يا أمير المؤمنين؟ فقال (ع) : لَم يُوصِ رسول الله (ص) فَأوصِي ، ولكِن إن أرادَ الله بالنّاس خيراً فسَيجَمَعُهُم على خيرِهِم كما جمَعَهُم على خيرِهِم بعد نبيّهِم)) .

أقول : وهذين القولين عن أمير المؤمنين فليسَا بمأثورَين عنهُ من طريق أهل البَيت (ع) ، لا لفظاً ولا مَعنىً ، فأمّا اللّفظ لخلوّ مَسانيدهِم منه ، وأمّا المعنى فلإجماعهم على أنّ علي بن أبي طالب (ع) أفضلُ وأخْيرُ النّاس بعد رسول الله (ص) ، وأنّ رسول الله لَم يَمُت إلاّ وهوَ موصٍ لعلّيٍ (ع) بالإمامَة ، وهذا النّقل القريب من الإمام يحيى يُنبئكَ أخي في الله عَن مدى التناقض الرّهيب الحاصِل في هذه الرّسالَة ، فالإمام المؤيد بالله (ع) قَد كانَ يَقولُ قريباً (في نفس الرّسالَة!!) : ((واعلَم أنَّ الذي نَعتَقِدُهُ ونَراهُ ، ونُحبٌّ أن نَلقَى الله عزّ وجلّ عَليه هُوَ ما عَليهِ السّلف الصّالِح مِن أكابِر أهل البَيت المُقتصدينَ منهُم والسّابقين ، أنّ أميرَ المؤمنين أفضلُ الخَلق بَعد رَسول الله (ص) ، بما خصّهُ الله بهِ مِنَ الفضائِل الظّاهرَة ، التَي لَم يَحُزْهَا أَحدٌ بَعدَه ، ولا كَانَت لأحَدٍ قَبلَه ، وأنَّ إمامَتَهُ ثابِتَةٌ بالنّص عَليهِ وعلى وَلَديه ، وأنَّ فَضْلَهُ على غَيرِهِ مِنَ الصّحابَة أظْهَرُ مِن نورِ الشّمس)) ، وهذه فَحِكايَةٌ مُجمعٌ عليها عند أهل البيت (ع) ، فكيفَ يَنقُل الإمام (ع) مِثل هَذين القَولَين عن أمير المؤمنين (ع) ، وهُو المُعترفُ بإمامَة علي النصيّة من رسول الله (ص) ، وبِأفْضَليّته على سائر الصّحابة ؟!! والله المُستعان .

نعم ! وهُنا نُضيفُ لِما سَبقَ من التّناقُضات والمُعارَضات ، فوائداً وشوارداً ، تتعلّقُ بُشبهٍ تُطرحُ دائماً ، ومنها ما قد احتوته الرسالة الوازعة ، فنقول فيها مُتّكلين على الله تعالى :

فَوائد وشَوارِد :

الفائدة الأولى : الإمام يحيى بن حمزة (ع) عِندمَا نقل قول الرّسول (ص) : ((احفَظونِي في أصحابِي فإنّ أحدَكُم لَو أنفَقَ مِلء الأرض ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحَدِهِم ولا نَصيفَه)) ، لَم يكُن يَنظُر إلى الصّحابَة إلاّ بالنّظرَة التّي تكلّمنا عَنها سابقاً ، فلَم يكُن يعتبُر كلّ مَن أُطلِقَ عليه لقبَ صحابِي داخلٌ في قُدسيّة هذا الحديث ، ولا في حُرمَة آيات الله تعالى المُشيدَة بالصّحابَة ، ولذلِكَ نجدهُ (الإمام يحيى) في المَسلكَ الرّابع مِن رِسالته ، قال : ((المَسلَك الرّابع : ما كانَ عليه أمير المؤمنين في حقّهم ويجري ذلك على طريقين : الطّريق الأوّل : مِن جِهَة الإجمال ، وما كان (ع) من المُناصَرة والمُعاضَدَة لأبي بكر في أيّام قِتالِ أهل الرّدّة وغيرها ، وما كانَ منه في أيّام عُمر مِنَ المشورَة والأخذ لنصيبِه من أموال الفيئ ، ...، وما كانَ مِن تعظيمِهِ لهُم ، وإكبارِهِم لَحالِه ، والرّجوع إليه في المسائل الدّينيّة الشّرعيّة موالاتهِ لهُم ، [وعلى العَكس][125] وسائِر أحوالِه في مُعامَلَتِه لهُم ، ولِمعاويَة ، وعمرو بن العاص ، وأبي الأعوَر ، وأبي موسى الأشعري ، فإنّه كان يُعاملُ هؤلاء باللّعن والتّبرّي منهُم)) . قُلتُ : ولم يَذكُر الأخ علي في كِتابِه تصريحَ الإمام المؤيد بالله بِلعْن أمير المؤمنين وتبرّأه من الأربعَة المذكورين ، واكتفَى بنِقلِه إلى قولِه : ((موالاتهِ لهُم)) ، وليتَ أنّه أكملَ النّقل للفائدَة ، والفائدَةُ تَكمنُ في أنّ الإمام يحيى بن حمزَة (ع) وإن كانَ ناقلاً للأثر السّابق في فضل الصّحابَة ، فإنّه وجدّهُ أمير المؤمنين علي (ع) لا يَريانِ غير الأكفّاء داخلون تحت قداسَة ذلك الأثر النبوي ، وإنّما هِيَ لمَن صاحبَ رَسول الله (ص) بِصدقٍ وعَزمٍ حال حياتِه ، وبعد ممَاتِه ، وهَذِهِ ففائدةٌ مُهداة إلى مَن يَقبَلُها ، وليتَ أنّ رجالَ الجرح والتّعديل تنبّهوا لهَا أكثرَ مِن غيرهِم .

الفائدَة الثّانية : أنّ خروجَ أمير المؤمنين (ع) لمُحاربَة أهل الردّة ، ليسَ منهُ إلاّ استشعاراً لواجبٍ مُلقىً على عاتقِه كإمامٍ شرعيٍّ للمُسلمين أوّلاً ، وكونهُ أحدُ أفرادِ المُسلمين الغَيورين على دين الله والرّسول (ص) ثانياً ، رَوى الإمام النّاصر الأطروش (ع) ، بإسناده ، عن الإمام الصّادق (ع) ، عن آبائه ، عن علي (ع) قال ، قال رسول الله (ص) : ((مَنْ أصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأمْرِ المسْلِمين ، فَليسَ مِنَ المُسلِمِين، وَمَنْ سَمِعَ مُسْلِمَاً يُنَادِي: يَا لَلْمُسلمِين، فَلَم يُجِبهُ فَليسَ مِنَ المُسلِمِين))[126] ، فَكَيفَ والإسلامُ بِكلّه يُنادِي أهلَه !! ، وهذا كلّه فسنتشعِرُ صِدقه مِن قول الإمام علي (ع) نَفسَه ، ذاكراً أسبَاب خُروجه لقتال أهل الردّة : ((فلمَّا مَضى _عَلَيْهِ السَّلَامُ_ تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ. فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ _ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ! فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلاَنٍ يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلاَمِ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ _ فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلاَمَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ))[127] ، قلتُ : وليسَ في خروجِ علي (ع) مع أبي بكر في حروبه ما يُشعرُ بَرضاهُ عن خِلافَتِه ، فَهَمّ الإمَام علي (ع) كانَ لمّ شعث المُسلمين ، لا تَفريقُهُم ، وهُو القائلُ في هذا الشأن صلوات الله عليه : ((لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي، وَوَاللهِ لَأُسْلِمَنَّ مَاسَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً، الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ))[128] ، كمَا أنّنا لا نَعترضُ على حُسن سيرةِ وعدل أبي بكر وعُمر بعد تولّيهِما ، فهُما عِندَنا قد اجتهدا في العمل بالكِتاب والسنّة ، ولسَنا نَقولُ بإصابَتِهما الدّائمَة ، ونعيبُ عليهما تولّيهما دون علي (ع) ، وحُكمَ أبي بكرٍ في فَدك .

الفائدَة الثّالثَة : أنّ استنصاحَ عُمر لعليّ ، ونصيحَة عليٍّ (ع) لِعمُر ، ليسَ فيه دليلٌ على الرّضا بِخلافَة عُمَر ، بل إنّ هذا واجبٌ للمُسلمِ على أخيه ، فالدّين النّصيحَة ، وكذلكَ استفتاء عُمر لعليٍّ (ع) ، وإجابَةُ علي على عُمر ، ليسَ فيها ما يُستدلّ به على الرّضا بخلافَة عُمر ، بل إنّه قد أُثِر أنّ مُعاويَة كان يَسأل ويستفتي الإمام علي (ع) ، وكانَ الإمام علي (ع) يُجيبُه[129] ، فهَل في هذا دليلٌ على العلاقَة الحسنَة أو الرّضا من علي بحال مُعاوية؟! .

نعم ! بهذا القَدر من الاقتِباسات أكتَفي ، لأنّ الغَرض الإشارَة لا تخصيص جميع الرّسالَة الوازعَة بالدّراسَة والبَحث[130] ، على أنّه ينبغي الإشارَة إلى أنّ ما نقَلَه المؤيد بالله (ع) من حَال سَادات أبناء الحسن والحسين ومَواقِفِهم مع الشّيخين ، وأنّه لَم يَصدُر منهُم تَكفيرٌ ولا تَفسيقٌ ولا سبٌّ ولا شتمٌ فإنّا مَعَ مضمونه ، وهُو مَذهبُنا الذي نُحبّ أن نَلقَى الله عليه ، مع ثباتِنا على القَول بخطأئهِم في التقدّم على أمير المؤمنين صلوات الله ، وهكذا كانَ أهل البيت (ع) على مَرِّ الأزمان والعُصور : قال الإمام المؤيّد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (ع) : ((لَو قِيل لِواحِدٍ مِمّن يَدّعي بزعمه كفراً أو فِسقاً في حقهم: أرِني نصّاً مِن جِهَة الأئمّة صَريحَاً أنه يتبرأ فِيه مِنَ الشّيخين؟ لَم يُمكنهُ ذَلك)) ، قُلتُ : ((ولَو قِيلَ لأحَدٍ ممّن يدّعي مُتابَعةً لأهل البَيت ، أرِني نَصّاً صَرِيحاً صَحِيحَاً على تَقديمِهِم وتفضيلِهم للمشائخ على عَلي (ع) ، أو على عدَمِ قولِهِم بإمَامَتِه ، وإمامَة ابنَيه الإمامّة النّصيّة ، لم يُمكنهُ ذلِك)) ، فالحمدُ لله الذي جَعلَ رأي الزيديّة ، رأيَ أهل البَيت ، لا غُلوٌّ فيهِم ، ولا تَفريطٌ في حقّ صحابَة سيّد المُرسلين رضوان الله عليهِم .

ثَامناً: [ الكَلام على أبي هُريرَة والرّوايَة عَنه ] :

قال الأخ علي [ص69] :

((أمّا الطّعن في أبي هُريرَة ، فَهذِه فِريَةٌ وَليدَة اليَوم ، ولَم يَقُل بِها أحدٌ من أئمّة الزيديّة ، بَل كُتُب أهل البَيت تَزخرُ بالرّوايَة عن أبي هُريرة ، .... ، وإنّما هِيَ شُبهَةٌ أوردَها المُستشرقون ، ... ، فأخذَها الرّوافض الإماميّة فرصة للطعن في الصّحابَة ، ثمّ تسرّبَت هذه الشّبهة من الإماميّة إلى بعض الزيديّة)) .

تعليق : أبو هُريرَة هُو عبدالرّحمن بن صخر الدّوسي ، أسلمَ عام خيبر في السَنة الساّبعة للهجرة، وروى كمّا هائلاً من الأحَاديث ، قيل بَلغَت (5374) حديثاً ، ولَن نُبالِغ إن قُلنا أنّهُ أكثُر الصّحابَة روايةً للحَديث ، نعم ! الزيدية تَنظُر لأبي هُريرة على أنّه رَجلٌ ذو دُعابَة حافِظٌ ومُتساهلُ فيما يُلقيهِ من الأحاديث ، وهُو المقصودُ بقول الإمام الَمنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) : ((فيهِ غَفْلَة ، ضربَهُ عُمر بالدُّرّة))[131] ، ومَن تأمّل حديث أحمد في في مُسنده ، وجدَ صِدقَ كلامِي ، فروى أحمد بن حنبل ، بإسناده : ((عن أبي هُرَيْرَةَ ، قال : قالَ رسول اللَّهِ (ص) : "إنّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ ما تَرَكَ غِنًى ، تَقُولُ امْرَأَتُكَ أطعمني وَإِلاَّ طلقني ، وَيَقُولُ خَادِمُكَ اطعمني وَإِلاَّ فبعني ، وَيَقُولُ وَلَدُكَ إلى مَنْ تَكِلُني" . قالوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هذا شيء قَالَهُ رسول اللَّهِ أَمْ هذا مِن كِيسِكَ . قَال : بَلْ هَذا مِنْ كِيسِي))[132] ، أقول : والعجيبُ أنّ أبا هُريرة يَعترفُ أنّه من كيسِه ومِن عِندِه ثمّ يَقولُ : قال رسول الله (ص) ، ولو تأمّلتَ الحديث القريب لوجدتَهُ يَقولُ : (قالَ رسول الله) ، قال ابن حَجر مُتأوّلاً لأبي هُريرَة : ((وَقَولُه : "مِنْ كِيسِي" هُو بِكَسْرِ الكَاف ، للأكثَر أي مِن حَاصِلِهِ، إشارَةً إلى أنّهُ مِنِ استِنبَاطِهِ مِمّا فَهِمَهُ مِنَ الحَدِيثَ))[133] . قُلتُ : إن كانَ هذا كذا ، فهُو من أبي هُريرَة تَهاونٌ بآليّة التّحديث عن رسول الله (ص) ، فأقلّها أنّ عليه أن يُبيِّنَ أنّ هذا مِن استنباطِه وفَهمِه بطريقَةٍ أوضحَ ، لا أنّ يَقول : قال رَسول الله بِصيغَة الجازِم ، وكثيراً من الأحاديث التي بينَنا اليوم قد تكونُ كحالِ هذه الرّواية ، أعني يَرويها أبو هُريرَة بالفَهم لا بالنّص ، وهذا مُشكِلْ . نعم ! ثمّ الظّاهر من سؤال القوم (صحابَةً كانوا أو تابعين) لأبي هُريرة هَل هُو مِن كيسِك ؟ دلالةُ على أنّهم تَعوّدوا رواياتٍ غير صَحِيحَة ، أو غير مَضبوطَة ، يُحدِّثُ بها أبو هريرَة ، ولعلّ مِن تلك الرّوايات ما جاء له ذِكرٌ مَحكِيٌّ عن النَّظّام المُعتزلي في تأويل مُختلف الحَدِيث : ((وَذَكَرَ (أي النظّام) أبَا هُريرَة ، فَقَال : أكْذَبَهُ عُمَرٌ وعثمَانٌ وعَليٌّ وعَائشَة رضوان الله عليهم ، ورَوى حديثا فِي المشي فِي الخفّ الوَاحِد فَبلَغ عَائشَة فَمَشَت فِي خُفٍّ وَاحِد وَقَالت : لأخَالِفَنَّ أبَا هُرَيرَة . وَروى أنَّ الكَلب والمرأة والحِمَار تَقْطَعُ الصّلاة ، فَقَالت عَائشة رضي الله عنها : رُبّمَا رَأيتُ رَسول الله (ص) يُصَلّي وَسَط السّرير وأنَا على السّريرِ مُعترِضَةً بِينهُ وبَينَ القِبلة . قَال : وبَلغَ عَليّا أنّ أبَا هُرَيرَة يَبتدئ بِمَيامِنه فِي الوُضوء وفِي اللّباس ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوضّأ فَبَدأ بِمَيَاسِرِه وقَال : لأُخَالِفَنَّ أبَا هُريرَة ، وكَانَ مِن قَولِه حَدّثني خَليلي ، وقَال خَليلي ، ورَأيتُ خَليلي ، فَقَال له علي : مَتَى كَان النّبي خَلِيلُكَ يَا أبا هُريرة؟! ، قَال : وقَد روى مَنْ أصْبَحَ جُنُبَاً فَلا صِيام لَهُ . فَأرْسَلَ مَروانُ فِي ذَلِك إلى عَائشةٍ ، وحفصَة يَسْألُهُمَا ؟ فَقَالَتَا : كانَ النّبي (ص) يُصبِحُ جُنباً مِن غَير احتلامٍ ثمّ يَصُوم. فَقَال للرّسول اذْهَب إلى أبي هريرة حتى تُعْلِمْهُ فَقَال أبو هرَيرة إنّمَا حَدّثنِي بِذَلِك الفَضْل بن العَبّاس فَاستُشْهِدَ مَيّتاً ، وَأوْهَمَ النّاس أنّه سَمِعَ الحديثَ مِنْ رَسول الله (ص) وَلَمْ يَسْمَعْهُ))[134] ، قلتُ : وهذا القريب مع الذي قَبلَهُ دليلٌ على أنّ أبا هُريرَة كانَ موضِعَ ريبَة فيمَا يَرويه عن رسول (ص) ، ولا أقولُ أنّه كذّاب ، ولكنّهُ يضطرّ الآخَرِ للبحث عن أصولِ روايَاته ، وكذلك كان يَنظُرُ إليه أهل عَصره من الصحّابَة ، روى مسلم ، بإسناده : ((عن أبي رَزِينٍ ، قال : خَرَجَ إِلَيْنَا أبو هُرَيْرَةَ ، فَضَرَبَ بيده على جَبْهَتِهِ ، فقال : ألا إِنَّكُمْ تَحَدَّثُونَ أَنِّي أَكْذِبُ على رسول اللَّهِ لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ ، ألا وَإِنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) يَقُول إذا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ فلا يَمْشِ في الْأُخْرَى حتى يُصْلِحَهَا))[135] ، ويقوّي هذا أنّ عُمر بن الخطاب كان يَنهى أبا هريرة وكعب الأحبار اليهودي عن التّحديث ، فمنها قولُه لأبي هُريرَة : ((لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ عَنْ رَسول الله (ص) أو لأُلْحِقَنَّكَ بِأرْضِ دَوس . وَقَالَ لِكعب : لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيث أو لأُلحِقَنَّكَ بأرضِ القِرَدة))[136] ، نعم ! وأيّاً كانَ فلستُ أذكُرُ هُنا إلاّ قُشوراً على الحقيقَة ليسَتُ تهمّني (شخصيّاً) لأنّي على يَقينٍ من أنّ الزّيدية لا تَرُدّ أحاديث أبي هُريرة مُطلقاً ، ومَن ردّها مُطلقاً فقد أخطأ ، وأقلّ الخطأ خَطَأ الاحتيَاط ، ومَنهَجُ الزيدية مع أحاديث أبي هُريرة أو غيره ، العَرض على كتاب الله تعالى ، وعلى إجماع أهل البيت ، فمَا وافقَ كان ، وما لم يُوافِق لم يَكُن ، وهذا كلامٌ قليلٌ كَافٍ شافٍ بإذن الله تعالى ، ولستُ أقصدُ مِن نَقلي القريب عن الرّيبة في شخص أبي هُريرَة إلاّ طلبَ التحرّي والتدقيق فيما وَصلنا عنه من الرّوايات ، وإيلاءها اهتماماً أكثرَ من غيرِها .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

تاسعاً : [ الكَلام على حَديث الغَدير ] :

قال الأخ علي [ص84] :

((أنّ حديث الغدير صَحيح ولكن ليسَ فيه أيّ دَلالَة على الخِلافَة ، ولا يَمُتُّ إلى الخِلافَة بأيَّ صِلَة ، فَهُوَ نصٌّ في مُوالاتِه لا في خِلافَتِه ، والمُولاة المُراد بِها في حَديث الغَدير المَحبَّة ، بدليل أنّها اقترنَت في الحَديث المُعادَاة ، فقال : ((اللهمّ والِ مَن والاه ، وعَادِ مَن عادَاه)) ، أي أحِبَّ مَن أحبَّهُ ، وعادِ مَن عادَاه ، فالمُوالاةُ ضِدّ المُعادَاة كَما قالَ تعالَى : ((َإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ))[ التحريم:04] . وغايَة ما في هذا الحَديث أنّهُ دُعاءٌ من النّبي (ص) لعليّ رضي الله عنه ، أنّ الله يُوالي مَن والاه ويُعادي مَن عَاداه ، وكانَ سَبَبُ جَمع النّبي النّاس في غَدير خُمّ ، وقَولِه هذه المَقولَة ، وهُو راجعٌ من حجّة الودَاع ، هُو أنّهُ تَكلَّم في عَلي بَعض مَن كانَ مَعَهُ في أرضِ اليَمَن ، بِسبب ما كانصدرَ منهُ إليهِم من المعدلة التي ظنّها يبعضُهُم جوراً وتضييقاً وبُخلاً ، والصّوابُ كانَ معه في ذلك ، ولِهذا لمّا تَفرَّغ (ص) من بيان المَناسِك ورجَعَ إلى المدينَة بين ذلك في أثناء الطّريق ، فخطبَ في النّاس في اليَوم الثّاني عشر من ذي الحجّة عامئذٍ ، وكانَ في يوم الأحد في مكانٍ يُقال : غدير خم – ماء في الجُحفَة بين مكة والمدينَة – فَبيَّنَ فيها أشياء ، وذكرَ مِن فَضل عليٍّ وأمانَتِه وعَدلِه وقُربِه إليه ، مَا أزاحَ ما كان في نُفوسِ كثير ممّن كانوا في اليمَن ، ففي الحَديث الذي أخرجَهُ أحمد والنّسائي ، عن بُريدة ، قال : ((غَزوتُ مع عليٍّ اليمَن ، فَرأيتُ منهُ جَفوَة ، فلمّا قَدِمتُ على رسول الله (ص) ، ذَكرتُ عليّاً فتنقّصتُه ، فَرأيتُ وجه رسول الله (ص) يتغيَّر ، فقال : ((يا بُريدَة ، ألستُ أولى بالمؤمنينَ مِن أنفُسِهِم؟)) ، قلتُ : بلى ، يارسول الله ، قال : ((مَن كُنتُ مولاه ، فعليٌّ مَولاه)) ، وكانَ رجوع عليّ مِن اليَمن حينَ خرجَ رسول الله (ص) لحجّة الوداع . هذا مضمونُ حديث الغَدير ، وليسَ فيه أنّه (ص) أوصَى إلى عليٍّ بالخِلافَة ، أو نَصبَهُ خليفَةً بعدَه في هذا اليَوم ، ولا أمرَ النّاس بمُبايعَته)) .

تعليق : الكلامُ هُنا يَنقسم أخي الفاضِل إلى عدّة أقسام :

القِسم الأوّل : عنَ مَعنى المُوالاَة في الأثَر ، هَل مُوالاةُ المحبّة ، أم مُوالاةُ الائتمَار والتصرّف، أم المُوالاة الدينيّة بالإقتداء به في أمورِ دينهِ وما ذهبَ إليهِ فيه (ع) ، وقد سبقَ وبيّناَ أنّ مَن ذهبَ إلى الموالاة الدّينيّة ، فإنّه يَجبُ عليه أن يذهبَ إلى خلافَة وإمامة علي (ع) ، لأنّ هذا كَانَ رأي أمير المؤمنين (ع) ودينُه ، بدليلِ امتناعِه عن مُصالحَة أبي بكر لمدّى ستّة أشهُر بما يصحّ عندَ المُخالِف ، وإلاّ فإنّ شواهِدَ قولِه بأحقيّته من طريقِ أهل البيت بلغَت حدّ التواتُر ، وليسَ هذا مَقامُ مُناقَشَتِها ، نعم ! استظهرَ الأخ علي على أنّ معنى الموالاة هِيَ المحبّة بَشاهِدين اثنين ، الشّاهدُ الأوّل : أنّه لَم يَقُلْهُ (ص) إلاّ لِمَا وصلَه من طريق بُريدة ومَن كانَ خرجَ مع أمير المؤمنين (ع) ، وبُريدَة كانَ قد نَعى على أمير الؤمنين أفعال تصرّف فيها بما يَبعثُ الشكّ في أنفُسهِم ، فأتَوا النّبي (ص) ، وعلى رأسهِم بُريدَة فأخْبَروهُ بِمَا صنَع علي (ع) ، فقالَ لهُم النّبي (ص) مُغضباً : ((مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه)) ، فهَل سَيستقيمُ هُنا تأويلُ الموالاة بالمحبّة ؟! القومُ يأتونَ رَسول الله (ص) ويَقول : عليٌّ فعلَ ، وفعلَ ، وفَعلَ ، فيردُّ عليهِم (ص) : بِقولهِ : ((مَن كُنتُ حَبيبَهُ فعليٌّ حبيبُه)) !! ، هَل يستقيم هذا مِنْ شَخْصِ أفْضَلِ مَنْ نطقَ بالضّاد ، أم أنَّ الذي يَستقِيم : ((مَن كنْتُ مَولاهُ المُتَصَرِّفُ فِي شُؤونِه وَفِي شُؤون المُسلمِين ، فَعَلِيّ مَولاهُ المتصرّف فيه وفِي شُؤون المُسلِمِين)) ، ولِسَان حال الرّسول (ص) يقول : يابُريدَة ألَم تَكُن لِتقبَل مِنّي هذا التصرّف لو كُنتُ مكان عليّ بن أبي طالب ، لأنّي مَوالاكَ وقائدُكَ الذي لا أمرَ لكَ مِعي ، فإن قال بُريدة : نَعم (ولن يقولَ إلاّ نَعم) ، فسيقول الرّسول (ص) : فاعتبَر حالَ عليٍّ حالِي ، ومقامَهُ مَقامِي ، مَن كُنت مولاهُ المُتصرّفُ في الأمور دونَهُ ودونَ المُسلمِين ، فعليٌّ مولاهُ المُتصرّف في الأمور دونَه ودونَ المُسلمِين . نعم ! وهذا أقصَى ما قد يُقال في موقف بُريدَة مع الرّسول (ص) ، وأمّا صَرفُهُ إلى المحبّة فهُو بَعيد . مِثالُه : لو اشتكَى الرّعيّةُ وليّ العَهد إلى الأمير ، فقالوا : يا أمير ، إنّ وليّ عهدِك تصرّف في أرض آل فُلان بالتصرّف الفُلانِي ، وجلدَ فُلان للعُذر الفُلانِي ، ونفَى فُلان للسبّب الفُلاني ، فِعندَها يغضبُ الأمير مِن كلامِهِم هذا ، فيقول : مَن كُنت حَبيبهُ ، فإنّ وليّ عَهدي حَبيبه !! ، هل هذا يستقيم ، أم أنّ قولَنا هُو المُستقيم : مَن كنُت الآمِرَ عليه ، المُنفَّذ عليه حُكمِي ، فإنّ وليّ عَهدي هُو الآمرُ عَليِه ، المُنفَّذُ عليه حُكمُه ، بِلا جِدالٍ ولا مِراء . نعم ! فإن أنتَ وَقفتَ على هذا ، وقفتَ على قوّة تأويل أهل البَيت (ع) في معنى (الوَلِي) في الحديث ، فإنّ مَعناه : مَن كُنت إمامَهُ المُتصرِّف فيه ، فإنّ علي إمامهُ المُتصرّف فيه . فإن قيلَ : وهَل لكُم مُستندٌ في كلامكم هذا إلى أهل البيَت فتُبدُوهُ لَنا . قُلنا : لسَنا وبحمد الله ومنّه ، نُصْدرُ ولا نُورِدُ إلاّ مُنتهلينَ مِن مَعِينِ ماءهِم ، ومِن سَلْسَبِيلِ فُراتِهِم ، وسنأتي على أقوالِهِم بإذن الله تعالى بَعدَ الكَلام على الشّاهد الثّاني الذي جعلَ الأخ علي يَذهبُ إلى أنّ معنى الموالاة هي المحبّة ، الشّاهدُ الثّاني : عطف الرّسول (ص) المُولاة على المُعادَاة ، وذلك في قوله (ص) : ((اللهم والِ مَن والاه ، وعَادِ مَنْ عادَه)) ، وهذا فيُخْبِرُنا أنّ المُعَادَاة ضدّ المُوَالاة، وليسَت الموالاة التي ضدّ المُعادَة إلاّ بمعنى المحبّة لا الإمَامَة وَالتّصرّف . قُلنا : ليسَ ما ذهبتُم إليه كَذَلِك ، لأنّ الرّسول (ص) يَقول في بدايَة كلامِه : ((أيّها النّاس ألستُ أولى بكم من أنفُسِكُم)) فقالوا : بلى يا رسول الله . قال (ص) : ((فمَن كُنتُ مَولاه ، فعليٌّ مَولاه ، اللهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عَاداه ، وانصُر مَن نصَرَه ، واخذُل مَنْ خَذلَه)) ، وهذا لفظٌ للخبرُ مَشتهرٌ عندَ أهل البَيت (ع) ، وله طريقٌ عندَ أهل الحَديث ، وهُنا أخي الفَاضِل ، لَزِمَكُم أن يكون معنى المُوالاة المحبّة ، والنُّصْرَة ، وعَدَم الخِِذْلان ، وقريباً ذكرنا أنّه كان أعلَمُ الصّحابَة وأقضَاهُم ، وأنّهم كانَوا يَرجعونَ إليه ولايَرجِعُ إليهِم ، نعم! فجميعُ هذه مَعطوفَة على الموالاة ، وأقلّ هذه الأمورُ (إن لَم تبلَغ عندَكُم معنى الإمامة والخِلافَة) ، أنَ تَنسبوا مُبغْضِي الإمام علي (ع) كمُعاويَة ، وعمرو بن العاص ، إلى بُغض الرّسول (ص) وكُرهُهْ ، وأن تَنسبوا طلحة والزّبير وعائشة ومَن خرجَ مَعَهُم يوم الجَمل إلى خِذلان أمير المؤمنين (ع) ، وخِذلانُهُ فِخذلانُ الرّسول (ص) ، وأن تَنسبوا أبي أموسى الأشعري أيضاً إلى خذلان أمير المؤمنين عندما خلَعَهُ في حَادِثة التّحكِيم المِشهورَة ، وأن تَنسبُوا سعد بن أبي وقّاص ، وأسَامَة بن زيد ، وابن عُمر إلى عدم نُصرة الإمام علي (ع) في حروبهِ على المارقين والنّاكثين والقاسطين ، وعدمُ نُصرتِه تُعتبرُ كعدم نُصرتِهِم لله وللرسول (ص) ، وأن تَنسبُوا أبي بكر وعُمر وعُثمان إلى خِذلان الإمام علي (ع) وعدَم نُصرَته عندمَا خالفَ عليهِم وادّعى أحقيّته بالأمر دونَهُم ، وهُو حبيبُ الله والرّسول (ص) ، وهُو الذي نُصرتُهُ مِن نُصرة الله والرّسول (ص) ، وخِذلانُهُ مِن خذلان الله والرّسول (ص) ، وهذا كلّه على شَرطِكم من أنّ المُوالاة لا تَعني الإمامَة ، بل تَعني المحبّة . نعم ! وبعدَ مُناقشَة أنّ أصلَ الأخ علي الذي ذهبَ عليه مُلزمٌ لهُ بأمورٍ ليسَ يؤمنُ بِها ، وأنّ أصلَ الموقِف هُو ما سبق وبيّناه من حديث بُريدَة ، وأنّ الموالاة هي بمعنى الأحقيّة بالتصرّف والزّعامة، ونزيدُ عليه أنّ سببَ وقوف الرّسول (ص) في يوم الغدير ليسَ ما دارَ بينَهُ وبينَ بُريدَة ، أو لغرض تبيينِ محبّة علي وفقط ، بل إنّ الله تعالى أمرَهُ بهذا الوقوف والإعلان بِخبَر وجوب موالاة علي (ع) ، وأنّه إمامُ المُسلمين لا حَبيبُهُم فقط[137] !! ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))[138] [المائدة:67] ، فَمَا هُو الأمرُ الذي أمرَ الله سبحانه وتعال رَسولَه (ص) بإبلاغِه للنّاس ، وأن لا يَخشى ردّة فِعل النّاس ، فإنّ الله سَيعصِمهُ مِنهم ؟! هَل إعلانُ مَحبّة علي (ع) ؟! أم إعلان إمامة علي (ع) بعد الرّسول (ص) ؟ ، وبهِ وبما كنتُ قد وَعدتُ به من ذِكر أقوالِ أهل البيت (ع) ، أكتفِي ، وللنّاظِرِ نَظرَهُ ، فالقَصدُ تبيين رأي الزيديّة في هذا إشارةً لا إسهاباً ، وكتُب الأصول قَد قتلَت هذه المسألَة فلتُراجَع ، على أنّ حديث الغَدير هذا وإن كان أقوى وأصحّ الدلالات على إمامتهِ (ع) ، إلاّ أنّ هُناكَ أحاديثاً وأخباراً غيرُه تُفيدُ أحقيّة أمير المؤمنين ووصيّة الرسول (ص) له ، كخبر المَنزلة[139] مثلاً ، نعم ! وهُنا سنأتي على إثباتِ رأي أهل البيت (ع) في مَعنى المُوالاة ، وهُوَ الحجّة عندَ مَن اعتبَر :

1- رَوى الإمام المؤيّد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (ع) ، بإسناده ، عن إبرَاهيم بن رجَاء الشّيباني، قال : قِيل لجعفر بن محمّد : مَا أرَادَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بِقولِه لِعَلِيٍّ يَومَ الغَدِير : ((مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاه ، اللّهمُّ وَال مَنْ وَالاه وَعَادِ مَنْ عَادَاه)) ؟ ، قَال : فَاستَوى جَعفَر بن محمّد قَاعِداً ، ثمّ قَال : سُئلَ عنها –والله- رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَقال : (( الله مَولايَ أولى بي مِن نَفسِي ، لا أمرَ لي مَعَه ، وأنَا مَولى المؤمنينَ ، أولَى بِهِم مِنْ أنْفُسِهِم ، لا أمْرَ لَهُم مَعِي ، وَمْن كُنتُ مَولاهُ أولَى بِهِ مِنْ نَفسِه لا أمْرَ لَهُ مَعِي ، فَعَليٌّ مَولاه أولَى بِه مِن نَفْسِه ، لا أمْرَ لَهُ مَعَه ))[140] .

تعليق : وهذا تصريحُ بِمعنى الوِلايَة في خبر الَغدير ، وأنّها إمامةٌ عامّة لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه .

2- روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، بإسناده ، قال : جَاءَ رَجُلٌ إلى الحسين بن عَلي فَقَال : حدّثني في عَلي بن أبي طَالب . فَقَال : وَيْحَك! وَمَا عَسَيتَ أنْ أحَدّثَكَ فِي عَليٍّ وَهُوَ أبي ؟! ، قَال : بَلْ تُحَدّثُنِي . قَال : إنّ الله تبارك وتعالى أدّبَ نَبيّه الآدَابَ كلّهَا ، فَلمّا استحْكَم الأدَب ، فوّضَ الأمْرَ إليهِ ، فَقَال : ((مَا آتَاكُم الرّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنهُ فَانتَهُوا)) ، إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أدّبَ عَلِيّاً بِتِلكَ الآدَاب ، التي أدّبهُ بِهَا . فَلمَّا اسْتَحْكَمَ الآدَابَ كُلّهَا فَوّضَ الأمْرَ إليه ، فَقَال : (( مَنْ كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاه))[141] .

تعليق : والآدابُ في الخَبر فِهيَ العُلوم وما يتفرّعُ مِنها ، والتَفويضُ الإلهي لرسول الله (ص) فَفِي التّشريع ، والقيام بأمرِ الأمّة ، وأمّا التفويض الإلهي في حقّ أمير المؤمنين (ع) فليسَ إلاّ في القيام بأمر الأمّة ، وردّ ما توهّموه على الشرّع المحمّدي ، فهُو أعلَمُهُم ، وأعلَمهُمُ أولَى بالرّجوع إليه ، واستسقَاء الشّريعة المحمّدية مِنه ، لا كمَا ذهبَ إليه غيرُنا من أنّه التّفويض المُطلَق ، كالرّزق والإحيَاء والإماتَة ، وأمثالِها ، نعم ! والشّاهد من كلام أبي عبدالله الحسين هُو إشارته إلى أنّ خبر الغدير يَعني تولية الإمام علي (ع) إمامَة الأمّة.

3- روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، بإسناده ، عن علي بن هَاشم ، عن أبيه، قال : ذُكرَ عندَ زَيدِ بن عَلي ، قَول النّبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((مَنْ كُنتُ مَولاه فَعَلِيٌّ مَولاه)) ، قِيل : مَا أرَادَ بِه ؟ قَال : إنّي سَمِعتُ زيد بن علي يقول : ((نَصَبَهُ صلّى الله عليه وآلِه وسلّم عَلَمَاً ليُعرَفَ بِهِ حِزْبُ اللهِ عِندَ الفُرْقَة))[142] .

تعليق : وهذا ما قد نُسميّة الموالاة الدّينيّة ، وقد تكلّمنا سابقاً أنّ رأي علي (ع) الدّيني في مسألة الإمامَة أنّه الأحقّ بها ، وأنّ خبرَ الغَدير جاءَ مُولّياً له على الخَلق ، وقول الإمام زيد بن علي (ع) بأنّ أمير المؤمنين علَمٌ يُعرَفُ به حِزبُ الله عندَ الفُرقَة ، دليلٌ على أنَّ هذا العَلَم كان الحقّ مَعه عندما افترقَ المُسلمون بعد السّقيفَة ، قِسمٌ مع علي بن أبي طالب (ص) ، وقسمٌ مع أبي بكر بن أبي قُحافَة ، فكانَ قسمُ علي (ع) وحِزبُهُ ، هُم حِزبُ الله تعالى وحِزبُ رَسولِه .

4- روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، بإسناده ، عن أبي جَعفَر ، قَال : لمّا أمرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أمرَ بِه ، قَال رسول الله : قَومِي حَدِيثي عَهد بالجاهليّة . إذ أتاهُ جبريل فقال : ((يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزلَ إليك من ربّك )) ، فَأخذَ رَسول الله بِيَدِ عَلي فَقال : ((مَن كُنتُ مَولاه فَعَليٌّ مَولاه ، اللهمّ وَال مَنْ وَالاه ، وَعَادِ مَن عَادَاه))[143] .

5- قالَ الإمام زَيد بن عَلي (ع) ، في تَفسير قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) : ((هَذهِ لِعليٍّ بن أبي طالب –صلوات الله عليه- خَاصّةً . ((وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) : أيْ يَمنَعُكَ مِنهُم))[144] .

6- روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، بإسناده ، عن فُضَيل بن مَرزوق ، قَال : قُلت للحسَن بن الحسَن[145] : قَال رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لِعَلي : ((مَنْ كُنتُ مَولاه كُنتَ مَولاه)) ، قَالَ : نَعَم . قُلتُ : مَا يَعْنِي بِذَلِك ؟ قَال : جَعَلَهُ الله عَلمَاً للدّين مَعْصُوماً لا يَضِلّ))[146] .

تعليق : والمَعصومُ ، الذي هُو عَلمٌ للدّين كَان رَأيُه أنّ خبر الغدير جاء في تَوليته ، وأنّهُ كان أولى النّاس بِمقام رَسول الله (ص) ، ولذلِكَ كانَ يحتجّ على النّاس بهذا الخبَر ، روى النّسائي ، بإسناده ، قال : ((حَدّثَنَا عُمَيرَة بن سَعد ، أنّهُ سَمِعَ عَليّاً وَهُوَ يَنْشُدُ فِي الرّحبَة، مَنْ سَمِعَ رَسول الله (ص) يَقًول : ((مَنْ كُنتُ مَولاه فَعَلِيٌّ مَولاه)) ، فَقَام بِضعَة عشرَ فَشَهِدوا))[147] ، أقول : وبه يستدلّ المعصوم ، الذي هُو علمٌ للدّين على أنّ رسول الله (ص) كان يُريدُ بهذا أحقيّته بالإمامة دونَ غيره من أمّة محمد بن عبدالله (ص) .

نعم ! ومنهُ عرفنَا وعرفتَ رأي أهل البيت (ع) في معنى الموالاة في خبر الغدير ، وأنّها تعَني الإمامة في حقّ أمير المؤمنين (ع) ، وتأويلُهم للآيَة وخصوصيّة علي (ع) بِها داخلةٌ ضِمناً في هذا المَعنى ، فإن ما زِلتَ مُتشكّكاً في هذا ، فاذهب إلى صغيرِهِم قبلَ كبيرهِم ، ستجدهُ قطعاً قائلاً بأفضليّة وإمامَة علي (ع) دونَ أبي بكر وعمر، فَسلهُم ما الدّليل ؟! وليسَ دليلٌ إلاّ نصّ الله والرّسول (ص) ، وتفضيلُ الله والرّسول (ص) ، وهذا منهُم ترجمةٌ لِفهمِهِم نصّ الغدير على أنّه يَعني الإمَامَة ، بإزاء أمثالِهِ مِن الأحَاديث كَخبَر المنزلة ، ونحنُ هُنا فساردونَ بعضاً من أقوالهِم في هذه المسألَة :

7- روى الشريف الحسني[148] بسنده ، أنّ أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) (158-240هـ) قال : ((أوصَى رَسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أولَى النّاس به وأفْضَلُهم عِندَ الله وعِنده ، وأعلَم النّاس مِن بَعدِه ، عَلي بن أبي طالب-صلى الله عليه-)) . وقال الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) (ت247هـ): (( الإمَامُ المفتَرَض الطّاعَة بَعد رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عَلي بن أبي طَالب -صلى الله عليه-)) [149] .

8- قال الإمام زيد بن علي (ع) ، مُثبتاً أحقيّة أمير المؤمنين بالإمامة بعد رسول الله (ص) : ((وقد بَيَّنَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتعَالَى الفَضْلَ فِي كِتَابِه ، فأفْضَلُهُم عِندَ رَسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسـلّم مَنْ فضَّلَه اللّه فِي كِتَابِه ، وَهُوَ وَصِيّه؛ لأنَّ رَسولَ اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لَمْ يَكُنْ لِيَخْتَارَ غَير الذي اختَارَهُ اللّه، فَهَلُمّوا فَلْنَنْظُرْ فِي كِتَابِ اللّه ، مَنْ أهْلُ صَفْوَتِه، وَأهْل خِيرَتِه ؟! ، ... ، فَكَانَ عَلّي صلّى اللّه عليه أحَقُّ النّاس بالله وَبِرَسُولِه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وَكَانَ إمَامَهُم بَعْدَ نَبيِّهم)) [150].

9- قال الإمام زيد بن علي (ع) ، مُتكلّماً على خَبَرِ المَنزلة : ((عَليٌّ منّي بمنزلَة هارونَ مِن مُوسى إلاّ انّه لا نبيّ بَعدي)) ، فقال (ع) : ((قَدْ شَبّهَهُ [الرّسول (ص)] بِهَارُون فِي مَنزلته، فَلا بُدّ مِنْ مَنْزِلَةٍ مَعْلُومَةٍ لَنَا دُونَ مَنْزِلَةٍ مَجْهُولَة، وَلَيسَ لِهَارون مَنَازِل مَعلومَة إلا ثّلاث: مَنْزِلَةُ الأخُوّةِ، وَمَنْزِلَةُ الشّركَة ـ أي فِي النّبوّة-، وَمَنْزِلَةُ الخِلافَة، وَالعَقْل قَد اسْتَثْنَى الأخُوّةَ بِالنّسَب، وَالنّبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قَد اسْتَثنَى النّبوّة ، فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الإمَامَة)) [151] .

10- روى الإمام المؤيّد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (ع) ، بسنده ، عن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، أنّه قال : ((قَالَ رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يوم غَدير خم : أليسَ الله يقول : ((النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم )) ، ((وأولوا الأرحَام بعضهم أولى ببعض )) ، قالوا : بلى يا رَسول الله ، فَأخَذَ بِيد علي (ع) ، فَرَفعَهَا حتى رُؤي بَياض إبطيهمَا . فَقَال : مَنْ كُنتُ مَولاه فَعَليٌّ مَولاه ، اللهّم والِ مَن وَالاه ، وعَادِ مَن عَادَاه ، وانصُر مَن نَصَرَه . فَأتَاه النّاس يهنّؤنه ، فقالوا : هَنئياً لك يا بن أبي طالب أمسيتَ مولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنَة)) [152] .

11- روى الإمام النّاطق بالحق يحيى بن الحسين (ع) ، بسنده ، عن زَيد بن علي، عن أبيه، عن آبائه ، عن علي(ع) ، قَال: ((كَانَ لِي عَشْرٌ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسَلّم، مَا أُحِبُّ أنّ لِي بِإحْدَاهُنَّ مَا طَلَعَتْ عَليهِ الشّمْس، قَالَ لِي:((يَا عَلِي ، أنْتَ أخِي فِي الدّنيَا والآخِرَة، وَأقْرَبُ الخَلائِقِ مِنّي فِي المَوقِفِ يَوم القِيامَة، مَنْزِلِي يُواجِهُ مَنْزِلَكَ فِي الجَنّة كَمَا يَتَواجَهُ مَنْزِلُ الأخَوَينِ فِي الله، وَأنْتَ الوَليّ، وَالوَزِيرُ، وَالوَصِيّ، وَالخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ والمَالِ وفِي المُسْلِمِين فِي كُلّ غَيبَة، وأنْتَ صَاحِبُ لِوَائِي فِي الدّنيَا وَالآخِرَة، وَلِيُّكَ وِلِيّي ، وَوَلِيّي وَلِيُّ الله، وَعَدُوُّكَ عَدُوّي ، وَعَدُوِّي عَدُوّ الله تَعَالى)) [153] .

12- روى الإمام زيد بن علي (ع) ، عَن أبيه، عَن جَده، عَن عَلي (ع) ، قَال: ((قَالَ لِي رَسُولُ الله صلّى الله عَليهِ وآلِه وسلّم: ((أَنْتَ أخِي ، وَوَزِيرِي ، وَخَيرُ مَنْ أخلفه بَعَدِي، بِحُبِّكَ يُعرَفُ المؤمنون، وَبِبُغْضِكَ يُعرَفُ المنَافِقُون، مَنْ أحَبَّكَ مِنْ أمّتِي فَقَد بَرِيء مِنَ النّفَاق، وَمَنْ أبْغَضَكَ لَقِي الله عَزّ وَجَلّ مُنَافِقاً)) [154] .

13- قال الشريف الحسني : قال الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) : (( أجمَعَ عُلمَاء آل رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ عَلي بن أبي طالب كَانَ أفْضَلَ النّاس بَعدَ رَسولِ الله، وأعلَمَهُم وأولاهُم بِمَقَامِه، ثمّ مِن بَعدِ أميرِ المؤمنين الحَسَن والحُسين ، أولَى النّاس بِمَقَامِ أمِيرِ المُؤمنين، ثمّ مِن بَعدِ ذَلكَ عُلمَاء آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأتقِيَائهُم، وأبرَارهم أئمة المسلمين في حلالِهِم وحَرامهم وسُنَنِ نبيّهِم، فَمَن أمَرَ مِنهُم بالمَعروف ونَهَى عَن المُنكَر، وجَبَت عَلى المُسلمينَ مُعاوَنَتُه ونُصرَتُه، وأنّ القَائِمَ مِنهُم بالمَعروفِ والجِهَاد أفضَلُ عِندَهُم مِن القَاعِد، وكُلُّ مُصيبٍ قُدوَة ))[155].

نعم ! فهَذا إجماعُ أهل بيت رسول الله (ص) على أنّ أمير المؤمنين (ع) أفضلُ الخلق ، وأحقّهم بمقام رسول الله (ص) ، وهذا فيتُرجمُ رأيَهُم في حديث الغدير.

قال الأخ علي [ص88] :

((أنّه يَستحيلُ عقلاُ وشرعاً وعُرفاً أن يكونَ الصّحابَة كلّهُم قد تواطَئوا على مُخالفَة وصيّة النّبي (ص) ، وقَد بلَغَ عددُهُم في حجّة الوداع مائة وأربعة وعشرون ألفاً ، فَيستحيلُ أن يكونوا سَكتوا كلّهم على هذهِ المُخالَفَة ، ولَم يُنكِر منهُم أحَد ، إذا كانَت هُناك وصيّة ، فقد أجمعَ الصّحابَة على أبي بكر بعد رسول الله (ص) وما كانَ لهُم أن يُجمعوا على مُخالفَة النّبي (ص) )) .

تعليق : مَسألَة الإجماع من الصّحابة رضوان الله عليهِم على خلافَة أبي بكر دَعوى غيرُ مُسلَّمَة ، وقَبل الخَوض في نقاش هذه المسألَة ، أقدّم بمُقدّمَة أقولُ فيها : أنّ صَحابَة رَسول الله (ص) يَتمايَزون ، ويتفاضَلون ، فمنهُم العُلماء ، ومنهُم مَن هُم دونَهُم ، ومنهُم العَوام ، فأمّا العُلماء الذين لا يُشقّ لهُم غُبار ، فعليٌّ صلوات الله عليه ، ومنهُم مَن هُم دونَهُ في العِلم كابن عبّاس وابن مَسعود ، وسلمان الفارسي ، وأبو أيوبٍ الأنصاري ، والمقداد ، وأبو بكر ، وعُمر ، وغيرهِم ، ومنهُم العَوام الذي يَدخُل فيهم الأعراب ، وأهل الحِرف غير المُختصّين برسول الله (ص) كاختصاص مَن قبلَهُم ، وهذا فلا يُخالِفُ عليه أحد من المُسلمين ، إلاّ أن يُقال أنّ جميع الصّحابَة كانوا عُلماء عامِلينَ مُستنبطِين !! ، وهذا ما لا يُقالُ به ، فإن أنتَ وقفتَ على هذا ، دخلنَا وإياّكَ إلى أصل مسألَة الخِلاف وهِيَ الإجمَاع ، وأبرزنا لكَ أنّ عُلماء وكِبار الصّحابَة سَبَقَاً وعِلمَاً وَفَضلاً وجِهاداً لَم يَكونوا قَائلين بخلافَة أبي بكر ابن أبي قُحافَة ، وعليٌّ (ع) أوّلهُم ، وقد تقدّمَت رواية أمّ المؤمنين عائشَة في أنّه ما صالَحَ أبا بَكر إلاّ بعد ستّة أشهر (بعد موت فاطمة الزّهراء) ، وذلكَ لأنّه كانَ يرى لهُ حقّاً في الإمامة والخلافَة استبدّ بها أبو بَكرٍ دونَه ، ولأنّ حديث الَغدير مَازَال وَقْعُهُ في آذان كَبار صحابة رسول الله (ص) ، فإنّهم حَفظوا لرسول الله (ص) وصيّتهُ في علي (ع) ، فَمَالوا إلى عَلي (ع) ولم يُبَايعُوا حتّى صالحَ أمير المؤمنين (ع) ، ومنهُم جميعُ بني هاشم[156] ، الذي منهُم العباس بن عبدالمطلب ، وحَبر الأمّة عبدالله بن العبّاس ، والفَضل بن العبّاس[157] ، وناهيكَ بِهم مِن رِجَال ، ومِن المُتخلّفين عن بيعة أبي بكر ، الزّبير بن العوام[158] ، وطلحة بن عبيدالله، وخَالد بن سَعِيد بن العَاص الأموي[159] ، والمقداد بن الأسود ، وسَلمَانُ الفَارسي[160] ، وأبو ذَرٍّ الغِفَارِي ، وعمّارُ بن يَاسِر ، والبَراء بن عَازِب[161] ، وأبيّ بن كَعب[162] ، وأبان بن سَعيد بن العاص[163] ، وهؤلاء فكانَ هَواهُم مع أمير المؤمنين (ع) ، وممّن تخلّف أيضاً من كبار الصّحابَة عن بيعة أبي بكر ، سَعد بن عُبادَة ، وغيرهم ، نعم ! فإنْ أنتَ وقفتَ على هذا وتَيقّنتَهُ عرفتَ أنّ أهل الحلّ والعقد من الصحّابَة كَانُوا غائبين عن أسَاس بَيعَة أبي بَكر ، ولكنّ أكثريّة النّاس كَانُوا مَع أبي بكر ، ولكن مَنْ هؤلاء الأكثريّة ؟! هؤلاء الأكثريّة من الصّحابَة ، لا يخَلوا حالُهُم مِن أمرَين اثنيَن ، الأمر الأوّل : أن يكونوا عُلماء . والأمر الثّاني : أن يكونوا من عامّة المُهاجرين والأنصَار . فأمّا العُلماء فَسَوادهُم مَعَ أمير المؤمنين ، ومنهُ فلم يَبقَ إلاّ العَوام من الصّحابَة ، فإن قُلتَ : فَلِمَ اتّبعُوهُم هؤلاء العَوام . قُلنا : ليسَ أبو بكرٍ ولا عُمَر بأصحاب الشأن القَليل في ذلك المُجتمَع الإسلامي ، فقد كانَا مِن وُزراء[164] الرّسول (ص) ، ومِن أصحابهِ القَريبينَ منه ، والعَوامّ فِي ذَلِكَ الزّمَان فَقد كانوا يَحفظوا لهُم منزلَتهُم ، ودخولَهُم ، وخروجهم ، وَوَجَاهَتَهُم عند الرّسول (ص) ، فَمِن هُنا كانَ عوامّ الصحابة يُحسنون الظنّ فيهِم ، ويثقونَ بهِم ، فلمّا بُويِعَ أبا بكر في السّقيفَة ، بايَعوه تِبَاعَاً[165] ، وخَبر الغدير فَلعلّهُم لم يَقفوا على صدرهِ وأطرافِه كما وقفَ عليه سلمانٌ وعمّار وبقيّة أصحاب علي (ع) ، فمِن هاهُنا كاَنت بيعَة هؤلاء الصّحابَة وهُم الكَثيرون لأبي بَكر ، فأمّا رؤوس الصّحابة وكُبرائهُم فلم يُبايعوا وهُم القلّة ، ولا استغراب فأهل العِلم في أغلب المُجتمعات قَليلون مُقارنةً بعامّة النّاس ، وليسَ كلامي هذا قَدحاً في الصّحابَة (أعني عندمَا أقولُ أنّ منهُم العَوام) ، فهي حقيقة ثابِتَة ، فمنهُم الأعراب ، والطّلقاء ، ومَن لم يتمكّن الإيمان من قلوبهِم، ولو يكن دليلُها إلاّ ردّةُ بَعضهِم ، وإقامَة المشَائخ الحُدودَ على بعضهِم[166]. نعم ! وبهذا ظهرَ لَنا ولكَ أخي في الله افتقار دَعوى الإجماع للبُرهان ، وسقوط حجّة من يحتجّ باستحالَة إجماع كُبراء الصّحابة على مُخالفة رسول الله (ص) ، وأنّ هذه الأخيرَة دَعوى عريَضة ، ليسَ عليهَا دَليل ، أكثرُ مَافيها استجلابُ العاطِفَة ، والله المُستعان .

قال الأخ علي [ص90] :

((ولَقد كانَت بيَعة أبي بَكر الصّديق فلتَة ، فتمّت كما قال الإمام المهدي في البحر الزخّار ، أي مُفاجئة . لَم تكُن بترتيبٍ مُسبَق أو مُغالطَة ، أو مُؤامرَة كما تدّعية الإماميّة الرافضَة)) .

تعليق : لعلّ الأخ علي يَذهبُ إلى أنّ معنى (الفلتَة) صِفة مَدح ، وهِيَ في الحقيقَة صفةُ ذمّ ، فالمَعنى أنّ خلافَة أبي بكر كاَنت في عُجالَة من الأمر ، بلا تَروٍّ ، ولا مُشاورَة ، وكانَت موضِع خلاف كثيرٍ مِن كُبراء الصّحابَة ، ومعَ ذلك تمَّت ، إذ أمثالُ هذه المُبايعَات التي تحصل في هذه الظّروف المُحيطَة بها ، تَفشَل ، وتُسبّب فتنةً كبيرَة ، ولكنّ الله وقَى شرّ تلكَ الفِتنَة كمَا قال عُمَر ، أمّا نَعيُكَ أخي الفاضل على الإماميّة قولَهُم بالتدبير والتخطيط المُسبَق لنيل الخِلافَة ، فإنّ الزيدية تَربأ بِهما عَن هذا ، وما زالَت تتأوّل لهُما كلّ حَسنٍ وزَينْ[167] ، وأنّهُما قامَا مُتأوِّلَين لا مُعانِدِين ، ولكنّها تَنعى على مَن مِثلِهِما في العِلم والفَضل عدم تطبيق مضمون حديث الَغدير كما فَهِمهُ وطبّقَه غيرهُم من الصّحابَة ، وكذلك القول في خبر المَنزلَة ، وإن شئتَ قُل لِعَدَم تسليمِهِم الأمر للفَاضل ، فَإمَامَة المفضول على الفَاضِلِ غيرُ صحيحَة ، وفي هذا المعنى كلّه يقول فقيه الآل الحسَن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) : ((وَلم يَعرِف أهلُ الإسلام مُؤمِناً مُهاجِراً لَهُ مِن رَسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم رَحم أولَى بهِ مِن عَلي -صلى الله عليه- ، فَكَانَت الفَريضَةُ عَلى النّاس أن يَأتوهُ ويَنقَادُوا لهُ بالطّاعَة، كَمَا قَدّمَهُ اللهُ ورَسُولُه، ويَجعَلُوهُ مَتبُوعَاً غَيرَ تَابع؛ لأنّه أقدَمهُم سِلماً ، وأكثرهم عِلمَاً، وأعظمهُم حِلمَاً، وقَد قَال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((عليٌّ أقضَاكُم)) ، فَلم يَنقَادُوا لَه بِالطّاعَة ، كَمَا أمَرَهُم الله، واستحَالَ أنْ يكونَ المَفضُولُ إمَامَاً للفَاضِل؛ لأنَّ اللهَ قَدَّمَ الفَاضِلَ بِفَضلِه، ورَسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَد قَدَّمَ مَن قَدَّمَ الله، فَمَن قَدَّمَ مَن أخَّرَ اللهُ ورسُولُه ، وأخَّرَ مَن قَدَّمَ الله ورَسولُه فَقَد خَالَفَ سُنّة الله التِي قَد خَلَت مِن قَبل ، ولَن تَجِدَ لِسُنّة الله تَبدِيلا، وقَد رُوي عَن عَليٍّ -صلى الله عليه- أنّه قَال عَلى المِنبَر: " والله لَقَد قُبِضَ رَسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنَا أولَى بِالنّاس به بقميصي هذا" ))[168] .

قال الأخ علي [ص87] :

((ومَا أحسنَ ما قالَهُ الإمام يحيى بن حمزَة رضي الله عنه في هذه المَسألة [والكلام كان في معنى الموالاة في خبر الغدير] ، وهُو مِن جهابِذَة العُلماء ، ومِن أقطاب الزيديّة ، فقد قالَ وهُو يردّ على الباطنيّة في هذه المسالة ، ... ، قال في كِتابه (مِشكاة الأنوار الهادِمَة لِقواعد الباطنيّة الأشرار) : (( فيُقالُ لَه : [*[169] ما دليلُك على إمامة أمير المؤمنين؟! فإن استدلّ بالآية ، وهو قول الله تعالى : ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة:55] ، وبقول عليه السلام: ((مَن كُنتُ مولاه عليٌّ مولاه ، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عادَاه)) ، ..، وما جرَى هذا المَجرى . قيلَ له : إن كُنتَ ممّن يقول بالتأويل الباطِن ، لم يصحّ منك الاستدلال بهذه الآيَة على إمامته (ع) ، فإذا كُنتَ ممّن يَذهبُ إلى حَمل الآيات والأخبار على تأويلات باطِنَة ، لا تَعرِفُها أصلُ اللغة ، ولا يُفيدُها ظاهرُ الخِطاب ، لزِمَكَ على هذا المَذهب أن يَجوز ورودٌ الخِطاب لإمامة أمير المؤمنين بظاهرِه ، أن يكونَ المَقصودُ به إمامَة غيره ، نحو أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية بن أبي سفيان من جِهَة الباطِن ، لأنّهُ إذا جازَ أن يُحرّمَ الله الميتة والدّم ، وتُريدُ بذلِكَ تحريم ولاية أبي بكر وعُمر معَ أنّ ذلك لا يُعرفُ له أصلٌّ صحيحٌ في اللغة ، .. ، وإن كانَ ممّن لا يَرى التأويل الباطن ولا يَعتقِدُه ، فمَا وَجهُ الاستدلال بهذِهِ الآيَة ، و الأخبار على إمامَتِه ، وليسَ في ألفاظِها ذِكرُ الإمامَة ؟ فإذا قال : إنّهُ ذَكرَ الوِلايَة ، والمُرادُ بالولايَة مِلكُ التصرّف ، وذلكَ هُو معنى الإمامَة ، كَما يُقال : هذا مَولى القَوم ، ويُراد المَلك المُتصَرّف عليهِم . قيلَ له : إنّ لَفظ الوِلايَة كمَا يَحتملُ ما ذَكرتَ ، فقَد يَحتملُ وجوهاً أخرَى ، نحو المودّة ، والنّصرة ، وغير ذلك ، فَلِمَ حَمَلتَها على ما ذَكَرتَهُ مِن مَعنى الإمامة دون غيرهِ مِن المَعاني [ثمّ توقّف الأستاذ بِنقلِه إلى هُنا ، ونحنُ نتمّ البقيّة] ، فإذا أخُذوا في الاستدلال على هَذا ، فقد دَخلَ في عِلم الكَلام ، وظَهَرَت حَاجَتهُ إليه ، وقيلَ لهُ : فيجبُ الاعترافُ بصحّة هذا العِلم ، الذي لا يُمكنُ مَعرِفَةُ صحّة الصّحيح وفسادِ الفاسِدِ إلاّ به ، ولا يتمّ ذلك إلاّ مع الاعتراف ببُطلان التأويل*.] [170]هذا مُنتهَى كلامِه بألفاظِه )) .

تعليق : لقَد وهِمَ الأخ علي على الإمام يحيى بن حمزة (ع) هُنا ، فإنّ الكلام المَنقول [ما بين العلامَتَين] هُو كلامٌ للقَاضي شمس الدّين جَعفَر بن أحمَد بن عبدالسلام ، نَقلَهُ الإمام يحيى مُسْتَظهِراً بِه ، فَخَلطَ الأستَاذ ونسبَ كلام القَاضِي للإمام يحيى صلوات الله عليه ، أيّاً كانَ فالعلاّمة جعفَر بن أحمد رضوان الله عليه هُو الآخَر مِنْ أقطابِ الزيديّة وعُيونِها ، فنتجّه لمُناقشَة ما جاء في رسالة القاضي جَعفر ، وفيه اعلَم رَحِمَك الله تعالى أنّ القاضي لَم يكُن يُريدُ بكلامهِ القريب إلاّ أن يُفْحِمَ الباطنيّة على أصولِهِم ، وقد كان ذكرَ مِثالاً على هذا ، قولَهُم بتحريم الميتة ، والدّم ، أي أنّها بمعنى أبو بكر ، وعُمر ، فأرادَ القاضي على هذا الأصل الذي ليس لهُ أصلٌ يُعمَلُ به لا في لُغةٍ ولا شرعٍ ولا عُرف ، أن يَقولَ لهُم فالرّسول (ص) ، قال : ((مَن كُنتُ مولاه ، فعليٌّ مولاه)) ، فما يُدريكُم أنّ هذا ظاهر ، وأنّ باطنَهُ ، ((مَن كُنت مولاه فأبو بكر مولاه ، أو فعُمر مولاه)) ، وهذا منه رحمهُ الله إفحامٌ مُجوَّد، ثمّ انتقلَ يُريدُ أن يُثبتَ لهُم بإفحام أنّ عِلمَ الكلام مُهمٌّ لإثبات مسائل أصوليّة وعَقليّة كثيرَة ، منها الإمامَة ، فقامَ يسألُهم عن كيفيّة استدلالهِم بِمعنى الموالاة في الخبر ، وكيفَ أنّها تعني مِلكَ التّصرف ، فاستدرجَهُم القاضي إلى أن جَعلَهُم يستخدمونَ علم الكلام لكي يُثبتوا هذا المعنى للموالاة (معنى مِلك التّصرف) ، وهذا أكثر ما قَد يُقال في هذه الرّسالة ، ولستُ أدري ما الشّاهدُ في إيرادِها ، إلاّ أن يكونَ الشّاهدُ إيهامُ القارئ أنّ الإمام يحيى بن حمزة المَوْهَوم عليه هذا النّقل من الرّسالَة ليسَ بقاطعٍ أو قائلٍ أنّ معنى الموالاة في الخَبَر هي مِلكُ التّصرف ، ولو كانَ هذا المَقصود بعدَ الذي وَقفنَا عليه مِن حقيقة الرّسالة ونِسبَتِها للقَاضي دونَ الإمام ، وأقصى مَا قَد يَترتّب عليها ، لكَان هذا أمراً غير مَحمود ، فالإمامُ ليسَ عليهِ قطعاً ، نعم ! أمّا إن كان الأستاذ من نِقله لهذه الرّسالة يريد إثبات أنّ كلمة (الموالاة) تحتملُ عدّة مَعاني ، فهذا أمرٌ مُسلّمٌ بِه ، وقد ناقشناهُ قريباً وأثبَتنا أنّ الموالاة في خَبر الغَدير تُفيدُ مِلكَ التّصرف ، والحمد لله تعالى .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

عَاشراً : [ الكَلام على حَصر الخِلافَة في البَطنَين ] :

قال الأخ علي [ص87] :

((الخِلافَة عِندَ الإمام زَيد ليسَت في البَطنين ، بَل هِيَ في جَميع قُريش : مَسألةُ الإمَامة تكون في البَطنين –أي في ذريّة الحسن والحسين- ، لا يَتمارَى فيها اثنان مِن الزّيديّة ، لكن ادّعاء الإجماع في هذه المَسألَة باطِل ، فكيفَ يكونُ إجماعاً وقَد خالَفَهُ إمام المَذهَب نفسَه ، الإمام زيد بن علي ، فقد جاء في مجمُوع الإمام زيد بن علي ، عن أبي خالد الوَاسِطي ، مَالفظُه : ((قال : سألتُ زيد بن علي (ع) عن الإمامة ، فقال : ((هِيَ في جميعِ قُريش ، ولا تَنعقِدُ الإمامة إلاّ ببيعَة المُسلمين ، فإذا بايَعَ المُسلمون ، وكانَ الإمام برّاً تقيّاً عالماً بالحلال والحرام فقَد وجَبَت طاعَتُه على المُسلمين)) [ثمّ أعزى المَصدر إلى تتمّة الروض النضير ، ص(11) ، للسيّد العبّاس بن أحمد بن إبراهيم الحسني] ، ولَقد أوردَ بعضُ المُشكِّكين شُبهةً فقالوا : إنّ هذا الحديث لا أصلَ له في مَجموع الإمام زيد بن علي ، وإنّما أدخَلَتهُ بعض المَطابِع ، أو أدخلَهُ بعض النّسّاخ في بعض النُّسَخ ، وهذا هُراءٌ لا يُلتفَت إليه ، فأنا أرويِهِ بالسّند المُتّصل عن شيخي السيّد العلاّمة محمد بن علي المنصور ، عن شيخه العلاّمة محمد بن يحيى قطران ، عن شيخِه العلاّمة العبّاس بن أحمد الحسني صاحب (تتمّة الروض النضير) ، بسندِه المُتّصل إلى الإمام زيد بن علي عليه السلام . ولا شكّ أنّ من اطّلَعَ على هذا الأمر سيُفاجأ إذ أنّ هذهِ المَسألَة محلّ إجماع بين الزّيديّة ، ولكن العَاقِلَ سيُقابِلُ هذا الأمر بالقبول والتّسليم ، فقَد ثبتَ عن الإمام زيد ، وما شَهِدنا إلاَّ بِما عَلِمنا ، وما كُنّا للغيبِ حافظين ، وما نَقلنا إلاّ ما رأيناهُ ثابتاً عن أئمّة أهل البيت ، وإنّما أنا مُجرّد ناقِل ، وما أتيتُ بشيءٍ مِن عِندي ، ولا أدري كيفَ غابَت مثلُ هذه النّصوص الصّحيحَة الوارِدَة في أصحّ كُتب أهل البيت ، ولا أُريدُ أن أُطيل البَحث في هذه المَسألَة ، فالعَبدُ يُقرعُ بالعَصا ، والحرّ تَكفيه الإشارَة)) .

تعليق : أخي الفاضِل ، التأنّي تَصْحبُه السّلامَة ، والجزمُ منكم سيّدي بهذه الطّريقَة مَزلّةٌ عَظيمَة ، قُلتَ مُتكلِّماً عن الرّوايَة اليتيمَة : ((ولا أدْري كيفَ غابَت مثلُ هذه النّصوص الصّحيحَة الوارِدَة في أصحّ كُتب أهل البيت)) ، فَهلاَّ هداكَ الله سألتَ نَفسَك هذا السّؤال ، نَشوان الحِميري ، وعز الدّين بن الحسن ، وصارمُ الدّين الوزير ، مَنْ كانَت هذه القضيّة (الإمامَة) في عهدهِم عليهَا المُناظرات والاحتجاجَات ، ولَم يتفوّهوا بهذا الخَبر ، أو يُعيروهُ اهتمام ، أليسَ لِهذا عِندكَ أيّ تَوجِيه ؟! هَل لأنّهُم أخلّوا بالنّظر في هذا المجموع فلَم يَقرَأوه ؟! أم لأنّ هذا الخبر عن زيد بن علي (ع) لَم يكُن لهُ وجود في نُسَخ المجموع التي عندَهُم ؟! إن قُلتَ بالأوّل رَدَّهُ عَليكَ أهلُ النّظَر ، وإن قُلتَ بالثّاني : كانَ عليكَ الّنظَر والتّفتيشُ فِي غَير نُسخَة شيخِكَ العلاّمة محمد بن علي المَنصور حفظهُ الله وأسعدَه ، خُصوصاً وأنتَ تعلَمُ أنّ هُناكَ مَن يُشكّكُ في أصوليَّة هذا الخبر ، وصحّة نِسبَته إلى المَجموع ، ونحنُ فَنَنْفِي أن يكونَ لهذا الخبَر أصلٌ في أصلِ المَجموع ، وليسَ هُو موجودٌ إلاّ في نُسخَة العلاّمَة العبّاس بن أحمد صَاحِبُ التتمّة ، ولعلّ هذا هُو سببُ وقوفِكَ على هذا الخبر في نُسخَة شيخِكَ الذي يُرويِها عن شيخهِ ، عن المؤلّف للتتمّة ، قال إمام الَمعقول والمَنقول ، بَهجَةُ الزّمانِ والمَكان ، مجد الدّين بن محمد المؤيّدي صلوات الله عليه: ((اعلَم أيّهَا المُطَّلِع أنَّ لَفْظَ: جَمِيع[171] . زِيَادَةٌ مَوضُوعَةٌ لاشَكَّ فِي ذَلِك وَلاشُبْهَة ، فَهِي غَير مَوجُودَة فِي شَيءٍ مِن نُسَخِ المجمُوع القَديمَةِ والحَدِيثَة ، الخَطّيّة والمطبُوعَة ، وَلا فِي شَيءٍ مِنْ شُروحِ المجمُوع، كالمنهَاجِ الجَليّ شَرح مجمُوع الإمَام زَيد بن عَلي ، للإمَام المهدي محمّد بن المطهَّر بن يحيى عَليهِم السّلام ، وَلاهيَ مَروِيّةٌ فِي أيّ كِتَابٍ مِن كُتُب الحَديث ، لا كُتُبِ أهلِ البَيت ولا كُتُبِ غَيرِهِم ، وَمَع هَذا فَهِي مُخَالِفَةٌ لِمَا عَليه آل محمّدٍ جَمِيعَاً . وَقَدَ رُوجِعَ المؤلِّفُ فِيهَا أيَّامَ وُصُولِهِ إلى صَعدَة، فَغَايَةُ مَا أفَادَ أنّهُ وَجَدَهَا فِي نُسْخَةٍ قَديمَة ، وَكَتَبَ ذَلك بِقَلَمِه فِي نُسخَتِه التي صَارَت إليَّ بِحَمدِ الله بالشِّرَاءِ مِنَ القَاضي أحمَد الوَاسِعِي ، وَصَارَت إلى وَالِدِه بِالشِّرَاء مِنَ المؤلِّف. وَمِثلُ هَذِه الوَجَادَة مَردُودَةٌ لا أصْلَ لَهَا ، وَقَد تَكَلَّمَ النّاسُ وَخَاضُوا فِي مَسْألَةِ الإمَامَة وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُتَكَلِّمٌ أصْلاً ، وَلَقَد كَانَت أعظمُ حُجّةٍ على أهلِ البَيت لَو كَانَ لَهَا أصْل يُعْلَمُ))[172] ، قُلتُ : وهذا فظاهرٌ وَجههُ بإذن الله تعالى ، وليسَ بعدَهُ يَحتجُّ مُحتجٌّ بهذه الرّواية اليتيمَة في جميع نُسَخ المجموع ، وزيادةً في التّوثيقِ والاطمئنَان لِمَن قَد يَجْرَحُ نفسَهُ بِجَرحِ أوتَكذِيبِ الإمام المؤيدي (ع) ، نذكُرُ شهادَةً أخرى شَهِدَ بها الدّكتور - بجامعة أم درمَان السّودانية - علي محمّد الأشموري أسعدَهُ الله تعالى ، فقالَ في كتابِه (الآراء الفِقهيّة للإمام زيد بن علي) مُتحدّثاً عن هذا الخَبر الَمنحول على الإمام زيد بن علي (ع) : ((روى العلاّمَة عبّاس بن أحمد بن إبراهيم في تتمّته للروض النضير ، أنّ الإمام زيداً قال عن الإمامَة : ((هِيَ في جميعِ قُريش ، ولا تَنعقِدُ الإمامة إلاّ ببيعَة المُسلمين ، فإذا بايَعَ المُسلمون ، وكانَ الإمام برّاً تقيّاً عالماً بالحلال والحرام فقَد وجَبَت طاعَتُه على المُسلمين)) ، ومِن خلال هذا الرّأي يُوافِقُ الإمام زَيد الجُمهور ، بِجعل محلّ الخِلافَة في قُريش ، (تأمّل) وعِندَ الرّجوع إلى الكُتُبِ المَطبوعَة لمُسند الإمام زيد ، لَم أجِد هذا الرّأي مُطلقاً ، ولِهذا رأيتُ أنّي مُلزمٌ بالرّجوع إلى الأصول من المَخطوطَات للتّأكّد مِن ثبوتِ هذا القَول ، فاتَّجَهتُ إلى الجِهَة المُختصّة لِحفظِ المخطُوطَات ، وهي مَكتبَة الجامِع الكَبير بِصنعاء التّابِعَة لوزارَة الأوقاف ، وبَحَثْتُ في أربَع عَشرة مَخطوطَة ، وهِيَ النُّسَخ المُتوفِّرَة بالمَكتبَة ، وتَمَّ فَحْصُهَا فَحصَ الصَّيرَفِيِّ للذَّهَب ، ولَم أجِد ذلِكَ القَول!! . إضافَةً إلى مَخطُوطَتَين في مَكتباتٍ خاصّة ، عِندَ ذلكَ ذَهبتُ إلى أولادِ المُؤلِّف طَلَبتُ منهُم الاطّلاع على الأصل التي نَقَل منها المُؤلِّف ، وبَقيتُ أتردَّدُ عليهِم لِفَترَةٍ زمنيّةٍ طَويلَة دونَ تَجاوُب ، بحجّة أنّهُم لا يَعرفُونَ مصيرَ النّسخة التي نَقلَ منهَا والِدُهُم ، ثمّ اتّجَهتُ إلى العُلماء أستَبينُ منهُم ، فتردَّدتُ على كثيرٍ منهُم ، كانَ آخرُهُم القاضي العلاّمَة محمد الجرافي رئيس الإفتاء في الدّيار اليَمنيّة المحروسَة بالكتاب والسنّة ، لِكونِهِ على صِلَةٍ بالمؤلِّف ، فأفَادَني أنّهُ لا عِلمَ لهُ بِها . وكانَ قَد جَرى حِوارٌ حولَ هذا الرّأي بينَ حياةِ المؤلِّف والعلاّمَة مُفتي الدّيار اليَمنيّة سابقاً مجد الدين المؤيّدي –مَدَّ الله في عُمُرِه- أفادَ المُؤلِّفُ أنّهُ وَجده في مَخطوطَة يَملِكُها . إلاَّ أنَّ هذا الرّأي لو كانَ لهُ وجودٌ فِعلاً ، لَمَا خَفِيَ على كَثيرٍ مِمَّن كَتَبَ وألَّف ، وخاصَّة المُجتهِدين ممّن شَاعَ ذِكرُهم كالمؤيّد بالله ، والإمام يحيى بن حَمزَة ، والمُرتضى ، وابن الوَزير ، والجَلال ، وابن الأمير ، والشّوكاني ، وغيرهم ، حيث أنّ هذا المَوضوع كانَ ساخِناً في أزمِنَتِهِم))[173] . نعم ! فإن أنتَ وقَفت أخي في الله على وَجه الصّواب في المَسألَة ، ناقَشنا وإيّاكَ جانِب الإجمَاع من أهل البَيت (ع) على مَسألَة حَصر الخِلافَة في البطّنين ، فَمِمّا أُثِرَ عن سادات الصّيام والقِيَام ، ثِقلُ الله الأصغر في الأرض :

1- قال الشريف الحسني : قال الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (في كَلامٍ طَويلٍ ، نَختَصِرُه هُنا) : (( ... ثم بيَّنَ الله لنَا أنَّ الإمَامَةَ فِي أهلِ بَيتِ الصّفَوة والطّهَارَة مِن ذُريّة إبرَاهيم ، فَقال: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ .... وقال سبحانه: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا))، وهَذِهِ الآيَة لأهِل بَيتِ رَسولِ الله صلّى الله عَليه وآله وسلّم خَاصّة، فالظَالِم لِنَفسِه : الذي يَقتَرِفُ مِنَ الذّنُوبِ مَا يَقتَرِفُ النّاس، والمُقتَصِد : الرّجُلُ الصّالِح الذي يَعبُدُ اللهَ فِي مَنزِلِه، والسّابِقُ بالخَيرَات : الشّاهِرُ سَيفَهُ، الدّاعِي إلى سَبيلِ رَبّه بِالحِكمَة والمَوعِظَة الحَسَنَة، الآمِرُ بالمَعروفِ والنّاهِي عَن المُنكَر، ، ..... ، فَلا تَصلُحُ الإمَامَةُ إلاَّ فِي أهلِ بَيتِ الصّفوَة والطّهَارَة مِن ذُريّة إبرَاهيم، وذُريّة مُحمّد -صلى الله عليهما- ومِنَ الشّجَرة التِي خَلقَ الله مِنهَا إبراهيم ومحمداً -صلى الله عليهما- لأنَّ الله يقول: ((ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))[174] .

2- قال الإمام زيد بن علي (ع) ، مُثبتاً لأفْضَليّة أهل البيت – بني فاطمة - (ع) على سائر البيوت ، وأنّهُم قادَة النّاس – أئمتهُم - إلى يوم القيامة ، فقال (ع) ما نصّه : (( فَعَرفنَا أنّ الفَضلَ والخِيْرة لأهلِ هَذَا البَيت، الذي فضَّله اللّه عَلى جميعِ البيوت، لأنّهُم جَمَعُـوا السَّبْق والتَّطهير، فَينبَغِي أنْ يَكونَ رَسُول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خَيرُهُم، لأنّه خَيرُ النّاس، وأفْضَلُهم عِندَ اللّه، ويَنبَغِي أنْ يَكونوا قَادَةَ النّاسِ إلى يَومِ القِيامَـة؛ لأن اللّه عز وجلّ يقـول: ((أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) [175] .

3- قال الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، مُثبتاً إمامة بني فاطمة (ع) واستحقاقهم إيّاها بعد اشتهاد أبي عبدالله الحسين السبط (ع) ، بما نصّه: ((فإن قالوا: فَمَنْ أولَى النّاس بَعدَ الحسين؟ فقولوا: آل محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أولادُهما أفْضَلُهُم ، أعْلَمُهُم بالدِّين، الدَّاعي إلى كِتابِ اللّه، الشَّاهِر سَيفَه فِي سَبيل اللّه. فإن لم يَدْعُ منهُم دَاعٍ. فَهُم أئمَّةٌ للمُسلمِين فِي أمْرِهِم وحَلالِهِم وحَرَامِهم، أبَرَارُهُم وأتقِياؤهُم)) [176] .

4- روى الحاكِم الحسكَانِي الحنفي في كِتابه شَواهد التنزيل ، ما يَشهَدُ لترابط أقوال وعقائد بني الحسن والحسين من المُتقدّمين والمُتأخرين ، فيروي الحسكاني بسنده : ((عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين (ع) ، قَال : إنّي لَجَالِس عِندَهُ ، إذ جَاءَه رَجُلان مِن أهل العِراق ، فقالا : يا ابنَ رسول الله ، جِئنَاكَ كَي تُخبِرَنَا عَن آياتٍ مِنَ القرآن . فَقَال : وَمَا هِيَ ؟ قَالا : قَول الله تعالى : ((ثمّ أورَثنا الكتاب الذين اصطَفينا)) ، فَقال (ع) : يَا [و] أهلَ العِراق أيش يقولون ؟ قَالا : يقولون : إنّها نَزَلَت في أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فَقال : علي بن الحسين : أمّة محمّد كلّهم إذا في الجنة ! ! قّال : فَقلتُ مِنْ بَين القَوم : يَا ابن رسول الله فِيمَن نَزَلَت ؟ فَقَال : نَزَلت والله فِينَا أهل البَيت ثَلاث مَرّات . قُلتُ : أخبِرنَا مَنْ فِيكُم الظّالِمُ لِنَفسِه ؟ قَال: الذي استوَت حَسَنَاتُه و سَيئاتُه و هو في الجنّة ، فَقلتُ : و المُقتصد ؟ قال: العابِد لله في بيته حتى يأتيه اليَقين ، فَقلت : السّابق بالخيرَات ؟ قَال : مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَدَعَا إلى سَبيلِ ربّه)) [177] .

5- قال الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، مُحدَّدَاً طَريقَة تعيين الإمَام فيمَن لَم يثبُت عليهِم نصّ ، (أي أنّه يخصّ بني فاطمة بعد الحسين (ع) ) : ((أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ (تأمّل) حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ)) [178]، هذا ولَم يكُن الإمام علي (ع) يَرى وُلاة الأمّة ، الصّالحين للإمامة إلاَّ في بطن بني فاطِمَة ، فقال (ع) : ((إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ)) [179] ، وكذلكَ قال الإمام زيد بن علي (ع) : ((الإمَامَةُ والشّورَى لا تَصلُح إلاّ فينَا)) [180].

نعم ! وبِهذا تختم الكلام في مسألة حَصر الإمامَة في البَطنين ، ولا شكّ أن رأيَ أهل البيت (ع) ، قد اتّضحَ فيها أيّما وُضوح ، وأنّ أصلَ الشبّهة بِفَضل الله تعالى قد انزاحَ وذَهَب .

الحادِي عشَر : [ عَداوَة الشّيعَة لأهل البَيت ] :

قال الأخ علي [ص93-105] :

((إنّ النّاظِرَ إلى تاريخ الشّيعَة الرّافِضة ، الذين يدَّعون محبّة أهل البيت يجدُ أنّ تاريخَهُم مليءٌ بالغَدر والخيانَة ، ولَقد ذاقَ الإمام علي (ع) وأهل بيته منهُم الأمَرَّين ، وعَانَى منهُم أشدّ العَناء ، فقَد كانَت حيَاتُهُم سِلسِلَةٌ مِن الغَدرِ والخِيانَة لأهل البَيت ، ولَقد صدقَ عليهِمُ المَثَل الذي تَقولُهُ النّاس (يَقتُل القَتيل ، ثم يَمشي في جَنازَتِه ، وينُوحُ عَليه) ، وإليكَ المشاهِد التّاريخيّة الشّاهِدَة على كَذِبِهِم وضلالِهِم وحِقدهِم وعَدائهِم وغَدرِهِم وخيانَتِهِم لأهل البيت ابتداءً من الإمام علي (ع) [ثمّ قام المؤلّف استعراض تاريخ خِذلان الشّيعَة الرّافضّة هؤلاء للإمام علي ، وللإمام الحسن ، وللإمام الحسين ، وللإمام زيد ، ثمّ غدرهم بسائر المسلمين ومُعاونتهم لأعداء الدّين]))

تعليق : قد تكلّم المؤلّف وأسهَب ، وأبرزَ نماذِج سيّئة من شيعة أهل البيت الخاذلين لأئمّتهم المُنضوينَ تحتَهُم بإعطائهِم المواثيق والبَيعات ، ونحنُ فَننعَى هذا الغَدر كَما يَنعاهُ المؤلّف ، ولا نَرضاهُ كما لا يَرتضِيه ، وقد رأيتُه في [ص97] يَتناولُ مَن غدرَ بإمِامنا الحسَن بِما يستحقّ ، ونحنُ نَتناولُ كلّ مَن خذل أهل البيت (ع) بِما يستحقّون إلى يوم الدّين ، ونَتناولُ كلّ مَن حَاربَ أهل البيت (ع) بِما يستحقّونَ إلى يَومِ الدّين ، فليسَ خَاذِلُ سيّد سباب أهل الجنّة الحسَن (ع) بِأعظم ذَنباً عندَ الله مِن قَاتِلِه ، وليسَ خاذلُ ريحانة رسول الله الحسين السّبط بأعظم ذنبٍ مِن قاتلِه ، وليسَ خاذلُ شهيد أهل بيت رسول الله زيد بن علي بأعظم ذنبٍ مِن قاتلِه . نعم ! ولَستُ هُنا بمُسهِبٍ في الكلام ، خصوصاً وأنّ أكثر الكَلام كانَ مُتوجّهاً إلى أصحابِ ضرب الرؤوس والأجساد بالسّلاسل والسّيوف –على حدّ قول المؤلّف (ص103)- ، وليسَ هذا مِن فِعل الزّيود ولله الحمد والمنّة .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

هُنا بدأَ الأخ علي أحسن الله إليه يتكلّم عن مَسائل فِقهيّة فَرعيّة ، لَن نُعرِّجَ فيها إلاَّ على المسَائل الخِلافيّة البَارِزَة ، وذَلِكَ احْتِرَاماً منّا للاختِلاف ، فمن تلك المسائل .

الثّاني عشَر : [ الكَلام على المَسْح على الخُفَّين عند أهل البَيت] :

قال الأخ علي [ص112] :

((أمّا المَسح على الخُفَّين ، فإنّه مَذهب الإمام علي (ع) كمَا ذكرَ عنهُ الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى ، فقد جاء في البَحر الزّخّار ، الجزء الأوّل : ((قال (مسألة) ، وقال عليه (ع) ، وابن مسعود ، وابن عبّاس ، وابن أبي وقّاص ، والفريقين ، وكثير ، يُجزئُ مَسحُ الخُفَّين عن غَسل الرّجلين ، فعُمر وابنُه وعائشة ، واللّيث بن سعد ، أطلَقوا ، والإمام علي ، وابن مَسعود ، وابن عبّاس ، وعطاء ، والأوزاعي ، والثّوري ، وشُريح ، والفريقين ، وقّتوا باليوم والليلَة في الحضَر ، والثّلاث في السّفر)) اهـ ، وقال الإمام الشّوكاني في نيل الأوطار : ((والعقَبَة الكَئود في هذا المسألة ، نِسبَة القَول بِعدَم إجزاء المَسح على الخفّين إلى جميع العِترَة المُطهّرَة ، كمَا فَعلَه الإمام المهدي في البَحر ، ولكنّه يَهون الخَطب بأنَّ إمامَهُم وسيِّدَهُم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مِنَ القائلين بالمسحِ على الخفّين ، كمَا ذكرَهُ عنهُ المَهدي ، وأيضاً هُو إجماعٌ ظنّي وقد صارَ جماعَة من الأئمّة منهُم الإمام يحيى بن حمزَة بأنّها تَجوزُ مُخالَفَتُه)) اهـ ، نعم ، قد قالَ الإمام يَحيى بن حمزة في كتابهِ الانتصار المجلّد الأوّل : ((أنّ إجمَاع أهل البَيت حقّ ، وصوابٌّ لِظاهِر الآيَة[181] ، والخبَر[182] ، لا يُفسِّقُ مَن خَالَفَه فيجوزُ مُخالَفَتُه ، ثمّ قال : والأقرب دلالته ظنّية))اهـ )).

تعليق : ما نُقِلَ أعلاه ليسَ فيه حجّة على الزّيديّة ، لأنّ القارئ قد يتوهّم أنّ الإمام أحمد بن يحيى المُرتضى (ع) يُثبُت المَسح عن عليٍّ (ع) ، وقد يتوهّم أنّ الإمام يحيى بن حمزَة كانَ يتكلّم عن مَسألَة مَسخ الخفّين رأسَاً ، وهذا وَهم سننبّه علي بقولِنا : اعلَم أنّ الإمام أحمد بن يحيى عندما نَقلَ عن عليّ (ع) القول بالمَسْح لَم يكُن مُصحّحاً لِنقلِه هذا عنه ، بلْ كان ناقلاً له على لِسان أهلِ الحديث والفُقهاء ، وأنّهم كانوا يَرونَ في عليّ (ع) الرّجل القائل بالمسْح ، وقَد بيّن الإمام المرتضى (ع) هذا بقوله : ((وقَد نَقلَ كثيرٌ منهُم عن عليٍّ كَقولِهِم))[183] ، يعني في جواز المَسح ، ثمّ ردّ الإمام أحمد ما نَقلوهُ عن علي (ع) ، بقوله : ((قُلنَا : رِوايَةُ الأولاد أرجَح لاختصَاصِهِم))[184] ، أي أنّ رِوايَة أهل البيت (ع) (أولاد الإمام علي (ع) ) أرجَح مِن روايَة غيرِهم ، ثمّ قال المرتضى (ع) مُتأوّلاً روايات أهل الحديث عن علي (ع) ، بقوله : ((ولعلَّ مَا رَوَوهُ قبلَ المائدَة)) [185] ، أي قبلَ أن يُنسَخ المَسحُ على الخُفّين بآيَة المائدَة . فإن وقفَت على هذا ، وقَفَت على أنّه لا يَصحّ أن يَستظهِر الأخ عَلي بِنقلِ الإمَام المرتضى في البَحر ، وذلك لأنّ الإمام إنّما كانَ يحكي قولاً رواه أهل الحديث عن علي (ع) ، ثمّ ما لَبِث إلاّ وأنْ أسقَطَه ، ومنهُ فليسَ هذا بمُحتّجٍّ ولا مُستمسَكٍ عن علي (ع) يقول بالمسح علي بن أبي طالِب ، كمَا اكتفَى به الشّوكاني بِقولِه : ((ولكنّه يَهون الخَطب بأنَّ إمامَهُم وسيِّدَهُم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مِنَ القائلين بالمسحِ على الخفّين)) ، وهذا فلا يصحُّ عَن أمير المؤمِنين (ع) ، بَل قَد روى أهل الحديث عن علي (ع) ما يُثبتُ قول الزّيدية مِن عَدم قولِه بالمَسح ، فهذا ابن أبي شيبَة يروي بإسنادِه ، عن جعفر الصّادق (ع) ، عن أبيه الباقر ، عن عليّ (ع) : ((سَبَقَ الكتابُ الخُفّين))[186] ، أي أنّ المَسح على الخُفّين نُسِخَ بالكتَاب ، إن قيلَ : هَذا مُرسَلٌ مِنَ البَاقِر ، فليسَ يُؤخَذُ به . قُلنا : إرسالُ الثّقات يُؤخَذ به ، وناهيكَ بأبي جَعفر مِن ثِقَة ، سلّمنَا ، ولكنّه مُسندٌ مِن طريق زيد بن علي (ع) ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي (ع) ، أنّه قال : ((سَبَقَ الكتاب الخُفّين))[187] ، سلّمنَا ، فلهُ شاهِدٌ مِن طَريقِ ابن عبّاس ، فقد روى ابن أبي شيبة ، بإسناده ، عن ابن عبّاس ، قال : ((سَبَقَ الكتابُ الخُفّين)) ، سلّمنَا ، فكان مِن أكابِرُ صحابَة رسول الله (ص) من لا يَقولونَ بِه ، روى ابن أبي شَيبَة ، بإسنادٍ صحيح[188] ، عن عائشة أمّ المؤمنين ، أنّها قالَت : ((لأَنْ أُخْرِجَهُمَا بِالسَّكَاكِينِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَيْهِمَا))[189] ، سلّمنا ، فقَد رُوي عن ابن عبّاس رضوان الله عليه التّشنيعُ في هذا ، فَقد روى ابن أبي شيبة ، بإسنادٍ صحيح[190] ، عن ابن عبّاس ، أنّه قال : ((مَا أُبَالِي مَسَحْت على الْخُفَّيْنِ ، أو مَسَحْت على ظَهْرِ بُخْتِي (جَمَلِي) هذا)) [191] ، سلّمنَا ، فقد رُوي عن أبي هُريرَة أيضاً التّشنيعُ على الَمسحِ على الخفّين ، روى ابن أبي شيبة ، بإسنادٍ يُحتجُّ به ، وإن شئتَ قُل بإسنادٍ صَحِيح[192] ، عن أبي هُريرَة ، أنّه قال : ((ما أُبَالِي على ظَهْرِ خُفِّي مَسَحْتُ أو على ظَهْرِ حِمَارِي)) [193] ، سلّمنا ، فإنّه رُوي عن ابن عبّاس في نَسخ المَسْح ، ما يَدخلُ تحتَهُ ابن عُمر ضِمناً ، رَوى البيهقي ، بإسنادٍ يُحتجّ به ، عن مَقسم بن بجرة أنَّ ابن عَبّاس أخْبَرَهُ ، قَال : ((كُنتُ أنَا عِندَ عُمَر ، حِينَ سَألَهُ سَعدٌ وابن عُمَر ، عن المَسح على الخُفَّين ، فَقَضَى لِسَعْد ، قَال : فَقُلتُ لِسَعدٍ : قَدْ عَلِمْنَا أنَّ رَسُول الله (ص) مَسَحَ على خُفَّيهِ ، وَلكِن أقَبْلَ المَائِدَةِ أمْ بَعدَهَا ؟! ، لا يُخْبِرُكَ أحَدٌ أنَّ رَسُولَ الله (ص) مَسَحَ بَعَدَ المَائِدَة ، فَسَكَتَ عُمَر))[194] ، سلّمنَا أنّ هذا كلّه لا يَقبلُهُ إنصافُ المُخالِف ، فإنّ أهل البيت (ع) مُجمعُون على عدم سُنيّة المَسح على الخُفّين ، وأنّها مَنسوخَةٌ بقول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ))[ المائدة: 06] ، فإن قيلَ: إجماعُ أهل البَيت ظنّي كَمَا أفادَ الإمام يحيى بن حمزَة في الانتصار . قُلنا : ليسَ يُريدُ الإمام يحيى صلوات الله عليه بِقولِه ظنّي إلاّ في المَسائل الاجتهاديّة التي أُثِرَ فيها أقوالٌ كثيرَة مُتخالِفَة يَصعُبُ مِن خلالِها التّرجيح ، فَمَا ثبتَ لأهل البَيت (ع) إجماعٌ فِيه مِن نَظائرِ هَذه المَسائل ، فإنّه لا يُفسَّق المُخالفونَ لإجماعِهِم (ع) ، لكثرَة الأخْبَار . قلتُ : هذه مِن الإمام (ع) احترامٌ للاختِلاف ، وأقلّهُ أن يُخَطّأَ المُخالِفُ لإجماع أهل البيت (ع) مَتى ثبَت ، على أنّ خَطأ المُخالِف قَطْعاً سيكونُ مُخالِفاً للكتاب لمجرّد مُخالفَته إجماع أهل البيت (ع) ، والأصول أمرُهُا أشدّ مِن الفُروع ، نعم ! أيّا كانَ قول الإمام يحيى ومَفهومُهُ لمُخالفَة إجماع أهل البَيت (ع) ، فإنّ الذي نحنُ منهُ على يَقين ، هُو قولُ إمامنا زَيد بن علي (ع) : ((فَاختِلافُنَا – أهل البيت - لكُم رَحمة، فإذَا نَحنُ أجْمَعنَا عَلى أمرٍ لم يَكُن للنّاس أن يَعْدوه)) [195] ، ونحنُ هُنا فسَاردونَ إجماع أهل البَيت (ع) في نَسخ وعَدَم سُنيّة المَسح على الخُفّين ، والرّسول (ص) ، فيقول : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لَن تضلّوا من بعدي أبداً ، كتاب الله وَعِترَتِي أهل بَيتي ، إنّ اللطِيفَ الخبيرَ نبّأني أنّهمَا لَن يَفْتَرقَا حتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) :

[ ما أُثِر عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) ]

1- رَوى الإمام زيد بن علي (ع) ، عن آبائه ، عن علي (ع) ، أنّه قال : ((سَبَقَ الكِتابُ الخُفَّين)) [196] .

2- روى الإمام زيد بن علي (ع) ، عن آبائه ، عن علي (ع) ، أنّه قال : ((إنّ رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَسَحَ قَبلَ نُزولِ المَائدَة، فَلمَّا نَزَلَت آيَةُ المَائدَة لَم يمْسَح بَعدَهَا)) [197].

[ ما أُثِر عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ]

3- روى الإمام زيد بن علي (ع) ، عن أبيه ، عن جدّه الحسين بن علي ، أنّه قال : ((إنّا وَلَدُ فَاطِمَة لا نَمْسَحُ على الخُفَّين ، ولا عِمَامَة، ولا كمه، ولا خِمارٍ، ولا جِهَازٍ)) [198] .

[ ما أُثِر عن الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ]

4- روى الشّريف الحسني ، بإسناده ، عن نصر البَارِقي ، قَال: ((سَألتُ زَيد بن علي عن المَسحِ على الخفّين . قَال (ع) : نَحْنُ أهل البَيت لا نَمْسَح ، وكَانَ أبونَا لا يَمْسَح ، ومَا رَأيتُ أحَداً مِنْ أهلِ بَيتي يَمْسَحُ على خُفٍّ قَطّ . وَسألتُه عن الجِرِّي؟! فَقال: نَحنُ أهل البَيت نعَافُه))[199] .

5- قال أبو خالد : ((وَسَألتُ زَيد بن عليّ (ع) عَن الصَّلاةِ خَلفَ مَنْ لا يَجْهَر؟ فَقَال (ع) : جَائزٌ. فَقلتُ: فَالصَّلاةُ خَلْفَ مَنْ قَدْ مَسَح؟ فَقَال: لا تُجْزِيكَ . قُلتُ : فَإنْ صَلَّيتُ خَلْفَهُ وَقَد تَطَهَّر وَغَسَل رِجْليه؟ فَقَال: تُجْزِيك . قُلتُ : فَإن كَانَ مِمّن يَرى المسْحَ ولا أدْرِي أمَسَحَ أمْ غَسَلَ رِجْليه؟ فَقَال : لا أحِبُّ الصّلاة خَلْفَه))[200] .

تعليق : الإمام زيد (ع) كانَ ينظُر إلى مَن يمسَحُ على خُفّيه ، نَظرَة الرّجل غير المُتوضّأ، لأنّه الرّجل من أعضاء الوَضوء ، ومَن مَسحَ فلَم يَغسِل ، ومَن لَم يَغسِل فلم يتوضّأ ، والرّسول (ص) ، فيقول : ((لا صَلاةَ لِمَنْ لا وُضُوءَ لَه))[201] ، وأمّا الجَهر فإنّ الشّخص قد يَجهرُ لنفسِهِ بِها ، ولمزيد بيانٍ في هذا تأمّل كلام الإمام الهادي (ع) الآتي .

[ ما أُثِر عن الإمام محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، والحسن بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، و الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ]

6- روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، بإسناده : (قال : حَدّثنا أبو الطّاهر أحمَد بن عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عُمَر بن علي بن أبي طالب ، قال: حَدَّثنَا الحسَن بن علي ، وحُسَين بن زيد ، ومحمّد بن جعفر ، قَالوا: ((أجْمَعَ وَلَدُ فَاطِمَة على الجَهْرِ بِبسمِ الله الرّحمَنِ الرّحيم ، وعلى تَرْكِ المسْحِ ، وعلى الغُسل [أي غُسل القدمين]، ، وعلى أنَّ التّكبير خَمْس ، وعلى القُنوتِ بعدَ الرّكوع))[202] .

[ ما أُثِر عن الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ]

7- قال الشّريف الحسني : قال القَاسم بن إبراهيم : ((أجْمَع آل رسول اللَّه صَلَّى الله عَلَيْه وَآله وسَلَّم على تَركِ المَسح على الخُفَّين))[203] .

[ ما أُثِر عن فقيه الآل الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ]

8- قال الشريف الحسني : قال الحسن بن يحيى : ((أجْمَع آل رسول اللَّه صَلَّى الله عَلَيْه وَآله وسَلَّم على غَسل القَدَمَين ، وعلى النّهي عن المَسح على الخفّين ، وعلى النّهي عن المَسح على القَدَمَين، والخِمَار، والعِمَامَة ، والكمة ، وأ‎نّ ذلك كله لا يجزي المُتطهِّر عِندَهُم مِنَ الرّجَال والنّساء))[204] .

[ ما أُثِر عن الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ]

9- قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) : ((بَابُ القَولِ فِي المَسحِ على الخُفَّين والشِّرَاكَين والرِّجْلَينِ والخِمَارِ والعِمَامَةِ والقُلُنْسُوَة : قَال يحيى بن الحُسَين صَلوات الله عليه: أجْمَعَ آلُ رَسُول الله صلى الله عليه وآله ، أنّهُ لا مَسْحَ على شَيءٍ مِنْ ذَلِك ، وأنَّ مَنْ مَسَحَ عَلى شَيءٍ مِنْ ذَلِك فَلَم يَتَوضّأ ، وأنَّه لا صَلاةَ إلاَّ بِوضُوء ، فَأمَّا مَا يَقُول بِه الرّوافِضُ مِنَ المَسْحِ عَلى الرِّجْلَين فَهذا بَاطِلٌ مُحَال ، فَاسِدٌ مِنَ المَقَال ، وإنّمَا حَرَّمَ المَسْحَ على الخُفِّ والقَدَم والنّعل لِقول الله سُبَحانَه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ))، فَقاَل : وَأرْجُلَكُم نَصْبَاً رَدَّا عَلى غَسْلِ الوَجه . حَدَّثنِي أبي ، عن أبيه ، أنّهُ قَال : ((لَمْ أرَ أحَداً مِنْ آلِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله يَشُكُّ فِي أنَّ قِرَاءَةَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله، وعَليّ بن أبي طَالب رَحمَة الله عليه، وجَمِيع آلِهمَا، وَجَميعُ المهَاجِرِينَ مِنْ بَعدِهِمَا، وأرْجُلَكُم بِالنّصب يَردّونَهَا بِالواو نَسقَاً على غَسْلِ الوَجه))، وإنّمَا حَرم المسْح على الرّجل بالآيَة ، والآيَةُ فَإنّمَا أوْجَبَت الغَسل لِمَا فِي الرِّجْلِ مِنَ القَذَرِ والدَّرَنِ والوَسَخِ والأذَى ، فَإذا مَسَحَ فَوقَهُمَا فَلم يَغْسِلهُمَا ، وإذَا لَمْ يَغْسِلهُمَا فَلم يُنَقِّهِمَا ، وإنّمَا تَعبَّدَهُ الله بِغَسْلِهِمَا لإنقَائِهِمَا ، وإمَاطَة الأقْذَار عنهُمَا ، ومَنْ مَسَحَ أعلاهُمَا فَلم يُنَقِّهِمَا ، وَلَم يُنَقِّ جَوانِبَهُمَا وأسَافِلَهُمَا . وفي الاسْتِقصَاءِ عَليهِمَا بِالغُسْل ، وَإيجَاب الغُسل ، مَا يُروى عَن الرّسول صلى الله عليه وآله ، مِنْ قَوله : ((وَيلٌ لِلعَرَاقِيبِ وَبُطونِ الأقدامِ مِنَ النّار)) ، فَدَلَّ بِذَلِكَ صلّى الله عليه وآله على أنّهُ وَاجبٌ على المُتَوَضِّئ أنْ يَغْسِلُهُمَا بَأجِمَعِهِمَا ظَاهِرِهِمَا وبَاطِنِِهِمَا ، وَلَو كَانَت القِراءة فِي الأرْجُلِ بِالخَفْضِ لَكَانَ المَسحُ وَاجِباً ، وَلَو وَجَبَ المَسْحُ لمَا قَالَ رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : ((وَيلٌ لِلعَرَاقِيبِ وَبُطون الأقدَام مِنَ النّار))، لأنّهُ إنّمَا أرَاد صلّى الله عليه وآله بِذَلِكَ الاستقصَاء على الأرْجُل بِالغسل ، تَأكيداً لِمَا أمَرَ الله بِهِ مِن الغسل لَهُمَا ، وعَنهُ فِي ذَلك مَا يُروى مِن أنّهُ قَال: ((خَلِّلوا الأصَابِعَ بِالماء قَبلَ أنْ تُخَلَّلَ بِالنّار)) ، فَدَلَّ بِذَلِكَ على أنَّ تَخْلِيلَهُمَا وَ تَنْظِيفَهُمَا ، وغَسْلُ مَا بَطَنَ وَمَا ظَهَرَ مِنهُمَا وَاجبٌ على كَلّ مُسلمٍ مُتَطَهِّر . قَال يحيى بن الحسين صَلوات الله عليه : مَا أُبَالِي أمَسَحْتُ عَلى رِجْلِي أمْ مَسَحْتُ عَلى خُفِّي ، وَمَا أُبَالِي أمَسَحْتُ عَلى خُفِّي أمْ مَسَحْتُ على سَرْجِي ، ولأنْ تَقَطَّعُ رِجْلِي أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أمْسَحَ عَلى خُفِّي ، أو أمْسَحَ عَليهِمَا ، أو أتْرُكَ غُسْلَهُمَا ، لأنَّ الفَرضَ فِي غسلهمَا لِمَا ذَكْرنَاه ، واحْتَجَجْنَا بِه فِي أوّلِ كَلامِنَا، مِن قَول الله تَبَارَك وتَعالى ، وَمِن قَول الرّسول الله صلى الله عليه وآله . ومِنَ الحجّة على مَنْ قَال بِمَسحِ الرِّجْل وَقَرَأ الآيَة بِالخَفْضِ (وَأرْجُلِكُم) قَول الله (إلى الكَعْبَين) ، فَلمّا أن قَال إلى الكَعْبَين عَلِمْنَا بِتَحدِيدِه أنّهُ إنّمَا أراد الغُسْل ، وأنّهَا نَصُب عَطف على غُسل الوَجه ، لأنَّ المَسْحَ لا يُقَال فِيه : امْسَح إلى الكَعْبَين، ولا يُقَالُ إلى الكَعْبين إلاَّ فِي الغُسْل فَقَط))[205] .

[ ما أُثِر عن الإمام الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ]

10- قال الإمام النّاصر الأطروش الحسن بن علي (ع) : ((وعلى المُحتَسِب [أن] يَاخُذَ شِعارَ أهل البيت ، فيَأمُرَ أهل ناحِيَتِه بالإقامَة ، وبالقول في آخر الأذان : لا إله إلاّ الله ، مرّتين ، وفي الإقامَة مرّة واحِدة، وتَرك قول آمين ، وبقولِ : حيَّ على خيرِ العَمل ، في الأذانِ والإقامَة ، ويأخُذُهم بالجهر بالبَسمَلَة ، ويَمنَعهُم من المَسح على الخٌفّين ، ويأمُرُهم على الجنازَة خمس تكبيرات..))[206] .

نعم ! وهذا أخي في الله فإجماعٌ ظاهرٌ شاهرٌ من أهل بيت رَسول الله (ص) على عدم سنيّة المسح على الخفّين عِندهُم ، وقولُهم هذا هُو قولُ أبيهم علي (ع) ، وجدهّم محمد بن عبدالله (ص) ، وهُو قول الكِتاب العزيز ، ودين الله الذي يَرتضيه لِعباده .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الثّالث عشَر : [ الكَلام على الضّمّ والتأمين] :

قبلَ نَقلِ كلام الأخ علي في هَذين المَبحَثين ، ومُناقَشتهُ ، جاء في ذِهني الكلام على أصول هاتَين المسألتَين بعموم ، واستعراض الأدلّة ومُناقَشتُها ، باختصارٍ غيرُ مُخلٍّ إن شاء الله تعالى ، ثمّ التعريج على ما نَقلهُ الأخ علي ، واستنتجَ منه إثبات الضمّ ، والتأمين على أهل البيت (ع) ، نعم ! نَقولُ في هذا مُتكّلين على الله تعالى :

هذهِ سُطُورٌ تتَناوَلُ مَسألتَين اختلفَ حولَها عُلماء المُسلمين ، نعنِي مَسألَتي الضّم والتّأمين في الصّلاة ، ونحنُ فمُستعرِضونَ جوانِبَ هَاتَين المَسألَتَين ، بُغيَة تَبيينِ الحقّ فيها ، ونحنُ فنعلمُ أنّا مَسبوقينَ في هذا الذي سنُورِدُه ، وأنّا لَسنَا مِنْ أهلِ الاجتهاد ولا قَريبونَ منه ، ولكنّا نكتفِي بدرَجةِ المُتعلّمين المُثقّفين ، المَشغوفينَ بطلبِ العِلم وتتبّع طرائقِهِ ، فمَن وَجدَ خَللاً فليَجْعَلِ الدّليل مَسدَّه ، ومَنْ وجدَ كلامَاً مُقنِعاً فليَتّبِع ، فَرَحِمَ الله مَنْ سَمِعَ ، فأيقَنَ ، فَارعوَى :

المَسألَةُ الأولَى : الضّمُ في الصّلاة :

تَعْرِيفُه :

الضّم بِعمُوم ، وَصفٌ لِمَن وضَعَ يدَهُ على يَدِه ، وهُوَ يُرادِفُ التّكتّف ، وهُو هَيئةٌ يُرى وجهُهَا في الصّلاة وفي غير الصّلاة ، وقد يُعبَّرُ عنهَا بِلفظِ (التّكفير) .

مَعناهَ :

الضّم عادَةٌ حَسنَةٌ في الأصل ، وهي تَعني التأدّب ، والاحترام ، وهي فمُرتَبطَةٌ بالأخلاق ارتباطاً واضحاً أثرُه ، إذ هِيَ مُلازمةٌ للسّمت ، والتّواضع ، والاتّعَاظ ، فالخُطبَاء على المنَابِر يَضمّونَ أيدِيَهُم تأدّباً ، والمُسلمون فيَضمّون أيدِيَهُم حال دَفن إخوانهِم تأدّباً وإجلالاً واتّعاظاً ، والمُسلمون فَيضُمّون أيدِيَهُم حالَ التوجّه إلى الله تعالى –قبل التكبير- في الصّلاة ، والمُسلمونَ فَيضُمّون أيدِيَهُم مُطيلينَ الفِكرَة في مخلوقاتِ الله ، وأمام كَعبَة الله ، وأمام قبر الرّسول (ص) ، وأمام قبور وآثار أهل بيت الرّسول (ص) ، وأمام آثار الصّحابة وأهل القرون الأولى من المُتّقين والعُبّاد والزُّهاد ، وأمام آثار الأنبياء وأقوامِهِم السّابقين .

هَيئاتُه :

الضمّ في الصلاة لهُ هَيئاتٌ مُتعدّدة ، اختلفَ فيها الفقهاء ، والضمّ في غيرِها كالمواقِف المذكورة سابِقاً ، فله هيئةُ واحِدة ، وهي وَضعُ اليَدِ اليُمنى على رِسغ اليد اليُسرى تحتَ السّرّة ، وأمّا في الصلاة فإنّها قد تكونُ بوضعِ الكفّ الأيمن على الكَفِّ الأيسَر ، وقَد تكون بوضعِ اليد اليُمنى على رِسغ اليد اليُسرَى ، إمّا فوقَ الصّدر ، وإمّا عليه ، وإمّا تحتَهُ ، وإمّا فوقَ السّرَة وإما عليهَا ، وإمّا تَحتَها ، وللفقهاء أقوالٌ مَبسوطةٌ في هذه الهيئات ، وللعَوامّ أفعالٌ بها .

كَيفَ يَنظُرُ المُسلمون للضمّ :

للضمّ عند المُسلمين قَولان مشهوران ، وهي :

القَول الأوّل : أنّ الضّم سُنّة ثابِتَة عن رَسول الله (ص) ، داومَ الرّسول (ص) على فِعلِها إلى أنْ مات ، وهذا قولُ سواد أهل المذاهب الأربعة ، إلاّ ما أُثِرَ عن المالكيّة من خِلاف حول تأكيد هذه السّنة مِن عَدِمها ، الأمر الذي جعلَنا نَرى بعضَهم يحكيها عن مالك في النّفل دون الفَرض .

القَول الثّاني : أنّ الضّم سُنّةُ مَنسوخَةٌ على لسانِ الرّسول (ص) ، وما نُسِخَ فلَم يَعُد القولُ به لازماً ، لا سُنّةً ، ولا استحبَاباً ، ووجُهُ النّسخ فيه مُخالفَة اليهود والنّصارى ، لأنّ المأثور عنهُم الضّم في الصّلاة ، وهذا فقولُ الزّيديّة .

نعم ! يَهُمّنَا هُنا مُناقِشَةُ القَول الثّاني ، لأنّه متى صحَّ سقطَ الوجهُ الأوّل ، ونِقاشُه يَعني نِقاشَ القوَل الأوّل ، ونَبدأُ النّقاش ، باستعراضِ مَعقوليّة النّسخ لمُعارَضة ومُخالَفَة أهل الكتاب ومنهُ سُنّةُ الضّم التي أمرَ الرّسول (ص) بِتركِهَا ، مُخالفةً لليهود ، فهَل كانَ الرّسول (ص) يَحُثّ على مُخالفَة اليهود في العِبادات ، للإجابَة نَسردُ هُنا عدّة مظاهر حثّت على مُخالفَة أهل الكتاب وغيرِهم .

مَظاهِر لمُخالفَاتِ المُسلمين لليَهود وغيرِهِم بأمرِ الرّسول (ص) :

أولاً : في مَسألة الصّلاة بالخفّ والنّعال :

- رَوى الحاكم في المُستدرَك ، بسنده ، عن أوس ، عن أبيه ، قال : قالَ رسولُ الله (ص) : ((خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ في نِعَالِهِمْ ولا خِفَافِهِمْ))[207] ، ورواهُ غيرُه[208] .

- قال العَيني صاحب (عُمَدَة القارئ) في معنى الحديث السّابق : ((فَيكُونُ مُستحبّاً مِنْ جِهَةِ قَصْدِ مُخَالَفَةِ اليَهود))[209] ، وقال ابن حجر : ((فَيكُونُ استحبَابُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ قَصْدِ المخَالَفَة المَذكُورَة))[210] . وقال صاحب فيض القَدير : ((وحِكمَةُ الصّلاةِ فِي النّعلَين مُخَالَفَةُ أهل الكِتَاب))[211] .

ثانياً : في مسألة صيام يوماً قبلَ عَاشورَاء أو بَعدَه :

- روى ابن سلامَة الّطحاوي ، عن ابن عَبّاس ، عن النّبي (ص) فِي صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ : ((صُومُوهُ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أو بَعْدَهُ يَوْمًا وَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُود))[212] ، وجاء في الاستذكار للقرطبي ، عن عَطاء ، أنّهُ سَمِعَ ابن عبّاس يَقول : ((خَالِفُوا اليهود ، صُومُوا التّاسِع وَالعَاشِر))[213] .

- قال ابن حَجر : ((وَقَدْ كَانَ (ص) يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أهل الكِتاب فِيمَا لَمْ يُؤمَر فِيه بِشَيء ، ولا سِيّمَا إذَا كَانَ فِيمَا يُخِالِفُ فِيهِ أهل الأوثَان ، فَلمّا فُتِحَتْ مَكّة وَاشْتُهِرَ أمْرُ الإسَلام أحَبّ مُخَالََفَةَ أهل الكِتاب))[214] ، وقال ابن عبد البر : ((وَكَانَ (ص) يُحِبُّ مُخَالَفَةَ أهلِ الكِتَاب وَسَائرَ الكُفّار))[215] ،

ثالثاً : في مَسألة حفّ الشَوارب ، وإعفاء اللّحى :

- روى مسلم في صحيحه ، عن ابن عُمَرَ ، قال : قال رسول اللَّهِ (ص) : ((خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى))[216] .

رابعاً : في مسألَة الخِضاب والصّبغَة :

- روى مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (ص) : ((إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ))[217] .

- قال العظيم آبادي : ((والحَدِيثُ يَدُلّ عَلى أنَّ العِلّةَ فِي شَرْعِيّة الخِضَاب هِي مُخَالَفَة أهل الكِتَاب ، وَبِهَذا يَتَأكّد استحبَابُ الخِضَاب))[218] .

خامساً : في مسألَة الضّم في الصّلاة :

- رَوى الإمام المُرتضى محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن طالب (ع) ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي (ع) ، أنّه قال : نَهَى رَسول الله (ص) أنْ يَجْعَلَ الرّجُلُ يَدَهُ عَلى يَدِهِ على صَدرِه فِي الصّلاة، وَقَال: ((ذَلِكَ فِعْلُ اليَهُود وَأمَرَ أنْ يُرْسِلَهُمَا))[219] .

قالَ الحسن البَصري ، قالَ رسول الله (ص) : ((كأنّي أنْظُرُ إلى أحْبَارِ بَنِي إسْرَائيل وَاضِعِي أيَمَانِهِم على شَمَائِلِهِم فِي الصّلاة))[220] ، وكانَ الحسن البَصري يُرسِلُ يَديهِ في الصّلاة[221] ، ورواية الحسن عن رسول الله (ص) ليسَت مُرسلَة كما يعتقدُ البعض ، بَل هيَ مُسندَة عنه عن أمير المؤمنين علي (ع) ، عن رسول الله (ص) ، قال يونس بن عُبيد : ((سَألتُ الحسن قُلتُ : يا أبا سَعيد إنّك تَقول قَالَ رَسول الله (ص) ، وإنّكَ لَمْ تُدْرِكْه!! . قَال : يا بن أخِي لَقَد سَألتَنِي عَن شَيءٍ مَا سَألنِي عَنه أحدُ قَبلَك ، ولولا مَنزِلَتُكَ مِنّي مَا أخْبَرتُك ، إنّي فِي زَمَانٍ (زمان بني أميّة) كَمَا تَرى وكلّ شَيء سَمِعتني أقَول : قَالَ رسول الله (ص) فَهُو عَن علي بن أبي طَالب ، غَير أنّي فِي زَمَانٍ لا أستَطِيعُ أن أذْكُرَ عَليّاً))[222] . قُلتُ : وهذا يُقوّي ما رواه المرتضى عن آبائه ، عن علي (ع) ، نعني في النّهي عن الضّم ، لأنّه لا وَجهَ لرواية الحسن البصري إلاّ إفادة تَرك الضّم ومخالفَة اليَهود ، وهذا ما تَرجمَهُ الحسن البصري عندما كان يُرسل يديهِ في الصلاة ، وكذلك كان غيره من السلف .

شَواهِد تَشهَد بِصحّة نَسخِ الضّم ، وعدَم عَدّهِ من هيئات الصّلاة :

الشّاهِد الأوّل :

مَا رواهُ صاحبُ رَسول الله (ص) ، أبي حُميد السّاعِدي ، وصَدّقَهُ عليه عَشْرَةٌ مِنَ الصّحابَة ، وفيهِ برواية أبي داود : ((حدثنا أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ ، ثنا أبو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بن مَخْلَدٍ ، وثنا مُسَدَّدٌ ، ثنا يحيى ، وَهَذَا حَدِيثُ أَحْمَدَ قال : أخبرنا عبد الْحَمِيدِ يَعْنِي بن جَعْفَرٍ ، أخبرني محمد بن عمرو بن عَطَاءٍ ، قال : سَمعتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ في عَشْرَةٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ (ص) ، منهم أبو قَتَادَةَ ، قال أبو حُمَيْدٍ : أنا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رسول اللَّهِ (ص) . قالوا : فَلِمَ ، فَوَاللَّهِ ما كُنْتَ بِأَكْثَرِنَا له تَبَعًا ، ولا أَقْدَمِنَا له صُحْبَةً ، قال : بَلَى . قالوا : فَاعْرِضْ . قال : كان رسول اللَّهِ (ص) إذا قام إلى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ، حتى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ في مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ، ثُمَّ يَقْرَأُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ، فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ فلا يَصُبُّ رَأْسَهُ ولا يُقْنِعُ ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فيقول سمع الله لِمَنْ حَمِدَهُ ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلًا ، ثُمَّ يقول الله أَكْبَرُ ، ثُمَّ يَهْوِي إلى الأرض فَيُجَافِي يَدَيْهِ عن جَنْبَيْهِ ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عليها وَيَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ إذا سَجَدَ وَيَسْجُدُ ، ثُمَّ يقول الله أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عليها حتى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلى مَوْضِعِهِ ، ثُمَّ يَصْنَعُ في الْأُخْرَى مِثْلَ ذلك ، ثُمَّ إذا قام من الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كما كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذلك في بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ حتى إذا كانت السَّجْدَةُ التي فيها التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا على شِقِّهِ الْأَيْسَرِ . قالوا : صَدَقْتَ ، هَكَذَا كان يُصَلِّي (ص)))[223] ، وهُو حسنٌ صحيح.

تعليق : الكَلامُ على هذا الأثر ، مِنْ أربَعةِ أوجُه :

الوَجهُ الأوّل : أنّ هَذا الخَبَر حكاهُ السّاعِدي وَاصِفاً صلاةَ رَسولِ الله (ص) التي كانَ يُصلّي بِها إلى أن تَوفّاهُ الله ، بدلالَة قولِه : ((أنا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رسول اللَّهِ (ص))) ، وبقولِ الصّحابَة العَشرَة : ((صَدَقْتَ هَكَذَا كان يُصَلِّي (ص))) .

الوَجه الثّاني : أنّه خَبرَ صَحِيح السّند والمَتن ،صحّحَه الّترمذي[224] ، ليس تَعلّه أيّ عِلَة ، على شرط أهل الحديث .

الوَجه الثّالث : أنّ هذا الخَبَر يُسَاوي عشر رواياتٍ مِنْ مِثلِه ، عن كلّ صحابيٍّ شَهِد بصحّة وَصف أبي حُميدٍ السّاعدي ، ومِنْ هؤلاء الصّحابَة العشَرة ، أبو أَسِيدٍ ، وَسَهْلُ بن سَعْدٍ ، وَمُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ[225] ، وأبو قُتادَة الحارِث بن رِبعي[226] .

الوَجه الرّابع : أنّهُ يَدُلّ على أنَّ الضّم ليسَ بِسُنّةٍ مُحمّديّة ، وهُو يَحكي الإرسالَ عَن رَسولِ الله (ص) ، فإن قيلَ : وكيفَ استَنْبَطتُم هذا ، فالحديثُ مُخبرٌ عن الأركان والواجبات دونَ السُّنَن ، والضّم فليسَ إلاّ سُنّة من سُنَن الصّلاة . قُلنا : لا نُسلِّمُ لكُم ، لوَجهَين اثنَين ، الوَجه الأوّل : أنّه ذكرَ سُنّة رَفع اليَدين مع كلّ تكبيرَة . والوَجه الثّاني: أنّهُ كانَ يحكي جميع أفعَال الصّلاة ، الأركان ، والواجبات ، والسّنَن ، والضّم فَفِعل ، وهُو سُنّةٌ عندَ المُخالِف ، ومعَ ذلِك لم يَذكُرْهُ السّاعدي ، وصَدّقَهُ بَقيّة الصّحابة على عدم ذِكر الضّم من صِفة صلاة رَسول الله (ص) ، نعم! سَلَّمنَا (جَدَلاً) أنّ الحديث مُختَصٌّ بالأركان والواجبات دون السُّنَنَ ، ولكن الإرسال ظاهرٌ وَجهَهُ لَو تأمّلت قولَ السّاعدي في وَصفِه : ((إذا قام إلى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ، حتى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ في مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ، ثُمَّ يَقْرَأُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يَرْكَعُ)) ، فَذَكَرَ :

1- إذا قام إلى الصَّلَاةِ.
2- يَرْفَعُ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ.
3- ثُمَّ يُكَبِّرُ.
4- حتى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ في مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ، (تأمّل) .
5- ثُمَّ يَقْرَأُ.
6- ثُمَّ يُكَبِّرُ .
7- فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ .

نعم! ، وهُنا تأمّل أنّ الرّسول (ص) لَم يَقرأ إلاّ بعدَ أنْ رفعَ يديهِ حَذوَ مَنكِبيه ، ثمّ أعادهُما بحيث يَرجِعُ كُلّ عَظمٍ إلى مَوضعِه ، مُعتدلاً ، ومَوِضع اليد الأصلي حالَ القيام والاعتدال هُو على الفَخذَين ، لا بِتَشابُكِ الأيدي ، على الصّدر أو تحتَه أو فوقَه ، أو على السّرة أو تحتَها أو فوقَها ، ثمّ تأمّل قراءةَ الرّسول (ص) مُباشرةً بعد رجوعِ عظام اليد إلى مواضِعِها الأصليّة على الفَخذين ، وهَذا فواضِحٌ وجْهُه ، لمِنَ تعَقّل وأرادَ الفَهم ، وهُوَ ففيهِ الكِفايَة للوجه الذي ذكرناهُ ، من تصديق عشرةٍ مِنَ الصّحابة ، مِن غيرِ الواصِف .

الشّاهِد الثّاني :

مَا رواهُ العَيني في العُمدَة : ((حَدَّثَنَا عبدالله بن مَسْلَمَة عن مَالِك عَن أبي حَازِم عَن سَهْل بن سَعْد ، قَال : ((كَانَ النّاسُ يُؤمَرُون أنْ يَضَعَ الرّجُل اليَدَ اليُمنَى على ذِرَاعِه اليُسْرَى فِي الصّلاة)) ، قَال أبو حَازم : لا أعْلَمُهُ إلاَّ يَنمِي ذَلِكَ إلى النّبي (ص)))[227] .

تعليق : الكَلامُ على هذا الأثر ، مِنْ أربَعةِ أوجُه :

الوَجهُ الأوّل : أنّ هَذا الخَبَر يُثبتُ نَسخَ الضّم في الصّلاة ، لأنَّ سَهل بن سَعد يتكلّم بصيغَة الماضِي الذي كانُوا يُؤمَرون به ، وهُوَ الضّم في الصّلاة ، يُقوّيهِ تَصديقُهُ للهيئةَ التي ذكَرَها السّاعدي في الأثر السّابق ، والسّاعِدي فلَم يَذكُر الضّم ، بل أومأ تصريحاً بالإرسال ، وهذا فيدلُ أنّ الضّم سُنّةٌ مَنسوخَة ، وما نُسِخَ فلا وَجهَ لكونه من السنّة المُحمّديّة .

الوَجهُ الثّاني : أنّ مِن رُواةِ هذا الأثَر ، مالِك بن أنس ، وهُوَ التّابعي الذي اشتُهِرَ عنهُ الإرسال في الصّلاة ، فلَو أنّه رحمه الله فَهِمَ منهُ الأمر المُحمّدي السُّنّي المُطلقَ الثّابتَ ، ما ذهبَ إلى الإرسال دونَ الضّم ، وهذا فدليلٌ على أنّه فَهِمَ مِنَ الحديثِ النّسخ ، ولَم يَروِ أصحابُ مالِك عنهُ (معَ رِوايَتِه لهذا الأثر) أيّ تأكِيدٍ على الضّم ، فهُم بين الكَراهيَة في الفروض والرّخصَة في النوافل ، وبين اللاّبأس ، والاستحسَان[228] ، وهذا تَعارُضٌ منه في المواقِف ظاهِر ، لا يرقَى بالضّم عندَهُ إلى السّنة النّبويّة الثّابتِة ، مع روايتِه للأثر السّابق .

الوَجهُ الثّالث : أنّ الحَسن البصري ، وهُو فمِنْ كِبار التّابعين ، قَدْ فَهِمَ النّسخ في هَذِه المَسألَة ، وعدم سُنيّتها ، وذلكَ واضحٌ مِن روايته عن علي عن رسول الله (ص) ، وما فَهِمَ مِنها ، قال الحَسن البصرِي : قالَ رسول الله (ص) : ((كأنّي أنْظُرُ إلى أحْبَارِ بَنِي إسْرَائيل وَاضِعِي أيَمَانِهِم على شَمَائِلِهِم فِي الصّلاة))[229] ، والمأثورُ عن الحسن البَصري أنّهُ كانَ يُرسِلُ يَديهِ في الصّلاة[230] ، وهذا فَفهمٌ واضحٌ ، معناهُ عدم ثبوتِ هذه السّنة .

الوَجهُ الرَّابع : أنّ سَعيد بن المُسيّب ، وهُو فِمَن ثِقات كِبار التّابعين ، لَم يُؤثَر عنه إلاّ الإرسَال دونَ الضّم[231] ، فلَو كانَ الضّم سُنّةً ما انفَكَّ هذا الثّقةُ عنَ العَمَل به ، خُصوصاً مَع قُربِ العهد بِعَهد الخلافَة والصّحابَة .

الوَجهُ الخامِس : أنّ سَعيد بن جُبير ، على جلالَته ، أُثرَ عنهُ أنّه أثناء طوافِه بالكعبَة ، رأى رجلاً واضعاً إحدى يَديه على الأخرى ، فقصدَهُ وفَرَّق بينَ يَديهِ ، وعاد ، ولفظ الحِكايَة بالنّص : ((عن عبد اللهِ بن الْعَيْزَارِ ، قال : كُنْت أَطُوفُ مع سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ ، فَرَأَى رَجُلاً يُصَلِّي وَاضِعًا إحْدَى يَدَيْهِ على الأَخْرَى ، هَذِه على هَذِه ، وَهَذِهِ على هذه ، فَذَهَبَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ جاء)) ، وقد تأوّل ابن عبد البر أنّ سعيد بن جبير قد يكون رآهُ واضِعاً الشّمال على اليمين ، فَعدّلها ، اليَمِين على الشّمال[232] ، أقول : هذا غيرُ مَفهوم مِن سِياق الأثر ، فالأثر جاءَ بالتّفريق ، وتفريقُ اليدَين ، إبعادُهُما عن بعضِهِما ، والإبعاد هُوَ الإرسَال ، نعم! فَلو كانَ الإرسالُ سُنّةً ثابِتَة ما جازَ لابن جُبير تَفريقُ يدِ الرّجل عَن بعضِها البَعض ، إذ السّنن مُزيّنةٌ ومُكمّلَةٌ (مِنَ الكَمَال) للصّلوات .

نَظرَة سريعَة على أسانيدِ بعض الرّوايات التي يُستدَلّ بهِا على الضّم :

الرّوايَة الأولى :

رَوى ابن ماجَة في السُّنَن ، قال : ((حدثنا عُثْمَانُ بن أبي شَيْبَةَ ثنا أبو الْأَحْوَصِ عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ عن قَبِيصَةَ بن هُلْبٍ عن أبيه قال : كان النبي (ص) يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ)) [233] .


تعليق : سِماك بن حَرب ، مَتروك الحديث[234] ، قال صالح جزرة : يَضْعُفْ . وقَال ابن المبَارك : ضَعِيفُ الحَدِيث ، وَكَان شُعبَة يُضَعّفُه[235]. يُخطئُ كثيراً[236] .

الرّوايَة الثّانيَة :

رَوى النّسائي في السُّنَن الكُبرى ، قَال : ((أخْبَرَنَا عمرو بن عَلي ، قَال : نا عبد الرحمن ، قال : نا هشيم ، عن الحجاج بن أبي زينب ، قال : سمعت أبا عثمان يُحَدِّث عن ابن مَسعود ، قَال : رَآنِي النّبي (ص) وَقَدْ وَضَعْتُ شِمَالِي على يميني في الصلاة فأخذ يميني فوضعها على شمالي))[237] .

تعليق : حَجّاج بن أبي زينب ، قال عنه علي ابن المديني : شيخٌ مِن أهلِ واسِط ، ضعيف. وقال عن هذا الحديث : لا يُتابَعُ عليه[238] . قال النّسائي : ليسَ بالقَوي . وقال الّدارقطني: ليسَ بِقويٍّ ، ولاحافِظ . قال العقيلي : رَوَى عَن أبي عُثمَان النّهدِي حَدِيثَاً لا يُتَابَعُ عَليه[239]. قُلتُ : يعني هذا الحديث .

الرّوايَة الثّالِثَة :

رَوى البَيهقي في السُّنَن الكُبرى ، قَال : ((أخبرنا أبو بكر محمد بن فورك ، أنبأ عبدالله بن جعفر ، ثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود ، ثنا طلحة ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله (ص) : ((إنّا مَعَاشِرَ الأنبيَاء أُمِرْنَا أنْ نُعَجِّلَ إفطَارَنا ، وَنُؤخِّرَ سَحورنا ، ونَضَع أيماننا عَلى شَمَائِلنا فِي الصّلاة))[240] .

تعليق : طلحَة بن عمرو المَكّي ، قال يحيى بن معين : طَلحَة بن عَمرو ، لَيسَ بِشَيء ضَعِيفٌ ضَعِيفْ . قال أحمد بن حنبل : طَلحَة بن عَمرو ، لا شَيء مَتروكُ الحَديث . قَال السّعدي : طَلحَة بن عَمرو غَير مَرْضِي فِي حَديثه . قالَ النّسائي : طَلحة بن عَمرو المكّي مَتروكُ الحَديث[241] .

الرّوايَة الرّابِعَة :

رَوى أبو داود في السُّنَن ، قَال : ((حدثنا مُسَدَّدٌ ، ثنا عبد الْوَاحِدِ بن زِيَادٍ ، عن عبد الرحمن بن إسحاق الْكُوفِيِّ ، عن سَيَّارٍ أبي الْحَكَمِ ، عن أبي وَائِلٍ ، قال : قال أبو هُرَيْرَةَ : أَخْذُ الْأَكُفِّ على الْأَكُفِّ في الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ))[242] .

تعليق : عبدالرّحمن بن إسحاق الكوفي ، قال يحيى بن معين : ضعيفُ الحَديث . قال أحمد بن حنبل : أحَادِيثُهُ مَنَاكِير ، لَيسَ هُوَ بِذَاك فِي الحَديث[243] . قال النّسائي : ضعيف[244] ، اهـ . كانَ مِمّن يُقَلّب الأخْبَار وَالأسَانِيد وَيَنْفَرِدُ بِالمنَاكِيرِ عَن المشَاهِير ، لا يَحِلُّ الاحتجَاجُ بِخَبَرِه[245]. قلتُ : والكثير مِن روايات الضّم عن طريق عبدالرحمن بن إسحاق هذا .

الرّوايَة الخَامِسَة :

رَوى أبو داود في السُّنَن ، قَال : ((حدثنا نَصْرُ بن عَلِيٍّ ، أخبرنا أبو أَحْمَدَ ، عن الْعَلَاءِ بن صَالِحٍ ، عن زُرْعَةَ بن عبد الرحمن ، قال : سَمِعتُ ابن الزُّبَيْرِ يَقول صَفُّ الْقَدَمَيْنِ ، وَوَضْعُ الْيَدِ على الْيَدِ من السُّنَّةِ))[246] .

تعليق : العَلاءُ بن صَالح التّيمي ، قال البُخاري : لا يُتابَع . وقال ابن المديني : رَوى أحاديث مَناكير[247] . قُلتُ : وهذا مِن مَناكيرِه ، فالمأثورُ عن ابن الزّبير الإرسال .

الرّوايَة السّادسَة :

رَوى أبو داود في السُّنَن ، قَال : ((حدثنا أبو تَوْبَةَ ، ثنا الْهَيْثَمُ يَعْنِي بن حُمَيْدٍ ، عن ثَوْرٍ ، عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى ، عن طَاوُسٍ ، قال : كان رسول اللَّهِ (ص) يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى على يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَشُدُّ بَيْنَهُمَا على صَدْرِهِ وهو في الصَّلَاةِ))[248] .

تعليق : سُليمان بن مُوسى الدّمشقي ، قال ابن المُديني : مَطعونٌ عليه . وقال البخاري : عِندَهُ مَناكير[249] .

الرّوايَة السّابعَة :

رَوى مالك في المُوطّأ ، قَال : ((حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ : مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ : إِذَا لَمْ تَسْتَحْي فَافْعَلْ مَا شِئْتَ ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فِي الصَّلاَةِ، يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَالاِسْتِينَاءُ بِالسَّحُورِ))[250] .

تعليق : عبد الكَريم بن أبي المُخارِق البّصري ، قال أحمد بن حنبل عنه : ضعيف ، وكان ابن عُينَة يَستضْعِفُه . قال يحيى بن معين : قَدْ رَوى مَالِك عَن عَبد الكَريم أبي أميّة وَهُو بَصْرِيٌّ ضَعِيف . قال أيوب : لا تَأخُذُوا عَن عبد الكَريم أبي أميّة ، فَإنّهُ لَيسَ بِثِقَة[251] .

الرّوايَة الثامنة :

رَوى البَيهقي في السُّنَن الكُبرى ، قَال : ((أخَبرَنَا أبو زَكَرِيّا بن أبي إسحَاق ، أنبأ الحسَن بن يَعقوب ، ثنا يحيى بن أبي طالب ، أنبأ زَيد ، ثنا سفيان ، عن بن جريج ، عن أبي الزبير ، قال : أمَرَنِي عَطاء أنْ أسْألَ سَعيداً [بن جبير] أيْنَ تَكونُ اليَدان فِي الصّلاة، فَوقَ السّرّة أو أسْفل مِنَ السّرة ، فَسَألتُه عَنه ، فَقَال فَوق السّرة))[252] .

تعليق : يحيى بن أبي طالب ، قالَ موسى بن هارون : أشْهَدُ على يَحيى بن أبي طالِب أنّهُ يَكذِب[253]. وقال أبو عبيد الآجري : خَطَّ أبو دَاود على حَديثِ يَحيى بن أبي طَالب[254] .

مُناقَشَة هَلْ كانَ أهلُ بيت رَسول الله (ص) ، يقولون بالضّم :

مُناقشتي لهذه النّقطَة هُنا ستكونُ بطريقَةٍ عقليّةٍ بحتَة ، لَن يُنكرَها أهل الاطّلاع فضلاً عن العامّة ، وهِيَ أنَّ المُسلمين ماضياً وحاضراً ، في هيئات صلاتهِم ، ليسُوا إلاّ على ثلاث هيئات :

الهَيئَة الأولى : أنّ مِنَ المُسلمين مَن يضمّ ، ويُؤمِّن بعدَ الفاتِحَة ، وهؤلاء فَسواد فِرقَة أهل السنّة والجماعَة .

الهيئَة الثّانيَة : أنَّ مِنَ المُسلمين مَن لا يَضُمّ ، ويُؤمِّن بعد الفاتِحَة ، وهؤلاء فالمالكيّة من فِرقَة أهل السنّة والجماعة .

الهَيئَة الثّالثَة : أنَّ مِنَ المُسلمين مَن لا يَضُمّ ، ولا يُؤمِّن بعدَ الفاتِحَة ، وهؤلاء فجميع الشّيعَة ، الزيدية ، والجعفريّة ، والإسماعيليّة .

نَعم ! فهذه الهيئات الثّلاث هي الظّاهرَة على أهل القِبلَة قديماً وحديثاُ ، والجدير بالذّكر هُنا أنَّ مَنْ لَم يكُن مُؤمِّناً في الصّلاة ، لَم يكُن ضامّاً تَبعاً ، وأهلُ البَيت (ع) لم يكونوا مِن أهل التأمين في الصّلاة إجماعاً منهُم ، فهذا طريقٌ لإثبات قولِهِم بالإرسال دون الضّم ، أضِف إلى ذلك ثبوتَ الإرسال عن ساداتهِم دون الضّم ، قال محمّد بن منصور المُرادي : رَأيتُ أحمَد بن عيسَى [بن زيد بن علي] حِين كبَّر فِي أوّل الصّلاة ، أرسَلَ يَديه على فَخِذَيه وَهُو قَائم، لَم يَضَع وَاحِدةً على الأخرَى[255] . قُلتُ : وهُو المأثور عن نجم آل الرّسول القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (169-246هـ) ، وهُو القائل : ((أدْرَكْتُ مَشْيَخَةَ آل مُحَمَّد مِن بَنِي الحَسَنِ والحُسَين ومَا بَينَهُم اخْتِلاف)) ، وهُو فمُعاصرّ لموسى بن جعفر الكاظم وابنه علي الرّضا ، ولغيرهِمَا مِنْ سَادات أهل البيت ، أبنَاء الحسَن والحسين ، نَعم ! فأمّا إجماع أهل البيت (ع) على عَدَم التّأمين ، فَنسوقُهُ مُرتّباً ، قَائلينَ فِيه :

المَسألة الثّانية : رَأي أهل البيت (ع) في التّأمين :

[ مَا أُثِرَ عَن الإمام زَيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت122هـ) ] :

1- سُئلَ الإمام زيد بن علي (ع) عَن قول الرّجل : آمين بعدَ الفَاتِحَة؟ ، فقال (ع) : ((إنَّا أهل البيت لا نَقولُها ، وأنكرَ ذلِك))[256] .

[ مَا أُثِرَ عَن الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (158-240هـ) ] :

2- قال الحافظ محمد بن منصور المرادي : سَألت أحمد بن عيسى ، عن (آمين) ، تَقولُهَا فِي الصّلاة إذا فَرغتَ مِن قراءة الحمد؟، فَأومأ أنّه لا يَقولها، وكَذلكَ قَال قَاسم بن إبراهيم: إنه لا يَقولُها[257].

3- قال الشريف الحسني[258] : أجمع أحمد [بن عيسى بن زيد بن علي]، والقاسم [بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى] ، ومحمد [بن منصور المرادي] ، على أن لا يَقولوا في الصّلاة آمين[259] .

[ مَا أُثِرَ عَن الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (169-246هـ) ] :

4- قال الحافظ محمد بن منصور المرادي : سَألت أحمد بن عيسى ، عن (آمين) ، تَقولُهَا فِي الصّلاة إذا فَرغتَ مِن قراءة الحمد؟، فَأومأ أنّه لا يَقولها، وكَذلكَ قَال قَاسم بن إبراهيم: إنه لا يَقولُها.

5- قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم : ((حدّثني أبي (الحسين) ، عن أبيه (القاسم) ، أنّه سُئلَ عن قول آمين في الصلاة ، فَقال: مَا أحُبُّ أن تُقال))[260] .

6- قال الشريف الحسني : ((وقَال القاسم عليه السلام - فيما روى داود عنه - : لَيسَ يُعجِبُنَا قَول آمين - يعني في الصلاة -)[261] .

[ مَا أُثِرَ عَن الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (245-298هـ) ] :

7- قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) : ((ولم أرَ أحداً من عُلماء آل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وَآله وسَلَّم، ولم أسمَع عنه، يقول: آمين بَعد قراءة الحمد في الصّلاة ))[262] .

[ مَا أُثِرَ عَن الإمام النّاصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (230-304هـ) ] :

8- قال القاضي زيد في شرح التحرير رحمه الله : قال الناصر (ع) في مَسائل الديلم في التأمين: ((هذا مِمّا لا يَراه آل محمّد صَلَّى الله عَلَيْه وَآله وسَلَّم، ولا يَفعَلونَه، وَهُوَ عِندَهُم بِدعَة))[263].

9- قال الإمام النّاصر الحسن بن علي (ع) : ((وعلى المُحتَسِب [أن] يَأخُذَ شِعارَ أهل البيت ، فيَأمُرَ أهل ناحِيَتِه بالإقامَة ، وبالقول في آخر الأذان : لا إله إلاّ الله ، مرّتين ، وفي الإقامَة مرّة واحِدة، وتَرك قول آمين ، وبقولِ : حيَّ على خيرِ العَمل ، في الأذانِ والإقامَة ، ويأخُذُهم بالجهر بالبَسمَلَة ، ويَمنَعهُم من المَسح على الخٌفّين ، ويأمُرُهم على الجنازَة خمس تكبيرات))[264] .

[ مَا أُثِرَ عَن الإمام المرتضى أحمد بن يحيى بن المرتضى بن أحمد بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن المفضل الكبير بن عبدالله بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ت840هـ) ]:

10- قال الإمام المُرتضى أحمد بن يحيى الحسني (ع) في البحر : (مَسألة : العترة جمِيعاً : والتّأمين بدعَة)[265] . قُلتُ : يعني أنّ العترَة جميعاً (مُجمعون) على أنّ التأمّين في الصّلاة بِدَعَة .

[ مَا أُثِرَ عَن الإمام المؤيّد بالله أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ت411هـ) ]:

11- قال الإمام المؤيّد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (ع) : ((مَسألَة : ولا يَجوز أن يَقول في صلاتِه بَعد قراءة الفَاتِحَة (آمين) ، وهذا مَنصوصٌ عليه في الأحكام ، والمُنتخَب ، وهُو مَذهب جميع أهل البيت (ع) ، إلاّ ما يُروى عن أحمد بن عيسى (ع) أنّه أجازَه[266] ، ..... ، على أنّ ما ذَهبنا إليه هُو إجماع أهل البيت (ع) ، وقَد بيّنا أنّ إجماعَهُم عندنا حُجّة ، فإن قيل : فقَد رُوي ذلك عن أحمد بن عيسى (ع) ، فكيفَ ادّعيتُم إجماع أهل البيت؟! ، قيلَ له : رُويَ عنهُ إجازَتُه دونَ الاختيار ، فلا خِلافَ إذاً في أنّهُ لا يُقال في الصّلاة –يعني التّأمين- ، على أنّ أهل البيت (ع) قَد أجمعوا بَعده ، والإجماع محكومٌ به في أيّ وقتٍ انعقَد ))[267] .

نعم ! فهذا كلّه أخي في الله عن العِترَة الفاطميّة يُقوّي ما ذَهبنا إليه عنهُم من الإرسال دونَ الضّم ، وأنّ الضمّ سُنّةٌ مَنسوخةٌ عن رسول الله (ص) ، وأنّ إجماعهم[268] هُو على عدم سُنيّة التأمين ، فتدبّر ذلك عنهُم موفّقاً .

نعم ! وسُطورُنا الماضِية تُزيلُ أوهامَ مُخالفَة الزيدية لسنّة الرّسول (ص) ، بَل وتُثبتُ صحّة قولِهِم ، بفضل الله ومنّه ، ومنها نَنتقِلَ لمُناقشَة كلام الأخ علي في بحثِه حول الضمّ والتّأمين ، وفيها بَدا لَنا أن نَسردَ هذا على هيئَة وَقفَات ، نذكُرُ المُحتَجَّ به ثمّ مُناقشَته :

الوَقفَة الأولى : احتجّ الأخ علي على صحّة الضّم بِروايَة الإمام زيد بن علي ، عن آبائه ، عن عَلي (ع) : ((ثَلاثٌ مِنْ أخْلاقِ الأنبياء صَلاةُ الله وسَلامُه عَليهِم: تَعْجِيلُ الإفطَار، وتَأخِيرُ السّحور، وَوَضعُ الأكفّ على الأكفّ تحتَ السرَّة)) .

تعليق : التّعليق على هذا المَسألة مَن وَجهين اثنين :

الوَجه الأوّل : تَأويلُ الأثَر وتَدبّره وتفَهّم مَعَانِيه ، وفيه ينقسِم الكلام إلى أربَع نِقاط :

النّقطَة الأولى : أنّ هذا الأثَر جاء يُبيّنُ أخلاقاً ، بمعنى السُّنن ، لأنّ كلّ ما ذُكِرَ في الأثر ، فيُحمَلَ على السُّنيّة ، كَتعجِيل الفطور ، وتأخير السّحور ، ووضع الكفّ على الكفّ تحتَ السرّة ، فإن قُلتَ : مهلاً أخي في الله ، على أيِّ أساسٍ جعلتُم هذه الأمور الثلاثة من السّنن ؟. قُلنا : لأنّها لا تَخلو من أحد ثلاثة أمور ، فإمّا أن تكون مُحرّمة ، وهذا وجهٌ ساقِط ، وإمّا أن تكونَ واجبَة ، يُؤثَمُ المرءُ بالإخلال بِها ، وإمّا أن تكونَ سُنّة ، يُؤجَرُ المرءُ على فِعلِهَا ولا يُؤثَمُ على تَرْكِها ، وعُلماء الإسلام فلا يقولون بوجوب تعجيل الفطور ، ولا تأخير السّحور ، بل يَقولون هِيَ سُنّة ، والأولى عمَلُها ، وهذا فَمَحلّ اتّفاق بلا أدنى شكّ ، فإنْ أنتَ وَقفتَ على هذا ، تيقّنَتْ نَفسُكَ أنّ الحديث يجري مجرى الحثّ على السّنُن ، التي هي الأخلاق .

النّقطَة الثّانيَة : السنّة باتّفاق المُسلمين ، هي الفِعل الذي يُؤجرُ مَعهُ صاحِبهُ ولا يأثَم بتركِه ، فلَو أنّ مؤمناً أخّر الفطور ، وعجّل في السّحور ، لم يُؤثَم قَطعاً ، ولم يختلّ صيامُه ، فإن أنتَ وَقَفتَ على هَذا ، فَقِف على أنَّ جُمهور أهل السنّة والجماعة لا يَجعلون الضّم في الصّلاة من أركانِ الصّلاة ولا مِن واجبَاتِها ، وكُلّ ما كانَ دُونَ الرّكن والواجب ، فهُو سنّة ، والسنّة في الصّلاة لو تُرِكَتْ لَم تَبطُل الصّلاة ، ولَم يأثَم صاحِبُها على تَركِها ، وصلاتُهُ صحيحَة بدونِها ، فإن أنتَ عَلِمتَ هذا ، فاعلَم أنّ الضمّ يكون بهذا أمراً طارئا ، والأصل الإرسَال ، ولذلِكَ وَجدنا فقيه أهل المدينة ، مالك بن أنَس يقول بالإرسال في صلاةِ الفَرض ، وبالضّم لِمَن شاء في النّوافل[269] ، والعَجبُ أنّنا نَجِدُ اليومَ مَن يُضيّق على النّاس في الحرم الشّريف وفي غيره مِن مساجد الله ، فيَتَهكّمونَ ويُبدِّعونَ مَن يَجدونَهُ مُرسلاً يديه في الصّلاة ، وليسَ هذا علمٌ منهُم ، بَل جَهلٌ مُركّبٌ والله المُستعان ، وكيف لا يكونَ كذلك ونحنُ ما نزال نَسمَعُ قول ابن عبد البرّ في تمهيده : ((وروي عن الحسن [البَصري] وإبراهيم [النّخعي] أنّهُمَا كَانَا يُرْسِلانِ أيْدِيَهُمَا فِي الصّلاة ، (تأمّل) وَلَيسَ هَذَا بِخِلاف ، لأنَّ الخِلافَ كَرَاهِيَةُ ذَلِك ، وَقَدْ يُرْسِلُ (تأمّل) العَالِمُ يَدَيهِ لِيُرِيَ النّاسَ أنّ لَيس ذَلِكَ بِحَتمٍ وَاجِب))[270] ، فإن قيل : وما الذي تُخالِفُ عليه الزيدية في هذا ؟! . قُلنا : الزيدية لم يَثبُت من طريقِها ، ولا مِن طريق أئمّتها ، ولا حُفّاظِها ، أنّ الضمّ سُنّةٌ داومَ عليها الرسول (ص) ، وأنّها فِعلٌ مَنسوخ ، ولِذا فِهي ليسَت لا رُكناً ، ولا واجباً ، ولا سُنّةً ، بل هِيَ أمرٌ زائدٌ على هيئات الصّلاة ، ومنهُ فلا وَجه لكونِها من مظاهر الصلوات ، الفروض منها ، والنّوافل ، والله أعلم . فإن قيل : أليسَ الإمام علي (ع) يقول في الخَبَر السّابق أنّ وَضعَ الأكفّ على الأكفّ سُنّة ؟! ، قُلنا : بَلى ، ولكن في غير الصّلاة ، وسيأتي لهذا مزيد بيان قريباً ، ولمزيدِ فَهمٍ هُنا نقول للسائل : ما رأيُكَ في السّواك أليسَ سُنّةً مُؤكّدَة؟! ، فكيفَ لَو رأيتَ مُصليّا يُصلّي وهُو يَستاكُ ، والإمام يَقرأ ، هُل كُنتَ ستَزجُره؟! ، إن قُلتَ : نَعم . فلهُ أن يَرُدّ عليكَ : بأنّ السّواك سنّة من الله والرّسول مُؤكّدَة . ولكَ أن تَرُدّ عليه : أنّ هذا ليسَ إلاّ قبل الصّلاة ، أو بَعدَها ، لا حالَ الصّلاة . ونحنُ نقول : أنّ لفظَة الإمام علي (ع) وتعبيرَهُ بالسُنيّة لوضعِ الأكفّ على الأكفّ ، لم يُقيَّّد بالصّلاة ، فحملُهُ على المظاهر العِباديّة والحيّاتيّة الأخرى هُو الأظهَر والأقوى . ثمّ لو سلّمنا جَدلاً ، أنّ قول الإمام علي (ع) يَخصّ الصّلاة ، فإنّ هذا لا يُدخِلُ الضمّ إلاّ في السُّنَنَ التي لا يُؤثمَ عليها تَاركُها ، ولا تُبطِلُ صلاتِه ، هذا كلّه تسليماً جدليّاً . فإن قيل : فَهل تحكُم الزيدية بِبُطلانِ صلاة مَن لم يُرسِل يَديه ؟! . قٌلنا : لم نِقف –حسبَ ما اطّلعنا عليه من مصادر- من أقوال أئمّتنا (ع) مَن يُبطل أو يُكفرّ مَن يَفعلُ هذا ، وليَتَثبّت المُسلم فيه ، ولْيَحتَط لدينِه . فإن قُلتَ : وكيفَ يحتاطُ لدينِه؟. قُلنا : يَحتاطُ لدينه ، بأن يُصلّي مُرسلاً يَديه ، لأنّ هذا الأصل ، وأن يترُك هذه السّنة (التي حكاهَا المُخالِف، ولم تَثبُت عن أهل البيت(ع)) ، وليُعوّض الأجرَ الفائت (إن كانَ مازال مُتشكّكاً في سُنيّتِها) بعمَل مسنواتٍ أخرى ، تُعوّضُهُ الأجر ، وألاّ ينتابَه الشّك أبداً في صحّة صلاتِه مُرسلاً يديه ، لأنّ الخِلاف في الضمّ، لا في الإرسال ، بالاتّفاق ، فالعمل بِما اتّفق عليه المُختلفون هُو الأصْل ، وفيه الاحتياط ، والسّلامة .

النّقطَة الثّالثَة : إن قيلَ : فمَا معنَى وضع الأكفّ على الأكفّ تحت السرّة في الأثر ، وكيفَ يكونُ من الأخلاق ؟. قُلنا : مَعناه التأدّب والتواضع ، ونحنُ فما زِلنا نرى بعض الخُطباء على المَنابر يضعون أكُفّهُم على أكُفِّهِم وهم يَخطُبون ، وهذا احترامُ منهم للكلام الذي يُلقوه ، وللمؤمنين الذين أمامَهُم ، ثمّ نحنُ ما زِلنا نرى بعض الأشخاص يقفون على الموتى حال الدّفن وهُم واضعون أكُفَّهُم على أكُفِّهم تأدبّا واحتراماً لهذا المَوقِف ، ثمّ نحنُ ما زلنا نرى بعض المُصلّين (ونخصّ الغير قائلين بالضّم) يَضعون أكُفَّهُم على أَكُفِّهِم حالَ التوجّه (قبلَ تكبيرة الإحرام) وهذا منهم تأدّباً مع الله وإجلالاً للموقف الذي هُم واقفون فيه ، ثمّ نحنُ ما زِلنا نسمعُ أساتِذَتَنا في المدارس يَحثّونا على هذا الفعِل ويُسمّون هذا (أدَب) ، فمتى ما قالوا أدَبْ ، وَضعنا أكُفَّنا على أكُفِّنا ، ثمّ نَحنُ ما زِلنا نُلاحِظ هذه الصّفات في أقوام الأنبياء السّابقين لنبيّنا محمّد (ص) ، كاليهود والنّصارى ، والأثر السّابق قد أخبرَ أنّ هذا كانَ من أخلاق أنبياءهم ، نعم ! فهذا كُلّه يجعلُنا نجزم أنّ الأثر عن أمير المؤمنين (ع) لم يَكن يرمي إلى الضمّ في الصلاة ، ولا يَقصده ، بل كان يَحكي أدباً وخُلُقاً كريماً فاضلاً يُفضّلُ أن يكونَ عليه المُسلم .

النّقطة الرّابعة : أن تتأمّل لفظة ((تَحت السرّة)) في الأثر ، سَتَجِدُ هذا التخصيص يُقوّي ماذهبنا إليه من كونِها سنّة ، وأنّها وجهُ من وجوه التأدبّ والاحترام ، وأنّها أبعد ما يكون عن مقصوديّة الضم في الصلاة ، لأنّ المواقف السّابقَة لا تَدعو للتأدب والاحترام المُطلق ، إلاّ بوضع الأكفّ تحت السّرة ، ولنُجرّبها جميعاً في مُختلف المواقف ، وليكُن أقرُب المواقِف التوجّه للصّلاة .

الوَجه الثّاني : لَو سلّمنَا فهَمَ المُخالِف للأثر عن أمير المؤمنين (ع) :

وفيه اعلَم رحمَنا ورَحمِكَ الله تعالى ، أنّ قولَ الإمام عليّ (ع) : ((ثَلاثٌ مِنْ أخْلاقِ الأنبياء صَلاةُ الله وسَلامُه عَليهِم: تَعْجِيلُ الإفطَار، وتَأخِيرُ السّحور، وَوَضعُ الأكفّ على الأكفّ تحتَ السرَّة)) ، إن سَلّمنا للمُخالِف أنَّ وَضعَ الأكفّ على الأكفّ تعني الضّم ، فإنّها تَحكي واقِعَ أنبياء الله تعالى جميعاً ، رَسول الله (ص) ، والأنبياء السّابقون له ، فلمّا نُسِخَ الضّم ، بِقِيَ فِعلُ وضع الأكفّ على الأكّف الذي حكاهُ عَلي (ع) ثابتٌ في حقّ أنبياء الله تعالى السّابقون ، مِن غَير نبيّنا محمّد (ص) ، وكذلكَ كانَ رسول الله تعالى قد تميّزَ بأفعال وِعبادَات وخصوصيّات لم تُؤثَر لأنْبِيَاء الله السّابقين ، كَإباحَة الله له غنائم الحروب مَثلاً ، كمَا أنّ شريعَتهُ ناسخةٌ لجَمِيع الشّرائع الإلهيّة السّابقَة ، وكانَ الرّسول (ص) مَعروفاً عنه حُبَّ مُخالفَة اليهود والنّصارى في أفعالهِم وشعائرِهِم الدّينيّة ، وقد ذكرنَا في مَبحث الضّم شيئاً من هذا فليُراجَع ، خُلاصَته : أنّ هذا الخَبَر إن فُهِمَ بَفَهْمِ المُخالِف ، وخُصِّصَت وضع الأكفّ بالصّلاة ، فإنّها جاريَةٌ على أنبياء الله تعالى السّابقون ، دون نبيّنا محمّد (ص) .

الوَقفَة الثّانيَة : احتجّ الأخ علي على صحّة الضّم ، وأنّه فِعل أئمّة أهل البَيت ، واستشهدَ بنقولاتٍ للسيّاغي ، ولمحمّد بن إبراهيم الوزير ، فمّمن ذَكروا أنّه فَعلَها من أهل البيت (ع) ، زيد بن علي (ع) ، وأحمد بن عيسى ، والحسن بن يحيى ، ومن شيعتهِم محمد بن منصور المرادي ، وجاء أيضاً أنّ الأمير الحسين (ع) في الشّفاء رَوى أحاديث سنّية الضّم .

تعليق : اعلَم وفقّنا الله وإيّاك ، أنّهُ لَم يَثبُت عن الإمام زيد بن علي (ع) الضمّ في الصّلاة، وأنّ مَن نَسبَ إليه هذا ، كانَ مُعتمَده روايته عن علي (ع) السّابقة الذّكر في الوقفة الأولى ، وهذا دليلٌ ظنّي بما تقدّم بيانُه ، ويردّه عدم ثبوت التأمين عنهُ (ع) ، ومَن لَم يُؤمّن فليسَ ضامّاً قطعاً ، هذا مِن جَهة ، ومِن جَهةٍ أخرى أنّا لَم نُسلِّم لهُم ما فَهموه من حديث زيد عن علي (ع) ، مِن أنّه يعني السّنيّة المُطلقَة للضمّ ، ولسنَا نعلمُ خبراً يُستدلّ به قول الإمام زيد بن علي (ع) بالضمّ غير هذا ، وليسَ هُو بالرّاقي في بابِه ، وما حُكي عن الحسن بن يحيى (ع) فلَم نِقِف أيضاً على أصلِه ، وأمّا ما حُكي عن الإمام أحمد بن عيسى (ع) مِن أنّه كانَ يَذهبُ إلى الضمّ فقولٌ لا يصحّ ، قال محمد بن مَنصور : ((كانَ أحمد بن عيسَى (ع) إذَا كَبّرَ فَي أوّل الصّلاة ، أرسَل يَديه عَلى فَخِذَيه وهُو قَائم ، لايَضَعُ وَاحِدة عَلى الأخرى))[271] ، ولستُ أقِفُ على سَببَ حِكايَة الإمام المرتضى في البَحر مَشروعيّة الضم عن زيد بن علي (ع) ، وعن أحمد بن عيسى (ع) ؟! ، والذي يَظهرُ أنّه جعلَ من رواية زَيد السّابقَة دليل على قول زيد بالضّم ، ولكنّ لا شاهِد عن أحمد بن عيسى (ع) يُثبتُ هذا ، فلعلّ الإمام المرتضى وِهِم ، والله أعلَم . سلّمنَا ، أنّ الإمام أحمد بن عيسى كانَ يقول بمشروعيّة الضمّ ، ولكنّ هذا ليسَ اختيارَهُ لِنفسِه ، بدليل إرسالِه ، ثمّ إنّكَ تعلمَ أنّ ترك السّنن الثابتة مكروهٌ في الصّلوات ، فلِمَ تركَها إمام الصيّام والعِبادة أحمد بن عيسى (ع) ، تَفَكّر وتدبّر رحمك الله . نعم ! أمّا ما حُكيَ عن محمد بن منصور من الَقول بالضمّ فهذا مُوهِمٌ ، والحقّ أنّه قائلٌ بِهَا فِي النّفل ، كارهٌ لَها في الفَرض[272] ، وهذا منه رحمه الله تعالى اجتهادٌ وتحرّز ، على أنّك لو تأمّلتَ كراهيّتهُ رضوان الله عليه للضمّ في الفَرض لجعلكَ هذا تُوقنُ أنّها سُنّةٌ غيرُ ثابتةٍ ولا تَرقَى ، فالفرضُ أعظمُ من النّفل . وأمّا ما حُكيَ عن الأمير الحسين في الشّفا مِن روايته لأحاديث الضّم ، فإنّ هذا مُوهِمٌ تصحيحَها منه (ع) ، وهذا لا يصحّ فإنّه (ع) سردَهَا وناقشَها ، ومنها أثرٌ عن علي (ع) رواهُ أهل الحديث ، قال عنهُ الأمير الحسين (ع) : ((ولا يَصحّ الاستدلالُ بِه))[273] .

الوَقفَة الثّالثَة : احتجّ الأخ علي على صحّة الضّم ، بِخبَرٍ رواه محمد بن منصور المرادي ، بإسناده ، عن وائل بن حجر ، يُشبهُ إلى حدٍّ ما مَا رواهُ أهل الحديث عن وائل ، وجعلَ مِن هذا دَليلاً يحجّ الزّيديّة .

تعليق : اعلَم أخي في الله ، أنًَّ الزّيديّة في غنىً عن التشنّيع على من اعتبرَ بصحّة جميع ما احتواه البخاري ، ومُسلم ، ثمّ هِي تَعتبرُ بصحّة جميع ما في الأمالي ؟! ، فمَا قدَحَت به الزيدية على رواية أهل الحديث عن وائل بن حجر ، وإن شئت قل ما رُويَ في مَسألَة الضّم بعموم ، قُدِحَ به على مَا رواه الحافظ المُرادي ، لأنَّ مِيزان قبول الرّوايات عن رسول الله (ص) واحِد ، العَرض على الِكتاب ، والسنّة الصّحيحَة ، وعلى إجمَاع أهل البيت (ع) ، فما وافقَ كان ، وما لم يُوافِق لَم يكُن ، فهذه الرّوايَة لا يُحتجُّ بِها ، لإجماع أهل البيت (ع) على مُخالَفَتِها ، فإن قيل : وما وجهُ إجماع أهل البيت في مَسألة الضّم . قُلنا : ما سبقَ عن أحمد بن عيسى (ع) مِن فِعلِه ، وهُو مَذهبُ القاسم بن إبراهيم (ع) ، المُدْرِكُ لمشيخة آل محمّد (ع) ، وهُو إجماعُ أهل البَيت اسْتنبَاطاً مِن عدم قولهِم بالتّأمين ، وهُو أصلٌ قَوي ، وقد مضى نَقلُه ، هذا مِن جِهة . ومِن جهةٍ أخرى فإنّ جميع الشّيعة (الزّيديّة ، والجعفريّة ، والإسماعيليّة) اتّفقَت على هيئة الضّم عن أهل البيت (ع) ، وما اتّفقَ عليه الشيعة عن أهل البيت (ع) فليس بآتٍ مِنْ عبَث ، لاستحالَة التواطؤ منهُم على الكَذب ، وهُم المُعايشون والمُخالطُون لسادات أهل البيت أكثر من غيرهِم من أهل السنّة ، وليسَ قولُنا هذا يُصحّح بعض عقائدِ بعض هذه الفِرق التي ليسَ أهل البيت ولا إجماعُهُم عليها ، كما تَفرّدَت الجعفريّة بالإمامة الإثني عشريّة النّصيّة ، والمتعَة ، والبَدَا ، والرّجعَة ، وأمثالها ، وكمَا تفرّدَت الإسماعيليّة بالإمَامَة العَموديّة النّصيّة في الأكبر مِن أبناء عَلي بن الحسين إلى يَوم القيامة ، وبالتناسخ ، وأمثالِها ، فهذا شاذٌ من العقائد ، وليسَ عليه أهل البيت ، سَادَات بني الحسَن والحسين قَطعاً .

الوَقفَة الرّابِعَة : اعترضَ الأخ علي على مَن جعلَ الضّم في الصّلاة مُخالفاً لهيئة السّكون فيها ، المأمور به على لسان الرّسول (ص) ، وعندهُ أنّ هذا قولٌ ليس بِناهِض .

تعليق : ليسَ بيننَا اختلاف أنّ الفِعل الزّائد في الصّلاة ، إمّا أن يكونَ مُبطلٌ لَها ، أو مَكروه فيها ، وهذا استقصاءٌ منّا لحدود المسألَة ، فإن أنتَ وقفتَ على هذا واتّفقتَ معنا عليه ، عُدنا واتّفقنا معك ثانياً ، على أنّ الضمّ لا يَخلو مِن أمرَين اثنين ، إمّا أن يكون سنّة ثابتة ، وإمّا أن يكون سنة َمنسوخَة ، فإن كان سنّةً ثابتِة ولَم أفَعلْهَا صحَّت صَلاتِي ، ولَم يَنقُصنِي مِن أصْل أجْرِ صَلاتِي شَيء ، لأنّ السُّنَن لا يُؤثمُ تارُكُها . وأمّا إن كانَ الضمّ سُنّةً مَنسوخَة ، فإنّك ستضطرّ لتحريكِ يَدِيَك أربعَ مرّات في الصّلوات الرّباعيّة ، والبعضُ قد يُضمّ قبل الرّكوع وبعد الرّكوع (أي قبلَ السّجود حال الاعتدال) ، فيكونُ هُناك ثمانُ حَركات زائدَة عن أصلِ الصّلاة ، وهذا إمّا أن يُبطِلَ صلاتَك ، وإمّا أن يُنقِصَها أجرَها الأصْلِي . فإن أنتَ وقفت على مَغزى كلامِنا هُنا ، زِدْتُكَ عليه أنّ صلاتي مُرسلاً ليديّ أجمعَ أهل الإسلام على صحّتهِا ، وعقلاً وشرعاً لا يَنقُصُ من أجرِها الأصلي شيء ، وأمّا صلاة الضامّ فمُختلَفٌ حولَها ، وعقلاً وشرعاً يَنقُصُ أجرُ فَاعلِها إن لم تَثبُت ، والرّأي هُنا لأهل الحجا والسّلامَة ، أصلاةٌ مٌجمعٌ عليها بلا نُقصان أجر ، أو صلاةٌ مُختلفٌ حولُها بِنقصان أجر . نعم ! والشّاهد هُنا في الحركَة الزّائدَة في الصّلاة ، ومُنافَاتها للسكون المأمور به في الصّلاة .

الوَقفَة الخامسَة : ما نَقَلهُ الأخ علي ، عن كتاب الأكوع (الزّيدية نشأتُها ومُعتقداتُها) ، عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهّر ، شِعراً ، وعن ابن الأمير عنه (ع) من أنّ الضم والتأمين مَذهب أهل البيت (ع).

تعليق : نَقلُ وفَهمُ القاضي إسماعيل بن علي الأكوَع محل انتقادٍ كثيرٍ مِنَ المُحقّقين ، مِنَ المُخالِفين والمُتابعِين[274] ، وأمّا أنَا فَلستُ أعلمُ هذا القَول (شِعراً) عنهُ إلاّ عن الأكوع ، فالرّجوع إلى أصل كلامِ القاضي الذي نَقلَ منه هُو الفَيصَل ، وأنا شخصيّا قد وَقفتُ على مُخالفاتٍ عدّة في فَهم ونَقل القاضي وذلكَ مِن كتابه المذكور ، وأمّا ما حكاه ابن الأمير عنه فإنّه إن صحَّ مُعارَضٌ بإجمَاع أهل البَيت (ع) ، ومَا حكاهُ عن أهل البيت (ع) فليسَ له حجّة تَنهَضُ بِه ، ولَو لم يكُن دليلٌ على هَذا إلاّ نِقاشنا القَريبِ هَذَا .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الوَقفَة السّادسة : احتجّ الأخ علي على صحّة التّأمين ، بِخبَرٍ رواه محمد بن منصور المرادي ، بإسناده ، عن أبي عبد الله الجدلي ، قال : ((صلَّيتُ خلفَ عليٍّ الفَجر ، فقرأَ : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فلمّا أن قال : غير المغضوبِ عليهم ولا الضّالّين ، قال : آمين كفَى بربّي هادياً ونصيراً)) .

تعليق : هذا الخَبَر مَردود لأمرين اثنين ، أمرٌ على شرطِنا ، وأمرٌ على شرطِكم . فأما الأمر الذي على شَرطِنا : فهُو إجماع أهل بيت رسول الله (ص) السّابق الإيراد على أنّ آمين ليسَ سنّة نبويّة ، وإجماعُ أهل البيت (ع) هُو قولُ عليّ (ع) قطعاً ، وإن لَم يكُن إجماعُهم بعد الذي نُقِلَ عنهُم ظاهرٌ في مَعناه ، فلا إجماعَ ظاهرٌ بعدَه ، وأهل البيت (ع) معَ الحقّ والقرآن ، والحقّ والقرآن مَعهم ، إلى يوم الدّين ، وكيف يصحّ هذا عن علي (ع) ، والإمام زيد بن علي (ع) قريبُ العَهد بِأمير المؤمِنين ، يَقول : ((إنَّا أهل البيت لا نَقولُها ، وأنكرَ ذلِك)) ، وعليه فإنّ الخبر لا يصحّ . نعم ! فأمّا الذي على شَرطِكُم فإنّ لفظَة التأمين هذه التي أصْدَرَها عَليٌّ (ع) : ((آمين كَفَى بربّي هادياً ونصيراً)) ، زيادة ليسَ لها أصل من سنّة الرّسول (ص) عندكُم ، وللأسَف أنَّ الأخ علي بَتَرَها مِن نَقله ، واكتفى بالنّقل إلى لفظ (آمين) ولم يَنقُل (كفَى بربّي هادياً ونصيراً) ، وهذا فِعلٌ مُوهِمٌ مُدَلِّسْ . سلّمنا أنّ الخبَر صحيح ، فهُو مُتأوَّل ، إذ قدَ يكونُ هذا دُعاءٌ منه (ع) ، ارتفَعَ به صوتُهُ قليلاً فَسَمِعَهُ أبو عبدالله الجدلي ، والمعلوم أنّ بَعض القراءات الجهريّة قد يُجهرُ بِها قليلاً ، لإخراجِ نفسٍ أو نَحوه . على أنّ الكلام الأوّل هُو الأقوى (عدم التلفّظ بها نهائياً) للإجمَاع .

الوَقفَة السّابعة : نقلَ الأخ علي أثر التّخيير عن الإمام أحمد بن عيسى (ع) ، في التّأمين ، مَن شاء فعَل ، ومَن شاءَ ترك : ((حدّثني عَليّ ومحمد ابنا أحمَد بن عيسى، عَن أبيهِمَا قَال : ((يَرْفَعُ يَديه فِي تَكبير الرّكوع ، ... ، فَإذَا فَرَغَ مِنْ قِراءة فَاتِحَة الكِتاب ، وَقَال: ((وَلاَ الضَّالِّينَ)) ، إنْ شَاء قَالَ : (آمّين) ، وإن شَاء تَرَك . كلّ ذَلِكَ وَاسِعٌ لاحَرَجَ فِيه)) ، ثمّ قال الأخ علي في الفائدة الثّالثة مُعلّقا على هذا الخبر [ص133] : ((الفائدة الثالثة: أنَّ التّأمين بعد الفَاتِحَة سنّة ثابِتَة عن النّبي (ص) ، بالأحاديث الصّحيحة ، وهُو مَذهب الإمام علي (ع) ، وزيد بن علي ، وأحمد بن عيسى كمَا هُو واردٌ في الأحاديث)) .

تعليق : قَد تكلّمنا عن سَبب فِعل أحمد بن عيسى (ع) في تخييرهِ هذا ، ونقلَ الأخ علي عن الإمام المرتضى أحمد بن يحيى (ع) ، أنّ هذا لِجوازِ الدّعاء في الصّلاة عندَهُم ، فليتَ شِعري كيفَ فَهِم الأخ علي أنّ التأمين عندَ الإمام أحمد بن عيسى (ع) سنّة ثابتَة ؟! هَلْ لأنّهُ أجازهُ بنيّة الدّعاء ؟! فهذا لا يُستفادُ منه السنيّة المُطلقَة لهذه اللفظة (آمين) ، بَل لو قِيلَ لأحمد بن عيسى (ع) ، مَن قالَ بعد الفاتحة ((اللهمّ استجب)) ، لقالَ لا بأس ، لأنّها دُعاء ، فليسَ هُناك مُخصّصٌ للفظة (آمين) عندَهُ (ع) دونَ غيرها من الأدعيّة ، ولو لم تَكُن هذه اللفظة مَشهورَة عند النّاس لَما خصّها الإمام أحمد بن عيسى (ع) بالذِّكر دونَ غيرِها ، ثمّ إنّ الأخ علي لَو أكملَ الرّواية السّابقَة عن أحمد بن عيسى بالرّوايَة التي تَحتهَا مُباشرَةً ، والمُتعلِّقَة بالرواية المَنقولَة أعلاه ، لبانَ لهُ (ولأبانَ للقارئ) موضعُ الخلل ، فقد جاء بعد هذه الرّواية المنقولة مُباشرةً ما نصّه : ((وبَهِ قَال : أبو جَعفَر [محمّد بن منصور] ، وَقَال أحمد بن عيسى : أمّا أنَا فَأتْرُكُهُ))[275] ، قُلت : بعد أن خَيَّرَ فِي التأمينِ الذي أصلُه دَعَاء (لا أنّه سنّة محمّدية ثابِتة) ، قال الإمام : إنّه يَترُكُه (التأمين كُلّياً ، لا باعتبارِهِ دُعاءً ، ولا سنّةً ثابتةً) ، فانُظر رَحِمَك الله كيفَ يَستقيمُ هذا ، معَ قول الأخ علي (سنيّة التأمين الثابتة الصحيحة عن الإمام أحمد بن عيسى) ، الذي بناهُ على كلامِهِ المَبتور للأسَف ، والذي حقّاً كان سيوهِمُ كثيراً ممّن لا يَرجعون إلى أصول المَصادر والمراجِع ، نعم! وحِكايَة الأخ علي التّأمين عن الإمام زيد بن علي (ع) ليسَ لها أصل ، ولا يَقومُ عليها دَليل ، بَل ثبتَ عنه (ع) ، أنّه قال : ((إنَّا أهل البيت لا نَقولُها)) ، والإمام أحمد بن يحيى المرتضى (ع) يحكي إجمَاع أهل البيت (ع) على بِدعيّتِها[276] ، إلاّ أن يَكونُ مُعتمَدُ الأخ علي كلامُ ابن الأمير الصّنعاني المُتأخر (ت1182هـ)!! ، وأمّا حكايتُهُ لها عن الإمام علي (ع) فقد تقدّم وجه الجواب في الوقفة القَريبَة .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الرّابع عشر : [ الكَلام على صَلاةِ التّراويح ] :

قال الأخ عَلي [ص147] :

((وأمّا صلاة التّراويح ، فإنّها سنّةٌ ثابِتَةٌ عن النّبي (ص) ، وعن الإمام علي (ع) ، وعن الإمام الأعظم زيد بن علي ، فقد جاء في أصحّ كتب أهل البيت ، في مجموع الإمام زيد ، في باب القيام في شهر رمضان ، ما نصّه : ((حَدَّثَنِي زَيد بن عَلي ، عَن أبيه ، عَن جَدّه ، عَن علي عليهم السلام : ((أنّهُ أمَرَ الذي يُصَلَّي بِالنَّاسِ صَلاةَ القِيام فِي شَهْر رَمَضَان أنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَة ، يُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَين ، وَيُرَاوحُ مَا بَينَ كُلِّ أرْبَعِ رَكَعَاتٍ ، فَيَرْجِعُ ذُو الحَاجَة ، وَيَتَوضَّأ الرّجل ، وأنْ يُوتِرَ بِهِم مِنْ آخِرِ اللَّيل حِينَ الانصِرَاف)) ، فَهذا الإمام علي كانَ يأمُرُ بِها أيّامَ خِلافَتِه ، وحاشَى الإمام علي أن يأمُرَ بِبِدعَة ، بَل هُوَ مِنْ أشَدِّ النّاس تَمَسُّكاً بالسنّة)) .

تعليق : كلامُنا في مَسألة صلاة التراويح يَنقسمُ إلى ثلاثة مَحاور ، المِحوَر الأوّل : إثبات أنّ الصّحابي قد يَفعلُ باجتهادٍ ليسَ يرى صحّتهُ في الأصْل . المِحور الثّاني : الكلامُ على التّراويح السنّة و البِدعَة عند أهل البيت (ع) . المِحور الثّالث : الكلامُ على الخُلاصَة ووجه الحقّ في المَسألة بإذن الله تعالى .

المِحوَر الأوّل : إثبات أنّ الصّحابي قد يَفعلُ باجتهادٍ ليسَ يرى صحّتهُ في الأصْل :

وفيه وقبلَ مُناقشَة كلام الأخ علي القَريب ، والرّوايَة المُقتبَسَة من المجموع الشّريف ، نُقدّم هُنا بمُقدّمةٍ نقول فيها : اعلَم رحمنا ورَحِمَك الله تعالى ، أنّ أشدّ ما يُمزّقُ صفّ المُسلمين هُو الاختلاف ، ورَسول الله (ص) ، وصحابَتهُ فكانوا حَذِرونَ كلّ الحَذَر مِنَ هذه الظّاهرَة المَقيتَة الخَطيرَة ، جاء أبو سُفيان إلى أمير المؤمنين علي (ع) بعدَ موت رَسول الله (ص) ، مُستَغِلاً لِموقِفِ أمير المؤمنين المُخالِف لِما حَصلَ مِن البَيعَة لأبي بكر ابن أبي قُحافَة ، فقال أبو سفيان : ((وَالله إنّي لأرَى عَجَاجةً لايُطْفِئُهَا إلاَّ دَمٌ يا آلَ عَبد مَنَافَ ، فِيمِ أبو بَكرٍ مِنْ أمُورِكُم ، ... ، وقال : أبَا حَسَنٍ ابسُط يَدَكَ حَتّى أُبَايِعَكَ !! ، فَأبَى عَليٌّ عَليهِ ، .. ، وزَجَرَهُ ، وَقَال : إنّكَ وَالله مَا أرَدْتَ بِهَذَا إلاَّ الفِتْنَةَ ، وإنَّكَ والله طَالَمَا بَغَيتَ الإسْلامَ شَرّاً، لا حَاجَةَ لَنَا فِي نَصِيحَتِك))[277] ، أقول : انظُر أخِي في الله مَوقِف أمير المؤمنين (ع) ، مِن عَرْضِ أبي سُفيان هذا ، فإنّهُ يُخيَّلُ لَنا منهُ أنّه رافِضٌ المُخالَفَة على أبي بَكر ، داخِلٌ في طاعَتِه ، وذلكَ عِندمَا رفضَ مُساعدَة أبي سُفيان ، وهذا وَهمٌ ، لأنّا إذا دَقّقْنَا في الخَبر لوَجدناهُ (ع) يَرفضُ الاختلافَ الذي منهُ شقّ عصا المُسلمِين ، والذي منهُ الاعتمادُ على مَن لا همّ لَهُ في ارتقاء المُسلمين وارتفاعهِم ، ولا سيّما في ذلكَ العصر الذي ماتَ فيه سيّد الأولين والآخرين ، نعني موت رَسول الله (ص) ، وفيه نجَمت عدّة فِتنَ أكبُرها فِتنة المُرتدّين ، نعم ! الشّاهدُ في كلامِنا القَريب هُوَ رَفضُ الإمام علي (ع) مُساعدةَ أبي سُفيان للوصولِ إلى الخلافَة ، وذلكَ لِما سيُسبّبِهُ هذا من شقّ عصا المُسلمين ، والخلافِ عليهِم بِما سيؤدّي إلى مُنكَرٍ أعظم ، نعني حُصول الفِتنَة ، هذا مِثال . ومثالٌ ثانٍ على أنّ الصّحابَة قد يَتسايرونَ مع اجتهاداتِ بَعضهِم البَعض (وإن كانوا يَعلمونَ بُطلانَ هذه الاجتهادات) درءاً لإحياء الخِلاف ، وشقّ عصا المُسلمين : كان رسول الله (ص) يقصر الصّلاة في مِنى ، فلمّا كانَ عهدُ أبي بكر قَصرَها ، فلمّا كان عهد عُمر قَصرَها ، فلمّا كانَ عهدُ عُثمان أتمّهَا ولَم يَقصُرها ، فخالفَ عليه عبدالله بن مسعود ، ولكنّ خِلافَهُ هذا لِعُثمان لَم يَمنعهُ من الَعمَل برأي عُثمان!! ، فما السّبب ؟! ، ليسَ مِن جوابٍ إلاّ كَرَاهيَة ابن مسعود رضوان الله عليه للاختلاف ، وشق عصَا المُسلمين ، روى البيهقي ، بإسناده : ((عَن عبد الرّحمَن بن يَزيد ، قَال : كُنَّا مَع عبد الله بن مَسعُود بِجمع ، فَلمَّا دَخَل مَسْجِدَ مِنَى ، فَقَال : ((كَمْ صَلّى أميرُ المؤمِنين (يعني عُثمان) ، قَالوا : أرْبَعَاً . فَصَلّى أرْبَعَاً . قَال ، فَقُلنَا : أَلَمْ تُحَدِّثْنَا أنَّ النّبي (ص) صَلّى رَكْعَتَين ، وأبَا بَكرٍ صَلّى رَكْعَتَين. فَقَال : بَلى ، وأنَا أُحَدِّثْكُمُوهُ الآن ، ولكنَّ عُثمَان كَانَ إمَامَا فَمَا أُخَالِفُهُ ، والخِلافُ شَرّ))[278] ، قُلت : وهُنا تأمّل كيفَ أنّ ابن مَسعود صلّى بالنّاس أربعاً ، وهُو يَرى أنّ الصّحيح في هذا هُو القَصر ، أي رَكعَتين لا أربع ، وهُنا قَد يَتوهَّمُ مَن يرى ابن مَسعود يُصلّي بالنّاس أربعاً ، أنّ هذا رأي ابن مَسعود وأنّهُ يُصحّحهُ عن الرّسول (ص) . ومثالٌ ثالث : أنّ علي (ع) كاَن يحثّ القُضَاة على القَضاء بِماَ كانَ يَقضي بهِ مَن كانَ قَبلَهُ مِنَ المَشائخ ، ومَن يطّلعُ على مَوقِفِ أمير المؤمنين (ع) هذا ، يَتوهَّمُ أنّهُ يُصحّح خطّ الثلاثة الذين سَبقوه في آليّة القَضاء ، والحقّ أنّ أمير المؤمنين (ع) ، كانَ يَنتظرُ أن تَقومَ قائمَة الإسلام ، وتجتمعُ الجَمَاعَة ، ثمّ يُعيدُ هَيكَلَةَ وآليّة النّظام القَضَائي للأمّة الإسلاميّة ، فتغييرُهُ لِهذا الّنظام القَضائي في وقت ضعفِ أصحابِه ، وعدم اجتماعِهِم ، قد يُسبّب خِلافَاً يكونُ الضّرر منه أكبرُ من الّنفع ، روى عبدالرّزاق ، بإسناده : ((عن ابن سِيرين ، أنَّ عَليَّا ، قَال : ((اقْضُوا كَمَا كُنْتُم تَقْضُون ، حتّى تَكُونُوا جَمَاعَة ، فَإنّي أخْشَى الاخْتِلاف))[279] ، قلتُ : وهُنا تأمّل كيفَ أنّ عليّ (ع) سمَحَ للقضاة بأن يَقضُوا بِمثل ما كانُوا عليه سابقاً ، وهُوَ (ع) يَرى أنّ هذا ليسَ إلاّ مُؤقّتاً حتّى تجتمعَ صفوف المُسلمين فينظُرَ لهم فيه ، وهُنا قدَ يتوهَّمُ مَن يَرى هذا من علي (ع) ، أنّ الإمام علي راضٍ كلّ الرّضا عن الآليّة التي يتمّ بها القضاء في مُختلَف الأمصار في زمن المَشائخ ، وهذا وَهم ، قال الدّكتور محمّد روّاس في هذا : ((ويَظهرُ أنّ علي بن أبي طالب كانَ يَنوي إدخالَ بعض التّعديلات في أسلوب القَضاء ، وأصول المُحاكَمات ، بِما يَتناسَبُ مع التّطوّرات الجديدَة التي طَرأت على المُجتمَع ، إلاَّ أنّهُ أرجَأ ذلك إلى أن تستقرَّ لهُ الأمور))[280] ، نعم ! والشّاهدُ من الأمثلَة الثلاثَة السّابقَة ، هُوَ أن تَقِفَ على أنّ سُكوتَ الصحّابي على فِعل غيرهِ من الصّحابَة ، لا يَدلّ على تصحيحِه له ، وأنّ عملَ الصّحابي باجتهاد الصّحابي الآخَر ، وإن كانَ خطأً ، لا يدلّ على أنّ الصّحابي العامِل بِعمَل المُخطئ ، مُصحّح لاجتهادِه ، ومنهُ عَدم قَبول علي (ع) الخروج مع أبي سفيان على أبي بكر ، وهذا فلا يدلّ عن أنّ علي (ع) راضٍ عن خلافِة أبي بكر ، وإنّما الخلافُ وشقّ عصا المُسلمين هُو الذي مَنَعَه ، ومنهُ صلاة ابن مَسعود بالنّاس أربعاً ، وهذا منه رضوان الله عليه فلا يدلّ على أنّه قائلُ بصحّة الصلاة رُباعيّةً ، بَل القَصر هُو الصّحيح والصائبُ عندَه ، ولكنّ الخِلاف وشقّ عصا المُسلمين هُوَ الذي مَنَعه، ومنهُ رِضا أمير المؤمنين بالنّظام القَضَائي في عهد أبي بكر وعُمر وعُثمان ، وهُو فلا يدلّ على أنّهُ راضٍ كلّ الرّضا عن هذا النّظام ، بَل كانَ في خاطرِهِ التغيير ولكن بعد توحّد صفّ المُسلمين ، وقوّة شوَكَتِهِم ، وقَد كانَ بإمكانِهِ عملُ هذا من فورِه ولكنّ الخلاف وشقّ عصا المُسلمين هي التي مَنعتهُ مِن ذلك ، فإن أنتَ وقفتَ على هذا أخي في الله ، فِقِف على أنّ أمير المؤمنين (ع) قَد كانَ في وسعِه أن يمنَعَ الّناس (بالقوّة) عن صلاة التّراويح جماعةً في المَساجِد ، ولكنّ المُسلمين قَد اعتادوا عَليها طوالَ اثنين وعِشرين عَاماً ، من خلافَة عُمر عشرة أعوام ، ومن خلافَة عُثمان اثني عشرً عاماً ، وهذا فيُسبّبُ نُفرةً وخِلافاً بينَ المُسلمين ، خُصوصاً وأنّ النّاس أميلُ ما يكونوا في رَمضان إليه ، هِيَ الصّلاة والعِبادَة ، والتراويحُ فمنظرٌ حسَن ، ولكن ليسَ كلّ حَسَنٍ في أعيُنِنا سُنّةً ثابتةً عن رسول الله (ص) ، نعم ! كلّ هذه العَوامل ، تعودّ المُسلمون عليها لِفترَةٍ طويلَة ، وعَامِلُ حِرص أمير المؤمنين (ع) على عدم إذكاء رَائحَة الخِلاف ، فإنّه لَم يتعرّض لهذه السنّة العُمَريّة ، بالنّهي الحازِم[281] ، ومنهُ فإنّ ما سبقَ وقُلناه في الأمثلَة السّابقة فإنّه ينطبقٌ رأسَاً على موقفِ أمير المؤمنين (ع) مِن صلاة التّراويح ، فَتعليمُهُ لإمام النّاس في هذه الصّلاة كيف يُصلّي بالمأمومين ، لا يدلّ على تقريرهِ وتصحيحهِ لهذه السنّة . فإن قيل : قد أكثرتُم وأطَلتُم ، فهلاّ أظهرتُم مُستنداً أقوى مِن هذا ليكونَ هذا أوقَر في القَلب ، وأحسنُ في الإيراد . قُلنا : لَسنا نَقولُ هذا إلاّ لأنّا أمامَ خيارَين اثنَين ، الأوّل : أنّ نقول أنّ علي (ع) مُصححّ لِفعل عُمر هذا . والثّاني : أن نَقولَ أن إجماع أهل البَيت (ع) خالفَ قول علي صلوات الله عليه . فإن كانَ الأوّل فليسَ عليه دليلٌ يَنهض ، خصوصاً بعد استعراضِنا لأمثلِةً صَحابيّةٍ مُشابهةٍ لحال علي (ع) مع التّراويح ، وأقرَبُها مُطابقَةً موقف ابن مسعود من اجتهاد عُثمان ، فإنّه فَعلَ باجتهاد عثمان ، وليس هُو مُصحّحٌ له . وإن كانَ الثّاني : فهُو المُستحيلُ والمُستحَال ، نعني أن يُخالفَ إجماعُ أهل البيت رأي علي (ع) ، فأهل البيت (ع) مَتى ما أجمعوا على أمرٍ فإنّ رأي علي (ع) هُو القائدُ لإجمَاعهِم ، فَلا انفصال عن عليٍّ والحَسنين وإجماعُ سَادات أبناءهم ، وبني فاطمة (ع) قد أجمعوا على أنّ صلاة التّراويح جماعَةً في المَسجِد بِدعَةٌ لا سنّة ، وأنّ الأولى صلاتُها في البيوت ، وهذا هُو رأي شيخ الفواطم في زمانه عبدالله المحض (ع) ، وحكايَة عبدالله بن موسى بن عبدالله المحض عن َمن أدركَهُم مِن أهلِه ، ورأي نجم آل الرّسول القاسم بن إبراهيم (ع) ، قال محمد بن منصور رحمه الله تعالى : ((حَدّثنِي عَبد الله بن مُوسى، عن أبيه، عن جَدّه عبد الله بن الحسن : ((أنّهُ كَانَ يُصَلِّي بِأَهْلِهِ فِي مَنْزِلِهِ بِاللّيلِ فِي شَهْرِ رَمَضَان نَحْواً مِمّا يُصَلَّى[282] فِي المَسَاجِد ، التّرَاويح)) . وَبِهِ قَالَ محَمَّد : وَقَالَ عبدالله بن مُوسى : مَنْ أدْرَكْتُ مِنْ أهْلِي كَانُوا يَفْعَلُونَه[283] . وقَال قَاسم بن إبراهيم: أنَا أفْعَلُهُ ، يَعنِي يُصَلِّي بَأهْلِه ، وَلَيس هُو شَيءٌ مُؤقَّت))[284] . قُلتُ وهذا إجماعٌ من أهل بيت رسول الله ، على أنّ صلاة التراويح السنّة فيها الصلاة في البيوت دونَ المسَاجد جماعةً ، قال الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) : ((أجمَعَ آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ صَلاةَ التّراويح لَيسَت بِسُنّةٍ مِن رَسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا مِن أميرِ المُؤمنين ، وأنَّ عَلي بن أبي طالب قَد نَهى عَن ذَلك ، وأنّ الصَلاة عِندَهُم وُحدَاناً أفضَل ، وكَذَلِكَ السّنّة))[285] . قُلتُ : وتأمّل حِكَايَة فقيه الآل عن جدّه أمير المؤمنين من أنّه نَهى عن هذه الصّلاة ، فعِندَهُ سيتأكّدُ لكَ أنّ رواية المجموع ليسَ إلاّ مِن باب عدم الخلاف لا مِن باب التّقرير والتّصحيح ، فلسانُ حالها يقول : أنّهُ إن كانَ ولابدّ من هذه الصّلاة ، فلتُكن مِنكُم على الصّفة الفُلانيّة (الصّفَة التي رواها الإمام زيد في المجموع) .

المِحور الثّاني : الكلامُ على التّراويح السنّة و البِدعَة عند أهل البيت (ع) :

وفيه يَنقسمُ الكلام إلى ستّة أوجُه :

الوَجهُ الأوّل : الوُقوفُ على مَعنى السنّة والبِدَعة ، فالسنّة : هِيَ ما ثبَتَ لهُ طريقٌ صحيحٌ عن رَسول الله (ص) ، مِن قولٍ ، أو فِعلٍ ، أو تَقرير . والبِدعَةُ : هِيَ ما نُسبَتَ إلى السنّة ، وليسَت هِيَ مِنَ السنّة ، مثالُهُ : كأن يَقول قائلٌ أنّ سُنّة الظّهر أربَعُ ركَعاتٍ بَعدَها ، وهذا فليسَ بمأثورٍ عن رَسول الله (ص) ، أو كأن يَقول قائلٌ أنّ صَلاةَ النِّصف مِن شَعبَان جماعَة في المَساجِد سُنّةُ عَن رسول الله (ص) ، وهذا فليسَ بمأثورٍ عَن رسول الله (ص) ، صحيحٌ أنّ صلاة النِّصفِ مِن شَعبَان سنّةٌ أمرَ بِها الرّسول (ص) ، ولكنّ صلاتَها جماعةً في المَساجِد بِدعةٌ لم يأمُر بِها رَسول الله (ص) ، ولَم يكُن عليها إلى أن قُبِض ، فَالبِدعيّة في صلاتِها جماعَة ، لا في مُشروعيّتها ، وهذا فوجههُ بيِّنٌ بِحمدِ الله تعالى .

الوجهُ الثّاني : أن تَعْلمَ أن حالَ صلاة التّراويح مُطابقٌ لِمثالِنا القريب حول صلاة النِّصف مِن شَعبان ، فَرسول الله (ص) قُبِضَ والّناس يُصلّونَها فُرادَى ، وفي عهد أبي بكر أيضاً بِقيَ النّاس على ماهُم عليهِ فِي عَهْد رسول الله (ص) ، يُصلّونَ التّراويح فُرادَى ، فلمّا جاء عهد عُمر بن الخطّاب جمعَ النّاس على قارئٍ واحِد ، فأُقيمَت صَلاة التّراويح جَماعَةً في المَساجِد ، وقد كانَ عُمر يُقرَّ أنّ الذي فَعلَهُ هذا ، بِدعَةٌ في الدّين ، وليسَ هُو فِعلُ الرّسول (ص) مع أصحابِه قبلَ أن يَموت ، فرسول الله (ص) تركَ النّاس يُصلّون التراويح فُرادَى ، فإن أنتَ وقفتَ على هذا ، فِقِف على أنّ أصلَ صلاة التّراويح فُرادَى هُو سنّة محمّديّة ، وأنّ جَمعَ النّاس لِصلاة التّراويح جَماعةً ليسَ بسنّةٍ مُحمديّة بَل هُو بِدعَة أوّل مِن وضَعَها هُو عمر بن الخطّاب ، والسّؤالُ هُنا : مَن الأولى في الإتباع ، رَسول الله (ص) ، أو عُمَر بن الخطّاب ؟ إن قُلتُم : رَسولُ الله (ص) ، قُلنا : فَصلَّوا التّراويح كمَا كانَ يُصلِّيها ، ولَم يكُن الرّسول (ص) يُصلّيهَا إلاّ فُرادَى ، إلى أن قُبِض إلى رَحمة الله تعالى . وإن قُلتُم عُمر : قُلنا فَقد خالَفتُم كتاب الله وسنّة رَسول الله (ص) ، فأمّا مخالفَتكم للكتاب فَلِقَول الله تعالى : ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر:07] ، فأنتُم أخذتُم ما أتى بِه عُمر ، فصلّيتُم التّراويح جماعَةً في المَساجد ، وانتهيتُم عمّا جاء به رسول الله (ص) وقُبِض عليه ، نعني صلاة التّراويح فُرادَى ، وأمّا مُخالَفتُكم للسنّة فِلَعدم قَول أمر الرّسول (ص) بِها جماعةً في المَساجد ، بل على العَكس أُثِرَ عنه (ص) تفريقُ النّاس عن الجمَاعة ، إن أنتَ وقفتَ على هذا ، وَقفتَ على خِطابٍ غيرُ مُعقَّدٍ في الألفاظ والجَدل الذي اَحتوتهُ مُصنّفات الفِقَه ، وفيه قُوّةٌ لَو تَمعنّتَ فيه .

الوَجه الثّالث : رَأي أهل بيَت رسول الله (ص) في المَسألَة ، هَل كانوا يَنظرون إلى التروايح على أنّها بِدعةٌ مِن أصلِها ، سواء كانت فُرادَى ، أو جماعةً في المَساجِد؟ . أم كانوا يَنظرونَ إلى أنّها سنّةً فُرادَى ، وسُنّةً جماعَةً في المَساجِد ؟ . أم كانوا يَنظرونَ إلى أنّها سنّةً فُرادَى ، بِدعَةً جماعةً في المَساجد؟ . فإن قيلَ بالأوّل ، البدعيّة المُطلَقَة ، فهذا لا دليلَ عليه يَنهض ، وأهل البَيت منهُ بُراء . وإن قيلَ بالثّاني : السّنيّة المُطلقَة ، فُرادى ، وجَماعَةً في المَساجد ، قُلنا : هذا لا يصحّ عن أهل البيت (ع) ، لأنّا أثبَتنا في الوجه الثّاني أنّ صلاة التراويح لا يصحّ أن يُطلقَ عليها لفظ (السنّة) ، بل حتّى واضِعُها عُمر بن الخطّاب ، كان يُسّمّيها بِدعَة ، وأهل الَبيت (ع) مُنزّهُون عن هذا الفَهم السّقيم لسنّة جدّهم (ص) ، نعني أن يَقولوا على ما ليسَ مِن السنّة (البِدعَة) أنّه سُنّةٌ محمّديّة ، العقلُ والكتابُ والسنّة يَقولونُ ببدعيّة ما لَم يأمر به الرّسول (ص) ، وأهل البيَت (ع) سُفُن النّجا ، وثِقَل الله في الأرض يُخالفونَ هذا ويَقولون بَل هُو مِن السنّة ، فإن كانَ هذا فَهمُهُم ، فَفَهْمُ عُمَرٍ أفضلُ مِن فَهْمِهِم عندما أقرّ أنّ هذه الصّلاة الجماعيّة في المَسجد بِدعةٌ في الدّين ، وهذا مُنزّهٌ عنه أئمّة الآل صلوات الله عليهم . وإن قيلَ بالثّالث : سُنيّة التراويح فُرادَى ، وبِدعيّتُها جَماعَة في المَساجِد ، كانَ هذا هُو الرّأي المُلازمُ للكِتَاب والسنّة ، وهُو الذي يَستقيمُ به الدّليل ، وهُو المأثورُ عن سَادات أهْل البَيت (ع) ، ومَن تمعّن في قَول فقيه الآل الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) ، وجدَ هذا جليّاً جليّاً ، فقال (ع) : ((أجمَعَ آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ صَلاةَ التّراويح لَيسَت بِسُنّةٍ مِن رَسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا مِن أميرِ المُؤمنين ، وأنَّ عَلي بن أبي طالب قَد نَهى عَن ذَلك ، وأنّ الصَلاة عِندَهُم وُحدَاناً أفضَل ، وكَذَلِكَ السّنّة)) ، ومن قولِه (ع) ، نستنتجُ أموراً ، منها : إجماع آل رسول الله (ص) على أنّ صلاة التّراويح ليسَت بسنّة صلاتُها جماعةً في المَساجِد ، ولا مِن أمير المؤمنين (ع) ، وأنّه قد نَهى عن صلاتِها جماعةً في المَساجِد ، فهذا الأمرُ مُحدثٌ ، وبِدعةٌ في الدّين ليسَ هُو من سنّة الرّسول (ص) ، ومِنها أنّ السنّة في صلاة التراويح عند أهل البيت (ع) هِي صلاتُها فُرادَى وأنّ هذا هُو محض السنّة . نعم ! يُقوّيه ما سبقَ ونَقلنَاهُ عن عبدالله المحض (ع) ، وعن عبدالله بن موسى الجون عن فِعلِ أهلِه ، وعن القاسم بن إبراهيم (ع) ، وأنّ هؤلاء جميعاً كانوا يُصلّون التراويح في بيوتِهِم نَحواً ممّا يُصلَّى جَمَاعةً في المَساجِد ، وإلى هذا أشارَ الإمام يحيى بن حمزة (ع) في الانتصار ، قال : ((وأمّا صلاتُها (التراويح) على الانفرَاد فممّا لا خِلافَ في حُسنه ، ... ، ولا خِلافَ في حُسنِهَا على الانفراد ، وفَضلِها بين أئمّة العِترَة ، والفُقهاء . قال الشّافِعيّ : فأمّا قِيامُ رَمضان –أرادَ التّراويح- فَصَلاةُ المُنفَرِد أحَبُّ إليَّ[286] . فَظاهِرُ كلامِه هذا دالٌّ على أنّ صلاة التّراويح على الإنفراد أفضَل ، كمَا هُو رأي أئمّة العِترَة ، ... ، فأمّا صَلاةُ التّراويح في جَماعَة فَهَلْ تُكرَهُ أم لا ؟ فِيه مَذهبَان : المَذهبُ الأوّل : كرَاهَتُهَا وهذا هُو رأي أئمّة العِترَة))[287] .

الوَجه الرّابع : إن قيلَ كلامُكُم هذا مُعارَضٌ بِما نقلَهُ الإمام يحيى بن حمزة (ع) ، قال في الانتصار : ((وهذا الذي اختَرنَاهُ مِن كونِها (التراويح جماعة في المسجد) سُنّة ، في ليالي رَمضان ، مَحكيٌّ عن زيد بن علي (ع) ، وعبدالله بن الحسن ، وعبدالله[288] بن موسى بن جعفر))[289] ، قُلنا : كُلّاً يُؤخَذُ مِن كلامِهِ ويُردّ ، إلاّ كتابُ الله تعالى ، وسنّة رسول الله (ص) ، وإجماع أهل البيت ، ونحنُ هُنا لَسنا نُنْقِصُ مِن شأنِ الإمام المؤيد بالله (ع) إن رَدَدْنا عليه كلامَهُ بِما نَرى وَجه الصّواب فيه ، خُصوصاً وأنّ كلامَهُ القريب نابعٌ مِن اجتهادِه وفَهمِه للنصوص والرّوايات ، وليسَ قَطعيّاً في دلالته ، وعليه فَكلامُ الإمام (ع) بِحاجَة إلى تَوضيح ، فَنقول ، قولُهُ : ((وهذا الذي اختَرنَاهُ مِن كونِها (التراويح جماعة في المسجد) سُنّة .. إلخ)) ، وهُو في الحقيقَة ليسَ سُنّة ، ولا يصحّ وَصفُهُ بالسنّة ، لأنّ السنّة ما كان مُورِدُها عن رسول الله (ص) ، وصلاة التراويح جماعةً في المساجِد مُوردُها عُمر ، فهي على هيئتها الجماعيّة في المسَاجِد سنّةٌ عُمَريّةٌ لا مُحمّديّة ، وأمّا ما حكاهُ الإمام (ع) عن الإمام زيد بن علي ، وعن المحض ، وحَفِيدِه عبدالله ، فليسَ يَخلو حالُه من أمرين اثنين : إمّا أن يكون القَصدُ من هذه الحِكايَة نِسبَة السنيّة لصلاة التراويح جماعةً في المساجدِ إليهِم ، وأنّهم مَن أصدرَ هذا اللفظ (السنيّة) على هذه الصّلاة ، وهذا مُمتنِع ، لمُخالفَة الكتاب ، والسنّة ، وإجمَاع أهل البيت الَمحْكِي عن الحسَن بن يحيى (ع) ، ولمُخالفَة فِعل المحض وحفيده عبدالله ، وابن عمّهم القاسم الرّسي (ع) لِهذا كلّه ، فإنّهم كانوا يُصلّون في بيوتهِم نحواً مما يُصلَّى في المَساجِد ، ولسنَا نقِف على وجه الحِكايَة عن زيد بن علي (ع) في هذا ، إلاّ أن يكونَ هذا قد استُنتِجَ من روايته التي في المجموع ، فَجُعِلَ هذا رأياً لزيد بن علي (أعني سنيّة التّراويح)[290] ، فإن كان هذا كذا ، فإنّه مُعارضٌ بأنّ رواية المجموع لَم تَذكُر أنّ هذا الفِعل سنّة مِن عَدمه ، ومُعَارضٌ بمُخالفَة قَرين زَيد بن علي في العُمُر عبدالله المحض فَهُو لَم يكُن قائلٌ بسنيّة التراويح جماعةً في المَسجد ، ولسنَا نرى زيد والمحض في مِثل هذه الأمور الفرعيّة الظاهرَِة إلاّ واِحداً ، وحالُ هذا يُنبئُ عن حالِ ذاك ، والشّاهدُ في هذا كلّه وهُوَ خُلاصَتُه ، أنّه لا يصحّ أن ننسب إلى أهل البَيت (ع) ، ونخصّ مَن ذكرَهُم الإمام (ع) ، بإطلاقِ لفظة السنيّة المحمديّة على صلاة المسلمين للتراويح جماعَةً في المَسجد ، وهذا خلاصَة الأمر الأول الذي قد يُحتملُ أن يكون الإمام يُريدُهُ بنقلِه القريب . وأمّا الأمر الثّاني ، إن كانَ الإمام يُريدُ أنّ مَن ذكرَهُم من أئمّة العِترَة الفاطميّة كانُوا يَنظرونَ إلى صلاة التراويح في المساجد على أنّها بِدعةٌ ، وأنّ السنّة صلاتها في البيوت ، ولكنّهُم مَعَ هذا جوَّزوا صلاة التراويح جماعةً في المسَاجِد ، ولَم يروا بِهِ بأساً بِصفَةِ أنّه مَظهرٌ عِباديُّ حَسَن ، فَهذا غيرُ ممُتنعِ ، وهُوَ أفضلُ ما قد يُحمَل عليه كلامُهُ (ع) ، ونُضيفُ إليه ، أنّ تَجويزَهُم هذا ليسَ هُوَ اختيارُهُم لأنفُسِهِم ، فلَم يكونوا مُصلِّين للتراويح جماعةً في المَساجد ، بل كانوا يُصلّونَها في بيوتهِم ، وما أشبهَ الكلام في الجزئيّة الأخيرة بكلامِنا حولَ مسألة التأمين وما أُثِرَ عن الإمام أحمد بن عيسى (ع) فيها من التخيير ، بين الفِعل والتّرك ، مع أنّ رأيهُ التّرك ، ومَن فعلَ كانَ هذا لا بنيّة السنيّة المحمديّة للفظة (آمين) ، بَل لأنّها دُعاء ، والدّعاء عندَهُ جائزٌ في الصّلوات ، ثمّ هُو مع هذا مُرجَّحٌ عنه الإسرارٌ فيه ، وهُنا تشابهٌ كبير في المَوقِف ، فَتجويز هؤلاء السّادة ممّن ذكرَهُم الإمام (ع) لِصلاة التّراويح جماعةً في المساجد ، ليسَ هُو اختيارُهُم في المَسألَة ، وإنّما هُذا منهُم اجتهادٌ فِي المسألَة ، إن صحّ عنهُم . وما تكلّمنا فيه هُنا يُوجّهُ رأساً إلى مَا نقلَهُ الإمام المرتضى في الأزهار .

الوَجه الخامِس : أنّ صلاةَ التراويح في البَيوت أفضَلُ منها في المَساجِد ، لم يكُن رأي أهل البيت (ع) فقط ، بَل كان رأي جماعَة من الصحّابة والّتابعين ، منهُم عبدالله بن عمر بن الخطّاب ، روى البيهقي ، بإسنادِه : ((عَن عبَد الله بن عُمَر ، قَال : قَالَ لَهُ رَجُلٌ : أُصَلِّي خَلْفَ الإمَامِ فِي رَمَضَانَ [يعني التّراويح]؟! قَالَ (يَعنِي ابن عُمَر) : ألَيسَ تَقْرَأُ القُرْآنْ ؟ قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : أفَتُنْصِتُ كَأنَّكَ حِمَارْ ، صَلِّ فِي بَيتِك))[291] ، وروى البيهقي أيضاً ، بإسنادِه : ((عَن نَافِع ، عن عبد الله بن عمَر ، أنّهُ كَانَ يَقُومُ فِي بَيتِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَان [أي يُصلّي التروايح] ، فَإذَا انَْصَرَفَ النّاسُ مِنَ المَسْجِدِ ، أخَذَ أَدَاوَة مِنْ مِاء ، ثمّ يَخْرُجُ إلى مَسْجِدِ رَسول الله (ص) ، ثمّ لا يَخْرُجُ مِنهُ حتّى يُصَلِّيَ فِيه الصُّبْح)) [292] . وأفردَ ابن أبي شيبة باباً عُنوانُه (مَنْ كانَ لا يَقومُ مَعَ النّاس في رَمَضان) ، روى فيه ، بإسناده : ((عن أبي حَمْزَةَ ، عن إبْرَاهِيمَ ، قَال : لَو لَم يَكُنْ مَعِي إِلاَّ سُورَةٌ ، أو سُورَتَانِ ، لَأَنْ أُرَدِّدَهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ من أَنْ أَقُومَ خَلْفَ الإِمَام في شَهْرِ رَمَضَانَ)) ، وروى بإسناده : ((عَنِ الأَعْمَش ، قَال: كَان إبْرَاهِيمُ [النّخعي] يَؤُمُّهُمْ في الْمَكْتُوبَةِ وَلاَ يَؤُمُّهُمْ في صَلاَةِ رَمَضَانَ ، وَعَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ)) ، وروى بإسناده ، ((حَدَّثني عُمَرُ بن عُثْمَانَ ، قال : سَأَلْتُ الْحَسَنَ [البَصري] ، فَقُلْتُ : يَا أبَا سَعِيدٍ ، يَجِيءُ رَمَضَانُ ، أو يَحْضُرُ رَمَضَانُ ، فَيَقُومُ الناس في الْمَسَاجِدِ ، فما تَرَى أَقُومُ مَعَ النّاسِ أو أُصَلِّي أنا لِنَفْسِي ، قَال : تَكُونُ أنت تَفُوهُ الْقُرْآنَ أَحَبُّ إلَيَّ من أَنْ يُفَاهَ عَلَيْك بِهِ))[293] ، وقال العَيني في (عُمدَة القاري) : ((وَأخْرَجَ ابنُ أبي شَيبَة أيضاً فِي مُصَنَّفِهِ عَن ابن عُمَر ، أنّهُ كَانَ لا يَقُومُ مَعَ النّاسِ فِي شَهْرِ رَمَضَان . قَال : وَكَانَ القَاسِم [بن محمد] وسَالِم [بن عُمَر] لا يَقُومَانِ مَعَ النّاس . وَذَهَبَ مَالِك والشّافِعِيّ وَرَبيعَة إلى أنَّ صَلاتَهُ فِي بَيتِه أفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الإمَام ، وَهُوَ قَولُ إبرَاهيم والحسَن البَصْرِي والأسُود وعَلقَمَة . وَقَال أبو عُمَر : اخْتَلَفُوا فِي الأفْضَلِ مِنَ القِيَامِ مَعَ النّاس ، أو الانفرَادِ فِي شَهْرِ رَمَضَان ، فَقَالَ مَالِك والشّافِعِي : صَلاةُ المنفَرِدِ فِي بَيتِه أفْضَل . وَقَالَ مَالِك : وَكَان رَبيعة [بن فروخ ] وَغير وَاحدٍ من عُلمَائنَا يَنْصَرِفُونَ وَلا يَقُومُونُ مَعَ النّاس . وَقَال مَالِك : وأنَا أفْعَلُ ذَلِكَ ، وَمَا قَامَ رَسُول الله إلاَّ فِي بَيتِه . وَإليهِ مَال الطَّحَاوي وَرُويَ ذَلِكَ عن ابن عُمَر وسَالم والقَاسم ونَافِع أنّهُم كَانُوا يَنْصَرِفُونَ وَلا يَقُومُونَ مَعَ النّاس . وَقَال التّرمذِي : واخْتَارَ الشّافِعيُّ أنْ يُصَلِّيَ الرّجُلُ وَحْدَهُ إذَا كَانَ قَارئاً))[294] ، وذكرَ الذّهبي أّن عبدالله بن عون : ((كَانَ فِي شَهر رَمضَان لا يَزيدُ على المكتُوبَة فِي الجمَاعة ، ثمّ يَخلو فِي بَيتِه))[295]، قال في المدوّنة : ((قال ابن القَاسِم : وَسَألتُ مَالِكَاً عَن قِيَامِ الرّجل فِي رَمَضَان ، أمَع النّاس أحَبُّ إليكَ أمْ فِي بَيتِه؟! قَال [مَالك] : إنْ كَانَ يَقْوى فِي بَيتِهِ فَهُو أحَبُّ إليَّ ، وَليسَ كُلّ النّاس يَقوى على ذَلِك ، قَدْ كَانَ بن هرمز يَنْصَرِفُ فَيقُوم بِأهْلِه ، وَكَانَ رَبيعَة يَنصرف ، وَعَدَّدَ غَير وَاحِدٍ مِن عُلمَائهِم كَانوا يَنصَرِفُون ولا يَقُومُونَ مَعَ النّاس ، قَالَ مَالِك : وأنَا أفْعَلُ ذَلِك))[296] ، قلتُ : وهذا رأي أهل المدينة في ذلك الوَقت (أعني رأي مالِك تَحديداً) ، وسَادات أهل البيت (ع) مِن أهل المدينة ، وهذا فيُعضّدُ ما ذكرناهُ عن أهل البيت (ع) سَابقَاً ، فكُن ذا بَصيرَة نَافِذَةٍ مُدركَةٍ رَحمكَ الله .

الوَجه السادِس : تَرجّحَ لَنا فيه إيرادُ أبرز ما يَعتمدهُ المُخالِف في إثبات التراويح عن أمير المؤمنين علي (ع) من طريق أهل الحديث ، ومُناقشَة سَنَده ، فمن تِلكَ الرّوايات :

الرّوايَة الأولى : روى البَيهقي ، بإسناده ، قال : ((أخَبَرنَا أبو الحسَين ، ثنا مُوسَى بن محمد بن علي بن عبد الله ، ثنا أحمَد بن عيسى بن مَاهان الرّازي ببغداد ، ثنا هشام بن عمّار ، ثنا مروان بن مُعَاوية ، عن أبي عبد الله الثّقفِي ، ثنا عَرفَجة الثقفي ، قَال : ((كَانَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه يَأمُرُ النّاسَ بِقِيامِ شَهرِ رَمَضَان ، وَيَجْعَلُ لِلرّجَالِ إمَامَاً وللنّسَاءِ إمَامَاً ، قَالَ عَرْفَجَة : فَكُنتُ أنَا إمَامَ النِّسَاء))[297] .

تعليق : قُلتُ على شَرطِ رِجَال الجَرح والتّعديل : في سند هذا الخبر عرفَجَة بن عبدالله الثّقفي ، قال عنهُ ابن القطّان : مَجهول[298] . قلتُ : ولا تكادُ تَقِفُ له على تَرجمةٍ مَضبوطَة . قال في تقريب التّهذيب : مَقبولٌ مِنَ الثّالثة[299] . قُلتُ : وفي سندِهِ عُمر بن عبدالله بن يعلى بن مرةّ الثّقفي (أبو عبدالله الثّقفي) ، وهُو مُجمَعٌ على ضَعفِه ، قال يحيى بن معين : عمر بن عبدالله ضعيف ، وقالَ : سمِعتُ جرير بن عبدالحميد يقول : كان عمر بن عبدالله يَشربُ الخَمر[300] . قال أبو نعيم : رأيتُ عمر بن عبدالله مَا أسْتَحِلُّ أن أرْوِيَ عنه[301] . قال أحمد بن حنبل : ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة : ليس بقوي . وقال ابن أبي حاتم : مُنكر الحديث[302] . وحاصلُ الأمر أنّه مُجمعٌ على ضعفِه وراجع تهذيب الكمال تجد هذا جليّاً ، وليسَ هذا الخبر يُروى عن علي (ع) إلاّ عن هَذين الرّجلين .

الرّوايَة الثّانية : روى البَيهقي ، بإسناده ، قال : ((أخْبَرَنَا أبو عَبد الله الحافظ ، نا أبو محمّد عبد الله بن إسحَاق الخرسَاني بِبغدَاد ، نا محمّد بن عُبيد بن أبي هَارون ، نا عبيد بن إسْحاق ، نا سَيف بن عُمَر ، عن سَعد بن طريف ، عَن الأصبغ ، عن علي ، قَال : (أنَا حَرَّضْتُ عُمَر عَلى القِيامِ فِي شَهْرِ رَمَضَان ، أخْبَرتُهُ أنَّ فَوقَ السَّمَاء السَّابِعَة حَظِيرَةٌ يُقَالُ لَهَا حَظِيرَةُ القُدْس ، يَسْكُنُهَا قَومٌ يُقَالُ لَهُم الرّوح ، فَإذَا كَانَ لَيلَةُ القَدر اسْتَأذَنُوا رَبّهُم فِي النّزول إلى الدّنيَا فَلا يَمُرُّونَ عَلى أحَدٍ يُصَلِّي أو على الطّريق إلاَّ أصَابَ مِنهُم بَرَكَة ، فَقَالَ لَهُ عُمَر : يَا أبَا الحسَن ، نُحَرِّضُ النّاسَ على الصّلاةِ حتّى يُصِيبَهُم مِنَ البَرَكة ، فَأمَرَ النّاسَ بِالقِيام))[303] .

تعليق : قُلتُ وفي سَندِ هذا الخَبر سَعد بن طريف الإسكافيُّ الكوفيّ ، وهُوَ مُجمَعٌ على ضعفِه ، قال يحيى بن معين : ليسَ يحلّ لأحدٍ أن يَرويَ عنه ، وقال في موضع آخر : ليسَ بشيء[304] . وقال العجلي في معرفة الثقات : ضعيف الحديث[305] . قال أبو زرعة : كوفيٌّ ليِّن[306]. قال أحمد بن حنبل : سعد بن طريف ضعيف الحديث . قال السعدي : سعد بن طريق مذموم . قال البخاري : سعد بن طريف ليس بالقوي[307] . قال ابن حبّان : كان يَضَعُ الحَديث على الفَوْر[308] .

الرّوايَة الثّالثة : روى البَيهقي ، بإسناده ، قال : ((أخَبرنَا أبو غَالب بن البنا ، أنا أبو عَلي الحسَن بن محمّد بن فهد العَلاّف ، نا أبو الحسين محمد بن عبدالله بن محمّد بن أحمد بن حماد الموصلي ، نا أبو الحسين محمد بن عثمان ، نا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، نا موسى بن داود الضبي ، نا محمّد بن صبيح ، عن إسمَاعيل بن زِياد ، قَال : ((مَرَّ عَليٌّ رَضِي الله عَنهُ على المسَاجِد ، وَفِيهَا القَنَادِيلُ فِي شَهر رَمَضَان ، فَقَال : نَوَّرَ الله على عُمَرٍ قَبْرَهُ كَمَا نَوَّرَ عَلينَا مَسِاجِدَنَا))[309] .

تعليق : قُلتُ وفي سَندِ هذا الخَبر ، إسماعيل بن زياد السّكوني ، قال الحَلبي في كتابه الكشف الحثيث : دَجَّال . واتّهمه ابن الجوزي وابن حبّان بالوَضع . وقال ابن حبّان : لا يَحلّ ذِكرُ إسماعيل إلاّ على سَبيل القَدح[310]. قال ابن عدي : مُنكَر الحديث ، عامّةُ مَا يَرويهِ لا يُتابِعُهُ أحدٌ عليه ، إمّاً سنداً ، وإمّا مَتناً[311] . قُلتُ : وخبرهُ هذا واحدٌ منها ، فإنّا لَم نَقف على ما يَشهدُ لهُ من غير طَريقِه ، وروايَة ابن عساكر عنه . قُلتُ وفي سنده أيضاً : محمّد بن صُبيح البَغدادي ، وهُوَ مَجهول[312] .

المِحور الثّالث : الكلامُ على الخُلاصَة ووجه الحقّ في المَسألة :

في هذا الِمحور نذكُر خُلاصَة ما سبقَ النّقاش حوله ، وفيه اعلَم أنّ صلاة التراويح سنّة ثابتةٌ عن رسول الله (ص) ، لِمَن صلّاها في بَيتِه ، بِدعةٌ لِمن صلاّها جماعَةً في المساجِد، وأنّ إجماع أهل بيت رسول الله (ص) مُنعقدٌ على هذا ، ومنهُم أمير أمير المؤمنين علي (ع) ، وعبدالله المحض ، وعبدالله بن موسى بن عبدالله ، والقاسم بن إبراهيم ، والحسن بن يحيى بن زيد ، والأئمّةُ بعدَهُم ، وأنّ مَن نسبَ إليهِم القَول بسنيّة التراويح جماعةً في المساجد فقد وَهِم ، ولن يُسعَفه الدّليل ، وأنّ الخِلاف حولَ هَل أجازوا صلاة التّراويح لِمَن أراد في المساجد جماعَة أو لا ، دونَ الاختيارِ منهُم ، على أنّه قد تكونُ هُناك قُيود وشروط لمِنَ يُجوَّزُ لهُم الصّلاة في المساجد كأن لايكونوا مِن قرأَة القرآن ، وأن لا يَعتقدوا سنيّتها بتلك الصّفة ، وليسَ أهل البيت (ع) هُم الذينَ عليها فقط ، فقريباً رأينا أنّه رأي مالك والشّافعي ، نعني الصّلاة في البيت دون المَسجد ، ورأيُ غيرهِم ممّن روى ابن أبي شيبة عنهُم هذا ، كالحسن البصري رحمة الله عليه ، كمَا أنّ أشهرَ الرّوايات التي يَعتمدُ عليها المُخالِف لإثبات التّراويح عن أمير المؤمنين مَقدوحٌ فيها على شروط رجال الجرح والتعديل ، وبهذا نختمُ الكلام في هذه المَسألَة ، والتي نَرجو من الله أن نكون إلى الصّواب أقرب ، ومِنَ الخطأ أبعد في إيرادِها وتَصديرِها .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الخامِس عَشر: [ الكَلام على البَسمَلَة في الصّلوات الجَهريّة ] :

الكلامُ على مَبحث البَسملَة زيادةٌ منّا لم يتطرّق بحث الأخ علي لهُ ، الهدفُ منه تَنويرُ وتوسيع أفِق أخي القارئ ، طالب الرّشَاد ، وهُو بِمثابَة البَحث المُلحَق ، فنقولُ فيه مُقدّمينَ ومُصدّرين ومُتّكِلين على الله تعالى :


عُلماءُ أهل بيت رسول الله (ص) لَيسُوا بالشيء القليل عندَ أهلِ الإسلام ، واتّباعُهُم واجبٌ بِقول الصّادق المَصدوق ، الذي لا يَنطقُ عن الهوى إنْ هُوَ إلاّ وَحيٌ يُوحَى ، فيقولُ الرّسول (ص) : ((إنّي تاركٌ فيكُم ما إن تَمسّكتم به لن تضلّوا مِن بَعدي أبداً ، كتاب الله وعِترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيفَ الخبير نَبّأني أنّهما لَن يَفترقَا حتّى يَرِدَا علَيَّ الحَوض)) ، وقال (ص) : ((مَثَلُ أهل بَيتِي فِيكُم كَمَثَلِ سَفِينَة نُوح ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَى، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنهَا غَرِقَ وَهَوَى)) ، وأمثالُ هذين الحَديثين في دواوين أهل الإسلام كثيرةٌ جِداً ، ولكنّ مِنّا للأسَف مَن يُقدِّمُ التّابِعَ على المُتبوع ، ويُقَلِّدُ الغَير المُلازِم للقرآن على المُلازِمِ للقرآن العَظيم ، ويَركبُ في سَفينةٍ ليسَ يُعلمُ أنّها كمثلِ سفينةِ آل محمّدٍ لأمّة مُحمّد ، فَيَبتَغِي عُلماء غير آل بيت رَسول الله (ص) ، نعم ! لَستُ هُنا بمُطيلٍ مُسهِب في مَسألة الأولى بالاتّباع ، وسأكتفي بِما قَد أشرتُ إليه فيمَا سَبَق ، مُنطَلِقاً في سَرد أقوالَ أهل البَيت ، سادات بني الحسن والحسين ، في مَسألة الجَهر بالبَسْمَلَة في الصّلوات ، بل ونزيدُ أقوالَ الصّحابَة وكبار التّابعين ، ليكون هذا أقبَل ، وأحسَن ، وأملأ لعين مَن لا يكتفي ولا يَركنُ بقول أهل البيت (ع) ، والله المُستعان ، فنقولُ مُتّكلين على الله تعالى :

الجَهر بالبَسملَة عند أهل البَيت (ع) :

[ مَا أُثِرَ عن رَسولِ الله (ص) ]

1- رَوى الحَافِظ محمد بن منصور المرادي ، بإسنادِه ، عن الإمام جَعفر الصّادق (ع) ، عن أبيه ، عن جابر بن عبدالله ، قَال: قَالَ رَسُول الله (ص) : ((كَيْفَ تَقُولْ إذَا قُمْتَ إلى الصّلاةْ))؟ قَال: أقْولُ: الحَمْدُ لله رَبّ العَالمين . قال: (( قُلْ : بِسْمِ الله الرّحْمَنِ الرَّحِيم))[313] .

2- رَوى الحاكم النيسابوري ، بإسنادِهِ ، عَن ابن عَبّاس ، قَال : (كَانَ رَسُول الله (ص) يَجْهَرُ بِبِسمِ الله الرّحمن الرّحيم)[314] ، وقال : هَذا إسنادٌ صحيحٌ ، ليسَ لهُ علّة ، ولم يُخرّجاه (يعني البَخاري ومُسلِم) .

3- رَوى الحاكم النيسابوري ، بإسنادِهِ ، عن أبي هريرة ، قَال : ( كَانَ رَسول الله (ص) يَجْهرُ بِبسمِ الله الرّحمن الرّحيم)[315] .

4- رَوى الحاكم النيسابوري ، بإسنادِهِ ، عن أنس بن مالك ، قال : (سَمعتُ رسول الله (ص) يَجْهرُ ببسمِ الله الرّحمن الرّحيم)[316] ، وقَال : رُواةُ هَذا الحديث عَنْ آخِرِهِم ثِقَات .

5- رَوى الدّار قطني ، بإسناده ، عن عيسى بن عبدالله بن محمد بن عُمر بن علي بن أبي طالب ، قَال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عَلي ، قَال : (كانَ رسول الله (ص) يجهرُ ببسمِ الله الرّحمن الرّحيم في السّورتين جميعاً)[317] .

6- رَوى الدّار قطني ، بإسناده ، عَن أبي الطفيل ، قال : سَمعتُ علي بن أبي طالب ، وعمّاراً ، يَقُولان : ( إنَّ رَسُولَ الله (ص) كَانَ يَجْهرُ ببسم الله الرّحمَن الرّحيم)[318] .

7- روى الدار قطني ، بإسناده ، ثنا عَبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : (كَانَ النّبي (ص) يَقْرَأُ بِسمِ الله الرّحمَن الرّحيم فِي صَلاتِه)[319] . قُلت : يُريدُ أنّ الرّسول يجهرُ بالبَسملَة عندَ القراءَة .

8- روى الدّار قطني ، بإسناده ، عن ابن عبّاس ، أنّ النّبي (ص) ، (لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَينِ بِبِسمِ الله الرّحمَنِ الرّحيم حَتّى قُبِض)[320] .

9- روى الدّار قطني ، بإسناده ، عن أبي هُريرة ، قَال : قَال رَسول الله (ص) : (عَلَّمَنِي جِبرئيل عَليه السّلام الصّلاة فَقَامَ فَكَبَّر لَنَا ، ثمّ قَرَأ بِسمِ الله الرّحمّن الرّحيم فِيمَا يُجْهَر بِه فِي كلّ رَكْعَة)[321] .

10- روى الدّار قطني ، بإسنَاده ، عن أمِّ سَلمة أنَّ النّبي : (كَانَ يَقْرَأ بِسم الله الرّحمن الرّحيم ، الحَمدُ لله رَبّ العَالَمِين ، الرّحمَن الرّحِيم ، مَالِكِ يومِ الدّين ، إيَّاكَ نَعْبُد وَإيّاكَ نَستَعِين ، اهْدِنَا الصّرَاط المستقِيم ، صِراط الذين أنْعمتَ عَليهِم غَير المَغضُوبِ عَليهِم ولا الضَّالّين . فَقَطعها آيَة آيَة ، وَعَدَّهَا عَدَّ الأعْرَاب ، وَعَدَّ بِسْم الله الرّحمَن الرّحيم آيَة) [322] .

11- روى الدّار قطني ، بإسنادِه ، نا قتادَة ، قَال : سُئِلَ أنس بن مَالِك ، كَيفَ كَانَت قِرَاءةُ رَسولِ الله (ص) ؟! ، قَال : (كَانَت مَدّاً ، ثمّ قَرَأ بِسْمِ الله الرّحمَنِ الرّحِيم ، يَمُدُّ بِسمِ الله ، وَيَمُدُّ الرّحمَنِ ، وَيَمُدُّ الرّحِيم)[323] .

12- روى الدّار قطني ، بإسناده ، عن النعمان بن بشير ، قَال : قال رسول الله (ص) : (أمَّنِي جِبرئيل عَليه السّلام عِندَ الكَعْبَة ، فَجَهَر بِبسم الله الرّحمَن الرّحيم)[324] .

13- روى الدّار قطني ، بإسناده ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه بُريدة ، قَال : (سَمِعتُ رَسول الله يَجْهَرُ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحِيم) . قَال عبد الله [بن بُريدَة] : وكَان عبد الله بن عُمر يَجْهَرُ بِهَا ، وعبد الله بن العَبّاس ، وابن الحنفيّة[325] .

14- روى الدّار قطني ، بإسناده ، عن الحكم بن عُمير وَكانَ بَدريّاَ ، قَال : (صَلّيتُ خَلفَ النّبي (ص) فَجَهَر فِي الصّلاة بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم ، فِي صَلاةِ اللّيلِ وفِي صَلاةِ الغَداة ، وصَلاةِ الجُمُعة)[326] .

15- رَوى محمّد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن أبي جَعفر محمد بن علي الباقر (ع) : (إنّ رَسولَ الله (ص) كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ الله الرّحمَن الرَّحِيم)[327] .

[ مَا أُثِرَ عن أمير المؤمنين عَلي بن أبي طالب (ع) (ت40هـ) ]

16- روى الإمام القاسم الرّسي (ع) ، بإسناده ، عن عَلي (ع) أنّهُ قَال: (مَنْ لَمْ يَجْهَر فِي صَلاتِه بِبسم الله الرّحمن الرّحيم فَقَد أخْدجَ صَلاتَه)[328] .

17- روَى البيهقي ، بإسناده ، عن الشّعبي ، قَال : (رَأيتُ عَلي بن أبي طَالِب ، وَصَلَّيتُ وَرَاءَهُ فَسَمِعْتُهُ يَجْهَرُ بِبِسْمِ الله الرّحمَنِ الرّحِيم)[329] .

18- روى محمّد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن زين العابدين عَليّ بن الحسين ، عن أبيه، عن جده، عن عَليّ (ع) : (أنّهُ كَانَ يَجهَرُ بِبسم الله الرّحمن الرّحيم)[330] .

19- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن الحارث الأعور ، أنّهُ سَمِعَ عَليّاً (ع) يَجْهَرُ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحِيم[331] .

20- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن الحسين بن زيد بن علي ، عن جَعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عَليّ (ع) ، قال: (آيَةٌ مِن كِتَاب الله تَرَكَهَا النّاس (بِسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[332] .

21- رَوى الإمام زيد بن علي (ع) ، عن آبائه ، عن علي (ع) ،( أنّهُ كَانَ يَجهَرُ بِبسم الله الرّحمن الرّحيم) [333].

[ مَا أُثِرَ عن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ت145هـ) ]

22- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن عَبد الكَريم بن هلال ، قَال: (صَلّيتُ خَلفَ عبد الله بن الحسن بِذي طُوَى، فَجَهَر بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم فِي السّورَتَين جَمِيعاً)[334] .

23- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، حدّثني جابر بن خَثيم ، أخو سعيد بن خثيم، قَال: (صلّيت خَلفَ عبد الله بن الحسن بالأنبَار ، الفَجر ، فَجَهَر فِي السّورَتَين جَمِيعَاً بِبسمِ الله الرّحمن الرّحيم ، وقَرأ فِي الرّكعَتَين : ((يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّل)) ، و((يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّر))[335] .

[ مَا أُثِرَ عن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، وأبيه عُمر الأشرف ، وابن عمّه جعفر الصّادق ]

24- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن حمّاد بن يَعلى قَال: (صلّيتُ خَلف عَليّ بن عمر بن عَليّ بن الحسين ، فَجَهَر بِبسم الله الرّحمن الرّحيم فِي السّورَتَين، وَقَال: كَانَ أبي وَجَعَفر يَجْهَرَان بِهَا فِي السّورَتَين جَمِيعاً) [336] .

[ مَا أُثِرَ عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت148هـ) ]

25- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن موسى بن عثمان ، قال: سَمِعتُ جَعفَراً يَقول: (لَقد أغْفَلُوا اسماً عَظيمَاً، بِسم الله الرّحمن الرّحيم)[337].

26- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن عبد الرحمن بن محمد العرزمي ، قَال: (صَلَّيتُ خَلفَ جَعفَر بن محمّد المغرِب، فَجَهَر بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[338] .

[ مَا أُثِرَ عن محمّد وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ت145هـ) ]

27- روى محمد بن منصور المرادي ، بإسناده ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: حدّثنا الحسن بن عَليّ الينبعي ، قَال: (صلّيتُ خَلفَ محمّد بن عبد الله، وإبراهيم بن عبد الله بن الحسَن، فَجَهَرا بِبسمِ الله الرّحمن الرّحيم فِي السُّورَتَين جَمِيعاً)[339] .

[ مَا أُثِرَ عن الحُسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ]

28- قال المزّي : وقَال عَبّاد بن يَعقوب الرّواجني : (رَأيتُ الحسين بن زيد بن عَلي يَجْهَرُ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[340] .

[ مَا أُثِرَ عن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ت247هـ) ]

29- قال محمد بن منصور المُرادي : كُنتُ أصلّي خَلفَ عَبد الله بن موسى ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم فِي السّورَتَين جَمِيعا، وَكَذَلِكَ كَانَ أصحَابُه جَميعا وَلَدُ عَليّ بن أبي طالب (ع)[341] .

[ مَا أُثِرَ عن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت240هـ) ]

30- روى محمد بن منصور المرادي ، بإسناده ، حدّثني إسماعيل بن إسحاق، قال: (صَلّيتُ خَلف أحمد بن عيسى المَغرِب، فَجَهرَ فِي السّورَتين جميعاً بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[342] .

[ مَا أُثِرَ عن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت247هـ) ]

31- قال الشريف الحسني : قَال الحسن بن يحيى : (أجْمَعَ آل رَسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على الجَهر بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم فِي السّورَتَين)[343] .

[ مَا أُثِرَ عن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (245-298هـ) ]

32- قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) : (لا صَلاةَ عِندَنَا لِمَن لَمْ يَجْهَر بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[344] .

[ مَا أُثِرَ عَن الإمام النّاصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (230-304هـ) ] :

33- قال الإمام النّاصر الحسن بن علي (ع) : ((وعلى المُحتَسِب [أن] يَأخُذَ شِعارَ أهل البيت ، فيَأمُرَ أهل ناحِيَتِه بالإقامَة ، وبالقول في آخر الأذان : لا إله إلاّ الله ، مرّتين ، وفي الإقامَة مرّة واحِدة، وتَرك قول آمين ، وبقولِ : حيَّ على خيرِ العَمل ، في الأذانِ والإقامَة ، ويأخُذُهم بالجهر بالبَسمَلَة ، ويَمنَعهُم من المَسح على الخٌفّين ، ويأمُرُهم على الجنازَة خمس تكبيرات))[345] .

[ مَا أُثِرَ عن يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر الزّكي بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت749هـ) ]

34- قال الإمام المؤيّد بالله يحيى بن حمزة (ع) : (والمُختَارُ: مَا عَوَّلَ عَليه الأكَابِرُ مِنْ أهلِ البَيت، والصّحَابَة ، والتّابِعِين، وَهُوَ قَول الشّافِعي ، وَمَحكيٌ عَن عَطَاء ، وطَاووس ، ومُجَاهِد، وسَعيد بن جُبير ، مِنَ الجَهر بِهَا فِي الصّلاة المَجْهُورَة ، والإسْرَارُ بِهَا فِي الصّلاةِ التي يُسَرُّ بِهَا)[346].

الجَهر بالبَسملَة عند الصّحابَة والتّابعين :

[ مَا أُثِرَ عن عُمر بن الخطّاب (ت23هـ) ]

35- روَى البيهقي ، بإسناده ، عن سَعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عَن أبيه ، قَال : (صَلَّيتُ خَلْفَ عُمر بن الخَطَّاب فَجَهَر بِبسمِ الله الرّحمَنِ الرّحيم)[347] .

[ مَا أُثِرَ عن أبي هُريرَة (ت57هـ) ]

36- روى ابن أبي شَيبَة ، بإسناده ، عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ ، عن أبي هُرَيْرَةَ ، أنّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللهِ الرّحمن الرَّحِيمِ[348] .

[ مَا أُثِرَ عن عبدالله بن عبّاس (ت68هـ) ]

37- روَى البيهقي ، بإسناده ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، أنّه كَانَ يَقول : (تُفْتَتَحُ القِرَاءةُ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[349] .

38- روَى البيهقي ، بإسناده ، عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما ، أنّهُ قَال : (إنَّ الشّيطَان اسْتَرَقَ مِنْ أهْلِ القُرآنِ أعْظَمُ آيَةٍ فِي القُرآن ، بِسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[350] .

39- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن عكرمة، عن ابن عبّاس ، أنّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحِيم[351] .

40- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن سَعيدٍ بن جُبير ، قال: قُلتُ لابن عبّاس: كَمَ الحمدُ آيَة؟ ، قَال: سَبعُ آيَات. قُلتُ: فَأينَ السّابِعَة؟ ، قَال : بِسمِ الله الرّحمَن الرّحيم[352].

41- روى محمّد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن طَاوس ، عن ابن عبّاس ، قَال: (غَلَبَ الشّيطَان النّاس على بِسم الله الرّحمَن الرّحيم ، وَهِي مِنَ المثَانِي) [353] .

[ مَا أُثِرَ عن أنَس بن مَالك (ت90هـ) ]

42- روى الحاكِم النّيسابوري، بإسناده ، أنّ أنَس بن مَالك ، قَال : (صَلّى مُعَاويَة بِالمَدينَة صَلاةً فَجَهَر فِيهَا بالقِراءة ، فَقَرأ فِيها بِسم الله الرّحمن الرّحيم لأمّ القُرآن ، وَلَمْ يَقْرَأ بِسمِ الله الرّحمَن الرّحيم للسّورَة التي بَعْدَهَا حتّى قَضَى تِلكَ القِرَاءة ، فَلمَّا سَلَّمَ نَادَاه مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ المُهَاجِرينَ والأنْصَار ، مِنْ كُلِّ مَكَان ، يَا مُعَاويَة أَسَرَقْتَ الصَّلاةَ أمْ نَسِيت ، فَلمّا صلّى بَعد ذَلِكَ قَرَأ بِسم الله الرّحمَن الرّحيم للسّورةِ التي بَعْد أمّ القُرآن ، وَكَبَّرَ حِينَ يَهْوي سَاجِداً )[354] ، قال الحاكِم : هَذَا حَديثٌ صَحيحٌ عَلى شَرْطِ مُسلِم .

[ مَا أُثِرَ عن عبدالله بن الزّبير (ت73هـ) ]

43- روَى البيهقي ، بإسناده ، عن بَكر بن عبد الله ، قال : كَان ابن الزّبير رضي الله عنهما ، يَسْتَفْتِحُ القِرَاءة فِي الصّلاة بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم ، وَيقول : مَا يَمْنَعُهُمْ مِنهَا إلاَّ الكِبْرْ[355] . قُلت : يَعني ابن الزبير أولئكَ المُخافتِين بالبَسملَة .

44- روَى البيهقي ، بإسناده ، عن الأزرَق بن قَيس ، قَال : (صَلَّيتُ خَلفَ ابن الزّبير فَقَرَأَ فَجَهَرَ بِبِسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[356] .

[ مَا أُثِرَ عن ابن عُمَر ]

45- روى الدّار قطني ، بإسناده ، عن سَالم ، عن ابن عُمَر ، (أنّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم) ، وذَكَرَ [ابن عُمَر] : (أنَّ رَسول الله (ص) كَانَ يَجْهَرُ بِهَا)[357] .

46- روى ابن أبي شيبة ، بإسناده ، عن نَافِعٍ ، عَنِ ابن عُمَرَ ، (أَنَّهُ كان إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ ، قَرَأَ بَسْمِ اللهِ الرحمن الرَّحِيمِ ، فإذا فَرَغَ من الْحَمْدِ ، قَرَأَ بَسْمِ اللهِ الرحمن الرَّحِيمِ)[358] .

47- روى الدّار قطني ، بإسناده ، عن ابن عُمَر ، قَال : (صَلَّيتُ خَلفَ النّبي (ص) ، وأبي بَكر ، وعُمَر رضي الله عنهما ، فَكَانُوا يَجْهَرونَ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم)[359] ، وروى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، أنّ ابن عُمر كان يقول : (صَلّيتُ خَلفَ رَسُول الله (ص) فَجَهَر بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم فِي كِلتَا السّورَتين حَتى قُبِض، وَصَلّيتُ خَلفَ أبي بَكر فَلم يَزَل يَحهَرُ بِبسمِ الله الرّحمن الرّحيم فِي كِلتا السّورَتَين حتى مَات ، وَصَلَّيتُ خَلفَ أبي عُمَر فَلم يَزَل يَجْهَر بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم حتى مَات، وأنَا أجْهَرُ بِهِمَا ولَن أدَعَهُمَا حتى أمُوت)[360] .

[ مَا أُثِرَ عن سَعيد بن جُبير (ت95هـ) ]

48- روى ابن أبي شَيبَة ، بإسناده ، عَن وِقَاءٍ ، قَال : (سَمِعْت سَعِيدَ بن جُبَيْرٍ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللهِ الرحمن الرَّحِيمِ)[361] .

49- روى عبد الرّزاق ، بإسناده ، عن عَاصم بن أبي النّجود ، عن سَعيدٍ بن جُبير ، (أنّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِبسم الله الرّحمَن الرّحيم فِي كُلّ رَكْعَة)[362] .

[ مَا أُثِرَ عن عُمر بن عَبد العزيز (ت101هـ) ]

50- قال الذّهبي : قال الحَكم بن عمر الرّعيني : (رأيتُ عُمَر بن عبد العزيز ،.. ، وصَلَّيتُ مَعَهُ فَكَان يَجْهَرُ بِبسم الله الرّحمن الرّحيم فِي كلّ سُورَة يَقرؤهَا ، وصَلّيتُ خَلفَهُ الفَجر فَقَنَت)[363] .

[ مَا أُثِرَ عن سَعيد بن المُسيّب (ت105هـ) ]

51- قال الذّهبي : (.. ، وقالَ عمرو بن عَاصم ، حَدّثنا عَاصم بن العَبّاس الأسْدي ، قَال : ...، وسَمِعتُهُ [ أي ابن المُسيّب] يَجْهَرُ بِبِسمِ الله الرّحمَن الرّحيم[364] .

[ مَا أُثِرَ عن المُعتَمر بن سليمان (ت187هـ) ]

52- روى الحاكِم النّيسابوري ، بإسناده ، قال : ثنا محمّد بن أبي السري العَسقَلاني ، قَال : (صَلَّيتُ خَلفَ المعتَمر بن سُليمَان مَا لا أُحْصِي ، صَلاةَ الصُّبحِ والمَغْرِب ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم قَبلَ فَاتِحَةِ الكِتَابِ ، وَبَعْدَهَا ، وَسَمِعتُ المعتَمر يَقول : مَا آلُو أنْ أقْتَدِيَ بِصَلاةِ أبِي ، وقَال أبي : مَا آلُو أنْ أقْتدِي بِصَلاةِ أنَس بن مَالِك ، وقَالَ أنَس بن مَالِك : مَا آلُو أن أقتَدي بِصَلاة رَسُولِ الله (ص) )[365] . قَال الحاكِم : رُواةُ هَذا الحَديث عَن آخرِهم ثِقَات .

[ مَا أُثِرَ عن ابن شِهاب الزُّهرِي ]

53- روَى البيهقي ، بإسناده ، عن ابن شِهَاب أنّهُ قَالَ : (مِنْ سُنَّةِ الصّلاة ، أنْ يقرأ بِسم الله الرّحمن الرّحِيم ، ثمّ فَاتِحَة الكِتَاب ، ثمّ يقرأ بِسم الله الرّحمَن الرّحيم ، ثمّ يقرأ سُورة) . فَكَانَ ابن شِهاب يَقْرَأ أحيَاناً بِسورة مَع فَاتِحَة الكِتاب يَفْتَتِحُ كُلَّ سُورَةٍ مِنهَا بِبسمِ الله الرّحمَن الرّحيم ، وكَانَ يَقول : (أوَّلُ مَنْ قَرَأَ بِسم الله الرّحمن الرّحيم سِرّاً بِالمدينَة ، عَمرو بن سَعيد بن العَاص ، وكَانَ رَجُلاً حَيِيّاً (من الحَياء) ، وَرَوينَا الجَهْرَ بِهَا عَن فُقَهَاء مَكّة ، عَطَاء ، وطاوس ، ومُجَاهِد ، وسَعيدُ بن جُبَير)[366] .

54- روى عبدالرّزاق ، بإسناده ، عن مُعمّر ، عن الزُّهْرِي ، أنّهُ قَال : (كَانَ يَفْتَتِحُ بِبسمِ الله الرّحمَنِ الرّحيم ، وَيقولُ : آيَةٌ مِنْ كِتَابِ الله تَعَالى تَرَكَهَا النّاس)[367] .

[ مَا أُثِرَ عن عَطاء وطَاوس ومُجاهِد ]

55- روى ابن أبي شَيبة ، بإسناده ، حدثنا مُعْتَمِرٌ عن لَيْثٍ عن عَطَاءٍ وطاوس وَمُجَاهِدٍ : (أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِبَسْمِ اللهِ الرحمن الرَّحِيمِ) [368] .

56- روى عبد الرّزاق ، بإسناده ، عن ابن جريج ، قَال : قُلتُ لِعَطاء : (لا أدَعُ أبَداً بِسمِ الله الرّحمَن الرَّحِيم فِي مَكْتُوبَةٍ ولا تَطَوُّعْ إلاَّ نَاسِياً ، لأمِّ القُرآنِ ولِلسُّورَةِ التي أقْرَأُهَا بَعْدَهَا. قَال : هِيَ آيَةٌ مِنَ القُرآن . قُلتُ : فَإنّهُ بَلَغَنِي أنّهَا لَمْ تَنْزِل مَعَ القُرآن ، وأنَّ النّبي (ص) لَمْ يَكْتُبْهَا حَتّى نَزَلَ إنَّهُ مِنْ سُليمَان ، وإنّهُ بِسمِ الله الرّحمَنِ الرّحِيم ، فَكَتَبَهَا حِينئذ . قَال : مَا بَلَغَنِي ذَلِك ، مَا هِيَ إلاَّ آيَةُ القُرآن . قَال : وقَال يحيى بن جعدة : قَد اخْتَلَسَ الشّيطَان مِنَ الأئمّة آيةُ بِسمِ الله الرّحمن الرّحيم)[369] .

57- روى محمد بن منصور المُرادي ، بإسناده ، عن ابن طاووس، عن أبيه ، أنّهُ كَان يَجهَرُ بِبسم الله الرّحمن الرّحيم حِين يَفتتح الحَمد، وَيَجْهَر بِبسم الله الرّحمَن الرّحيم حِينَ يَفرُغ مِنَ الحمْد [370] .

نعم ! وما تمّ نَقلُهُ أخي في الله واضحٌ وَجهُهُ وضوحَ الشّمس رابعَة النّهار ، فنكتفي بهِ عن الزّيادَة عَليه .

هذا وصلّى الله وسلّم على أشرف الأنبياء والمُرسلين وعلى آله الطّيبين الطّاهرين ، ورضوانه على الصّحابة الرّاشدين ، ومَن تبعهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدّين .

*** تَمَّ بِحَمْدِ الله تَعَالَى ***

السّبت
10/1/1429هـ
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الهوامش :

[1] ومِثال هذا مُعاصرٌ للأسف ، فقد نَجد مَن يُسمّي السادَة الزيدية في اليَمن ، بدُعاة الضّلال ، وكذلك يُسمى السيد الجعفري حسن نصر الله ، بحسن نصر الشّيطان ، وكذلك يُعايَر علماء السنّة بِعميانَ البَصر والبصيرَة ، إلخ هذا من الترّهات التي يجب أن نُنزّه أنفُسَنا عنها ، وأن نقتدي بتعامل رسول الله (ص) مع أهل الكفر عندما كان يُعلّم أصحابَه ألاّ يسبّوهُم ولا يَشتموهُم ، فتولّد عندَهُم ردّة فِعل ، يسبّونَ مِن خلالها الله والرّسول (ص) .
[2] على أنّ الجعفريّة اليوم اتّجهوا إلى تعظيم أئمة الزيدية ، ومنهم أئمّة اليمَن ، الأمر الذي زادَ عامِلَ التآلُف بين الزيدية والجعفرية في الوقت الحاضِر . فائدة : ولم تَكن هذه هي نَظرة سلف الجعفرية إلى أئمة أهل البيت (ع) (نعني أئمة الزيدية) ، بل كانوا يَنظرون إليهِم كبُغاةٍ حَسدَة خرجوا وأخذوا حقّ بني عمومتهم (التسعة أبناء الحسين) في الإمامَة ، فكانوا يُسّمون محمد بن عبدالله النّفس الزكية (ع) بالأحول المشؤوم ، ويروون هذا عن الباقر (ع) أعزّه الله ، وأبو القاسم الخوئي قد أغلظَ عليه وعلى أبيه شيخ الفواطم عبدالله المحض (ع) ، كما يروي ثِقَتُهم الكليني مُنافرةً شديدة وقعَت بين الإمام الكاظم (ع) وبين صاحب الديلم الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن ، ومُنافرَةً أخرى بينه (الكاظم) وبين الحسين بن علي الفخي (ع) ، إلاّ أنّ الجعفريّة تعايَشَت مع النّاس ، وتنازلَت عن مدلولات تلك الرّوايات القادحة في سادات بني الحسن من أئمّة الزيدية ، واتّجهَت إلى الإشادَة بهِم ، بل إنّ البعض منهُم قد يتغافلُ التّاريخ ويقول أنّ النفس الزكيّة لم يكن يدعو لإمامة نفسه ، بل كان يدعو لإمامة ابن عمّه جعفر الصادق (ع) ، وكذلك صاحب الديلم والفخي مع موسى الكاظم (ع) ، وهذا وهمٌ لن (تقتضي النّفي والتأبيد) يجدوا عليه دليلاً .
[3] على أنّ الأشاعرة أميلهُم إلى أهل بيت رسول الله (ص) .
[4] بدليل اعتبار سواد من عُلماء ومُثقّفي أهل السنّة ، الزيدية من أقرب الفِرق إليها ، وعندَ التأمّل فإنّ من يقول هذا الكلام فإنّما هُو يَنظُر إلى المسألة مِن مَنظور فِقهي ، ومنظور عدم سب وشتم الزيدية للمشائخ ، دون المنظور العَقدي . نعم ! على أنّ مُعترض قد يُعارضُ كلامنا في الأصل بموقف فرقة أهل السنّة من المُعتزلة مع اجتماع الفريقين على تفضيل المشائخ على علي (ع) ، فعندها نقول : أنّ المعتزلة كانت أكثر احتكاكاً ومخالفة لعلماء أهل السنّة ، الأمر الذي جعلهم ينظرون إليهم بنظرة خاصّة ، على أنّ كثيراً من حُفّاظ الحديث ورواته كانوا يذهبون مذهب العدليّة ، ولم يَنفُر منهم رجال الجرح والتعديل ، بعكس الشيعة في الغالب الكثير (ولسنا ننكر أنّ من الشيعة من قد وُثّقُوا) .
[5] قد لا يُكون كلام الهادي (ع) صريحاً في قصده الشيعة الجعفرية بالذّم ، فقد يكون المُخاطَب هُم الإسماعيليّة من الشيعة ، إلاّ أنّ كلام الإمام القاسم في جوابه على الرافضة من أهل الغلو ، كان يُخاطِب رافضةً مؤمنين بإمامة محمد الجواد (ع) ، والهادي (ع) فكان موافقاً في فكره لعلوم جدّه القاسم (ع) ، لدرجة المُطابَقة ، فِمِن هُنا قد يُترجَّحُ أنّ خِطاب الهادي (ع) كان موجّها للجعفريّة دون الإسماعيليّة ، لأنّ الإسماعيليّة لا يقولون بإمامة الجواد .
[6] لأنّ الجعفرية فِرقَة مُتلوِّنةٌ مُتشكِّلَة ، فبالأمس كانوا يعتبرون زيد بن علي (ع) من الباغين على ابن أخيه الصّادق (ع) ، ورَووا في هذا روايات ، ثمّ بدّلوا هذا القَول لمّا رأوا أنّ في القدح في شخص كزيد بن علي (ع) قدحٌ لهُم ، وكذلك كان بعضُهم في الأمس يقول بتحريف القرآن ، ويروون فيه روايات ، ثمّ بدّلوا فأصبح القرآن عندهُم غير مُحرّف وهو ما بين الدّفّتين ، وكذلك كان بعضهُم في الأمس يقول بالشتبيه المحض (وأخص القميين منهم) ، ثمّ بدّلوا إلى التزيه ، وكذلك كان بعضهُم يعتبر كلّ راية تخرج قبل راية المهدي هي راية ضلال ، ثمّ بدّلوا فأحدثوا ما يُسمّى بولاية الفقيه ، نعم ! والعجيب أنّ لديهم لهذا كلّه روايات يروونَها عن أهل البيت (ع) !! .
[7] قال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (ع) : ((لو قيلَ لِواحِدٍ ممّن يَدّعِي بِزَعمِه كُفرَاً أو فِسقاً فِي حقّهم: أرني نَصّاً مِن جِهَة الأئمّة صَريحَاً أنّه يَتبَرأ فِيه مِنَ الشّيخَين؟ لَم يُمْكِنه ذَلك)) اهـ من (الصحابة عند الزيدية لمحمد سالم عزان) .
[8] انظر ص24 من كتاب المؤلّف .
[9] ص 32-34 ، ولو راجَعَهُ الأستاذ علي لَوجد أنّ نسبَة تأثر الزيدية اليوم بالجعفرية هي التي أولدَت القدح في صحاح ومسانيد أهل السنة الحديثية ، نسبة غير صحيحة وباطلة ، لأنّ القاضي الأكوع سرد أقوال عديدة لعلماء الزبدية المتقدمين (عن زمن المخالطة الجعفرية) يطعنون فيه على كتب أهل السنة الحديثية ، ونحنُ مع هذا فلم يُرضِنا كلام القاضي الأكوع ، وكان لنا عليه جواباً ، قُلنا فيه : ((وهُنا وبسبب أنّ الكلام طويل ، ومَغزاهُ واحد ، من أنّ الزيدية تطّرِحُ رِوايات أهل السنّة ولا تقولُ بهِا ، وأنّ القاضي قد نقلَ ما يجعلُ القارئ (وخصوصاً من الباحثين السّنيين) يشمئزّ من نظرَة الزيدية لمسانيد المُحدّثين من المُخالفِين ، وكأن القاضي لم يسمع ابن الوزير وهو يقول شاهداً لاعتدال الزيديّة في نَظرتها : ((فَالزيّديّةُ يَروونَ عَن المُخَالِفِينَ فِي تَصَانِيفِهِم , ويُدرّسونَ كُتُبَ المخُالفين في مَدارِسِهم)) ، ويقوله رحمه الله في موضع آخَر : ((وبعدُ , فَهَذِهِ خَزائنُ الأئمّة مَشحونٌَ بِكُتُبِ المخَالِفين فِي الحَديث والفِقه والتّفسير والسّير والتّواريخ , مُشيرَةٌ إلى نَقلِهِم عَنهَا ...إلخ )) ، نعم! صحيحٌ أنّ الزيدية لا تقبلُ أن يُقال تلكَ المسانيد صحيحةٌ تمام الصحّة وعلى رأسها كِتابي البُخاري ومُسلم ، وهذا ما يُفهمُ من كلام الهادي إلى الحق (ع) : ((إنّهُما عن الصحّة لَخليّان)) ، وأمّا شِعر المرتضى (ع) فلا يُشير إلاّ إلى أنّ الأولى بالإتباع هُوَ قولُ أهل البيت (ع) ، ويدلّك في قوله : ((فَدَع عنكَ قولُ الشّافعي ومالكٍ *** وابنُ حَنبَلٍ والمَرويّ عن كَعبِ أحبارِ)) ، يدلّك أنّه (ع) لا يُريدُ إلاّ تلك الأخبار التي قد حشرَ المُحدّثون مسانيدهم بها ، نعني تلكَ الأخبار الإسرائيلية المُفيدة للجبر والتشبيه والتجسيم والتي يُتّهمُ فيها كعب الأحبار اليهودي .وأمّا ما نقلَه القاضي عن العلامّة أحمد بن سعد الدين المسوري ، وأنّه كذّبَ جميع ما في الأمهات الستّ ، وأعزى إلى كتاب (بهجة الزمن في تاريخ اليمن) ، ولم نَقِف على هذا عنه رحمه الله ، ولكنّا سنُجيب بافتراض تقصيرنا في البحث ، أنّه وإن ثبتَ صحّة نسبة الكلام للمسوري ، فإنّ هذا قولٌ شاذ ، والله يُحبّ الإنصاف ، لأنّنا ما زِلنا نقرأ في مَسانِيد السنّة أخباراً تُشابهُ أخباراً رواها لنا أئمّتنا (ع) ، وإن لم تَكن باللفظ بل بالمعنى ، وانظر الروض النضير يُنبئكَ بهذا ، وانُظر رأب الصّدع (أمالي أحمد بن عيسى (ع)) وما زبرهُ فيه العلامة المؤيدي تجد قولنا صحيحاً ، فلا يجبُ أن يَدفَعَنَا الاحترازُ من إسرائيليات المُحدّثين إلى الإفراط في الحُكم ، ولكن نَعرِض روايات أهل السنّة على ميزان الكتاب والسنّة والقول الفاطمي ، فما وافقَ كان ، وما خالَفَ لم يَكُنْ ، وليسَ كلامنا الساّبق يهزّ عقيدتنا بأنّ الأصل والأولى بالتقديم هي روايات آل البيت (ع) ، وأنّ روايات غيرهِم من المُحدّثين السنّة فليسَت إلاّ للاستظهار ، وهذا فواضحٌ لدى عامّة الزيدية قبل عُلماءها .)) .
[10] المنهج الأقوم في الرّفع والضّم :28-31.
[11] كتاب الزيادات من جامع علوم آل محمد للشريف أبي عبدالله محمد بن علي العلوي (ع) .
[12] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) ، كتاب تثبيت الوصية : 210
[13] قال الإمام الهادي إلى الحق (ع) في هذا المعنى : ((إنّ آل محمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم لا يَختلفون إلاَّ من جِهَة التفريط ، فَمَن فَرَّط منهم في عِلم آبائه ولَم يتبع علم أهل بيته أباً فأباً حتى ينتهي إلى علم علي بن أبي طالب رحمه الله تعالى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، شَارك العامة في أقاويلها وتابعها في شيء من تأولها لزمه الاختلاف ، ولاسيّما إذا لم يكن ذا فطن وتمييز، ورَدِّ لما وَرَدَ عليه إلى الكتاب ورَدّ كل متشابه إلى المُحكَم )) ، قلتُ : انظُر مثالاً على هذا حال الشريف الرضي والمُرتضى ، أخذوا عِلمهُم صغاراً من الشيخ المُفيد الجعفري ، فأصبحوا جعفريّةً ، وذريّتهُم اليوم مُنتشرونَ على هذا المًذهب ، وأبوهُم (أبو الشريف الرضي والمرتضى) فلم يَثبُت أّنه كانَ جعفريّاً .
[14] المعجم الكبير: 3/44 .
[15] الدرر النبويّة بالأسانيد اليحيويّة : 58 ، مجمع الزوائد : 4/224 .
[16] المستدرك على الصّحيحين : 3/181 ، سنن النسائي الكبرى : 5/149 ، كنز العمال :12/55 .
[17] مسند أحمد بن حنبل : 1/77 ، كنز العمال : 12/45 ، الأحاديث المختارة ، لمحمد بن عبدالواحد الحنبلي المقدسي :2/45 وفيه أنّ إسناده حسن .
[18] المستدرك على الصّحيحين : 4/511 ، المعجم الأوسط :6/30 ، مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 2/110 .
[19] حتّى قال القائل فيهم (ع) : يا أمة السوء ما جازيت أحمد عن **** حسن البلاء على التنزيل والسور
خلّفتموه على الأبناء حين مضى ***** خلافة الذئب في أبقار ذي بقـر
وليس حي مـن الأحياء نعلمه ****** من ذي يمان ومن بكر ومن مضر
إلا وهـم شركـاء في دمائهم ****** كما تشارك أنســار على جزر
قتلا وأسـرا وتحريقـا ومنهبة ****** فعل الغزاة بأرض الـروم والخزر
أرى أميـة معذورية إن قَتـلوا ***** ولا أرى لبني العبـاس مـن عذر
[20] بل حتّى لو وُجِدَ الخبر بهذا اللفظ (وهو موجود في بعض الروايات) فليسَ يمنعُ من تخصيص العِترة بأهل الفَضل منهم ، وأهل الفضل منهم فليسوا إلاّ خاصّةَ رسول الله (ص) الذين قال فيهم رسول الله (ص) : ((اللهم هؤلاء أهل بيتي خاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)) تاريخ مدينة دمشق :13/205 .
[21] المستدرك على الصحيحين : 4/512 .
[22] ويُخصّصه مارواه الإمام أبو طالب (ع) ، بإسناده ، عَنْ جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: ((ارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي TA \l "ارْفَعُوْا أَصْوَاتَكُمْ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي" \s "ارْفَعُوْا أَصْوَاتَكُمْ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي" \c 2 فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِالنَّفَاقِ)) [تيسير المطالب في أمالي أبي طالب : الباب الأربعون : 484] ، والشاهد في قوله : (أهل بَيتِي) ، وهذا فتخصيص لا يَدخلُ فيه إلاّ أهل المعنى الثّاني (أبناء فاطمة) .
[23] المستدرك على الصحيحين : 2/572 .
[24] مرقاة المفاتيح : 1/288 .
[25] المستدرك على الصحيحين : 3/219 .
[26] تيسير المطالب في أمالي أبي طالب : 182 .
[27] أتعمّد الإتّكال على الله تعالى بهذه الصّيغَة ، لِلَطيفَةٍ أوجّهها لإخوتي في الله الجعفريّة ، فهُم يقولون بأنّ أئمتهم الإثني عشر معصومون عن السّهو ، فعَلى مَن تَوكّلت ؟! .
[28] مسند أحمد بن حنبل : 6/304 .
[29] مسند أبي يعلى : 12/451 ، المعجم الأوسط : 2/371 ، تاريخ مدينة دمشق : 13/205 ، 14/141 ، السنة لابن أبي عاصم :2/602 ، وبألفاظ أخرى : المستدرك على الصحيحين : 2/451 ، المعجم الكبير : 3/53 ، مجمع الزوائد : 9/167 ، وغيرهم.
[30] مرقاة المفاتيح : 11/287 ، وقال الذّهبي : (وصَحّ أنّ النّبي (ص) جَلّل فَاطمَة وزَوجها وابنيهِما بِكسَاء ، وقَال : ((اللهمّ هَؤلاء أهل بَيتِي ، اللهمّ فَأذهِب عنهُم الرّجس وَطَهّرهُم تَطهِيراً) سير أعلام النّبلاء :2/122 .
[31] كما تقدّم بيانُه .
[32] فتح الباري : 7/138 .
[33] التيسير بشرح الجامع الصغير : 1/367 .
[34] مرقاة المفاتيح : 1/288 .
[35] بمعنى أن موقف الدخول تحت الكساء ، أبعد من موقف الدّعاء .
[36] أمالي المرشد بالله (الخميسية) : الحديث السابع : 1/148 .
[37] أمالي المرشد بالله (الإثنينية) ، الباب التّاسع .
[38] الدر المنثور : 6/606 ، مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 2/19 .
[39] فيض القدير : 3/15 .
[40] وإن لَم يكونوا قائلين بهذا القول (العِصمَة) صراحَةً ، ولكنّهم بتبجيلهِم المُطلَق لجميعِهِم ، وقدحِهِم فيمَن يقدَحُ بمَن يستحقّ القَدحَ منهُم (من الصّحابَة) ، يقولونَ بالعِصمَة من غير طريقٍ مُباشر .
[41] مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق : جوابُه إلى أهل صنعاء : 97 .
[42] مجموع كتب ورسائل الإمام المرتضى محمد بن يحيى : كتاب الأصول : 2/712 .
[43] صفوة الاختيار : 214 .
[44] الفصول اللؤلؤية : 219 .
[45] صحيح البخاري : 3/1343 .
[46] صحيح البخاري : 1/172 ، المستدرك على الصّحيحين : 2/162 ، صحيح ابن حبّان : 15/553 ، سنن النسائي الكبرى : 5/155 ، سنن البَيهقي الكُبرى : 8/189 ، مصنّف عبدالرّزاق : 11/240 ، المعجم الأوسط : 8/44 ، المعجم الكبير : 23/363 ، مسند أبي يعلى : 13/123 ، مسند أحمد بن حنبل : 3/90 ، كنز العمال : 11/331 ، وغيرها وهي بألفاظ مُختلفَة واشتركَت في معنى واحِد.
[47] تذكرة الحفّاظ : 2/699 ، سير أعلام الّنبلاء : 14/129 ، تهذيب التهذيب : 1/33 ، تهذيب الكمال : 1/338 .
[48] روى الحاكم والبزّار بأسانيدهِم : ((قَال مَعاوية لِسعَد بن أبي وقّاص ، مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَسُبَّ ابن أبي طَالِب ؟! قَال ، فقال : لا أسُبُّ مَا ذَكَرْتُ ثَلاثاً قَالَهُنَّ لَهُ رَسولُ الله (ص) ، لأنْ تَكونَ لِي وَاحِدةٌ مِنهُنّ أحَبٌّ إليّ مِنْ حُمْرِ النِّعَم ...)) [المستدرك على الصّحيحين : 3/117 ، مسند البزّار : 3/324 ، تاريخ مدينة دمشق : 42/111 ، الإصابَة في تمييز الصّحابة :4/569 ] ، وهذا من مُعاوية أمرٌ صريح ، فإن لَم يَكُن فوصفٌ لحال ذلك المُجتمع الطّاعن الواقِع على أمير المؤمنين (ع) ، ووصفٌ لحال معاوية الطّليق الرّاضي بهذا الفِعل القبيح .فسؤالُه لابن سَعد (إن لَم يكُن أمراً) فَهو استغرابٌ من سعد بن أبي وقّاص عندما لَم يَشتُم علياً كسائر النّاس !! ، والله المُستعان ، هذا وأمثال هذا كثير تركناه اختصاراً .
[49] صحيح البخاري : 3/1361 ،
[50] مسند أحمد بن حنبل : 2/48 ، مسند ابن الجعد : 1/446 .
[51] المجموع المنصوري الجزء الثاني القسم الثاني: 380.
[52] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 1/522/453
[53] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 1/521/451
[54] مسند الشّهاب : 1/418 .
[55] وسندهَا كما في مُسند الشّهاب : أخبرنا الحسن بن خلف الواسطي ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إسماعيل الوراق حدثني أبي ثنا السري بن يحيى ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا القداح يعني سعيد بن سالم عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله .. إلخ .
[56] الضّعفاء للنسائي : 1/89 ، المجروحين :2/222 .
[57] تهذيب التهذيب :4/31 .
[58] مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 1/161، كنز العمال : 2/126 ، تفسير الطبري : 25/24 عند نزول قول الله تعالى : ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) [الشورى: من الآية23].
[59] وأتَت من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل ، رواها الحاكم في مُستدركه : 3/80 ، وغيره . قُلتُ : وسلمة بن كُهيل هذا مُجمعٌ على ضَعفِه عن أهل الحديث ، قال عبدالله بن المبارك : يحيى بن سلمة بن كهيل ضعيف . وقال يحيى بن معين : ليسَ بشيء . وقال البخاري : في أحاديثه مَناكير . [الضعفاء الكبير : 4/405] ، وقال النّسائي : متروك الحديث [الكامل في الضّعفاء :7/196] . وأتت أيضاً من طريق محمد بن عبدالله المخرمي وهو رجلٌ غير مَشهور ، يرويها عن أحمد بن خالد وهُو رجلٌ مَجهول رواها . ولم أقِف على غيرِها .
[60] قُلتُ : ونَاهِيكَ بِرجُلٍ اطمأنّ إليه الحجّاج فجعلَهُ رأساً له ، والحجّاج هذا فِمَن مخازيه وبُغضِه لعلي (ع) وشِيعته ، أنّه كَتَب إلى محمّد بن القاسم الثقفي : أنِ ادْعُ عَطيّة العَوفي ، فَإنْ لَعَنَ عَليّ بن أبي طالب ، و إلاَّ فَاضربهُ أربعمَائة سَوط ، واحلِق رَأسَه ، ولِحيَتَه ، فَدعاهُ ، فَأقرَأهُ كِتابَ الحجّاج ، فَأبى عَطيّة أنْ يَفْعَل ، فَضَرَبَهُ أربعمَائة ، وحلَقَ رَأسَهُ ولِحيَتَه . الطّبقات الكبرى:6/304] .
[61] قال في الإصابَة : ((ذكر أبو جعفر : أنّه قٌتِل مع الحسين بن علي بكربلاء وكانَ رضيعُه)) الإصابة 5/8 .
[62] الجداول الصّغرى .
[63] تذكرة الحفّاظ : 1/135 .
[64] تهذيب الكمال : 18/373 .
[65] تذكرة الحفّاظ : 1/135 .
[66] تذكرة الحفّاظ : 1/135 .
[67] طبقات المُدلّسين : 1/41 ، أسماء المُدلسين : 1/142 .
[68] روى الإمام زيد بن علي (ع) ، عن آبائه، عن علي (ع) ، قال: (لَمّا كَان فِي ولايَة عُمَر أُتيَ بامرأة ، فَسَألها عمُر، فَأقرّت بِالفُجور، فَأمَر بِها تُرجَم، فَلقيها عَلي، فَقال: مَا بَال هَذه؟ فقالوا: أمَرَ بهَا أمير المؤمنين أن تُرجم، فَردّها علي -عليه السلام-، فَقال: أمَرتَ بِهذه أن تُرجم؟ قَال: نَعم، اعْترَفت عِندي بالفجور. فَقال: هَذا سلطانك عَليها. فمَا سلطانك على ما في بطنها؟ فقال: ما عَلمتُ أنها حبلى. قال: إن لم تعلم فاستَبْرِ رحمها. قَال علي: فلعلك انتهَرتَها أو أخفْـتَها؟ قال: قد كَان ذَلك. قَال: أومَا سَمعت رَسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يَقول: (( لا حدّ على مُعترفٍ بعد بلاء))، فلعلها إنّما اعترفت بوعيدك إياها. فَسَألها عمر؟ فقالت: ما اعترَفت إلا خوفاً، فأمر بها فخُلّيَ سبيلها. ثم قال: عجزت النساء أن يَلدِنَ مثلَ عليّ. لولا عليّ لَهَلَك عمر) . اهـ من أمالي أحمد بن عيسى (ع) : 3/1394 ، مسند الإمام زيد بن علي (ع) : 335 ، درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية : الباب السّابع عشر : 118 ، ومنها منع علي (ع) إقامة الحد على المرأة التي وَلدت لستّة أشهر ، واحتجّ بإتمام الحَولين ، وشواهدها في الاستيعاب : 3/1103 ، وي تأويل مختلف الحديث :162 فانظرها .
[69] وفي ذلك كان يقول عمر : لولا عَليٌّ لهلَك عُمَر ، ويقول : أعوذُ بالله من كلّ معضلة ليسَ لها أبو حَسن . وذكرَ ابن حجر في الفتح : (ورَوينا في القطعيات مِن رواية إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ، قَال جاء رَجل إلى مُعاوية فَسأله عن مَسألة ، فقال سَل عنها عَليا ، قال : ولقد شهدتُ عمر أشكل عليه شيء فَقال هَا هُنَا عَلي؟) ، وجاء في فيض القدير : (وكان عمر يتعوذ من كل معضلة ليس لها أبو الحسن ، ولم يكن أحد من الصحب يقول سَلونِي إلا هُوَ [يعني علي] . وعرَض رجل لعُمر وهو يطوف ، فقال : خُذ حقي من علي فإنه لطم عيني ، فوقف عمر حتى مرّ علي فقال : ألطَمت عين هذا ؟ قال : نَعم ، رأيتُه يتأمّل حُرَم المؤمنين . فَقال : أحسنت يا أبَا الحسَن . وأخرج أحمد ، أنّ عمر أمَرَ بِرجم امرأة فمرّ بها علي فانتزعها ، فأخبر عمر فقال : مَا فَعلهُ إلا لشيء ، فأرسلَ إليه ، فسألَه؟ فقال : أمَا سمعت رسول الله يقول : (رفع القلم عن ثلاث ... الحديث) ، قال : نعم . قال : فهذه مُبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهُو بها . فقال عمر : لولا علي هَلك عمر . واتفقَ له مَع أبي بكر نحَوه ، فأخرج الدارقطني عن أبي سعيد أن عمَر كان يسأل عليا عنَ شيء ، فأجابه. فقال عُمَر أعوذ بالله أنْ أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن . وفي رواية : لا أبقانِي الله بعدك يا علي) ، وفي تهذيب الكمال : (كان عُمر يقول : عليُّ أقضَانا ، .... ، عن أبي الطفيل قَال : شَهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل . وقَال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص : قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة : لِمَ كان صفو الناس إلى علي ؟! فقال : يا بن أخي إنّ عليا كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم ، وكان له السلطة في العشيرة ، والقدم في الإسلام ، والصهر برسول الله (ص) ، والفقه في السنة ، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون) . انظر جميع هذه الشّواهد في الاستيعاب : 3/1103 ، كنز العمال : 10/133 ، تأويل مُختلف الحديث:162 ، فتح الباري : 13/343 ، فيض القدير:4/357 ، مرقاة المفاتيح : 11/253 ، تهذيب الكمال : 20/485-487 ، تاريخ مدينة دمشق :42/406 ، درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية : الباب السّابع عشر : 18 .
[70] الفوائد لابن منده : 41 .
[71] الكامل في الضّعفاء : 3/379 .
[72] مجمع الزوائد : 9/53 .
[73] مشكاة المصابيح :3/1710 .
[74] لوامع الأنوار:2/467 .
[75] سبق تخريجه .
[76]
[77] مسند أحمد بن حنبل : 2/48 ، مسند ابن الجعد : 1/446 .
[78] قال الإمام زيد بن علي (ع) ، مُناقشاً أمر عثمان بن عفّان ، معَ رجلٍ من أهل الشام ، وذلكَ أنّ الشاميّ ذكرَ أنّ قتلَة عثمان ليسوا إلاّ خاصّة ، وأنّ الجماعَة من الصحابة كانت مع عثمان ، فأجابهُ الإمام زيد (ع) قائلاً : (( والله مَا قَتَلَهُ إلا جَمَاعَة المُسلمِين مِنَ المهَاجِرينَ والأنصَار الذين اتّبعُوهُم بإحسَان ... فَقَتَلَهُ أصحَـابُ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بِكِتَابِ اللّه تَعالى، حِينَ خَالَفَ كِتابَ اللّه تعالى، وكَانَ أوّلَ النّاكِثينَ عَلى نَفسِه، وأوّل مَنَ خالفَ أحكَامَ القُرآن، آوَى طَريـدَ رَسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الحَكَم بن أبي العَاص ، ومَروان ابنه . مع نَفْيِه أبَا ذر رحمه اللّه تعالى مِنَ المدينة إلى الرَّبذَة، وإنّما يُنفَى عَن مَدينةِ رسول اللّه صلى اللّه الفُسَّاق والمخنّثُون. ومَعَ ضَربِهِ ابن مسعود رضي اللّه عنه حتى مَات. ومَعَ مَشيهِ عَلى بَطن عَمَّار بن ياسر رحمة اللّه تعالى عليهما حَتى سَدِمَ من ذلكَ دَهراً طويلا، ومَع أخْذِهِ مَفَاتيح بيت مَال المسلمين من عبدالله بن الأرقم ، وإنفاقُه المال على مَن أحبَّ مِن أقَارِبه)) . مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) ، كتاب مقتل عثمان : 287 .
[79] إلاّ أن يكون الإمام يحيى بن حمزة ، وهذا مُختلفٌ فيه عنه ، ومنَ أثبتَهُ أثبتَ رُجوعَه ، انظُر شاهد هذا في لوامع الأنوار: 2/93.
[80] ولعلّ قول الإمام (ع) : (لنَا : .. إلخ) ، أشكلَت على الأستاذ فذهبَ إلى أنّ هذا تعميم على جميع الزيدية ، والحقّ أنّ معنى (لنا) ، أي الشّاهدُ لصحّة ما ذهبنَا إليه ، و(نا) الجماعة لا يَدخُل تحتها إلاّ الإمام المُرتضى (ع) لوحدِه .
[81] الدر المنثور 5/273 .
[82] كنز العمال : 5/249 .
[83] أسباب النّزول : 1/374 .
[84] تاريخ اليعقوبي 2/469
[85] نعج البلاغة : ك 45 .
[86] الديباج الوضيء : 5/2444.
[87] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : 16/208
[88] المصابيح : 263 .
[89] المصابيح : 265 .
[90] مناقب أمير المؤمنين ، لمحمد بن سليمان الكوفي ، ج2/ص202/ح674
[91] مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي (ع) ، مسائل ابنه محمد : 2/613 .
[92] المستطاب ليحيى بن الحسين بن الإمام القاسم بن محمد .
[93] مآثر الأبرار في تفصيل مجملات جواهر الأخبار: 1/237.
[94] نهج البلاغة : خ202.
[95] الصحابة عند الزيدية ، وحكاه القاضي جعفر بن أحمد بن عبدالسلام في خلاصة الفوائد .
[96] أخبار فخ ويحيى بن عبدالله : 89.
[97] مآثر الأبرار في تفصيل مجملات الأخبار ،لمحمد بن علي الزحيف: 1/240، الصحابة عند الزيدية ، لمحمد عزان .
[98] شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد : 6/49
[99] مجموع كتب ورسائل الإمام المرتضى محمد بن يحيى (ع) : 1/168
[100] منظومَة الخلاصَة في التوحيد والعدل ، وهي 171 بيت.
[101] المجموع المنصوري ، الجزء الثاني ، القسم الثاني ، 379 .
[102] التحف شرح الزلف ، تحت سيرة الإمام أبو هاشم الحسن بن عبدالرحمن .
[103] الديباج الوضيء ، 4/ 1672 .
[104] مآثر الأبرار في تفصيل مجملات الأخبار ،لمحمد بن علي الزحيف : 1/240.
[105] لوامع الأنوار 2/95 .
[106] مجالس أبي الحسين الطبري : 79 .
[107] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : 9/323
[108] صحيح البخاري : 6/474 ، سنن البيهقي الكبرى : 6/300 ، مسند أبي عوانة : 4:251 ، مصنّف عبدالرزاق : 5/472 .
[109] كتاب الزيادات من جامع علوم آل محمد للشريف أبي عبدالله محمد بن علي العلوي (ع) .
[110] وهُوَ الذي قال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء : (( العلوي الإمام المُحدّث الثّقَة العَالِم الفَقِيه مسند الكوفة أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الكوفي .... قال ابن النرسي .. قالَ .. مَا رَأيتُ مَن كَان يَفهَمُ فِقه الحَديث مِثله ، قال وكانَ حَافظا خَرّج عَنه الحَافظ الصوري وأفَاد عَنه وكانَ يفتَخِرُ بِه)) ، سير أعلام النبلاء : 13/636 .
[111] تقدّمت الرّواية قريباً كاملةً .
[112] ثمّ بدأ الإمام (ع) في هذه الرّسالة يَذكُر العشرين الفضيلَة لِعلي (ع) ، ونحنُ نَذكُرها هُنا باختصار : الَفضيلَة الأولى : آية المُباهلَة ، واعتبارِه كنفس الرّسول (ص) . الَفضيلَة الثانية : الطّير الَمشوي ، ودَعوة الرّسول (ص) أن يَحضرُ أحبّ الخلق إلى الله ليأكُل مَعهُ ، فجاء علي (ع) . الَفضيلَة الثالثة : قصّة خيبر والرّاية ، وقول الرّسول : لأبعثّن بالرّاية غدا ، رُجلٌ يُحبّ الله ورَسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار ، وكان أبو بكر وعمر قد عادا غير فاتحيَن لِخيبر ، فأرسلَ علي (ع) ففَتحَ الله على يديه خيبر . الَفضيلَة الرّابعة : أنّه (ع) كانَ أكثر الّناس جهاداً بين يدي رسول (ص) ، وقتلاً للمشركين . الَفضيلَة الخامسة : أنّه أقدمهُم وأسبَقهٌم إسلاماً . الَفضيلَة السّادسة : أنّ أقربُ النّاس (حتّى من بني هاشم) ، قرابةً إلى رسول الله (ص) ، وليسَ أحدٌ من الصّحابة أقربُ من علي (ع). الَفضيلَة السّابعة : أنّ علي (ع) هُو أكثر الصّحابَة (صلاحاً) ، وليسَ لأحدٍ من الصّحابة غيرُه هذا المَنقبَة . الَفضيلَة الثّامنة : أنّ علي (ع) كان أول مولود وُلِد لهاشميٍّ من هامشيّة ، والهاشميّ أفضُل من غيره . الَفضيلَة التّاسعة : قول الرّسول (ص) لفاطمة إنّ الله اطّلع على الّدنيا فاختار أباكِ نبيّاً ، وزوجك وصيّاً . قال الإمام : والخِيارُ هُو الأفضل . الَفضيلَة العاشرة : رواية عائشة عن الرّسول (ص) ، أنّه قال : أّنا سيد العالمين ، وعليّ سيد العرب . الَفضيلَة الحادية عشرة : رواية أنس بن مالك عن الرّسول (ص) ، أنّه قال : ((أخي ووزيري وخير من أتركُه بعدي ، يقضي ديني ويُنجزُ وعدي علي بن أبي طالب)) . الَفضيلَة الثّانية عشرة : ما رواه ابن مَسعود : ((علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر)) . الَفضيلَة الثّالثة عشرة : أنّ أمير المؤمنين (ع) لم يَكفُر بالله ساعَة واحِدة بِخلاف غيره من الصّحابَة . الَفضيلَة الرّابعَة عشرة : قول الرّسول (ص) : ((مَن أراد أن ينظر إليّ في علمي ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظُر إلى علي بن أبي طالب )) . الَفضيلَة الخامسة عشرة : أنّه كان أعلمُ ، كان في غابة النّباهة والفطنة ، حريصا على العلم ، وقول الرّسول (ص) : ((أقضاكم علي)) والقضاء مُفتقر إلى سائر العلوم كلّها ، واتفاق المُفسرين أنّ قول الله تعالى ((وتَعيها أُذنٌ واعية)) أنّها في علي (ع) ، ولقول علي (ع) : ((لو ثُنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما آية نزَلت في برّ ، ولا بحر ، ولا سهل ، ولا جبل ، ولا ليل ، ولا نهار ، ولا سماء ، ولا أرض ، إلاّ وأنا أعلم فمين نزلَت ، وفي أيّ شيء نزلَت)) . الَفضيلَة السادسة عشرة : زُهده (ع) . الَفضيلَة السابعة عشرة : شجاعتهُ التي فاقت غيرهُ من الصّحابة . الَفضيلَة الثامنة عشرة : السّخاء والكرم والإيثار . الَفضيلَة التاسعة عشرة : حُسن الخُلُق . الَفضيلَة العشرون : أنّه كان أخوفُهم في جانب الله تعالى . مُلاحظة : كلّ ما ذكرناه من هذه الفضائل فلهُ شاهدٌ في أصل كلام الإمام يحيى في الرّسالة ، فلم نُضِف زيادَةً لا يتحمّلها كلام الإمام (ع) ، ولم نَعمل هُنا إلاّ الاختصار.
[113] قٌولُنا لم يصحّ لعدم وجود شواهِده في كُتب الزيدية عن أمير المؤمنين (ع) ، لا تصريحاً ولا تلميحاً ، ولا مُطوّلاً ولا مُختصراً ، ثمّ إنّه ليس له وجود (فيما وقفنا عليه) من أمّهات المسانيد الحديثية المُعتبرة عند أهل السنّة ، إلاّ من طريق اللالكائي في كتابه (اعتقاد أهل السنّة 7/1295) ، ومن طريق الرّزاز الواسطي في كتابه (تاريخ واسط 166) ، ومن طريق ابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق 44/366)، وله ذكرٌ في (الرياض النضرة للطبري 1/375 ) ، والجميعُ يروونه عن الحسن بن عمارة الكوفي ، والحسن مُتكلّمٌ فيه على شرط رجال الجرح والتعديل ، ضّعفه العجلي [معرفة الثقات:1/299] ، وكان شعبة ينهى جرير بن حازم عن الرواية عنه ، وكان ابن عيينة يضع اصبعه في أذنيه إذا سمع حديثه ، قال أحمد بن حنبل : الحسن بن عمارة متروك الحديث . قال يحيى بن معين : ليس حديث بشيء . [الجرح والتعديل:3/27] . ترك حديثه عبدالله بن المبارك ، وخلاصتُه أنّ في الرّجل جرحٌ كثير ، على شرط أهل الحديث ، انظر [الكامل في الضعفاء :2/283] .
[114] وهذا النّوع من الوزارة هُوَ الذي يُحملُ عليه قول الإمام زيد بن علي (ع) ، الذي رَوتهُ العامّة ، ونَقلَهُ عنهُم السيّاغي في الرّوض النّظير ، في خبر الرّافضَة ، وإن كانَ سبب الرّفض ليسَ هذا كما أثبتَهُ الإمام الهادي إلى الحق (ع) ، فقال (ع) : ((وإنما فرَّق بين زيد وجعفر قوم كانوا بايعوا زيد بن علي، فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب من بايع زيداً ويعاقبهم، خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان، ثم لم يدروا بم يحتجون على من لامهم وعاب عليهم فعلهم، فقالوا بالوصية حينئذ، فقالوا: كانت الوصية من علي بن الحسين إلى ابنه محمد، ومن محمد إلى جعفر، ليموهوا به على الناس، فضلوا وأضلوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل، اتبعوا أهواء أنفسهم، وآثروا الدنيا على الآخرة، وتبعهم على قولهم من أحب البقاء وكره الجهاد في سبيل الله. ثم جاء قوم من بعد أولئك فوجدوا كلاماً مرسوماً في كتب ودفاتر، فأخذوا بذلك على غير تمييز ولا برهان، بل كابروا عقولهم، ونسبوا فعلهم هذا إلى الأخيار منهم؛ من ولد رسول الله عليه وعليهم السلام)) . مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق : كتاب معرفة الله عزّ وجل: 61.
[115] قُلتُ : وَوَزارَة أمير المؤمنين (ع) بمعنى إمامته وخِلافَته مَأثورةٌ عن زيد بن علي ، وعن الصّادق ، والكَاظِم ، ، وابن عُمر، وأبي رافع ، وأنس بن مالك ، وابن عبّاس ، وأسماء بنت عُميس، وغيرهم ، وهِي محلّ اتفاق الزيدية ، ومنهُم الإمام يحيى بن حمزَة (ع) ، صاحب الرسالة الوازعة ، انظر شواهد هذه الروايات في : تيسير المطالب في أمالي أبي طالب : 108 ، مسند الإمام زيد بن علي (ع) : 405 ، أمالي المرشد بالله (الخميسيّة) : الحديث السادس : 137 ، الحديث الحادي والعشرون :106 ، مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 1/303-320-332-333-341-348.
[116] قال الإمام الحجّة مجدالدين بن محمد المؤيدي (ع) : ((هذه الرّسالة نُسبَت إلى الإمام يحيى بن حمزة (ع) ، ومَعروفٌ أنّ الإمام يحيى كان كثير الذّب عن الصّحابَة خصوصاً الشيخين ، إلاّ أنّ هذه الرّسالة احتوَت على مُتناقضات لا تَصدُرُ عن جاهلٍ فضلاً عن مَن مِثله في العِلم ، واحتَوت كذلك على مُخالَفاتٍ للمعروف عن الإمام يحيى في جميع كتبه ، والنّاظر المُتأمّل في كلام الإمام يحيى (ع) بِما يتعلّق بالإمامة يَقطع بأنّ هذه الرّسالة كلّها مدسوسَة ، أو أنّهُ قد دُسَّ فيها الكثير)) ، تمّت حاشية سماع على السيد مجدالدين صلوات الله عليه ، وليسَت بمطبوعة .
[117] لم نَقف لهذه الرّوايَة على أصل (فيما اطّلعنا عليه) إلاّ من روايَة ابن عساكر [تاريخ دمشق:30/265] ، وإلى ذلك أشار الهندي في كتابه كنز العمال ، وفيها شُريك بن عبدالله النّخعي ، يُرمَى بانفراده ببعض الأحاديث ، قال في الضعفاء الكبير : ((حدثنا سفيان بن عبد الملك ، قال : سألت بن المبارك عن حديث زيد بن ثابت أنه قال في البيع بالبراءة يبرأ من كل عيب ، فقال جاء به شريك بن عبد الله على غير ما كان في كتابه ولم نجد لهذا الحديث أصلا)) [الضعفاء الكبير :2/193] ، وعابهُ رجال الجرح والتعديل بناء على شرطهم في هذا الفن ، منهم ابن المُبارك ، قال : ليس حديثه بشيء . وقال السعدي : سيء الحفظ ، مضطرب الحديث ، وقال الجوهري : أخطأ في أربعمائة حديث . [ الكامل في الضعفاء:4/6] ، نقول هذا في شريك على شرط أهل الحيث ، فتفهّم .
[118] المصابيح : 251
[119] وذلكَ أنّ بلال تردّد على رسول الله ليَرى هل يخرُجُ رسول الله (ص) للصلاة بالنّاس .
[120] المصابيح : 248 .
[121] إلاّ أن يُقال أنّ بدء إمامته كانَت من الرّكوع الثّاني ، فَعِندَها ستكونُ حجّتنا أظهرَ وأقوى ، وهِي حِرصُ رسول الله (ص) على ألاّ يُصلّي أبا بكرٍ بالنّاس ، فإصرارُ الرّسول (ص) على إمامتهِ هُو بالنّاس دونَ أبي بكر في آخر ركوعٍ في الفَجر دليلٌ قويٌّ على قَولِنا .
[122] صحيح مسلم :3/1380 .
[123] نهج البلاغة : خ3 .
[124] الدّيباج الوضئ في الكشف عن أسرار الوصي: 6/2783.
[125] ما بين المعقوفتين زيادة للتوضيح ، والباقي من كلام الإمام يحيى بن حمزة (ع) .
[126] تيسير المطالب في أمالي أبي طالب : الباب الثالث والثلاثون : 443 .
[127] نهج البلاغة : ك62 .
[128] نهج البلاغة : خ74 .
[129] روى الإمام زيد بن علي (ع) ، عن آبائه ، عن علي (ع) ، قال : ((أتي معاوية وهو بالشام بمولودٍ له فرجٌ كفرج الرجل وفرجٌ كفرج المرأة فلم يدر ما يقضي فيه فبعث قوماً يسألون عنه عليا عليه السلام. فقال لهم علي عليه السلام: ما هذا بالعراق فأصدقوني؛! فأخبروه الخبر. فقال: لعن الله قوماً يرضون بحكمنا ويستحلون قتالنا، ثم قال: انظروا إلى مباله؛ فإن كان يبول من حيث يبول الرجل فهو رجلٌ، وإن كان يبول من حيث تبول المرأة فهو امرأةٌ. فقالوا: يا أمير المؤمنين إنه يبول من الموضعين جميعاً. قال: فله نصف نصيب الرجل، ونصف نصيب المرأة)) . مسند الإمام زيد بن علي (ع) : 372 .
[130] ولإمامنا الحجّة مجدالدين المؤيدي حول هذه الرّسالة كلامُ مُتقَن ، وسَننقُلُه هُنا كاملاً ، لِما فيه من الفائدة ، فقال (ع) : ((ففي صفح (13) من الرسالة الوازعة للإمام يحيى بن حمزة عليهما السلام: المسلك الأول: وساق فيه إلى أن قال: ولاشك أن التكفير والتفسيق من أعظم الأحكام، فإذا لم تكن فيهما دلالة قاطعة ولابرهان بيِّن وجب التوقف. قلت: يقال: فلم لم تتوقف أيها الإمام كما قضيت أنه الواجب. اهـ. قوله في صفح (14): وجوب الموالاة. قلت: يقال: قد سبق قوله وجوب التوقف، وسيأتي للإمام عليه السلام في صفح (35) أن التوقف أولى وهو لايتفق مع هذا، وسيأتي له أن دلالة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام قاطعة والحق فيها واحد، وأنها ليست من مسائل الاجتهاد، وأن من خالفها مخطيء لمخالفته للدلالة القاطعة، فكيف يصح مع هذا أن نبقى على الأول وهو وجوب الموالاة، وغاية مايمكن أن المعصية محتملة للصغر والكبر وذلك يوجب التوقف لا القطع على الصغر إذ لادليل عليه ولا البقاء على الأصل لوجود الناقل عنه، فتأمل فهذا هو الحق والإنصاف ولايغني جمع الروايات الباطلة الملفقة والقعقعة والإرجاف، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. وقوله في الصفح المذكور في المسلك الرابع: وماكان منه عليه السلام من المناصرة والمعاضدة لأبي بكر في أيام قتال أهل الردة.. إلخ. قلت: يقال: أما قتال أهل الردة فقد كان قتالاً عن حوزة الإسلام، فهو واجب على كل مسلم وفي كل حال ومع إمام وغير إمام، وعلي عليه السلام هو إمام الهدى فكيف لايذب عن الدين الحنيف، وذلك هو الذي أوجب سكوته ومصالحة القوم التي وردت بلفظها في رواية البخاري وغيره فطلب مصالحه أبي بكر.. الخ. ولهذا قال: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعه الإسلام رجعت .. إلخ. وفي صفح (15) قوله: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر. قلت: اعلم أن هذا وأمثاله لايصح، لمخالفته للنصوص المتواترة المعلومة القاضية بأن أمير المؤمنين وسيد المسلمين عليه السلام خير هذه الأمة وأفضلها وأعظمها عند الله منزلة، وهي مناقضة لما سبق للإمام يحيى عليه السلام ويأتي من أن أمير المؤمنين عليه السلام أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما خصه الله تعالى من الفضائل الظاهرة التي لم يحزها أحد بعده، ولا كانت لأحد قبله، وأن إمامته ثابتة بالنص عليه، وعلى ولديه، وأن فضله على غيره من الصحابة أظهر من نور الشمس إلى آخر الكلام السابق. وقوله في صفح (24): الحكم الأول: أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن أبي طالب.. الخ. الحكم الثاني: أن دلالة إمامته قاطعة والحق فيها واحد وليست من مسائل الإجتهاد، فمن خالفها فلاشك أنه مخطيء لمخالفته للدلالة القاطعة .. إلى آخره. قلت: فمثل هذه الروايات الملفقة المتهافتة لاتقاوم الأدلة المعلومة من الكتاب والسنة وليس ذلك مما يخفى على الإمام يحيى وإنما أراد النكير والإرهاب على أهل الجرأة والسباب بغير دليل، والذي يظهر أن فيها دساً على الإمام فحاشاه عن مثل هذه المناقضة التي لاتصدر عن من له أدنى نظر، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وفي صفح (16) من الرسالة الوازعة أيضاً للإمام يحيى بن حمزة عليهما السلام: لم يوص رسول الله فأوصي ولكن إن أراد الله بالناس خيراً.. إلخ. قلت: يقال: كيف يصح هذا أيها الإمام وإمامة أمير المؤمنين عليه السلام عندك وعند جميع أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم قطعية؟ وكيف يصح هذا وأمير المؤمنين عليه السلام أنكر مافعلوه يوم السقيفة واعتزلهم بإجماع الأمة وروايات الصحاح مصرحة أنه لم يبايع لاهو ولاأحد من بني هاشم ستة أشهر، وبعدها طلب مصالحة أبي بكر، هذه رواية البخاري وغيره، وعند أهل بيت محمد صلى الله عليهم وسلم أنه لم يبايع أصلاً. كيف وهو مع الحق والحق معه؟ وكيف تنكر الوصية وهي ثابتة بالنصوص النبوية وإجماع أهل البيت عليهم السلام وأنت أيها الإمام منهم بل لاتزال تقول: وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جميع كتبك؟ وكيف يصح ذلك وهو يقول مخاطباً لأبي بكر: فإن كنت بالشورى ملكتَ أمورَهم **** فكيف بهذا والمُشيرون غُيَّبُ . وإن كنت بالقربى حَجَجْتَ خصيمهم **** فغيرك أولى بالنبيِّ وأقــربُ . مع أن هذه العبارة لايصح مثلها عن أمير المؤمنين عليه السلام لما فيها من الشك في إرادة الله سبحانه الخير، واحتمال أن لايريد منهم ذلك، وهو عين الجبر تعالى الله عن ذلك وهو القائل سبحانه: ((يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)) [البقره:185] ((يريد الله أن يتوب عليكم ويهديكم)) إلى مالايحصى من الأدلة عقلا ونقلا، فمثل هذا الكلام المتهافت لايمكن صدوره عنه عليه السلام، وهو مما يحقق الوضع في كثير من هذه الرسالة، وهو يناقض نصوصه الصريحة حتى في هذه الرسالة نفسها)) . مجمع الفوائد : 342-345 .
[131] لوامع الأنوار : 3/210 .
[132] مسند أحمد بن حنبل :2/252 ، سنن النسائي الكبرى :5/384 ، سنن البيهقي الكبرى :7/471 .
[133] فتح الباري : 9/501 .
[134] تأويل مختلف الحديث : 1/22 .
[135] صحيح مسلم :3/1660 .
[136] كنز العمال : 10/129 ، تاريخ دمشق : 50/172 ، سير أعلام النبلاء : 2/601 ، أخبار المدينة : 2/12 .
[137] لأنّ رَسول الله (ص) كان قد حدّث أصحابه بفضل علي ومحبّته له في مواقف عديدة ، منها ما رُويَ في الرايَة ((لأبعثنّ غداً رَجُلاً يحُبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله وَرسوله)) ، وخبر الطّير ، وغيرها من الروايات التي تُخبر عَن فضل علي (ع) ، ومن أراد الاستزادة فلينظُر مناقب علي (ع) في مُصنّفات أهل البيت وغيرهم من أهل الحديث .
[138] قُلتُ : اعلم أنّ هذه الآية من أواخر ما نزلَ من القرآن الكريم ، على رسول الله (ص) ، وبذلك يشهد ابن كثير الذي قال عن هذه الآيَة : ((والصّحيح أنَّ هَذِه الآيَة مَدنيّة بَل هِي مِنْ أواخِر مَا نَزَل بِهَا، والله أعلم)) [تفسير ابن كثير:3/136] . قُلتُ : وقد وقفتُ على عدّة أخبار تُفيدُ أنّ معناها الأمر من الله تعالى بالجهر بالدّعوة السريّة التي كان عليها الرّسول (ص) في مكّة ، وأخبار تُفيد علاقة أبي طالب بهذه الآية ، وأخبار تُفيد علاقة مُشركي قُريش بهذه الآية ، وهذا كلّه خطأٌ ظاهِر ، لأنّ الآيَة مدنيّة والدّعوة السريّة ، وأبو طالب ، ومشركوا قريش ، كانَ هذا كلّه في مكّة ، وكذلكَ وَقفتُ على مَن يَنسبُ سبب نزولِها إلى إخراج الرّسول علومَهُ لأهل الكتاب وغيرهِم بدون خوفٍ ولا وَجل ، وهذا مُعارَضٌ بأنّ الآية من أواخر ما نزل من الكتاب العَزيز ، فَهل نَقول أنّ رسول الله (ص) كانَ غير كامل التّبليغ والدّعوة لأهل الكتاب ولغيرهِم قبلَ نزول هذه الآيَة ، مع العِلم أنّ هذه الآية ما نزلَت إلاّ بعد آياتٍ كثيرة نزلَت في أهل الكتاب وفي جدال الرّسول (ص) لهُم ، وفي هذه الآيات كان الله يُعلّم الرّسول كيفَ يُخاطبُهُم وبما يحتجّ عليهِم ، فهلَ كان الرّسول (ص) في هذه الأثناء (التي هي قطعاً قبل نزول هذه الآية) مُخفياً عنهُم بعضاً من وحي الله تعالى ؟! أم أنّ الله تعالى أخفى الوحي على رَسولِه ، ولم يُخبرهُ به إلاّ في آخر دَعوته ، ثمّ أمرهُ الله بإظهارِ هذا الوَحي !! ، نعم ! فإن وَقفتَ أخي في الله على قُبح هذا القَول ، فاعلم أنّ الآية نزلَت بعد تمامَ رسول الله (ص) تَبليغَ دَعوته ، التي كان آخرُ ما بلّغ وعلّم النّاس فيها هي مَناسكُ الحجّ ، فلم يُنزِل الله عليه الرّضا بتمام الرّسالة ، وأداء الأمانَة ، إلاّ بشرطِ إبلاغ آخرِ وأهمّ رِسالَة ، التي تَحكي الآيَة أنّه إن لم يُبلّغها كانَ مقامُه مقامَ مَن لم يُبلّغ رسالات الله السّابقَة ، فما هي هذه الرّسالَة المهمّة ؟! قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) ، قال السيوطي : ((وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية ((يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ)) على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم، في علي بن أبي طالب. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ)) أنّ عليا مولى المؤمنين)) [الدر المنثور:3/115] ، وأوردَ الآلوسي : ((وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قال: نزلت هذه الآية في علي كرم الله تعالى وجهه ، حيث أمر سبحانه أن يخبر الناس بولايته فتخوّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله تعالى إليه هذه الآية فقام بولايته يوم غدير خم، وأخذ بيده فقال عليه الصلاة والسلام: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) [تفسير الآلوسي:6/199] ، قلتُ : وقال باقر علوم الأنبياء محمد بن علي (ع) : ((لمّا أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أمرَ به ، قال رسول الله : قَومي حديثي عهد بالجاهليّة [لكثرة الأعراب والطلقاء في ذلك الموقف] . إذ أتاهُ جبريل فقال : {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزلَ إليك من ربّك} ، فَأخذَ رسول الله بيد علي فقال : مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال مَن والاه ، وعاد مَن عاداه)) [مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 2/382] ولهُ شاهدُ بغير لفظ من ذِكر العَيني قال : ((وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلما نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه)) [عمدة القارئ:18/206] ، قُلتُ : ليسَ هُو مجرّد فَضلٌ وحَسب ، فالفَضل لعلي (ع) وإظهارُه لا يتوقّف عليه تمام إبلاغ رسالة الرّسول (ص) ، وعليه فإنّ الفضل المقصود فَضل وشرف الإمامة للوصيّ صلوات الله عليه . وقال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) : ((وفيه [في علي] أنزل الله على رسوله: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))، إلى أن قال: فنزل تحت الدوحة مكانه وجمع الناس ثم قال: ((يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم XE "يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم" ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: اللهم اشهد، ثم قال: اللهم اشهد، ثم قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه،واخذل من خذله، وانصر من نصره")) [الأحكام:1/37-38] .
[139] وهُو قول الرّسول (ص) : ((عليٌّ مني بمنزلَة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بَعدي)) وهُو خبرٌ صحيحٌ بالإجمَاع ، قال الإمام زيد بن علي (ع) ، مُتكلّماً على هذا الخَبَر: ((عَليٌّ منّي بمنزلَة هارونَ مِن مُوسى إلاّ انّه لا نبيّ بَعدي)) ، فقال (ع) : ((قَدْ شَبّهَهُ [الرّسول (ص)] بِهَارُون فِي مَنزلته، فَلا بُدّ مِنْ مَنْزِلَةٍ مَعْلُومَةٍ لَنَا دُونَ مَنْزِلَةٍ مَجْهُولَة، وَلَيسَ لِهَارون مَنَازِل مَعلومَة إلا ثّلاث: مَنْزِلَةُ الأخُوّةِ، وَمَنْزِلَةُ الشّركَة ـ أي فِي النّبوّة-، وَمَنْزِلَةُ الخِلافَة، وَالعَقْل قَد اسْتَثْنَى الأخُوّةَ بِالنّسَب، وَالنّبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قَد اسْتَثنَى النّبوّة ، فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الإمَامَة)) . مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) : من مقالات وكلام الإمام زيد : 379 .
[140] أمالي الإمام المؤيد بالله (الصغرى) : الحديث الثامن عشر : 102 .
[141] مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 2/428 .
[142] مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 2/395 .
[143] مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 2/382 .
[144] تفسير غريب القرآن ، للإمام زيد بن علي (ع) : 129 .
[145] يَظهر لي أنّه الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، والله أعلم .
[146] مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 2/395 .
[147] سنن النسائي الكبرى :5/131 ، الأحاديث المختارة : 2/105 ، المعجم الأوسط : 7/70 ، مسند أحمد بن حنبل : 1/84 ، مجمع الزوائد :9/104 ، كنز العمال :13/67 ، تاريخ دمشق : 42/205 ، وغيرها .
[148] تقدمت ترجمته من سير النبلاء .
[149] كتاب الزيادات من جامع علوم آل محمد للشريف أبي عبدالله محمد بن علي العلوي (ع) .
[150] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) : كتاب تثبيت الوصيّة : 197-207
[151] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) : من مقالات وكلام الإمام زيد : 379
[152] أمالي المؤيّد بالله (الصّغرى) : الحديث الحادي عشر:90 .
[153] تيسير المطالب في أمالي أبي طالب : 108.
[154] مسند الإمام زيد بن علي (ع) : 405 .
[155] كتاب الزيادات من جامع علوم آل محمد للشريف أبي عبدالله محمد بن علي العلوي (ع) .
[156] روى البيهقي ، بإسناده ، قال : ((عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، ... ، قالت عائشة رضي الله عنها : فَكان لِعلي رضي الله عنه مِنَ الناس وجه حياة فاطمة رضي الله عنها ، فلمّا توفّيت فاطمة رضي الله عنها انصرَف وجوه الناس عنه ، عند ذلك قال معمر قلت للزهري كم مكثت فاطمة بعد النبي (ص) قال ستة أشهر . فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي رضي الله عنه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها . قال : ولا أحَدٌ مِن بني هَاشم رواه البخاري في الصحيح من وجهين عن معمر ، ورواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وغيره)) سنن البيهقي الكبرى :6/300 ، مسند أبي عوانة : 4/251 ، مصنف عبدالرزاق:5/472 .
[157] قال اليعقوبي : ((قَامَ الفضل بن العبّاس وَكان لِسَان قُريش ، فقال : يَا مَعشر قُريش إنّه مَا حقّت لكُم الخِلافة بالتّمويه ، ونَحنُ أهلُهَا دونَكُم وصَاحِبنا أولى بهَا منكُم)) . [تاريخ اليعقوبي :2/126] قلت : يعني علي بن أبي طالب (ع) . وقال اليعقوبي: ((وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في علي)) [المصدر السابق] .
[158] روى ابن أبي شيبه ، بإسناده ، قال : ((حدثنا زيد بن أسلم ، عن أبيه أسلم ، أنهُ حِينَ بويع لأبي بَكر بعد رسول الله (ص) كَان علي والزّبير ، يَدخُلان على فَاطمَة بنت رَسول الله (ص) فَيشاورونَها ، ويرتجعون في أمرهِم ، فلمّا بلغَ ذلك عمر بن الخطاب ، خرج حتى دخل على فاطمة ، فقال : يا بنت رسول الله (ص) والله مَا من أحد أحب إلينا من أبيك ، وما مِن أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمَانعِي إنِ اجتمعَ هؤلاء النفرعندك إن أمَرتِهم ، أن يُحْرَق عليهم البَيت ، ..إلخ )) مصنّف ابن أبي شيبة:7/432 ، الاستيعاب:3/975، . قُلتُ : وقد كان طلحَة معهُم .
[159] وهُوَ القائل لعليٍّ (ع) : ((هَلمّ أبَايعُك فوالله مَا فِي النّاس أحد أولى بِمَقام محمّد منك)) . تاريخ اليعقوبي:2/126 . قلتُ : وخالدٌ هذا أسلمَ قديماً ، قيل أنّه لم يكُن بينه وبين إسلام أبي بكر مدة طويلة .
[160] جاء في أخبار قزوين ، ما نصّه : ((لمّا كانَ يومُ السّقيفة اجتمَعَت الصّحابة على سَلمَان الفَارسي ، فقالوا يَا أبا عبد الله ، إنّ لكَ سِنك ودِينكَ وعَمَلك وصُحبَتك مِن رسول الله (ص) فقل فِي هذا الأمْر قَولاً يخلدُ عنك ، .. ، ثمّ أنشأ يقول : مَا كنت أحسب أنّ الأمر مُنصرفٌ**** عن هَاشم ثمّ منهم عن أبي الحَسن ^ أليس أوّل مَن صلّى لِقبلَته **** وأعْلم القَوم بالأحْكَام والسّنن ^ مَا فِيهُمُ مِن صنوفِ الفَضل يَجمَعُهَا**** وَليسَ فِي القَوم مَا فِيه مِنَ الحُسْنِ )) [التدوين في أخبار قزوين:1/79] ، ونُسبت هذه الأبيات إلى عُتبة بن أبي لهب بن عبدالمطلب انظر [الاستيعاب:3/1133] ، وانظر [تاريخ اليعقوبي:2/126] .
[161] وكان البراء بن عازب رضوان الله عليه ، هُو أوّل مَن جاء ليُخبر بني هاشم بأمر السّقيفَة . تاريخ اليعقوبي [تاريخ اليعقوبي :2/126] .
[162] جميع الأسماء المَاضِيَة من تاريخ اليعقوبي :2/124 .
[163] قال السّخاوي في التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة : ((وَهُو ممّن كَانَ تَخَلّف عن بَيعَة أبي بَكر لِينظر مَا يَصنعُ بنوا هَاشم ، فَلمّا بَايعُوه بَايَع)) [1/60] ، قُلت : ولم يحصُل هذا إلاّ بعد ستّة أشهُر .
[164] بمعنى قريبين من الرّسول (ص) في الإشارة والاستشارَة ، إضافَة إلى غيرهم من الصّحابة .
[165] وهكذا دائماً : زلّة العَالِم زلّة عالَم .
[166] ومنه إقامة عمر الحد على الصّحابي قدامة بن مظعون الجمحي . [المغني:9/48] . والعجيبُ أنّ قُدامَة بن مظعون كان قد هاجر الهجرتين ، وكان بدرياً ، واستعملهُ عمر على البحرين ، ومع ذلك شرب الخمر مُتأوّلاً ، فأقام عليه عُمر الحد . [تعجيل المنفعة:1/343]. وذُكِر أيضاً أن عمّر أقام حدّا على أعرابي سكر من النّبيذ . [نصب الراية:3/349] ، ومنه جلد أمير المؤمنين (ع) للوليد بن عقبة حد الخمر ثمانين جلدة . [مقدمة الفتح: 1/300] ، ومنه رجم أبي بكر لعبدالله بن الحارث بن معمر الجمحي ، وذلك لوقعه في الزّنا . [الإصابة:4/50] ، ولهذا نماذج كثيرة في عصر رسول الله (ص) ، وفي عصر علي (ع) والمشائخ .
[167] وفي هذا ما سمعتُهُ عن بعض عُلمائنا ، به أو بما مَعناه : إنّا لَنفرحُ بالخبَر الذي يُثبت رُجوعَهم . (والكلام كان عامّاً شاملاً موجّهاً لأصحاب الجمل) .
[168] كتاب الزيادات من جامع علوم آل محمد للشريف أبي عبدالله محمد بن علي العلوي (ع) .
[169] (*-*) كلامٌ يَنقلُهُ الإمام يحيى بن حمزة عن القاضي شمس الدّين جعفر بن أحمد بن عبدالسلام رحمه الله تعالى ، وقد تَوهّمَهُ الأستاذ كلاماً للإمام يحيى نَفسَه ، وهذا بيّنٌ لمَن راجَع كتاب المشكاة هذا .
[170] الكلام للإمام يحيى بن حمزة الآن ، وهُو (ع) يُخبرَ أنّ نَقلَه عن القاضي جعفر بن أحمد قد انتهَى ، والأخ علي توهّم أنّ الكلام الماضي كلّه للإمام يحيى بن حمزة (ع) ، رغمَ إشارة مُحقّق كتاب المِشكاة إلى هذا بوضوح وجلاء ، انظر ص212-213 .
[171] ... إلخ الرواية .
[172] مجمع الفوائد : 387 .
[173] الآراء الفقهيّة للإمام زيد بن علي في المُعاملات والأحوال الشخصيّة والوِلايَة : 587-588 .
[174] كتاب الزيادات من جامع علوم آل محمد للشريف أبي عبدالله محمد بن علي العلوي (ع) .
[175] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) ، كتاب تثبيت الوصية : 204 ، وفي ص 211 يقول الإمام زيد بن علي (ع) : (( فأهل هذا البيت البقيةُ بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم والدُّعاة إلى اللّه؛ لأنه قد جعلهم مع نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم في السَّبق والتطهير والعلم، وأنهم الدعـاة إلى اللّه بعد رسوله )) .
[176] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) ، كتاب تثبيت الوصية : 210
[177] شواهد التنزيل : 2/155 .
[178] نهج البلاغة : خ173
[179] نهج البلاغة : خ143
[180] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) : من مقالات وكلام الإمام زيد : 381
[181] قول الله تعالى : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33] .
[182] قول الرّسول (ص) : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لَن تضلّوا من بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بَيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض)) ، وهو حديث الثّقلين .
[183] البحر الزّخّار : 1/71 .
[184] المصدر السّابق .
[185] المصدر السّابق .
[186] مصنّف ابن أبي شيبة: 1/169 .
[187] مسند الإمام زيد بن علي (ع) : .
[188] عن أبي بكر بن أبي شيبة (صاحب المُصنّف) ، عن هشيم بن بشير (ثقة) ، عن يحيى بن سعيد القطّان (ثقة ، ولا يروي إلاّ عن الثّقات) ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أمّ المؤمنين .
[189] مصنّف ابن أبي شيبة: 1/169 .
[190] عن أبي بكر بن أبي شيبة (صاحب المُصنّف) ، عن محمّد بن فضيل بن غزوان الضّبي (ثقة) ، عن أبي سنان ضرار بن مرّة (ثقة) ، عن سعيد بن جُبير (ثقة) ، عن ابن عبّاس حَبر الأمّة .
[191] مصنّف ابن أبي شيبة: 1/169 .
[192] عن أبي بكر بن أبي شيبة (صاحب المُصنّف) ، عن يونس بن محمد المقرئ (ثقة) ، عن عبدالواحد بن زياد (صدوق ، ثقة) ، عن إسماعيل بن سُميع (ثقة) ، عن أبي رُزين مسعود بن مالك (ثقة) ، عن أبي هريرة .
[193] مصنّف ابن أبي شيبة: 1/170 .
[194] سنن البيهقي الكبرى : 1/273 ، مسند أحمد بن حنبل : 1/366 .
[195] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) ، كتاب تثبيت الوصية : 210
[196] مسند الإمام زيد بن علي (ع) : 84 .
[197] مسند الإمام زيد بن علي (ع) : 80 .
[198] مسند الإمام زيد بن علي (ع) : 80 .
[199] تسمية مَن روى عن الإمام زيد بن علي (ع) : 115.
[200] مسند الإمام زيد بن علي (ع) : 184 .
[201] المُستدرك على الصّحيحين : 1/245 ، سنن أبي داود: 1/25 ، سنن ابن ماجة:1/140 ، ورواه غيرهم .
[202] مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : 2/104.
[203] المُختار من صحيح الأحاديث والآثار : 66.
[204] المُختار من صحيح الأحاديث والآثار : 66.
[205] الأحكام : 1/78-80 .
[206] الاحتساب : 46 .
[207] المُستدرك على الصّحيحين : 1/391
[208] منهُم ابن حبّان في صحيحه : 5/561 ، وأبو داود في سننه : 1/176 ، والبيهقي في السّنن الكبرى : 2/432 ،
[209] عمدة القارئ : 4/119
[210] فتح الباري : 1/494
[211] فيض القدير : 3/431
[212] شرح معاني الآثار : 2/78
[213] الاستذكار : 3/330
[214] فتح الباري : 4/236 ، 6/574.
[215] التمهيد لابن عبد البر : 5/45.
[216] صحيح مسلم : 1/222.
[217] صحيح مسلم : 3/1663 ، وانظر عمدة القارئ : 22/50.
[218] عون المعبود : 11/172.
[219] مجموع كتب ورسائل الإمام المرتضى محمد بن يحيى (ع) : كتاب المناهي : 760.
[220] كنز العمّال : 7/215 .
[221] المُصنَّف لابن أبي شيبَة : : 1/344
[222] تهذيب الكمال : 6/124 .
[223]سنن أبي داود : 1/194 ، سنن البيهَقي الصّغرى : 1/262 ، سنن البيهقي الكُبرى : 2/72 ، سنن ابن ماجه : 1/337 ، صحيح ابن حبّان : 5/183 ، صحيح ابن خزيمة : 1/317 ، موارد الظمآن : 1/133 ، سنن الترمذي : 2/45 ، شرح معاني الآثار : 4/355 ، مسند البزّار : 9/162 ، وغيرهم ، والجميع بينَ مُختصرٍ للحديث وبين ذاكرٍ له بطولِه .
[224] قال أبو عيسى التّرمذي : ((حَدِيثُ أبي حُمَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)) سنن الترمذي : 2/45 ، المحرر في الحديث : 1/192 ، خلاصَة الأحكام : 1/345 ، المغني : 1/274 .
[225] تحفة الأحوذي : 2/101 ، سنن البيهقي الكبرى : 2/73
[226] سنن البيهقي الكُبرى : 2/72 ، مسند البزّار : 9/162
[227] عمدة القارئ : 5/278 ، موطّأ مالك : 1/159
[228] شرح الزّرقاني : 1/454
[229] كنز العمّال : 7/215 .
[230] المُصنَّف لابن أبي شيبَة : : 1/344
[231] المُصنَّف لابن أبي شيبَة : : 1/344 ، التمهيد لابن عبد البر : 20/76
[232] التمهيد لابن عبد البر : 20/76
[233] سنن ابن ماجة : 1/266
[234] الجرح والتعديل : 4/32
[235] الكاشف : 1/465
[236] الثّقات :4/339
[237] سنن النّسائي الكُبرى : 1/309
[238] الضّعفاء الكبير : 1/283
[239] تهذيب التّهذيب : 2/177
[240] سنن البيهقي الكُبرى : 4/238
[241] الكامِل في الضّعفاء : 4/107
[242] سنن أبي داود : 1/201
[243] الضّعفاء الكبير : 2/322
[244] الكامِل في الضّعفاء : 4/304
[245] المجروحين ك 2/54
[246] سنن أبي داود : 1/200
[247] تهذيب التهذيب : 8/164
[248] سنن أبي داود : 1/201
[249] الضّعفاء الكبير : 2/140 ، ضعفاء البخاري : 1/53
[250] مُوطّا مالك : 1/158
[251] الضّعفاء الكبير : 3/63
[252] سنن البيهقي الكبرى : 2/31
[253] تاريخ بغداد : 14/220
[254] لسان الميزان : 6/262
[255] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[256] مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي (ع) :362 .
[257] أمالي أحمد بن عيسى (ع) : 1/266
[258] هُوَ الشريف الحافظ مُسند أهل الكوفة ومُحدّثها أبو عبدالله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ( 376 - 445 هـ ) . وهُوَ الذي قال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء : (( العلوي الإمام المُحدّث الثّقَة العَالِم الفَقِيه مسند الكوفة أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الكوفي .... قال ابن النرسي .. قالَ .. مَا رَأيتُ مَن كَان يَفهَمُ فِقه الحَديث مِثله ، قال وكانَ حَافظا خَرّج عَنه الحَافظ الصوري وأفَاد عَنه وكانَ يفتَخِرُ بِه )) سير أعلام النبلاء : 13/636 .
[259] الجامع الكافي في فقه الزيدية ، كتاب الصلاة ، باب هيئات الصلاة .
[260] كتاب الأحكام : 1/106.
[261] الجامع الكافي في فقه الزيدية ، كتاب الصلاة ، باب هيئات الصلاة .
[262] كتاب الأحكام : 1/106 .
[263] الصحيح المختار .
[264] الإحتساب : 46 .
[265] البَحر الزخّار الجامِع لمَذاهب عُلماء الأمصار : 1/250 .
[266] قال الإمام أحمد بن عيسى : ((...فإذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب، وقال: {وَلاَ الضَّالِّينَ}. إن شاء قال: (آمين)، وإن شاء ترك. كلّ ذلك واسع لاحرج فيه.)) [أمالي أحمد بن عيسى :1/318] ، إلاّ أنّ الإمام أحمد بن عيسى (ع) مع عدم التضييق هذا ، لَم يَكُن قائلاً بالتأمين ، وهذا فمعروفٌ فيه ، ثابتٌ عنه . إن قيل : فهُو على هذا ليسَ مِن مُفسدات الصّلاة . قُلنا : كان الإمام (ع) ينظُر للتأمين على أنّه من الدّعاء ، والدّعاء عندَه فلا يُفسدُ الصّلاة ، (وفي هذا خلاف) ، لا أنّه وسّع فيه من باب إثبات السّنيّة لهذه اللفظَة ، لأنّه لو كان يعتبرُها سُنّةً ثابتَة لما تركَها ، ولتلفّظ بها في صلواته ، فافهَم هذا فهو أصلٌ قوي ، إذ لو قيلَ (على رأي أحمد بن عيسى (ع)) بعد الحمد : ربّ استجِب ، بدلاً من (آمين) ، لأجازَها الإمام (ع) ، لأنّها دعاء ، نعم ! ثمّ الظّاهر أنّ الإمام أحمد بن عيسى (ع) كانَ بتخييرِه هذا ، بين الفِعل ، والتّرك ، كان يُريد الِفِعل السّري الغير مُجاهَر بِه ، وهذا مِنّا قياسٌ بفعل صاحبِه المُلازِمِ له محمد بن منصور المرادي ، القائل : ((ثَلاثة أشياء تَخفَا فِي الصّلاة: الاستعاذَة ، وربّنا لك الحمد ، وآمين لِمَن قَالهَا)) اهـ من جامع علوم آل محمد . قُلتُ : وهذا أصلٌ قَوي ، في أنّه لا يكون الدّعاء بآمين في الصّلاة إلاّ سرّاً لا مُجاهرَةً ، وخُلاصَته : أنّ أحمد بن عيسى (ع) وإن خيّرَ المُكلَّف بين الفِعل والتّرك ، فإنّه لم يكُن قصدهُ إلاّ الإخفاء بِها ، وإن كان رأي الإمام أحمد بن عيسى الذي ارتضاهُ لِنفسِه تركُ التأمين مُطلقاً ، راجع قولِهُ في الإجماع المنقول عن أهل البيت (ع) في التّأمين .
[267] شرح التجريد : 1/163-164
[268] قال فقيه الآل الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ت247هـ) ، في إجماع أهل البيت (ع) : (الحُجّة مِنَ الله عَلى الخَلق آيةٌ مُحكَمَة تَدُلّ عَلى هُدى، أو تَرُدّ عَن رَدَى، أو سُنّةٌ مِن رَسول الله مَشهُورةٌ مُتسِقٌ بِهَا الخَبر عَن غيرِ تَواطئ ، أو عَن عَلي، أو عَن الحَسَن ، أو عَن الحُسين ، أو عَن أبرارِ العِترَة العُلمَاء الأتقِيَاء المُتمَسّكِينَ بالكِتَابِ والسنّة، الذينَ دّلَّ عَليهِم رَسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبرَ أنّ الهُدى فِيهِم ) .
[269] شرح النووي على صحيح مسلم : 4/115 .
[270] التمهيد لا بن عبد البر : 20/76 .
[271] أمالي أحمد بن عيسى (ع) : 1/263 .
[272] جامع علوم آل محمد .
[273] شفاء الأوام : 1/311.
[274] وللوقوف على شواهِد هذا ، انظُر أعلام المؤلّفين الزيدية ، للمحقّق الأستاذ عبدالسلام الوجيه حفظه الله تعالى . 26-39.
[275] أمالي أحمد بن عيسى (ع) : 1/318 ، وللفائدة أيضاً انظر 1/266-267 .
[276] البحر الزّخّار :1/250 .
[277] تاريخ الطبري : 2/237 ،
[278] سنن البيهقي الكبرى: 3/144 .
[279] مصنّف عبدالرّزاق:11/329 .
[280] موسوعة فقه علي بن أبي طالب : 505 .
[281] لأنّ المُسلمين مُتفّقين على أنّ أوّل َمَن جمَعَ النّاس جماعةً في صلاة التراويح ، هُو عمر بن الخطّاب ، ولم يَجمَعهُم الرّسول (ص) عليها إلى أن مات .
[282] وقد توهّم الأخ علي أنّ لفظة (يصلي) تعني (يُصَلِّي) بشدّ اللام وكسرها ، فذهب إلى أن المحض (ع) كان يُصلّي التراويح جماعة في المسجد ، وهذا خطأ ، فالصحيح (يُصَلَّى) ، بشدّ اللام وفتحِها ، وليس ماذهبَ إليه يستقيم لُغةً ، فليُتمعَّن فيه .
[283] أي فِعل المحض (ع) من صلاة التروايح بأهلِه في البيت ، دونَ المسجد ، وهُو رأي القاسم بن إبراهيم (ع) ، وهو رأي حفيده الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، وهُو رأي الزيدية .
[284] أمالي أحمد بن عيسى (ع) : 1/486.
[285] كتاب الزيادات من جامع علوم آل محمد للشريف أبي عبدالله محمد بن علي العلوي (ع) .
[286] الأم ، للشافعي : 1/142 .
[287] الإنتصار :4/180-181 .
[288] يَظهرُ أنّ المقصود عبدالله بن موسى بن عبدالله المحض ، لا عبدالله بن موسى بن جعفر الصادق ، والله أعلم .
[289] الانتصار:4/186 .
[290] كمَا حُكيَ عنه سابقاً الضم لمجرّد روايَته : ((ثلا من أخلاق الأنبياء .. إلخ )) .
[291] سنن البيهقي الكبرى: 2/494 ، مصنف عبدالرزاق:4/264 .
[292] سنن البيهقي الكبرى: 2/494 .
[293] مصنف ابن أبي شيبة :2/166 .
[294] عمدة القاري :7/178 .
[295] سير أعلام النبلاء : 6/369 ، تاريخ دمشق :31/354 ، الطبقات الكبرى:7/263 .
[296] المدونة الكبرى : 1/222.
[297] سنن البيهقي الكبرى :1/494 ، شعب الإيمان : 3/177 ، تاريخ مدينة دمشق : 5/128 .
[298] تهذيب التهذيب :7/160 .
[299] تقريب التهذيب : 1/389 .
[300] الكامل في الضعفاء : 5/34 .
[301] المجروحين :2/92 .
[302] تهذيب الكمال :21/417 .
[303] شعب الإيمان : 3/337 ، كنز العمال : 8/192 .
[304] الضعفاء الكبير : 2/120 .
[305] معرفة الثقات : 1/391 .
[306] الجرح والتعديل:4/87 .
[307] الكامل في الضعفاء :3/349 .
[308] الكشف الحثيث : 124 .
[309] تاريخ مدينة دمشق : 44/280 .
[310] الكشف الحثيث: 69 .
[311] تهذيب الكمال :3/96.
[312] الجرح والتعديل :7/290 .
[313] أمالي أحمد بن عيسى (ع) ، سنن الدار قطني : 1/308 ، سنن الدارقطني : 1/302 .
[314] المُستدرك على الصّحيحين :1/326 ، سنن الدارقطني : 1/303 ، المُعجم الكبير : 11/185 .
[315] المُستدرك على الصّحيحين :1/357 .
[316] المُستدرك على الصّحيحين :1/358 ، سنن الدار قطني : 1/308 .
[317] سنن الدارقطني : 1/302 .
[318] سنن الدارقطني : 1/303 ، كنز العمال :8/57 ، أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[319] سنن الدارقطني : 1/303 .
[320] سنن الدارقطني : 1/304 .
[321] سنن الدارقطني : 1/307
[322] سنن الدارقطني : 1/307
[323] سنن الدارقطني : 1/308
[324] سنن الدارقطني : 1/309 ، أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[325] سنن الدارقطني : 1/309 .
[326] سنن الدارقطني : 1/310 .
[327] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[328] أمالي أحمد بن عيسى .
[329] سنن البيهقي الكبرى : 2/48 .
[330] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[331] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[332] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[333] مسند الإمام زيد بن علي (ع) .
[334] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[335] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[336] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[337] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[338] أمالي أخمد بن عيسى (ع) .
[339] أمالي أحمد بن عيسى .
[340] تهذيب الكمال : 6/377 .
[341] أمالي أحمد بن عيسى .
[342] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[343] جامع علوم آل محمد .
[344] الأحكام : 1/105 .
[345] الإحتساب : 46 .
[346] الإنتصار على عُلماء الأمصار ج2 من كتاب الصّلاة .
[347] سنن البيهقي الكبرى : 2/48 ، مصنّف ابن أبي شيبة : 1/362 ، كنز العمال : 8/51 ، أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[348] مصنّف ابن أبي شيبة : 1/361 .
[349] سنن البيهقي الكبرى : 2/49 .
[350] سنن البيهقي الكبرى : 2/50 .
[351] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[352] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[353] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[354] المُستدرك على الصّحيحين :1/357 ، سنن البيهقي الكبرى : 2/49 ، سنن الدار قطني : 1/311 ، مصنّف عبد الرّزاق :2/92
[355] سنن البيهقي الكبرى : 2/49 ، مصنّف ابن أبي شيبة : 1/362 .
[356] سنن البيهقي الكبرى : 2/49 ، مصنّف ابن أبي شيبة : 1/361 .
[357] سنن الدار قطني : 1/304 .
[358] مصنّف ابن أبي شيبة : 1/362 ، أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[359] سنن الدار قطني : 1/305 .
[360] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[361] مصنّف ابن أبي شيبة : 1/361 .
[362] مصنّف عبد الرّزاق : 2/91 .
[363] سير أعلام النّبلاء : 5/145 .
[364] سير أعلام النّبلاء : 4/240، الطبقات الكبرى : 5/133 .
[365] المُستدرك على الصّحيحين :1/358 ، سنن الدار قطني : 1/308 .
[366] سنن البيهقي الكبرى : 2/50 .
[367]مصنّف عبدالرّزاق : 2/91 .
[368] مصنّف ابن أبي شيبة : 1/361 ، سنن البيهقي الكبرى : 2/50 ، أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
[369] مصنّف عبد الرّزاق : 2/91 .
[370] أمالي أحمد بن عيسى (ع) .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الشريف العلوي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 424
اشترك في: الثلاثاء يوليو 20, 2004 7:35 pm

مشاركة بواسطة الشريف العلوي »

جزاك الله خيراً سيدي الكريم الكاظم , وعلى كل قول مفيد وبحث نافع كعادتك .

لي عـودة بالإضافة والإشادة بعد التمعن في قراءة بحثكم .


والمرجو امران ،

ان تتابعوا تعقيبات واستدراكات إخوانكم هنا بالمناقشة>

وان تضعوا البحث في ملف وورد او كتاب الكتروني كعادة بحوثكم ولو بعد الاكتفاء من مناقشته


وفقكم الله ,,

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“