حب الإطلاع ... وهل للفضول يد في كوارثنا ..؟

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
الهاشمي اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 668
اشترك في: السبت أغسطس 07, 2004 3:39 pm
اتصال:

حب الإطلاع ... وهل للفضول يد في كوارثنا ..؟

مشاركة بواسطة الهاشمي اليماني »

حب الإطلاع ... هو الفضول الأيجابي ، إذا ما أعتبرنا السالب والموجب ، هذا النوع من الفضول المحبذ يتصف به الأحداث ، ومابين مرحلتي الطفولة والمراهقة يكن الفضول ضروري ... حتى وإن كان البعض بيمننا الميمون يطلق عليه " البعسسة " وأحيانا عيسى .
الفضول الإيجابي هو حب الإطلاع عبر التأمل بالطبيعة والحيوان والقيام بالرحلات أو مطالعة الكتب والمجلات ... وقد يفضي الفضول للإستيعاب وبالتالي ترسخ المعلومة .. وعند ما يملك الإنسان قراره تكن تلك المعلومة ضمن نهجه ومنهجة ذات تأثير، وقد تكن هي التي تقوده خلال مرحلة حياته العملية ..
ذات يوم كنت أستل خلسة لمكتبة أبي ، والتي كانت مفخرته وجل تفكيره ينصب حولها والعناية بمحتوياتها .. وهي بالنسبة لي فخرا لايوازيه فخر حيث كانت التسلية والمدخر .. دخلت مكتبة أبي خلسة وقبضت يدي على كتاب وركضت نحو الخارج لأستفئ ضلال شجرة وأقراء ... كان الكتاب " حياتنا الجنسية " للدكتور محمد كامل برادة .. وكنت حينها في العاشرة من العمر .. وحالما قرأت المقدمة والتمهيد ... أحسست بين أضلعي الخفقان والتنهيد وكدت أشهق .. كانت المعلومة مفاجئة لفتى مثلي وفي مثل مجتمعي الريفي البسيط .. وخلال متابعتي للقرآة فوجئت بضل شخص يرقبني من الخلف .. فقزت مخفيا الكتاب بين بردي ،، وكان الشخص هو أبي والذي لم أتمكن من التحايل عليه ، وطلب مني الكتاب بلطف وإبتسام ، وتحدث لي بكلمات توجيهية ... إن ذلك الكتاب لايتناسب ومرحلة عمرك الحالية ثم مضى معاتبا ،،، كان ينبغي عليك أن تتشاور معي فأختار لك كتبا كالعادة .. وشكرت أبي الذي لم يكن بخيلا بالكتاب ... وأعتذرت لإختلاسي للكتاب الغير مناسب ..
وبإعادة الكتاب وقعت عيني على كتاب تناولته بينما كان أبي منشغلا ... كان الكتاب عن موضوع غرام الإمبراطورالفرنسي نابليون بونابرت بالسيدة جوزفين بوهارنيه ... وكيف عشقها وهي اللتي تكبره سنا أي أنها كانت في سن والدته ثم عنايته الفائقة بإبنها اليافع الذي إعتبره صديقا وربيبا وأخا ..
الفقرات التي قرأتها كانت كفيلة بإحداث عاصفة هوجاء وزوبعة لاتهدأ بتفكيري ... فأتذكر أنني عندما كنت في السابعة .. وكانت هناك فتاة يافعة فارعة الطول مكتملة الأنوثة .. كانت تداعبني وتمازحني بقولها سأتزوجك ، وبنظرات برئة وإبتسامة أكثر برآة تعل محياها.. وحينها لم أكن أحيط بما تعنيه تلك الريفية الرائعة .. وتزوجت الفتاة وأنجبت من فتى يتكافاء معها بكل المقاييس ... ولكنني هرعت لكوخها بعد قرأتي المتسرعة .. فاستقبلتني بإبتسامتها ووسامتها وفي هذه المرة بوقارها ... وأسقتني شيئا من اللبن وبذلت الخبز ، ولكن برأسي كانت تدور الأفكار والخواطر ... وحظر الزوج من حقله ممازحا إياي وعارضا علي تقبيل طفله الرضيع ... وهو يداعبه ويداعبني ..
تركت المكان حتى دون أن أكلف نفسي شكرهما ... وفي نفسي شئ من حتى ..
لم أعد آتي تلك المرأة لأجلب منها اللبن لأسرتي ، وعندما ألتقيها تنتابني تكشيرة إصطناعية ... فما كان منها بيوم ما سوى الإمساك بي من الخلف طالبة مني توضيح ... سرت بجسمي قشعريرة ، صمت وكتمت ..
كانت تعطينا اللبن من بقراتها وتزودنا بالفلفل الحار من حديقتها الصغيرة أمام كوخها ... وشعرت أنه يجب علي الإستغناء عن كل مكارم تلك الفتاة المقربة من أمي ... وحاولت الحصول على الفلفل من حديقة شيخ كان يزرعه ليبيعه ، فرفض إعطائي مالم أدفع الثمن ... وحاولت التسلل للحديقة ولكنه أمسك بي قبل أن أقطف الفلفل .. وعظمت مأساتي فالشيخ عصي وعصبي المزاج شديد المراس حاد الطباع ... وأما الفتاة فبنفسي شئ لم أجد له تفسيرا منطقيا ..
بلغت الثانية عشر ودخلت مكتبة أبي ووقع بيدي كتاب عن " ألان فوشييه " وزير الأمن أثناء مرحلة الثورة الفرنسية ... ومن هنا عرفت كيف تمردت الجماهير على الإمبراطور وكيف هدمت سجن الباستيل وكيف تم سحل البرجوازيين والإقطاعيين بالمقصلة ... وكنت أطالع الكتاب بين معجب بالثورة على الظلم وبين دهاء فوشيه وإيقاعه بالكثير حتى من زملائه بالثورة .... كانت المقصلة وإقتطاف الرؤوس والإنتقام هي الهاجس الكبير ..
وإختمرت الأفكار وصاغ الفكر الطفو لي المراهق عقودا من أوهام .... ثورة ، ثورة .. سأبداء بثورتي على الشيخ صاحب الحديقة وأنتزع منه بستانه الملئ بالفلفل وسأحرمه من بيع محصوله الحار والذي بقدر حرارته تحتد بصدري فكرة إقصاء الفتى عن عقيلته والإستيلاء عليها إما بالرضى أو المقصلة ، ومستقبل الفتاة رغم سنها الأكبر مني ستكن بمثابة " جوزفين بوهارنيه " وكذا الإبن كالإبن ... وزاد من إختمار الفكرة الخنفشارية علمي بقصر قامة الإمبراطور نابليون ، فلم يهيبني قامة زوج الفتاة الفارع ..
وبعد بلوغي سن الرشد عرفت أن الفضول الإيجابي للتطلع للمعرفة يمكن أن يؤدي إلى فكر سلبي ، ومن حسن الطالع أنه لم يكن بوسعي تنفيذ خطوة واحدة والقضية وهم في وهم ..
لكن من يدري أن غيري قد تورط أو تهيت له الفرصة ليحيل الوهم لحقيقة .. ولعل المستقرئ للثورات العربية واليمنية منها خاصة ليجد شيا من الفضول المعرفي ربما تسلل لعقول البعض ...
خلال قرآتي لمعظم الثورات العربية أجدها ذات نتيجة واحدة وهي " رد الفعل الشخصي " التقييم لها يقول أنها أنحدرت بالشعوب العربية للأسواء ثقافيا واقتصاديا وعسكريا وتنمويا .... وماذا بعد ..؟
مثلا ثورة يوليو الشهيرة بمصر ... أفضت لحرمان مصر من كل تميز لاقمح ولاصناعة ولاتنمية بشرية ... وأخيرا لاخصوبة بأرض مصر فقد تم القضاء على رافد الطمي الذي كان يغذي سنويا أرض مصر الفقيرة عبر فيضان النيل بعد إحتجاز النيل بالسد العالي والذي لاتوجد له فائدة تذكر وأفضى لتصحر مصر وهبوط الدلتا ..
وسوريا قبل الثورة كانت تصدر للعالم خيراتها ونسيجها وحاليا تستورد والتراجع في كل شئ .
وباليمن الميمون كنا نصدر الغلال وتحتفظ بالسلال المملوئة ولا استيراد وثقافتنا وقيمنا مصونة ... وحاليا نستورد كل شئ ومفلسين ثقافيا وقيمنا في مهب الريح وحتى ملابسنا وريالنا على الحصيرة ... وأصبحنا أمة من المخزنين ماضغي القات ومضيعي الأوقات وفاسدين بهم الافات ..
ترى هل من قاد الأحداث التي أدت بالأمة للهبوط كان قارئا فضوليا بمرحلة طفولته ... ؟؟

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

موضوع رائع وجميل أيه المبدع دائماً
والأجمل سردكم لبعض تفاصيل حياة الطفولة !!


أما رأيي فهو أن حب الإطلاع والإستطلاع هو شيء إيجابي ومهم !!
خاصة إذا كانت البيئة أو المجتمع واعي ومحافظ ؟!!!!

أنتم ياسيدي مكتبة والدكم كانت مليئة بالكتب والكتيبات المتنوعة في توجهاتها ومواضيعها !
وهذا ما جعل ثقافتكم وإنتاجكم الفكري كما هو الآن !!

ومع ذلك فهناك أشخاص يتمردون على بيئتهم وثقافتهم !!
فتجد إبن قيم الجامع من أكثر الشباب والمراهقين جنوحاً !
وقد تجد إبناً مثقفاً واعياً محباً للإطلاع عاشق للكتب والمجلدات والدوريات ووالده لا يطيق رأية أي منها !

هذا ما خطر ببالي تعليقاً على موضوعكم الشيق والممتع

تقبلوا خالص تحياتي

الهاشمي اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 668
اشترك في: السبت أغسطس 07, 2004 3:39 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة الهاشمي اليماني »

معذرة سيدي المجاهد الصابر ... ربما خانني التعبير عند إستعمال المجاز فتجاوزت .. لاأنكر أن المعرفة والعلم والنور الحضاري يقبعان ببئر المكتبة وأنه لابد من دلو لنيل شئ من ذلك الثراء وهو الفضول الإيجابي ..
كنت أعني بمجازي أنه البعض بعد ضربة حظ توفر له شئ من القوة فأستخدم حلما طفوليا ليوظفه بتحطيم حلم أمة ... وهكذا هرولنا وكنا إستثناء بين أمم الأرض .

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“