21/5/2007
محمد الغابري
----------------------------------------
منتصف الأسبوع الماضي كان العلماء الخبر الأول المتصدر لنشرة الأخبار الرسمية ليس لأنهم قد اكتشفوا حلولاً لمعضلات قائمة بل لأن الرئيس التقاهم وألقى فيهم محاضرة وذلك ما يعني وسائل الإعلام أما المناسبة فالخبر يقول: إن العلماء يعقدون مؤتمر.. المؤتمر العام لعلماء اليمن. وأضاف الخبر: أن الرئيس فوض العلماء تفويضاً كاملاً، أما في ماذا فوضهم؟ فإنه مثير.. التصدي للحوثية.. الحديث عن العلماء ذو شجون فأول ما يثير التساؤل هو إطلاق صفة عالم على شخص ما، ومن ثم علماء على أشخاص، وما الفرق بين العلم والدروشة والعلماء والدراويش.
العلم مفهومه وعناصره ومجالاته لم يدرس، أي ما يمكن أن نصفه بعلم العلم. الثابت في تاريخ المسلمين حصر العلم في المجال الشرعي والعلماء على الدارسين للشرع، وتحديداً الفقه والحديث مع أنها من فروع العلم، أدى ذلك إلى حصر وصف العلماء بالفقهاء والمحدثين، وتغييب مجالات العلم الأخرى وذلك ما يعد مخالفاً للوحي (القرآن الكريم ثم السنة النبوية).
إن العلم وفقاً للقرآن الكريم واسع سعة آيات الله وفي الوحي والآفاق والأنفس، ثلاثة مجالات كلية شاملة لكل صغيرة وكبيرة يدخل فيها الإيمان والأخلاق والشرع والسياسة والأمن والتاريخ والجغرافيا والفلك والأحياء والكيمياء والرياضيات واللغات وعلم النفس والطب والصيدلة والاقتصاد.. كل شيء..
أما أهل العلم فإنهم أولو العلم جامع لكل تخصص وكل عالم، وأولو العلم تجمع الأنبياء والرسل وكل العلماء، وقد جاء أولو العلم في مقام الشهادة لله بالوحدانية وأنه "قائم بالقسط" ولا ريب أن المشتغلين بعلم الكون والآفاق، بعلم الفلك وعلم الأرض، يدركون معاني أن الله لا إله إلا هو قائم بالقسط، فالقسط الطريقة والنظام الموزون الدقيق المقدر المحكم العادل، وأولو العلم هم الذين يأمرون بالقسط من الناس، والله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وقد جاء في القرآن الكريم الذين أوتوا العلم والراسخون في العلم والعلماء والأخيرون في مقام اختلاف الثمرات والألوان. أدى حصر العلم والعلماء في الشرع إلى إهمال الشئون الأخرى وفي التاريخ الإسلامي ظهر علماء في مجالات مختلفة لكنهم أقلية ضئيلة.. إن ذلك الحصر أحد الأسباب الرئيسة لتخلف المسلمين في جميع المجالات.
لم يؤخذ العلم في المجالات الأخرى على أنه عبادة لله وعمران للأرض، لم يشعر العالم في الفيزياء مثلاً أو التاريخ أنه يبحث في آيات الله المبثوثة في الآفاق والأنفس وأنه لا يقل شأناً عن البحث في الأحكام ورواية الحديث... وذلك كله يتعارض مع القرآن الكريم، إن الله تعالى أمر بالسير في الأرض للنظر في كيف بدأ الخلق، ثم آية أخرى السير في الأرض للنظر كيف يبدئ الخلق ثم يعيده.
لقد ذهب دارون وسار في الأرض وخرج بنظرية النشوء والارتقاء ليكون عوناً للإلحاد ولو إلى حين. مشهد من يوصفون بالعلماء وقد اجتمعوا تلبية لرغبة الرئيس أن يجتمعوا مشهد مهين للعلم ويخبر أن المحتشدين لا يرتقون إلى صفة علماء وأنهم أقرب للدراويش إلا من رحم. اتخذ العلماء لأنفسهم زياً وسمةً للتميز عن الناس وذلك أول ما ينزع عنهم صفة العلماء فالإسلام لا يعرف أن جماعة أو فئة لها زي خاص بل إنه يحرص على أن يكون الناس غير متمايزين فالبساطة والشعور بالأخوة هي دعوة الإسلام. التميز بالزي أدى إلى الانطباع في أذهان (العلماء) أن لهم حقوقاً زائدة عن الناس من بينها التبجيل والتعظيم، وذلك يتنافى مع العلم الذي هو خشية وتواضع.
الخلط الفادح بين (العلماء) والإسلام أدى إلى حساسية عندهم وعدم القبول بالنصح أو النقد أو التذكير، فأي حديث عن أخطائهم وهم بشر يخطئون ويصيبون يعدونه انتقاد للإسلام. تشبهوا برجال الدين عند المسيحية لإظفاء قدر من القداسة على ذواتهم والخلط بينم وبين الإسلام والشعور بالعظمة فهم رجال دين في الواقع وليسوا علماء.
على عكس رجال الدين في المسيحية -من جهة أخرى- فالكنيسة ورجالها كانوا يسيطرون على السياسة والدولة، أما هؤلاء عندنا فإنهم أخضعوا الإسلام والأمة للسياسة واتباع الأهواء. يعكسون سذاجة محسوبة على العلم وعلى الإسلام مقابل السياسي الحصيف المتمتع بالدهاء الذي يتعامل معهم كما لو كانوا أطفالاً، وهم يقبلون هكذا تعاون ويقبلون عليه.
إن اجتماعهم حسب الطلب ودروسهم تعكس انطباعاً عاماً لدى الناس. أن الرئيس ذاته مقدسة لا يُسأل عما يفعل، يتحدثون بطلاقة عن ولي الأمر، أي أن للناس بمن فيهم هؤلاء (العلماء) ولي، لأنهم جميعاً قاصرين لم يرشدوا، وهو وحده صاحب الرشد.
إنهم يصنعون الفرعنة، ينظرون للطغيان الذي هو العدو الأول للإسلام والبشرية المتعارض مع الوحدانية وأن الله لا إله إلا هو وأنه وحده سبحانه لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. إن لهم نصيباً وافراً في صناعة الفساد في الأرض الذي هو توأم الطغيان (الذي طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد) وهدم حتى لما يحاول (العلماء) بناءه، إفساد الأخلاق والقيم والذمم وتحويل الفضيلة إلى رذيلة والعكس.
إنهم يشوهون الإسلام ويعكسون صورة غير حقيقية عنه ويساعدون على الإضرار بالأمة وإحاطتها بخسائر فادحة وهنا يلتقون مع أعداء الإسلام -من غير قصد- إن أي عدو للإسلام والمسلمين لن ينال منه ومنهم أكثر من صناعة الطغيان والفساد في الأرض، وذلك محصلة ما يفعله (العلماء)، إنهم يعقدون مؤتمراً لكنه لا يعرف له رقم، لم يوصف المؤتمر أنه العاشر أو الأول لأنه ليس بإرادتهم ولم يكن وارداً في أذهانهم ولأنهم ليسوا علماء ولا مؤتمرهم علمي ولا تنظيمي، فإن نتائج مؤتمرهم سينتهي دروشة، إنهم لن يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله فيختارون من بينهم قيادة علمية لاعتبارات علمية صرفة، بل إنهم سيعملون وفي أذهانهم ولي الأمر المقدس، فيعيدوا الجمعية الوهمية ويوكلونها لمن يريد الرئيس ولأنهم ليسوا علماء فجمعيتهم ومؤتمرهم خاليان من أي طابع علمي المفترض أن يكونوا رواداً في بناء مؤسسة قدوة، ولأنهم ليسوا علماء فإنهم لن يشكلوا من بينهم لجنة لتقويم أداء الرئيس والحكومة ويضعوا النقاط على الحروف وإحقاق الحق وإبطال الباطل.
إنهم لن يقولوا للرئيس معذرةً!! نحن لسنا خدماً تحت الطلب وليس بمقدورنا أن نطفئ حرائق أنتم السبب في إشعالها، ولأنهم دراويش وحسب -إلا من رحم الله- فإن مؤتمرهم ينتهي دون أثر يذكر إلا تكريس السلبية المفرطة وتعميم البلادة، إن من يشهد من يوصفون بالسلفيين ومن يوصفون بالصوفيين وهم يتبادلون التهم ويكرسون العداوة والبغضاء هو مشهد إدانة ينفي عنهم أي صفة للعلم.
http://www.nasspress.com/sub_detail.asp?s_no=1836