الشرق الأوسط بين معاهدة وستفاليا وبين الإرهاب

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
عبدالله حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 163
اشترك في: الخميس ديسمبر 11, 2003 10:56 am

الشرق الأوسط بين معاهدة وستفاليا وبين الإرهاب

مشاركة بواسطة عبدالله حميدالدين »

سأستهل مشاركاتي في المجلس السياسي من خلال مقالة نشرتها العام الماضي في الحياة وأرى أنها لا زالت تحكي واقع اليوم

الشرق الأوسط بين معاهدة وستفاليا وبين الإرهاب

إن بروز الإرهاب كتحد دولي جديد يبدو لبعض الأطراف سبباً وجيهاً يسوغ تجاوز المبدأ الوستفالي القائم على أساس احترام الحدود الدولية، في حين أن أطرافاً أخرى ترى أنه لا يزيد عن كونه عذراً من بين أعذار متعددة تستعملها الدول العظمى ـ بل وغير العظمى في بعض الأحيان ـ لتحقيق جملة من مصالحها، خصوصاً تلك التي تتطلب مخالفة الأعراف والقواعد الدولية.
ومبدأ وستفاليا، والنظام الوستفالي المنسوب إليه، يشير مجموعة من المعاهدات التي بدأ العمل عليها من 1644م وانتهى في 1648م، وأنهت بمجموعها الحروب الدينية في أوروبا بين 1618-1648، أو ما عرف بحروب الثلاثين سنة. ومن أهم نتائج تلك المعاهدات أنها أنهت فعلياً سلطة البابا السياسية، كما عملت على تغيير طبيعة العلاقات بين الدول من علاقات للدين والمذهب دور كبير فيها، إلى علاقات مصالح اقتصادية وسياسية بشكل أساسي. إضافة إلى كل ذلك فقد وضعت تلك المعاهدات بذور مبدأ حرمة الحدود والسيادة للدول، والذي يمنع من تغيير حدود دولة بالقوة، كما يوجب احترام سيادة كل دولة على أراضيها الوطنية، ويقف أمام محاولات أي دولة لممارسة نشاطات داخل حدود دولة أخرى بغير رضا الأخيرة، كما يمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول بأي شكل من الأشكال.
وقد صار هذا المبدأ هو الإطار الذي تتحرك فيه العلاقات الدولية من ذلك الوقت. وتم تعزيزه في أكثر من مناسبة، منها في ميثاق الأمم المتحدة، ومنها في مبادئ هلسنكي، وفي عدد كبير من المعاهدات والمواثيق الجماعية، والإقليمية، والثنائية، وفي مناسبات لا تحصى. ومع ما حصل للعالم من تغير في نظامه بعد الحربين العالميتين، حيث سقطت جميع الأمبراطوريات بكل أشكالها المختلفة، وبرزت قوى عظمى جديدة، وتكونت أشكال مستحدثة من الصراع الدولي، وأساليب غير مسبوقة في التوازنات والتحالفات، إلا أن هذا المبدأ بقي راسخاً.
وقد ارتكز الطرف الذي جعل من الإرهاب سبباً لتجاوز المبدأ الوستفالي على جملة من المعطيات المتداخلة والتي تدل بمجموعها على أنه لم يعد من الممكن التقيد حرفياً بأسس النظام الوستفالي، وإنما لا بد من إيجاد صيغة جديدة تتناسب مع الأوضاع المستحدثة. ويرى هذا الطرف أن أبرز تلك التغيرات تتمثل فيما يلي:
أولاً: سقوط الاتحاد السوفياتي وبروز نظام القطب الواحد، والذي توجد فيه قوة عظمى بمفردها، لا توجد بإزائها أي قوة أخرى توازنها، وتحد من هيمنتها. وباعتبار أن أهم ما يميز النظام الدولي هو التوازنات العسكرية فيه، فإن الخلل في ذلك التوازن سيعني حتماً خللاً في عناصر النظام الأخرى.
ثانياً: التغيير الآخر المهم هو سقوط الحدود التجارية والإعلامية بين الدول، إذ تعقدت مصالح الدول بشكل لم يسبق له مثيل، وصار ما يقع في أطرف مكان في العالم يؤثر على أبعد دولة منه. ولم يعد من الممكن القول بأن المصلحة القومية إنما هي الأرض الوطنية والدم القومي. لقد صارت قضايا البيئة والاقتصاد والاعلام تمتد من الدولة لتتجاوز حدود دول أخرى.
ثالثا: إن الدول لم تعد كما كان الأمر من قبل اللاعب الأساسي في العلاقات الدولية، فقد صارت الشركات المتعددة الحنسيات تمثل دولاً من حيث قدراتها المالية، بل تفوق بعض الدول. وصارت المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الإقليمية ذات دور دولي بارز.
رابعاً: التغيير الرابع هو بروز تهديد جديد للدول العظمى ممثلاً بالارهاب. والارهاب وفق هذه الرؤية تهديد ليس له حدود، وليس له مصالح قومية، وليس له رغبة تفاوضية، ولا أي من تلك العناصر التي توجد في الدول، ولكن في الوقت نفسه له قوة كبيرة في ضرب مصالح الدول العظمى وغير العظمى.
ولكن الطرف الثاني يرى أن النظام الوستفالي لم ينشأ إلا كصيغة توافقية بين مجموعة من القوى السياسية الأوروبية التي لم يستطع أحدها حسم الأمور في الاتجاه الذي يرغبه، وبالتالي، فإن ذلك المبدأ مثله مثل أي مبدأ توافقي لا يملك أي قدرة على الاستمرار في الأوضاع التي تجد فيها القوى السياسية القدرة على تجاوزه. كما يرى هذا الطرف أن الأوضاع التي تضمن بقاء ذلك المبدأ ترتكز أساساً على وجود قوى متعارضة، ومتنافسة، ومتوازنة في قواها؛ وبالتالي فإن غياب ذلك التوازن يعني غياب ذلك المبدأ.
وإن رسوخ المبدأ عبر القرون الثلاثة والنصف الماضية، وخلال التحولات الدولية المختلفة لم يكن إلا انعكاساً لحالة من حالات التوازن بين القوى، وليس حالة من حالات التقدير والاحترام له. بمعنى أن احترام القوى العظمى له كان يعني ضمانا متبادلا منها بعدم ضم دول أخرى إليها، أو على الأقل تقييداً للأساليب التي تستعمل في كسب الأطراف. يظهر هذا جلياً، في مواقف الدول الأوروبية إزاء بعضها البعض، وعلى سبيل المثال مواقفها إزاء كل من فرنسا النابليونية، وألمانيا بسمارك، وألمانيا هتلر، واليابان بعد الحرب العالمية الأولى. لقد قام كل من أولئك بتعد على حدود دولية، ولكن وقفت القوى الأوروبية والأمريكية موقف المتفرج، ولم تتدخل إلا في المرحلة التي وصل فيها التجاوز إلى مرحلة صار يهدد تلك القوى. وإدراكاً من بسمارك هذا الأمر، فقد حرص حين وحَّد ألمانيا، أن لا يقوم بتجاوزات تهدد جميع القوى العظمى الأوروبية، بحيث تتحد عليه. وأما نابليون فقد أخطأ وألب عليه جميع القوى. وكذلك الأمر بالنسبة لهتلر، واليابان. والذي يعنينا في هذا السياق أننا نجد أن الدول العظمى طالما تجاوزت هذا المبدأ بعد وضعه، مهما وجدت إلى ذلك سبيلا، وأن الدول الأخرى، كانت تنظر إلى الجهة الأخرى مهما كان ذلك التجاوز لا يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
وحيث إن التوازن في القوى ارتكز بعد الحرب العالمية الثانية على كل من الولايات المتحدة من جهة والاتحاد السوفياتي من جهة أخرى، وحيث إن مجال الصراع بينهما كان العالم بأجمعه، فإن زوال الأخير منهما زال الضمان العسكري الذي حمى ذلك المبدأ عبر القرون، ولم يبق له إلا التقليد السياسي، والشرعية الدولية، وهي أمور كانت دوماً تضعف أمام المصالح القومية للدول العظمى. هذا مع ملاحظة أن المبدأ هذا تم تجاوزه كثيراً خلال العقود التي شهدت الحرب الباردة، مثلما ما حصل في التدخل السوفياتي في كل من المجر وتشكزلوفاكيا، والتدخل الأمريكي في جرانادا وبناما.
وأما الأشكال الأخرى من التغير في العلاقات الدولية، فمهما اختلف الباحثون حول أثرها على العلاقات الدولية، فإنها جميعاً لا يمكن أن تكون سبباً لعدم احترام الحدود الدولية، وتجاوز سيادة كل دولة على أراضيها الوطنية. وبالتالي فهي لا تعدو كونها أعذاراً للتدخل في شؤون الدول الأضعف.
لقد سقطت بسقوط الاتحاد السوفياتي الحماية للمبدأ الوستفالي، فشرعت القوى العظمى في البحث عن مسوغات أخلاقية لتجاوزه.
وقبل أحداث 11/9، فإن التسويغ الأساسي كان يجد نفسه في مبادئ الليبرالية الغربية، والتي كانت ترى أنه يحق لها أن تفرض قيمها داخل الحدود الوطنية للدول الأخرى، من حيث أنها قيماً إنسانية لا غنى للبشرية عنها، بل ولا شرعية لدولة لا تلتزم بها، وهذا الأمر عرف في بعض الأوساط بالأمبريالية الليبرالية. ومن هنا نجد أن أول تحد فعلي وصريح لتجاوز وستفاليا كان في الكلام المتزايد حول مبدأ التدخل الإنساني، والذي بلغ ذروته في ضرب الناتو لكوسوفو. إضافة إلى ذلك فإن هناك أكثر من تصريح من أكثر من مصدر يبين أن الحدود الوطنية لا يصح أن تكون حماية للقمع الداخلي. منها ما جاء في سياق حكم مجلس اللوردات البريطاني حول قضية بنوشيه في عام 1999، قال اللورد ميللت: ((إن عقيدة حصانة الدولة هي نتاج لنظرية كلاسيكية، ومن الكليشات للقانون الدولي المعاصر هو أن النظرية بشكلها التقليدي لا يمكن أن تستمر بصيغتها الحالية... إن الطريقة التي يعامل بها الدولة مواطنيها ضمن حدودها قد أصبح الآن هما شرعياً للمجتمع الدولي.)). كما نجد هذا المعنى ضمن كلمة ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان حيث قال: ((إن ميثاق الأمم المتحدة يحمي سيادة الشعوب. ولكنه لم يعني أن يكون رخصة للحكومات أن تستهين بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. إن كون الصراع داخلي لا يعطي الجماعات المعنية أي حق لتجاهل أبسط قواعد السلوك الإنساني.)). إضافة إلى ذلك نجد تصريحاً صادراً عن الحكومة البريطانية 1999م فيه: ((هناك حالات قد تكون فيها ضرورة إنسانية ملحة، وفي ضوء نحو تلك الظروف فإن استعمال محدود للقوة مسوغ باعتباره الوسيلة الوحيدة لتجنب كارثة إنسانية.)).
أما بعد أحداث 11/9، فقد برز الإرهاب كتسويغ جديد. وذلك على أساس أن قاعدة الإرهابي قد تتواجد في دولة وطنية، ولكن قضيته ليست كذلك. ثم إن العاملين فيها موزعون حول العالم، ودعمهم من قبل أفراد غير حكوميين. وبالتالي فإن النظام الدولي المؤسس على سيادة الدولة القومية صار لا بد من تعديله بسبب بروز تهديد دولي من نوع جديد. تهديد لا بد من محاربته على أرض تحت سيادة دول أخرى، وحول قضايا تتجاوز تلك الدولة. وبحكم أن ليس للإرهابي حدود يدافع عنها فإن الردع الذي استعمل في الحرب الباردة لا يجدي، وبحكم أن هدفهم تدمير التماسك الاجتماعي فليس لديهم اهتمام بالوسائل السلمية، أو التنازلات، وهي وسائل التعامل في السياسة التقليدية. بمعنى آخر لا يمكن أن تتحول سيادة الدولة حصناً يحمي الإرهاب.
ومحاربة الإرهاب عذر أقوى من مبدأ التدخل الإنساني، وذلك لسهولة اتهام دولة من الدول زوراً بأنها ترعى الإرهاب، في حين أنه من الصعب اتهامها زوراً بالقيام بتطهير عرقي، أو بانتهاكات جماعية على حقوق الإنسان. ثم إن محاربة الإرهاب تعني بمعنى من المعاني حماية المصالح القومية، في حين أن الدفاع عن حقوق الإنسان، إنما يعني حماية أطراف أخرى مما يضعف حماس الدول له.
على ضوء ما سبق يظهر موقع الشرق الأوسط. ذلك أنه قد جُعل مهد الإرهاب الدولي الجديد، باعتبار أن الخطر الإرهابي اليوم متمثل في الأصولية الإسلامية. وبما أن الشرق الأوسط هو قلب الحركات الأصولية، ومرجعيتها المعنوية والاقتصادية؛ فإن اعتبار الإرهاب مسوغاً لتجاوز مبدأ وستفاليا يعني أساساً تسويغ التدخل في شؤون دول الشرق الأوسط. ولذلك وإن كان الواقع الدولي الجديد يدل على أن المبدأ من حيث هو سيسقط في كل موقع لا توجد حماية ذاتية أو إقليمية أو دولية له، إلى حين بروز توازن دولي جديد، إلا أن المرحلة الأولى من سقوطه ستتجلى في الشرق الأوسط، والدول العربية منه تحديداً.
فهل الحل هو المشاركة في الحرب على الإرهاب؟ إن ذلك لا يعني إلا تأجيل وقوع المحتوم، فوفق الرؤية السابقة، ليس الإرهاب إلا عذراً، وأما الدافع فأمر آخر تماماً. فطبيعة توزيع القوى في العالم اليوم لا تعطي ذلك المبدأ الحماية المطلوبة له. أما الشرق الأوسط على وجه الخصوص، فإنه قد أعطي سمة أخرى تضاف على كونه مهداً للإرهاب، وهي أنه لا زال في مرحلة ما قبل وستفاليا من حيث طبيعة العلاقات بين دوله، ومن حيث ضعف فاعلية الدبلوماسية الوستفالية فيه، وفق مقولة لكيسنجر. فإذا كان اعتبار وجود الإرهاب مسوغاً غير مباشر للتدخل في شؤون الشرق الأوسط، من حيث أنه تدخل بحجة وجود الإرهاب فيه، فإن تلك المقولة تعني صراحة أن مبادئ وستفاليا لا تنطبق عليه، وجد فيه الإرهاب أو لم يوجد. وعليه فإن استنفاذ الطاقات في محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط لن يؤدي إلا إلى إضعاف الجبهة الداخلية القادرة مستقبلاً على مقاومة متطلبات النظام الدولي الجديد. ولا يعني هذا أن نسكت عن الإرهاب والإرهابيين، وإنما مقاومتهم بكيفية متوازنة. فمن جهة يجب أن نمنع التعبير عن السخط بطرق غير مشروعة، وغير مناسبة. ومن جهة ثانية علينا البحث عن آليات بديلة للتنفيس عن الاحتقان الموجود في مجتمعاتنا، والذي يزيد يوماً بعد يوم بسبب جور وظلم الواقع الدولي علينا؛ بل كل ما هو في الأفق ليس إلا مزيداً من الجور وبالتالي زيادة في الاحتقان. ومن جهة ثالثة لا بد لنا من الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وإبقاء الروح اللازمة لمواجهة ما هو آت حتماً من السياسات الدولية.

ismail alwaisi
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 9
اشترك في: الخميس يونيو 03, 2004 8:25 pm

مشاركة بواسطة ismail alwaisi »


ma sha allah.
very nice article :idea:

الزيدي اليماني
مشرف مجلس الأدب
مشاركات: 404
اشترك في: السبت ديسمبر 23, 2006 3:46 pm
مكان: أمام الكمبيوتر !

مشاركة بواسطة الزيدي اليماني »

موضوع قديم بقدم مواضيع المجلس السياسية
ولأنه كذلك رأيت رفعه


ومن الآن وصاعداً سأقوم بإعادة إظهار ورفع مواضيع قديمة وجديرة بالنقاش والحوار
لأنني لاحظت أن المجلس السياسي مجلس نائم بنوم أصحابه مع الإعتذار لهم


أتمنى أن اكون بهذا الإقتراح قد قمت بشيء من أجل تنشيط هذا الجزء المهم من المجلس والذي بسببه حجب المنتدى في اليمن

فلماذا لا يكون الحجب دافع أكبر لتنشيط هذا القسم خاصة



هي دعوة ونداء للجميع بالعمل على النهوض بهذه المجالس ولو بأقل القليل
وهي دعوة خاصة إلى رواد السياسي الذين إفتقدناهم كثيراً


تحية وسلام
هل تعلم أن :
( الزيدية : هي الإمتداد الطبيعي للمنهج الإسلامي القرآني الأصيل وأن بلاد الزيدية : هي البلاد الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مساجد خاصة بالشيعة وأخرى خاصة بالسنة ....)

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“