دعني أشرح لك/لكِ أولاً ماذا أقصد بالعنوان .. ما تراه هو صدى أفعالك .. ما أقصده هو أن الحركات والسكنات التي تلحظها وتستقبلها من الأشخاص حولك ... هو تماماً نتيجة ما صنعت أنت , وحصاد ما زرعت .... ستسألني كيف ؟ ... حسناً
قبل أن أفسر لك يا عزيزي القارئ ... تدور الآن بمخيلتي قصة قصيرة لأبٍ وابنه ... دعني أذكرك بها :
والآن لأفسر لك أنا ما أقتنع به حول مسألة الصدى والزرع والحصاد .. هل فكرت يوماً .. ما سبب كراهية شخص معين لك ؟ لم يكرهني أو لم يعاملني هكذا !!؟ هل فكرت أن تكون أنت البادئ بالخير .. لطوي الصفحة وبدء أخرى نظيفة وبيضاء .. جرب هذه الطريقة إذاً : هب أن لك صديقاً أو شخصاً يكرهك ... جرب أن تكلمه بكل احترام وأدب , وتغاضى عن استفزازه ومسباته لك .. وابدأه بالسلام , ودع جانبك سليماً من التجريح .. سيمل هذا الشخص من ما هو عليه .. سيبدأ بالتفكير في طريقة معاملتك له وفي مبادلته لك ! سيشعر بالفعل أنه مخطئ وربما أحمق .. وليس ببعيد أن يأتي إليك ويعترف بخطأه ويطلب منك المسامحة .. هنا يا عزيزي .. أنت بالفعل قد زرعت وعنيت بالبذور , فهنيئاً لك الثمار فاحصد ما زرعت ... لأن البذر الطيب ينبت الحصاد الطيب .. وفي الجهة المقابلة .. أنت أيضاً ترى صدى أفعالك فمثلاً : حين تلمس التغاضي والنفور منك ... أعد الحساب قليلاً لتلاحظ أنك زرعت شوكاً فلن تحصد عنباً .. إن الطرق السليمة لن تثمر إلا كل شيء سليم .حكى أن أحد الحكماء خرج مع ابنه خارج المدينة ليعرفه على التضاريس من حوله في جو نقي بعيدا عن صخب المدينة وهمومها.. سلك الاثنان واديا عميقا تحيط به جبال شاهقة وأثناء سيرهما تعثر الطفل في مشيته وسقط على ركبته فصرخ الطفل على إثرها بصوت مرتفع تعبيرا عن ألمه : آآآآه
فإذا به يسمع من أقصى الوادي من يشاطره الألم بصوت مماثل : آآآآه
نسى الطفل الألم وسارع في دهشة مصدر الصوت : ومن أنت ؟؟!
فإذا الجواب يرد على سؤاله : ومن أنت ؟؟!
انزعج الطفل من هذا التحدي بالسؤال فرد عليه مؤكدا : بل أنا أسألك من أنت ؟
ومرة أخرى لا يكون الرد إلا بنفس الجفاء والحدة : بل أنا أسألك من أنت ؟
فقد الطفل صوابه بعد أن استثارته المجابهة في الخطاب فصاح غاضبا : " أنت جبان.. "
فهل كان الجزاء إلا من جنس العمل .. وبنفس القوة يجيء الرد " أنت جبان.. "
أدرك الطفل الصغير عندها أنه بحاجة لأن يتعلم فصلا جديدا في الحياة من أبيه الحكيم الذي وقف بجانبه دون أن يتدخل في المشهد الذي كان من إخراج ابنه قبل أن يتمادى في تقاذف الشتائم تملك الابن أعصابه وترك المجال لأبيه لإدارة الموقف حتى يتفرغ هو لفهم هذا الدرس.. تعامل الأب كعادته بحكمة مع الحدث .. وطلب من ولده أن ينتبه للجواب هذه المرة وصــــاح في الوادي : " إني أحترمك.. "
كان الجواب من جنس العمل أيضا . فجاء بنفس نغمة الوقار " إني أحترمك.. "
عجب الابن من تغير لهجة المجيب .. ولكن الأب أكمل المساجلة قائلا : " كم أنت رائع "
فكان الرد عن تلك العبارة الراقية " كم أنت رائع "
ذهل الطفل مما سمع ولكن لم يفهم سر التحول في الجواب ولاذ صمت رهيب لينتظر تفسيراً من أبيه لهذه التجربة الفيزيائية...
علق الأب الحكيم على الواقعة بهذه الحكمة : " أي بني نحن نسمي هذه الظاهرة الطبيعية في عالم الفيزياء (صدى) .. لكنها في الواقع هي الحياة بعينها .. إن الحياة لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها .. ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها.
خلاصة : عامل الناس كما تحب أن تُعامل , وكما تريد النتائج فابذل لها السبب .
تحيتي