المساعدات الأميركية بعد 11 أيلول والحرب على الإرهاب
كمال مساعد
تبنت الإدارة الاميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 توجهاً يقوم على تقديم المزيد من الدعم العسكري لحلفائها، خاصة في ما عرف بالحرب ضد الارهاب. وقد أخذ هذا الدعم أكثر من صورة، شملت نقل الأسلحة ذات التكنولوجيات المتقدمة، والمساعدات المالية العسكرية، بالاضافة الى التدريبات العسكرية المشتركة، والمتمثلة في دعم الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب ـ سواء للقضاء على شبكات الارهاب الدولي أو لمساندة عملياتها العسكرية في أفغانستان أو العراق ـ وتلك هو الشرط أو المعيار الأول في قرارات نقل أو بيع السلاح وتقديم المساعدات العسكرية للأطراف الخارجية.
وتقليدياً، التزمت السياسة الأميركية لنقل وتجارة السلاح بحظر نقل السلاح أو تقديم المساعدات العسكرية في الحالات التي قد يأتي فيها هذا النقل على حساب الأمن والاستقرار، بحيث لا تساهم عمليات نقل السلاح في إضعاف عمليات التحول الديموقراطي، أو في تشجيع فرص الانقلابات العسكرية، أو تصعيد سباقات التسلح، أو تأجيج الصراعات القائمة وتعقيدها، أو زيادة القدرات العسكرية لوحدات الأقاليم غير المستقرة، أو تدهور أوضاع حقوق الإنسان. ومع ذلك، تشير البيانات الخاصة بعمليات نقل السلاح والدعم العسكري الخارجي منذ أحداث سبتمبر الى تجاهل السياسة الأميركية لتلك الاعتبارات. فقد احتلت الكثير من الدول ذات السجل السلبي في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، والتي ظلت هدفا أساسيا للانتقادات الاميركية بسبب غياب الديموقراطية، بل دعم الارهاب في بعض الحالات، مواقع متقدمة بين قائمة الدول الأكثر استقبالا للأسلحة والمساعدات العسكرية الاميركية خلال السنوات الخمس الأخيرة بعد سبتمبر .2001
مشروع التهديدات التقليدية
وفي هذا الإطار، قام «مركز معلومات الدفاع Center for Defense Information بالولايات المتحدة، من خلال «مشروع التهديدات التقليدية» Threats Challenging Conventional Project الذي ينظمه المركز، بتصنيف وترتيب 25 دولة لعبت أدوارا مختلفة في دعم الولايات المتحدة في إطار «الحرب ضد الارهاب» وذلك وفقا لتطور مجموعتين من المؤشرات خلال الفترة الزمنية منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى عام .2006 تضمنت المجموعة الاولى من المؤشرات مستوى الخدمات والدعم الاستراتيجي الذي قدمته تلك الدول للولايات المتحدة في إطار هذه الحرب، وحجم الدعم والمساعدات العسكرية الاميركية المقدمة لتلك الدول (نقل السلاح، المساعدات المالية العسكرية، التدريبات العسكرية). أما المجموعة الثانية من المؤشرات فقد ركزت على السياسة الداخلية لتلك الدول، خاصة مستوى الاستقرار السياسي، وحجم الإنفاق العسكري، وإجمالي عدد القوات المسلحة، وأوضاع حقوق الإنسان داخل تلك الدول وفقا لتقارير وبيانات وزارة الخارجية الأميركية. وقد شملت تلك الدول: أرمينيا، أذربيجان، جورجيا، الهند، نيبال، باكستان، أندونيسيا، الفلبين، تايلاند، البحرين، عمان، اليمن، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمنستان، أوزبكستان، الجزائر، تشاد، مالي، موريتانيا، النيجر، جيبوتي، إثيوبيا، كينيا.
هذا وقد انتهى المشروع من خلال مقارنة دراسة العلاقة بين هاتين المجموعتين من المؤشرات، ومن خلال المقارنة بين اتجاهات تطور هذه المؤشرات خلال فترتين زمنيتين، الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة حتى وقوع أحداث سبتمبر، والثانية منذ أحداث سبتمبر حتى الآن وقد انتهت الفترة الزمنية منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى ,2001 الى عدد من الاستنتاجات المهمة منها:
زيادة حجم المساعدات العسكرية.
1ـ ان إجمالي حجم المساعدات العسكرية الأميركية التي حصل عليها أكثر من نصف عدد الدول موضوع الدراسة خلال السنوات الأربع التالية على أحداث سبتمبر حيث فاقت إجمالي المساعدات التي حصلت عليها تلك الدول خلال السنوات الاثنتي عشرة السابقة على أحداث سبتمبر، بنسبة وصلت في المتوسط الى 50٪ لكل دولة على حدة. وتشير نتائج المشروع في هذا السياق الى أن حجم «التمويل العسكري الخارجي» Foreign Militay Financing (FMF) وحجم «مبيعات السلاح المباشرة» (Direct Commercial Sales) التي حصلت عليها تلك الدول خلال السنوات التالية على أحداث سبتمبر فاقت تلك التي حصلت عليها خلال الفترة (1990 ـ 2001) بنسبة بلغت 50٪ في المتوسط لكل دولة على حدة. وقد بلغت نسبة الزيادة في «التمويل العسكري الخارجي» FMF و«مبيعات السلاح المباشرة» DCS منذ العام المالية 2002 حوالى 80٪ بالمقارنة بإجمالي التمويل والمبيعات العسكرية خلال الفترة (1990 ـ 2002).
2ـ ان إجمالي المساعدات العسكرية التي حصلت عليها الدول الـ 25 المذكورة خلال العام المالي 2006 كانت أكبر من حجم المساعدات التي حصلت عليها تلك الدول في أي سنة مالية اخرى منذ عام ,1990 بل ان إجمالي ما حصلت عليه خلال عام 2005 فاق ضعف إجمالي ما حصلت عليه خلال العام الماضي وعلى الرغم من ان الارقام التقديرية لمبيعات السلاح ومخصصات المساعدات العسكرية خلال العام المالي 2006 هي أقل مما كانت عليه في العام المالي 2005 إلا ان تلك التقديرات تظل أعلى من قيمتها في أي عام آخر خلال الفترة (1990 ـ 2004). كما تشير الارقام التقديرية للسنة المالية 2007 الى أنها سوف تكون أعلى من إجمالي قيمة المساعدات ومبيعات السلاح لتلك الدول خلال عام 2005 بنسبة 25٪.
لا علاقة بين السلاح وحقوق الإنسان
3ـ في الوقت الذي تشهد فيه المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة الأميركية الى تلك الدول نمواً ملحوظاً منذ أحداث سبتمبر، فإن الأوضاع المتردية لحقوق الإنسان في تلك الدول لم تشهد تحسناً مماثلاً منذ بدء الحرب على الارهاب، بل على العكس زادت تلك الأوضاع سوءا وتدهورا في الكثير من الحالات. ووفقا لبيانات وزارة الخارجية الأميركية في عام ,2005 فإن أكثر من نصف عدد الدول التي تناولتها الدراسة قد شهدت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من جانب حكومات تلك الدول ومؤسساتها الأمنية. وعلى سبيل المثال، فقد وصفت وزارة الخارجية الأميركية أوضاع حقوق الإنسان في أوزبكستان على مدار السنوات السبع عشرة الأخيرة منذ انتهاء الحرب الباردة (1990 ـ 2006) بأنها «فقيرة جدا» Very poor. ومع ذلك فقد بلغ حجم الزيادة في المساعدات العسكرية الأميركية لأوزبكستان منذ عام 2001 حوالى عشرة أضعاف إجمالي ما حصلت عليه خلال السنوات الاثنتي عشرة السابقة على أحداث سبتمبر (1990 ـ 2001).
أيضا فإن دولا مثل نيبال واليمن، اللتين لم تكونا بين الدول الأكثر استقبالا للأسلحة والمساعدات العسكرية الأميركية خلال السنوات العشر السابقة على أحداث سبتمبر بسبب أوضاع حقوق الإنسان، أصبحتا ضمن قائمة الدول المستقبلة للأسلحة والمساعدات العسكرية الأميركية بعد أحداث سبتمبر، وذلك رغم عدم حدوث تحسن كبير في أوضاع حقوق الإنسان في اي من هاتين الدولتين. التحولات النوعية بعد 11 سبتمر
4ـ بالاضافة الى الأنماط والأشكال التقليدية من المساعدات والدعم العسكري الأميركي لتلك الدول، فقدت شهدت مرحلة ما بعد سبتمبر 2001 تطوير أشكال إضافية للتعاون والمساعدات العسكرية، حيث تم استحداث برامج جديدة ذات أجندات محددة لمحاربة الارهاب، وفرت بدورها أشكالا إضافية من المنح والتدريب والمساعدات العسكرية للدول التي صنفت باعتبارها دولا محورية في الحرب ضد الارهاب. وعلى سبيل المثال، تم استحداث «البرنامج الدفاعي الاقليمي للحرب ضد الارهاب» Counterterrorism Fellowship Program Regional Defense بهدف توفير التدريب العسكري لقوات تلك الدول. وفي عام 2006 وافق الكونغرس على تخصيص 200 مليون دولار إضافية لوزارة الدفاع للانفاق على عمليات تدريب القوات الأجنبية في مجال مكافحة الارهاب. وقد جاء استحداث هذه البرامج والآليات الجديدة وتمويلها من وزارة الدفاع مباشرة كمحاولة للالتفاف على «قانون المساعدات الخارجية» Foreign Assistance Act الذي يضع قيودا شديدة على تقديم المساعدات والتدريبات العسكرية للدول المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، وبهدف تهميش دور ومعايير وزارة الخارجية في هذا المجال.
وتشير النتائج الى أن الكثير من الدول موضوع الدراسة قد استفادت من جميع الآليات والبرامج السابقة، واستفادت من القوانين التي سمحت لوزير الدفاع بتجاوز «قانون المساعدات الخارجية»، اذ ان معظم تلك الدول كانت تتلقى مساعدات محدودة جدا قبل سبتمبر 2001 سواء بسبب أوضاع حقوق الإنسان في تلك الدول أو بسبب ضعف الانفتاح الاقتصادي والسياسي وغياب خطط واضحة حول أفق هذا الانفتاح. وعلى سبيل المثال، فقد تم رفع أرمينيا وأذربيجان والهند واندونيسيا وباكستان وطاجكستان من قائمة الحظر العسكري الاميركي، وتحولت في ما بعد الى دول مؤهلة لاستقبال المساعدات العسكرية والسلاح. كل ذلك رغم افتقاد الكثير من تلك الدول للشروط التقليدية لاستقبال السلاح والمساعدات العسكرية، رغم ان تقارير وزارة الخارجية الاميركية تشير الى تورط الأجهزة الأمنية في انتهاكات حقوق الإنسان، ايضا ما زالت الكثير من تلك الدول متورطة في أنماط من الصراعات الداخلية والاقليمية وعمليات سباق التسلح، ومع ذلك فإن البرامج العسكرية النووية لكل من الهند وباكستان قائمة، وما زالت عمليات التحول الديموقراطية في معظم تلك الدول متعثرة أو بطيئة على أقصى تقدير.
سياسات قصيرة النظر
وتخلص الدراسة الى أن تنازل الولايات المتحدة عن الشروط التقليدية لتقديم السلاح والمساعدات العسكرية هي سياسة قصيرة النظر، وصفتها الدراسة بـ«السياسة الخطيرة». وتستند الدراسة هنا الى بعض الحجج، فمن ناحية لا ضمانات محددة لعدم إقدام هذه الدول على نقل تلك الأسلحة الى أطراف اخرى بشكل غير قانوني يضر بالمصالح الاميركية. ومن ناحية اخرى، فإن دعم تلك الدول للولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب لا يعني ولاءها للولايات المتحدة والسياسة الاميركية على المدى البعيد، خاصة في ضوء ما تعانيه تلك الدول من عدم استقرار سياسي، الامر الذي يفتح الفرصة أمام ظهور نظم سياسية ذات تواجهات مغايرة للسياسة والمصالح الاميركية، بالاضافة الى تورطها في نزاعات إقليمية قد تفرض عليها تبني سياسات مغايرة للمصالح الاميركية. بل لا تستبعد الدراسة إمكانية إقدام هذه الدول على استخدام السلاح والقدرات العسكرية، التي قد تنجح في بنائها في سياق هذه الظروف، ضد الولايات المتحدة ذاتها أو حلفائها، أو نقل تلك القدرات الى أعداء الولايات المتحدة في مراحل لاحقة. وبمعنى آخر ترى الدراسة أن تقديم السلاح والمساعدات العسكرية استنادا الى مصالح سياسية قصيرة المدى سوف يقوض الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية الأميركية البعيدة المدى.
([) كاتب لبناني
المساعدات الأميركية بعد 11 أيلول والحرب على الإرهاب
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 149
- اشترك في: السبت فبراير 28, 2004 8:53 pm
المساعدات الأميركية بعد 11 أيلول والحرب على الإرهاب
ياليتَ شعري، ما يكون’ جوابهمْ حين الخلائقِ لِلْحساب ’تساق’...!
حين الخصيم’ "محمدُ"، وشهوده أهل السّما ، والحاكم’ الخلاّق ..! ؟
حين الخصيم’ "محمدُ"، وشهوده أهل السّما ، والحاكم’ الخلاّق ..! ؟