رأيت أخيرا ما كتبه الأخ الكاظم في موضوع البداء و بخطوط ملوّنة!
و أقول لأخينا المتوكل المنتقل من السنة إلى الإمامية و من الإمامية إلى الزيديةّ..:
يبدو أن الأخ صححّ أفكاره – على حدّ زعمه- في ما قبل بنفس الأسلوب و بهذه السرعة و إثر مثل هذه الاستنتاجات!
و يا ليت بدلاً من هذه التسرعات نرى منه التأمل و السؤال من أهل العلم و هذا كان أنفع له من التسرع في الحكم بضعف حجة هذا أو ذاك و الانتقالات المذهبيّة!
أخي العزيز! لا تستعجل!
ليس كلّ عدم ردّ, يحكي عن الضعف!
إذ عدم الردّ تارة يرجع إلى اشتغال المشاركين بأمور أخرى فليس المشاركة في هذه المجالس الهمّ الوحيد!
وتارة يرجع إلى ضعف ما يكتب و عدم لزوم الردّ على كل كلام ضعيف و...
و أما أنا فأرى أن مثل هذه المسألة قد مضى عليها تاريخ طويل و كتب عنها الكثير الكثير فليس الأخ الكاظم هو الذي أول من يستشكل و لا الموسوي بأول من يجيب...
فياليت بدلاً من طرح هذه الشبهات و الإشكالات و الإجابات المتكررة, كنّا نركز على ما يهمّنا اليوم.
فإن هناك الكثير الكثير من القضايا التي نحتاج إليه في عصرنا.
و أما بحث البداء و التقيّة و الامامة و الصحابة و...
فقد تعرض لها جميع الأمة و في جميع الأعصار و يمكننا مراجعة الأقوال و الآراء و مطالعة الكتب و الآثار حتى نرى تاريخ البحث و المناقشة و أن ما نكتبه ليس بجديد في كثير من الحالات.
و أما ما كتبه الأخ الكاظم!
فيجب أن نشكره لطول باله في الكتابة و هدوئه.
رغم حرصه على المباحث الجدليّة و الخلافات المذهبيّة و بتعابير متحديّة!
قال:
إنْ ثبتَ ( وهو ثابت) أنّ البدا يقعُ في الإمامة، فإنّ النظرية الإثني عشرية ستنهدّ وتنهار، إذ قد يبدو لله بدوٌ في الإمام الثاني عشر الغائب، فيُميتُه، أو يُلغي حُجيّتَه.
فأولاً, لم يثبت البداء في الإمامة!
فإن المروي في خصوص الموضوع رواية مرسلة ضعيفة السند و قد صرّح بضعفها الشيخ الصدوق الراوي لها في كتاب التوحيد!
و لم يذكرها في عداد سائر الروايات!
بل رواها مرسلة و مصرّحة بضعفها!
و روى بعده و بلا فصل رواية أخرى و جاء فيها:
البداء لأبي إسماعيل!
و يرجع إلى قصة إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام.
و لا تجدون رواية معتبرة فيه صراحة أو ظهور في أن البداء وقع في أمر الإمامة.
ثانياً, لا يهمّنا بعد هذا, أقوال هذا أو ذاك.
فنحن محققون و باحثون و أمامنا الأدلة و الكتب.
أرجوكم أن تقلّلوا من نقل الأقوال و ركّزوا على فهم ما يقال!
ثالثاً, إن البداء من أصله أمر مختلف فيه بين علماء الإمامية أيضا!
هناك من لم يقبل القول به!
فإن منهم من صرّح بعدم الفرق بين البداء و النسخ و منهم من نفى البداء صريحاً و...
فراجع كلمات أمثال السيد المرتضى و الشيخ الطوسي و العلامة الحلي و غيرهم.
رابعاً, أفرض أن البداء ثبت و في أمر الإمامة!
فما هو دخله بانهيار نظرية الإمامة؟!
أليس هذا مجرد إمكان البداء و مادام لم يثبت بدليل شرعي فلا مجال للتشكيك في ما ثبت بالأدلة و نحن لسنا مكلفين إلا بما اُخبرنا من العلم الغير مكنون.
هل ترون إشكالاً في هذه القضية:
الإمامية يعتقدون أن رسول الله عيّن بعده اثناعشر إماما و خليفة و سمّاهم بأسماءهم و في عين الوقت يجوّزون –لو سلمنا- أن يحصل هناك البداء.
هل بمجرد هذا الاحتمال و الجواز تنهد و تنهار نظرية الاثني عشرية؟!!!
كأن الأخ الكاظم ظنّ أن البداء يأتي من الجدار و الشباك!؟!
و لكن يجب أن نعلم أن البداء لا يمكن كشفه و الإخبار به إلا بعد مضيّ زمان وقوع الحادث المخبربه و عدم وقوعه و بإخبار من يعلم الغيب .
و لكن هذا لا يضرّنا في لزوم التعبد بما اُخبرنا به ما دام لم يكشف خلافه بمضي زمانه و كشف خلافه.
فإن الإمامية الذين يقولون بالبداء, لا يقبلون القول بالبداء من البقّال و القصّاب!
فسؤالي من الأخ يرجع إلى أنه هل يجب أن يصل إلينا هذا البداء من طريق صحيح أم لا؟!
فإن اللإمامية إذا وصل إليهم من طريقه أنه حصل البداء في أمر من الأمور, يقبلون و يقولون سمعاً و طاعةً!
و لكن مهما لم يصل – و هو المفروض- فهم موظّفون بالعمل بمقتضي الإخبار و الاعتقاد به و لا مجال أصلاً لما توهمه الأخ الكاظم من الانهيار!!!
خامساً, سلّمنا ثمّ سلّمنا! إلىما تفضلتم به!
و لكن لا مجال لما توهمتم من انهيار النظرية لأن النظرية عند الإماميّة من الثوابت التي لا تتغيّر.
و أمر البداء أمر مختلف فيه و لا أقلّ في دائرة توسعته و شموله لمثل المقام.
و لا يمكن و لا يجوز رفع اليد عن المسلّمات للشبهات.
فترى أخي العزيز أنه خاب أملك و أمل من تخيّل ضعف الآخرين و هو قرينه.
و أما ما ذكر في تقسيم العلم إلى المكنون و غير المكنون ثمّ نسبة التناقض إلى الروايات,
فيبدو أن الأخ لم يفهم المقصود!
و لرؤية الأجوبة الخمسة الشافية التي أتى بها العلامة المجلسي في موسوعته, بحار الأنوار, أدعو إلى مراجعة كتاب التوحيد باب النسخ و البداء من الموسوعة:
http://www.al-shia.com/html/ara/books/b ... 4/a14.html
و لمزيد الاطلاع, فراجع إلى غيره من الكتب!
(و كان بإمكاني أن أكتب و أبين الموضوع و حلّ ما أشكل على الأخ حلّه! كما بمكنني أن أضع هنا عشرات من الروابط و لكن لا أرى حاجة إلى التطويل)
و ستعترفون بعد المراجعة بما أشرت إليه من قبل من:
ان لمثل هذه المسائل و الشبهات تاريخ قديم قد أجيب من زمان عن كل شبهة تكتبونه و تقتبسونه من هنا و هناك.
و لستم أنتم بأول من تحاولون تنقيص هذا المذهب أو ذاك و إنما كان هذا الدور و التسلسل جارية على طول الزمان.
و على الأسف و لا يزال و نحن في القرن الواحد و العشرين من يصرف همّه في مثل هذه الخلافات و التي لا نهاية لها و لا طائل!
و لا يمكن من خلالها إلا التشكيك في اعتقاد ضعفة العقول و الايمان!
و ياليت بدلاً من هذه الكتابات, نرى ما يكتب عن الفضائل و روح الإسلام العالي و محاسن كلام الأئمة و ما علمونا من المعارف و الأخلاق.
و نحاول أن نعرف تراثنا القيّم و أسلافنا و علماءنا الذين جاهدوا في سبيل نشر هذه المعارف و نستعين من السنّة الماضية في طريق معالجة مشاكلنا الجارية و...
لن تنالوا خيراً لا يناله أهلُ بيتِ نبيكم ولا أصبتم فضلاً إلا أصابوه (الامام زيد بن علي)