الغدير في الثقافة اليمنية
الأربعاء , 26 ديسمبر 2007 م
كتب/ محمد المنصور
إن إلغاء الذاكرة الثقافية اليمنية عدوان صارخ على الإنسان اليمني وهويته الحضارية ، وهو يأتي ضداً على مفهوم التعددية الثقافية السياسية والدينية التي كفلها الدستور والقانون اليمني ومنظومة حقوق الإنسان العالمية ويصبح كل إجراء يستهدف حقوق المواطنين وأحقيتهم في إقامة مناسباتهم وشعائرهم ونشر وتدريس تراثهم اعتداءاً صارخاً وجرماً يستوجب المساءلة القانونية ، بخاصة إذا كانت السلطة السياسية وأجهزتها هي من تتبنى سياسات القمع الديني والثقافي والسياسي ، مستبطنة أهدافاً مذهبية تعد خروجاً على وظيفة الدولة ومسؤليتها في رعاية التعددية وحماية واحترام حقوق مواطنيها كافة دونما تفرقة في المذاهب والإنتماء ، ويمثل إقدام أجهزة السلطة على محاربة ومنع الإحتفال بالغدير وعاشوراء وغيرها من الإجراءات تنكراً لحقائق التاريخ والواقع الذي يؤكد تهافت منطق السلطة القمعية وتبريراتها ، فالغدير أو النشور ارتبط بذاكرة اليمنيين وعاداتهم في مناطق واسعة باليمن تؤكد ذلك المصادر التاريخية والثقافية والدينية :" لهذا أقام الأئمة في اليمن " الإحتفال بيوم عاشوراء ويوم الغدير بعد انقراض الصليحيين والفاطميين من مطلع القرن السادس عشر الميلادي ، فقد كان التشيع لعلي قاسماً مشتركاً بين الشعب والأئمة وإن كان مختلف الغاية سياسياً ودينياً لهذا ظلت للشعوب مناسباتها الخاصة سواءاً وافقت عليها السلطات أو لم توافق (1)
وإن احتفال اليمنيين بالغدير وعاشوراء وجمعة رجب وغيرها من المناسبات طيلة القرون الماضية يدحض مزاعم القائلين باستحداث الإحتفال بالغدير منذ قيام الوحدة المباركة وتشير عشرات المصادر التاريخية إلى أن الإحتفال بالغدير منذ قيام الوحدة اليمنية المباركة عام1990م في اليمن حتى مابعد قيام الثورة وإلى اليوم حيث يؤكد العلامة أحمد بن محمد الوزير في كتابه " حياة الأمير علي بن عبدالله الوزير " ذلك بقوله " وكان يوم الغدير يقام في اليمن إلى فترة متأخرة حتى بعد قيام الثورة " ويشير في سياق آخر إلى مجلس الأمير علي الوزير في المحويت وزواره قائلاً " كما زاره إلى المحويت السيد الفاضل الشهيد محمد عباس المتوكل عندما أرسله الإمام يحيى عاملاً وحاكماً لناحية ملحان المربوطة بالمحويت ، وقد صادف وجوده احتفالات يوم الغدير. (2)
وإلى جانب التسمية ليوم الثامن عشر من شهر محرم بيوم الغدير ويوم النشور في الثقافة اليمنية الرسمية والشعبية ، فإن له مسمى آخر هو يوم الموكب .
ففي حوادث سنة1085هـ يقول المؤرخ ِأبو طالب " وفيها خطب القاضي محمد بن ابراهيم السحولي يوم الموكب بغدير خم وكان أول من سنَّ ذلك ، وأسمع الصم والبكم ولم تستمر الخطبة بعده في يوم الموكب وما أدري ماهو السبب الموجب لترك ذلك "(4) مايعني استمرار إقامة الإحتفال بيوم الموكب/ الغدير بعد ذلك التاريخ ولربما يكون الإضطراب السياسي والصراع مع الأتراك في تلك الفترة يفسر تساؤل المؤرخ أبي طالب ، والإحتفال بالغدير ترد الإشارات عنه في الكثير من المصادر التاريخية والأدبية على قلة اهتمامها بالشأن الإجتماعي والفلكلور والتراث وانصرافها إلى العناية بالتاريخ السياسي.
ومما يؤكد الدوافع الأيديولوجية المتطرفة لحظر الغدير والتوظيف المذهبي للحرب على محافظة صعدة وتناقض المبررات والذرائع ماصرح به مدير أمن محافظة صعدة العميد محمد صالح طريق لصحيفة الأيام الصادرة بتاريخ 30/1/2005م قائلاً : " مُنع الغدير في صعدة لأول مرة منذ مئات السنين ويقول إن ذلك المنع جاء بتوجيهات رئيس الجمهورية ".
وتاريخياً أخذ الإحتفال بالغدير وعاشوراء في اليمن مستويين رسمي وشعبي ، فالحكام والولاة كانوا يحتفلون به على طريقتهم ، وعامة الشعب كانت لهم احتفالاتهم التي ارتبطت بالبيئة والثقافة والعادات ، وقد عبر المؤرخون والشعراء عن هذه الحقيقة التي نجد تجلياتها في الشعر الذي كان يُمدح به الأئمة والحكام احتفالاً بمناسبة الغدير ، كما في الشعر الشعبي الذي كان معظمه على هيئة زوامل شعبية ترددها الجموع وتتوارثها جيلاً بعد جيل .
من شعراء النموذج الأول " الفصيح "
كثير هم الشعراء الذين تطالعنا أسماؤهم وأشعارهم في كتب التراجم اليمنية الذين أشاروا إلى مناسبة الإحتفال بالغدير ، فكتبوا التهاني بالغدير كمناسبة واحتفال وليس مجرد ذكر الحادثة في سياق المدح للإمام علي(عليه السلام) والإشادة بمناقبه الذي شاع واشتهر عند شعراء الإسلام منذ حسان بن ثابت وحتى اليوم ، ومن نماذج شعر الإحتفال بالغدير كعيد وكمناسبة دينية واجتماعية معروفة ومنتشرة :
1- للحسن بن علي بن جابر الهبل أمير شعراء اليمن المتوفي سنة (1079هـ) من قصيدة يهنئ بها إسماعيل بن محمد بن الحسن بقدومه صحبة والده إلى صنعاء وكان ذلك يوم الغدير 18ذي الحجة سنة 1072هـ مطلعها :
يهنا المعالي قدوم منك ميمونُ
سُرَّ الوجود به والملك والدين
كادت لأجلك تُعطى البشير به
فتور أعينهن الخرَّد العين
ومنها:
وافيت في يوم سعد زدته شرفاً
فكل مارد نحس فيه مسجون
"يوم الغدير" الذي فيه لحيدرةٍ
على إمامته نصٌّ وتبيينُ
ولاه أحمد عن أمر أتاه به
عن الإله أمين الله جبرينُ
رحلت عن دار ملك أنت بهجتها
فكل قلب إلى إن عدت محزونُ
......
لك الخصال اللواتي بان مُذ ظهرت
بها على فضلك الجمّ البراهينُ
أبوك طه نبي الله كان وما
لآدمٍ في ضمير الكون تكوينُ
وحيدرُ قاتل الأحزاب منتهبُ
الألباب صنو رسول الله هارونُ
قل للموالين عزُّوا مابدى لكمُ
وللمعادين مهما شئتم هونوا
2- ماقاله الشاعر يحيى ابن ابراهيم جحاف المتوفى سنة (1117هـ) يمدح فيها المهدي أحمد بن الحسن بن القاسم :
مُدَّ يمنى إلى التهاني ويسرى
مبدلاً لي في الحال بالعسر يسرا
يا إمام الأنام هاكَ نظاماً
فيه صُغري من اللالئ وكبرى
ومنها:
هذه العشر قد تولت بخير
كنتَ فيها من أعظم الناس أجرا
ثم وافى يوم الغدير وناهيك
بيوم يشكو من القوم غدرا
قد أتى زائراً يوبخ قوماً
أوسعوه بغياً وخدعاً ومكرا
جحدوا فضله وفضل إمام
كان أولى بالسبق منهم وأحرى
خير من قد غدى بخير البرايا
نسباً ناسب المقام وصهرا
وهو يوم نصّ النبي فيه
على أشرف البرية قدرا
فحديث النبي في ذلك اليوم
حديث يشدّ للدين أزرا
3- قصيدة القاضي الشاعر علي بن محمد العنسي المتوفى سنة (1139هـ) مدح بها المتوكل علي بن القاسم بن الحسين بن أحمد بن الحسن بن القاسم بن المتوكل المتوفى سنة (1139هـ) ومطلعها:
ثنا الملك عطفاً فهو نشوانُ جذلانُ
بأروع زان الملك وهو سليمانَ
4- القاضي الفقيه زيد بن علي الخيواني (ت1250هـ)قال عنه زبارة في نشر العرف بأنه كان شاعراً مجيداً وفقيهاً ، وأن له مجموع قصائد سماها الغديريات.
5- ومن المعاصرين القاضي العلامة عبدالكريم أحمد مطهر (ت1366هـ) له عدد من الغديريات التي ضمنها مدائح للإمام يحيى بن محمد حميد الدين عليه السلام مهنئاً إياه بيوم الغدير منها قصيدته التي يقول فيها:
حديث الهوى حلوٌ ولابد أن يحلو
فما زال لي نفلاً يصححه النقل
ومن خبري في الحب أني وردته
نميراً فطاب النهلُ لي منه والعل
ومنها:
ولم أنسَ في يوم الغدير مواكباً
يشد إلى إدراك بهجتها الرحلُ
تمثل فيه الإحتفال وطال من
مناقبه ما شاده الفرعُ والأصلُ
هو اليوم نرجو من هواه وسيلةً
يرادُ بها منع ويدنوا بها بذلُ
فقد عقد المختار منه لصنوه
بتحقيقه واهتزّ شوقاً له الفعلُ
ومن قصيدة أخرى لها مهنئاً الإمام يحيى حميد الدين عليه السلام بعيد الغدير ومادحاً له قوله :
إنه يوم الغدير وما
يومه عن فكرتي غفلا
سكنت قلبي محبته
وسكون القلب فيه ولى
وجَرَت ذكراه في خلدي
ونمى لم أقترف مللا
ياله يوماً حوى عجباً
لم يزل للمجد معتقلا
ألبس الهادي أخاه به
حُلية لم تشبه الحللا
خلعة الله التي عظمت
خطراً فيه الهدى مثلا...إلخ
- ولأخيه الشاعر القاضي العلامة محمد بن أحمد مطهر(ت1386هـ) غديرية يقول فيها:
حدثاني عن عيد يوم الغدير
ودعا ذكرَ زينبٍ والسديرِ
وأحاديث عزّةٍ بل ولبنى
وجميل وعروةٍ وكثير
واتركا وصف غيدٍ ومرد
وجمال وأيكة وسرير
واشرحا لي تلك الولاية بالله
بقول من البشير النذير
مخبراً فيه مبلغاً عن إلاهـ
العرش أسنى ولاية وطهور
منحةٌ خصها إلاه البرايا
فاستقامت بها قناة الأمور
ذلك الفخر لا الفخار بملك
أو بمالٍ ومعقلٍ وقصور
فحظوظ الدُّنى يزول ويبقى
كلَّ فخر من العلم القدير
ذاك يوم به العناية جلّت
وتجلَّت بكل وصفٍ منير...إلخ
النموذج الثاني " الشعبي "
من المؤسف أن معظم التراث الشعبي الشفوي لم يدرون بل ربما ضاع أكثره ، ولم يهتم إلا القلة المعدودة بجمع وتدوين البعض من هذا التراث وفي بعض المناطق خاصة ، وكلما مرَّ يوم تزداد خطورة تلاشي العادات الثقافية ، وضياع ألوان من التراث نتيجة لعدم التدوين والتوثيق ، ولغياب الجهود الرسمية المفترضة في هذا الجانب ، إضافة إلى مااستجد من تغيرات على الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية .
وفيما يتصل بالشعر الشعبي المكرس للغدير ومعظمه زوامل وأهازيج خاصة بكل منطقة يمنية ، فإنه هو الآخر بحاجة لجهود كبيرة لجمعه وتوثيقه وتدوينه كجزء من التراث الشعبي اليمني المهدد بالإنقراض والتشوه والنسيان.
ومن نماذج غديرية كثيرة – زوامل – نورد مااستطعنا جمعه وهو قليل من كثير متنوع بتنوع اللهجات اليمنية، وهذه الزوامل الشعبية الغديرية التي يتم ترديدها يوم الغدير مجهولة القائل في الغالب كشأن الشعر الشعبي المرتبط بالمناسبات والعادات والحكم وغيرها من الأغراض ، لكنها – أي الزوامل – تنتمي إلى مناطق بعينها من خلال ترديدها موسمياً في كل احتفال بالغدير وارتباطها بلهجة المنطقة.
* ومن هذه النماذج هذا الزامل الغديري الذي يردده مواطنو مناطق حجة والمحابشة وظليمة وغيرها وتنشد على هيئة (رزفة) :
قل لمولانا عليّ اختاره الله والياً للمؤمنين
واصطفاه الله من بين الصحابة والداً للحسنين
وبكفه نستقي يوم القيامة
بطل الأبطال في يوم المواقع يوم بدر وحنين
أيده رب السماء وأوفى بنصره وأباد المشركين
وبسيفه دمَّر الكفار وافنى
ياسلام الله ماشنت سيوله كلما زرع امتلى
بانصدق قول ربي ورسوله الكتاب المنزلي
ونخالف برمهم أهل السقيفة
* وفي نموذج آخر من منطقة المحابشة م/حجة وماجاورها يردد الزامل التالي:
يوم الغدير أعلن لمولانا ووالي أمرنا
المرتضى الكرار مُظهر للعجائب
في المايده نصٍ جليّ من ربنا
يامصطفى بلغ ولا تخشى العواقب
* ومن منطقة حرف سفيان محافظة عمران يردد الغديريون الزامل التالي:
ياحادي الركب التهامي بلغ لمولانا السلامي
الفارس الكرار ذي فدَّى رسول الله
مولى الورى ذي شل خيبر قامع بسيفه من تكبر
والحب واجب لك علينا ياولي الله
* ومن محافظة صعدة وغيرها يردد الزامل التالي:
ياسلام الله ماشنت سيوله كل مزرع مُمتلي
طاب ذكر اليوم يامحسن قبوله شيِّدوا ذكرى علي
يوم قال المصطفى أنت الخليفة
بانصدِّق قول ربي ورسوله والكتاب المنزلي
حين نزل جبريل لاعنده بقوله قوم بلغ بالولي
ونخالف ماابرموا أهل السقيفة
* ومن محافظة صعدة نموذج آخر يقول :
من رُبى صعدة نحيِّي ذي المسيرة ذي حكت تتويج طه في الهجيره
بالولاية للوصي
في غدير الخم مجموع الصحابة
يوم قال المصطفى وقت الظهيرة من أنا مولاه أبو السبطين أميره
قال جبريل للنبي
قد أمرّ ربي فبلغ ما أتى به
مثل هذا اليوم ياقلبي تشوَّق واذكر المختار يوم أعلن وحقق
بالولاية للوصي
صارت الأعناق بالبيعة مطوَّق
ويل من عاداه فيما بعد وانشق ماجوابه يوم يُسأل في القيامة
تابع إبليس الغوي
* ومن زوامل الغدير أيضاً في المحابشة :
يا أمير المؤمنين أنت المَقدمْ أنت حبل الله والنور المعظمْ
ياأبا الحسنين علي
والوصي بعد النبي وأنت الخليفة
الخلافة لك ومعومة من الله والنبي يوم الغدير بلغ عن الله
في الكتاب نصاً جلي
وانكروا هذا الكلام يوم السقيفة
ــــــــــــ
المصادر:
1- عبدالله البردوني/الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل – دار المأمون للطباعة والنشر- مصر-ط1988-ص88- وانظر اليمن الجمهوري ص13
2- أحمد بن محمد بن عبدالله الوزير – حياة الأمير علي بن عبدالله الوزير- منشورات العصر الحديث – بيروت – ط1987/1408هـ ص641
3- نفسه صـ 405
4- تاريخ اليمن / عصر الإستقلال عن الحكم العثماني الأول – تأليف العلامة حسام الدين بن محسن بن الحسن بن القاسم بن محمد الملقب أبو طالب المتوفي 1170-تحقيق عبدالله محمد الحبشي – مطابع المفضل للأوفست صنعاء – ط1- 1990م- ص 140
http://www.newomma.net/index.php?action=showNews&id=145