تقسيم علي ابن ابي طالب عليه السلام للناس
مَنِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ! سَاع سَرِيعٌ نَجَا، وَطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا، وَمُقَصِّرٌ في النَّارِ هَوَى.
الَيمِينُ وَالشِّمالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الوُسْطَى هِيَ الجَادَّةُ(1)، عَلَيْهَا بَاقي الكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ، وَإلَيْهَا مَصِيرُ العَاقِبَةِ.
هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرَى، مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ، لاَيَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ(2) أَصْل، وَلاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْم.
فَاسْتَتِرُوا بِبُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ.
1. الجادّة: الطريق.
2. السِّنْخُ: المثبّت، يقال: ثبتت السنّ في سِنْخِها: أي منبتها
ومن كلام له (عليه السلام)
في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا
(وفيه يذم أهل الرأي ويكل أمر الحكم في أمور الدين للقرآن)
تَرِدُ عَلَى أحَدِهِمُ القَضِيَّةُ في حُكْم مِنَ الاَْحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ، ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ القَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيها بِخِلافِ قَوْلِهِ، ثُمَّ يَجْتَمِعُ القُضَاةُ بِذلِكَ عِنْدَ إمامِهِم الَّذِي اسْتَقْضَاهُم(3)، فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً، وَإِلهُهُمْ وَاحِدٌ! وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ! وَكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ!
أَفَأَمَرَهُمُ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ بِالاخْتلاَفِ فَأَطَاعُوهُ! أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ! أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ! أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضِى؟ أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ(صلى الله عليه وآله) عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ؟ وَاللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (مَا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِنْ شَيْء) وَفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْء، وَذَكَرَ أَنَّ الكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضاً، وَأَنَّهُ لاَ اخْتِلافَ فِيهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
وَإِنَّ القُرآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ(4)، وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ، لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلاَتَنْقَضِي غَرَائِبُهُ، وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إلاَّ بِهِ.
1. الجادّة: الطريق.
2. السِّنْخُ: المثبّت، يقال: ثبتت السنّ في سِنْخِها: أي منبتها
3. الامام الذي استقضاهم: الذي ولاّهم القضاء.
4.أنيق: حسن مُعْجِبٌ (بأنواع البيان)، وآنقني الشيء: أعجبني
ومن خطبة له (عليه السلام)
[وهي كلمة جامعة له]
[فيها تسويغ قتال المخالف، والدعوة إلى طاعة الله، والترقي فيها لضمان الفوز]
وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الحَقَّ، وَخَابَطَ الغَيَّ(5)، مِنْ إِدْهَان(6) وَلاَ إِيهَان.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَفِرُّوا إِلَى اللهِ مِنَ اللهِ(7)، وَامْضُوا في الَّذِي نَهَجَهُ)لَكُمْ(8)، وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ(9)، فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ(10) آجِلاً، إِنْ لَمْ تُمنَحُوهُ عَاجِلاً.
ومن خطبة له (عليه السلام)
[وهو فصل من الخطبة التي أولها: «الحمد لله غير مقنوط من رحمته» وفيه أحد عشر تنبيهاً]
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ، وَآذَ نَتْ(11) بِوَدَاع، وَإِنَّ الاْخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاَع(12)، أَلاَ وَإِنَّ اليَوْمَ المِضْمارَ(13)، وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الجَنَّةُ(14)، وَالغَايَةُ النَّارُ; أَفَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ(15)! أَلاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ(16)! أَلاَ وَإِنَّكُمْ في أَيَّامِ أَمَل مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ، فَمَنْ عَمِلَ في أَيَّامِ أَمَلهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ، وَلَمْ يَضرُرْهُ أَجَلُهُ; وَمَنْ قَصَّرَ في أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ، وَضَرَّهُ أَجَلُهُ، أَلاَ فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ(17)، أَلاَوَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالجَنَّةِ نَامَ
____________
11. آذَنَتْ: أعْلَمَتْ.
12. أشَرَفَتْ باطّلاع: أقبلت علينا بغتةً.
13. المِضْمار: الموضع والزمن الذي تضمّر فيه الخيل، وتضمير الخيل أن تربط ويكثر علفها وماؤها حتى تسمن، ثم يُقلل علفها وماؤها وتجري في الميدان حتى تهزل، ثم تُرَدّ إلى القوت، والمدة أربعون يوماً، وقد يطلق التضمير على العمل الاول أوالثاني، وإطلاقه على الاول لانه مقدمة للثاني وإلاّ فحقيقة التضمير: إحداث الضمور وهو الهزال وخفة اللحم، وإنما يفعل ذلك بالخيل لتخف في الجري يوم السباق.
14. السَّبَقَة ـ بالتحريك ـ: الغاية التي يجب على السابق أن يصل إليها.
15. المنيّة: الموت والاجل.
16. البُؤس ـ بالضم ـ: اشتداد الحاجة، وسوء الحالة.
17. الرهبة ـ بالفتح ـ: هي مصدر رَهِبَ الرجل ـ من باب عَلمَ ـ رهباً بالفتح وبالتحريك وبالضم، ومعناه خاف.
طَالِبُهَا، وَلاَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، أَلاَ وَإنَّهُ مَنْ لاَيَنْفَعُهُ الحقُّ يَضْرُرهُ البَاطِلُ، وَمَنْ لا يستقم بِهِ الهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلاَلُ إِلَى الرَّدَىْ، أَلاَ وَإِنَّكُمْ قَد أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ(18)، وَدُلِلْتُمْ عَلى الزَّادَ.
وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخافُ عَلَيْكُمُ: اتِّبَاعُ الهَوَى، وَطُولُ الاَْمَلِ، تَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحُوزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً.
وأقول: إنّهُ لو كان كلامٌ يأخذ بالاعناق إلى الزهد في الدنيا، ويضطر إلى عمل الاخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعاً لعلائق الامال، وقادحاً زناد الاتعاظ والازدجار. ومِن أعجبه قوله (عليه السلام): «ألا وَإنّ اليَوْمَ المِضْمارَ وَغَداً السِبَاقَ، وَالسّبَقَةُ الجَنّة وَالغَايَة النّار» فإن فيه ـ مع فخامة اللفظ، وعظم قدر المعنى، وصادق التمثيل، وواقع التشبيه ـ سرّاً عجيباً، ومعنى لطيفاً، وهو قوله (عليه السلام): «والسَبَقَة الجَنّة، وَالغَايَة النّار»، فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين، ولم يقل: «والسّبَقَة النّار» كما قال: «والسّبَقَة الجَنّة»، لان الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب، وغرض مطلوب، وهذه صفة الجنة، وليس هذا المعنى موجوداً في النار، نعوذ بالله منها! فلم يجز أن يقول: «والسّبَقَة النّار»، بل قال: «والغَايَة النّار»، لان الغاية قد ينتهي إليها من لا يسرّه الانتهاء إليها ومن يسرّه ذلك، فصَلح أن يعبّر بها عن الامرين معاً، فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل، قال الله عزّوجلّ: (قُلْ تَمتَّعُوا فَإنَّ مَصِيرَكُم إلى النّارِ)، ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال: سبْقتكم إلى النار، فتأمل ذلك، فباطنه عجيب، وغوره بعيد، وكذلك أكثر كلامه(عليه السلام).وفي رواية أخرى: «والسُّبْقة» بضم السين، والسبّقة اسم عندهم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أوعَرَض، والمعنيان متقاربان، لان ذلك لا يكون جزاءً على فعل الامر المذموم، وإنما يكون جزاءً على فعل الامر المحمود.
1. الظعن ـ بالسكون والتحريك ـ: الرحيل عن الدنيا وفعْله
1. الجادّة: الطريق.
2. السِّنْخُ: المثبّت، يقال: ثبتت السنّ في سِنْخِها: أي منبتها
3. الامام الذي استقضاهم: الذي ولاّهم القضاء.
4.أنيق: حسن مُعْجِبٌ (بأنواع البيان)، وآنقني الشيء: أعجبني
5. خابَطَ الغَيَّ: صارع الفساد، وأصل الخبْظ: السير في الطلام، وهذا التعبير أشد مبالغة من خَبَطَ في الغي، إذ جعله والغي متخابطَيْن يخبظ أحدهما في الاخر.
6. الادْهانُ: المنافَقَةُ والمصانَعَةُ، ولا تخلو من مخالفة الباطن للظاهر. 3. الايهان: مصدر أوْهَنْتُهُ، بمعنى أضعَفْته.
7. فِرّوا إلى الله من الله: اهربوا إلى رحمة الله من عذابه.
8. نَهَجَهُ لكم: أوْضَحَهُ وبَيّنَه.
9. عَصَبَهُ بكم ـ من باب ضرب ربطه بكم ـ أي: كلّفكم به، وألزمكم أداءه.
10. فَلْجكم: ظَفَركم وفَوْزكم.
11. آذَنَتْ: أعْلَمَتْ.
12. أشَرَفَتْ باطّلاع: أقبلت علينا بغتةً.
13. المِضْمار: الموضع والزمن الذي تضمّر فيه الخيل، وتضمير الخيل أن تربط ويكثر علفها وماؤها حتى تسمن، ثم يُقلل علفها وماؤها وتجري في الميدان حتى تهزل، ثم تُرَدّ إلى القوت، والمدة أربعون يوماً، وقد يطلق التضمير على العمل الاول أوالثاني، وإطلاقه على الاول لانه مقدمة للثاني وإلاّ فحقيقة التضمير: إحداث الضمور وهو الهزال وخفة اللحم، وإنما يفعل ذلك بالخيل لتخف في الجري يوم السباق.
14. السَّبَقَة ـ بالتحريك ـ: الغاية التي يجب على السابق أن يصل إليها.
15. المنيّة: الموت والاجل.
16. البُؤس ـ بالضم ـ: اشتداد الحاجة، وسوء الحالة.
17. الرهبة ـ بالفتح ـ: هي مصدر رَهِبَ الرجل ـ من باب عَلمَ ـ رهباً بالفتح وبالتحريك وبالضم، ومعناه خاف.
وأقول: إنّهُ لو كان كلامٌ يأخذ بالاعناق إلى الزهد في الدنيا، ويضطر إلى عمل الاخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعاً لعلائق الامال، وقادحاً زناد الاتعاظ والازدجار. ومِن أعجبه قوله (عليه السلام): «ألا وَإنّ اليَوْمَ المِضْمارَ وَغَداً السِبَاقَ، وَالسّبَقَةُ الجَنّة وَالغَايَة النّار» فإن فيه ـ مع فخامة اللفظ، وعظم قدر المعنى، وصادق التمثيل، وواقع التشبيه ـ سرّاً عجيباً، ومعنى لطيفاً، وهو قوله (عليه السلام): «والسَبَقَة الجَنّة، وَالغَايَة النّار»، فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين، ولم يقل: «والسّبَقَة النّار» كما قال: «والسّبَقَة الجَنّة»، لان الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب، وغرض مطلوب، وهذه صفة الجنة، وليس هذا المعنى موجوداً في النار، نعوذ بالله منها! فلم يجز أن يقول: «والسّبَقَة النّار»، بل قال: «والغَايَة النّار»، لان الغاية قد ينتهي إليها من لا يسرّه الانتهاء إليها ومن يسرّه ذلك، فصَلح أن يعبّر بها عن الامرين معاً، فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل، قال الله عزّوجلّ: (قُلْ تَمتَّعُوا فَإنَّ مَصِيرَكُم إلى النّارِ)، ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال: سبْقتكم إلى النار، فتأمل ذلك، فباطنه عجيب، وغوره بعيد، وكذلك أكثر كلامه(عليه السلام).وفي رواية أخرى: «والسُّبْقة» بضم السين، والسبّقة اسم عندهم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أوعَرَض، والمعنيان متقاربان، لان ذلك لا يكون جزاءً على فعل الامر المذموم، وإنما يكون جزاءً على فعل الامر المحمود.
بعض خطب للأمير المؤمنين / علي بن ابي طالب عليه السلام
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 241
- اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 12:21 am
- مكان: اليمن - صنعاء
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1606
- اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
- مكان: صنعاء حده
- اتصال: