ثوابـت الديـن والـدين الثـابت
عبد الله علي صبري
إذا قلنا أن أهم ما في الإسلام هو توحيد الله ، ربما لا يكتفي البعض بذلك رغم إدراكهم لأهمية التوحيد في الإسلام والشرائع الأخرى .
بل إن السلفية الجديدة قد انطلقت في مشروعها الجديد من التوحيد ذاته ، وغالت في المسألة حتى وصل بها الأمر إلى اتهام المخالفين لها من المحسوبين على المذاهب الأخرى بفساد العقيدة ، فاستحلت الدماء ونكلت بمخالفيها مستغلة تحالفها مع السلطة السياسية التي أقامت الدولة السعودية الحديثة .
مع ذلك ، لست أقول أن التوحيد هو الثابت الأوحد في الإسلام ، فهناك ثوابت أخرى لا ريب ، غير أن الاتفاق على تجديدها يبدو متعذراً ، فقد تكون مسألة ما من ثوابت الإٍسلام لدى هذا المذهب ، بينما تعد مسألة اجتهادية عند المذاهب الأخرى . وتحضرني هنا واقعة شهدتها في القاهرة عام 2004م ، حيث كنت مشاركاً في ملتقى الإٍسلام والإصلاح والذي حضره ا لدكتور محمد شحرور ، وتكلم في مؤتمر صحفي عن إشكالية الثوابت في الفقه الإسلامي ، متسائلاً : هل " حد الردة " من الثوابت في الإٍسلام ؟
وهنا انبرى بعض الغوغاء ممن يدعون الغيرة على الدين بالشتم والتهديد والوعيد بحق شحرور ومن معه حتى عطلوا المؤتمر الصحفي ، دون أن يجيبوا على السؤال !
السؤال ما يزال مطروحاً .. هل حد الردة من الثوابت ، وهل الحجاب من الثوابت ، وهل قرشية الإمامة من الثوابت وهل عقد الذمة من الثوابت ، وأسئلة كثيرة مشابهة ..
فإذا قيل أن هذه المسألة أو تلك محل نظر أو اجتهاد .. قيل لنا أن في ذلك إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة .
وأخطر ما في هذه المقولة أنها تفتح المجال لتساوي كثيراً من المسائل الفرعية في الإٍسلام بالأركان الأساسية كالصلاة والصوم في إغفال لما يعرف بفقه الأولويات الذي سارت عليه الدعوة الإسلامية في بواكير ها الأولى. الإِشكالية إذا تكمن في حصر الثوابت التي إذا التزم بها فرد ما أصبح مسلما حقاًَ .
وبالطبع لن نعدم أدلة قرآنية ونبوية تحصر ثوابت الإسلام في الأركان الخمسة المعروفة ، بل إن القرآن الكريم في كثير من آياته يحصر هذه الثوابت في ثلاثة أمور :
1. الإيمان بالله 2. الإيمان باليوم الآخر 3. العمل الصالح يقول الله سبحانه وتعالى " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " البقرة : 62 وهذه الآية الشاملة يمكن تفسيرها من منطلق أن التوحيد أهم ثوابت الإٍسلام ، ذلك أن للإٍسلام مفهومان أحدهما عام والآخر خاص ، فالعام يطلق على كل الأديان السماوية لأن الله واحد ودينه واحد " إن الدين عند الله الإسلام " " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " آل عمران : 85 . " ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً " النساء : 125. فالإٍسلام بهذا المعنى هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء ، ولكنه بالمفهوم الخاص يطلق على الشريعة المحمدية كما تطلق اليهودية على شريعة موسى والمسيحية على شريعة عيسى عليهم السلام .
فالدين واحد ولكن الشرائع شتى ( ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) المائدة :48 ويجمل ذلك قوله تعالى ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " الشورى : 13 فلا يمكن فهم الدين هنا إلا بمعنى الثوابت الدينية التي جاء بها الأنبياء والمرسلين وعلى رأسها التوحيد .
والله أعلم.
abdullah.sabry@gmail.com
http://www.yemenhurr.net/modules.php?na ... e&sid=1001