عاشوراء و ذكرى إستشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين ( ع )

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
الزيدي اليماني
مشرف مجلس الأدب
مشاركات: 404
اشترك في: السبت ديسمبر 23, 2006 3:46 pm
مكان: أمام الكمبيوتر !

عاشوراء و ذكرى إستشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين ( ع )

مشاركة بواسطة الزيدي اليماني »

تهل علينا ذكرى إستشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع )
ومن الجدير بنا إستذكار وإستلهام الدروس والعبر من هذه المناسبة



أتمنى إضافة كل ما يتعلق بهذه المناسبة








من هو الإمام الحسين ؟



إسمُ‮ ‬ونسبُ‮ ‬الحسين‮ ‬عليه‮ ‬السلام


> هو إمامٌ من أئمة الدين الذين اختارهم الله تعالى لبيان تعاليمه بعد نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ، وهو أحدُ أصحاب الكساء وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة.
إسمه الكريم: الحسين.
إسم جده لأمه: سيدُ المرسلين وخاتمُ النبيين وحبيبُ رب العالمين المصطفى المختار نبي المسلمين محمد بن عبد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ
إسم أبيه: أمير المؤمنين، وصي النبي، وخليفته بلا فصل بالحق، والمدافع عن الإسلام، وحامي رسول الله، الإمام الأول، وحجة الله على خلقه بعد رسول الله علي أبن أبي طالب، ابن عم رسول الله، وأخوه عند المؤاخاة بين المسلمين، ونفسُه بنص القرآن حسب آية المباهلة.
إسم أخيه: السبطُ الأكبر لرسول الله الإمام الحسن بن علي.
إسم أمه: هي بضعةُ المصطفى، سيدة نساء أهل الجنة، أشرفُ واطهرُ وأنقى امرأة في الوجود فاطمة بنت محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ.
أخواته: عقيلة بن هاشم زينب وأم كلثوم، كما للحسين عليه السلام إخوة وأخوات من أبيه غير هؤلاء أعلاهم نقيبه قمر بن هاشم العباس بن علي، ثم محمد ابن الحنفية وغيرهما.
جده لأبيه: كفيل النبي، وحامي رسالته أبو طالب ابن عبد المطلب، وهما سيدا قريش، وأبو طالب وعبدالله أبو النبي إخوان وأبوهما عبدالمطلب اشرف بيت في العرب والعجم وأطهر و أنقى عائلة في قريش والعرب والعجم.
إسم جدته لأمه: وهي أول من أسلم على يد رسول الله، والمضحية بمالها في سبيل علو كلمة الإسلام خديجة بنت خويلد سلام الله عليها.
كنيتـُه
أبو عبد الله، وأبو الأئمة، أبو المساكين.
لقبه: سيد الشهداء، السيد، الرشيد، الطيب، الوفي، الزكي، السبط، المبارك، التابع لمرضاة الله، سيد شباب أهل الجنة.
زوجاتـُه
ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.
أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله التميمي.
شاه زنان بنت كسرى يزدجر ملك الفرس.
الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي.
أولادُه
الابن الأوسط: هو الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، والنسل العلوي الحُسيني منه.
الابن الأكبر: علي بن الحسين -علي الأكبر-، أشبه الناس خُلقاً وخلقاً برسول الله وكنيته أبو محمد واستشهد معه في كربلاء.
الابن الأصغر: علي الأصغر -عبد الله الرضيع- واستشهد مع الحسين في كربلاء عندما طلب له الماء ليسقيَه.
كما ذكر أن له عليه السلام أولاداً آخرين هم: جعفر، محمد، ومحسن.
بناتـُه
فهما: فاطمة، وسكينة، وذُكر زينب أيضاً.
هذا وكان نقشُ خاتمه: حسبي الله.
مختصرٌ في أدوار عمره الشريف
> هو الحسين بن علي ابن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ.
وُلد في المدينة المنورة في يوم الخميس الثالث من شهر شعبان سنة أربعة من الهجرة، واستشهد في يوم الجمعة عاشر شهر محرم الحرام سنة إحدى وستين من الهجرة، على هذا فقد عاش مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَآلـَهُ وَسَلَّمَ سبع سنين.
وفي عهد أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثين سنة.
وفي عهد أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين.
وكانت مدةُ إمامته عشرَ سنين واشهراً.
فسلامُ الله عليه يومَ وُلد ويومَ مات ويوم يُبعث حياً.
وحشرنا الله معه وسلك بنا سبيله في الدنيا والآخرة ورحم الله من قال آمين.


عن صحيفة البلاغ

الزيدي اليماني
مشرف مجلس الأدب
مشاركات: 404
اشترك في: السبت ديسمبر 23, 2006 3:46 pm
مكان: أمام الكمبيوتر !

مشاركة بواسطة الزيدي اليماني »

هذا‮ ‬هُو‮ ‬الحُـسـين‮ ‬بن‮ ‬علي‮ ‬عليهما‮ ‬السلام

> محمد الجادري- فييناـ النمسا
Tuesday, 15 January 2008

> عاد الحسينُ (ع) على ظهر فرسه، ووقف أمامَ الجيش وخاطبهم: »أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحلُّ لكم قتلي وانتهاكُ حُرمتي، ألستُ ابنَ بنت نبيكم صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ، وابنَ وصيه، وابنَ عمه... إلى آخر الخطبة«، فقال له شمرُ بنُ ذي الجوشن: إن كان يدري ما تقولُ.. فقال حبيب بن مظاهر للشمر: والله إني لأراك تعبدُ الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنك من الصادقين، ما تدري ما يقول قد طبع اللهُ على قلبك.. ثم قال الحسين (ع): فإن كنتم في شك من هذا القول أو تشكون في أني غيرَ ابن بنت نبيكم؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابنُ بنت نبي غيري، ولا من غيركم، أنا ابنُ بنت نبيكم خاصة أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص من جراحة؟!!.. فلم يستجبْ له أحدٌ، ثم خاطبهم: أما ترون سيفَ رسول الله صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ ولامة حربه، وعمامة علي. قالوا: نعم. فقال: لم تقتلوني؟. فلم يجيبوا إلا بجواب الإمعة الذي لا يملك رأياً ولا إرادة ولا يميز بين التبعية العمياء والطاعة القائمة على وعي وفهم سليم، أجابوا: طاعة للأمير عبيدالله بن زياد. ثم قال الحسين (ع): أما والله لا تلبثون إلا كريثما يُركَبُ الفرسُ حتى تدورَ بكم دورُ الرحى وتقلقَ بكم قلقُ المحور عهد عهده إلى أبي عن جدي رسول الله صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ فأجمعوا أمرَكم وشركاءكم، ثم لا يكن أمرُكم عليكم غمة، ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون إني توكلت على الله ربي وبكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم..

كلُّ ذلك وعُمر بنُ سعد مُصرٌّ على قتال الحسين (ع) والحسينُ (ع) يحاورُ وينصحُ ويدفعُ القومَ بالتي هي أحسنُ، ولما لم يجدِ نصحٌ ولم ينفع حوارٌ، قال الحسينُ (ع) لابن سعد: أيْ عُمَر أتزعمُ تقتلـُني ويوليك الدعيُّ بلادَ الري وجرجان على مصارع الكرام، ألا وإني زاحفٌ بهذه الأسرة على قلة العدد، والله لا تهنأ بذلك عهدَه معهود، فاصنعْ ما أنت صانعٌ، فإنك لا تفرحُ بعدي بدُنيا ولا آخرة، وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيانُ بالكوفة، ويتخذونه غرضاً بينهم..

إستحوذ الشيطانُ على ابن سعد ونادى حاملَ الراية: يا دُريد إدنُ رأيتـَك. فأدناها ثم وضع سهمَه في كبد قوسه ثم رمى فقال: اشهدوا أني أول من رمى، ثم ارتمى الناس وتبارزوا، وهكذا أضرم ابنُ سعد نارَ الحرب، ووجه سهامَه نحوَ مخيم آل الرسول صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ، فتبعه جُندُه ورُماتُه يمطرون الحسيَن (ع) وأصحابَه بوابل من السهام، حتى لم يبق أحدٌ من أصحاب الحسين (ع) إلا وأصابه سهم.

عظم الموقف على الحسين (ع)، ثم خاطب أصحابه: »قوموا رحمكم اللهُ إلى الموت الذي لا بد منه، فإن هذه السهامَ رسلُ القوم إليكم« أمام جيش عرمرم عدته تبلغ الألوف، ومع هذا الفارق في العدد والعدة، فإن أحداً لم يتراجعْ من رجال الحسين (ع)، ولم ينكصْ أمامَهم شابٌ ولا غلامٌ، فاستجابوا للنفير ولبوا النداء وانطلقوا كالأسود الضواري يلتحمون مع العدو بكل ما أوتوا من قوة وبأس، فاشتد القتال، وحمي الوطيس، ودارت رحى الحرب، وغطى الغبار أرجاء الميدان، واستمر القتال ساعة من النهار، فما انجلت الغبرة، ولا انجاب الإلتحام عن خمسين صريعاً من أصحاب الحسين (ع)، ثم نادى بعض أصحاب عمر بن سعد بالبرازا فتواثب أصحابُ الحسين (ع) حبيب بن مظاهر، وبرير وعبدالله بن عمير الكلبي يطلبون الإذنَ من الحُسين (ع)، ويتسابقون للشهادة، فانتدب الحسين (ع) عبدالله بن عمير للبراز ليصول في ميدان الشرف والجهاد، وراح عبدالله ينازل الخصوم، ويقارع الأقران، ويصول في ميدان الجهاد، نظرت إليه أم وهب زوجته وجراحات يده اليسرى تسيل وتنزف دماً، فهالها الموقف، واستنفر الغضب عزيمتها، فحملت عمود الخيمة واتجهت نحو الميدان، وأقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ. فأقبل إليها يردها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه، ثم قالت: إني لن أدعوَك دونَ أن أموتَ معك. فنادها الحسين (ع) فقال: جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً، إرجعي إلى الخيمة، فليس على النساء القتال..

إستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء وشلال الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهر الخلود، وأصحاب الحسين (ع) يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أرهقوا جيش العدو وأثخنوه بالجراح، فـتصايح رجالُ عمر بن سعد: لو استمرت الحربُ برازاً بيننا وبينهم لأتوا على آخرنا لنهجمْ مرةً واحدةً ولنرشقـْهم بالنبال والحجارة. تقدمت وحداتٌ من الجيش الأموي يقودُها عمر بن الحجاج، وهاجمت ميمنة الحسين (ع)، فاستعمل أصحابُ الحسين (ع) أسلوباً عسكرياً رائع، جثوا على ركبهم، وأشرعوا الرماح فخافت الخيل وتراجعت بفرسانها، استغل أصحابُ الحسين (ع) إدبار الخيل ورجوعها فأطلقوا نبالَهم يصطادون بها الحملة الظالمة.

عاود الجيشُ الأموي الحملةَ، فقاد شمر بن ذي الجوشن قطعات من عسكره، وهاجم ميسرة الحسين (ع)، ودارت معركة طاحنة إستطاع الرجالُ الذين بقوا مع الحسين (ع) صدَّ الهجوم ورد الشمر على أعقابه، وقد أبلى فيها عبدُالله بن عمير الكلبي بلاءً حسناً، وأبدى بسالةً نادرةً فقتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، فسقط جريح، ثم أسر، وقتل صبراً، ولم تحتمل أم وهب قتل زوجها وفراق الرجل المقدام، فاتجهت إلى ساحة المعركة، وراحت تحنو على الجسد المسجى بقلبها المثكول وغربتها المفجعة وتمسح الدم عن الرأس الحر الأبي وهي تقول: هنيئاً لك الجنة. نظر الشمر إلى صلابتها وتحديها فاستعظم موقفها وأمر غلاماً له بقتلها، نفذ العبد أمر سيده واتجه يحمل عموداً من حديد فضرب أم وهب على رأسها، فسقطت شهيدةً تسبحُ بدم الشهادة، وتعانق روحها روح الزوج الحبيب، فاقتطع القتلة رأسها، ورموا به نحو مخيم الحسين (ع).

استمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين (ع)، وأحاطوا بهم من جهات متعددة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه، وقد دخل المعسكر يقتل وينهب »أحرقوا الخيام« فضجت النساء، وتصارخ الأطفال، وعلا الضجيج، وراحت ألسنة النار تلتهم المخيم وسكانه يفرون فزعين مرعوبين.

ها هو الجيش الأموي يهاجمُ مخيمَ آل الرسول، وقد زالت الشمس، وحضر وقت الصلاة، وليس معقولاً أن يغيبَ الحسين (ع) عن الوقوف بين يدي الله يوحده، ويسبحه، ويناجيه، وها هو يستعين بالصبر، والصلاة، ويشده الشوق والحب الإلهي المقدس فينادي للصلاة وقد تحول الميدان عنده محراباً للجهاد والعبادة وليس بوسع الأسنة والسيوف أن تحول بينه وبين الحضور في ساحة المناجاة والعروج إلى حظائر القدس وعوالم الجلال والحرب لم تضع أوزارها، فراح من بقي من أصحاب الحسين (ع) وأهل بيته (ع) ينازلون الأعداء ويستشهدون الواحد تلو الآخر: ولده علي الأكبر، إخواته عبدالله، عثمان، جعفر، محمد، أبناء أخيه الحسن (ع) أبو بكر القاسم، الحسن المثنى، ابن أخته زينب (ع): عون بن عبدالله بن جعفر الطيار، آل عقيل: عبدالله بن مسلم، عبدالرحمن بن عقيل، جعفر بن عقيل، محمد بن مسلم بن عقيل، عبدالله بن عقيل، أولئك الأبطال الأشاوس من آل عقيل وآل علي بن أبي طالب، مجزرين كالأضاحي يتناثرون في أرض المعركة تناثر النجوم في سماء الخريف.

وقف الحسين (ع) بينهم ينادي وقد أيقن باللحوق بهم والإجتماع معهم تحت سرادق الرحمة مع الشهداء والصديقين والنبيين بعد أن حز في نفسه عويلُ النساء وصراخُ الأطفال ولوعةُ اليتامى والأرامل من آل محمد صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ ومن رافقهم في رحلة الشهادة والخلود وقف ينادي: »هل من ذاب عن حرم رسول الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو اللهَ في إغاثتنا؟«، فلم يجبه غيرُ صراخ النسوة، وعويل الأطفال وضجيجهم المروع.

لم يبق أمام الحسين (ع) إلا أن ينازلَ القومَ بنفسه ويدخلَ المعركةَ مبارزاً بفروسيته وشجاعته وقلبه يفيض حباً وحناناً وخوفاً على أهله وحرمه وحرم الأنصار وأيتام الشهداء وقد أيقن أنه لن يعودَ بعد هذه الحملة فحامت عواطفُ الحب الأبوي حول ولده الرضيع عبدالله فشد الشوق ووقف على باب الخيمة ينادي أخته زينت (ع) ويطلب منها أن تحملَ إليه ولدَه عبدَالله الرضيعَ ليطبعَ على شفته القبلةَ الأخيرةَ، ويلقي عليه نظرةَ الوداع، فجاءت به عمتـُه زينبُ (ع) تحمله فرفعه الحسينُ (ع) ليعانقَه ويقبل شفتَيه الذابلتين فسبقه سهمٌ من معسكر الأعداء إلى نحر الطفل الرضيع وحال بينه وبين الحياة فراح يفحص رغام الموت بقدميه ويسبح في مسرب الدم البريء ويكتب بذلك الدم المقدس أروعَ قصيدة في ديوان المآسي، ويخاطب ضميرَ الإنسان عبر أجيال التأريخ بتلك الظليمة والفاجعة التي رُزئ بها آل رسول الله محمد صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ في يوم عاشوراء.

ما عسى أن يفعلَ الحسينُ (ع) وكيف يمكنُ أن يتصرفَ أبٌ مفجوعٌ وقد سالت بين يديه دماءُ طفل رضيع بريء يناغي السماءَ ويملأ أحضانَ أبيه بالبشر والإبتسامة.

وقف الحسين (ع) كالطود الأشم لم يضعف، ولم يتزعزع، بل راح يجمعُ الدمَ بكفيه ويرفعُه شاكياً إلى الله باعثاً به نحو السماء مناجياً: »هون علي ما نزل به إنه بعين الله«، وهكذا بدا شلال الدم ينحدرُ على أرض كربلاء، وسحبُ المأسات تتجمعُ في آفاقها الكئيبة وصيحاتُ العطش والرعب تتعالى من حول الحسين (ع) وتنبعثُ من حناجر النساء والأطفال.

ركب الحسينُ جوادَه يتقدمُه أخوه العباس (ع) بن علي بن أبي طالب (ع) حاملَ اللواء وتوجه العباس (ع) نحو الفرات ليحملَ الماء إلى القلوب الحرى والأكباد الملتهبة من آل محمد صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ والروايات التأريخية تشيرُ إلى أنه عندما صال العباسُ (ع) على جيش الأعداء الذين يحولون بين آل الرسول صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ والماء انشقت أمامه الجيوشُ وانكشفت المشرعة بعد أن انشغلَ الأعداءُ والمارقون بالتطلع إلى بهاء طلعته وجمال وجهه الذي منحه لقب »قمر بني هاشم« إضافة إلى ضخامة جسده الطاهر وشجاعته الفائقة، حيث كان إذا ركب الفرس خطت قدماه في الأرض، فحالت جموعٌ من العسكر دونه اقتطعوا العباس (ع) عنه الفارس والبطل وحامل اللواء، فغدا الحسين (ع) بجانب والعباس بجانب آخر، وكانت للبطل الشجاع قمر العشيرة قمر بني هاشم أبي الفضل العباس صولةٌ ومعركةٌ حاميةٌ طارت فيها الرؤوسُ وتساقطت فرسانٌ وهو يصولُ في ميدان الجهاد حتى وقع صريعاً يسبحُ بدم الشهادة واستشهد العباسُ (ع) وعمره الشريف كان (٤٣) سنة ليثبتَ لواءُ الحسين الذي حمله يومَ عاشوراء في أرض كربلاء خفاقاً إلى الأبد لا تبليه الأيامُ والسنون، ولا تطأطئ هامته دولُ الطغاة وهكذا امتلأ الميدانُ بالصرعى والشهداء من آل الرسول محمد صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ، والفئة الثائرة التي كتبت بدمائها الزكية ملحمةَ الخلود والكفاح واختطت للأجيال طريقَ الثورة والجهاد.

نظر الحسينُ (ع) إلى ما حوله مد ببصره إلى أقصى الميدان فلم يرَ أحداً من أصحابه وأهل بيته إلا وهو يسبحُ بدم الشهادة مقطوع الأوصال.

إذاً ها هو الحسينُ (ع) وحدَه يحملُ سيفَ رسول الله صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ وبين جنبيه قلبُ البطل الشجاع علي بن أبي طالب (ع) وبيده رايةُ الحق وعلى لسانه كلمة: »التقوى«.

وقف أمام هذه الجموع التي أوغلت في الجريمة، واستحوذ عليها الشيطان ولم تفكر إلا بقتل الحسين والتمثيل بجسده الطاهر، إذن هذا هو اليوم الموعود الذي أخبر به رسولُ الله صَـلَّى اللَّـهُ عَـلَـيه وآلـَهُ وسَـلَّـمَ، وتلك هي تربته التي بشر بها من قبل.

حمل الحسينُ (ع) سيفَه وراح يرفعُ صوتـَه على عادة الحرب ونظامها بالبراز وراح ينازل فرسانَهم ويواجهُ ضرباتهم بعنف وشجاعة فذة ما برز إليه خصم إلا وركع تحت سيفه ركوعَ الذل والهزيمة، قال الراوي: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً، ولقد كانت الرجال تشد عليه فيشدُّ عليها بسيفه فتنكشفُ عنه انكشافَ المعزى إذا شدَّ فيها الذئبُ، ولقد كان يحملُ عليهم وقد تكاملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون من بين يديه كأنهم الجرادُ المنتشرُ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: »لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم«.

هجمت قواتُ عمر بن سعد على الحسين (ع) وطوقته وحالت بينه وبين أهله وحرمه فصاح بهم: »أنا الذي أقاتلـُكم والنساءُ ليس عليهن جناحٌ، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حياً، ويلكم إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد، فكونوا أحراراً ذوي أحساب، إمنعوا رحلي وأهلي من طغاتكم وجهالكم«، قال بن ذي الجوشن: ذلك لك يا ابن فاطمة.

استمر الهجوم عنيفاً والحسينُ (ع) في بحر الجيش العرمرم حتى سدد أحدُ جنود الأعداء سهماً نحو شخصه الشريف فاستقر السهم في نحره، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسد الحسين (ع) الطاهر حتى لم يستطع مقاومةَ الألم والنزيف وقد استحالت صفحات جسده الطاهر كتاباً قد خطت عليه الجراح والآلام بمداد الدم أروع ملاحم التأريخ، وكتبت أقدسَ مواقف البطولة والشرف فكان الجرحُ في جسده أروعَ حرف يُكتبُ في سطر الخلود، قرأت تلك الحروف الجراح فكانت سبعاً وستين حرفاً تروي بصمتها الناطق قصة الكفاح والجهاد وتدون بعمقها المتأصل فصولَ الأسى والظليمة »كان عددُ جراح الحسين ثلاثاً وثلاثين طعنة رمح، وأربعاً وثلاثين ضربة سيف كما جاء في الطبري تأريخ الملوك ج٤/ص ٤٤٣-٦٤٣«.

عانق الحسينُ عليه السلام صعيدَ الطفوف واسترسل جسدُه الطاهرُ ممتداً على بطاح كربلاء لينصبَ من حوله مشعل الحرية والكفاح ويجري من شريان عنقه شلال الدم المقدس، إلا أن روحَ الوحشية التي ملأت جوانحُ الجناة لم تكتفِ بذلك ولم تستفرغ أحقادَها في حدود هذا الموقف، بل راح شمر بن ذي جوشن يحملُ سيفَ الجريمة الوحشية ويتجه نحو الحسين (ع) ليقطع غصناً من شجرة النبوة، وليثكل الزهراءَ بأعز أبنائها ليفصلَ الرأسَ عن الجسد ويحملـُه هديةً للطغاة، الرأسُ الذي طالما سجدَ مخلصاً لله، وحمل اللسانَ الذي ما فتئ يرددُ ذكرَ الله، الرأسُ الذي حمل العزَّ والإباءَ ورفض أن ينحنيَ للطغاة أو يطأطئَ جبهتَه للظالمين، فأكب الحسينُ (ع) على وجهه، وراح يحتزُ رأسَ الشريف والإباء ويحولُ بينه وبين الجسد الطاهر، ثم أمر قائدُ الجيش عمر بن سعد من الفرسان أن يطأوا بحوافر خيولهم صدرَ الحسين الشريف (ع) وظهره فداسوا الحسينَ (ع) حتى رضوا ظهره وصدره.

واستشهد الحسينُ »عليه أفضل الصلاة والسلام« يوم الجمعة من عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة، وله من العمر (٦٥) سنةً وخمسة أشهر.

لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

كما قال الشاعرُ بولس سلامة -شاعر لبناني مسيحي:

سيكونُ الدمُ الزكيُّ لواءاً

لشعوب تحاولُ استقلالا

سوف تبكي على الحُسين البواكي

ويرى كلُّ محجر شلالا

ليت شعري لمَ البكاء وذاك

اليومُ عيدٌ يشرفُ الأجيالا

مأتمُ القاتلين لا مأتمُ القتلى

يسيرون للخلود عجالاً



عن صحيفة البلاغ :

للإطلاع على ملف إستشهاد الإمام الحسين :
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 8&Itemid=0
هل تعلم أن :
( الزيدية : هي الإمتداد الطبيعي للمنهج الإسلامي القرآني الأصيل وأن بلاد الزيدية : هي البلاد الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مساجد خاصة بالشيعة وأخرى خاصة بالسنة ....)

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“