ازمه انتاج الفتوى فى المرجعيات الفقهيه

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

ازمه انتاج الفتوى فى المرجعيات الفقهيه

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

صورة
إضطلعت المرجعياتُ الفقهية الإسلامية بمشاربها المختلفة بدور مهم في المشروع الحضاري للأمة عبر تأريخها.. ولما كان مصطلحُ "المرجعية" بحد ذاته ذا صبغة تكوينية شيعية في الأصل، إلا أن التنافسَ، وأحياناً كثيرة الصراع، بين المدارس الفقهية الإسلامية قد فرغ المصطلح من حمولته المصطلحية التأريخية ليضحي استخدامُه أقرب إلى المنظور اللـُّغوي منه إلى الاصطلاحي، والذي يُعنى بالثقة والركون إلى شخص ما على قدر من المعرفة والثقافة الشرعية، وله دربة في إنتاج الفتوى وإصدارها، بصرف النظر عن الأسلوب المعتمد لديه في سبيل ذلك، اجتهاداً أو قياساً على واقعة أو فتوى مشابهة أو حتى ترجيحاً لبعض الفتاوى على بعض، وضمن إطار مذهب فقهي محدد مسبقاً أو بما يشمل مجالاً فقهياً أوسع.

وعلى الرغم من المكانة الكبيرة التي تحوزُها المرجعيات الفقهية ومؤسسات التعليم الديني، الأكاديمية منها والأهلية، في عصرنا الراهن، إلا أن جانبَ "السياسة" واستطالاتها وتمدد نفوذ الجانب السياسي ليشملَ المجال الديني، إبتداءً من عصر (المأمون) وفتنة أو عدم القول بخلق القرآن، ونصرته لفئة علمية معينة (المعتزلة) في مواجهة التيار الفقهي التقليدي (أهل الحديث)..

وقبل ذلك ما قامت به الدولة الأموية من إشاعة العقيدة "الجبرية" في النطاق السياسي لتسويغ استئثارها بالمجال السياسي وقلبها لنظام "الخلافة" إلى "ملك عضوض"، وصولاً إلى إلحاق مؤسسات التعليم الديني بالدولة الوطنية الحديثة راهناً، واستتباع علمائها وهيئاتها لجهاز سياسي مركزي (وزارات الأوقاف ودوائر الإفتاء)، قد أسهم في انقسام تلك المرجعية على ذاتها وتعميق أزمتها، والنيل من مخزونها الرمزي لدى أبناء الأمة، في ظل تسرب نظرة الشك والريبة إليها وقد اصطف رجالاتها، في معظمهم، إما مع النظام السياسي القائم أو ضده، بما يعنيه ذلك من تلويث صورتهم الرمزية المراكمة وتشويهها.

ولعل الفتوى الأخيرةَ التي ترددت أصداؤها في وسائل الإعلام حول قيام فقيه أزهري بإصدار فتوى لحل "مشكلة" الخلوة بين الزملاء في المكاتب الحكومية لتسلط الضوء على أزمة إضافية تكتنفُ عملية إنتاج الفتوى بما يجعل منها "مأزقاً" تعاني منه مؤسساتُ الإفتاء على مستوى المنظومة الفقهية التقليدية وقصور بعض جوانبها عن متابعة تطورات العصر وإنتاج آليات منهجية تستوعبها. وقد أفتى ذلك الأزهري بجواز إرضاع زميل العمل من قبل زميلته بغية التخلص من "معضلة" الاختلاط والخلوة في المكاتب الحكومية دونَ أن يمنعَ ذلك جواز الزواج بينهما فيما لو اتفقا على ذلك. وإلحاق هذه الحادثة بحادثة ثابتة في صحيحي البخاري ومسلم، وهي إرضاعُ زوجة أبي حذيفة لسالم مولى أبي حذيفة عندما تحرجت زوجته من دخوله عليها كبيراً، وقد أبطل الإسلامُ حكمَ التبني السابق له من زوجها، وهي المسألة المعروفة "بإرضاع الكبير".

وإذا كانت بعضُ المرجعيات الحديثة قد شككت في صحة الواقعة رغم ورودها في الصحيحَين، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد علاج آني يفاقم من الأزمة بدلاً عن أن يعالجها، فمن السهل مواجهة الأزمة بسلاح النفي ما دام ذلك يعفينا من ابتدار جذورها بالتقويم والعلاج. على أن معظمَ الردود المنهالة لم تتجاوز الموقفَ التقليدي الذي اتخذته المنظومة الفقهية تأريخياً، والذي "أزاح" عن كاهلها "هَمَّ" محاولة التفهم والتعقل للحادثة من خلال التأكيد على خصوصيتها واستحالة تكرارها بعد أن رسخت أحكام الإسلام، وأنه لم يعد من جدوى من مناقشة احتمال تكرر الحادثة في ضوء ذلك.

ورغم أن الفقيه الأزهري لم يخرج عن سياق استعمال أدوات الاجتهاد وإنتاج الفتوى التقليدية، وفي مقدمتها القياس الأصولي، إلا أن مساحة اللغط والإثارة التي حظيت بها فتواه قد أعاد إلى الأذهان فتاوى سابقة لم يكن نصيبها من الجدل واللغط حتى في سياق مسائل خلافية بأقل حظاً. فشيخ الأزهر الذي عارض بشدة فتوى (رضاع الكبير)، هو نفسُه الذي اشتهر بفتاويه حول الفائدة المصرفية وسندات التوفير. والمفكر السوداني (حسن الترابي)، قد استحوذت فتاواه حول إباحة زواج المسلمة من الكتابي، وإنكاره للمهدي، ورجوع النبي عيسى عليه السلام باهتمام بالغ العام المنصرم، حتى الشيخ (القرضاوي) نفسه ثار من الجدل في حق فتاويه بعدم التفريق بين المسلمة وزوجها الكتابي، وجواز استعمال القروض الربوية لاقتناء المساكن في بلاد الغرب ما لم يعد خافياً.

وفيما تضرب الحرب الأهلية في العراق وتحوله إلى ساحة دامية، فإن حرب "التكفير" الشرسة بين (السنة) و(الشيعة) قد وجدت مستنداً شرعياً لها فيما تم تناقله من فتوى قديمة للمرجع السيستاني وظفت لإقصاء أهل السنة من العملية السياسية، فيما استندت المجموعات السنية المتشددة إلى فتاوى كل من ابن تيمية وابن القيم في تكفير الشيعة وقتلهم.

ويبدو أن المرجعيات الفقهية التقليدية ومؤسسات الإفتاء قد تشابكت أزمتها السياسية التأريخية مع أزمة بُنيتها التصورية وافتقادها لآليات ورؤى منهجية تؤسس لرؤية فقهية تواكب العصر ولا تكونُ فيه "عالة" على نتاج من سبقها، الأمرُ الذي ما عاد معه الحلُّ التبسيطي في إنشاء المراجع الفقهية الجماعية أو إقامة المؤتمرات الاحتفالية لدعوات التقريب بين المذاهب الإسلامية قادراً على الاضطلاع به. بل إن ذلك مرهونٌ بعملية إصلاح شاملة للبنية الهيكلية لكلِّ من مؤسسات التعليم الديني ودوائر الإفتاء، وبما يشملُ آلياتِ إنتاج الفتوى والأحكام الشرعية.



هشام منور
❊ كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني

تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“