الحرب على صعدة 2007 - مقالات عن الأحداث
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1041
- اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm
تحية للمكلا وأناسها الطيبين
14/03/2007 م 08:33:58
محمد محمد المقالح
الإهداء إلى محمد الحامد ورفاقه في المنظمة
_____________________
مدينة المكلا تشهد حركة تجارية لا باس بها , والقادم إليها من صنعاء أو أي مدينة يمنية أخرى يلحظ وبسرعة التوسع العمراني الهائل وشيء من الجمال والنظافة في شوارعها وحدائقها العامة
أهل حضرموت عموما والمكلا خصوصا مدنيين بطبعهم وبسبب بيئتهم المفتوحة على البحر والسماء الزرقاء الصافية , لكن المدنية لها ضريبتها أيضا تدفع دائما بالشكوى و"الحشوش" من كل شيء وعلى كل شيء , وقد ذكرني هولاء بأبناء صنعاء القديمة الذين لم يستطيعوا عمل شيء تجاه الوافدين عليهم من ريفها سوى "القطقطة " وتداول النكات اللاذعة , على "القبيلي" الذي دخل من باب اليمن والحارس نائم وظل زنجبيل " بغباره" ومن غير "غسال" حتى اليوم .
احدهم تحدث عن واحد من إخواننا "الشماليين " كيف استولى على مقر الحزب في "...." ورفض الخروج منه منذ حرب صيف 1994م , إلا أن رفيقه نبهه إلى أن المحتل للمقر من "..." وليس من الشمال حينها كان دوري في الحديث قائلا هذا من "الأشقاء "وليس من "الأخوة" وضحكنا جميعا .
الشاهد في الحديث عن المكلا وأناسها الطيبين أنني كنت في الأسبوع الماضي ضيفا عليها وعلى أهلها وكانت المناسبة زيارة حزبية رافقت فيها الأخ أمين عام الحزب الاشتراكي, وقد كانت زيارة مفيدة وناجحة جعلتني أعود بمعنويات مرتفعة جدا واكتشف من جديد أن النشاط السياسي هو النزول الميداني إلى الناس وبدون هذا لا نشاط ولا نكذب على أنفسنا .
أبناء المكلا يشكون من الاستيلاء على الأراضي البيضاء من قبل النافذين والتجار وهي مشكلة حقيقية تعاني منها أيضا عدن والحديدة وتعز بعد أن أكمل النافذون جميع أراضي صنعاء بسطا وبيعا وكانت احد أهم أسباب ثرائهم غير المشروع .
في احد اللقاءات الموسعة بقيادات المشترك في مقر الحزب "السابق" تحدث قيادي إصلاحي منتقدا موقف المشترك من حرب صعدة قائلا "لا يجوز ياخوه أن تكتفوا ببيان يستنكر الحرب والعنف لا بد أن تبذلوا جهودا أكثر لإيقاف نزيف الدم اليمني والعمل على إصلاح ذات البين... فهذا بلدنا وهولا أهلنا في النهاية " وقد شجعني هذا إلى أن اطلب الميكرفون من الدكتور ياسين وأعلن من المكلا رفضي القاطع لهذه الحرب القذرة وأطالب الناس إلى رفع أصواتهم ضدها من المكلا ومن كل المحافظات وهو موقف سنستمر عليه ولن نتردد في قول كلمة الحق حول خطورة الحرب واستمرارها مهما كانت حدة التهديدات والأعمال الإرهابية .
لابد في الأخير أن اشكر الأخ المحافظ عبد القادر هلال الذي استقبلنا بأحسن الاستقبال واثبت للمرة الألف انه واحد من مسؤولي هذه السلطة المحترمين وهو رأي كثير من أبناء حضرموت أيضا .
http://aleshteraki.net/articles.php?act ... icleID=535
14/03/2007 م 08:33:58
محمد محمد المقالح
الإهداء إلى محمد الحامد ورفاقه في المنظمة
_____________________
مدينة المكلا تشهد حركة تجارية لا باس بها , والقادم إليها من صنعاء أو أي مدينة يمنية أخرى يلحظ وبسرعة التوسع العمراني الهائل وشيء من الجمال والنظافة في شوارعها وحدائقها العامة
أهل حضرموت عموما والمكلا خصوصا مدنيين بطبعهم وبسبب بيئتهم المفتوحة على البحر والسماء الزرقاء الصافية , لكن المدنية لها ضريبتها أيضا تدفع دائما بالشكوى و"الحشوش" من كل شيء وعلى كل شيء , وقد ذكرني هولاء بأبناء صنعاء القديمة الذين لم يستطيعوا عمل شيء تجاه الوافدين عليهم من ريفها سوى "القطقطة " وتداول النكات اللاذعة , على "القبيلي" الذي دخل من باب اليمن والحارس نائم وظل زنجبيل " بغباره" ومن غير "غسال" حتى اليوم .
احدهم تحدث عن واحد من إخواننا "الشماليين " كيف استولى على مقر الحزب في "...." ورفض الخروج منه منذ حرب صيف 1994م , إلا أن رفيقه نبهه إلى أن المحتل للمقر من "..." وليس من الشمال حينها كان دوري في الحديث قائلا هذا من "الأشقاء "وليس من "الأخوة" وضحكنا جميعا .
الشاهد في الحديث عن المكلا وأناسها الطيبين أنني كنت في الأسبوع الماضي ضيفا عليها وعلى أهلها وكانت المناسبة زيارة حزبية رافقت فيها الأخ أمين عام الحزب الاشتراكي, وقد كانت زيارة مفيدة وناجحة جعلتني أعود بمعنويات مرتفعة جدا واكتشف من جديد أن النشاط السياسي هو النزول الميداني إلى الناس وبدون هذا لا نشاط ولا نكذب على أنفسنا .
أبناء المكلا يشكون من الاستيلاء على الأراضي البيضاء من قبل النافذين والتجار وهي مشكلة حقيقية تعاني منها أيضا عدن والحديدة وتعز بعد أن أكمل النافذون جميع أراضي صنعاء بسطا وبيعا وكانت احد أهم أسباب ثرائهم غير المشروع .
في احد اللقاءات الموسعة بقيادات المشترك في مقر الحزب "السابق" تحدث قيادي إصلاحي منتقدا موقف المشترك من حرب صعدة قائلا "لا يجوز ياخوه أن تكتفوا ببيان يستنكر الحرب والعنف لا بد أن تبذلوا جهودا أكثر لإيقاف نزيف الدم اليمني والعمل على إصلاح ذات البين... فهذا بلدنا وهولا أهلنا في النهاية " وقد شجعني هذا إلى أن اطلب الميكرفون من الدكتور ياسين وأعلن من المكلا رفضي القاطع لهذه الحرب القذرة وأطالب الناس إلى رفع أصواتهم ضدها من المكلا ومن كل المحافظات وهو موقف سنستمر عليه ولن نتردد في قول كلمة الحق حول خطورة الحرب واستمرارها مهما كانت حدة التهديدات والأعمال الإرهابية .
لابد في الأخير أن اشكر الأخ المحافظ عبد القادر هلال الذي استقبلنا بأحسن الاستقبال واثبت للمرة الألف انه واحد من مسؤولي هذه السلطة المحترمين وهو رأي كثير من أبناء حضرموت أيضا .
http://aleshteraki.net/articles.php?act ... icleID=535
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .


-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
مهدي حامد: المذهبية خطر إقليمي يهدد عمق اليمن.. ماذا ربح الحوثيون من حرب صعدة؟
19/3/2007
مهدي حامد - ناس برس
تأتي ضرورة عملية تكبد المشاق وتقحم الصعاب وتحمل مخاطر السير في طريق مخيف لقناعات بأهمية الصبر على كل ذلك بغية الوصول إلى أهداف هي في الأساس تفوق بكثير جميع تلك المعانات والمخاطر..
أما أن تأتي هذه الطريق على القضاء على تلك القناعات وعلى من يحملونها قبل الوصول إلى أهدافهم فإنما يعد ذلك انعكاساً لضبابية الرؤية وخطأ في القصور وانحرافاً عن فهم الواقع والذي ربما حققت فيه الأهداف بوسائل أخرى وعبر طرق عديدة أقل صعوبة وأكثر أمناً.. ولكلٍ أسلوبه في اختيار الطرق المناسبة غير أن الطريق إلى فهم ما يدور بصعدة يبقى وبجدارة أمراً محيراً وصعب المنال..
أمام أرتال التناولات، وأكوام الآراء التي تباينت في أغلبها على خلفية الزاوية التي ينظر منها لقضية صعدة، وقد تكالب جهابذة الأقلام، ورواد الفكر، وعمالقة الصحافة والإعلام إلى البحث والتنقيب عما حجب خلف الستار مما يعتبرونه حقاً لا ضير في التوصل إليه والوقوف عليه، مع أنه لن يضيف شيئاً ذا بال عدا اشباع غرائز الفضول وطبائع البحث عن الممنوع، في ظل التعامل الرسمي للدولة وتعاطيها مع القضية وكأنها تخفي أسراراً طائلة.. وربما أنها لم تعد تمتلك ما تخفيه لأن كل طاقتها في الاحتفاظ بأسرارها لا تتعدى الأمد القصير، تصبح بعده شائعة ومعلومة لدى المهتمين ودونما جهد.. وإن كان فربما لازالت تحتفظ بعدد قليل من الوقائع والمسميات وحسب!..
وتبقى عملية الاحتياط الأمني وطرق التثبت لنقل الرواية، أمام التعتيم الإعلامي الرسمي والتوجه لتكميم الأقلام أو بمعنى أصح تحديد مساحة للكر والفر الصحفي وعدم تعدي السجال الخطوط الدائرة المرسومة عاملاً كبيراً في الشك في كل شيء حتى وإن كانت حقائق أساسية، ووقائع فعلية، إلا أنها تحشر في زاوية الاتهام وتشنق على منصات الريبة!
ومع كل ذلك فلم يعد مناسباً التمادي بشكل أكبر في الإصرار على كشف العورات، بالبحث عن أسباب القضية ودواعيها ومشجعيها بالدعم والتسهيلات الأخرى ضمن نطاق التوازنات واخفاقات اللعب بهذه الورقة منذ البداية والتأصيل لها محلياً عام 1984م مروراً بضم عدد كبير للمؤتمر وبتوجيه واحد صادر عن أمين عام مساعد سابق ألحق بموجبه أربعة ألف وقيل سبعة خلال عام 1997م وهو العام الذي تزامن فيه خروج الإصلاح من الائتلاف الحكومي وما تزامن معها كذلك من المتناقضات الرامية لتحجيم الآخر والقناعة بضرورة المناكفات السياسية والحزبية، كون الأولى هو التوجه لتطويق الوضع المتفاقم اليوم في صعدة وانعكاساته المختلفة، وخاصة أن معالجة الجراح أو المشاركة في منعها من الحدوث مقدم على الاهتمام بجراح الماضي، إلا لغرض أخذ العبرة والعظة وتأجيل ما عداه لأوقات منسابة مستقبلاً..
وأعتقد أن أغلب التناولات المختلفة كانت بمثابة الأحكام الجائرة لإغفالها عمداً بعض الحقائق بغرض تغليب طرف على الطرف الآخر فوقعت قاصدة فيما توجه من تهم لجهات إخفاء الحقائق والغموض السائد لتشارك في اتساع محيط الغموض عامدة، والمولى تبارك وتعالى يقول (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
بين حرية الفكر والتسلح:
ومع أني لا ألتقى مع الفكر الذي دعى إليه الحوثي وانتهجه مناصروه.. وسواء أكانوا من شيعة المذهب الزيدي أو الشيعة الاثنى عشرية أو غيرها فإنه لا يحق للدولة ضربهم مهما تذرعت من ذرائع على خلفية المذهب أو العنصر أو الفكر الذي يؤمنون به ويعتقدونه ما لم يخالف عقيدة المسلمين ودينهم ومبادئ الدستور والقانون خاصة في بلد ينتهج الديمقراطية والتعددية الحزبية ويكفل حرية الرأي وتساوي المواطنة لجميع أبنائه..
وأنصار الحوثي مواطنون يمنيون يسري عليهم ما يسري على غيرهم من حقوق وواجبات وفي نفس الوقت فالدولة غير ملزمة في أخذ الإذن من هذه الجهة أو تلك أو هذا الحزب أو ذاك أو استجداء الشرعية الشعبية أو الدستورية أو حتى الدينية من المواطنين والنواب والعلماء حتى تقوم بواجباتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار وبسط هيبة الدولة على كافة الأراضي اليمنية والأخذ على أيدي الخارجين على النظام والقانون ودستور البلد، سواء كان فرداً أو قبيلة أو جماعة أو طائفة أو حزباً سياسياً وإن حدث ذلك فإنما يعد زيادة في الخجل أو مبالغة في التخوف من حسابات الملامة..
وليس معنى ذلك التشجيع على استخدام القوة، في إنهاء القضية، فقد كنت ولا زلت أدعو إلى وقف نزيف الدم، وأتمنى التوصل إلى حلول سلمية مرضية وأن تحمل البلد من الأموال ما تحمل.. وكذلك لا يعني فشل المفاوضات والحلول السلمية أن تقف مكتوفة الأيدي.. وشخصيا أشعر بالحرج من تكرار المطالبة بوقف المواجهات وتعقب الدولة لأنصار الحوثي في الوقت الذي نسمع فيه تبريرها وردودها بالقيام باتباع جميع السبل من إتاحة الفرص للوساطات والعفو العام وتعويض المتضررين وإطلاق السجناء وغيره الأمر الذي أوهى تلك المطالب السلمية، كما أوهت موقف قيادة الشباب كذلك وسلبتهم الرد بالحجة القوية أمام مطلب واحد فقط وهو العودة إلى مجتمعاتهم وتسليم أسلحتهم المتوسطة والثقيلة والتي يعتبر الكثير أن عملية اقتنائها لا تزال غامضة وليس لها من مبرر منطقي حسب الآراء السائدة مؤخراً..
الحرب.. السلم والخسارة:
وليس من الأهمية بمكان التقصي حيال أسباب اشتعال المواجهات من جديد في 28 يناير الماضي سواءً أكان على خلفية طرد عدد من يهود آل سالم أو لأسباب الأخرى.. لأنه ومنذ إعلان وقف إطلاق النار قبل عام وإعلان العفو العام وما ترتب عليه من إجراءات، وغالبية الناس في صعدة مدنيين وعسكريين على يقين بثورة الحرب مجدداً عاجلاً أو آجلا ولسبب أو لآخر بناء على معطيات ومؤشرات كانت تلاحظ من وقت لآخر على أرض الواقع.
وكنت فيما مضى وإثر انتهاء حرب مران وقبول عبدالله عيظة الرزامي للصلح ولمساعي الوساطة قد أشرت في مقال حينها بأنه الرجل الأكثر حكمة هو ومن تبقى معه في الرزامات مديرية الصفراء من الأنصار وبقية العناصر القيادية لتنظيم الشباب لأنه بذلك جنبهم المزيد من تكبد الخسائر وسيفتح أمامهم أبوابا من المكاسب العديدة أهمها ضمان عدم تضييق نشر أفكارهم بصورة سلمية.. وقد كانت تلك فرصة بالإمكان اغتنامها سلمياً وبعيداً عن عناء القتال مرة أخرى. ولا أرى أن تنظيم الشباب حقق مكاسب أفضل من خلال المواجهات التي خاضها في حرب الرزامات إثر مقابلة الوسط مع العلامة بدر الدين الحوثي غير الخسائر في العناصر والمساكن وخروجهم من بلادهم وتحمل أعباء تجميع من تبقى وإعادة بناء التنظيم من مقره الجديد في جبال فرد بنقعه.. ويخوضون اليوم مواجهات جديدة.. لن يصلوا في نهايتها إلا إلى نهاية التنظيم ولو أن الحرب السابقة حققت لهم شيئاً من المكاسب لقلنا باحتمال تحقيقهم شيئاً مماثلا في حرب اليوم.
وأرى أن قرار استئناف التصدي المسلح للدولة أغفل بشكل كبير فقه الواقع وأفضلية المقارنة بين الأمرين. وما خير الحبيب صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ويجزم الكثير أن هذا القرار سيجني خسائر طائلة على التنظيم لن تطال المسلحين فقط بل ستمتد إلى البقية وربما انسحبت على المذهب الزيدي.. فهل ستحقق عملية الاحتفاظ بالأسلحة الثقيلة وعدم تسليمها للدولة كل ذلك؟ فربما بقي الرهان على أشياء لازالت مبهمة.. وربما قيل: لن نهزم اليوم من قلة..
وعليه فإن أنصار الحوثي سيكونون قادرين على إلحاق خسائر فادحة بالقوات المسلحة في الأرواح والمعدات سواء من خلال المواجهات أو من خلال العمليات الخاطفة، وبث الذعر من خلال تسريب الأنباء عن مدى تسلحهم وإعدادهم وصمود أتباعهم، بالإضافة إلى ما تتركه عملية استهداف المشايخ والشخصيات التي تقف ضدهم مع الدولة من أثر بالغ على نفسيات الآخرين.
ومع كل هذا وغيره فإن الأمر لن يتعدى أكثر من القدرة على إطالة فترة المواجهة والصمود لوقت أطول من المتوقع، فلم يسمع أحد بقول أو بالإشارة إلى احتمال التغلب على جيش وقوات مسلحة بنيت على مدى نصف قرن من الزمن وتتجه الترتيبات العسكرية وجهة عزل مناطق المواجهة عن بعضها وقطع الإمدادات عن التحصينات ووقف عمليات الانتقال بين المناطق وضمان العكس تماما بالنسبة للجيش من خلال استقدام أعداد وتعزيزات كبيرة وإشراك قبائل المحافظة في حراسة مناطقهم لوقف الضربات التي قد يتلقاها أفراد الجيش من خلال اختراق أراضيهم ومناطقهم وبذلك تتجاوز أغلب الخسائر المتوقعة في الأرواح.
وبهذا فإن الاستفادة من العفو العام كانت أجدى نفعا لتنظيم الشباب وإن سلمت الأسلحة الثقيلة حيث أنه سيوازيها التأكيد على ضمانات أمنية أكيدة لما يتخوفون منه ومن ثم الاستمرار في أنشطتهم بعيداً عن التحصينات التي ستسلبهم عملية التمترس بها كل تلك الميزات.. وخسارة المسلمين أفدح من مكاسب ضرب القاعدة لأبراج واشنطن وفيها عبرة..
قبل الندم:
في حرب مران الأولى تمكن أغلب المشايخ من تبرير موقفهم إلى اغفالهم وعدم الاعتماد عليهم، وحمل وزر الحرب كاملة وتفاقم الوضع فيما تلاها من حروب العميد يحيى علي العمري محافظ صعدة آن ذاك، وقد اتضح اليوم وبعد نقل العمري أنه ليس له ذنب سوى اكتشافه للخطر الداهم من مران.. ويعول الآن على دور المشايخ فيما لم يعد لبعضهم أي امتيازات لدى غالبية قبائلهم، لما للقضية من طابع ديني ينتهي في نهاية المطاف بأحضان كبار العلماء.
ومع الاحتفاظ بدور مناسب لهم أرجع فأقول بضرورة الاصطفاف الوطني من الجميع لاحتواء وتحجيم الفتنة المذهبية التي أضحت ماثلة للعيان يوما عن يوم ولن تتوقف حتى تصبح حرباً فكرية ولعشرات السنين حتى وإن سيطرت الدولة على الموقف وحسمت الحرب..
وليس موقف بعض الأحزاب والتنظيمات المدنية بأفضل حالاً من موقف المشايخ أو على الأقل بعضهم حيث قدموا انتقادهم بعدم دعوتهم لبحث القضية وأسبابها وحلولها كونه لو تم ذلك ورفض أنصار الحوثي ما توصل إليه اجماعا لكان موقفها مغايراً لما هو عليه الحال، ومع احترام موقف المعارضة إلا أنها لم تحاول ولو مجرد المحاولة لتحمل أعباء البحث عن حلول من خلال دراسة شافية للقضية ومن منطلق وطني.. فيما الحكومة تؤكد استنفاذها لجميع السبل السلمية لإنهاء الفتنة ولكن دون جدوى.. وهذا محسوب لها إلا أنه لا ينسى لها الوقوع في بعض الاخفاقات التي ينبغي تداركها مستقبلا..
الفتنة المذهبية المطلة بقرونها تبشر قريبا بواقع قمة في السوء ربما تبحث أطراف لتعزيز مواقفها عبر امتدادات خارجية لن تكون محمودة، بكل المقاسات. وأن كبار علماء الأمة اليمنية لن يكونوا حينها بعيداً عن ذنب سكوتهم اليوم.. ولزاما اعود مؤكداً على ضرورة وأهمية موقف علماء الزيدية من ذلك التضارب حيال تحديد الموقف من أفكار الحوثيين والذي يأتي إما تجسيداً لما بينهم من خلاف أو تغليبا للمصلحة بغية التخفيف من المسئولية على أبناء الزيدية حيناً وذلك بنفي نسبة أفكار الحوثي للمذهب الزيدي أو علاقتها به تارة.. وتارة للتخفيف على أنصار الحوثي من خلال نفي ارتباطهم بالاثنى عشرية وتأكيد قدوم أفكارهم من عمق الأصول الهادوية للمذهب.
وإن كان العجز قد وقف حجر عثرة أمام جميع الفعاليات المدنية والحزبية والعلماء والمشايخ والوجهاء والنواب وقادة الفكر من تقديم حلول سلمية لفتنة صعدة وأحداثها في عملية كساح لم تشهد البلد مثيلا لها.. إلا أننا نطمع في حكمة اليمانيين التي لن تعقم حلولاً مثلى من شأنها احتواء الفتنة المذهبية وتجفيف منابعها قبل أن يأتي يوم لا ينفع النادمون فيه ندمهم!
http://nasspress.com/sub_detail.asp?s_no=1752
19/3/2007
مهدي حامد - ناس برس
تأتي ضرورة عملية تكبد المشاق وتقحم الصعاب وتحمل مخاطر السير في طريق مخيف لقناعات بأهمية الصبر على كل ذلك بغية الوصول إلى أهداف هي في الأساس تفوق بكثير جميع تلك المعانات والمخاطر..
أما أن تأتي هذه الطريق على القضاء على تلك القناعات وعلى من يحملونها قبل الوصول إلى أهدافهم فإنما يعد ذلك انعكاساً لضبابية الرؤية وخطأ في القصور وانحرافاً عن فهم الواقع والذي ربما حققت فيه الأهداف بوسائل أخرى وعبر طرق عديدة أقل صعوبة وأكثر أمناً.. ولكلٍ أسلوبه في اختيار الطرق المناسبة غير أن الطريق إلى فهم ما يدور بصعدة يبقى وبجدارة أمراً محيراً وصعب المنال..
أمام أرتال التناولات، وأكوام الآراء التي تباينت في أغلبها على خلفية الزاوية التي ينظر منها لقضية صعدة، وقد تكالب جهابذة الأقلام، ورواد الفكر، وعمالقة الصحافة والإعلام إلى البحث والتنقيب عما حجب خلف الستار مما يعتبرونه حقاً لا ضير في التوصل إليه والوقوف عليه، مع أنه لن يضيف شيئاً ذا بال عدا اشباع غرائز الفضول وطبائع البحث عن الممنوع، في ظل التعامل الرسمي للدولة وتعاطيها مع القضية وكأنها تخفي أسراراً طائلة.. وربما أنها لم تعد تمتلك ما تخفيه لأن كل طاقتها في الاحتفاظ بأسرارها لا تتعدى الأمد القصير، تصبح بعده شائعة ومعلومة لدى المهتمين ودونما جهد.. وإن كان فربما لازالت تحتفظ بعدد قليل من الوقائع والمسميات وحسب!..
وتبقى عملية الاحتياط الأمني وطرق التثبت لنقل الرواية، أمام التعتيم الإعلامي الرسمي والتوجه لتكميم الأقلام أو بمعنى أصح تحديد مساحة للكر والفر الصحفي وعدم تعدي السجال الخطوط الدائرة المرسومة عاملاً كبيراً في الشك في كل شيء حتى وإن كانت حقائق أساسية، ووقائع فعلية، إلا أنها تحشر في زاوية الاتهام وتشنق على منصات الريبة!
ومع كل ذلك فلم يعد مناسباً التمادي بشكل أكبر في الإصرار على كشف العورات، بالبحث عن أسباب القضية ودواعيها ومشجعيها بالدعم والتسهيلات الأخرى ضمن نطاق التوازنات واخفاقات اللعب بهذه الورقة منذ البداية والتأصيل لها محلياً عام 1984م مروراً بضم عدد كبير للمؤتمر وبتوجيه واحد صادر عن أمين عام مساعد سابق ألحق بموجبه أربعة ألف وقيل سبعة خلال عام 1997م وهو العام الذي تزامن فيه خروج الإصلاح من الائتلاف الحكومي وما تزامن معها كذلك من المتناقضات الرامية لتحجيم الآخر والقناعة بضرورة المناكفات السياسية والحزبية، كون الأولى هو التوجه لتطويق الوضع المتفاقم اليوم في صعدة وانعكاساته المختلفة، وخاصة أن معالجة الجراح أو المشاركة في منعها من الحدوث مقدم على الاهتمام بجراح الماضي، إلا لغرض أخذ العبرة والعظة وتأجيل ما عداه لأوقات منسابة مستقبلاً..
وأعتقد أن أغلب التناولات المختلفة كانت بمثابة الأحكام الجائرة لإغفالها عمداً بعض الحقائق بغرض تغليب طرف على الطرف الآخر فوقعت قاصدة فيما توجه من تهم لجهات إخفاء الحقائق والغموض السائد لتشارك في اتساع محيط الغموض عامدة، والمولى تبارك وتعالى يقول (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
بين حرية الفكر والتسلح:
ومع أني لا ألتقى مع الفكر الذي دعى إليه الحوثي وانتهجه مناصروه.. وسواء أكانوا من شيعة المذهب الزيدي أو الشيعة الاثنى عشرية أو غيرها فإنه لا يحق للدولة ضربهم مهما تذرعت من ذرائع على خلفية المذهب أو العنصر أو الفكر الذي يؤمنون به ويعتقدونه ما لم يخالف عقيدة المسلمين ودينهم ومبادئ الدستور والقانون خاصة في بلد ينتهج الديمقراطية والتعددية الحزبية ويكفل حرية الرأي وتساوي المواطنة لجميع أبنائه..
وأنصار الحوثي مواطنون يمنيون يسري عليهم ما يسري على غيرهم من حقوق وواجبات وفي نفس الوقت فالدولة غير ملزمة في أخذ الإذن من هذه الجهة أو تلك أو هذا الحزب أو ذاك أو استجداء الشرعية الشعبية أو الدستورية أو حتى الدينية من المواطنين والنواب والعلماء حتى تقوم بواجباتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار وبسط هيبة الدولة على كافة الأراضي اليمنية والأخذ على أيدي الخارجين على النظام والقانون ودستور البلد، سواء كان فرداً أو قبيلة أو جماعة أو طائفة أو حزباً سياسياً وإن حدث ذلك فإنما يعد زيادة في الخجل أو مبالغة في التخوف من حسابات الملامة..
وليس معنى ذلك التشجيع على استخدام القوة، في إنهاء القضية، فقد كنت ولا زلت أدعو إلى وقف نزيف الدم، وأتمنى التوصل إلى حلول سلمية مرضية وأن تحمل البلد من الأموال ما تحمل.. وكذلك لا يعني فشل المفاوضات والحلول السلمية أن تقف مكتوفة الأيدي.. وشخصيا أشعر بالحرج من تكرار المطالبة بوقف المواجهات وتعقب الدولة لأنصار الحوثي في الوقت الذي نسمع فيه تبريرها وردودها بالقيام باتباع جميع السبل من إتاحة الفرص للوساطات والعفو العام وتعويض المتضررين وإطلاق السجناء وغيره الأمر الذي أوهى تلك المطالب السلمية، كما أوهت موقف قيادة الشباب كذلك وسلبتهم الرد بالحجة القوية أمام مطلب واحد فقط وهو العودة إلى مجتمعاتهم وتسليم أسلحتهم المتوسطة والثقيلة والتي يعتبر الكثير أن عملية اقتنائها لا تزال غامضة وليس لها من مبرر منطقي حسب الآراء السائدة مؤخراً..
الحرب.. السلم والخسارة:
وليس من الأهمية بمكان التقصي حيال أسباب اشتعال المواجهات من جديد في 28 يناير الماضي سواءً أكان على خلفية طرد عدد من يهود آل سالم أو لأسباب الأخرى.. لأنه ومنذ إعلان وقف إطلاق النار قبل عام وإعلان العفو العام وما ترتب عليه من إجراءات، وغالبية الناس في صعدة مدنيين وعسكريين على يقين بثورة الحرب مجدداً عاجلاً أو آجلا ولسبب أو لآخر بناء على معطيات ومؤشرات كانت تلاحظ من وقت لآخر على أرض الواقع.
وكنت فيما مضى وإثر انتهاء حرب مران وقبول عبدالله عيظة الرزامي للصلح ولمساعي الوساطة قد أشرت في مقال حينها بأنه الرجل الأكثر حكمة هو ومن تبقى معه في الرزامات مديرية الصفراء من الأنصار وبقية العناصر القيادية لتنظيم الشباب لأنه بذلك جنبهم المزيد من تكبد الخسائر وسيفتح أمامهم أبوابا من المكاسب العديدة أهمها ضمان عدم تضييق نشر أفكارهم بصورة سلمية.. وقد كانت تلك فرصة بالإمكان اغتنامها سلمياً وبعيداً عن عناء القتال مرة أخرى. ولا أرى أن تنظيم الشباب حقق مكاسب أفضل من خلال المواجهات التي خاضها في حرب الرزامات إثر مقابلة الوسط مع العلامة بدر الدين الحوثي غير الخسائر في العناصر والمساكن وخروجهم من بلادهم وتحمل أعباء تجميع من تبقى وإعادة بناء التنظيم من مقره الجديد في جبال فرد بنقعه.. ويخوضون اليوم مواجهات جديدة.. لن يصلوا في نهايتها إلا إلى نهاية التنظيم ولو أن الحرب السابقة حققت لهم شيئاً من المكاسب لقلنا باحتمال تحقيقهم شيئاً مماثلا في حرب اليوم.
وأرى أن قرار استئناف التصدي المسلح للدولة أغفل بشكل كبير فقه الواقع وأفضلية المقارنة بين الأمرين. وما خير الحبيب صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ويجزم الكثير أن هذا القرار سيجني خسائر طائلة على التنظيم لن تطال المسلحين فقط بل ستمتد إلى البقية وربما انسحبت على المذهب الزيدي.. فهل ستحقق عملية الاحتفاظ بالأسلحة الثقيلة وعدم تسليمها للدولة كل ذلك؟ فربما بقي الرهان على أشياء لازالت مبهمة.. وربما قيل: لن نهزم اليوم من قلة..
وعليه فإن أنصار الحوثي سيكونون قادرين على إلحاق خسائر فادحة بالقوات المسلحة في الأرواح والمعدات سواء من خلال المواجهات أو من خلال العمليات الخاطفة، وبث الذعر من خلال تسريب الأنباء عن مدى تسلحهم وإعدادهم وصمود أتباعهم، بالإضافة إلى ما تتركه عملية استهداف المشايخ والشخصيات التي تقف ضدهم مع الدولة من أثر بالغ على نفسيات الآخرين.
ومع كل هذا وغيره فإن الأمر لن يتعدى أكثر من القدرة على إطالة فترة المواجهة والصمود لوقت أطول من المتوقع، فلم يسمع أحد بقول أو بالإشارة إلى احتمال التغلب على جيش وقوات مسلحة بنيت على مدى نصف قرن من الزمن وتتجه الترتيبات العسكرية وجهة عزل مناطق المواجهة عن بعضها وقطع الإمدادات عن التحصينات ووقف عمليات الانتقال بين المناطق وضمان العكس تماما بالنسبة للجيش من خلال استقدام أعداد وتعزيزات كبيرة وإشراك قبائل المحافظة في حراسة مناطقهم لوقف الضربات التي قد يتلقاها أفراد الجيش من خلال اختراق أراضيهم ومناطقهم وبذلك تتجاوز أغلب الخسائر المتوقعة في الأرواح.
وبهذا فإن الاستفادة من العفو العام كانت أجدى نفعا لتنظيم الشباب وإن سلمت الأسلحة الثقيلة حيث أنه سيوازيها التأكيد على ضمانات أمنية أكيدة لما يتخوفون منه ومن ثم الاستمرار في أنشطتهم بعيداً عن التحصينات التي ستسلبهم عملية التمترس بها كل تلك الميزات.. وخسارة المسلمين أفدح من مكاسب ضرب القاعدة لأبراج واشنطن وفيها عبرة..
قبل الندم:
في حرب مران الأولى تمكن أغلب المشايخ من تبرير موقفهم إلى اغفالهم وعدم الاعتماد عليهم، وحمل وزر الحرب كاملة وتفاقم الوضع فيما تلاها من حروب العميد يحيى علي العمري محافظ صعدة آن ذاك، وقد اتضح اليوم وبعد نقل العمري أنه ليس له ذنب سوى اكتشافه للخطر الداهم من مران.. ويعول الآن على دور المشايخ فيما لم يعد لبعضهم أي امتيازات لدى غالبية قبائلهم، لما للقضية من طابع ديني ينتهي في نهاية المطاف بأحضان كبار العلماء.
ومع الاحتفاظ بدور مناسب لهم أرجع فأقول بضرورة الاصطفاف الوطني من الجميع لاحتواء وتحجيم الفتنة المذهبية التي أضحت ماثلة للعيان يوما عن يوم ولن تتوقف حتى تصبح حرباً فكرية ولعشرات السنين حتى وإن سيطرت الدولة على الموقف وحسمت الحرب..
وليس موقف بعض الأحزاب والتنظيمات المدنية بأفضل حالاً من موقف المشايخ أو على الأقل بعضهم حيث قدموا انتقادهم بعدم دعوتهم لبحث القضية وأسبابها وحلولها كونه لو تم ذلك ورفض أنصار الحوثي ما توصل إليه اجماعا لكان موقفها مغايراً لما هو عليه الحال، ومع احترام موقف المعارضة إلا أنها لم تحاول ولو مجرد المحاولة لتحمل أعباء البحث عن حلول من خلال دراسة شافية للقضية ومن منطلق وطني.. فيما الحكومة تؤكد استنفاذها لجميع السبل السلمية لإنهاء الفتنة ولكن دون جدوى.. وهذا محسوب لها إلا أنه لا ينسى لها الوقوع في بعض الاخفاقات التي ينبغي تداركها مستقبلا..
الفتنة المذهبية المطلة بقرونها تبشر قريبا بواقع قمة في السوء ربما تبحث أطراف لتعزيز مواقفها عبر امتدادات خارجية لن تكون محمودة، بكل المقاسات. وأن كبار علماء الأمة اليمنية لن يكونوا حينها بعيداً عن ذنب سكوتهم اليوم.. ولزاما اعود مؤكداً على ضرورة وأهمية موقف علماء الزيدية من ذلك التضارب حيال تحديد الموقف من أفكار الحوثيين والذي يأتي إما تجسيداً لما بينهم من خلاف أو تغليبا للمصلحة بغية التخفيف من المسئولية على أبناء الزيدية حيناً وذلك بنفي نسبة أفكار الحوثي للمذهب الزيدي أو علاقتها به تارة.. وتارة للتخفيف على أنصار الحوثي من خلال نفي ارتباطهم بالاثنى عشرية وتأكيد قدوم أفكارهم من عمق الأصول الهادوية للمذهب.
وإن كان العجز قد وقف حجر عثرة أمام جميع الفعاليات المدنية والحزبية والعلماء والمشايخ والوجهاء والنواب وقادة الفكر من تقديم حلول سلمية لفتنة صعدة وأحداثها في عملية كساح لم تشهد البلد مثيلا لها.. إلا أننا نطمع في حكمة اليمانيين التي لن تعقم حلولاً مثلى من شأنها احتواء الفتنة المذهبية وتجفيف منابعها قبل أن يأتي يوم لا ينفع النادمون فيه ندمهم!
http://nasspress.com/sub_detail.asp?s_no=1752
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
حرب صعدة: البحث عن عدو
22/03/2007
عبد الله علي صبري- نيوزيمن:
لست بصدد تحليل أسباب وتداعيات ومآلات حرب صعدة، فعندما تتكلم الرصاص يبهت دور القلم وتتراجع مكانة العقل والعقلاء، وتصبح دعوات إيقاف الحرب رأس الحكمة بلا ريب، ذلك أن الإحتراب الداخلي لا يولد طرفاً منتصراً، فالهزيمة تطال طرفي الحرب الأهلية، ولا توفر خسائرها أحداً من المتفرجين عليها.
وللجرح النازف في صعدة تداعيات تشمل سائر الجسم اليمني سلطة ومعارضة حكومة وشعباً مدنيين وعسكريين ذكوراً وأناثاً شباباً وأطفالاً, وحتى تجار الحروب الذين ينظر إليهم كمستفيدين من هذه الحرب ، فقد جلبوا لأنفسهم فوبيا الثأر في مجتمع قبلي شعاره : النار لا العار!
الموت لليمنيين
كراهة الحوثيين لأمريكا لا تحتاج إلى تفسير، فالسياسات الأمريكية العدوانية قد أججت مشاعر العداء في المنطقة بأكملها، وفي ظل هذا المناخ يحظى كل صوت مقاوم لأمريكا بتأييد شعبي كبير .
وفي هذه الأجواء تمكن شعار " الموت لأمريكا " بالانتشار سريعاً في الساحة اليمنية، وهو الشعار الذي أعتنقه حسين الحوثي وأتباعه ، ورأت فيه السلطات اليمنية ضرراً على مصالحها وعلاقاتها الخارجية.
وفي لحظة غباء تصدرها الحمقى اندلعت شرارة المواجهات فكان الموت لليمنيين وحدهم .
وإذا كان أتباع الحوثي العقائديين يرون في التنازل عن الشعار خيانة للقضية ، فإنهم يتناسون أن الخوارج الذين انشقوا على الامام علي قد رفعوا في وجهه شعار " إن الحكم الا لله " وكان رد الإمام : كلمة حق يراد بها باطل !
لقد هيأت " الحوثية " أتباعها لمواجهة مسلحة مع الأمريكان إذا ما وطأت أقدامهم أرض اليمن، وذلك على غرار المقاومة الشعبية في العراق ولبنان وفلسطين، ولما وجدوا أنفسهم في مأزق مع قوات الجيش الرسمي للبلاد، أضفوا المسحة العقائدية على الحرب باعتبار أن الجيش – في نظرهم – يقاتلهم بالنيابة عن أمريكا !
وفي المقابل رأت السلطات في مواجهة الحوثيين مدخلاً لجلب الدعم الأمريكي الذي بات منذ أحداث الحادي عشر يتعامل بتفاعل شديد مع المشكلات الأمنية للدول المتهمة باحتضان الإرهابيين !
لقد وجد كلا الطرفين في الآخر عدواً ، فكان من الطبيعي أن تتكرر المواجهات للمرة الثالثة دولة النفوذ وإذا كانت السلطة قد رفعت شعار " نفوذ الدولة " في حرب صعدة ، فيمكن اعتبار الشعار أيضاً : كلمة حق يراد بها باطل ، فنفوذ الدولة لا يتحقق بالسيطرة العسكرية فقط ، ثم أليس من العيب الحديث عن بسط نفوذ الدولة بعد خمسة وأربعين عاماً من قيام الثورة ؟ أين كانت الدولة إذاً ؟ ومن المؤسف أن انتشار السلاح الخفيف والثقيل لا يقتصر على قبيلة دون أخرى ، فالمجتمع القبلي مدجج بالسلاح وكثير من المشائخ يمتلكون الأسلحة الثقيلة ويستخدمونها في حروبهم القبلية ، بدليل ما حدث مؤخراً بين آل عواض وسنحان على مقربة من دار الرئاسة.
وما يؤسف له أيضا أن السلطة وهي تحارب من تصفهم بالمتمردين على الدولة لا تكتفي بالشرعية الدستورية ، بل تلجأ إلى القبائل والعلماء لإخضاع الخارجين عن طاعة الحاكم ، وهي بذلك تسهم في تقويض شرعية الحرب وتمنح من يرفضها مبررات وجيهة ، فما هي شرعية تجييش القبائل ؟ ولماذا يستمرىء الإعلام الرسمي الحديث عن المذهب الديني لأتباع وأنصار الحوثي وكأنما نحن أمام حرب دينية لا تستهدف بسط النفوذ العسكري للدولة فحسب ،بل بسط نفوذ مذهب ديني بعينه في منطقة صعدة !
الحوار مجدداً
تداعيات الحرب لم تقف عن حد ، فعوضاً عن الاعتقالات العشوائية ، وتهديد الصحفيين ، وإيقاف موقع الشورى نت ثم إلغاء حزب الحق ، والإجراءات التي استهدفت اتحاد القوى الشعبية من قبل.. فإن الحرب – وهذا الأهم – خلفت ضحايا بالمئات ، وجلبت لأسر الضحايا من أبناء الجيش وأبناء صعدة أحزاناً لا متناهية في ظل تعتيم إعلامي لا يمنح الحكماء في الداخل والخارج فرصة التدخل لإيقاف سعير الحرب .
بيد أن منظمة هود ومنتدى الإعلاميات اليمنيات قررتا كسر حاجز الصمت ، فكانت فعالية الأحد الماضي تحت شعار " معاً ضد الحرب " المبادرة الوطنية الأولى التي أطلقت عنان العقل والضمير بهدف البحث عن آلية لإيقاف الحرب والاتفاق على حل شامل لهذه المأساة.
وليس بالضرورة أن يأتي إيقاف الحرب كنتيجة لحوار أو تفاوض بين طرفيها إنما من المهم جداً أن ينتج عن هذه الحرب حوار وطني يبحث في بناء الدولة وموقع السلاح ، ودور المذاهب ،وحقوق المواطنة .. وما إلى ذلك , وإذا كان المؤتمر الشعبي العام قد دشن هذا الأسبوع حوارا مع الأحزاب السياسية فمن المهم أن تكون حرب صعدة أحد أجندة هذا الحوار لا بهدف توسيع دائرة المؤيدين للسلطة ولكن بهدف العمل على وقف نزيف الدم اليمني والبحث عن حل شامل يعزز أمن واستقرار البلاد و يساعد على إنجاح محاولات إنعاش الاقتصاد اليمني ويجنب اليمن مخاوف تحويل صعده إلى دارفور أخرى الحرية للنهمي من تداعيات حرب صعدة المشئومة أنها أودت بالكثيرين إلى المعتقلات والسجون ومن هؤلاء الكاتب والأديب احمد صالح النهمي استاذ اللغة العربية بجامعة ذمار ومقرر مجلس شورى اتحاد القوى الشعبية ويقبع إلى جواره ما يقارب الخمسين معتقلا في السجن المركزي بذمار دونما مسوغات قانونية تبرر اعتقالهم.
الحرية لأحمد النهمي ولكل معتقل ظلما خارج القانون. ولاحول ولاقوة إلا بالله
a-a-sabari@maktoob.com
http://newsyemen.net/view_news.asp?sub_ ... 3_22_12564
22/03/2007
عبد الله علي صبري- نيوزيمن:
لست بصدد تحليل أسباب وتداعيات ومآلات حرب صعدة، فعندما تتكلم الرصاص يبهت دور القلم وتتراجع مكانة العقل والعقلاء، وتصبح دعوات إيقاف الحرب رأس الحكمة بلا ريب، ذلك أن الإحتراب الداخلي لا يولد طرفاً منتصراً، فالهزيمة تطال طرفي الحرب الأهلية، ولا توفر خسائرها أحداً من المتفرجين عليها.
وللجرح النازف في صعدة تداعيات تشمل سائر الجسم اليمني سلطة ومعارضة حكومة وشعباً مدنيين وعسكريين ذكوراً وأناثاً شباباً وأطفالاً, وحتى تجار الحروب الذين ينظر إليهم كمستفيدين من هذه الحرب ، فقد جلبوا لأنفسهم فوبيا الثأر في مجتمع قبلي شعاره : النار لا العار!
الموت لليمنيين
كراهة الحوثيين لأمريكا لا تحتاج إلى تفسير، فالسياسات الأمريكية العدوانية قد أججت مشاعر العداء في المنطقة بأكملها، وفي ظل هذا المناخ يحظى كل صوت مقاوم لأمريكا بتأييد شعبي كبير .
وفي هذه الأجواء تمكن شعار " الموت لأمريكا " بالانتشار سريعاً في الساحة اليمنية، وهو الشعار الذي أعتنقه حسين الحوثي وأتباعه ، ورأت فيه السلطات اليمنية ضرراً على مصالحها وعلاقاتها الخارجية.
وفي لحظة غباء تصدرها الحمقى اندلعت شرارة المواجهات فكان الموت لليمنيين وحدهم .
وإذا كان أتباع الحوثي العقائديين يرون في التنازل عن الشعار خيانة للقضية ، فإنهم يتناسون أن الخوارج الذين انشقوا على الامام علي قد رفعوا في وجهه شعار " إن الحكم الا لله " وكان رد الإمام : كلمة حق يراد بها باطل !
لقد هيأت " الحوثية " أتباعها لمواجهة مسلحة مع الأمريكان إذا ما وطأت أقدامهم أرض اليمن، وذلك على غرار المقاومة الشعبية في العراق ولبنان وفلسطين، ولما وجدوا أنفسهم في مأزق مع قوات الجيش الرسمي للبلاد، أضفوا المسحة العقائدية على الحرب باعتبار أن الجيش – في نظرهم – يقاتلهم بالنيابة عن أمريكا !
وفي المقابل رأت السلطات في مواجهة الحوثيين مدخلاً لجلب الدعم الأمريكي الذي بات منذ أحداث الحادي عشر يتعامل بتفاعل شديد مع المشكلات الأمنية للدول المتهمة باحتضان الإرهابيين !
لقد وجد كلا الطرفين في الآخر عدواً ، فكان من الطبيعي أن تتكرر المواجهات للمرة الثالثة دولة النفوذ وإذا كانت السلطة قد رفعت شعار " نفوذ الدولة " في حرب صعدة ، فيمكن اعتبار الشعار أيضاً : كلمة حق يراد بها باطل ، فنفوذ الدولة لا يتحقق بالسيطرة العسكرية فقط ، ثم أليس من العيب الحديث عن بسط نفوذ الدولة بعد خمسة وأربعين عاماً من قيام الثورة ؟ أين كانت الدولة إذاً ؟ ومن المؤسف أن انتشار السلاح الخفيف والثقيل لا يقتصر على قبيلة دون أخرى ، فالمجتمع القبلي مدجج بالسلاح وكثير من المشائخ يمتلكون الأسلحة الثقيلة ويستخدمونها في حروبهم القبلية ، بدليل ما حدث مؤخراً بين آل عواض وسنحان على مقربة من دار الرئاسة.
وما يؤسف له أيضا أن السلطة وهي تحارب من تصفهم بالمتمردين على الدولة لا تكتفي بالشرعية الدستورية ، بل تلجأ إلى القبائل والعلماء لإخضاع الخارجين عن طاعة الحاكم ، وهي بذلك تسهم في تقويض شرعية الحرب وتمنح من يرفضها مبررات وجيهة ، فما هي شرعية تجييش القبائل ؟ ولماذا يستمرىء الإعلام الرسمي الحديث عن المذهب الديني لأتباع وأنصار الحوثي وكأنما نحن أمام حرب دينية لا تستهدف بسط النفوذ العسكري للدولة فحسب ،بل بسط نفوذ مذهب ديني بعينه في منطقة صعدة !
الحوار مجدداً
تداعيات الحرب لم تقف عن حد ، فعوضاً عن الاعتقالات العشوائية ، وتهديد الصحفيين ، وإيقاف موقع الشورى نت ثم إلغاء حزب الحق ، والإجراءات التي استهدفت اتحاد القوى الشعبية من قبل.. فإن الحرب – وهذا الأهم – خلفت ضحايا بالمئات ، وجلبت لأسر الضحايا من أبناء الجيش وأبناء صعدة أحزاناً لا متناهية في ظل تعتيم إعلامي لا يمنح الحكماء في الداخل والخارج فرصة التدخل لإيقاف سعير الحرب .
بيد أن منظمة هود ومنتدى الإعلاميات اليمنيات قررتا كسر حاجز الصمت ، فكانت فعالية الأحد الماضي تحت شعار " معاً ضد الحرب " المبادرة الوطنية الأولى التي أطلقت عنان العقل والضمير بهدف البحث عن آلية لإيقاف الحرب والاتفاق على حل شامل لهذه المأساة.
وليس بالضرورة أن يأتي إيقاف الحرب كنتيجة لحوار أو تفاوض بين طرفيها إنما من المهم جداً أن ينتج عن هذه الحرب حوار وطني يبحث في بناء الدولة وموقع السلاح ، ودور المذاهب ،وحقوق المواطنة .. وما إلى ذلك , وإذا كان المؤتمر الشعبي العام قد دشن هذا الأسبوع حوارا مع الأحزاب السياسية فمن المهم أن تكون حرب صعدة أحد أجندة هذا الحوار لا بهدف توسيع دائرة المؤيدين للسلطة ولكن بهدف العمل على وقف نزيف الدم اليمني والبحث عن حل شامل يعزز أمن واستقرار البلاد و يساعد على إنجاح محاولات إنعاش الاقتصاد اليمني ويجنب اليمن مخاوف تحويل صعده إلى دارفور أخرى الحرية للنهمي من تداعيات حرب صعدة المشئومة أنها أودت بالكثيرين إلى المعتقلات والسجون ومن هؤلاء الكاتب والأديب احمد صالح النهمي استاذ اللغة العربية بجامعة ذمار ومقرر مجلس شورى اتحاد القوى الشعبية ويقبع إلى جواره ما يقارب الخمسين معتقلا في السجن المركزي بذمار دونما مسوغات قانونية تبرر اعتقالهم.
الحرية لأحمد النهمي ولكل معتقل ظلما خارج القانون. ولاحول ولاقوة إلا بالله
a-a-sabari@maktoob.com
http://newsyemen.net/view_news.asp?sub_ ... 3_22_12564
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1041
- اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm
الزوايا المظلمة
18/3/2007
مصطفى راجح
رفعت حرب صعدة الغطاء عن زوايا مظلمة، كنا نعتقد أن أربعة عقود أكثر من كافية لإضاءة عتمتها. قراءة البلاغ إطلاله على أكثر هذه الزوايا سواداً. تحديداً صفحة ثالثة يتبوأها رجل معمم ترسخ في وجدانه فرز الناس على أساس انتمائهم المذهبي ومكان ميلادهم.
هنا يتحدد المذهب ككيان مغلق على ناسه، يحدد طريقة حياتهم ورؤاهم السياسية، وعلاقاتهم بآخر، بالضرورة مغلق وفق هذه الرؤية، ويتحدد بالمذهب والمنطقة، إجمالاً الفرد هنا محدد مسبقاً وفق كتالوج عتيق لا مجال فيه لتمازجات أفقية بين الناس كمواطنين، بل للتجاور كأنواع تمايزها عن بعض لا تحدده الرؤى المختلفة والمتغيرة للحياة، وإنما اختلافات نهائية جذرية، وكأنها قدر محتوم. تحديدات تقدم الحياة وكأنها معطى مسبق غير قابل للإبداع. تحديدات بمنأى عن الزمن ومتغيراته. في أعلى هذه التحديات، يتم الفرز داخل المذهب الواحد، وليثبت التمايز عن طريق التزاوج، والالتقاء كأنواع بيولوجية متمايزة، لا مجال لخلطها.
الناس على هذه الأرضية يتحددون كزيود وشوافع، لا كمواطنين وللتمويه زيود وسلفيون وهابيون. مشرط الفصل العنصري هنا يرسم خطوط الطول والعرض بين الزيود، ومناطقهم الجغرافية التي يفترض أن تبقى بعيدة عن الآخر، "إخواننا الشوافع" الذين يتكاثرون، بعوامل طبيعية وغير طبيعية، أرجع بعضها صاحب البلاغ إلى الوحدة، وعودة المغتربين.
المحاججة عن الحرب:
خارج هذه الزاوية المظلمة يمكن أن تتجلى حرب صعدة، كمشكلة بين سلطة الدولة، وجماعة مسلحة، خارجه عن الدستور والقانون.
وفي هذا السياق، يمكن أن يناقش كل شيء، بما فيه الموقف من الحرب كموقف مدني سياسي تقتضيه إفرازاتها، وتعقيداتها التي أطالت مشكلة كان الإمكان التعامل معها بطريقة أفضل. المحاججة هنا من قبيل أنك مثلاً لا تنتصر حينما تتخلص من ذبابة تؤذيك في بيتك، عندما تأخذ صميلاً وتطيش في البيت: تكسر التلفزيون، والثلاجة، وتجرح طفلاً هنا وتصيب البيت بالذعر. مدنياً حتى الحرب تحتاج إلى ترشيد ومراقبة ومحاذير وحسابات. ما الذي يحدثه مثلاً خبر رئيسي يومي في الصفحة الأولى للثورة الرسمية عن حرب صعدة، مضى عليها ثلاث سنوات، ويطلق على جماعتها المذهبية المسلحة مصطلح "الشرذمة" يقرأ الخبر الموظفون والطلاب واليمنيون كمفتتح ليومهم في بلد يفترض أن يكون آمناً ومستقراً.
مثل هكذا محاججة عن الحرب ضرورية، وقابلة للأخذ والرد في إطار مسئولية الجميع عن بلدهم، وما يحدث فيها. وفي مثل هكذا سياق لا يعود متاحاً المحاججة في أحقية جماعة مذهبية، أو أي جماعة أخرى في حمل السلاح، ومواجهة سلطة الدولة. المحاججة هنا عن الأسلوب الأكثر نجاعة لإدارة الدولة والتعامل مع مثل هكذا قضايا، لا حديث محاججة عن شرعية إجراءاتها من عدمها.
خلافاً لذلك تؤسس الزوايا المظلمة لحق الجماعات في إنفاذ رؤاها المذهبية السياسية، بكل الوسائل بما فيها حمل السلاح.
وللخروج من المأزق تهتدي البلاغ وصاحبها إلى كوة صغيرة يمكن من خلالها تعميم القضية من دولة وجماعة مسلحة إلى دولة وفئة. وتالياً من دولة وفئة إلى دولة تستهدف المذهب الزيدي. وتالياً إلى طائفة مقابل طائفة.
المؤامرة المتوهمة على المذهب:
في هذه المتوالية الهندسية لا يعود الرئيس علي عبدالله صالح رئيساً منتخباً من قبل اليمنيين في إطار دستور ودولة وأحزاب وديمقراطية وانتخابات، بل "زيدي" عليه أن يقبل نصيحة إبراهيم الوزير ومحمد مفتاح وأن ما يحصل يضر به في نهاية المطاف لأن "الآخر" يشمت بنا جميعاً.
ونحن في هذا السياق الزيود كما تأسسوا تاريخياً بشقيهم "الأئمة" و"القبائل" الذين يراد لهم أن يعودوا إلى دور "عضلات" العقل الذي يحكم، وقدر له أن يحكم استناداً إلى المنشأ والنسب. هكذا يعتقد أصحاب هذه الزاوية المظلمة أنهم يتفادون الحرب.. بتوسيع إطارها، وبتحذير الرئيس علي صالح أنه في الأخير "زيدي" وينتمي إلى مذهب أقلية في هذا اليمن السعيد، رئيس يحكم بانتمائه المذهبي، لا بالانتخابات والدستور. وإذا كانت المشكلة في حصر الولاية في البطنين فبالإمكان أن نجلس معاً ونعمل تسوية يحذف بموجبها هذا البند ليصبح الرئيس حاكماً شرعياً وفق المذهب الزيدي، لا كرئيس دولة لكل مواطنيها اليمنيين.
تعديل المذهب هنا كما لوح به إبراهيم الوزير يظهره وكأنه وثيقة سياسية لا مذهب فقهي مراجعته تخضع لأوليات وحيثيات أخرى لا علاقة لها بالسياسة. ولولا الخشية من سخرية الآخرين لعرض إبراهيم الوزير على الرئيس صالح إعداد شجرة نسب، بمباركة كرادلة المذهب.
والأرجح أن هؤلاء لازالوا ينظرون للرئيس علي عبدالله صالح كقبيلي مرتد، استناداً إلى أن برقبة أجداده بيعة لهم نكث بها وارتد عن مقتضياتها.
حدود الجغرافيا المذهبية:
يتحدث إبراهيم الوزير عن مؤامرة لتحويل الشاب الزيدي عن مذهب آل البيت أو المناطق الزيدية كحيز جغرافي مذهبي مغلق يتعرض لحملة تبشيرية من السلفيين، ويسترسل عن إخواننا الشوافع، وتذكيرهم بالتعايش الذي استظلوا به في عهود الأئمة. التعايش هنا لا يحيل إلى التسامح الديني بين المذهبين في مراحل التاريخ المختلفة، بل إلى صيغة سيطرة طائفية عنصرية، تأسس عليها حكم الأئمة، وقامت على تمييز اليمنيين بين شوافع وزيود، وتمييز الزيود بين أئمة أصحاب الحل والعقد، وقبائل وظيفتهم التاريخية أن يؤدوا دور العضلات، ولا يتطلعوا لأي دور أكبر من ذلك.
تفرك عينيك مندهشاً؟ في أي وادٍ يحرث الرجل!!
ينسج حراس الموروث الآفل على منوال انتماء الرئيس المذهبي، في محاولة لإقناع الرجل أن مصالحة تلتقي في نهاية المطاف مع جماعة مذهبية مسلحة خارجة عن الدستور والقانون.
الجذر المؤسس لمثل هكذا توهمات يعود بالناس إلى زمن آفل كانت مسئولية إدارة البلد تأخذ مشروعيتها من المذهب الزيدي وشروط الإمامة. تغيرت الدنيا، وجرت مياه كثيرة في النهر وبقي الوعي بمنأى عن أي تغيير.
طوال ثلاث سنوات من الحرب المتقطعة لم يتسن لنا أن نعرف بالضبط مطالب الحوثيين، سوى الشعار المعروف، ولاحقاً أنهم يدافعون عن أنفسهم، غير أن قراءة البلاغ تكشف جذر المشكلة، وهي أن هؤلاء يعتبرون أن هناك هجمة لتغيير "المناطق الزيدية" عن مذهبها.
تعالوا نقرأ معاً في أي وادٍ يحرثون: يرى الوزير أن "هناك مؤامرة على المذهب الزيدي للقضاء عليه". ويضيف "دخول المتشددين التكفيريين إلى كل القرى في المناطق الزيدية وأخذ أبناء تلك القرى وتعليمهم أفكاراً ومعتقدات سلفية لا "نؤمن بها". أسوأ ما في هذا النسج هو إسقاط التنوع المذهبي إلى حدود جغرافية بين المناطق. ومع أن السلفيين لا يمثلون مذهباً محدداً، ويمكن لنا الاختلاف معهم ما شاء لنا الاختلاف من أرضية مدنية، إلا أن ما يفعله الوزير أنه يرتقي بهم أمامنا إلى مصاف "السمه التقدمية"، لأننا نعرف أنهم ليسوا مذهباً ولا يفرقون في نشاطهم الديني بين المناطق والمذاهب، وحتى في الحالات التي تكفر فيها بعض الجماعات من يختلف معها، لا تنتقي بسبب المذهب أو العرق، ولا تميز تمييزاً عنصرياً.
المذهب باعتباره وطناً!
إن تسويق تطرف جماعة الإسلام السياسي الزيدي "الحوثيين" بحجة المد السلفي أو ما يسميه الوزير بـ "التبشير الذي يستهدف المناطق الزيدية" يصعد وتيرة صراع مذهبي مظلم يراد لليمن أن تقع في أتونه. هذا هو الحصاد الوحيد لتقسيم اليمن إلى مناطق مذهبية مغلقة، مع أن السلفيين لو تأملنا يقدمون أنفسهم في اليمن كمشكلة للإخوان المسلمين وتحديداً "تجمع الإصلاح" أكثر من كونهم مؤامرة تبشيرية تستهدف المناطق الزيدية.
و"الواجب الإسلامي" الذي دفع الوزير للمطالبة برفع محاولة تغيير المناطق الزيدية، هو "تجنب الضغائن والأحقاد بين أبناء اليمن من جهة، وبين أبناء الزيدية في المحافظات الشمالية والقيادة السياسية حاضراً ومستقبلاً من جهة أخرى" وضع تحت هذه الجملة ثلاثة خطوط حمراء، وارفعها إلى عشرة تحت جملتي أبناء اليمن من جهة، وأبناء الزيدية من جهة أخرى.
وكأن المذهب هنا غدا وطناً بديلاً. أو لسنا كلنا يمنيين. أي هوية إذن لمناطق المحافظات الشمالية الزيدية الآن، كانت قبل قدوم الهادي يحيى بن الحسين.
من هذا التأسيس العنصري للمذهب، ينطلق الوزير إلى التحذير "وأبناء الزيدية، وسائر أبناء البلد كالأبناء!! وبمحاولة إخضاعهم بالقوة لن يجني اليمن غير المتاعب والمستقبل السيئ المظلم على الجميع". هذا تهديد واضح بالعنف الذي نرى إطلالته في صعدة وأسوأ ما فيه هذا الفصل بين أبناء الزيدية كأنها وطناً ثانياً، أو شيئاً خارج المجتمع واليمن ككيان منفصل، حيث سيعم المستقبل السيئ المظلم الجميع: أبناء الزيدية وأبناء اليمن!!.
في سياق التحذير هذا يستطرد ملوحاً بتدويل القضية مستجلباً مؤتمر الدوحة للتقريب بين المذاهب، وتحديداً توصيته بتجنب أصحاب المذاهب والمعتقدات التبشير بمذهبهم ومعتقداتهم في مناطق المذاهب أخرى" ويمن علينا بانه لم يرفع صوته هناك بالحديث عن المؤامرة الكبرى على مناطق المذهب الزيدي.
لم يعرف اليمنيون تأجيجاً للخلافات المذهبية كالتي نقرأها في "الزوايا المظلمة اليوم، حتى في سنوات الحكم الإمامي المتخلف والآفل، حين كان دخول المناطق الزراعية تحت شعار كفار التأويل، بقيت المشاعر متجهة صوب الجانب السياسي الاجتماعي لطائفية الأئمة، وبقيت الاختلافات المذهبية في العبادات، في إطار من التعايش والتسامح، صنعته روح اليمنيين، ووعيهم التاريخي بهويتهم ككيان تاريخي بقي موحداً طوال التاريخ في الذاكرة والوعي رغم تشتتهم إلى دويلات مختلفة في مراحل تاريخية طويلة.
الدستور والديمقراطية.. شرعية العصر:
يحكم علي عبد الله صالح الآن بموجب الدستور والقانون، وحياه سياسية، وتعددية حزبية وانتخابات دورية يشارك فيها كل اليمنيين كمواطنين يختارون رئيساً ببرنامج انتخابي، وانتماءات حزبية مخترقة للمذاهب والمناطق، وليس باعتباره "زيدياً".
ندرك أن هذه الحياة السياسية غير مستوعبة لكل المؤثرات الواقعية في القرار، وشكلية إلى حد ما. ندرك أن الدستور والقانون والدولة المدنية لم يصلا إلى تحديد حياة اليمنيين كمرجعية نهائية، ندرك أيضاً أن الانتخابات ليست نزيهة بالمطلق وأن الفساد والتوريث والعصبية القبلية، عقبات حقيقية أمام تطور اليمن. غير أننا ندرك قبل ذلك وبعده أن طريق التطور الديمقراطي السلمي هو الطريق الوحيد أمام اليمنيين لبناء بلدهم. ومن هذا المسار بالتحديد يمكن مراكمة دور الحركة الديمقراطية السلمية لتطوير معطيات هذا الواقع باتجاه بناء دولة لكل مواطنيها.
دولة تتحدد علاقتها بالناس كمواطنين متساوين بالحقوق والواجبات. هذا هو مسار تطور اليمن كبلد لكل مواطنيه بكافة مذاهبهم ودياناتهم ومناطق مولدهم.
قبل أشهر ضجت عمران بصرخات أكثر من مائة ألف "زيدي" بتعبير سيدنا إبراهيم رافعين أصواتهم بالتأييد لمرشح الرئاسة فيصل بن شملان "الشافعي" بتعبير سيدنا إبراهيم وبالمثل خرج مئات الآلاف في مهرجانات حاشدة في الحديدة، تعز، حضرموت تأييداً لعلي عبدالله صالح "الزيدي" بتعبير سيدنا إبراهيم. كان ذلك لوحة تبعث الروح في اليمنيين.
لا مجال هنا إلا للاندماج الوطني. يمكن أن يكون ضعيفاً، أن تتفكك بعض روابطه، غير أن مهمة تعزيز أواصره تبقى مهمة اليمنيين كلهم، عبر النضال السلمي، والاختلافات السياسية على أمور الحياة ومصالح الناس، لا بالتمترس بالمذاهب وتقسيم المناطق على أساسها.
الحزب الديني.. الحزب المدني!
مسألة أن يكون للحوثيين حزب سياسي الآن معناه أن يتأسس كيانهم السياسي المعمد بالدم على رؤى مذهبية حصرية. حزب ديني قد يفرز الحياة السياسية على أسس رافعة مذهبية هي الأعلى صوتاً الآن في المنطقة والأكثر رواجاً وتسويقاً.
كان هذا ممكناً من قبل حزب الحق واتحاد القوى الشعبية كأحزاب أفرزتها لحظة التوهج الوطني في 22 مايو أو لنقل مكنتها من رؤية النور في أجواء أكثر رحابة وطنية. كان يمكن أن تشكل كيانات سياسية ذات رؤية وطنية وتستوعب في عمودها الفقري هذه الجماعات تنتج رؤية سياسية يتغلب فيها السياسي على النوع والمذهب والطائفة. الأخوان المسلمون والسلفيون انتجوا كيانهم السياسي ذا الأفق الوطني، تجمع الإصلاح ككيان يستوعب هذه التيارات وبنظرة لتطور هذا الكيان ونضجه نستطيع أن نقول أنه أحد ركائز الإندماج الوطني. فيه لا مجال للفرز المذهبي/ المناطقي. يعتقل المؤيد وزايد بتهمة "الإرهاب" المستند إلى خلفية فكرية "وهابية" وهم الهاشميون، من آل البيت هل هذا اختراق من المذهب الوهابي التبشيري بنظر إبراهيم الوزير، وتغيير لأبناء المذهب الزيدي، أم تجلي راقي للاندماج الوطني.
بإمكاننا أن نختلف ما شاء لنا الاختلاف مع هؤلاء والإصلاح والسلفيين بصورة أعم على قاعدة الرؤى من الحياة والمصالح والأولويات و و و. ولكنا نؤسس اختلافا على أرضية قابلة للاختلاف والتنوع والتسويات السياسية. الأحزاب السياسية الدولة، لا مجال فيها إلا لمواطنين، ميدان عام للرؤى المتنافسة على كيفية إدارة الدولة وتستجيب لاحتياجات المواطنين وأولوياتهم. دولة لكل مواطنيها، كحلم طال أمده، وليكن في اليمن حتى عشرين مذهباً، وعشرين ديانة. يمكن أن توجد الطوائف، الأديان، المذاهب، القبائل في إطار بلد غير أن غلبة سمة الانتماء المذهبي القبلي على الدولة ينسف هذا المجال. تحول المذهب إلى مرجعية للدولة يفتت هذا الاندماج، تحول القبيلة إلى كيان مؤسسي حزبي أو سمة للدولة يشرخ هذا الوعي الوطني ويدفع بالناس إلى البحث عن استنادات قبل وطنية تحميهم.
تأسيس الاختلاف على قطعيات وجودية يقود الناس إلى تمترسات مدمرة. يصح هذا على صراعات الدولة، ويتضاعف في إطار الكيان الوطني الواحد.
عندما نرى إيران ككيان للفرس الصفويين يقطع هذا كل أساس للاختلافات. في إيران محمد خاتمي، المفكر المنفتح الأفق، وأغا جاري الذي حكمت عليه المؤسسة الدينية بالموت بسبب تفكيره وفيها عشرون مليون إيراني انتخبوا خاتمي ومعظمهم من الجيل الشاب، الذين اجتمعوا على رؤية حديثة ضاقت بالدولة الدينية، ووصلت في نهاية المطاف إلى النظر لولاية الفقيه كقيد على حياتهم وحريتهم.
تحتاج اليمن الآن إلى إغلاق الثقب الأسود في صعدة، انتهاء الحرب بصورة تجرد الجماعة المسلحة من أسلحتها، ولن يتم ذلك إلا بإجراءات مسئولة وأكثر اتساعاً من الإجراء العسكري المحض، بعدها سيجد اليمنيون أن ثلاث سنوات من الحرب، وضعت إلى قائمة أولوياتهم أشياء كثيرة تحتاج إلى المراجعة وإعادة النظر: المنظومة التعليمية، حمل السلاح، الجماعات المذهبية، ضعف الدولة، المناطق الخارجة عن السيطرة، سياسة إضعاف الأحزاب والحياة السياسية، كبوابة لإنعاش كل الزوايا المظلمة.
http://nasspress.com/sub_detail.asp?s_no=1750
18/3/2007
مصطفى راجح
رفعت حرب صعدة الغطاء عن زوايا مظلمة، كنا نعتقد أن أربعة عقود أكثر من كافية لإضاءة عتمتها. قراءة البلاغ إطلاله على أكثر هذه الزوايا سواداً. تحديداً صفحة ثالثة يتبوأها رجل معمم ترسخ في وجدانه فرز الناس على أساس انتمائهم المذهبي ومكان ميلادهم.
هنا يتحدد المذهب ككيان مغلق على ناسه، يحدد طريقة حياتهم ورؤاهم السياسية، وعلاقاتهم بآخر، بالضرورة مغلق وفق هذه الرؤية، ويتحدد بالمذهب والمنطقة، إجمالاً الفرد هنا محدد مسبقاً وفق كتالوج عتيق لا مجال فيه لتمازجات أفقية بين الناس كمواطنين، بل للتجاور كأنواع تمايزها عن بعض لا تحدده الرؤى المختلفة والمتغيرة للحياة، وإنما اختلافات نهائية جذرية، وكأنها قدر محتوم. تحديدات تقدم الحياة وكأنها معطى مسبق غير قابل للإبداع. تحديدات بمنأى عن الزمن ومتغيراته. في أعلى هذه التحديات، يتم الفرز داخل المذهب الواحد، وليثبت التمايز عن طريق التزاوج، والالتقاء كأنواع بيولوجية متمايزة، لا مجال لخلطها.
الناس على هذه الأرضية يتحددون كزيود وشوافع، لا كمواطنين وللتمويه زيود وسلفيون وهابيون. مشرط الفصل العنصري هنا يرسم خطوط الطول والعرض بين الزيود، ومناطقهم الجغرافية التي يفترض أن تبقى بعيدة عن الآخر، "إخواننا الشوافع" الذين يتكاثرون، بعوامل طبيعية وغير طبيعية، أرجع بعضها صاحب البلاغ إلى الوحدة، وعودة المغتربين.
المحاججة عن الحرب:
خارج هذه الزاوية المظلمة يمكن أن تتجلى حرب صعدة، كمشكلة بين سلطة الدولة، وجماعة مسلحة، خارجه عن الدستور والقانون.
وفي هذا السياق، يمكن أن يناقش كل شيء، بما فيه الموقف من الحرب كموقف مدني سياسي تقتضيه إفرازاتها، وتعقيداتها التي أطالت مشكلة كان الإمكان التعامل معها بطريقة أفضل. المحاججة هنا من قبيل أنك مثلاً لا تنتصر حينما تتخلص من ذبابة تؤذيك في بيتك، عندما تأخذ صميلاً وتطيش في البيت: تكسر التلفزيون، والثلاجة، وتجرح طفلاً هنا وتصيب البيت بالذعر. مدنياً حتى الحرب تحتاج إلى ترشيد ومراقبة ومحاذير وحسابات. ما الذي يحدثه مثلاً خبر رئيسي يومي في الصفحة الأولى للثورة الرسمية عن حرب صعدة، مضى عليها ثلاث سنوات، ويطلق على جماعتها المذهبية المسلحة مصطلح "الشرذمة" يقرأ الخبر الموظفون والطلاب واليمنيون كمفتتح ليومهم في بلد يفترض أن يكون آمناً ومستقراً.
مثل هكذا محاججة عن الحرب ضرورية، وقابلة للأخذ والرد في إطار مسئولية الجميع عن بلدهم، وما يحدث فيها. وفي مثل هكذا سياق لا يعود متاحاً المحاججة في أحقية جماعة مذهبية، أو أي جماعة أخرى في حمل السلاح، ومواجهة سلطة الدولة. المحاججة هنا عن الأسلوب الأكثر نجاعة لإدارة الدولة والتعامل مع مثل هكذا قضايا، لا حديث محاججة عن شرعية إجراءاتها من عدمها.
خلافاً لذلك تؤسس الزوايا المظلمة لحق الجماعات في إنفاذ رؤاها المذهبية السياسية، بكل الوسائل بما فيها حمل السلاح.
وللخروج من المأزق تهتدي البلاغ وصاحبها إلى كوة صغيرة يمكن من خلالها تعميم القضية من دولة وجماعة مسلحة إلى دولة وفئة. وتالياً من دولة وفئة إلى دولة تستهدف المذهب الزيدي. وتالياً إلى طائفة مقابل طائفة.
المؤامرة المتوهمة على المذهب:
في هذه المتوالية الهندسية لا يعود الرئيس علي عبدالله صالح رئيساً منتخباً من قبل اليمنيين في إطار دستور ودولة وأحزاب وديمقراطية وانتخابات، بل "زيدي" عليه أن يقبل نصيحة إبراهيم الوزير ومحمد مفتاح وأن ما يحصل يضر به في نهاية المطاف لأن "الآخر" يشمت بنا جميعاً.
ونحن في هذا السياق الزيود كما تأسسوا تاريخياً بشقيهم "الأئمة" و"القبائل" الذين يراد لهم أن يعودوا إلى دور "عضلات" العقل الذي يحكم، وقدر له أن يحكم استناداً إلى المنشأ والنسب. هكذا يعتقد أصحاب هذه الزاوية المظلمة أنهم يتفادون الحرب.. بتوسيع إطارها، وبتحذير الرئيس علي صالح أنه في الأخير "زيدي" وينتمي إلى مذهب أقلية في هذا اليمن السعيد، رئيس يحكم بانتمائه المذهبي، لا بالانتخابات والدستور. وإذا كانت المشكلة في حصر الولاية في البطنين فبالإمكان أن نجلس معاً ونعمل تسوية يحذف بموجبها هذا البند ليصبح الرئيس حاكماً شرعياً وفق المذهب الزيدي، لا كرئيس دولة لكل مواطنيها اليمنيين.
تعديل المذهب هنا كما لوح به إبراهيم الوزير يظهره وكأنه وثيقة سياسية لا مذهب فقهي مراجعته تخضع لأوليات وحيثيات أخرى لا علاقة لها بالسياسة. ولولا الخشية من سخرية الآخرين لعرض إبراهيم الوزير على الرئيس صالح إعداد شجرة نسب، بمباركة كرادلة المذهب.
والأرجح أن هؤلاء لازالوا ينظرون للرئيس علي عبدالله صالح كقبيلي مرتد، استناداً إلى أن برقبة أجداده بيعة لهم نكث بها وارتد عن مقتضياتها.
حدود الجغرافيا المذهبية:
يتحدث إبراهيم الوزير عن مؤامرة لتحويل الشاب الزيدي عن مذهب آل البيت أو المناطق الزيدية كحيز جغرافي مذهبي مغلق يتعرض لحملة تبشيرية من السلفيين، ويسترسل عن إخواننا الشوافع، وتذكيرهم بالتعايش الذي استظلوا به في عهود الأئمة. التعايش هنا لا يحيل إلى التسامح الديني بين المذهبين في مراحل التاريخ المختلفة، بل إلى صيغة سيطرة طائفية عنصرية، تأسس عليها حكم الأئمة، وقامت على تمييز اليمنيين بين شوافع وزيود، وتمييز الزيود بين أئمة أصحاب الحل والعقد، وقبائل وظيفتهم التاريخية أن يؤدوا دور العضلات، ولا يتطلعوا لأي دور أكبر من ذلك.
تفرك عينيك مندهشاً؟ في أي وادٍ يحرث الرجل!!
ينسج حراس الموروث الآفل على منوال انتماء الرئيس المذهبي، في محاولة لإقناع الرجل أن مصالحة تلتقي في نهاية المطاف مع جماعة مذهبية مسلحة خارجة عن الدستور والقانون.
الجذر المؤسس لمثل هكذا توهمات يعود بالناس إلى زمن آفل كانت مسئولية إدارة البلد تأخذ مشروعيتها من المذهب الزيدي وشروط الإمامة. تغيرت الدنيا، وجرت مياه كثيرة في النهر وبقي الوعي بمنأى عن أي تغيير.
طوال ثلاث سنوات من الحرب المتقطعة لم يتسن لنا أن نعرف بالضبط مطالب الحوثيين، سوى الشعار المعروف، ولاحقاً أنهم يدافعون عن أنفسهم، غير أن قراءة البلاغ تكشف جذر المشكلة، وهي أن هؤلاء يعتبرون أن هناك هجمة لتغيير "المناطق الزيدية" عن مذهبها.
تعالوا نقرأ معاً في أي وادٍ يحرثون: يرى الوزير أن "هناك مؤامرة على المذهب الزيدي للقضاء عليه". ويضيف "دخول المتشددين التكفيريين إلى كل القرى في المناطق الزيدية وأخذ أبناء تلك القرى وتعليمهم أفكاراً ومعتقدات سلفية لا "نؤمن بها". أسوأ ما في هذا النسج هو إسقاط التنوع المذهبي إلى حدود جغرافية بين المناطق. ومع أن السلفيين لا يمثلون مذهباً محدداً، ويمكن لنا الاختلاف معهم ما شاء لنا الاختلاف من أرضية مدنية، إلا أن ما يفعله الوزير أنه يرتقي بهم أمامنا إلى مصاف "السمه التقدمية"، لأننا نعرف أنهم ليسوا مذهباً ولا يفرقون في نشاطهم الديني بين المناطق والمذاهب، وحتى في الحالات التي تكفر فيها بعض الجماعات من يختلف معها، لا تنتقي بسبب المذهب أو العرق، ولا تميز تمييزاً عنصرياً.
المذهب باعتباره وطناً!
إن تسويق تطرف جماعة الإسلام السياسي الزيدي "الحوثيين" بحجة المد السلفي أو ما يسميه الوزير بـ "التبشير الذي يستهدف المناطق الزيدية" يصعد وتيرة صراع مذهبي مظلم يراد لليمن أن تقع في أتونه. هذا هو الحصاد الوحيد لتقسيم اليمن إلى مناطق مذهبية مغلقة، مع أن السلفيين لو تأملنا يقدمون أنفسهم في اليمن كمشكلة للإخوان المسلمين وتحديداً "تجمع الإصلاح" أكثر من كونهم مؤامرة تبشيرية تستهدف المناطق الزيدية.
و"الواجب الإسلامي" الذي دفع الوزير للمطالبة برفع محاولة تغيير المناطق الزيدية، هو "تجنب الضغائن والأحقاد بين أبناء اليمن من جهة، وبين أبناء الزيدية في المحافظات الشمالية والقيادة السياسية حاضراً ومستقبلاً من جهة أخرى" وضع تحت هذه الجملة ثلاثة خطوط حمراء، وارفعها إلى عشرة تحت جملتي أبناء اليمن من جهة، وأبناء الزيدية من جهة أخرى.
وكأن المذهب هنا غدا وطناً بديلاً. أو لسنا كلنا يمنيين. أي هوية إذن لمناطق المحافظات الشمالية الزيدية الآن، كانت قبل قدوم الهادي يحيى بن الحسين.
من هذا التأسيس العنصري للمذهب، ينطلق الوزير إلى التحذير "وأبناء الزيدية، وسائر أبناء البلد كالأبناء!! وبمحاولة إخضاعهم بالقوة لن يجني اليمن غير المتاعب والمستقبل السيئ المظلم على الجميع". هذا تهديد واضح بالعنف الذي نرى إطلالته في صعدة وأسوأ ما فيه هذا الفصل بين أبناء الزيدية كأنها وطناً ثانياً، أو شيئاً خارج المجتمع واليمن ككيان منفصل، حيث سيعم المستقبل السيئ المظلم الجميع: أبناء الزيدية وأبناء اليمن!!.
في سياق التحذير هذا يستطرد ملوحاً بتدويل القضية مستجلباً مؤتمر الدوحة للتقريب بين المذاهب، وتحديداً توصيته بتجنب أصحاب المذاهب والمعتقدات التبشير بمذهبهم ومعتقداتهم في مناطق المذاهب أخرى" ويمن علينا بانه لم يرفع صوته هناك بالحديث عن المؤامرة الكبرى على مناطق المذهب الزيدي.
لم يعرف اليمنيون تأجيجاً للخلافات المذهبية كالتي نقرأها في "الزوايا المظلمة اليوم، حتى في سنوات الحكم الإمامي المتخلف والآفل، حين كان دخول المناطق الزراعية تحت شعار كفار التأويل، بقيت المشاعر متجهة صوب الجانب السياسي الاجتماعي لطائفية الأئمة، وبقيت الاختلافات المذهبية في العبادات، في إطار من التعايش والتسامح، صنعته روح اليمنيين، ووعيهم التاريخي بهويتهم ككيان تاريخي بقي موحداً طوال التاريخ في الذاكرة والوعي رغم تشتتهم إلى دويلات مختلفة في مراحل تاريخية طويلة.
الدستور والديمقراطية.. شرعية العصر:
يحكم علي عبد الله صالح الآن بموجب الدستور والقانون، وحياه سياسية، وتعددية حزبية وانتخابات دورية يشارك فيها كل اليمنيين كمواطنين يختارون رئيساً ببرنامج انتخابي، وانتماءات حزبية مخترقة للمذاهب والمناطق، وليس باعتباره "زيدياً".
ندرك أن هذه الحياة السياسية غير مستوعبة لكل المؤثرات الواقعية في القرار، وشكلية إلى حد ما. ندرك أن الدستور والقانون والدولة المدنية لم يصلا إلى تحديد حياة اليمنيين كمرجعية نهائية، ندرك أيضاً أن الانتخابات ليست نزيهة بالمطلق وأن الفساد والتوريث والعصبية القبلية، عقبات حقيقية أمام تطور اليمن. غير أننا ندرك قبل ذلك وبعده أن طريق التطور الديمقراطي السلمي هو الطريق الوحيد أمام اليمنيين لبناء بلدهم. ومن هذا المسار بالتحديد يمكن مراكمة دور الحركة الديمقراطية السلمية لتطوير معطيات هذا الواقع باتجاه بناء دولة لكل مواطنيها.
دولة تتحدد علاقتها بالناس كمواطنين متساوين بالحقوق والواجبات. هذا هو مسار تطور اليمن كبلد لكل مواطنيه بكافة مذاهبهم ودياناتهم ومناطق مولدهم.
قبل أشهر ضجت عمران بصرخات أكثر من مائة ألف "زيدي" بتعبير سيدنا إبراهيم رافعين أصواتهم بالتأييد لمرشح الرئاسة فيصل بن شملان "الشافعي" بتعبير سيدنا إبراهيم وبالمثل خرج مئات الآلاف في مهرجانات حاشدة في الحديدة، تعز، حضرموت تأييداً لعلي عبدالله صالح "الزيدي" بتعبير سيدنا إبراهيم. كان ذلك لوحة تبعث الروح في اليمنيين.
لا مجال هنا إلا للاندماج الوطني. يمكن أن يكون ضعيفاً، أن تتفكك بعض روابطه، غير أن مهمة تعزيز أواصره تبقى مهمة اليمنيين كلهم، عبر النضال السلمي، والاختلافات السياسية على أمور الحياة ومصالح الناس، لا بالتمترس بالمذاهب وتقسيم المناطق على أساسها.
الحزب الديني.. الحزب المدني!
مسألة أن يكون للحوثيين حزب سياسي الآن معناه أن يتأسس كيانهم السياسي المعمد بالدم على رؤى مذهبية حصرية. حزب ديني قد يفرز الحياة السياسية على أسس رافعة مذهبية هي الأعلى صوتاً الآن في المنطقة والأكثر رواجاً وتسويقاً.
كان هذا ممكناً من قبل حزب الحق واتحاد القوى الشعبية كأحزاب أفرزتها لحظة التوهج الوطني في 22 مايو أو لنقل مكنتها من رؤية النور في أجواء أكثر رحابة وطنية. كان يمكن أن تشكل كيانات سياسية ذات رؤية وطنية وتستوعب في عمودها الفقري هذه الجماعات تنتج رؤية سياسية يتغلب فيها السياسي على النوع والمذهب والطائفة. الأخوان المسلمون والسلفيون انتجوا كيانهم السياسي ذا الأفق الوطني، تجمع الإصلاح ككيان يستوعب هذه التيارات وبنظرة لتطور هذا الكيان ونضجه نستطيع أن نقول أنه أحد ركائز الإندماج الوطني. فيه لا مجال للفرز المذهبي/ المناطقي. يعتقل المؤيد وزايد بتهمة "الإرهاب" المستند إلى خلفية فكرية "وهابية" وهم الهاشميون، من آل البيت هل هذا اختراق من المذهب الوهابي التبشيري بنظر إبراهيم الوزير، وتغيير لأبناء المذهب الزيدي، أم تجلي راقي للاندماج الوطني.
بإمكاننا أن نختلف ما شاء لنا الاختلاف مع هؤلاء والإصلاح والسلفيين بصورة أعم على قاعدة الرؤى من الحياة والمصالح والأولويات و و و. ولكنا نؤسس اختلافا على أرضية قابلة للاختلاف والتنوع والتسويات السياسية. الأحزاب السياسية الدولة، لا مجال فيها إلا لمواطنين، ميدان عام للرؤى المتنافسة على كيفية إدارة الدولة وتستجيب لاحتياجات المواطنين وأولوياتهم. دولة لكل مواطنيها، كحلم طال أمده، وليكن في اليمن حتى عشرين مذهباً، وعشرين ديانة. يمكن أن توجد الطوائف، الأديان، المذاهب، القبائل في إطار بلد غير أن غلبة سمة الانتماء المذهبي القبلي على الدولة ينسف هذا المجال. تحول المذهب إلى مرجعية للدولة يفتت هذا الاندماج، تحول القبيلة إلى كيان مؤسسي حزبي أو سمة للدولة يشرخ هذا الوعي الوطني ويدفع بالناس إلى البحث عن استنادات قبل وطنية تحميهم.
تأسيس الاختلاف على قطعيات وجودية يقود الناس إلى تمترسات مدمرة. يصح هذا على صراعات الدولة، ويتضاعف في إطار الكيان الوطني الواحد.
عندما نرى إيران ككيان للفرس الصفويين يقطع هذا كل أساس للاختلافات. في إيران محمد خاتمي، المفكر المنفتح الأفق، وأغا جاري الذي حكمت عليه المؤسسة الدينية بالموت بسبب تفكيره وفيها عشرون مليون إيراني انتخبوا خاتمي ومعظمهم من الجيل الشاب، الذين اجتمعوا على رؤية حديثة ضاقت بالدولة الدينية، ووصلت في نهاية المطاف إلى النظر لولاية الفقيه كقيد على حياتهم وحريتهم.
تحتاج اليمن الآن إلى إغلاق الثقب الأسود في صعدة، انتهاء الحرب بصورة تجرد الجماعة المسلحة من أسلحتها، ولن يتم ذلك إلا بإجراءات مسئولة وأكثر اتساعاً من الإجراء العسكري المحض، بعدها سيجد اليمنيون أن ثلاث سنوات من الحرب، وضعت إلى قائمة أولوياتهم أشياء كثيرة تحتاج إلى المراجعة وإعادة النظر: المنظومة التعليمية، حمل السلاح، الجماعات المذهبية، ضعف الدولة، المناطق الخارجة عن السيطرة، سياسة إضعاف الأحزاب والحياة السياسية، كبوابة لإنعاش كل الزوايا المظلمة.
http://nasspress.com/sub_detail.asp?s_no=1750
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .


-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
صعدة (2004-؟): قراءة ثانية في الأسباب!..
مأرب برس
بقلم/ د / عبد الله الفقيه
يذهب تقرير قدمه رئيس جهاز الأمن القومي إلى مجلس الشورى ونشر الشهر الماضي إلى أن الخسائر البشرية في صفوف قوات الجيش والأمن من جراء أحداث صعدة قد توزعت كما يلي:
أ- الحرب الأولى والتي بدأت بتاريخ 20/6/2004م واستمرت حتى 10/9/2004م وسقط فيها 473 شهيداً و2588 جريحاً بينما بلغت الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة 600 مليون دولار؛
ب- الحرب الثانية والتي ابتدأت في 19/3/2005 واستمرت حتى 12/4/2005 وسقط فيها 254 شهيداً و 2708 جرحى بالإضافة إلى 80 مليون دولار كنفقات؛
ج- نفذ الحوثيون خلال عام 2006 هجمات أدت إلى سقوط 42 شهيدا و81 جريحاً؛
د- نفذ الحوثيون خلال شهر فبراير والنصف الأول من مارس هجمات على مواقع الجيش والنقاط العسكرية أدت إلى سقوط 20 قتيلاً و38 جريحاً.
وفي الوقت الذي لم يشر فيه تقرير الأمن القومي إلى خسائر «الحوثيين» والمدنيين في الأرواح أو في الممتلكات يذهب عادل الذهب المحامي اليمني المقيم في كندا في بحث تقدم به إلى إحدى الجامعات الأمريكية إلى ان عدد قتلى الحرب يتراوح بين 4000 (تقديرات الصحفي عبدالفتاح الحكيمي) و20000 (تقديرات النائب يحي الحوثي) بالإضافة إلى تشريد 65000 نسمة وتهديم 533 منزلاً و22 مدرسة. أما عدد المحتجزين في السجون فوصل إلى حوالي 1500 سجين. وكان تقرير صادر عن وزارة الداخلية قد أكد عدد المنازل والمدارس التي تهدمت من جراء الأحداث.
ومع ان اليمنيين يبدون في الظاهر وكأنهم يتقاتلون من اجل «دجاجة» ويبيعون «الحول» من اجل المشارعة على «بقعة صغيرة» إلا أنه من الصعب القول بأن الحروب المتعاقبة بين «الدولة» و«الحوثيين» والتي بدأت في يونيو 2004 ولم تنته حتى اليوم هي بسبب شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل».
رؤية الحوثيين
يقول عبدالملك الحوثي الزعيم الجديد للشباب المؤمن في مقابلة أجراها معه الصحفي محمد الظاهري ونشرت في صحيفة الناس بتاريخ 12 فبراير 2007 ان سبب الصراع هو النشاط الثقافي للشباب المؤمن ومعارضتهم للهيمنة الأمريكية في المنطقة. فوفقا لعبد الملك فان الدولة تعاطت مع أنشطتهم التي تندرج في إطار الدستور والقانون «بطريقة عدائية، وغير منطقية» حيث قامت بتنفيذ اعتقالات في جامع الإمام الهادي في صعدة والجامع الكبير في صنعاء. وكانت تلك الاعتقالات التي قام بها الأمن السياسي مصحوبة بالضرب المبرح والمعاملة القاسية للمحتجزين في سجون الأمن السياسي. كما ان الدولة قامت -وما يزال الحديث لعبدالملك- بإيقاف مرتبات كثير من الموظفين وطرد البعض وفصل البعض الثالث. ويفسر عبدالملك سلوك الدولة ضدهم بأنه نتيجة لـ:
أ- رغبة الدولة في التحكم في كل شيء داخل اليمن (يمكن ترجمة القول ليعني تغييب السلطة للتمثيل السياسي للهاشميين وغيرهم من الجماعات)؛
ب- التحريض الأمريكي ضدهم ورغبة المسئولين في التقرب من الأمريكيين (ارتهان السلطة للخارج)؛
ج- وجود جناح في السلطة يستهدفهم كفئة اجتماعية معينة وخصوصا بعد ظهور نشاطهم الثقافي (استبداد الدولة وممارستها للتمييز ضد الهاشميين).
ويعزو عبد الملك تمسك الجماعة بالشعار ورفضهم التخلي عنه إلى:
أ- المسئولية أمام الله؛
ب- المسئولية أمام الأمة الإسلامية؛
ج- المسئولية أمام الشعب اليمني؛
د- كشف الزيف الأمريكي المتعلق بالحرية والديمقراطية.
ويضيف عبدالملك بأن الحملة العسكرية التي شنتها الدولة عليهم في عام 2004 لم تقتصر على إغلاق وتدمير بعض مساجد ومراكز الشباب المؤمن كلياً أو جزئياً ولكنها امتدت إلى إغلاق المدارس الزيدية بشكل عام وسواء أكانت محسوبة عليهم أو على غيرهم، ولتشمل أيضا تغيير أئمة وخطباء الكثير من المساجد بخطباء وصفهم بأنهم «حاقدين على الزيدية ولديهم خطاب تكفيري وعدائي». وفي الوقت الذي اقر فيه عبدالملك بتلقيهم لمعونة شهرية من الدولة تقدر بحوالي 2000 دولار بسعر صرف الريال الحالي فإنه أتهم الدولة بدعم السلفيين بدرجة أكبر وذلك لاستهداف الزيدية واستخدام المذهبية ك«ورقة ضغط بيدها لضرب أبناء الشعب اليمني بعضهم ببعض».
أما عن سبب رفع «الشباب المؤمن» للسلاح في وجه الدولة وبقائهم في الجبال رغم قرارات العفو فيقول عبدالملك إنهم رفعوا السلاح في الحرب الأولى دفاعا عن النفس. ويقول يحيى الحوثي- وهو شقيق عبدالملك ونائب في البرلمان اليمني ينشط حالياً في الخارج- في حديث للشرق الأوسط «عندما يهاجم الثعلب أو الذئب منزلك فماذا ستفعل؟» كما يقول عبدالملك إن الدولة لم تلتزم بعد الحرب الأولى بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إطلاق السجناء وإفساح المجال للناس لممارسة الشعائر الدينية. وقامت بدلاً عن ذلك بالمزيد من الاعتقالات وضيقت على أبناء المحافظة ومنعتهم من الاحتفال بالمناسبات الدينية مثل عيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم شنت عليهم حربا ثانية اضطرتهم إلى الخروج إلى الجبال، ليس كمتمردين ولكن كمشردين.
رؤية السلطة
برغم ان خطاب الحوثيين يستخدم الرموز كثيرا في تعبيره عن مطالبه وهو ما يضفي عليه بعض الغموض إلا ان ذلك الخطاب -وبغض النظر عن شرعيته- يبدو للقارئ المتمعن أكثر وضوحاً واستقراراً وعقلانية من خطاب الدولة وان كان ليس بالضرورة أكثر إقناعا. فأحاديث الداعية حسين الحوثي خلال الحرب الأولى وأحاديث الأب بدر الدين الحوثي (خلال الحرب الثانية في 2005) ثم أحاديث عبدالملك وأخيه يحيى هذا العام (2007) تصب كلها تقريبا في نفس الاتجاه. وعلى العكس من ذلك فإن السلطة وكما يبدو تتحدث بأكثر من صوت وتمارس السياسة بأكثر من يد. فإذا كانت صحيفة سبتمبر قد أشارت في مايو 2004 إلى ان علماء الزيدية يدينون أفكار الحوثي وتصرفاته المتطرفة فإن الدولة ومع اندلاع المواجهات بدأت تتهم حسين الحوثي بالإدعاء انه المهدي المنتظر وبأنه مدعوم من قبل يهود صعدة، وبأنه يعمل على تنفيذ مخططات أعدتها أجهزة استخبارات أجنبية لإعاقة التنمية في اليمن وإخافة المستثمرين وضرب الوحدة الوطنية. ويخلط الكثير من المحسوبين على السلطة بين الدعاية الحزبية وبين الخطاب السياسي المصاحب للحرب. كما يخلط خطاب الدولة بين الأسباب والنتائج. ويظهر ذلك واضحاً في ميل الخطاب الرسمي إلى الحديث عن إشهار الحوثيين للسلاح في وجه الدولة، تحصنهم في الجبال، الحصول على أسلحة، جمع الأموال من الداخل والخارج، والاعتداء على القوات المسلحة والأمن كأسباب للحرب.
وبرغم ان الحركة يمكن ان توصف ببساطة ووضوح على أنها «تمرد على الدولة» كما قال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب وبغض النظر عن الأسباب إلاَّ ان الخطاب الرسمي يضيع الصدق بكثرة الكذب. فالحديث عن الإرهاب والمخططات الخارجية والدعم الإيراني والليبي والإثنا عشرية والصفوية وعنصرية «الهاشميين» وغير ذلك من الأمور مثلت كلها ضربات للنسيج الاجتماعي للوحدة الوطنية وزعزعت الاستقرار وأوهمت الناس بأن دعم الحوثيين يمتد من شمال اليمن إلى إيران ومن شرق الوطن العربي إلى غربه، وهو ما وسع من رقعة التأييد والمساندة للمتمردين في أوساط الهاشميين والزيدية بشكل عام.
قصة ما حدث
بعيداً عن الخطاب الرسمي وعن تبريرات الحوثيين فإن ما حدث يبدو اقرب ما يكون إلى التالي.
أولاً، دعمت الدولة -ولأسباب تتعلق بلعبة التوازنات السياسية الداخلية والخارجية والتي تكفل محافظة الحكام على مواقعهم واستقرار النظام- المدارس الزيدية والمذهب الزيدي في مقابل العمل على إضعاف الحركات الدينية السنية المدعومة من السعودية. ثم دعمت بعد ذلك «الشباب المؤمن» (جناح حسين الحوثي) كمحاولة لشق الزيدية نظراً لما تمثله من خطر على النظام القائم وخصوصا فيما يتصل بإيمان أتباعها بأن الإمامة ينبغي ان تكون في نسل الحسن والحسين وفي رفضها للتوريث. ولعل ذلك هو ما يفسر تحول الحوثيين من «حزب الحق» إلى «المؤتمر الشعبي العام». وإذا كان دعم السلطة للزيدية ثم للحوثية فيما بعد قد تزامن مع تطورات الخلاف الحدودي بين اليمن والسعودية فإن الخلاف بين الجانبين قد تزامن مع التوصل إلى اتفاق الحدود ومع قرار اليمن التحالف مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب. ويبدو ان اتفاق الحدود بين اليمن والسعودية قد أزاح عن السلطة هما كبيراً وفتح أمامها خيارات جديدة. وقد وقع الخيار بحسب المرحلة على فرع معين من الهاشميين «الصوفية» وفرع معين من السنة «السلفية غير السياسية» والتي كشفت الانتخابات الماضية عمق تحالف السلطة معها.
ثانيا، حاولت السلطة احتواء الحوثيين والعمل على تحجيمهم فرد الحوثيون برفع الشعار (الموت لأمريكا... الموت لإسرائيل). فعلى عكس ما يقال بأن الشعار قد كان سببا للخلاف ثم الحرب، فإن الأرجح هو أن الشعار قد مثل تعبيراً عن عمق الخلاف. وقد حاولت السلطة بعد ذلك احتواء حركة الشعار بإلقاء القبض على مردديه في المساجد لكن الخلاف سرعان ما تحول إلى حرب في يونيو 2004م.
ثالثا، بعد مقتل حسين الحوثي في سبتمبر 2004 عملت السلطة على حل النزاع سلميا. ومع ان عبد الملك الحوثي يذكر في حواره مع صحيفة الناس والمشار إليه بعاليه أن الدولة لم تلتزم بعد الحرب الأولى بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إطلاق السجناء وإفساح المجال للناس لممارسة الشعائر الدينية إلاَّ انه ليس من الواضح ان كان الطرفان قد عقدا اتفاقا رتب نهاية للحرب. الشيء الواضح هو ان القوات الحكومية ظلت تنتظر الحوثيين الفارين في الجبال وتقوم بإلقاء القبض على كل من وجدته منهم.
رابعا، في بداية عام 2005 دعا رئيس الجمهورية بدر الدين الحوثي الذي تولى قيادة الشباب المؤمن بعد مقتل نجله حسين إلى صنعاء للبقاء فيها لبضعة أشهر حتى يتم التفاهم على حل نهائي للصراع. كان الرئيس بحسب رواية الحوثيين قد وعد الحوثي الأب بإطلاق جميع السجناء ووقف المحاكمات والأعمال العسكرية ان هو جاء إليه في صنعاء. وقد انتظر الحوثي الأب في صنعاء حتى مارس لكنه لم يتمكن من مقابلة الرئيس. وقد وجه الحوثي الأب في التاسع من مارس 2005 نداء للرئيس طالبه فيه بالإيفاء بوعده بإطلاق السجناء وإيقاف المحاكمات. ثم ما لبث بدر الدين ان عاد إلى صعدة في منتصف مارس لتشتعل الحرب مجدداً. وفي الوقت الذي تقول فيه الحكومة ان الحوثي الأب رفض العفو العام يقول هو ان الحكومة تراجعت عن وعودها بإطلاق المعتقلين وتوقيف المحاكمات للشباب المؤمن.
خامساً، انتهت الحرب الثانية بترتيبات معينة كان من ضمنها العفو العام الذي أعلنه الرئيس في 25 سبتمبر 2005 والبدء بإطلاق المساجين والتعويضات وغيرها. لكن المسألة لم تحسم نهائياً. ويبدو ان الجهاز التنفيذي لم يستطع التعامل مع المسألة بالكفاءة المطلوبة. بعض المساجين لم يطلقوا وبعض التعويضات كما يبدو لم تسلم وبعض الإجراءات لم تنفذ. مرة أخرى لم تتم تصفية الموضوع نهائياً.
تحالفات معقدة
تتقاطع في حرب صعدة بجولاتها الثلاث العديد من الخيوط مما يصعب من مهمة أي محلل في فك
حرب صعدة بجولاتها الثلاث تتقاطع فيها العديد من الخيوط تصعب مهمة أي محلل في فك طلاسمها
طلاسمها. فتوصيف الحرب على أنها مواجهة بين الدولة و«السادة» مثلا هو قول غير دقيق لأنه ليس كل «السادة» في صف «الحوثي» ولا كل من في الدولة «غير سيد». وينطبق نفس الأمر على توصيف الحرب بأنها مواجهة بين «الدولة» (كمؤسسة سلفية) و«الزيدية» لان الدولة في اليمن «تسربل في الصلاة» دائماً ونادراً جداً ما «تضم». وبالرغم من ان الحوثيين يحاولون، كما تقول الباحثة الأسترالية سارة فيلبس، تصوير الصراع على انه صراع مذهبي بين «السنة» و«الشيعة» إلا ان وجهة النظر تلك تبدو بعيدة عن الواقع. ويتفق الأستاذ طارق الشامي رئيس الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) مع فيلبس. فقد رد الشامي في حوار على قناة الجزيرة على اتهامات عبدالملك الحوثي بان الحرب الجارية هي حرب ضد الزيدية «أنا زيدي والرئيس زيدي». ولو أن الشامي قال «أنا هاشمي مثل عبدالملك» لنفى أيضاً الطبيعة العرقية للصراع.
ومع أخذ الانقسامات السياسية المعقدة في اليمن والتي كما تقول الباحثة فيلبس تعبر المذاهب والقبائل والمناطق والقوى، فان الصراع الدائر يبدو أقرب ما يكون إلى صراع بين أتباع المذهب الواحد- المذهب الزيدي، وعلى نحو أكثر تحديداً بين الزيود الهاشميين وبعض مناصريهم من الزيود غير الهاشميين من جهة، وبين الزيود غير الهاشميين وبعض المناصرين لهم من الهاشميين من جهة أخرى. ومع أخذ الفوارق الواضحة في الاعتبار فإن الصراع العنيف الدائر في صعدة يشبه كثيراً حرب يناير 1986 بين أجنحة الاشتراكي. وما لم تكن انتخابات صعدة مزورة فإن نتائجها تؤكد ما يذهب إليه الكاتب هنا من ان الحوثية هي جناح داخل الحزب الحاكم. لكن طبيعة التحالفات السياسية في اليمن تتيح لكل طرف التلاعب بتعريف الصراع كيفما شاء.
والصراع في جوهره صراع حول الموارد العامة وليس حول المذهبية (زيدي- سلفي) أو الهوية (هاشمي -غير هاشمي) للجماعات المتصارعة. وفي الوقت الذي يسعى فيه الزيود غير الهاشميين وحلفاؤهم من الهاشميين، باستخدام الدولة ومؤسساتها ومواردها، إلى إضعاف الزيدية السياسية (الشرعية التاريخية في الحكم لفئة معينة) القائمة أو المحتملة بغية الحفاظ على مواقعهم في السلطة فإن الزيود الهاشميين ومناصريهم من غير الهاشميين يحاولون جاهدين زيادة نفوذ الزيدية أو على الأقل الحفاظ على مكانتها الحالية سعيا للوصول إلى السلطة- السيطرة على الدولة بغية تعظيم نصيب الجماعة من الموارد. ومع ان الصراع حول السلطة في أي مجتمع يمكن ان يكون سلميا باتباع الآلية الديمقراطية إلاَّ ان ضعف الآلية الديمقراطية في البلاد قد وصل كما يبدو إلى درجة بدأت معها الديمقراطية تفسح المجال لآلية أخرى.
وتقوم إستراتيجية الزيود غير الهاشميين وحلفائهم من الزيود الهاشميين على تصوير الصراع ولأسباب تتصل بالحشد ضد الخصم على انه معركة بين الدولة وجماعة خارجة عليها، بين القوى الملكية والجمهورية، بين جماعة عنصرية تعتقد بأن حكم البلاد حقا لها لأنها مميزة عن غيرها وبين دعاة المساواة، بين الإثنا عشرية والمذاهب اليمنية، وبين القوى العميلة للخارج والقوى الوطنية. أما الزيود الهاشميون ومناصروهم من الزيود غير الهاشميين فتقوم إستراتيجيتهم، الهادفة إلى حشد الدعم الداخلي والخارجي، على تصوير الصراع على انه أولا صراع بين الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في اليمن من جهة وبين المدافعين عن الإسلام والأمة الإسلامية من جهة ثانية، وثانياً على انه صراع بين الزيدية والسلفية، وثالثاً على انه صراع بين قوى تساند الحريات وحقوق الإنسان وقوى مستبدة ومنتهكة للحقوق. وقد حقق الحوثيون بعض النجاح في بداية الحرب الأولى وفي بداية الحرب الثالثة في تصوير خصومهم وكأنهم يحاربون في صف اليهود ضد المسلمين. وإذا كانت الحرب الأولى قد بدت وكأنها حرب بسبب شعار «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل» فإن الحرب الثالثة تبدو بدورها وكأنها حرب تشنها الحكومة اليمنية ضد الحوثيين بسبب طردهم لليهود. ولعل هذا ما يفسر قيام السلطة وبشكل متكرر بتسريب خبر يتهم اليهود بالقتال مع الحوثي. لكن التكتيك الذي يوظفه حزب الله في لبنان فيحقق نجاحاً كبيراً هناك لا يمكن ان ينجح في صعدة لسبب بسيط هو أن اليمن يبعد كثيرا عن أمريكا وعن إسرائيل. أما تصوير الصراع على انه صراع بين الزيدية والسلفية فقد ارتبط نجاحه وما زال بالإجراءات التي تتخذها الدولة ضد الزيدية بشكل عام. وإذا كانت التحالفات المعقدة داخل المجتمع اليمني قد جعلت الحوثيين يتجنبون تصوير الصراع على انه صراع بين الهاشميين والدولة فإن محاولات الدولة تصوير الصراع بهذا الشكل وإجراءاتها ضد الهاشميين قد جعلت الحوثيين يحاولون بطريقة حذرة الاستفادة من أخطاء الدولة.
براءة ذمة
حاول كاتب هذا المقال وللمرة الثانية وفي ظل المعلومات الشحيحة أن يقترب من الأسباب التي أدت إلى اندلاع أحداث صعدة والى استمرارها فيما بعد. والكاتب بهذه المناسبة وبدون أدنى تردد وبغض النظر عن الأسباب يدين الحرب الدائرة في صعدة ويدين توظيف العنف في حل الخلافات بين اليمنيين وبغض النظر عن الطرف الذي يوظف العنف. ولا يساور الكاتب أدنى شك في ان الحرب الدائرة في صعدة والتي يقتل فيها اليمني أخاه اليمني لن تحل أي مشكلة ولن تحقق شيئاً لأي طرف. وكل ما يمكن ان تؤدي إليه حرب مثل هذه هو المزيد من التفرقة والمزيد من الثارات والأحقاد التاريخية والمزيد من الأضعاف للبلاد دولة ورئيسا وحكومة وشعباً.
استاذ العلوم السياسية- جامعة صنعاء
DRALFAQIH@YAHOO.COM
نقلا / عن الوسط
http://www.marebpress.net/articles.php?id=1408
مأرب برس
بقلم/ د / عبد الله الفقيه
يذهب تقرير قدمه رئيس جهاز الأمن القومي إلى مجلس الشورى ونشر الشهر الماضي إلى أن الخسائر البشرية في صفوف قوات الجيش والأمن من جراء أحداث صعدة قد توزعت كما يلي:
أ- الحرب الأولى والتي بدأت بتاريخ 20/6/2004م واستمرت حتى 10/9/2004م وسقط فيها 473 شهيداً و2588 جريحاً بينما بلغت الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة 600 مليون دولار؛
ب- الحرب الثانية والتي ابتدأت في 19/3/2005 واستمرت حتى 12/4/2005 وسقط فيها 254 شهيداً و 2708 جرحى بالإضافة إلى 80 مليون دولار كنفقات؛
ج- نفذ الحوثيون خلال عام 2006 هجمات أدت إلى سقوط 42 شهيدا و81 جريحاً؛
د- نفذ الحوثيون خلال شهر فبراير والنصف الأول من مارس هجمات على مواقع الجيش والنقاط العسكرية أدت إلى سقوط 20 قتيلاً و38 جريحاً.
وفي الوقت الذي لم يشر فيه تقرير الأمن القومي إلى خسائر «الحوثيين» والمدنيين في الأرواح أو في الممتلكات يذهب عادل الذهب المحامي اليمني المقيم في كندا في بحث تقدم به إلى إحدى الجامعات الأمريكية إلى ان عدد قتلى الحرب يتراوح بين 4000 (تقديرات الصحفي عبدالفتاح الحكيمي) و20000 (تقديرات النائب يحي الحوثي) بالإضافة إلى تشريد 65000 نسمة وتهديم 533 منزلاً و22 مدرسة. أما عدد المحتجزين في السجون فوصل إلى حوالي 1500 سجين. وكان تقرير صادر عن وزارة الداخلية قد أكد عدد المنازل والمدارس التي تهدمت من جراء الأحداث.
ومع ان اليمنيين يبدون في الظاهر وكأنهم يتقاتلون من اجل «دجاجة» ويبيعون «الحول» من اجل المشارعة على «بقعة صغيرة» إلا أنه من الصعب القول بأن الحروب المتعاقبة بين «الدولة» و«الحوثيين» والتي بدأت في يونيو 2004 ولم تنته حتى اليوم هي بسبب شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل».
رؤية الحوثيين
يقول عبدالملك الحوثي الزعيم الجديد للشباب المؤمن في مقابلة أجراها معه الصحفي محمد الظاهري ونشرت في صحيفة الناس بتاريخ 12 فبراير 2007 ان سبب الصراع هو النشاط الثقافي للشباب المؤمن ومعارضتهم للهيمنة الأمريكية في المنطقة. فوفقا لعبد الملك فان الدولة تعاطت مع أنشطتهم التي تندرج في إطار الدستور والقانون «بطريقة عدائية، وغير منطقية» حيث قامت بتنفيذ اعتقالات في جامع الإمام الهادي في صعدة والجامع الكبير في صنعاء. وكانت تلك الاعتقالات التي قام بها الأمن السياسي مصحوبة بالضرب المبرح والمعاملة القاسية للمحتجزين في سجون الأمن السياسي. كما ان الدولة قامت -وما يزال الحديث لعبدالملك- بإيقاف مرتبات كثير من الموظفين وطرد البعض وفصل البعض الثالث. ويفسر عبدالملك سلوك الدولة ضدهم بأنه نتيجة لـ:
أ- رغبة الدولة في التحكم في كل شيء داخل اليمن (يمكن ترجمة القول ليعني تغييب السلطة للتمثيل السياسي للهاشميين وغيرهم من الجماعات)؛
ب- التحريض الأمريكي ضدهم ورغبة المسئولين في التقرب من الأمريكيين (ارتهان السلطة للخارج)؛
ج- وجود جناح في السلطة يستهدفهم كفئة اجتماعية معينة وخصوصا بعد ظهور نشاطهم الثقافي (استبداد الدولة وممارستها للتمييز ضد الهاشميين).
ويعزو عبد الملك تمسك الجماعة بالشعار ورفضهم التخلي عنه إلى:
أ- المسئولية أمام الله؛
ب- المسئولية أمام الأمة الإسلامية؛
ج- المسئولية أمام الشعب اليمني؛
د- كشف الزيف الأمريكي المتعلق بالحرية والديمقراطية.
ويضيف عبدالملك بأن الحملة العسكرية التي شنتها الدولة عليهم في عام 2004 لم تقتصر على إغلاق وتدمير بعض مساجد ومراكز الشباب المؤمن كلياً أو جزئياً ولكنها امتدت إلى إغلاق المدارس الزيدية بشكل عام وسواء أكانت محسوبة عليهم أو على غيرهم، ولتشمل أيضا تغيير أئمة وخطباء الكثير من المساجد بخطباء وصفهم بأنهم «حاقدين على الزيدية ولديهم خطاب تكفيري وعدائي». وفي الوقت الذي اقر فيه عبدالملك بتلقيهم لمعونة شهرية من الدولة تقدر بحوالي 2000 دولار بسعر صرف الريال الحالي فإنه أتهم الدولة بدعم السلفيين بدرجة أكبر وذلك لاستهداف الزيدية واستخدام المذهبية ك«ورقة ضغط بيدها لضرب أبناء الشعب اليمني بعضهم ببعض».
أما عن سبب رفع «الشباب المؤمن» للسلاح في وجه الدولة وبقائهم في الجبال رغم قرارات العفو فيقول عبدالملك إنهم رفعوا السلاح في الحرب الأولى دفاعا عن النفس. ويقول يحيى الحوثي- وهو شقيق عبدالملك ونائب في البرلمان اليمني ينشط حالياً في الخارج- في حديث للشرق الأوسط «عندما يهاجم الثعلب أو الذئب منزلك فماذا ستفعل؟» كما يقول عبدالملك إن الدولة لم تلتزم بعد الحرب الأولى بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إطلاق السجناء وإفساح المجال للناس لممارسة الشعائر الدينية. وقامت بدلاً عن ذلك بالمزيد من الاعتقالات وضيقت على أبناء المحافظة ومنعتهم من الاحتفال بالمناسبات الدينية مثل عيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم شنت عليهم حربا ثانية اضطرتهم إلى الخروج إلى الجبال، ليس كمتمردين ولكن كمشردين.
رؤية السلطة
برغم ان خطاب الحوثيين يستخدم الرموز كثيرا في تعبيره عن مطالبه وهو ما يضفي عليه بعض الغموض إلا ان ذلك الخطاب -وبغض النظر عن شرعيته- يبدو للقارئ المتمعن أكثر وضوحاً واستقراراً وعقلانية من خطاب الدولة وان كان ليس بالضرورة أكثر إقناعا. فأحاديث الداعية حسين الحوثي خلال الحرب الأولى وأحاديث الأب بدر الدين الحوثي (خلال الحرب الثانية في 2005) ثم أحاديث عبدالملك وأخيه يحيى هذا العام (2007) تصب كلها تقريبا في نفس الاتجاه. وعلى العكس من ذلك فإن السلطة وكما يبدو تتحدث بأكثر من صوت وتمارس السياسة بأكثر من يد. فإذا كانت صحيفة سبتمبر قد أشارت في مايو 2004 إلى ان علماء الزيدية يدينون أفكار الحوثي وتصرفاته المتطرفة فإن الدولة ومع اندلاع المواجهات بدأت تتهم حسين الحوثي بالإدعاء انه المهدي المنتظر وبأنه مدعوم من قبل يهود صعدة، وبأنه يعمل على تنفيذ مخططات أعدتها أجهزة استخبارات أجنبية لإعاقة التنمية في اليمن وإخافة المستثمرين وضرب الوحدة الوطنية. ويخلط الكثير من المحسوبين على السلطة بين الدعاية الحزبية وبين الخطاب السياسي المصاحب للحرب. كما يخلط خطاب الدولة بين الأسباب والنتائج. ويظهر ذلك واضحاً في ميل الخطاب الرسمي إلى الحديث عن إشهار الحوثيين للسلاح في وجه الدولة، تحصنهم في الجبال، الحصول على أسلحة، جمع الأموال من الداخل والخارج، والاعتداء على القوات المسلحة والأمن كأسباب للحرب.
وبرغم ان الحركة يمكن ان توصف ببساطة ووضوح على أنها «تمرد على الدولة» كما قال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب وبغض النظر عن الأسباب إلاَّ ان الخطاب الرسمي يضيع الصدق بكثرة الكذب. فالحديث عن الإرهاب والمخططات الخارجية والدعم الإيراني والليبي والإثنا عشرية والصفوية وعنصرية «الهاشميين» وغير ذلك من الأمور مثلت كلها ضربات للنسيج الاجتماعي للوحدة الوطنية وزعزعت الاستقرار وأوهمت الناس بأن دعم الحوثيين يمتد من شمال اليمن إلى إيران ومن شرق الوطن العربي إلى غربه، وهو ما وسع من رقعة التأييد والمساندة للمتمردين في أوساط الهاشميين والزيدية بشكل عام.
قصة ما حدث
بعيداً عن الخطاب الرسمي وعن تبريرات الحوثيين فإن ما حدث يبدو اقرب ما يكون إلى التالي.
أولاً، دعمت الدولة -ولأسباب تتعلق بلعبة التوازنات السياسية الداخلية والخارجية والتي تكفل محافظة الحكام على مواقعهم واستقرار النظام- المدارس الزيدية والمذهب الزيدي في مقابل العمل على إضعاف الحركات الدينية السنية المدعومة من السعودية. ثم دعمت بعد ذلك «الشباب المؤمن» (جناح حسين الحوثي) كمحاولة لشق الزيدية نظراً لما تمثله من خطر على النظام القائم وخصوصا فيما يتصل بإيمان أتباعها بأن الإمامة ينبغي ان تكون في نسل الحسن والحسين وفي رفضها للتوريث. ولعل ذلك هو ما يفسر تحول الحوثيين من «حزب الحق» إلى «المؤتمر الشعبي العام». وإذا كان دعم السلطة للزيدية ثم للحوثية فيما بعد قد تزامن مع تطورات الخلاف الحدودي بين اليمن والسعودية فإن الخلاف بين الجانبين قد تزامن مع التوصل إلى اتفاق الحدود ومع قرار اليمن التحالف مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب. ويبدو ان اتفاق الحدود بين اليمن والسعودية قد أزاح عن السلطة هما كبيراً وفتح أمامها خيارات جديدة. وقد وقع الخيار بحسب المرحلة على فرع معين من الهاشميين «الصوفية» وفرع معين من السنة «السلفية غير السياسية» والتي كشفت الانتخابات الماضية عمق تحالف السلطة معها.
ثانيا، حاولت السلطة احتواء الحوثيين والعمل على تحجيمهم فرد الحوثيون برفع الشعار (الموت لأمريكا... الموت لإسرائيل). فعلى عكس ما يقال بأن الشعار قد كان سببا للخلاف ثم الحرب، فإن الأرجح هو أن الشعار قد مثل تعبيراً عن عمق الخلاف. وقد حاولت السلطة بعد ذلك احتواء حركة الشعار بإلقاء القبض على مردديه في المساجد لكن الخلاف سرعان ما تحول إلى حرب في يونيو 2004م.
ثالثا، بعد مقتل حسين الحوثي في سبتمبر 2004 عملت السلطة على حل النزاع سلميا. ومع ان عبد الملك الحوثي يذكر في حواره مع صحيفة الناس والمشار إليه بعاليه أن الدولة لم تلتزم بعد الحرب الأولى بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إطلاق السجناء وإفساح المجال للناس لممارسة الشعائر الدينية إلاَّ انه ليس من الواضح ان كان الطرفان قد عقدا اتفاقا رتب نهاية للحرب. الشيء الواضح هو ان القوات الحكومية ظلت تنتظر الحوثيين الفارين في الجبال وتقوم بإلقاء القبض على كل من وجدته منهم.
رابعا، في بداية عام 2005 دعا رئيس الجمهورية بدر الدين الحوثي الذي تولى قيادة الشباب المؤمن بعد مقتل نجله حسين إلى صنعاء للبقاء فيها لبضعة أشهر حتى يتم التفاهم على حل نهائي للصراع. كان الرئيس بحسب رواية الحوثيين قد وعد الحوثي الأب بإطلاق جميع السجناء ووقف المحاكمات والأعمال العسكرية ان هو جاء إليه في صنعاء. وقد انتظر الحوثي الأب في صنعاء حتى مارس لكنه لم يتمكن من مقابلة الرئيس. وقد وجه الحوثي الأب في التاسع من مارس 2005 نداء للرئيس طالبه فيه بالإيفاء بوعده بإطلاق السجناء وإيقاف المحاكمات. ثم ما لبث بدر الدين ان عاد إلى صعدة في منتصف مارس لتشتعل الحرب مجدداً. وفي الوقت الذي تقول فيه الحكومة ان الحوثي الأب رفض العفو العام يقول هو ان الحكومة تراجعت عن وعودها بإطلاق المعتقلين وتوقيف المحاكمات للشباب المؤمن.
خامساً، انتهت الحرب الثانية بترتيبات معينة كان من ضمنها العفو العام الذي أعلنه الرئيس في 25 سبتمبر 2005 والبدء بإطلاق المساجين والتعويضات وغيرها. لكن المسألة لم تحسم نهائياً. ويبدو ان الجهاز التنفيذي لم يستطع التعامل مع المسألة بالكفاءة المطلوبة. بعض المساجين لم يطلقوا وبعض التعويضات كما يبدو لم تسلم وبعض الإجراءات لم تنفذ. مرة أخرى لم تتم تصفية الموضوع نهائياً.
تحالفات معقدة
تتقاطع في حرب صعدة بجولاتها الثلاث العديد من الخيوط مما يصعب من مهمة أي محلل في فك
حرب صعدة بجولاتها الثلاث تتقاطع فيها العديد من الخيوط تصعب مهمة أي محلل في فك طلاسمها
طلاسمها. فتوصيف الحرب على أنها مواجهة بين الدولة و«السادة» مثلا هو قول غير دقيق لأنه ليس كل «السادة» في صف «الحوثي» ولا كل من في الدولة «غير سيد». وينطبق نفس الأمر على توصيف الحرب بأنها مواجهة بين «الدولة» (كمؤسسة سلفية) و«الزيدية» لان الدولة في اليمن «تسربل في الصلاة» دائماً ونادراً جداً ما «تضم». وبالرغم من ان الحوثيين يحاولون، كما تقول الباحثة الأسترالية سارة فيلبس، تصوير الصراع على انه صراع مذهبي بين «السنة» و«الشيعة» إلا ان وجهة النظر تلك تبدو بعيدة عن الواقع. ويتفق الأستاذ طارق الشامي رئيس الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) مع فيلبس. فقد رد الشامي في حوار على قناة الجزيرة على اتهامات عبدالملك الحوثي بان الحرب الجارية هي حرب ضد الزيدية «أنا زيدي والرئيس زيدي». ولو أن الشامي قال «أنا هاشمي مثل عبدالملك» لنفى أيضاً الطبيعة العرقية للصراع.
ومع أخذ الانقسامات السياسية المعقدة في اليمن والتي كما تقول الباحثة فيلبس تعبر المذاهب والقبائل والمناطق والقوى، فان الصراع الدائر يبدو أقرب ما يكون إلى صراع بين أتباع المذهب الواحد- المذهب الزيدي، وعلى نحو أكثر تحديداً بين الزيود الهاشميين وبعض مناصريهم من الزيود غير الهاشميين من جهة، وبين الزيود غير الهاشميين وبعض المناصرين لهم من الهاشميين من جهة أخرى. ومع أخذ الفوارق الواضحة في الاعتبار فإن الصراع العنيف الدائر في صعدة يشبه كثيراً حرب يناير 1986 بين أجنحة الاشتراكي. وما لم تكن انتخابات صعدة مزورة فإن نتائجها تؤكد ما يذهب إليه الكاتب هنا من ان الحوثية هي جناح داخل الحزب الحاكم. لكن طبيعة التحالفات السياسية في اليمن تتيح لكل طرف التلاعب بتعريف الصراع كيفما شاء.
والصراع في جوهره صراع حول الموارد العامة وليس حول المذهبية (زيدي- سلفي) أو الهوية (هاشمي -غير هاشمي) للجماعات المتصارعة. وفي الوقت الذي يسعى فيه الزيود غير الهاشميين وحلفاؤهم من الهاشميين، باستخدام الدولة ومؤسساتها ومواردها، إلى إضعاف الزيدية السياسية (الشرعية التاريخية في الحكم لفئة معينة) القائمة أو المحتملة بغية الحفاظ على مواقعهم في السلطة فإن الزيود الهاشميين ومناصريهم من غير الهاشميين يحاولون جاهدين زيادة نفوذ الزيدية أو على الأقل الحفاظ على مكانتها الحالية سعيا للوصول إلى السلطة- السيطرة على الدولة بغية تعظيم نصيب الجماعة من الموارد. ومع ان الصراع حول السلطة في أي مجتمع يمكن ان يكون سلميا باتباع الآلية الديمقراطية إلاَّ ان ضعف الآلية الديمقراطية في البلاد قد وصل كما يبدو إلى درجة بدأت معها الديمقراطية تفسح المجال لآلية أخرى.
وتقوم إستراتيجية الزيود غير الهاشميين وحلفائهم من الزيود الهاشميين على تصوير الصراع ولأسباب تتصل بالحشد ضد الخصم على انه معركة بين الدولة وجماعة خارجة عليها، بين القوى الملكية والجمهورية، بين جماعة عنصرية تعتقد بأن حكم البلاد حقا لها لأنها مميزة عن غيرها وبين دعاة المساواة، بين الإثنا عشرية والمذاهب اليمنية، وبين القوى العميلة للخارج والقوى الوطنية. أما الزيود الهاشميون ومناصروهم من الزيود غير الهاشميين فتقوم إستراتيجيتهم، الهادفة إلى حشد الدعم الداخلي والخارجي، على تصوير الصراع على انه أولا صراع بين الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في اليمن من جهة وبين المدافعين عن الإسلام والأمة الإسلامية من جهة ثانية، وثانياً على انه صراع بين الزيدية والسلفية، وثالثاً على انه صراع بين قوى تساند الحريات وحقوق الإنسان وقوى مستبدة ومنتهكة للحقوق. وقد حقق الحوثيون بعض النجاح في بداية الحرب الأولى وفي بداية الحرب الثالثة في تصوير خصومهم وكأنهم يحاربون في صف اليهود ضد المسلمين. وإذا كانت الحرب الأولى قد بدت وكأنها حرب بسبب شعار «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل» فإن الحرب الثالثة تبدو بدورها وكأنها حرب تشنها الحكومة اليمنية ضد الحوثيين بسبب طردهم لليهود. ولعل هذا ما يفسر قيام السلطة وبشكل متكرر بتسريب خبر يتهم اليهود بالقتال مع الحوثي. لكن التكتيك الذي يوظفه حزب الله في لبنان فيحقق نجاحاً كبيراً هناك لا يمكن ان ينجح في صعدة لسبب بسيط هو أن اليمن يبعد كثيرا عن أمريكا وعن إسرائيل. أما تصوير الصراع على انه صراع بين الزيدية والسلفية فقد ارتبط نجاحه وما زال بالإجراءات التي تتخذها الدولة ضد الزيدية بشكل عام. وإذا كانت التحالفات المعقدة داخل المجتمع اليمني قد جعلت الحوثيين يتجنبون تصوير الصراع على انه صراع بين الهاشميين والدولة فإن محاولات الدولة تصوير الصراع بهذا الشكل وإجراءاتها ضد الهاشميين قد جعلت الحوثيين يحاولون بطريقة حذرة الاستفادة من أخطاء الدولة.
براءة ذمة
حاول كاتب هذا المقال وللمرة الثانية وفي ظل المعلومات الشحيحة أن يقترب من الأسباب التي أدت إلى اندلاع أحداث صعدة والى استمرارها فيما بعد. والكاتب بهذه المناسبة وبدون أدنى تردد وبغض النظر عن الأسباب يدين الحرب الدائرة في صعدة ويدين توظيف العنف في حل الخلافات بين اليمنيين وبغض النظر عن الطرف الذي يوظف العنف. ولا يساور الكاتب أدنى شك في ان الحرب الدائرة في صعدة والتي يقتل فيها اليمني أخاه اليمني لن تحل أي مشكلة ولن تحقق شيئاً لأي طرف. وكل ما يمكن ان تؤدي إليه حرب مثل هذه هو المزيد من التفرقة والمزيد من الثارات والأحقاد التاريخية والمزيد من الأضعاف للبلاد دولة ورئيسا وحكومة وشعباً.
استاذ العلوم السياسية- جامعة صنعاء
DRALFAQIH@YAHOO.COM
نقلا / عن الوسط
http://www.marebpress.net/articles.php?id=1408
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
في طاعة ولي الأمر والخروج عليه
27/03/2007
عبد الله علي صبري- نيوزيمن:
تداعيات أحداث صعدة لا تتوقف عن حد معين، ومن هذه التداعيات ما هو متعلق بالفقه الديني السلطوي الذي يقدم رموزه حراساً للدين والسلطان في استمراء ممجوج للدور الذي لعبه فقهاء السلطة عبر التاريخ الإسلامي.
ومن المفاهيم التي يروج لها إعلام الحاكم اليوم، وبمباركة فقهاء السلطة، مفهوم طاعة ولي الأمر، والذي بدوره يستدعي المفهوم المقابل: الخروج على الإمام الظالم، وهي القاعدة التي يختص بها المذهب الزيدي عن بقية المذاهب الإسلامية.
تاريخياً فإن طاعة ولي الأمر، اقترنت بطاعة الله ورسوله، وكان خطاب أبي بكر الصديق أول خليف للمسلمين تأكيداً على هذا الارتباط الوثيق، إذ قال مخاطباً جمهور الأمة: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
وعلى هذا الأساس كانت خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب، فلما جاء عهد عثمان بن عفان رأى بعض الصحابة في نهجه خروجاً على طاعة الله ورسوله، فكانت الفتنة الكبرة التي شهدت مقتل الخليفة الراشد الثالث.
من هذا المنطلق أيضاً كان خروج الحسين بن علي على يزيد بن معاوية والذي ورث الحكم عن أبيه في مخالفة صريحة للشورى الإسلامية، ولنص اتفاق الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان، حيث تنازل الأول لثاني بالحلافة حقناً لدماء المسلمين، شرطة عودة الأمر شورى بين المسلمين بعد معاوية.
وبخروج الحسين واستشهاده مع ثلة من أصحابه، أضحت مدينة كربلاء رمزاً للمسلمين الشيعة، وكان لأئمة آل البيت محاولات متوالية في الخروج على حكام الدولتين الأموية والعباسية، غير أن النتائج المأساوية التي رافقت كل المحاولات تلك، جعلت فريقاً من الشيعة يميلون إلى "التقية" حفاظاً على سلامة من بقي من ذرية بيت النبوة، وأضحت التقية – فيما بعد- رمزاً للشيعة الإمامية، بينما تمسكت الزيدية بمبدأ الخروج على الإمام الظالم.
وقد تفهم أئمة مذاهب أهل السنة مبدأ الخروج، وبسبب تعاطفهم ومساندتهم لأئمة آل البيت تعرض الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة لصنوف الاضطهاد والتعذيب على يدي حكام الدولة العباسية، وبمرور الزمن تم إقصاء أئمة الشيعة من المسرح السياسي، وظهر تحالف بين فقهاء مذاهب أهل السنة وحكام الدولة الإسلامية على قاعدة أن "أولي الأمر" هم العلماء والأمراء، وأوجب العلماء الطاعة المطلقة للأمراء ما لم يصدر من أحدهم كفراً بواحاً، وفي ظل هذا التحالف انتشرت مذاهب أهل السنة في مقابل إنزواء مذاهب الشيعة!
من جهتها استطاعت الزيدية تجاوز هذا الحصار، ونجحت في إقامة الدولة الهادوية باليمن، ورغبة منها في تقديم نموذجاً مغايراً لما ألفه الناس في ظل حكم الدولتين الأموية والعباسية، حددت النظرية الزيدية شروطاً دقيقة فيمن تولى أمر المسلمين، وكبحاً لاستبداد الحاكم أبقت النظرية حق الخروج على الحاكم الزيدي إذا انحرف وخالف شروط الحكم، فكان صراع الأئمة في إطار النظرية الزيدية مستعرً حتى قيام ثورة 26سبتمبر 1962.
وبرغم الضرر البين لمبدأ الخروج والذي ارتد إلى أعناق القائلين به، إلا أن فقهاء الزيدية تمسكوا بالمبدأ دونما مراجعة، كان مفترضاً أن تتيحها الزيدية المنفتحة على الاجتهاد والعقلـ والتي أنتجت بانفتاحها فكراً تنويرياً مشهوراً في الوقت الذي كانت الأمة الإسلامية تفرق فيما عرف بعصر التردي والانحطاط.
في اتجاه مغايراً استندت الثورة اليمنية (1948- 1962) إلى مبدأ الخروج على الحاكم الظالم، إذ أفتى علماء الزيدية بوجوب الخروج على الإمام يحيى حميد الدين فكانت ثورة 1948م الثورة الدستورية التي – رغم فشلها- مهدت لقيام الجمهورية العربية اليمنية سابقاً، وإنهاء دولة الأئمة.
الجمهورية والوهج الثوري، فرضا مفاهيم وأفكار جديدة، وتوارث في المقابل الأفكار المرتبطة بالشرعية الدينية للحكم (الطاعة، الخروج) وبقيام الجمهورية اليمنية على قاعدة الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، أعلن علماء الزيدية تخليهم عن مبدأ الخروج باعتبار أن التغيير يجب أن يكون عبر صندوق الاقتراع، وحظي هذا الحسم برضى الخاصة والعامة، وأصبح الحديث عن شرعية الحاكم وحق معارضته يدور حول الدستور الذي ينظم التداول السلمي للسلطة وفق المبدأ الديمقراطي، وفي إطار أن الحكم للأمة، وما الحاكم إلا أجير لدى الشعب ويمكن عزله وتغييره متى أساء استخدام سلطته، وما عاد مستساغاً الحديث عن طاعة ولي الأمر، إذ السلطات نظرياً ليست بيد الرئيس، فالطاعة هي للدستور ومؤسسات الدولة، وكما أن الدستور يحدد صلاحيات رئيس الدولة، فإنه يحدد قبل ذلك حقوق وواجبات المواطنة التي لا يجوز للرئيس نفسه التعدي عليها.
وبرغم الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية في الدستور، إلا أن السلطة مع بداية حرب صعدة أعادتنا إلى الصفر بالحديث عن الشرعية الدينية للحكم، وإذا بفقهاء السلطة يجترون التاريخ بتركيز الحديث عن طاعة ولي الأمر، وحرمة الخروج عليه، متجاهلين أن الشرعية تقوم على التزام الحاكم والمحكومين بالدستور، واحترام مؤسسات الدولة وقوانينها.
ويتجاهل فقهاء السلطة أن إثارة مصطلحات الماضي القريب والبعيد، واستخدام الفتاوى الدينية في قمع معارضي السلطة أو المتمردين عليها، يستدعي في المقابل إبراز الفتاوى القديمة المتعلقة بشروط ولي الأمر، وأحقية الخروج عليه إذ انحرف.
وفوق ذلك، فإن الترويج للشرعية الدينية، إنما يعزز نزعات الخروج على الدستور، حيث غدت شرعية منقوصة وفقاً لفتاوى الفقهاء الذين يرون في ولي الأمر مجمع السلطات كلها.
وأكاد أجزم أن القول بطاعة ولي الأمر- الفرد، هو الوجه الآخر لمقولة الخروج عليه إذا ظلم، وكلا القولين في عصرنا الراهن يستهدفان شرعية الدستور، ويؤديان إلى نتيجة واحدة هي الاستبداد... استبداد في ظل الخنوع (فقه الطاعة) واستبداد في ظل القمع (فقه الخروج)!
http://newsyemen.net/view_news.asp?sub_ ... 3_27_12639
27/03/2007
عبد الله علي صبري- نيوزيمن:
تداعيات أحداث صعدة لا تتوقف عن حد معين، ومن هذه التداعيات ما هو متعلق بالفقه الديني السلطوي الذي يقدم رموزه حراساً للدين والسلطان في استمراء ممجوج للدور الذي لعبه فقهاء السلطة عبر التاريخ الإسلامي.
ومن المفاهيم التي يروج لها إعلام الحاكم اليوم، وبمباركة فقهاء السلطة، مفهوم طاعة ولي الأمر، والذي بدوره يستدعي المفهوم المقابل: الخروج على الإمام الظالم، وهي القاعدة التي يختص بها المذهب الزيدي عن بقية المذاهب الإسلامية.
تاريخياً فإن طاعة ولي الأمر، اقترنت بطاعة الله ورسوله، وكان خطاب أبي بكر الصديق أول خليف للمسلمين تأكيداً على هذا الارتباط الوثيق، إذ قال مخاطباً جمهور الأمة: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
وعلى هذا الأساس كانت خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب، فلما جاء عهد عثمان بن عفان رأى بعض الصحابة في نهجه خروجاً على طاعة الله ورسوله، فكانت الفتنة الكبرة التي شهدت مقتل الخليفة الراشد الثالث.
من هذا المنطلق أيضاً كان خروج الحسين بن علي على يزيد بن معاوية والذي ورث الحكم عن أبيه في مخالفة صريحة للشورى الإسلامية، ولنص اتفاق الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان، حيث تنازل الأول لثاني بالحلافة حقناً لدماء المسلمين، شرطة عودة الأمر شورى بين المسلمين بعد معاوية.
وبخروج الحسين واستشهاده مع ثلة من أصحابه، أضحت مدينة كربلاء رمزاً للمسلمين الشيعة، وكان لأئمة آل البيت محاولات متوالية في الخروج على حكام الدولتين الأموية والعباسية، غير أن النتائج المأساوية التي رافقت كل المحاولات تلك، جعلت فريقاً من الشيعة يميلون إلى "التقية" حفاظاً على سلامة من بقي من ذرية بيت النبوة، وأضحت التقية – فيما بعد- رمزاً للشيعة الإمامية، بينما تمسكت الزيدية بمبدأ الخروج على الإمام الظالم.
وقد تفهم أئمة مذاهب أهل السنة مبدأ الخروج، وبسبب تعاطفهم ومساندتهم لأئمة آل البيت تعرض الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة لصنوف الاضطهاد والتعذيب على يدي حكام الدولة العباسية، وبمرور الزمن تم إقصاء أئمة الشيعة من المسرح السياسي، وظهر تحالف بين فقهاء مذاهب أهل السنة وحكام الدولة الإسلامية على قاعدة أن "أولي الأمر" هم العلماء والأمراء، وأوجب العلماء الطاعة المطلقة للأمراء ما لم يصدر من أحدهم كفراً بواحاً، وفي ظل هذا التحالف انتشرت مذاهب أهل السنة في مقابل إنزواء مذاهب الشيعة!
من جهتها استطاعت الزيدية تجاوز هذا الحصار، ونجحت في إقامة الدولة الهادوية باليمن، ورغبة منها في تقديم نموذجاً مغايراً لما ألفه الناس في ظل حكم الدولتين الأموية والعباسية، حددت النظرية الزيدية شروطاً دقيقة فيمن تولى أمر المسلمين، وكبحاً لاستبداد الحاكم أبقت النظرية حق الخروج على الحاكم الزيدي إذا انحرف وخالف شروط الحكم، فكان صراع الأئمة في إطار النظرية الزيدية مستعرً حتى قيام ثورة 26سبتمبر 1962.
وبرغم الضرر البين لمبدأ الخروج والذي ارتد إلى أعناق القائلين به، إلا أن فقهاء الزيدية تمسكوا بالمبدأ دونما مراجعة، كان مفترضاً أن تتيحها الزيدية المنفتحة على الاجتهاد والعقلـ والتي أنتجت بانفتاحها فكراً تنويرياً مشهوراً في الوقت الذي كانت الأمة الإسلامية تفرق فيما عرف بعصر التردي والانحطاط.
في اتجاه مغايراً استندت الثورة اليمنية (1948- 1962) إلى مبدأ الخروج على الحاكم الظالم، إذ أفتى علماء الزيدية بوجوب الخروج على الإمام يحيى حميد الدين فكانت ثورة 1948م الثورة الدستورية التي – رغم فشلها- مهدت لقيام الجمهورية العربية اليمنية سابقاً، وإنهاء دولة الأئمة.
الجمهورية والوهج الثوري، فرضا مفاهيم وأفكار جديدة، وتوارث في المقابل الأفكار المرتبطة بالشرعية الدينية للحكم (الطاعة، الخروج) وبقيام الجمهورية اليمنية على قاعدة الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، أعلن علماء الزيدية تخليهم عن مبدأ الخروج باعتبار أن التغيير يجب أن يكون عبر صندوق الاقتراع، وحظي هذا الحسم برضى الخاصة والعامة، وأصبح الحديث عن شرعية الحاكم وحق معارضته يدور حول الدستور الذي ينظم التداول السلمي للسلطة وفق المبدأ الديمقراطي، وفي إطار أن الحكم للأمة، وما الحاكم إلا أجير لدى الشعب ويمكن عزله وتغييره متى أساء استخدام سلطته، وما عاد مستساغاً الحديث عن طاعة ولي الأمر، إذ السلطات نظرياً ليست بيد الرئيس، فالطاعة هي للدستور ومؤسسات الدولة، وكما أن الدستور يحدد صلاحيات رئيس الدولة، فإنه يحدد قبل ذلك حقوق وواجبات المواطنة التي لا يجوز للرئيس نفسه التعدي عليها.
وبرغم الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية في الدستور، إلا أن السلطة مع بداية حرب صعدة أعادتنا إلى الصفر بالحديث عن الشرعية الدينية للحكم، وإذا بفقهاء السلطة يجترون التاريخ بتركيز الحديث عن طاعة ولي الأمر، وحرمة الخروج عليه، متجاهلين أن الشرعية تقوم على التزام الحاكم والمحكومين بالدستور، واحترام مؤسسات الدولة وقوانينها.
ويتجاهل فقهاء السلطة أن إثارة مصطلحات الماضي القريب والبعيد، واستخدام الفتاوى الدينية في قمع معارضي السلطة أو المتمردين عليها، يستدعي في المقابل إبراز الفتاوى القديمة المتعلقة بشروط ولي الأمر، وأحقية الخروج عليه إذ انحرف.
وفوق ذلك، فإن الترويج للشرعية الدينية، إنما يعزز نزعات الخروج على الدستور، حيث غدت شرعية منقوصة وفقاً لفتاوى الفقهاء الذين يرون في ولي الأمر مجمع السلطات كلها.
وأكاد أجزم أن القول بطاعة ولي الأمر- الفرد، هو الوجه الآخر لمقولة الخروج عليه إذا ظلم، وكلا القولين في عصرنا الراهن يستهدفان شرعية الدستور، ويؤديان إلى نتيجة واحدة هي الاستبداد... استبداد في ظل الخنوع (فقه الطاعة) واستبداد في ظل القمع (فقه الخروج)!
http://newsyemen.net/view_news.asp?sub_ ... 3_27_12639
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
تعريف النصر في حرب صعدة
28/03/2007
عادل الذهب - القدس العربي
تعرف الحرب من ضمن تعاريف كثيرة انها استمرار للمفاوضات بوسائل عنيفة. فغاية كل حرب هي تحقيق اهداف سياسية والا كانت تشفيا وانتقاما وعبثا فيفترض ان لكل طرف اهداف يريد انجازها عندما تعجز الاطراف عن التوصل لتسوية من خلال تنازل كل طرف عن جزء من مطالبه. يلجأ الطرفان او طرف لفرض شروطه ووجهة نظره من خلال القوة وحرب صعدة ليست استثناء من هذه القواعد. ولمحاولة تنبؤ موعد نهاية هذه الحرب والوضع النهائي المتوقع ان تصير اليه علينا ان نعرف اهداف كل طرف قبل اندلاع اول مواجهات عسكرية في حزيران (يونيو) 2004. ولغايات هذا المقال فان تعريفي لطرفي الحرب انهما الرئيس علي عبدالله صالح وال الحوثي واما عن اهداف كل طرف قبل الحرب فأتصور انها تكاد تنحصر في الآتي: بالنسبة للرئيس علي عبدالله صالح فهدفه كان اضعاف والتخلص من الحوثي وغيره من الشخصيات والرموز المؤثرة لضمان استفراد هانئ بالسلطة من جهة وضمان توريث سلس للسلطة من جهة اخري.
اما عن اهداف الحوثي فانها البحث عن دور في هذه الحياة له كفرد ولهم كأسرة (ال الحوثي) ولهم كطائفة (زيود وهاشميون). فاذا سلمنا ان هذه هي اهداف كل طرف قبل اندلاع المواجهات اصبح يسيرا علينا تقييم مدي انجاز كل طرف لاهدافه وبالتالي تحديد من المنتصر والي اي مدي تم النصر حتي الان. وعند تطبيق هذه القواعد نجد انه وبالرغم من حدوث ثلاث مواجهات وهذه هي الرابعة (واتوقع ان تكون هناك حربان علي مدي السنتين القادمتين) الا ان النتائج السياسية قد حسمت منذ الحرب الاولي حزيران/يونيو ـ ايلول/سبتمبر 2004. وتفسير ذلك ان الحرب الاولي قد كسرت هيبة الرئيس علي عبدالله وجيشه من خلال الصمود الاسطوري الذي ابداه آل الحوثي. فوفقا لعمليات وزارة الدفاع اليمنية فقد احتاجت محاصرة وقتل الحوثي لاستخدام اربعة عشر لواء بكامل عتادها بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية سوخوي 24 والمقاتلات ميغ 29 وحوامات الاباتشي ودبابات ت 72 وقوة النار من البحر. ووفقا لخبير عسكري فان قوة كهذه قادرة ولوحدها علي تحرير هضبة الجولان في ثماني ساعات (اذا تم استثناء الهجوم المضاد). ولكن هذه القوات الجبارة احتاجت الي ثلاثة اشهر من القتال العنيف وقتل خمسة آلاف انسان وتشريد عشرين الفا وتدمير ستمائة منزل حتي تمت محاصرة حسين الحوثي وقتله.
ونتيجة لهذا الاداء الاسطوري والثبات الذي اذهل اليمنيين وما تزامن معه من تفاعل وحمية وغيرة زيدية وهاشمية بطول اليمن اصبح مركز الطرفين المتحاربين بعد الحرب الاولي كما يلي: اصبح الرئيس علي عبدالله صالح اضعف بكثير بعد الحرب الاولي مقارنة بما كان عليه قبلها حيث ان ادارة البلد كانت تعتمد فيما تعتمد العامل النفسي وهو ما يعبر عنه يمنيا بالقول (كن مهيوبا ولا مجروبا) فكان الرئيس اذا اشتد في امر او اغلظ علي زعيم قبلي في قول حتي يتراجع زعماء القبائل مهابة من الرئيس وخوفا من عواقب تحديه واغضابه سيما بعد تعاظم قوته نتيجة طول بقائه في السلطة كما يعبر عن ذلك المثل اليمني (حرب القبيلي علي الدولة محال) ولكن بعد ان شاهد زعماء القبائل (وهم اهم قوي سياسية في اليمن) عجز وضعف جيش علي عبدالله امام من يراه مشائخ القبائل اقل منهم قوة (الحوثي)، جرأهم ذلك علي الرئيس وكسر هيبته من نفوسهم ووجدوا ان تحديه هو اهون مما كانوا يتصورون ولذا حصل تغير ملموس في تعاملهم مع الرئيس، فنجد ان الشيخ عبدالله الاحمر ورغم خلافاته من حين لاخر مع الرئيس الا انه ولاول مرة يصرح للعلن بنقد قاس للرئيس كنحو قوله لقد دخلنا نفقا مظلما ونجد ابناءه يتجرأون ويصل باحدهم الامر ان يدعو لثورة شعبية لإزالة المظالم واخر يبين ان هناك اشخاصا كثيرين يصلحون لحكم اليمن عدا الرئيس ونجله وهذا الشيخ العواضي احد ابرز نواب الحزب الحاكم ينتقد الرئيس مرارا علي الملأ ويسخر من المعارضة لترشيحها الرئيس صالح في انتخابات 1999 بل ويصل به الامر الي ان يشتبك مع قبيلة الرئيس في عقر دارها بالاسلحة المتوسطة موقعا قتلي وجرحي.
اما عن البرلمان فيمكن رصد التغيرات الآتية: حادثة رفض البرلمان طلب الرئيس تمديد اتفاقية الشراكة النفطية مع شركة هنت الامريكية التي يملك الرئيس بوش الاب اسهما فيها، وكذا رفضه اعتراض الرئيس علي مقترح البرلمان سن قانون يعطي النائب مرتب وزير مدي الحياة. وهذا النائب الوجيه انشط عضو برلماني في الحزب الحاكم يستقيل من الحزب ويزكي في البرلمان مرشح الرئاسة المنافس ويدعو للتبرع لحملته ولو سرا باعتبارها تطفئ غضب الرب .
وتعدت نتائج الحرب اضعاف الرئيس لدي المشائخ والبرلمان الي احزاب المعارضة حيث تجرأت بعد الحرب واطلقت مبادرتها الشاملة للاصلاح السياسي واختارت مرشح اجماع وطني خرجت في مهرجاناته الملايين تهتف لاول مرة لليمن لا لفرد.
واكثر من هذا ادت حركة الحوثي الي خروج الرئيس علي ناصر محمد عن صمته منذ الاطاحة به في كانون الثاني (يناير) 1986 وبدءا بتوجيه نقد علني ومباشر لنظام الرئيس علي صالح. ويمكن ادراج حادثة انشقاق اللواء الحسني قائد قوات البحرية كحدث اخر ضمن هذا الاطار.
اما عن الطرف الثاني (آل الحوثي ومن يمثلون) فيلاحظ ان مركزهم بعد الحرب اصبح كما يلي: ادت الحرب والاستهداف لاذكاء الحمية والغيرة بين الزيود وهذا ادي بدوره لاحياء المذهب الزيدي وتجدده، والقاعدة تقول ان الفكر عندما يعمد بالدماء فانه يخلده هذا علي صعيد المذهب، اما علي صعيد السلالة فأدي الشعور بالاستهداف الي تعضيد اواصر الروابط بين الهاشميين فضلا عن كون الحرب اعادت الهاشميين الي صلب الاحداث السياسية كأهم فصيل سياسي رغم عدم وجود اي تمثيل رسمي لهم في البرلمان. وامر اخر يمكن ملاحظته هو ان الزيود والهاشميين كانت تتنازع امر زعامتهم مجموعة اسر ابرزها بيت حميد الدين وبيت الوزير وهؤلاء متنافسون ومتخاصمون وهم في المنفي منذ عقود ومن ثم كانوا اقل اتصالا وارتباطا بالداخل واحداثه واسر اخري في الداخل، وهذا كله شتت شمل الطائفة واذهب ريحها ولكن بعد الحرب فرضت أسرة ال الحوثي نفسها كحاملة للراية والتي انفقت فلذات اكبادها دفاعا عن المذهب وذودا عن الطائفة فاستحقت ودون منازع ان تكون المرجعية الدينية والسياسية للزيود والهاشميين في اليمن، وهذا جعل الطائفة موحدة واقوي سيما في ظل استمرار ال الحوثي في نهجهم.
وبذا نخلص الي ان الحرب الاولي قد حسمت فيها الاهداف السياسية للحرب برمتها حيث خسر الرئيس علي عبدالله صالح كثيرا واصبح اضعف واقل استفرادا بالسلطة واصبح بينه وبين التوريث خرط القتاد، اما ال الحوثي فقد حققوا ما لم يكونوا يحلمون به واصبحوا في وضع افضل بعشرة اضعاف عما كانوا عليه قبل الحرب بحيث استطيع ان اقول جازما ودون مبالغة ان الحوثي لو كان يعلم بمآل الحرب لكان هو الذي بدأها. ويثور سؤال: هل اثرت الحرب الثانية آذار (مارس) 2005 والحرب الثالثة كانون الثاني (يناير) 2006 في نتائج الحرب الاولي التي سردناها؟ والاجابة هنا يقينية واحدة وهي ان النتائج لم تتغير واذا سأل سائل وماذا عن الحرب الراهنة (الرابعة) هل تؤثر في النتائج، اقول وبكل ثقة لو ان الميدان العسكري اصبح في قبضة الرئيس صالح مسيطرا عليه كما يسيطر الشخص علي ورقة بيده ما غير ذلك من النتائج شيئا.
وعندما نحاول تسمية هذه الحرب او توصيفها (بالاضافة للحربين القادمتين اللتين اتوقعهما) طالما لم يعد هناك جدوي من تحقيق اهداف سياسية فأري انها حروب يقصد منها التشفي والانتقام وربما الاعتقاد الخاطئ ان بالامكان تغيير النتائج وما سيحدث انها انما تؤدي لتعميق النتائج وتكريسها.
ہ محام يمني مقيم في كندا
aldahab@yahoo.com
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname ... %20صعدةfff
28/03/2007
عادل الذهب - القدس العربي
تعرف الحرب من ضمن تعاريف كثيرة انها استمرار للمفاوضات بوسائل عنيفة. فغاية كل حرب هي تحقيق اهداف سياسية والا كانت تشفيا وانتقاما وعبثا فيفترض ان لكل طرف اهداف يريد انجازها عندما تعجز الاطراف عن التوصل لتسوية من خلال تنازل كل طرف عن جزء من مطالبه. يلجأ الطرفان او طرف لفرض شروطه ووجهة نظره من خلال القوة وحرب صعدة ليست استثناء من هذه القواعد. ولمحاولة تنبؤ موعد نهاية هذه الحرب والوضع النهائي المتوقع ان تصير اليه علينا ان نعرف اهداف كل طرف قبل اندلاع اول مواجهات عسكرية في حزيران (يونيو) 2004. ولغايات هذا المقال فان تعريفي لطرفي الحرب انهما الرئيس علي عبدالله صالح وال الحوثي واما عن اهداف كل طرف قبل الحرب فأتصور انها تكاد تنحصر في الآتي: بالنسبة للرئيس علي عبدالله صالح فهدفه كان اضعاف والتخلص من الحوثي وغيره من الشخصيات والرموز المؤثرة لضمان استفراد هانئ بالسلطة من جهة وضمان توريث سلس للسلطة من جهة اخري.
اما عن اهداف الحوثي فانها البحث عن دور في هذه الحياة له كفرد ولهم كأسرة (ال الحوثي) ولهم كطائفة (زيود وهاشميون). فاذا سلمنا ان هذه هي اهداف كل طرف قبل اندلاع المواجهات اصبح يسيرا علينا تقييم مدي انجاز كل طرف لاهدافه وبالتالي تحديد من المنتصر والي اي مدي تم النصر حتي الان. وعند تطبيق هذه القواعد نجد انه وبالرغم من حدوث ثلاث مواجهات وهذه هي الرابعة (واتوقع ان تكون هناك حربان علي مدي السنتين القادمتين) الا ان النتائج السياسية قد حسمت منذ الحرب الاولي حزيران/يونيو ـ ايلول/سبتمبر 2004. وتفسير ذلك ان الحرب الاولي قد كسرت هيبة الرئيس علي عبدالله وجيشه من خلال الصمود الاسطوري الذي ابداه آل الحوثي. فوفقا لعمليات وزارة الدفاع اليمنية فقد احتاجت محاصرة وقتل الحوثي لاستخدام اربعة عشر لواء بكامل عتادها بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية سوخوي 24 والمقاتلات ميغ 29 وحوامات الاباتشي ودبابات ت 72 وقوة النار من البحر. ووفقا لخبير عسكري فان قوة كهذه قادرة ولوحدها علي تحرير هضبة الجولان في ثماني ساعات (اذا تم استثناء الهجوم المضاد). ولكن هذه القوات الجبارة احتاجت الي ثلاثة اشهر من القتال العنيف وقتل خمسة آلاف انسان وتشريد عشرين الفا وتدمير ستمائة منزل حتي تمت محاصرة حسين الحوثي وقتله.
ونتيجة لهذا الاداء الاسطوري والثبات الذي اذهل اليمنيين وما تزامن معه من تفاعل وحمية وغيرة زيدية وهاشمية بطول اليمن اصبح مركز الطرفين المتحاربين بعد الحرب الاولي كما يلي: اصبح الرئيس علي عبدالله صالح اضعف بكثير بعد الحرب الاولي مقارنة بما كان عليه قبلها حيث ان ادارة البلد كانت تعتمد فيما تعتمد العامل النفسي وهو ما يعبر عنه يمنيا بالقول (كن مهيوبا ولا مجروبا) فكان الرئيس اذا اشتد في امر او اغلظ علي زعيم قبلي في قول حتي يتراجع زعماء القبائل مهابة من الرئيس وخوفا من عواقب تحديه واغضابه سيما بعد تعاظم قوته نتيجة طول بقائه في السلطة كما يعبر عن ذلك المثل اليمني (حرب القبيلي علي الدولة محال) ولكن بعد ان شاهد زعماء القبائل (وهم اهم قوي سياسية في اليمن) عجز وضعف جيش علي عبدالله امام من يراه مشائخ القبائل اقل منهم قوة (الحوثي)، جرأهم ذلك علي الرئيس وكسر هيبته من نفوسهم ووجدوا ان تحديه هو اهون مما كانوا يتصورون ولذا حصل تغير ملموس في تعاملهم مع الرئيس، فنجد ان الشيخ عبدالله الاحمر ورغم خلافاته من حين لاخر مع الرئيس الا انه ولاول مرة يصرح للعلن بنقد قاس للرئيس كنحو قوله لقد دخلنا نفقا مظلما ونجد ابناءه يتجرأون ويصل باحدهم الامر ان يدعو لثورة شعبية لإزالة المظالم واخر يبين ان هناك اشخاصا كثيرين يصلحون لحكم اليمن عدا الرئيس ونجله وهذا الشيخ العواضي احد ابرز نواب الحزب الحاكم ينتقد الرئيس مرارا علي الملأ ويسخر من المعارضة لترشيحها الرئيس صالح في انتخابات 1999 بل ويصل به الامر الي ان يشتبك مع قبيلة الرئيس في عقر دارها بالاسلحة المتوسطة موقعا قتلي وجرحي.
اما عن البرلمان فيمكن رصد التغيرات الآتية: حادثة رفض البرلمان طلب الرئيس تمديد اتفاقية الشراكة النفطية مع شركة هنت الامريكية التي يملك الرئيس بوش الاب اسهما فيها، وكذا رفضه اعتراض الرئيس علي مقترح البرلمان سن قانون يعطي النائب مرتب وزير مدي الحياة. وهذا النائب الوجيه انشط عضو برلماني في الحزب الحاكم يستقيل من الحزب ويزكي في البرلمان مرشح الرئاسة المنافس ويدعو للتبرع لحملته ولو سرا باعتبارها تطفئ غضب الرب .
وتعدت نتائج الحرب اضعاف الرئيس لدي المشائخ والبرلمان الي احزاب المعارضة حيث تجرأت بعد الحرب واطلقت مبادرتها الشاملة للاصلاح السياسي واختارت مرشح اجماع وطني خرجت في مهرجاناته الملايين تهتف لاول مرة لليمن لا لفرد.
واكثر من هذا ادت حركة الحوثي الي خروج الرئيس علي ناصر محمد عن صمته منذ الاطاحة به في كانون الثاني (يناير) 1986 وبدءا بتوجيه نقد علني ومباشر لنظام الرئيس علي صالح. ويمكن ادراج حادثة انشقاق اللواء الحسني قائد قوات البحرية كحدث اخر ضمن هذا الاطار.
اما عن الطرف الثاني (آل الحوثي ومن يمثلون) فيلاحظ ان مركزهم بعد الحرب اصبح كما يلي: ادت الحرب والاستهداف لاذكاء الحمية والغيرة بين الزيود وهذا ادي بدوره لاحياء المذهب الزيدي وتجدده، والقاعدة تقول ان الفكر عندما يعمد بالدماء فانه يخلده هذا علي صعيد المذهب، اما علي صعيد السلالة فأدي الشعور بالاستهداف الي تعضيد اواصر الروابط بين الهاشميين فضلا عن كون الحرب اعادت الهاشميين الي صلب الاحداث السياسية كأهم فصيل سياسي رغم عدم وجود اي تمثيل رسمي لهم في البرلمان. وامر اخر يمكن ملاحظته هو ان الزيود والهاشميين كانت تتنازع امر زعامتهم مجموعة اسر ابرزها بيت حميد الدين وبيت الوزير وهؤلاء متنافسون ومتخاصمون وهم في المنفي منذ عقود ومن ثم كانوا اقل اتصالا وارتباطا بالداخل واحداثه واسر اخري في الداخل، وهذا كله شتت شمل الطائفة واذهب ريحها ولكن بعد الحرب فرضت أسرة ال الحوثي نفسها كحاملة للراية والتي انفقت فلذات اكبادها دفاعا عن المذهب وذودا عن الطائفة فاستحقت ودون منازع ان تكون المرجعية الدينية والسياسية للزيود والهاشميين في اليمن، وهذا جعل الطائفة موحدة واقوي سيما في ظل استمرار ال الحوثي في نهجهم.
وبذا نخلص الي ان الحرب الاولي قد حسمت فيها الاهداف السياسية للحرب برمتها حيث خسر الرئيس علي عبدالله صالح كثيرا واصبح اضعف واقل استفرادا بالسلطة واصبح بينه وبين التوريث خرط القتاد، اما ال الحوثي فقد حققوا ما لم يكونوا يحلمون به واصبحوا في وضع افضل بعشرة اضعاف عما كانوا عليه قبل الحرب بحيث استطيع ان اقول جازما ودون مبالغة ان الحوثي لو كان يعلم بمآل الحرب لكان هو الذي بدأها. ويثور سؤال: هل اثرت الحرب الثانية آذار (مارس) 2005 والحرب الثالثة كانون الثاني (يناير) 2006 في نتائج الحرب الاولي التي سردناها؟ والاجابة هنا يقينية واحدة وهي ان النتائج لم تتغير واذا سأل سائل وماذا عن الحرب الراهنة (الرابعة) هل تؤثر في النتائج، اقول وبكل ثقة لو ان الميدان العسكري اصبح في قبضة الرئيس صالح مسيطرا عليه كما يسيطر الشخص علي ورقة بيده ما غير ذلك من النتائج شيئا.
وعندما نحاول تسمية هذه الحرب او توصيفها (بالاضافة للحربين القادمتين اللتين اتوقعهما) طالما لم يعد هناك جدوي من تحقيق اهداف سياسية فأري انها حروب يقصد منها التشفي والانتقام وربما الاعتقاد الخاطئ ان بالامكان تغيير النتائج وما سيحدث انها انما تؤدي لتعميق النتائج وتكريسها.
ہ محام يمني مقيم في كندا
aldahab@yahoo.com
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname ... %20صعدةfff
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
صعدة: جيوش برانية من جهاديين ورجال قبائل - جلال الشرعبي
الأربعاء , 28 مارس 2007 م
السلفيون.. جيوش برانية في صعدة
تقدم السلطة دعماً سخياً هذه الأيام مصحوباً بحرية في الحركة.. لكن اللافت أن هذه الجماعة أضحت الآن تعد في معسكرات خاصة رسمياً لإشراكها في حرب صعدة..
وحسب مصادر خاصة فإن معسكراً خاصاً بالسلفيين الجهاديين تم تجهيزه في محافظة لحج ويتلقون التدريب اللازم تمهيداً للمشاركة لمساندة القوات الحكومية في مواجهة التمرد الذي يقوده عبدالملك الحوثي في العديد من مديريات صعدة.
غير هذا يجد السلفيون أنفسهم الآن يحظون برعاية رسمية واضحة. وقد جاءت استقبال الرئيس علي عبدالله صالح لجمعية الحكمة اليمانية مؤخراً بهذا الجانب، حيث أثنى عليهم باعتبارهم «زاهدين عن السلطة».
وفي ميدان المعركة بصعدة لا يبدو خافياً إنتشار العديد من السلفيين في «دماج» من أتباع رجل الدين الراحل الشيخ مقبل الوادعي مثلما تبدو الآن عمليات التعبئة الدائرة في محافظة «أبين» تأتي في الإطار ذاته اتساقاً مع توجه عام يستهدف جمع السلفيين في المناطق المختلفة.
جانب من الرعاية الرسمية يمكن قراءته في الاهتمام الإعلامي الرسمي بالسلفيين مؤخراً، وإبراز شخصيات سلفية في الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون الرسمي، للقيام بمهمات دعوية خلاصتها إدانة جماعة التمرد في محافظة صعدة وهي مهمة لا تبدو صعبة عليهم إذ تتسق في أغلبها مع قناعاتهم الفكرية.
والحاصل أن ما يجري من اهتمام بالسلفيين بشقيهم: الدعوي والجهادي، ليس جديداً على السلطة التي تجد نفسها الآن أمام معركة وتبرر لنفسها استخدام كل الوسائل المناسبة وغير المناسبة لتحقيق نصر في صعدة.
لكن هذه الاجراءات تخلف وراءها العديد من المخاوف والتبعات الضارة:
أولها أن السلفيين الذين إٌنحصر نشاطهم في الجانب الفقهي والفكري عموماً وظل مسالماً طوال سنوات ماضية، يجد نفسه الآن قد انتقل إلى مربع جديد يتمثل في أنه اصبح يملك السلاح ويخوض معارك في جبال صعدة.
وثانياً: فإن اشتراك السلفيين في المعارك يخلق عداوات مذهبية ليس اليمن بحاجة إليها، وتخلق احتقانات يصعب في المستقبل رتقها..
وثالثاً: إعطاء المواجهات بين ابناء اليمن الواحد صفة التقرب إلى الله كبعد ديني تنطلق منه الحرب يضر المجتمع بأسره مثلما يزعزع ثبات الدولة.. لتصبح الأجواء مهيأة لاستحضار الحديث الفقهي كزاد ينطلق منه المحارب عن قناعة.
لهذا تصبح حتى الحلول السياسية إذا ما تمت بين الدولة وأنصار «الحوثي» وحتى الوصول إلى حلول غير مقنعة لهم باعتبار ما يقاتلون تحت رايته ليس ذا صلة بهذا الجانب.
ورابعاً: ستكون هذه الحرب فرصة لبروز قادة جدد من السلفيين لهم امكانات قتالية وسلاح وحصلوا على التدريب والتأهيل الذي يؤهلهم لخوض حرب عصابات، الأمر الذي يجعلهم خطراً جديد أمام الدولة في المستقبل مثلما سيكون أمامها الفرصة للحصول على المال اللازم ومصالح ستكون من نتائج الحرب ومن الصعب التنازل عنها في المستقبل.
وخامساً: يصبح استخدام هذه الجماعات من قبل السلطة فيما بعد وارداً، ضد تيارات سياسية ومدنية أخرى تعمل طبقاً للقانون وتمارس النشاط تحت مظلة الدستور، إذا استدعت الحاجة لذلك.
وسيكون عليها لزاماً تنفيذ الأوامر ما دامت تريد استمرار مصالحها.
وسادساً: يجد السلفيون أنفسهم الآن، تحت مظلة الرضى الرسمية، أمام فرصة ذهبية لإنشاء وتكوين المدارس الدينية الخاصة، وإزالة التحديات أمام منهجهم التعليمي ومؤسساتهم التعليمية المختلفة التي كانت قد بدأت تواجه التهديدات الرسمية بالإلغاء، خاصة وأن تصريحات إعلامية سابقة جاءت بمثابة شروط من قبل يحيى الحوثي لإيقاف الحرب كانت تشير إلى أحقيتهم بإنشاء الجامعات والمدارس التعليمية الخاصة، بالتوازي مع ما هو متاح للسلفيين.
وهذا يعني جعل المنهج التربوي الرسمي خاصاً بفئة في المجتمع، وتصبح الوظيفة العامة خاضعة لإعتبارات وتوازنات تترهل معها العملية التعليمية برمتها، وتنهي سنوات من العمل في جانب توحيد التعليم.
والراجح أن السلفيين الذين يمارسون الخطابة في المساجد بحرية الآن، ويلقون الإدلال الرسمي الزائد حالياً، ويتجمعون للتدريب لمساندة الجيش النظامي الرسمي، ستعلو نبرة خطابهم وسيجدون أنفسهم الآن أمام فرصة لاستحضار الأحاديث النبوية القريبة إلى مقاصدهم كجزء من زاد المعركة خصوصاً أن استنفارهم جاهز على الدوام وقد وجدوا فرصة سانحة للحصول على مكاسب لترتيب أوضاعهم وإزالة مشاكل عالقة ظلت تواجههم، بالتوازي مع رغبة في مواجهة عدو قديم جديد الإشارة الرسمية اليوم خضراء للقضاء عليه.
والنتيجة أننا نزرع ألغاماً جديدة في طريق المستقبل والمجتمع المدني الذي يجد نفسه يوماً بعد آخر تضيق مساحة حركته مقابل اتساع حركة الاجنحة المسلحة بأشكالها المذهبية والقبلية.
***
جغرافيا معقدة لمعركة بلا ميدان
تزداد صعوبة المعارك في صعدة بسبب الجغرافيا المعقدة.. ويزداد عدد القتلى في ميدان مساحته أكثر من عشرة آلاف كيلو متر مربع.
وحسب آخر المعلومات الواردة من صعدة فإن القتال تجدد في مركز مدينة ضحيان أمس وما زال مستمراً في استماتة واضحة من قبل الحوثيين.. في الوقت الذي يتم الدفع بالآلاف من الجيش والمتطوعين من القبائل للمساندة والمشاركة في هذه الحرب.
واللافت ان السلفيين الجهاديين بدأوا الحرب، حسب المصادر نفسها، إلى جانب الحكومة ضد المتمردين في صعدة بقيادة عبدالملك الحوثي.
وفي هذه الأثناء بدأت عمليات النزوح من المدينة لمئات من السكان هروباً من المواجهات في الوقت الذي بلغت تعزيزات قوات الجيش الرسمي قرابة ثلاثين ألف جندي ومئات المتطوعين من رجال القبائل من محافظتي عمران وأبين وجماعة السلفيين.
وحسب المصادر ذاتها فإن انتقال المعركة إلى وسط المدينة من قبل الحوثيين جاء كإثبات على استمرارهم وصلابتهم وقدرتهم على المواجهة في استبسال واضح تغذيه مرجعية دينية تعتبر الموت طريقاً إلى جنة الخلد.
وهو مايعني بوضوح أن استخدام الدين كمرجعية بات هو الآخر ما يعتمد عليه السلفيون لمواجهة هذه المعتقدات والقتال تحت راية الجهاد الشرعي.
لا يمكن تحديد ميدان المعركة في الحرب الدائرة في صعدة الآن بدقة متناهية لكن الواضح أنه من أصل (15) مديرية في محافظة صعدة كانت المعارك تدور بين فترة وأخرى في (13) مديرية. وأن هذا القتال في جغرافيا معقدة قد اسفر عن سقوط المزيد من القتلى والجرحى خصوصاً من الجانب الحكومي والمساندين له من المتطوعين.
وحسب مصادر مطلعة فإن اكثر من (700) من الجيش قد لقوا حتفهم خلال الحرب الثالثة، فيما تحصد أعداداً من المتطوعين بشكل يومي بمتوسط (10-20) في اليوم الواحد.
وفي الجانب الآخر تقول المصادر الرسمية إن قرابة (300) من المتمردين قد لقوا حتفهم في المواجهات التي تدور في مديريات متفرقة.
واستخدم الجيش الرسمي في حربه أسلحة جديدة ومتطورة في الحرب الثالثة ودخلت طائرات ميج (29) ا لمعركة إلى جانب مقاتلات سيخوي الروسية.
في الوقت نفسه بدأت عمليات التزود وشراء الأسلحة من الجانب الرسمي حيث غادرت وفود أمنية إلى «روسيا» لاقتناء أسلحة محددة خاصة بالحروب في الكهوف والجبال.
في ذات الأثناء الذي كانت اتهامات رسمية توجه إلى تجار سلاح بتزويد المتمردين بالسلاح ومساندة مشائخ قبائل لهم سراً؛ الأمر الذي أثار الرئيس علي عبدالله صالح ليوجه لهم الإتهامات واللوم على هذه المواقف.
وحتى الآن ما زالت آثار حروب صعدة (1و2) السالفة لم يتم ترميمها بعد وما زالت الجروح تتقيح لدى متضرريين كانت التعويضات قد مرت بجانبهم دون ان تصل إليهم وجاءت هذه الحرب لتزيد من رقعة هذه الجروح وحجم الألم الذي تركته سواء في باعتبارها جاءت على حساب مشاريع التنمية التي توقفت في المحافظة.. أو في الاجراء الرسمي الذي أحال الدعم المخصص للتنمية في المحافظة لتغطية نفقات المجهود الحربي.
والواضح أن تكاليف باهضة ستدفعها السلطة في حرب صعدة، فعلاوة على تغطية نفقات المجهود الحربي في الحرب الثالثة التي دخلت شهرها الثاني فهناك حجم الطلبات التي يقدمها قادة عسكريون وشيوخ قبائل مقابل اشتراكهم في هذه الحرب.
وحسب مصادر إقتصادية فإن ما حققته اليمن من مدخلات مالية من المانحين في المؤتمر الأخير والذي بلغت قرابة خمسة مليارات دولار، سيكون الجزء الكبير الذي سيسلم للحكومة لتغطية نفات هذه الحرب على حساب المشاريع التنموية ليس في صعدة فقط بل في المحافظات عموماً. هذا بالإضافة إلى أخذ مبالغ ضخمة من عائدات وفوارق الانتاج النفطي.
وكشفت هذه الحرب عن وجود قائمة طويلة من المستفيدين الذين يعتبرون استمرارها يدر عليهم الكثير من العائدات المالية الضخمة.
إلى ذلك قالت مصادر مطلعة ان تحقيقات تجري مع قادة عسكريين وبعض الوسطاء المحليين في محافظة صعدة بسبب تسرب كميات من الأسلحة الىالحوثي.. كشفت التحقيقات بأنها كانت تابعة للجيش الرسمي حسب تسلسل الأرقام المكتوبة عليها.
واضافت المصادر أنه تم بيع العديد من الأسلحة والذخائر خصوصاً أثناء الدعاية الانتخابية لرئاسة الجمهورية حيث كان الوقت في تلك الاثناء مناسباً. وتم استغلال الهدنة بين جماعة الحوثي والجانب الرسمي بأن قام المتمردون بحفر الخنادق والتزود بالسلاح وتأمين استمرار معركة كانوا على يقين من بدئها بعد الإنتخابات مباشرة.
والراجح أن الحرب ستستمر لفترة طويلة قادمة وأن مسألة الحسم تحتاج إلى و قت اضافي في الوقت الذي تزداد فيه المخاوف من تعميق الثارات القبلية وتدويل القضية.
إنها حرب معقدة في حسابات التاريخ والجغرافيا وفي حسابات النتائج والمخاوف التي لا تكف من إطلالها علينا من شرفات جبال صعدة.
***
الإعلام.. الرؤية غير واضحة
خطاب الإعلام بشأن ما يجري في صعدة ما زالت طريقه غير واضحة.. والتعتيم على ما يجري يبدو الأكثر رؤية فمتى تتوقف الأخطاء؟
بدأ الإعلام الرسمي، تحديداً، تعامله مع ما يجري في صعدة بإندماج كبير في بداية المعركة.. لكنه يوماً بعد آخر راح يطلق تصريحات الحسم قبل موعدها.. مثلما راح يقدم الأوصاف والتسميات بطريقة غير مدروسة.
كانت اللغة المستخدمة في بداية المواجهات قتال ضد «الحوثيين» ثم ما لبثت أن وصلت إلى الإماميين و«أعداء الثورة والظلامية» ثم «عصابة التمرد» وهي الآن مدمجة بين قوسين (عصابة التمرد والإرهاب) والتي تشعل حرباً ضد الجيش الرسمي.
وكانت الإجراءات الرسمية، في جانب الإعلام، فتح إذاعة في محافظة «صعدة»، والقيام بإلقاء منشورات من الطائرات.
لكن الواضح أن التعامل الإعلامي مع ما يجري في صعدة كان يخضع في مجمله لمزاج خاص ببعض مراكز السلطة.
والشاهد أن صحيفة «أخبار اليوم» التي كانت وما زالت حتى الآن، توزع لها طبعة خاصة لمحافظة صعدة.
وفي الجانب الآخر: مورس تعتيم شديد على الصحافة الأهلية والحزبية والمستقلة مثلما ظلت الصحافة الرسمية حذرة في التناول وسط تضارب اكثر من طرف يقوم بتقديم التعليمات وإسداء التوجيهات إليها بشأن تعاملها مع ما يجري من أحداث في صعدة.
وفي جانب متسق أسدت الجهات الرسمية مهمة الظهور الإعلامي وتمثيلها أمام القنوات والفضائيات وحتى الإعلام الرسمي، المرئي والمسموع والمقروء، لشخصيات منتقاة بدون تخطيط، وكانت تقوم باجتهادات شخصية، الأمر الذي دفع إلى توجيه التوبيخ واللوم الرسمي على نفس الوسائل التي نزلت فيها خطاباتهم.
واللافت في الحرب الثالثة بصعدة أن ضيق السلطة من الاعلام تجاوز الجغرافيا اليمنية، وتوجيه الانتقادات و الشتائم ضد صحف محلية فقط؛ إذ تم مهاجمة قنوات فضائية ووكالات أجنبية لاستضافتها وبثها برامج حوارية وأخبارية عمَّا يجري في صعدة ومنها قناة «العربية» التي استضافت ممثلاً للحكومة، مقابل استضافتها يحيى الحوثي المتواجد حالياً في الخارج.. والأمر نفسه إن لم يكن أشد قساوة لقناة «الحوار» الفضائية التي تبث من «لندن».
والجديد في التعامل مع الإعلام هذه المرة هو نشر الصحافة تنبيهاً رسمياً اعتبر أي قناة أو صحيفة أو وكالة أنباء أو موقع الكتروني يستضيف أو ينشر تصريحات لأحد القادة الحوثيين أو المساندين لهم في حربهم ضد الدولة، عملاً مسانداً للإرهاب والإرهابيين وستعد أي وسيلة تقوم بهذا الفعل معادية لليمن.
والحاصل أن الإعلام كان له كبوات عديدة في التعامل مع حرب صعدة.. الأمر الذي جعله بالأخير يوقف أي عملية نشر في الإعلام الرسمي وجعل طلقات الرصاص هي من تكتب ما يجري في حرب صعدة.. مع إبقائه على بعض لقطات في الصفحات الأخيرة ضد احزاب وشخصيات، وفي بعض الأحيان ضد مشائخ قبائل وبعض مراكز قوى في السلطة التشريعية والتنفيذية القريبة منها والتي يعتبرها البعض من أبرز مؤيديها.
وفي نفس الاتجاه يتم استخدام الإعلام من قبل بعض مراكز النفوذ بعيداً عن جهات الإختصاص بطريقة عجيبة.. إذ أنه يتم استخدام الفتاوى الدينية والدراسات والأفكار المعادية لـ«الأثنا عشرية» وجماعات دينية و مذهبية أخرى وأحياناً أحزاب والتحريض ضدها، وتوزيع المقالات ووجهات النظر المعادية لها.. دون اكتراث بما يمكن أن تخلق من مشكلات في البنية المجتمعية اليمنية.
والنتيجة أن من يتحدث من الجانب الرسمي في صعدة تجد له كلاماً مختلفاً عن من يتحدث في العاصمة صنعاء؛ في تضارب واضح يظهر غياب واستراتيجية واضحة للإعلام عموماً.
وحتى الآن لا يظهر أن أي قنوات فضائية عربية أو أجنبية أو أياً من المراسلين للوسائل الإعلامية أو الصحفيين في الصحافة المحلية عموماً يستطيع النزول إلى صعدة ونقل ما يجري هناك.. إذ تتعامل السلطة بتعتيم كبير حول ما يجري مكتفية بمواصلة الأمر في الميدان.
كذلك فإن ما ينشر في الصحافة التي يمكن تسميتها بالمقربة من السلطة أو الناطقة باسمها من معلومات عن المناطق والمدن التي تجري فيها الحرب يعطي انطباعات غير واضحة عن الحرب، ويصعب معها تخيل ميدان المعركة لتعدد مناطق المواجهات؛ لهذا تبقى مفردة «الحسم» ومفردات الإعلام عموماً قابلة للإشتعال بحرائق جديدة في طريق لم تتضح معالمه بعد في صعدة.
***
الخوف من تغذية ثارات محتقنة
تتجه السلطه نحو حشد تأييد قبلي مسلح لمساندتها في حربها الدائرة في صعدة.. وهنا تبرز المخاوف من تغذية ثارات قبلية وتخزين أسلحة جديدة تغدو في الستقبل خطراً على الدولة والمجتمع..
فالحرب التي بدأت قبل اكثر من شهر عكست مقدماتها حاجة الى ضم ميليشات قبلية مسلحة لمؤازرة الجيش النظامي الرسمي وقد بدأت عمليات التعبئة من حاشد لتتواصل بوتيرة عالية في قبائل أبين..
ولعل المخاوف التي تتوالد جرَّاء هذه الخطوات غير المحسوبة تبدأ من أنها تبدو كقرصنة سانحة لتصفية خصومات قبلية بين المتحاربين أولاً، وثانياً فإن هذه القبائل التي تملك ترسانة سلاح بالأساس تجد الآن أمامها مخزناً رسمياً ضخماً مفتوحاً على مصراعيه تستطيع منه تسليح نفسها واكتساب خبرات قتالية في الميدان وعلى أنوع جديدة ومتطورة من السلاح، ويصبح وقت الحاجة، هذا السلاح مصدراً لقوتها وشأنها...
والحاصل أن إشتراك القبائل في الحرب الدائرة في صعدة يعطي مؤشرات متعددة، لعل أولها ارتفاع عدد الضحايا من مسلحي القبائل المتطوعين؛ كون دخولهم جعل الحرب غير مرتبة وتخضع لجهات آمرة عديدة..
وثانياً: فإن إشتراكهم يعطى دليلاً على ضعف الجيش الرسمي للدولة وفقدانه للجاهزية والتأهيل والتدريب وبالتالي يصبح لدى هذه القبائل ثقة بأنها صاحبة الدور الاول في المعركة...
وثالثاً: فإن دخول هذة المجاميع القبلية من أبين وعمران وحجة ومحافظات أخرى يحيل هذه المواجهات الي حرب غير مرتبة يصعب معها رؤية القائد الحقيقى مثلما يصعب ترتيب مسلسل الضحية..
ورابعاً: تكون من نتائج الاشتراك القبلي المسلح تصدع في البنية الاجتماعية اليمنية وتوسع رقعة الأطراف القبلية مقابل ضيق أفق القانون وانكماش انسان المجتمع المدني.
وخامساً: تصبح مطالب النصر مكلفة بالنسبة للدولة في المستقبل خصوصاً من أطراف ووجاهات قبلية كبيرة الآن تعمل على تجييش المتطوعين والدخول في حرب عشوائية.
وسادساً: فإن هذه القبائل التي هي الآن شريك في الحرب مع الدولة ضد المتمردين في صعدة ستجد نفسها الآن أمام فرصة سانحة لجمع أكبر قدر من السلاح بيدها، وبالتالي تغدو في المستقبل خطراً على الدولة والمجتمع.
وسابعاً: فإن الحروب غير المرتبة التي تكون مقدماتها ميليشيات تقدم نتائج غير مرتبة، فتعمل على تعميق الثآرات والخلافات والتصريحات في المجتمع، وتجعل احتمالات نشوب الخلافات واردة.
والحاصل أن الدولة التي بذلت جهوداً طوال سنوات من أجل وضع لبنة أساس للمؤسسية، تجد نفسها اليوم تعطب بيدها ما أنجزته في السابق.
بالمقابل فإن إستعانة السلطة بالمسلحين من القبائل سيكلفها أعباء مالية كبيرة ليست بالطبع لتمويل محاربين بملابس تقليدية قدر أنها إشتراطات ومطالب لشيوخ قبائل نظير قيامهم بالمساندة.
والراجح أن مثل هذا العمل لا يغيب عنه كذلك أن الجيش الرسمي سيصاب وسط هذا الجو الغريب بالإحباط وسيجد نفسه فاقداً للكثير من معنوياته والإعتداد بوظيفته.
والحاصل أن الثآرات بدأت الآن تظهر من جديد في أكثر من محافظة في اليمن، بعضها لقضايا كانت مدفونة لعشرات السنوات.. وأن هذه الحرب ستعمق من تفاعلات هذه المشكلات وستكون سبباً لتنامي الثآرات القبلية. والشاهد أن محافظة الجوف تشهد الآن ثارات كانت محتقنة منذ سنوات في إطار فخوذ قبائل "ذو محمد" و"ذو حسين" مثلما الحاصل في محافظة "ابين" و"شبوة".
والنتيجة أن مشاركة القبيلة بسلاح الدولة في حرب صعدة يعني قبيلة تملك السلاح في النهاية مقابل مجتمع مدني يغدو أمامها كضحية مثلما تصبح المؤسسية والقانون مهددين بسلاح سيكون في يد القبيلة كمكافأة للإشتراك في الحرب.
والتساؤل: هل ستعود المجاميع القبلية إلى أماكنها لاحقاً؟ أم ستجد في هذه الحرب فرصة سانحة للعمل بجهد كبير كي لا تنتهي الحرب مطلقاً ما دام في ذلك جلب مصلحة هي في أمس الحاجة لبقائها ما دامت تجد الآن أن جميع طلباتها تلقى القبول من الدولة على وجه السرعة؟
***
معتقلون على ذمة حرب صعدة
مئات المعتقلين على ذمة حرب صعدة يواصلون ترديد شعارهم: «الموت لامريكا، الموت لإسرائيل». وآخرون أودعوا السجن وعادوا لحمل السلاح في وجه الدولة في حرب جديدة.
بدأت عمليات الإعتقالات لمجموعة الشباب المؤمن وأنصار بدر الدين الحوثي في الجامع الكبير بصنعاء بعد قيام العديد منهم بترديد شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، عقب صلاة الجمعة التي كانت الفضائية اليمنية تقوم بنقلها على الهواء مباشرةً، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات مما اضطرها بعد رفضهم الإقلاع عن ترديد الشعار إلى إيقاف عمليات النقل للجمعة من الجامع الكبير والقيام بعمليات إعتقال شملت العشرات منهم.
وحسب المصادر المطلعة فإن عدد المعتقلين مع استمرار الإعتقالات يربو على الآلاف لتبدأ مرحلة المواجهة المسلحة مع الدولة وتكون احد المطالب التي يطرحها بدر الدين الحوثي وأبوه من بعده والآن شقيقه الأصغر عبدالملك الحوثي (27عاماً).
وكانت لجان قد شكلت رسمياً للحوار مع المعتقلين برئاسة القاضي حمود الهتار ووزير الأوقاف حمود عباد أسفرت فيما بعد عن إطلاق (800) معتقل، والبدء بمرحلة هدنة أعلنت مع بدء الحملة الانتخابية الرئاسية واستباق الهدنة بالإعلان عن عفو عام.
يحيى الحوثي الذي يتنقل حالياً بين دول أوروبية وعربية وتم سحب حصانته البرلمانية وتواصل السلطات الرسمية اليمنية ملاحقته وطلبه عبر الانتربول الدولي، قال إن المئات من اتباعهم ما زالوا معتقلين في جهاز الأمن السياسي، وأن العديد ممن كان قد تم الإفراج عنهم عادت السلطات للقبض عليهم من جديد مؤخراً.
ورغم أن العديد من المعتقلين من الجامع الكبير رفضوا لحظة الإفراج عنهم كتابة تعهدات خطية أو القيام بتقديم التزامات بعدم تكرار ترديد شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، إلا أن السلطات الرسمية توصلت بعد الحوار والرغبة في إغلاق هذا الملف للدخول في الانتخابات الرئاسية واكتفت بأخذ التزامات وضمانات من قبل شيوخ القبائل التي ينتمي إليها المعتقلون. وكان قد أفرج عن اكثر من 800 معتقل من أصل (1100) معتقل حسب ما قالت المصادر. وحتى الآن ما زالت عمليات الإعتقالات تطال سياسيين اعضاء في الحزب الاشتراكي اليمني وحزب الحق وإتحاد القوى الشعبية. والإتهام الرسمي لهم كان بوجود علاقة لهم بدعم المتمردين في صعدة بقيادة عبدالملك الحوثي.
وقال لـ«النداء» أحد المفرج عنهم قبل بدء الحرب الثالثة نهاية يناير الماضي، إنه تعرض لتعذيب شديد في جهاز الأمن السياسي وأن العديد من المضايقات كانوا يتعرضون لها حيث لم يكن مسموحاً لهم الخروج إلى الحمام -على سبيل المثال- سوى ثلاث مرات في اليوم ورفضت إدارة السجن إسعاف العديد منهم تعرضوا لنوبات قلبية حسب ما أشار بيان للمنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات.
وأشار أحد المعتقلين الذين افرج عنهم في حديثه لـ«النداء»، إلى أن العديد من المعتلقين، الذين كان يتم تعذيبهم بتهمة «الحوثية» لم يكن لهم علاقة بذلك وتم اجبار العديد منهم قول ما يطلب منه من قبل المحققين في جهاز الأمن السياسي خوفاً من التعذيب الذي سبب لبعض المعتقلين الشلل وكسرت سيقان وسواعد بعضهم.
وأشار المصدر إلى أن الوجبة الغذائية اليومية عبارة عن رز ومشكل يتم إعداده بطريقة رديئة. وأن بعض المعتقلين الذين كان أهاليهم يقدمون لهم وجبات وفواكه كان يتم القرصنة عليها من قبل بعض الضباط ولا تصل إليهم في غالب الأحيان وعندما تصل تكون قد اخذ منها بعبثية.
وتابع المصدر أنه كان من غير المسموح تغيير الملابس وان سجناء ظلوا ما يزيد عن ستة اشهر من فترة اعتقالهم -دون علم أهاليهم بمكانهم- بالملابس التي دخلوا بها المعتقل، وان دخول «الحمام» كان محدداً بثلاث مرات في اليوم الواحد وبمعدل (5) دقائق في كل مرة، وان العديد من المعتقلين تضاعفت لديهم الأمراض (خصوصاً الكلى).
ومع دخول الحرب الثالثة شهرها الثالث يدخل معتقلون جدد السجون.
***
النازحون إلى المخيمات
كانت البداية قيام المتمردين بطرد يهود «آل سالم» من ديارهم، لتستضيفهم السلطات باعتناء في المدينة السياحية، ومع الحرب كانت النتائج نزوح مواطنين هم الآن في مخيمات خارج مدينة صعدة.
وكان قرابة (150) من يهود آل سالم قد تم إخراجهم وطردهم من قبل المتمردين ليغدو الأمر ذريعة للحرب وإعلان نهاية إجبارية للهدنة.
والآن تم استضافة «اليهود» في المدينة السياحية بالعاصمة صنعاء وهناك يتم توفير الاحتياجات من قبل السلطات الرسمية.
ومع استمرار المواجهات في «ضحيان» تحديداً، طلبت السلطات الرسمية من المواطنين إخلاء المدينة تمهيداً لمهاجمتها مع تجهيز العديد من المخيمات للنازحين في ضواحي المدينة.
وحسب الاحصائيات غير الرسمية فإن ما يربو على (800) نازح من عموم صعدة قد تركوا أماكن سكنهم بسبب الحرب فيما غادر آخرون إما ضيوفاً على أقرباء لهم في العاصمة صنعاء وعمران وحجة، أو في المنازل التابعة لهم في تلك المحافظات.
واشارت مصادر محلية في محافظة صعدة إلى أن فرق من الهلال الأحمر والصليب الأحمر يباشرون أعمالهم هناك في الميدان لتقديم المساعدات العلاجية والغذائية للنازحين وسط رقابة رسمية منعتهم من الادلاء بأي معلومات أو التصريح والاكتفاء بالقيام بالمهمات الإنسانية الميدانية دونما حاجة لتدوين الملاحظات.
sanaapress@gamil
http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=760
الأربعاء , 28 مارس 2007 م
السلفيون.. جيوش برانية في صعدة
تقدم السلطة دعماً سخياً هذه الأيام مصحوباً بحرية في الحركة.. لكن اللافت أن هذه الجماعة أضحت الآن تعد في معسكرات خاصة رسمياً لإشراكها في حرب صعدة..
وحسب مصادر خاصة فإن معسكراً خاصاً بالسلفيين الجهاديين تم تجهيزه في محافظة لحج ويتلقون التدريب اللازم تمهيداً للمشاركة لمساندة القوات الحكومية في مواجهة التمرد الذي يقوده عبدالملك الحوثي في العديد من مديريات صعدة.
غير هذا يجد السلفيون أنفسهم الآن يحظون برعاية رسمية واضحة. وقد جاءت استقبال الرئيس علي عبدالله صالح لجمعية الحكمة اليمانية مؤخراً بهذا الجانب، حيث أثنى عليهم باعتبارهم «زاهدين عن السلطة».
وفي ميدان المعركة بصعدة لا يبدو خافياً إنتشار العديد من السلفيين في «دماج» من أتباع رجل الدين الراحل الشيخ مقبل الوادعي مثلما تبدو الآن عمليات التعبئة الدائرة في محافظة «أبين» تأتي في الإطار ذاته اتساقاً مع توجه عام يستهدف جمع السلفيين في المناطق المختلفة.
جانب من الرعاية الرسمية يمكن قراءته في الاهتمام الإعلامي الرسمي بالسلفيين مؤخراً، وإبراز شخصيات سلفية في الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون الرسمي، للقيام بمهمات دعوية خلاصتها إدانة جماعة التمرد في محافظة صعدة وهي مهمة لا تبدو صعبة عليهم إذ تتسق في أغلبها مع قناعاتهم الفكرية.
والحاصل أن ما يجري من اهتمام بالسلفيين بشقيهم: الدعوي والجهادي، ليس جديداً على السلطة التي تجد نفسها الآن أمام معركة وتبرر لنفسها استخدام كل الوسائل المناسبة وغير المناسبة لتحقيق نصر في صعدة.
لكن هذه الاجراءات تخلف وراءها العديد من المخاوف والتبعات الضارة:
أولها أن السلفيين الذين إٌنحصر نشاطهم في الجانب الفقهي والفكري عموماً وظل مسالماً طوال سنوات ماضية، يجد نفسه الآن قد انتقل إلى مربع جديد يتمثل في أنه اصبح يملك السلاح ويخوض معارك في جبال صعدة.
وثانياً: فإن اشتراك السلفيين في المعارك يخلق عداوات مذهبية ليس اليمن بحاجة إليها، وتخلق احتقانات يصعب في المستقبل رتقها..
وثالثاً: إعطاء المواجهات بين ابناء اليمن الواحد صفة التقرب إلى الله كبعد ديني تنطلق منه الحرب يضر المجتمع بأسره مثلما يزعزع ثبات الدولة.. لتصبح الأجواء مهيأة لاستحضار الحديث الفقهي كزاد ينطلق منه المحارب عن قناعة.
لهذا تصبح حتى الحلول السياسية إذا ما تمت بين الدولة وأنصار «الحوثي» وحتى الوصول إلى حلول غير مقنعة لهم باعتبار ما يقاتلون تحت رايته ليس ذا صلة بهذا الجانب.
ورابعاً: ستكون هذه الحرب فرصة لبروز قادة جدد من السلفيين لهم امكانات قتالية وسلاح وحصلوا على التدريب والتأهيل الذي يؤهلهم لخوض حرب عصابات، الأمر الذي يجعلهم خطراً جديد أمام الدولة في المستقبل مثلما سيكون أمامها الفرصة للحصول على المال اللازم ومصالح ستكون من نتائج الحرب ومن الصعب التنازل عنها في المستقبل.
وخامساً: يصبح استخدام هذه الجماعات من قبل السلطة فيما بعد وارداً، ضد تيارات سياسية ومدنية أخرى تعمل طبقاً للقانون وتمارس النشاط تحت مظلة الدستور، إذا استدعت الحاجة لذلك.
وسيكون عليها لزاماً تنفيذ الأوامر ما دامت تريد استمرار مصالحها.
وسادساً: يجد السلفيون أنفسهم الآن، تحت مظلة الرضى الرسمية، أمام فرصة ذهبية لإنشاء وتكوين المدارس الدينية الخاصة، وإزالة التحديات أمام منهجهم التعليمي ومؤسساتهم التعليمية المختلفة التي كانت قد بدأت تواجه التهديدات الرسمية بالإلغاء، خاصة وأن تصريحات إعلامية سابقة جاءت بمثابة شروط من قبل يحيى الحوثي لإيقاف الحرب كانت تشير إلى أحقيتهم بإنشاء الجامعات والمدارس التعليمية الخاصة، بالتوازي مع ما هو متاح للسلفيين.
وهذا يعني جعل المنهج التربوي الرسمي خاصاً بفئة في المجتمع، وتصبح الوظيفة العامة خاضعة لإعتبارات وتوازنات تترهل معها العملية التعليمية برمتها، وتنهي سنوات من العمل في جانب توحيد التعليم.
والراجح أن السلفيين الذين يمارسون الخطابة في المساجد بحرية الآن، ويلقون الإدلال الرسمي الزائد حالياً، ويتجمعون للتدريب لمساندة الجيش النظامي الرسمي، ستعلو نبرة خطابهم وسيجدون أنفسهم الآن أمام فرصة لاستحضار الأحاديث النبوية القريبة إلى مقاصدهم كجزء من زاد المعركة خصوصاً أن استنفارهم جاهز على الدوام وقد وجدوا فرصة سانحة للحصول على مكاسب لترتيب أوضاعهم وإزالة مشاكل عالقة ظلت تواجههم، بالتوازي مع رغبة في مواجهة عدو قديم جديد الإشارة الرسمية اليوم خضراء للقضاء عليه.
والنتيجة أننا نزرع ألغاماً جديدة في طريق المستقبل والمجتمع المدني الذي يجد نفسه يوماً بعد آخر تضيق مساحة حركته مقابل اتساع حركة الاجنحة المسلحة بأشكالها المذهبية والقبلية.
***
جغرافيا معقدة لمعركة بلا ميدان
تزداد صعوبة المعارك في صعدة بسبب الجغرافيا المعقدة.. ويزداد عدد القتلى في ميدان مساحته أكثر من عشرة آلاف كيلو متر مربع.
وحسب آخر المعلومات الواردة من صعدة فإن القتال تجدد في مركز مدينة ضحيان أمس وما زال مستمراً في استماتة واضحة من قبل الحوثيين.. في الوقت الذي يتم الدفع بالآلاف من الجيش والمتطوعين من القبائل للمساندة والمشاركة في هذه الحرب.
واللافت ان السلفيين الجهاديين بدأوا الحرب، حسب المصادر نفسها، إلى جانب الحكومة ضد المتمردين في صعدة بقيادة عبدالملك الحوثي.
وفي هذه الأثناء بدأت عمليات النزوح من المدينة لمئات من السكان هروباً من المواجهات في الوقت الذي بلغت تعزيزات قوات الجيش الرسمي قرابة ثلاثين ألف جندي ومئات المتطوعين من رجال القبائل من محافظتي عمران وأبين وجماعة السلفيين.
وحسب المصادر ذاتها فإن انتقال المعركة إلى وسط المدينة من قبل الحوثيين جاء كإثبات على استمرارهم وصلابتهم وقدرتهم على المواجهة في استبسال واضح تغذيه مرجعية دينية تعتبر الموت طريقاً إلى جنة الخلد.
وهو مايعني بوضوح أن استخدام الدين كمرجعية بات هو الآخر ما يعتمد عليه السلفيون لمواجهة هذه المعتقدات والقتال تحت راية الجهاد الشرعي.
لا يمكن تحديد ميدان المعركة في الحرب الدائرة في صعدة الآن بدقة متناهية لكن الواضح أنه من أصل (15) مديرية في محافظة صعدة كانت المعارك تدور بين فترة وأخرى في (13) مديرية. وأن هذا القتال في جغرافيا معقدة قد اسفر عن سقوط المزيد من القتلى والجرحى خصوصاً من الجانب الحكومي والمساندين له من المتطوعين.
وحسب مصادر مطلعة فإن اكثر من (700) من الجيش قد لقوا حتفهم خلال الحرب الثالثة، فيما تحصد أعداداً من المتطوعين بشكل يومي بمتوسط (10-20) في اليوم الواحد.
وفي الجانب الآخر تقول المصادر الرسمية إن قرابة (300) من المتمردين قد لقوا حتفهم في المواجهات التي تدور في مديريات متفرقة.
واستخدم الجيش الرسمي في حربه أسلحة جديدة ومتطورة في الحرب الثالثة ودخلت طائرات ميج (29) ا لمعركة إلى جانب مقاتلات سيخوي الروسية.
في الوقت نفسه بدأت عمليات التزود وشراء الأسلحة من الجانب الرسمي حيث غادرت وفود أمنية إلى «روسيا» لاقتناء أسلحة محددة خاصة بالحروب في الكهوف والجبال.
في ذات الأثناء الذي كانت اتهامات رسمية توجه إلى تجار سلاح بتزويد المتمردين بالسلاح ومساندة مشائخ قبائل لهم سراً؛ الأمر الذي أثار الرئيس علي عبدالله صالح ليوجه لهم الإتهامات واللوم على هذه المواقف.
وحتى الآن ما زالت آثار حروب صعدة (1و2) السالفة لم يتم ترميمها بعد وما زالت الجروح تتقيح لدى متضرريين كانت التعويضات قد مرت بجانبهم دون ان تصل إليهم وجاءت هذه الحرب لتزيد من رقعة هذه الجروح وحجم الألم الذي تركته سواء في باعتبارها جاءت على حساب مشاريع التنمية التي توقفت في المحافظة.. أو في الاجراء الرسمي الذي أحال الدعم المخصص للتنمية في المحافظة لتغطية نفقات المجهود الحربي.
والواضح أن تكاليف باهضة ستدفعها السلطة في حرب صعدة، فعلاوة على تغطية نفقات المجهود الحربي في الحرب الثالثة التي دخلت شهرها الثاني فهناك حجم الطلبات التي يقدمها قادة عسكريون وشيوخ قبائل مقابل اشتراكهم في هذه الحرب.
وحسب مصادر إقتصادية فإن ما حققته اليمن من مدخلات مالية من المانحين في المؤتمر الأخير والذي بلغت قرابة خمسة مليارات دولار، سيكون الجزء الكبير الذي سيسلم للحكومة لتغطية نفات هذه الحرب على حساب المشاريع التنموية ليس في صعدة فقط بل في المحافظات عموماً. هذا بالإضافة إلى أخذ مبالغ ضخمة من عائدات وفوارق الانتاج النفطي.
وكشفت هذه الحرب عن وجود قائمة طويلة من المستفيدين الذين يعتبرون استمرارها يدر عليهم الكثير من العائدات المالية الضخمة.
إلى ذلك قالت مصادر مطلعة ان تحقيقات تجري مع قادة عسكريين وبعض الوسطاء المحليين في محافظة صعدة بسبب تسرب كميات من الأسلحة الىالحوثي.. كشفت التحقيقات بأنها كانت تابعة للجيش الرسمي حسب تسلسل الأرقام المكتوبة عليها.
واضافت المصادر أنه تم بيع العديد من الأسلحة والذخائر خصوصاً أثناء الدعاية الانتخابية لرئاسة الجمهورية حيث كان الوقت في تلك الاثناء مناسباً. وتم استغلال الهدنة بين جماعة الحوثي والجانب الرسمي بأن قام المتمردون بحفر الخنادق والتزود بالسلاح وتأمين استمرار معركة كانوا على يقين من بدئها بعد الإنتخابات مباشرة.
والراجح أن الحرب ستستمر لفترة طويلة قادمة وأن مسألة الحسم تحتاج إلى و قت اضافي في الوقت الذي تزداد فيه المخاوف من تعميق الثارات القبلية وتدويل القضية.
إنها حرب معقدة في حسابات التاريخ والجغرافيا وفي حسابات النتائج والمخاوف التي لا تكف من إطلالها علينا من شرفات جبال صعدة.
***
الإعلام.. الرؤية غير واضحة
خطاب الإعلام بشأن ما يجري في صعدة ما زالت طريقه غير واضحة.. والتعتيم على ما يجري يبدو الأكثر رؤية فمتى تتوقف الأخطاء؟
بدأ الإعلام الرسمي، تحديداً، تعامله مع ما يجري في صعدة بإندماج كبير في بداية المعركة.. لكنه يوماً بعد آخر راح يطلق تصريحات الحسم قبل موعدها.. مثلما راح يقدم الأوصاف والتسميات بطريقة غير مدروسة.
كانت اللغة المستخدمة في بداية المواجهات قتال ضد «الحوثيين» ثم ما لبثت أن وصلت إلى الإماميين و«أعداء الثورة والظلامية» ثم «عصابة التمرد» وهي الآن مدمجة بين قوسين (عصابة التمرد والإرهاب) والتي تشعل حرباً ضد الجيش الرسمي.
وكانت الإجراءات الرسمية، في جانب الإعلام، فتح إذاعة في محافظة «صعدة»، والقيام بإلقاء منشورات من الطائرات.
لكن الواضح أن التعامل الإعلامي مع ما يجري في صعدة كان يخضع في مجمله لمزاج خاص ببعض مراكز السلطة.
والشاهد أن صحيفة «أخبار اليوم» التي كانت وما زالت حتى الآن، توزع لها طبعة خاصة لمحافظة صعدة.
وفي الجانب الآخر: مورس تعتيم شديد على الصحافة الأهلية والحزبية والمستقلة مثلما ظلت الصحافة الرسمية حذرة في التناول وسط تضارب اكثر من طرف يقوم بتقديم التعليمات وإسداء التوجيهات إليها بشأن تعاملها مع ما يجري من أحداث في صعدة.
وفي جانب متسق أسدت الجهات الرسمية مهمة الظهور الإعلامي وتمثيلها أمام القنوات والفضائيات وحتى الإعلام الرسمي، المرئي والمسموع والمقروء، لشخصيات منتقاة بدون تخطيط، وكانت تقوم باجتهادات شخصية، الأمر الذي دفع إلى توجيه التوبيخ واللوم الرسمي على نفس الوسائل التي نزلت فيها خطاباتهم.
واللافت في الحرب الثالثة بصعدة أن ضيق السلطة من الاعلام تجاوز الجغرافيا اليمنية، وتوجيه الانتقادات و الشتائم ضد صحف محلية فقط؛ إذ تم مهاجمة قنوات فضائية ووكالات أجنبية لاستضافتها وبثها برامج حوارية وأخبارية عمَّا يجري في صعدة ومنها قناة «العربية» التي استضافت ممثلاً للحكومة، مقابل استضافتها يحيى الحوثي المتواجد حالياً في الخارج.. والأمر نفسه إن لم يكن أشد قساوة لقناة «الحوار» الفضائية التي تبث من «لندن».
والجديد في التعامل مع الإعلام هذه المرة هو نشر الصحافة تنبيهاً رسمياً اعتبر أي قناة أو صحيفة أو وكالة أنباء أو موقع الكتروني يستضيف أو ينشر تصريحات لأحد القادة الحوثيين أو المساندين لهم في حربهم ضد الدولة، عملاً مسانداً للإرهاب والإرهابيين وستعد أي وسيلة تقوم بهذا الفعل معادية لليمن.
والحاصل أن الإعلام كان له كبوات عديدة في التعامل مع حرب صعدة.. الأمر الذي جعله بالأخير يوقف أي عملية نشر في الإعلام الرسمي وجعل طلقات الرصاص هي من تكتب ما يجري في حرب صعدة.. مع إبقائه على بعض لقطات في الصفحات الأخيرة ضد احزاب وشخصيات، وفي بعض الأحيان ضد مشائخ قبائل وبعض مراكز قوى في السلطة التشريعية والتنفيذية القريبة منها والتي يعتبرها البعض من أبرز مؤيديها.
وفي نفس الاتجاه يتم استخدام الإعلام من قبل بعض مراكز النفوذ بعيداً عن جهات الإختصاص بطريقة عجيبة.. إذ أنه يتم استخدام الفتاوى الدينية والدراسات والأفكار المعادية لـ«الأثنا عشرية» وجماعات دينية و مذهبية أخرى وأحياناً أحزاب والتحريض ضدها، وتوزيع المقالات ووجهات النظر المعادية لها.. دون اكتراث بما يمكن أن تخلق من مشكلات في البنية المجتمعية اليمنية.
والنتيجة أن من يتحدث من الجانب الرسمي في صعدة تجد له كلاماً مختلفاً عن من يتحدث في العاصمة صنعاء؛ في تضارب واضح يظهر غياب واستراتيجية واضحة للإعلام عموماً.
وحتى الآن لا يظهر أن أي قنوات فضائية عربية أو أجنبية أو أياً من المراسلين للوسائل الإعلامية أو الصحفيين في الصحافة المحلية عموماً يستطيع النزول إلى صعدة ونقل ما يجري هناك.. إذ تتعامل السلطة بتعتيم كبير حول ما يجري مكتفية بمواصلة الأمر في الميدان.
كذلك فإن ما ينشر في الصحافة التي يمكن تسميتها بالمقربة من السلطة أو الناطقة باسمها من معلومات عن المناطق والمدن التي تجري فيها الحرب يعطي انطباعات غير واضحة عن الحرب، ويصعب معها تخيل ميدان المعركة لتعدد مناطق المواجهات؛ لهذا تبقى مفردة «الحسم» ومفردات الإعلام عموماً قابلة للإشتعال بحرائق جديدة في طريق لم تتضح معالمه بعد في صعدة.
***
الخوف من تغذية ثارات محتقنة
تتجه السلطه نحو حشد تأييد قبلي مسلح لمساندتها في حربها الدائرة في صعدة.. وهنا تبرز المخاوف من تغذية ثارات قبلية وتخزين أسلحة جديدة تغدو في الستقبل خطراً على الدولة والمجتمع..
فالحرب التي بدأت قبل اكثر من شهر عكست مقدماتها حاجة الى ضم ميليشات قبلية مسلحة لمؤازرة الجيش النظامي الرسمي وقد بدأت عمليات التعبئة من حاشد لتتواصل بوتيرة عالية في قبائل أبين..
ولعل المخاوف التي تتوالد جرَّاء هذه الخطوات غير المحسوبة تبدأ من أنها تبدو كقرصنة سانحة لتصفية خصومات قبلية بين المتحاربين أولاً، وثانياً فإن هذه القبائل التي تملك ترسانة سلاح بالأساس تجد الآن أمامها مخزناً رسمياً ضخماً مفتوحاً على مصراعيه تستطيع منه تسليح نفسها واكتساب خبرات قتالية في الميدان وعلى أنوع جديدة ومتطورة من السلاح، ويصبح وقت الحاجة، هذا السلاح مصدراً لقوتها وشأنها...
والحاصل أن إشتراك القبائل في الحرب الدائرة في صعدة يعطي مؤشرات متعددة، لعل أولها ارتفاع عدد الضحايا من مسلحي القبائل المتطوعين؛ كون دخولهم جعل الحرب غير مرتبة وتخضع لجهات آمرة عديدة..
وثانياً: فإن إشتراكهم يعطى دليلاً على ضعف الجيش الرسمي للدولة وفقدانه للجاهزية والتأهيل والتدريب وبالتالي يصبح لدى هذه القبائل ثقة بأنها صاحبة الدور الاول في المعركة...
وثالثاً: فإن دخول هذة المجاميع القبلية من أبين وعمران وحجة ومحافظات أخرى يحيل هذه المواجهات الي حرب غير مرتبة يصعب معها رؤية القائد الحقيقى مثلما يصعب ترتيب مسلسل الضحية..
ورابعاً: تكون من نتائج الاشتراك القبلي المسلح تصدع في البنية الاجتماعية اليمنية وتوسع رقعة الأطراف القبلية مقابل ضيق أفق القانون وانكماش انسان المجتمع المدني.
وخامساً: تصبح مطالب النصر مكلفة بالنسبة للدولة في المستقبل خصوصاً من أطراف ووجاهات قبلية كبيرة الآن تعمل على تجييش المتطوعين والدخول في حرب عشوائية.
وسادساً: فإن هذه القبائل التي هي الآن شريك في الحرب مع الدولة ضد المتمردين في صعدة ستجد نفسها الآن أمام فرصة سانحة لجمع أكبر قدر من السلاح بيدها، وبالتالي تغدو في المستقبل خطراً على الدولة والمجتمع.
وسابعاً: فإن الحروب غير المرتبة التي تكون مقدماتها ميليشيات تقدم نتائج غير مرتبة، فتعمل على تعميق الثآرات والخلافات والتصريحات في المجتمع، وتجعل احتمالات نشوب الخلافات واردة.
والحاصل أن الدولة التي بذلت جهوداً طوال سنوات من أجل وضع لبنة أساس للمؤسسية، تجد نفسها اليوم تعطب بيدها ما أنجزته في السابق.
بالمقابل فإن إستعانة السلطة بالمسلحين من القبائل سيكلفها أعباء مالية كبيرة ليست بالطبع لتمويل محاربين بملابس تقليدية قدر أنها إشتراطات ومطالب لشيوخ قبائل نظير قيامهم بالمساندة.
والراجح أن مثل هذا العمل لا يغيب عنه كذلك أن الجيش الرسمي سيصاب وسط هذا الجو الغريب بالإحباط وسيجد نفسه فاقداً للكثير من معنوياته والإعتداد بوظيفته.
والحاصل أن الثآرات بدأت الآن تظهر من جديد في أكثر من محافظة في اليمن، بعضها لقضايا كانت مدفونة لعشرات السنوات.. وأن هذه الحرب ستعمق من تفاعلات هذه المشكلات وستكون سبباً لتنامي الثآرات القبلية. والشاهد أن محافظة الجوف تشهد الآن ثارات كانت محتقنة منذ سنوات في إطار فخوذ قبائل "ذو محمد" و"ذو حسين" مثلما الحاصل في محافظة "ابين" و"شبوة".
والنتيجة أن مشاركة القبيلة بسلاح الدولة في حرب صعدة يعني قبيلة تملك السلاح في النهاية مقابل مجتمع مدني يغدو أمامها كضحية مثلما تصبح المؤسسية والقانون مهددين بسلاح سيكون في يد القبيلة كمكافأة للإشتراك في الحرب.
والتساؤل: هل ستعود المجاميع القبلية إلى أماكنها لاحقاً؟ أم ستجد في هذه الحرب فرصة سانحة للعمل بجهد كبير كي لا تنتهي الحرب مطلقاً ما دام في ذلك جلب مصلحة هي في أمس الحاجة لبقائها ما دامت تجد الآن أن جميع طلباتها تلقى القبول من الدولة على وجه السرعة؟
***
معتقلون على ذمة حرب صعدة
مئات المعتقلين على ذمة حرب صعدة يواصلون ترديد شعارهم: «الموت لامريكا، الموت لإسرائيل». وآخرون أودعوا السجن وعادوا لحمل السلاح في وجه الدولة في حرب جديدة.
بدأت عمليات الإعتقالات لمجموعة الشباب المؤمن وأنصار بدر الدين الحوثي في الجامع الكبير بصنعاء بعد قيام العديد منهم بترديد شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، عقب صلاة الجمعة التي كانت الفضائية اليمنية تقوم بنقلها على الهواء مباشرةً، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات مما اضطرها بعد رفضهم الإقلاع عن ترديد الشعار إلى إيقاف عمليات النقل للجمعة من الجامع الكبير والقيام بعمليات إعتقال شملت العشرات منهم.
وحسب المصادر المطلعة فإن عدد المعتقلين مع استمرار الإعتقالات يربو على الآلاف لتبدأ مرحلة المواجهة المسلحة مع الدولة وتكون احد المطالب التي يطرحها بدر الدين الحوثي وأبوه من بعده والآن شقيقه الأصغر عبدالملك الحوثي (27عاماً).
وكانت لجان قد شكلت رسمياً للحوار مع المعتقلين برئاسة القاضي حمود الهتار ووزير الأوقاف حمود عباد أسفرت فيما بعد عن إطلاق (800) معتقل، والبدء بمرحلة هدنة أعلنت مع بدء الحملة الانتخابية الرئاسية واستباق الهدنة بالإعلان عن عفو عام.
يحيى الحوثي الذي يتنقل حالياً بين دول أوروبية وعربية وتم سحب حصانته البرلمانية وتواصل السلطات الرسمية اليمنية ملاحقته وطلبه عبر الانتربول الدولي، قال إن المئات من اتباعهم ما زالوا معتقلين في جهاز الأمن السياسي، وأن العديد ممن كان قد تم الإفراج عنهم عادت السلطات للقبض عليهم من جديد مؤخراً.
ورغم أن العديد من المعتقلين من الجامع الكبير رفضوا لحظة الإفراج عنهم كتابة تعهدات خطية أو القيام بتقديم التزامات بعدم تكرار ترديد شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، إلا أن السلطات الرسمية توصلت بعد الحوار والرغبة في إغلاق هذا الملف للدخول في الانتخابات الرئاسية واكتفت بأخذ التزامات وضمانات من قبل شيوخ القبائل التي ينتمي إليها المعتقلون. وكان قد أفرج عن اكثر من 800 معتقل من أصل (1100) معتقل حسب ما قالت المصادر. وحتى الآن ما زالت عمليات الإعتقالات تطال سياسيين اعضاء في الحزب الاشتراكي اليمني وحزب الحق وإتحاد القوى الشعبية. والإتهام الرسمي لهم كان بوجود علاقة لهم بدعم المتمردين في صعدة بقيادة عبدالملك الحوثي.
وقال لـ«النداء» أحد المفرج عنهم قبل بدء الحرب الثالثة نهاية يناير الماضي، إنه تعرض لتعذيب شديد في جهاز الأمن السياسي وأن العديد من المضايقات كانوا يتعرضون لها حيث لم يكن مسموحاً لهم الخروج إلى الحمام -على سبيل المثال- سوى ثلاث مرات في اليوم ورفضت إدارة السجن إسعاف العديد منهم تعرضوا لنوبات قلبية حسب ما أشار بيان للمنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات.
وأشار أحد المعتقلين الذين افرج عنهم في حديثه لـ«النداء»، إلى أن العديد من المعتلقين، الذين كان يتم تعذيبهم بتهمة «الحوثية» لم يكن لهم علاقة بذلك وتم اجبار العديد منهم قول ما يطلب منه من قبل المحققين في جهاز الأمن السياسي خوفاً من التعذيب الذي سبب لبعض المعتقلين الشلل وكسرت سيقان وسواعد بعضهم.
وأشار المصدر إلى أن الوجبة الغذائية اليومية عبارة عن رز ومشكل يتم إعداده بطريقة رديئة. وأن بعض المعتقلين الذين كان أهاليهم يقدمون لهم وجبات وفواكه كان يتم القرصنة عليها من قبل بعض الضباط ولا تصل إليهم في غالب الأحيان وعندما تصل تكون قد اخذ منها بعبثية.
وتابع المصدر أنه كان من غير المسموح تغيير الملابس وان سجناء ظلوا ما يزيد عن ستة اشهر من فترة اعتقالهم -دون علم أهاليهم بمكانهم- بالملابس التي دخلوا بها المعتقل، وان دخول «الحمام» كان محدداً بثلاث مرات في اليوم الواحد وبمعدل (5) دقائق في كل مرة، وان العديد من المعتقلين تضاعفت لديهم الأمراض (خصوصاً الكلى).
ومع دخول الحرب الثالثة شهرها الثالث يدخل معتقلون جدد السجون.
***
النازحون إلى المخيمات
كانت البداية قيام المتمردين بطرد يهود «آل سالم» من ديارهم، لتستضيفهم السلطات باعتناء في المدينة السياحية، ومع الحرب كانت النتائج نزوح مواطنين هم الآن في مخيمات خارج مدينة صعدة.
وكان قرابة (150) من يهود آل سالم قد تم إخراجهم وطردهم من قبل المتمردين ليغدو الأمر ذريعة للحرب وإعلان نهاية إجبارية للهدنة.
والآن تم استضافة «اليهود» في المدينة السياحية بالعاصمة صنعاء وهناك يتم توفير الاحتياجات من قبل السلطات الرسمية.
ومع استمرار المواجهات في «ضحيان» تحديداً، طلبت السلطات الرسمية من المواطنين إخلاء المدينة تمهيداً لمهاجمتها مع تجهيز العديد من المخيمات للنازحين في ضواحي المدينة.
وحسب الاحصائيات غير الرسمية فإن ما يربو على (800) نازح من عموم صعدة قد تركوا أماكن سكنهم بسبب الحرب فيما غادر آخرون إما ضيوفاً على أقرباء لهم في العاصمة صنعاء وعمران وحجة، أو في المنازل التابعة لهم في تلك المحافظات.
واشارت مصادر محلية في محافظة صعدة إلى أن فرق من الهلال الأحمر والصليب الأحمر يباشرون أعمالهم هناك في الميدان لتقديم المساعدات العلاجية والغذائية للنازحين وسط رقابة رسمية منعتهم من الادلاء بأي معلومات أو التصريح والاكتفاء بالقيام بالمهمات الإنسانية الميدانية دونما حاجة لتدوين الملاحظات.
sanaapress@gamil
http://www.alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=760
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
صوت من صعدة...أوقفوا هذه الحرب المجنونة
11/04/2007 م 04:15:36
محمد ضيف الله هاشم - الاشتراكي نت
سنظل نطرح ونطالب أن أوقفوا الحرب في صعدة, لأننا في قلب الحدث ونرى محافظتنا تدمر كل يوم , والحرب فيها تتسع كل يوم وتأكل الأخضر واليابس , .... الإنسان, الأرض, والزراعة والحيوان ...
هذه الحرب المجنونة لا يعرف احد لها نهاية, ولا ما هي أهدافها ومن هو المستفيد منها ومن استمرارها.
حرب أهلكت وشردت كل من تقع في محيطه جعلت الناس يعيشون الكفاف دون أن ينظر إليهم احد , لا منظمات خيرية ولا منظمات حقوقية تصل إلى الناس في صعدة المرض, الجوع , البعد عن البيت والقرية , والمدنية التي تربى المرء فيها وترك كل ممتلكاته وبعض أفراد أسرته التي لم يوفر أجور السيارة التي تنقلهم إلى أماكن لم تصلها الطائرات والدبابات وصواريخ الكاتيوشا.
المواطن الفقير والإنسان العادي لا يستطيع أن يتحرك لجلب القوت الضروري لأولاده ولو قطعة خبز يابسة ليسد بها جوعهم ويسكت بها صراخهم.
يموت ابنه أو زوجته أو أخوه وهم أمامه وبين يديه ولا يجد قيمة الدواء
لا يستطيع أن يتحر فأمامه مغامرة حتى يصل إلى عاصمة المحافظة من القصف العشوائي وفي كل الاتجاهات وإذا غامر فقد يصل جثة هامدة هو ومن تم إسعافه وقد حصلت مثل هذه الحوادث مرات عديدة
كما أن الخوف والقلق على من تركهم من أقربائه قائم على قدم وساق ... لا يعرف مكانهم وهل هم إحياء أم أموات.
لقد عزلت محافظتنا كلياً عن العالم الخارجي وعن وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية, وقطعت جميع وسائل المواصلات البرية والجوية والاتصالات الالكترونية واللاسلكية عن جميع مديرياتها, وكان ذلك سبب إضافي لقلق الناس وخوفهم على أقاربهم المشردين هنا وهناك الذين لا يعلمون عن مصيرهم شيئا. .
إن الحروب لا يحس بها إلا من هم تحت لهيبها ويكتوون بنارها .
وصدقوني بان إشعال النار سهل ولكن إطفاء الحرب صعب ومعالجة آثارها ونتائجها أصعب بكثير وهذا مما نعانيه ونشاهده كل يوم بل كل ساعة.
إذا لم يكن هناك عقلاء وخيرون يدركون خطورتها ويتم احتواؤها ومعالجة مسبباتها لكي لا تنفجر في المستقبل مرة أخرى ,فقد تخلف هذه الحرب وكل الحروب الداخلية جروحاً عميقة ومن الصعب على من حرق بنيرانها أن يشفى من آلامه ومن مشاعر القهر لديه ومن أحقاده إلا بمصالحة حقيقية وصادقة.
إن الدماء التي تنزف والبيوت التي تهدم والثروة التي تهدر لا يمكن أن تجعل اليمن إلا عبارة عن جروح ودماء وصديد وفقر وتخلف لا نستطيع الخروج منه بسهولة.
إن من يرى الحرب وآثار هذه الحرب بعيدة عنه فهم إما غبي أو متآمر ولم يتعلم من دروس التاريخ لأن الحروب الأهلية تبقى جرحاً غائرا في جسد الوطن وأرواح المواطنين ونفوسهم ...إنها كالنار الملتهبة في ريح عاصف تصل إلى كل مكان وتطال بلفحاتها الحارقة جميع الناس في هذا الوطن.
أوقفوا هذه الحرب من اجل الوطن ومن أجلكم انتم فلن تكونوا بمنأى عنها وعن آثارها وقد تكون مقبرتكم بعد أن تقبروا الجميع في حفرتها المظلمة.
إن التعالي والجهل والمكابرة وعدم التفكير وقطع كل وسيلة للتصالح في حرب صعدة الأخيرة وضع الجميع في موقف صعب ومحرج ووسع مساحة الحرب بسبب استخدام الالة العسكرية المفرطة على أساس الحسم مماوسع مساحة القتال لتشمل مناطق كانت بعيدة عن الحرب.
إن الإقدام والمغامرة الطائشة وعدم التفكير والغرور بالقوة العسكرية وقوة التدمير وضع النظام في حرب استنزاف لانهاية لها وجعلت الطرف الآخر الذي أغلق النظام أمامه كل أبواب التحاور والتصالح يقاتل بإصرار وعزيمة واستبسال.
كل يوم يمر يزداد فيه القتل والحرب والتدمير ويتسع مما يصعب معالجتها واحتواؤها فيما بعد، إن الوضع مأساوي بكل ماتعنيه الكلمة؛ فلا علماء ولا عقلاء ولا أحزاب ولا منظمات حقوقية تخرج في مسيرة واعتصام أوحتى تتكلم بصوت مسموع.
أوقفوا هذه الحرب الملعونة والقذرة التي تبتلع المحافظة والنظام لأن الدماء التي تسال والبيوت التي تهدم والثروة التي تهدر هي لهذه الأمة.
إن من يرون أنها بعيدة عنهم أغبياء فهي كالنار تسري في الهشيم وستصل إلى الجميع إذا لم تطفأ من قبل العقلاء.
إن الحروب تولد الظلم والاضطهاد والأحزان والكراهية، والسلم والعدل يولدان المحبة والإخاء ويوحدان الصفوف ويحفظان النسيج الوطني من التمزق والتشرذم.
قال تعالى "ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا".
***
سكرتير أول منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بصعدة.
http://www.aleshteraki.net/articles.php ... icleID=581
11/04/2007 م 04:15:36
محمد ضيف الله هاشم - الاشتراكي نت
سنظل نطرح ونطالب أن أوقفوا الحرب في صعدة, لأننا في قلب الحدث ونرى محافظتنا تدمر كل يوم , والحرب فيها تتسع كل يوم وتأكل الأخضر واليابس , .... الإنسان, الأرض, والزراعة والحيوان ...
هذه الحرب المجنونة لا يعرف احد لها نهاية, ولا ما هي أهدافها ومن هو المستفيد منها ومن استمرارها.
حرب أهلكت وشردت كل من تقع في محيطه جعلت الناس يعيشون الكفاف دون أن ينظر إليهم احد , لا منظمات خيرية ولا منظمات حقوقية تصل إلى الناس في صعدة المرض, الجوع , البعد عن البيت والقرية , والمدنية التي تربى المرء فيها وترك كل ممتلكاته وبعض أفراد أسرته التي لم يوفر أجور السيارة التي تنقلهم إلى أماكن لم تصلها الطائرات والدبابات وصواريخ الكاتيوشا.
المواطن الفقير والإنسان العادي لا يستطيع أن يتحرك لجلب القوت الضروري لأولاده ولو قطعة خبز يابسة ليسد بها جوعهم ويسكت بها صراخهم.
يموت ابنه أو زوجته أو أخوه وهم أمامه وبين يديه ولا يجد قيمة الدواء
لا يستطيع أن يتحر فأمامه مغامرة حتى يصل إلى عاصمة المحافظة من القصف العشوائي وفي كل الاتجاهات وإذا غامر فقد يصل جثة هامدة هو ومن تم إسعافه وقد حصلت مثل هذه الحوادث مرات عديدة
كما أن الخوف والقلق على من تركهم من أقربائه قائم على قدم وساق ... لا يعرف مكانهم وهل هم إحياء أم أموات.
لقد عزلت محافظتنا كلياً عن العالم الخارجي وعن وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية, وقطعت جميع وسائل المواصلات البرية والجوية والاتصالات الالكترونية واللاسلكية عن جميع مديرياتها, وكان ذلك سبب إضافي لقلق الناس وخوفهم على أقاربهم المشردين هنا وهناك الذين لا يعلمون عن مصيرهم شيئا. .
إن الحروب لا يحس بها إلا من هم تحت لهيبها ويكتوون بنارها .
وصدقوني بان إشعال النار سهل ولكن إطفاء الحرب صعب ومعالجة آثارها ونتائجها أصعب بكثير وهذا مما نعانيه ونشاهده كل يوم بل كل ساعة.
إذا لم يكن هناك عقلاء وخيرون يدركون خطورتها ويتم احتواؤها ومعالجة مسبباتها لكي لا تنفجر في المستقبل مرة أخرى ,فقد تخلف هذه الحرب وكل الحروب الداخلية جروحاً عميقة ومن الصعب على من حرق بنيرانها أن يشفى من آلامه ومن مشاعر القهر لديه ومن أحقاده إلا بمصالحة حقيقية وصادقة.
إن الدماء التي تنزف والبيوت التي تهدم والثروة التي تهدر لا يمكن أن تجعل اليمن إلا عبارة عن جروح ودماء وصديد وفقر وتخلف لا نستطيع الخروج منه بسهولة.
إن من يرى الحرب وآثار هذه الحرب بعيدة عنه فهم إما غبي أو متآمر ولم يتعلم من دروس التاريخ لأن الحروب الأهلية تبقى جرحاً غائرا في جسد الوطن وأرواح المواطنين ونفوسهم ...إنها كالنار الملتهبة في ريح عاصف تصل إلى كل مكان وتطال بلفحاتها الحارقة جميع الناس في هذا الوطن.
أوقفوا هذه الحرب من اجل الوطن ومن أجلكم انتم فلن تكونوا بمنأى عنها وعن آثارها وقد تكون مقبرتكم بعد أن تقبروا الجميع في حفرتها المظلمة.
إن التعالي والجهل والمكابرة وعدم التفكير وقطع كل وسيلة للتصالح في حرب صعدة الأخيرة وضع الجميع في موقف صعب ومحرج ووسع مساحة الحرب بسبب استخدام الالة العسكرية المفرطة على أساس الحسم مماوسع مساحة القتال لتشمل مناطق كانت بعيدة عن الحرب.
إن الإقدام والمغامرة الطائشة وعدم التفكير والغرور بالقوة العسكرية وقوة التدمير وضع النظام في حرب استنزاف لانهاية لها وجعلت الطرف الآخر الذي أغلق النظام أمامه كل أبواب التحاور والتصالح يقاتل بإصرار وعزيمة واستبسال.
كل يوم يمر يزداد فيه القتل والحرب والتدمير ويتسع مما يصعب معالجتها واحتواؤها فيما بعد، إن الوضع مأساوي بكل ماتعنيه الكلمة؛ فلا علماء ولا عقلاء ولا أحزاب ولا منظمات حقوقية تخرج في مسيرة واعتصام أوحتى تتكلم بصوت مسموع.
أوقفوا هذه الحرب الملعونة والقذرة التي تبتلع المحافظة والنظام لأن الدماء التي تسال والبيوت التي تهدم والثروة التي تهدر هي لهذه الأمة.
إن من يرون أنها بعيدة عنهم أغبياء فهي كالنار تسري في الهشيم وستصل إلى الجميع إذا لم تطفأ من قبل العقلاء.
إن الحروب تولد الظلم والاضطهاد والأحزان والكراهية، والسلم والعدل يولدان المحبة والإخاء ويوحدان الصفوف ويحفظان النسيج الوطني من التمزق والتشرذم.
قال تعالى "ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا".
***
سكرتير أول منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بصعدة.
http://www.aleshteraki.net/articles.php ... icleID=581
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 67
- اشترك في: الثلاثاء يناير 09, 2007 6:14 pm
- مكان: the earth
صعدة.. تلفظ أنفاسها الأخيرة
الأربعاء 11 إبريل-نيسان 2007 القراءات: 90
( طباعة)
بقلم/ عابد المهذري
ثقوب الرصاص في لوحة منصوبة على مدخل المدينة مرحبة بالقادمين إلى "صعدة.. محافظة السلام".. تخبرك أن عليك التشبث بما استطعت من الحذر والحيطة.. تقول لك: احترس أنت في صعدة وأجواء المكان تدعوك ألا تصدق العبارة تلك.. تمر بجانب لوحة حديدية أخرى على الطريق.. فتتأكد أكثر أن عليك إنهاء مهمتك بسرعة.. حين تجد آثار الرصاص قد طمست براءة حمامة بمنقارها غصن زيتون وعنقود عنب يستقبل ضيوف المحافظة .. لتعرف فيما بعد كم كانت صعدة تنعم بالأمن والسلام وروح الطمأنينة قبل انفجار الحرب صيف 2004م.
> تعود بذاكرتك خمس دقائق إلى الخلف.. فتستعيد مشاهد مررت عليها في عشرين كيلو متر قبل أن تصل إلى "نقطة عين" مركز التفتيش الأمني الذي يحرس بوابة صعدة.. حين تصل إلى هذا المدخل الرئيس للمحافظة تكون قد رأيت سوق آل عمار ينفض عن محلاته غبار المواجهات المسلحة وإلى يمنيك "وادي مذاب" يختبي خلف تلك الجبال البعيدة.. يحرص الراكب الذي بجوارك على إخبارك بأن الحرب الرابعة "الحالية" بدأت من هناك.. وبسرعة تلتفت إلى اليسار لترى قسم شرطة الصفراء.. المبنى الحديث الذي نقشت رصاص المهاجمين ذكرياتها على جدرانه ممهورة بدماء عشرات القتلى والجرحى.. تمر بجبال شاهقة ثم منعطف.. لتجد قرى "المهاذر" متناثرة على جانبي الطريق ترحب بك "بمطب" شهير ولوحة مرورية تحذرك من السرعة.. أنت في قرية "القابل" الآن.. بجوار "قصبة" الحراسة المهدمة بيت طيني آخر طالة التخربت بقذائف الجيش.. بسرعة تجدك وسط سوق "المهاذر" المسمى "المخرطة" نسبة إلى ورشة قديمة لأعمال الخراطة.. يفاجؤك المشهد المثير.. آثار القصف المسلح بارزة على أبواب دكاكين السوق.. إنها نتيجة قصف عشوائي من قوات الجيش.. رداً على كمائن محكمة نصبها أنصار الحوثي لسيارات الجنود في هذه المنطقة على مدار أسبوعين مليئين بقصص المواجهات الأكثر سخونة.. لكن جمال قرية "فروة" السياحية يخفف عنك بعض التوتر وأنت تمر على قرى البقعة وعين وصولاً إلى آل عقاب المتسمة بالهدوء.
> تدلف المدينة بإلقاء التحية على معسكر قوات النجدة ومبنى إدارة الأمن الضخم.. ثم معسكر الأمن المركزي الكبير وموقع القصر الجمهوري الواسع خلف جامع جميدة "السلفي".. تتوقف بجوار الغرفة التجارية لتستقل بعشرة ريالات باصاً للأجرة ينقلك إلى نهاية الشارع العام.. تصل إلى باب اليمن والذهول يسيطر على تفكيرك.. وحينما تصرخ بإحتجاج وأنت غير مصدقاً عيناك: "لا.. هذه ليست مدينتي.. ليست صعدة التي أعرفها".. لن تجد من يهتم لأمرك.. رد عليَّ أحدهم باستهزاء "مالك مطنن.. وينك عايش يا حبوب".. أضاف آخر "روح شوف مابه في الطلح وبني معاذ وضحيان.." .. يرتفع أذان صلاة الظهر بصوت مبحوح من ميكرفونات جامعة الإمام الهادي "الزيدي" وسط المدينة القديمة.. استقل باصاً آخر وأعود من شارع الزبيري أتأمل وجوه الناس وكيف تمضي عقارب الحياة داخل هذه المدينة الصغيرة!!
> أول ملاحظة تسجلها "الحياة مشلولة" والوضع لا يطمئن.. لن تغفل ملاحظة أخرى.. سيارات الجيش أكثر من سيارات المواطنين.. داخل سوق القات المركزي ستجد أن الجنود الباحثون عن ربطة "ولعة" أضعاف أعداد المواطنين الباحثين عن كيس قطل.. في هذا السوق ستجد جندي يبيع للمقوت عدداً من طلقات الذخيرة.. وسيقول لك مقوت آخر وهو يلعن الحرب "العمل ضعيف ومزارعي القات يعانون انعكاسات المشكلة" من خلاله تعرف أن إنتاج القات متوقف في أكبر مناطق زراعته في قاع بني معاذ الخصيب.. ولم يعد يأتي من آل عمار وساقين وسحار الشام إلا كميات قليلة لا تغطي الطلب المتزايد بزيادة آلاف الجنود القادمين من ألوية مرابطة في الجوف ومأرب وأرحب لتعزيز الموقف العسكري في حرب صعدة نمبر فور!!
> من خلال صاحبي.. أعرف أن قلب المدينة لا ينشط إلا في ساعات الظهيرة حتى العصر.. ثم ما يلبث أن يتحول الجو إلى ما يشبه صباحات رمضان.. قليلة هي حركة العمل في السوق وببطيء يمشي الوقت.. معظم المحلات التجارية مغلقة.. المرافق والمكاتب الحكومية تكاد تكون معطلة.. بالكاد يوفر "عمار" مصاريفه اليومية من دخل باصه الصغير.. القرف هو علامة التذمر في وجوه أصحاب المحلات.. هذا الشهر عجز "فهد" عن تسديد إيجار سوبر ماركت يمتلكها.. ويعرض "منير الشرعبي" مطعمه للبيع بثمن أقل من قيمته.. تعرف من صاحب ورشة ميكانيكا أن الشلل الذي أصاب المدينة سببه الحرب.. يتفق البنشري وتاجر قطع الغيار وصاحب المخبز ومحل الخياطة أن سكان الأرياف لا يأتون للمدينة للتبضع والتزود بحاجياتهم لأن حركة التنقل زادت صعوبة مع كثرة نقاط التفتيش العسكرية في كل الطرقات.. ولا ينسى هؤلاء الإشارة إلى أن اهتزاز الوضع الأمني في المحافظة أجبر الجميع على ملازمة قراهم بانتظار المجهول..
> الشمس الآن تقترب من الاختفاء خلف جبال خولان المهيبة.. تحس بتسارع حركة الناس للعودة إلى البيوت قبل حلول الظلام.. الأطقم العسكرية بدأت تكثف تحركاتها.. درجة اليقظة ترتفع لدى الجميع.. بإمكانك الآن رؤية نهاية الشارع العام وأنت واقف بجوار المجمع الحكومي حيث الحراسة المشددة على منزل المحافظ ومدير الأمن ومباني الحزب الحاكم وبنكي الإنشاء والتسليف والمحكمة والمرور والدفاع المدني والبنك المركزي في الدائري الخلفي قريباً من مبنى الأمن السياسي الملتصق بجدارن مستشفى السلام السعودي بصعدة.. حيث تنتشر الحواجز الخرسانية منذ الحرب الثانية لتمنع حركة المرور بجوار مباني الأمن السياسي من ثلاث جهات عدى الجهة الجنوبية في ظل رقابة أمنية متحفزة.. المحلات تغلق أبوابها على عجل.. بعد قليل سيؤذن لصلاة المغرب وقبل أذان العشاء ستكون جميع المحلات قد أغلقت ودوريات الشرطة تمشط الشوارع تمهيداً لحالة الطوارئ وحضر التجوال التي تبدأ عند الثامنة من كل مساء..
> لقد أنهيت مهمتي على نحو مرضي نسبياً.. بمساعدة صديق وصلت إلى مدينة ضحيان ودونت بعض الملاحظات.. وفي طريق العودة قضيت نصف ساعة داخل "سوق الطلح" أكبر أسوق السلاح والتهريب في اليمن.. الحركة التجارية متوقفة في أضخم سوق لبيع السيارات والمواشي والمواد الغذائية.. القرى السكنية المحيطة بالسوق ما تزال فجوات قذائف الدبابات محفورة على جدران ثمانين منزلاً طالها قصف القوات المسلحة كما صرح لي مصدر موثوق من وجاهات المنطقة.. بمحاذاة جبل "قهرة النص" يعسكر لواء كامل لتأمين المنطقة المحورية لأنشطة مقاتلي الحوثي.. قال المصدر الموثوق أن القوات أصيبت بهستيريا جنونية إثر اغتيال قائدهم "العميد/ محمد جابر عثمان" وباشروا القرى بقصف مدفعي مكثف ذهب ضحيته عشرات الأبرياء.. وقبل أن يشرح لك كيف قتل الشيخ/ جار الله فردان وهو يقرأ القرآن وبجواره ابنته داخل منزله وماذا حدث لمنازل القرحي والعوسة وبن عريج و...... وكيف أودت قذيفة مجهولة بحياة رجل الأعمال "الطيخ" وهو وسط أسرته. ستجده يشكر الله أن القذائف التي سقطت في بيت "أبو مسكة" لم تصب مخازن السلاح في بدرومات المنزل وإلا لكانت الكارثة مفجعة بكل المقاييس.. ويواصل سرد قصص وحكايات لا يمكن نشرها هنا تجنباً لأذى قد تتعرض له الصحيفة من السلطات بتهمة كشف أسرار عسكرية!!
> في الطلح.. يتواجد أنصار الحوثي بكثرة وتعد مركز رئيسي لتنفيذ نشاطاتهم المسلحة وإعادة التجمع والتوزيع وشن المهام القتالية على المرافق العسكرية المرابطة في تلك المناطق.. منطقة الطلح إلى جانب آل الصيفي القريبة منها شهدت أشرس المواجهات.
> الغاضبون من تدمير بيوت أبرياء لا علاقة لهم بالحوثي.. يتحدثون بمرارة عما يحدث.. "فيصل" يعتبر ما يحدث شبية بما يجري من بطش وتعسف في غزة والقدس.. وعندما تعرف أن الجيش يقوم بقصف مواقع الحوثيين من على بعد عشرات الكيلو مترات وكثيراً ما يخطئ الهدف وتصيب القذائف مدنيين.. ستعرف قصد البرلماني "عثمان مجلي" عن سوء إدارة الدولة الحرب.. وتحاول تفسير ذلك التأزم وأسباب تجدد الحرب وتوسعها دون حسم.. فلا تجد إجابة غير إجماع أبناء المحافظة أن هناك من أقصى أي دور قد يلعبونه إيجابياً عن ساحة الأحداث.. لقد تجاهلونا وتعمدوا تحييدنا والنتيجة كما ترى.. قالها شيخ بارز معروف بالحكمة والرأي السديد ضمن حديث طويل في مقابلة خاصة!!
> بالقرب من ثكنة عسكرية على طريق الطلح.. يضبط قائد عسكري صحفياً متلبساً بجريمة البحث عن الحقيقة.. تلعب الصدفة دورها.. الضابط صديق قديم من زمن ما قبل الحرب.. يتركني وشأني محذراً من الوقوع في يد غيره.. "لدينا توجيهات مشددة على منع الصحافة من النزول للميدان والتصوير".. هكذا قال لي راجياً ألا أخبر أحداً بتساهله معي.. الآن فهمت لماذا يتهرب أصحابي من الرد على اتصالاتي وتزويدي بأي معلومات.. الجميع يعتقد بأن التلفونات تحت مراقبة الأجهزة الأمنية.. وبعد قطع خدمة الإنترنت والهاتف المحمول عن سكان محافظة صعدة منذ شهر.. صارت المعلومات محدودة التداول.. لا أحد يجرؤ على تزويدك بما يعرف.. الكثيرين يطمئنونك بأن الأمور على ما يرام مع أن العكس هو الصحيح.. ويختصرها الغالبية في كلمات شعبية دارجة "مخبوصة.. معجونة.. مخوشة.. غاغة.." كلما سألتهم عن أي جديد!!
> في مكان عام.. استرقت السمع لحديث مجموعة مواطنين يتناقلون أخباراً حول سيطرة مقاتلي الحوثي على مواقع عسكرية واستعادة أخرى وأخطاء فادحة ارتكبها الطيران المشارك في الحرب عندما ضرب وحدات من أفراد الجيش متمركزون في جبهات القتال.. كانوا يتحدثون عن أعداد مهولة من الضحايا.. الفضول الصحفي دفعني للتطفل بطرح أسئلة جانبية لتأتي إجاباتهم صاعقة.. صمت الجميع ودققوا النظر بقلق وريبة إلى وجهي.. تواريت في خجل وأحدهم يتمتم "الله يخارجنا.. صورته من حق الأمن.. هيا نمشي قبل ما يبلغ.. وقبل أن يهربوا كنت أنا قد لذت بالفرار!!
> حتى الأشخاص الذين كنت أتحدث معهم قبل يومين في صنعاء وجدتهم في صعدة يتحاشون الحديث معي بتلك الحرية التي كانوا عليها.. تأكدت فيما بعد أن الثقة مهزوزة لدى الجميع.. ويتعامل أهل صعدة بحذر شديد مع أخبار الحرب ووقائع المعارك.. وفي مقايل القات يخاف الجميع من إبداء رأي معارض أو التعبير عن موقفة الشخصي.. ومن يملك خبراً خاصاً لا يجرؤ على أخبار آخرين بما لديه من معلومات قبل أن يشيع الخبر بين الناس.. التكتيم الإعلامي وصل إلى عدم معرفة أبناء القرى المتجاورة عن تفاصيل ما يحدث بالقرب منهم.. مقابل ذلك ارتفع توزيع الصحف ويطلب أصحاب المكتبات كميات إضافية من الموزعين.
> وعلى بعد أقل من كيلو متر واحد من نقطة آل الصيفي العسكرية يتوقف سائق السيارة ليخبرني أن تلك النقطة استحدثها الحوثيون.. وكما هي النقاط الأمنية الحديثة منتشرة على امتداد الطريق من "العمشية - آل عمار - المهاذر" على خط صنعاء صعدة.. كذلك هي منتشرة بأعداد أكثر في طريق "صعدة - الطلح - آل الصيفي - ضحيان..." بجوار هذه النقاط تتموضع الدبابات والعربات المصفحة وأعداد من الأطقم المسلحة والمجنزرات.. وتبدو الأكياس الرملية تملا المكان والمطبات المرتفعة موزعة على مسافات متقاربة.. فيما أصابع الجنود لا تفارق زناد أسلحتهم.. وبالكاد ترمش أعين أفراد الخدمة من شدة اليقظة والتأهب لهجوم مباغت..
> لم تسمح شجاعتنا بزيارة آل الصيفي وآل غبير والقرى المجاورة لها.. انتصر تردد مرافقي على اندفاعي المتهور لإقتحام المنطقة.. ليكون الخيار الأخير هو التوغل وسط مزارع بني معاذ المترامية الأطراف.. تجاوزنا سوق الخفجي في طريق العودة لنسلك طريق بني معاذ من سوق العند الذي يؤمه أنصار الحوثي لبيع وشراء القات ببنادق مزينة بملصقات شعار الصرخة المنادي بالموت لأمريكا وإسرائيل وصور زعيم الحركة "حسين بدر الدين" مثبتة على أغلفة الجنابي.. وإذا ما سمعت أحدهم ينفي مقتل حسين الحوثي ويؤكد عروج روحه للسماء.. فلا تدخل معه في نقاش.. دعمم كما يدعمم الآخرين وإلا....!!
> النهار في صعدة يكون صاخباً بأصوات طائرات الميج عندما تتعمد الاقتراب من الأرض وفتح الصوت لدرجة تحطيم زجاج النوافذ.. ضجيج مقاتلات الهيلوكبتر حكم على الطيور بالهجرة من سماء المحافظة.. لقد تحولت صعدة إلى فرزة للطائرات تشبه فرزة الحصبة باب اليمن.. هكذا يصف "صالح" الأجواء المعاشة داخل المحافظة.. حتى الأطفال الصغار صاروا يفرقون بين الأباتشي والهيلوكبتر وطائرات الإسعاف.. ومرورها المتكرر فوق رؤوسهم لم يعد مثيراً للنظر للأعلى بدهشة الصغار.. لكن هناك جوانب خطيرة لا ينتبه أحد إليها.. هناك الآن جيل ينشأ في صعدة متعايشاً مع ثقافة الحرب.. على غرار دراسة علمية نفذها خبراء نفسيون على أطفال العراق.. علماء الاجتماع يحذرون من ترعرع صغار صعدة وسط أحضان العنف والتعود على مشاهدة الجثث والتخاطب بلغة القتل ومفردات الاقتتال.. أولياء الأمور يضعون أيديهم على قلوبهم.. قلقاً على مستقبل غامض ينتظر أطفالهم.. وتكاد الغصة تخنف "عبدالباري" وهو يصرخ داخل أعماقه مستنجداً بالعقلاء لإيقاف الحرب المعلونة.. حتى الذين لا ذنب لهم سيذهبون ضحايا..
> تقرأ الخطر القادم.. عندما تجد الأطفال يتقمصون أدوار المقاتلين.. صغار الحارة الواحدة يتسلحون بأسلحة خشبية ثم يبدأون كفريقين مع الحوثي وضده القتال ببراءة الصغار.. يجسدون ما يدور على أرض الواقع بنشوة غامرة لا تضاهيها لعبة الكرة أو سباقات الجري.. هنا يعاود أخصائي اجتماعي تحذيراته من هذه السلوكيات وتأثيراتها الخطيرة على المدى البعيد.. ننقل تحذيره ونطرح صوت القضية على مقربة من آذان المعنيين!!
> أنت في صعدة.. ستشاهد كصحفي الكثير.. وستسمع كمواطن أكثر مما ترى.. شاب في مقتبل العمر يسأل دون خوف عن طريق "النقعة".. سيارات الجيش تسير بسرعة جنونية.. فوهات بنادق الجنود على الأطقم مصوبة إلى الخارج باتجاه الشارع ومن فيه.. اللوحات الجمركية نزعت من العربات العسكرية للتموية على أتباع الحوثي.. إذا كنت من أبناء المحافظة ستحس بأنك غريب على المنطقة.. الناس الذين تعرفهم جيداً ضاعوا وسط هذا الزحام المسلح القادم من حيث لا يدري أحد.. يجيبك شخص لم تسأله "الأمور حامية والله أعلم إلى أين".. المدينة خالية من المجانين "ملاحظة!!".. موسيقى الغناء المنبعثة من استريو في وسط المدينة..ليست مؤشر انبساط وهدوء بقدر ما هي عادة قديمة.. وإذا لم تكن على علم مسبق بخروج صعدة منذ أسابيع عن نطاق خدمة سبأفون وسبيستل وموبايل.. فلا تحاول تصفح الإنترنت.. فالخدمة أيضاً مقطوعة كما هي تلفونات المنازل في مناطق المواجهات مفصولة لظروف أمنية.. وما دمت في صعدة.. يجب عليك التخلي عن أشياء كثيرة.. الكاميرا.. البطاقة الصحفية.. المسجلة الصغيرة.. بنطلون الجينز.. أوراق المهنة.. واستبدالها بكلاشنكوف وجنبية وغترة تخفي ملامح وجهك عن عيون العسس.. سيبقى الذهول يسيطر عليك كلما لمحت بيتاً تأثر بالقذائف أو سيارة مسرعة باتجاه المستشفى لإسعاف جرحى الحرب.. ولن تكون بخير إذا أردت ممارسة عملك بحرية وأريحية.. تقمص أي شخصية غير وظيفة الصحفي حتى لا تزور السجن وتفشل في تنفيذ المهمة.. وقبل أن تدخل "بني معاذ" إلتقط ما يكفيك من الأنفاس العميقة على بعد كافي من قوات الجيش المرابطة على أطراف القرى الكثيفة السكان.. لقد وصلنا "غلفقان".. مساحة أرض واسعة ما زالت خالية.. لا غبار يتطاير بسبب توقف الحركة.. وبعد قليل.. سنتفاجأ بشخص يرحب بنا بكمية كبيرة من أغصان القات الفاخر قطفها للتو من مزرعته تلك.. لقد عرفني وأطمانيت إليه حين وجدته يتحدث معي بثقة وصراحة .. لن أذكر إسمه لعدم معرفتي به.. لكنه قال أن الوضع مزعج.. السكان يواصلون النزوح وتحت نيران القصف المكثف على المنطقة يتواصل إنذار القيادة العسكرية للأهالي بإخلاء الأماكن وحماية المزارع من تسلل أتباع الحوثي.. الجميع في حيرة.. ولن تسمع ضجيج المضخات الزراعية مع دوي الانفجارات المتوالية حول محيط جبال "الشبكة".. من أي مكان سترى شظايا النيران وهي تتطاير في الجو عند ارتطام القذائف بصخور الجبل الضخم الذي يحرس "بني معاذ" من جهة الغرب.. ويؤمن للمقاتلين في جبهات الحوثي عملية التواصل بأمان وصولاً إلى "صبر وهجرة فلة وأم ليلى ....".. عبر سلسلة جبلية تربط وسط المحافظة بآخر نقطة على حدود اليمن الشمالية مع السعودية..
> من الجهة الشرقية المقابلة.. هناك سلسلة أخرى.. جبال "العصائد" تربط منطقة نشور والرزامات وآل سالم بالمعقل الاستراتيجي "النقعة" حيث يعسكر "أبو يحيى" منذ سنتين مع العشرات من أصحاب الشعار.. يلعب "عبدالله عيظة الرزامي" دوراً رئيسياً في القيادة والتخطيط.. وبغموض وصمت يدير شئون الحركة الحوثية.. التضاريس الجغرافية الصعبة تخدم الحوثيين وتعقد الخطة العسكرية الرامية للسيطرة على "النقعة".. خبير عسكري متقاعد يجزم باستحالة أي تدخل عسكري بنجاح.. ليست صعدة تورا بورا ولا قندهار.. لكن طبيعة المكان تفرض أهميتها.. حتى الطيران لا يحقق النجاح المطلوب ضد المتحصنين وسط جبال عملاقة فيها عشرات الجروف الصخرية والكهوف المنبعجة للداخل بإتساع..
> "أين عبدالملك الحوثي"؟! إنه هنا.. يتمترس في المنتصف.. ويتخذ من منطقة "مطرة" الواقعة بين "النقعة" والجعملة مركزاً رئيساً له ومن معه.. لن تصل إلى "مطرة" إلا من طرق محدودة ما زال الحوثيون يسيطرون عليها..
> عندما تكون في "ولد مسعود" ستكون مدينة صعدة خلف ظهرك.. أمامك مطرة والنقعة.. ومن حواليك.. قهرة النص وآل الصيفي وآل غبير وآل بيان والطلح والأبقور على اليسار.. وإلى اليمين كتاف والبقع ووادي آل بوجبارة والعشاش والحمزات والطويلة وآل شافعة
يمكن الإطلاع على خريطة صعدة بالوقوف على قمة جبل "تلمص" جنوب مدينة صعدة المطل على مناطق غراز والعبدين والصحن.. سترى قاع زراعي فسيح تحيط به الجبال الضخمة من كل جانب.. تلتصق جبال الصمع والسنارة والعبلى بالجبل الذي تعتليه من جهة الجنوب الشرقي.. وخلفها تتداخل مناطق "دماج وصحوة ووادعة معقل السلفية في اليمن وبلاد "مقبل بن هادي الوادعي" ومعهده الشهير لتدريس الحديث النبوي..
> كما يختفي خلف جبل أحسن الملاصق لجبل تلمص من الجنوب الشرقي مناطق المهاذر وفروة وآل عمار وبني عوير.. ووراء جبال الشبكة هناك جبال أكبر تحرس ساقين وحيدان ورازح وشدالن تصل إليها إلا عندما تخترق جبال زقول وآلت مجزب ووادي علاف عند سفح جبل "عنم" الشهير.. ويحتجب وراء ذلك الأفق البعيد مديريات منبه وغمر وقطابر غرباً من جبل أم ليلى الذي تصله من طريق ضحيان مجز - سحار الشام - جماعة.. هذه هي صعدة التي عندما كنت في "العمشية" أثناء قدومك من صنعاء.. ظل جبل "المفلوق" يقترب نحوك تدريجياً.. ليظهر بعده جبل "براش" الأسود المدبب.. قبل أن تتجاوز نقيل "العقلة" بعد ما تكون قد تجاوزت سفيان والحرف.. بالتأكيد ستظل آثار المجنزرات المنقوشة على امتداد خط صنعاء - صعدة لاصقة في ذهنك.. في صعدة.. سينطبع بذاكرتك مشاهد وصور كثيرة عن أرتال الدبابات والمصفحات والعتاد العسكري.. قد ترى بعض منها مدمراً وسيخبرك رفيقك في أي طريق تسلك عن وقائع الاشتباكات ونتائجها عند كل موقع تمر عليه مرور العابرين!!
> يا للهول.. هذه الجولة الرابعة أفضع من الثلاث السوابق في الخسائر ورقعة التوسع.. لن تحصل على إجابة واضحة على سؤال يبحث أسباب غياب الحل .. تتضارب الآراء بين متعصب مع الدولة ومتعاطف مع الحوثي.. أيضاً، هناك من "يتشفى".. ناقم على إهمال الحكومة لأبناء صعدة يعبر عن سعادته بما تتكبده الدولة من خسائر وأضرار.. آخر يتحدث بلسان الدين عن الشيعة والصفوية والمذهب الاثني عشري.. يبدو متأثراً بخطاب الإعلام الرسمي وهو يكرر ما تبثه الإذاعة والتلفاز والفضائية اليمنية وتنشره صحف الحزب الحاكم.. أخيراً انتبهت لنقطة مهمة.. وباشرت التحري عن التدخل الخارجي وإتهام ليبيا وطهران بدعم الحوثيين.. بعض المواطنين يؤكدون صحة ذلك لكنهم لا يزودونك بدليل إثبات أو معلومة.. يقول أحدهم بأن أتباع الحوثي عملاء يقبضون الأموال من دولة خارجية.. يرد عليه آخر.. بالإشارة إلى أسماء محددة يعرفها جيداً باعوا ممتلكاتهم الخاصة وذهبوا ينفقونها على مقاتلي الحوثي.. في سبيل الله.. لم أجد أحداً يدحض هذا الطرح بحقيقة تشير إلى استفادة عناصر الحوثي من أموال الخارج!!
> الإعجاب بشجاعة أنصار الحوثي لا ينكره حتى قياديون في الجيش.. ضابط قص لي حادثة حضرها.. القائد الكبير كان في زيارة للمصابين في المستشفى.. إلى جانب الجنود الجرحى.. كان هناك جريح من مقاتلي الحوثي.. هذا المقاتل صغير السن والحراسة مشددة علية وإصابته بالغة لكنه متماسك ويصرخ بالموت لأمريكا وإسرائيل باستمرار.. اقترب منه القائد الكبير عارضاً عليه أي مساعدة قد يحتاجها.. جاء رد الجريح مهذباً في طلب بسيط.. لقد طلب من القائد إعارته مسدسه.. وحين قال له لماذا؟! أجاب بلا تردد أو خوف: "لكي أقتلك وأتقرب بك إلى الله".. في الحرب الأولى تناقل الناس حكاية تقول بأن الحوثيون يعتقدون أن الجنة هي مكافأة من يقتل جندي وأن تقتل ضابطاً في الجيش تكون قد ضمنت سبعين من حور العين.. وتسمع من قصص الاستبسال ما لا يصدق أحياناً وإن كان حدث فعلاً.. مثل هجوم عناصر الحوثي بأسلحتهم التقليدية -وجهاً لوجه- لقوات الجيش بأسلحتها الثقيلة.. أحد أتباع الحوثي يداهم قمرة القيادة لدبابة من برج التحكم.. عدة أفراد يهجمون على معسكر ويباشرون من فيه إطلاق الرصاص.. يتسلل آخرين إلى قلب المدينة بسيارة هايلكس ويشنون هجوماً على مواقع عسكرية ويعودون بسلام!!
> هناك أيضاً ما يتجاوز حدود الخيال.. مقاتل واحد أمام عشرات الجنود.. هو في متراسة خلف صخره وهم متحصنون في الجهة المقابلة.. رفع يديه مستسلماً عقب انتهاء ذخيرته.. بعد ساعات ساخنة من المواجهات كان قد فقد زملائه في القتال وعدة جنود كانوا قد تأثروا بإصابات.. تقدم الضابط للقبض عليه تحت جنح الليل.. بدأ بتفتيشه واحترازاً.. الضابط لم يكن يعلم أن ذلك المقاتل يقف على شرفة حيد جبلي تحته هوة سحيقة.. بسرعة خاطفة أطبق الحوثي المقاتل يديه على جسم الضابط وتراجع معه خطوة للوراء ليهوي الإثنان إلى الأسفل ويعثر على أشلائهما ممزقة في صباح اليوم الثالث.. حدث ذلك في الحرب الأولى وفي الثانية عثر على شاب حوثي يقاتل بيد واحدة ورجل تستند إلى عكاز نتيجة إصابة سابقة.. لقد استطاع "حسين بدر الدين" تعبئة هؤلاء بأفكار عقائدية يضحون بأرواحهم من أجلها.. إنهم يبحثون عن الموت بطريقة مذهلة.. حتى الذين لم يعرفوا "حسين بدرالدين" عن قرب.. تأثروا بما جاء به وسلكوا ذات الدرب.. كثيرون جداً من إتباع الحوثي لم يسبق لهم مقابلة حسين أو والده بدر الدين.. ربما لم يقرأوا الملازم أو يستمعوا أى محاضرة له.. لكنهم يقاتلون معه بشجاعة نادرة واستبسال مثير!!
> مقاتلين جدد يلتحقون بحركة الحوثي يومياً.. يأتون من محافظات غير صعدة.. شباب في مقتبل العمر.. بعضهم يكون سلاحه معه ومن لا يجد سلاحاً يتدبرون أمره بعد العهد على الولاء والطاعة وإتمام إجراءات الشروط المطلوبة.. هناك من يرفض ممانعة والديه رغبته في القتال مع الحوثي.. بعضهم -حسب مصادر- يشهر السلاح في وجه والده إذا حاول منعه من الذهاب للجهاد.. وهناك أباء مع أولادهم تركوا البيوت والمزارع والتحقوا بجماعة الحوثي.. يعيشون حياتهم الخاصة متنقلين من جبل إلى آخر دون ككل ولا ملل.. وتبقى قصة تلك "الأم" المفجوعة بولديها هي الأكثر مأساوية.. قتل إبنها الشاب وهو يقاتل في صفوف الحوثيين وبعد أسبوع يلحق به شقيقة المجند مع وحدات الجيش.. لتصاب العجوز بمضاعفات صحية أفقدتها البصر..
> لا صوت -في صعدة- يعلو فوق صوت المعركة.. نسي الناس كل شيء وانشغلوا بالحرب التي شغلت الجميع عن العيش بحياة طبيعية.. هؤلاء الجميع غاضبون على الحوثي ومستاءون من الدولة.. الجميع هؤلاء يخافون الجميع.. خائفون من الحوثيون إذا ناصروا الدولة.. ومن الدولة إذا اظهروا احتجاجاً يندد بما يحدث ويطالب بوقف فوري للحرب.. قال شيخ معروف شاكياً: "لقد تجاهلونا، استغنوا عنا، همشوا أبناء صعدة، والنتيجة كما ترى".. وقد رأيت على أرض الواقع من الصور والمشاهدات والقضايا الإنسانية ما يحتاج إلى مواصلة الرصد في حلقة ثانية عن الزيارة الميدانية الأولى!!.
*نقلاً عن صحيفة الديار الأهلية
( طباعة)
بقلم/ عابد المهذري
ثقوب الرصاص في لوحة منصوبة على مدخل المدينة مرحبة بالقادمين إلى "صعدة.. محافظة السلام".. تخبرك أن عليك التشبث بما استطعت من الحذر والحيطة.. تقول لك: احترس أنت في صعدة وأجواء المكان تدعوك ألا تصدق العبارة تلك.. تمر بجانب لوحة حديدية أخرى على الطريق.. فتتأكد أكثر أن عليك إنهاء مهمتك بسرعة.. حين تجد آثار الرصاص قد طمست براءة حمامة بمنقارها غصن زيتون وعنقود عنب يستقبل ضيوف المحافظة .. لتعرف فيما بعد كم كانت صعدة تنعم بالأمن والسلام وروح الطمأنينة قبل انفجار الحرب صيف 2004م.
> تعود بذاكرتك خمس دقائق إلى الخلف.. فتستعيد مشاهد مررت عليها في عشرين كيلو متر قبل أن تصل إلى "نقطة عين" مركز التفتيش الأمني الذي يحرس بوابة صعدة.. حين تصل إلى هذا المدخل الرئيس للمحافظة تكون قد رأيت سوق آل عمار ينفض عن محلاته غبار المواجهات المسلحة وإلى يمنيك "وادي مذاب" يختبي خلف تلك الجبال البعيدة.. يحرص الراكب الذي بجوارك على إخبارك بأن الحرب الرابعة "الحالية" بدأت من هناك.. وبسرعة تلتفت إلى اليسار لترى قسم شرطة الصفراء.. المبنى الحديث الذي نقشت رصاص المهاجمين ذكرياتها على جدرانه ممهورة بدماء عشرات القتلى والجرحى.. تمر بجبال شاهقة ثم منعطف.. لتجد قرى "المهاذر" متناثرة على جانبي الطريق ترحب بك "بمطب" شهير ولوحة مرورية تحذرك من السرعة.. أنت في قرية "القابل" الآن.. بجوار "قصبة" الحراسة المهدمة بيت طيني آخر طالة التخربت بقذائف الجيش.. بسرعة تجدك وسط سوق "المهاذر" المسمى "المخرطة" نسبة إلى ورشة قديمة لأعمال الخراطة.. يفاجؤك المشهد المثير.. آثار القصف المسلح بارزة على أبواب دكاكين السوق.. إنها نتيجة قصف عشوائي من قوات الجيش.. رداً على كمائن محكمة نصبها أنصار الحوثي لسيارات الجنود في هذه المنطقة على مدار أسبوعين مليئين بقصص المواجهات الأكثر سخونة.. لكن جمال قرية "فروة" السياحية يخفف عنك بعض التوتر وأنت تمر على قرى البقعة وعين وصولاً إلى آل عقاب المتسمة بالهدوء.
> تدلف المدينة بإلقاء التحية على معسكر قوات النجدة ومبنى إدارة الأمن الضخم.. ثم معسكر الأمن المركزي الكبير وموقع القصر الجمهوري الواسع خلف جامع جميدة "السلفي".. تتوقف بجوار الغرفة التجارية لتستقل بعشرة ريالات باصاً للأجرة ينقلك إلى نهاية الشارع العام.. تصل إلى باب اليمن والذهول يسيطر على تفكيرك.. وحينما تصرخ بإحتجاج وأنت غير مصدقاً عيناك: "لا.. هذه ليست مدينتي.. ليست صعدة التي أعرفها".. لن تجد من يهتم لأمرك.. رد عليَّ أحدهم باستهزاء "مالك مطنن.. وينك عايش يا حبوب".. أضاف آخر "روح شوف مابه في الطلح وبني معاذ وضحيان.." .. يرتفع أذان صلاة الظهر بصوت مبحوح من ميكرفونات جامعة الإمام الهادي "الزيدي" وسط المدينة القديمة.. استقل باصاً آخر وأعود من شارع الزبيري أتأمل وجوه الناس وكيف تمضي عقارب الحياة داخل هذه المدينة الصغيرة!!
> أول ملاحظة تسجلها "الحياة مشلولة" والوضع لا يطمئن.. لن تغفل ملاحظة أخرى.. سيارات الجيش أكثر من سيارات المواطنين.. داخل سوق القات المركزي ستجد أن الجنود الباحثون عن ربطة "ولعة" أضعاف أعداد المواطنين الباحثين عن كيس قطل.. في هذا السوق ستجد جندي يبيع للمقوت عدداً من طلقات الذخيرة.. وسيقول لك مقوت آخر وهو يلعن الحرب "العمل ضعيف ومزارعي القات يعانون انعكاسات المشكلة" من خلاله تعرف أن إنتاج القات متوقف في أكبر مناطق زراعته في قاع بني معاذ الخصيب.. ولم يعد يأتي من آل عمار وساقين وسحار الشام إلا كميات قليلة لا تغطي الطلب المتزايد بزيادة آلاف الجنود القادمين من ألوية مرابطة في الجوف ومأرب وأرحب لتعزيز الموقف العسكري في حرب صعدة نمبر فور!!
> من خلال صاحبي.. أعرف أن قلب المدينة لا ينشط إلا في ساعات الظهيرة حتى العصر.. ثم ما يلبث أن يتحول الجو إلى ما يشبه صباحات رمضان.. قليلة هي حركة العمل في السوق وببطيء يمشي الوقت.. معظم المحلات التجارية مغلقة.. المرافق والمكاتب الحكومية تكاد تكون معطلة.. بالكاد يوفر "عمار" مصاريفه اليومية من دخل باصه الصغير.. القرف هو علامة التذمر في وجوه أصحاب المحلات.. هذا الشهر عجز "فهد" عن تسديد إيجار سوبر ماركت يمتلكها.. ويعرض "منير الشرعبي" مطعمه للبيع بثمن أقل من قيمته.. تعرف من صاحب ورشة ميكانيكا أن الشلل الذي أصاب المدينة سببه الحرب.. يتفق البنشري وتاجر قطع الغيار وصاحب المخبز ومحل الخياطة أن سكان الأرياف لا يأتون للمدينة للتبضع والتزود بحاجياتهم لأن حركة التنقل زادت صعوبة مع كثرة نقاط التفتيش العسكرية في كل الطرقات.. ولا ينسى هؤلاء الإشارة إلى أن اهتزاز الوضع الأمني في المحافظة أجبر الجميع على ملازمة قراهم بانتظار المجهول..
> الشمس الآن تقترب من الاختفاء خلف جبال خولان المهيبة.. تحس بتسارع حركة الناس للعودة إلى البيوت قبل حلول الظلام.. الأطقم العسكرية بدأت تكثف تحركاتها.. درجة اليقظة ترتفع لدى الجميع.. بإمكانك الآن رؤية نهاية الشارع العام وأنت واقف بجوار المجمع الحكومي حيث الحراسة المشددة على منزل المحافظ ومدير الأمن ومباني الحزب الحاكم وبنكي الإنشاء والتسليف والمحكمة والمرور والدفاع المدني والبنك المركزي في الدائري الخلفي قريباً من مبنى الأمن السياسي الملتصق بجدارن مستشفى السلام السعودي بصعدة.. حيث تنتشر الحواجز الخرسانية منذ الحرب الثانية لتمنع حركة المرور بجوار مباني الأمن السياسي من ثلاث جهات عدى الجهة الجنوبية في ظل رقابة أمنية متحفزة.. المحلات تغلق أبوابها على عجل.. بعد قليل سيؤذن لصلاة المغرب وقبل أذان العشاء ستكون جميع المحلات قد أغلقت ودوريات الشرطة تمشط الشوارع تمهيداً لحالة الطوارئ وحضر التجوال التي تبدأ عند الثامنة من كل مساء..
> لقد أنهيت مهمتي على نحو مرضي نسبياً.. بمساعدة صديق وصلت إلى مدينة ضحيان ودونت بعض الملاحظات.. وفي طريق العودة قضيت نصف ساعة داخل "سوق الطلح" أكبر أسوق السلاح والتهريب في اليمن.. الحركة التجارية متوقفة في أضخم سوق لبيع السيارات والمواشي والمواد الغذائية.. القرى السكنية المحيطة بالسوق ما تزال فجوات قذائف الدبابات محفورة على جدران ثمانين منزلاً طالها قصف القوات المسلحة كما صرح لي مصدر موثوق من وجاهات المنطقة.. بمحاذاة جبل "قهرة النص" يعسكر لواء كامل لتأمين المنطقة المحورية لأنشطة مقاتلي الحوثي.. قال المصدر الموثوق أن القوات أصيبت بهستيريا جنونية إثر اغتيال قائدهم "العميد/ محمد جابر عثمان" وباشروا القرى بقصف مدفعي مكثف ذهب ضحيته عشرات الأبرياء.. وقبل أن يشرح لك كيف قتل الشيخ/ جار الله فردان وهو يقرأ القرآن وبجواره ابنته داخل منزله وماذا حدث لمنازل القرحي والعوسة وبن عريج و...... وكيف أودت قذيفة مجهولة بحياة رجل الأعمال "الطيخ" وهو وسط أسرته. ستجده يشكر الله أن القذائف التي سقطت في بيت "أبو مسكة" لم تصب مخازن السلاح في بدرومات المنزل وإلا لكانت الكارثة مفجعة بكل المقاييس.. ويواصل سرد قصص وحكايات لا يمكن نشرها هنا تجنباً لأذى قد تتعرض له الصحيفة من السلطات بتهمة كشف أسرار عسكرية!!
> في الطلح.. يتواجد أنصار الحوثي بكثرة وتعد مركز رئيسي لتنفيذ نشاطاتهم المسلحة وإعادة التجمع والتوزيع وشن المهام القتالية على المرافق العسكرية المرابطة في تلك المناطق.. منطقة الطلح إلى جانب آل الصيفي القريبة منها شهدت أشرس المواجهات.
> الغاضبون من تدمير بيوت أبرياء لا علاقة لهم بالحوثي.. يتحدثون بمرارة عما يحدث.. "فيصل" يعتبر ما يحدث شبية بما يجري من بطش وتعسف في غزة والقدس.. وعندما تعرف أن الجيش يقوم بقصف مواقع الحوثيين من على بعد عشرات الكيلو مترات وكثيراً ما يخطئ الهدف وتصيب القذائف مدنيين.. ستعرف قصد البرلماني "عثمان مجلي" عن سوء إدارة الدولة الحرب.. وتحاول تفسير ذلك التأزم وأسباب تجدد الحرب وتوسعها دون حسم.. فلا تجد إجابة غير إجماع أبناء المحافظة أن هناك من أقصى أي دور قد يلعبونه إيجابياً عن ساحة الأحداث.. لقد تجاهلونا وتعمدوا تحييدنا والنتيجة كما ترى.. قالها شيخ بارز معروف بالحكمة والرأي السديد ضمن حديث طويل في مقابلة خاصة!!
> بالقرب من ثكنة عسكرية على طريق الطلح.. يضبط قائد عسكري صحفياً متلبساً بجريمة البحث عن الحقيقة.. تلعب الصدفة دورها.. الضابط صديق قديم من زمن ما قبل الحرب.. يتركني وشأني محذراً من الوقوع في يد غيره.. "لدينا توجيهات مشددة على منع الصحافة من النزول للميدان والتصوير".. هكذا قال لي راجياً ألا أخبر أحداً بتساهله معي.. الآن فهمت لماذا يتهرب أصحابي من الرد على اتصالاتي وتزويدي بأي معلومات.. الجميع يعتقد بأن التلفونات تحت مراقبة الأجهزة الأمنية.. وبعد قطع خدمة الإنترنت والهاتف المحمول عن سكان محافظة صعدة منذ شهر.. صارت المعلومات محدودة التداول.. لا أحد يجرؤ على تزويدك بما يعرف.. الكثيرين يطمئنونك بأن الأمور على ما يرام مع أن العكس هو الصحيح.. ويختصرها الغالبية في كلمات شعبية دارجة "مخبوصة.. معجونة.. مخوشة.. غاغة.." كلما سألتهم عن أي جديد!!
> في مكان عام.. استرقت السمع لحديث مجموعة مواطنين يتناقلون أخباراً حول سيطرة مقاتلي الحوثي على مواقع عسكرية واستعادة أخرى وأخطاء فادحة ارتكبها الطيران المشارك في الحرب عندما ضرب وحدات من أفراد الجيش متمركزون في جبهات القتال.. كانوا يتحدثون عن أعداد مهولة من الضحايا.. الفضول الصحفي دفعني للتطفل بطرح أسئلة جانبية لتأتي إجاباتهم صاعقة.. صمت الجميع ودققوا النظر بقلق وريبة إلى وجهي.. تواريت في خجل وأحدهم يتمتم "الله يخارجنا.. صورته من حق الأمن.. هيا نمشي قبل ما يبلغ.. وقبل أن يهربوا كنت أنا قد لذت بالفرار!!
> حتى الأشخاص الذين كنت أتحدث معهم قبل يومين في صنعاء وجدتهم في صعدة يتحاشون الحديث معي بتلك الحرية التي كانوا عليها.. تأكدت فيما بعد أن الثقة مهزوزة لدى الجميع.. ويتعامل أهل صعدة بحذر شديد مع أخبار الحرب ووقائع المعارك.. وفي مقايل القات يخاف الجميع من إبداء رأي معارض أو التعبير عن موقفة الشخصي.. ومن يملك خبراً خاصاً لا يجرؤ على أخبار آخرين بما لديه من معلومات قبل أن يشيع الخبر بين الناس.. التكتيم الإعلامي وصل إلى عدم معرفة أبناء القرى المتجاورة عن تفاصيل ما يحدث بالقرب منهم.. مقابل ذلك ارتفع توزيع الصحف ويطلب أصحاب المكتبات كميات إضافية من الموزعين.
> وعلى بعد أقل من كيلو متر واحد من نقطة آل الصيفي العسكرية يتوقف سائق السيارة ليخبرني أن تلك النقطة استحدثها الحوثيون.. وكما هي النقاط الأمنية الحديثة منتشرة على امتداد الطريق من "العمشية - آل عمار - المهاذر" على خط صنعاء صعدة.. كذلك هي منتشرة بأعداد أكثر في طريق "صعدة - الطلح - آل الصيفي - ضحيان..." بجوار هذه النقاط تتموضع الدبابات والعربات المصفحة وأعداد من الأطقم المسلحة والمجنزرات.. وتبدو الأكياس الرملية تملا المكان والمطبات المرتفعة موزعة على مسافات متقاربة.. فيما أصابع الجنود لا تفارق زناد أسلحتهم.. وبالكاد ترمش أعين أفراد الخدمة من شدة اليقظة والتأهب لهجوم مباغت..
> لم تسمح شجاعتنا بزيارة آل الصيفي وآل غبير والقرى المجاورة لها.. انتصر تردد مرافقي على اندفاعي المتهور لإقتحام المنطقة.. ليكون الخيار الأخير هو التوغل وسط مزارع بني معاذ المترامية الأطراف.. تجاوزنا سوق الخفجي في طريق العودة لنسلك طريق بني معاذ من سوق العند الذي يؤمه أنصار الحوثي لبيع وشراء القات ببنادق مزينة بملصقات شعار الصرخة المنادي بالموت لأمريكا وإسرائيل وصور زعيم الحركة "حسين بدر الدين" مثبتة على أغلفة الجنابي.. وإذا ما سمعت أحدهم ينفي مقتل حسين الحوثي ويؤكد عروج روحه للسماء.. فلا تدخل معه في نقاش.. دعمم كما يدعمم الآخرين وإلا....!!
> النهار في صعدة يكون صاخباً بأصوات طائرات الميج عندما تتعمد الاقتراب من الأرض وفتح الصوت لدرجة تحطيم زجاج النوافذ.. ضجيج مقاتلات الهيلوكبتر حكم على الطيور بالهجرة من سماء المحافظة.. لقد تحولت صعدة إلى فرزة للطائرات تشبه فرزة الحصبة باب اليمن.. هكذا يصف "صالح" الأجواء المعاشة داخل المحافظة.. حتى الأطفال الصغار صاروا يفرقون بين الأباتشي والهيلوكبتر وطائرات الإسعاف.. ومرورها المتكرر فوق رؤوسهم لم يعد مثيراً للنظر للأعلى بدهشة الصغار.. لكن هناك جوانب خطيرة لا ينتبه أحد إليها.. هناك الآن جيل ينشأ في صعدة متعايشاً مع ثقافة الحرب.. على غرار دراسة علمية نفذها خبراء نفسيون على أطفال العراق.. علماء الاجتماع يحذرون من ترعرع صغار صعدة وسط أحضان العنف والتعود على مشاهدة الجثث والتخاطب بلغة القتل ومفردات الاقتتال.. أولياء الأمور يضعون أيديهم على قلوبهم.. قلقاً على مستقبل غامض ينتظر أطفالهم.. وتكاد الغصة تخنف "عبدالباري" وهو يصرخ داخل أعماقه مستنجداً بالعقلاء لإيقاف الحرب المعلونة.. حتى الذين لا ذنب لهم سيذهبون ضحايا..
> تقرأ الخطر القادم.. عندما تجد الأطفال يتقمصون أدوار المقاتلين.. صغار الحارة الواحدة يتسلحون بأسلحة خشبية ثم يبدأون كفريقين مع الحوثي وضده القتال ببراءة الصغار.. يجسدون ما يدور على أرض الواقع بنشوة غامرة لا تضاهيها لعبة الكرة أو سباقات الجري.. هنا يعاود أخصائي اجتماعي تحذيراته من هذه السلوكيات وتأثيراتها الخطيرة على المدى البعيد.. ننقل تحذيره ونطرح صوت القضية على مقربة من آذان المعنيين!!
> أنت في صعدة.. ستشاهد كصحفي الكثير.. وستسمع كمواطن أكثر مما ترى.. شاب في مقتبل العمر يسأل دون خوف عن طريق "النقعة".. سيارات الجيش تسير بسرعة جنونية.. فوهات بنادق الجنود على الأطقم مصوبة إلى الخارج باتجاه الشارع ومن فيه.. اللوحات الجمركية نزعت من العربات العسكرية للتموية على أتباع الحوثي.. إذا كنت من أبناء المحافظة ستحس بأنك غريب على المنطقة.. الناس الذين تعرفهم جيداً ضاعوا وسط هذا الزحام المسلح القادم من حيث لا يدري أحد.. يجيبك شخص لم تسأله "الأمور حامية والله أعلم إلى أين".. المدينة خالية من المجانين "ملاحظة!!".. موسيقى الغناء المنبعثة من استريو في وسط المدينة..ليست مؤشر انبساط وهدوء بقدر ما هي عادة قديمة.. وإذا لم تكن على علم مسبق بخروج صعدة منذ أسابيع عن نطاق خدمة سبأفون وسبيستل وموبايل.. فلا تحاول تصفح الإنترنت.. فالخدمة أيضاً مقطوعة كما هي تلفونات المنازل في مناطق المواجهات مفصولة لظروف أمنية.. وما دمت في صعدة.. يجب عليك التخلي عن أشياء كثيرة.. الكاميرا.. البطاقة الصحفية.. المسجلة الصغيرة.. بنطلون الجينز.. أوراق المهنة.. واستبدالها بكلاشنكوف وجنبية وغترة تخفي ملامح وجهك عن عيون العسس.. سيبقى الذهول يسيطر عليك كلما لمحت بيتاً تأثر بالقذائف أو سيارة مسرعة باتجاه المستشفى لإسعاف جرحى الحرب.. ولن تكون بخير إذا أردت ممارسة عملك بحرية وأريحية.. تقمص أي شخصية غير وظيفة الصحفي حتى لا تزور السجن وتفشل في تنفيذ المهمة.. وقبل أن تدخل "بني معاذ" إلتقط ما يكفيك من الأنفاس العميقة على بعد كافي من قوات الجيش المرابطة على أطراف القرى الكثيفة السكان.. لقد وصلنا "غلفقان".. مساحة أرض واسعة ما زالت خالية.. لا غبار يتطاير بسبب توقف الحركة.. وبعد قليل.. سنتفاجأ بشخص يرحب بنا بكمية كبيرة من أغصان القات الفاخر قطفها للتو من مزرعته تلك.. لقد عرفني وأطمانيت إليه حين وجدته يتحدث معي بثقة وصراحة .. لن أذكر إسمه لعدم معرفتي به.. لكنه قال أن الوضع مزعج.. السكان يواصلون النزوح وتحت نيران القصف المكثف على المنطقة يتواصل إنذار القيادة العسكرية للأهالي بإخلاء الأماكن وحماية المزارع من تسلل أتباع الحوثي.. الجميع في حيرة.. ولن تسمع ضجيج المضخات الزراعية مع دوي الانفجارات المتوالية حول محيط جبال "الشبكة".. من أي مكان سترى شظايا النيران وهي تتطاير في الجو عند ارتطام القذائف بصخور الجبل الضخم الذي يحرس "بني معاذ" من جهة الغرب.. ويؤمن للمقاتلين في جبهات الحوثي عملية التواصل بأمان وصولاً إلى "صبر وهجرة فلة وأم ليلى ....".. عبر سلسلة جبلية تربط وسط المحافظة بآخر نقطة على حدود اليمن الشمالية مع السعودية..
> من الجهة الشرقية المقابلة.. هناك سلسلة أخرى.. جبال "العصائد" تربط منطقة نشور والرزامات وآل سالم بالمعقل الاستراتيجي "النقعة" حيث يعسكر "أبو يحيى" منذ سنتين مع العشرات من أصحاب الشعار.. يلعب "عبدالله عيظة الرزامي" دوراً رئيسياً في القيادة والتخطيط.. وبغموض وصمت يدير شئون الحركة الحوثية.. التضاريس الجغرافية الصعبة تخدم الحوثيين وتعقد الخطة العسكرية الرامية للسيطرة على "النقعة".. خبير عسكري متقاعد يجزم باستحالة أي تدخل عسكري بنجاح.. ليست صعدة تورا بورا ولا قندهار.. لكن طبيعة المكان تفرض أهميتها.. حتى الطيران لا يحقق النجاح المطلوب ضد المتحصنين وسط جبال عملاقة فيها عشرات الجروف الصخرية والكهوف المنبعجة للداخل بإتساع..
> "أين عبدالملك الحوثي"؟! إنه هنا.. يتمترس في المنتصف.. ويتخذ من منطقة "مطرة" الواقعة بين "النقعة" والجعملة مركزاً رئيساً له ومن معه.. لن تصل إلى "مطرة" إلا من طرق محدودة ما زال الحوثيون يسيطرون عليها..
> عندما تكون في "ولد مسعود" ستكون مدينة صعدة خلف ظهرك.. أمامك مطرة والنقعة.. ومن حواليك.. قهرة النص وآل الصيفي وآل غبير وآل بيان والطلح والأبقور على اليسار.. وإلى اليمين كتاف والبقع ووادي آل بوجبارة والعشاش والحمزات والطويلة وآل شافعة
يمكن الإطلاع على خريطة صعدة بالوقوف على قمة جبل "تلمص" جنوب مدينة صعدة المطل على مناطق غراز والعبدين والصحن.. سترى قاع زراعي فسيح تحيط به الجبال الضخمة من كل جانب.. تلتصق جبال الصمع والسنارة والعبلى بالجبل الذي تعتليه من جهة الجنوب الشرقي.. وخلفها تتداخل مناطق "دماج وصحوة ووادعة معقل السلفية في اليمن وبلاد "مقبل بن هادي الوادعي" ومعهده الشهير لتدريس الحديث النبوي..
> كما يختفي خلف جبل أحسن الملاصق لجبل تلمص من الجنوب الشرقي مناطق المهاذر وفروة وآل عمار وبني عوير.. ووراء جبال الشبكة هناك جبال أكبر تحرس ساقين وحيدان ورازح وشدالن تصل إليها إلا عندما تخترق جبال زقول وآلت مجزب ووادي علاف عند سفح جبل "عنم" الشهير.. ويحتجب وراء ذلك الأفق البعيد مديريات منبه وغمر وقطابر غرباً من جبل أم ليلى الذي تصله من طريق ضحيان مجز - سحار الشام - جماعة.. هذه هي صعدة التي عندما كنت في "العمشية" أثناء قدومك من صنعاء.. ظل جبل "المفلوق" يقترب نحوك تدريجياً.. ليظهر بعده جبل "براش" الأسود المدبب.. قبل أن تتجاوز نقيل "العقلة" بعد ما تكون قد تجاوزت سفيان والحرف.. بالتأكيد ستظل آثار المجنزرات المنقوشة على امتداد خط صنعاء - صعدة لاصقة في ذهنك.. في صعدة.. سينطبع بذاكرتك مشاهد وصور كثيرة عن أرتال الدبابات والمصفحات والعتاد العسكري.. قد ترى بعض منها مدمراً وسيخبرك رفيقك في أي طريق تسلك عن وقائع الاشتباكات ونتائجها عند كل موقع تمر عليه مرور العابرين!!
> يا للهول.. هذه الجولة الرابعة أفضع من الثلاث السوابق في الخسائر ورقعة التوسع.. لن تحصل على إجابة واضحة على سؤال يبحث أسباب غياب الحل .. تتضارب الآراء بين متعصب مع الدولة ومتعاطف مع الحوثي.. أيضاً، هناك من "يتشفى".. ناقم على إهمال الحكومة لأبناء صعدة يعبر عن سعادته بما تتكبده الدولة من خسائر وأضرار.. آخر يتحدث بلسان الدين عن الشيعة والصفوية والمذهب الاثني عشري.. يبدو متأثراً بخطاب الإعلام الرسمي وهو يكرر ما تبثه الإذاعة والتلفاز والفضائية اليمنية وتنشره صحف الحزب الحاكم.. أخيراً انتبهت لنقطة مهمة.. وباشرت التحري عن التدخل الخارجي وإتهام ليبيا وطهران بدعم الحوثيين.. بعض المواطنين يؤكدون صحة ذلك لكنهم لا يزودونك بدليل إثبات أو معلومة.. يقول أحدهم بأن أتباع الحوثي عملاء يقبضون الأموال من دولة خارجية.. يرد عليه آخر.. بالإشارة إلى أسماء محددة يعرفها جيداً باعوا ممتلكاتهم الخاصة وذهبوا ينفقونها على مقاتلي الحوثي.. في سبيل الله.. لم أجد أحداً يدحض هذا الطرح بحقيقة تشير إلى استفادة عناصر الحوثي من أموال الخارج!!
> الإعجاب بشجاعة أنصار الحوثي لا ينكره حتى قياديون في الجيش.. ضابط قص لي حادثة حضرها.. القائد الكبير كان في زيارة للمصابين في المستشفى.. إلى جانب الجنود الجرحى.. كان هناك جريح من مقاتلي الحوثي.. هذا المقاتل صغير السن والحراسة مشددة علية وإصابته بالغة لكنه متماسك ويصرخ بالموت لأمريكا وإسرائيل باستمرار.. اقترب منه القائد الكبير عارضاً عليه أي مساعدة قد يحتاجها.. جاء رد الجريح مهذباً في طلب بسيط.. لقد طلب من القائد إعارته مسدسه.. وحين قال له لماذا؟! أجاب بلا تردد أو خوف: "لكي أقتلك وأتقرب بك إلى الله".. في الحرب الأولى تناقل الناس حكاية تقول بأن الحوثيون يعتقدون أن الجنة هي مكافأة من يقتل جندي وأن تقتل ضابطاً في الجيش تكون قد ضمنت سبعين من حور العين.. وتسمع من قصص الاستبسال ما لا يصدق أحياناً وإن كان حدث فعلاً.. مثل هجوم عناصر الحوثي بأسلحتهم التقليدية -وجهاً لوجه- لقوات الجيش بأسلحتها الثقيلة.. أحد أتباع الحوثي يداهم قمرة القيادة لدبابة من برج التحكم.. عدة أفراد يهجمون على معسكر ويباشرون من فيه إطلاق الرصاص.. يتسلل آخرين إلى قلب المدينة بسيارة هايلكس ويشنون هجوماً على مواقع عسكرية ويعودون بسلام!!
> هناك أيضاً ما يتجاوز حدود الخيال.. مقاتل واحد أمام عشرات الجنود.. هو في متراسة خلف صخره وهم متحصنون في الجهة المقابلة.. رفع يديه مستسلماً عقب انتهاء ذخيرته.. بعد ساعات ساخنة من المواجهات كان قد فقد زملائه في القتال وعدة جنود كانوا قد تأثروا بإصابات.. تقدم الضابط للقبض عليه تحت جنح الليل.. بدأ بتفتيشه واحترازاً.. الضابط لم يكن يعلم أن ذلك المقاتل يقف على شرفة حيد جبلي تحته هوة سحيقة.. بسرعة خاطفة أطبق الحوثي المقاتل يديه على جسم الضابط وتراجع معه خطوة للوراء ليهوي الإثنان إلى الأسفل ويعثر على أشلائهما ممزقة في صباح اليوم الثالث.. حدث ذلك في الحرب الأولى وفي الثانية عثر على شاب حوثي يقاتل بيد واحدة ورجل تستند إلى عكاز نتيجة إصابة سابقة.. لقد استطاع "حسين بدر الدين" تعبئة هؤلاء بأفكار عقائدية يضحون بأرواحهم من أجلها.. إنهم يبحثون عن الموت بطريقة مذهلة.. حتى الذين لم يعرفوا "حسين بدرالدين" عن قرب.. تأثروا بما جاء به وسلكوا ذات الدرب.. كثيرون جداً من إتباع الحوثي لم يسبق لهم مقابلة حسين أو والده بدر الدين.. ربما لم يقرأوا الملازم أو يستمعوا أى محاضرة له.. لكنهم يقاتلون معه بشجاعة نادرة واستبسال مثير!!
> مقاتلين جدد يلتحقون بحركة الحوثي يومياً.. يأتون من محافظات غير صعدة.. شباب في مقتبل العمر.. بعضهم يكون سلاحه معه ومن لا يجد سلاحاً يتدبرون أمره بعد العهد على الولاء والطاعة وإتمام إجراءات الشروط المطلوبة.. هناك من يرفض ممانعة والديه رغبته في القتال مع الحوثي.. بعضهم -حسب مصادر- يشهر السلاح في وجه والده إذا حاول منعه من الذهاب للجهاد.. وهناك أباء مع أولادهم تركوا البيوت والمزارع والتحقوا بجماعة الحوثي.. يعيشون حياتهم الخاصة متنقلين من جبل إلى آخر دون ككل ولا ملل.. وتبقى قصة تلك "الأم" المفجوعة بولديها هي الأكثر مأساوية.. قتل إبنها الشاب وهو يقاتل في صفوف الحوثيين وبعد أسبوع يلحق به شقيقة المجند مع وحدات الجيش.. لتصاب العجوز بمضاعفات صحية أفقدتها البصر..
> لا صوت -في صعدة- يعلو فوق صوت المعركة.. نسي الناس كل شيء وانشغلوا بالحرب التي شغلت الجميع عن العيش بحياة طبيعية.. هؤلاء الجميع غاضبون على الحوثي ومستاءون من الدولة.. الجميع هؤلاء يخافون الجميع.. خائفون من الحوثيون إذا ناصروا الدولة.. ومن الدولة إذا اظهروا احتجاجاً يندد بما يحدث ويطالب بوقف فوري للحرب.. قال شيخ معروف شاكياً: "لقد تجاهلونا، استغنوا عنا، همشوا أبناء صعدة، والنتيجة كما ترى".. وقد رأيت على أرض الواقع من الصور والمشاهدات والقضايا الإنسانية ما يحتاج إلى مواصلة الرصد في حلقة ثانية عن الزيارة الميدانية الأولى!!.
*نقلاً عن صحيفة الديار الأهلية
فإن حنفيا قلت قالوا بأنني * أبيح الطلا وهو الشراب المحرم
وإن مالكيا قلت قالوا بأنني ** أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن شافعيا قلت قالوا بأنني ** أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت قالوا بأنني ثقيل حلولي بغيض مجسم
وإن مالكيا قلت قالوا بأنني ** أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن شافعيا قلت قالوا بأنني ** أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت قالوا بأنني ثقيل حلولي بغيض مجسم
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
الحوار هو الطريق الأقصر لأمن اليمن واستقراره
القدس العربي
جاء تعيين رئيس وزراء جديد لليمن الاسبوع الماضي مفاجئا للكثيرين، من حيث توقيته والشخص المعني بالمنصب الجديد. فقد تمتع رئيس الوزراء السابق، عبد القادر باجمال، بتقدير خاص لدي الرئيس علي عبدالله صالح، واستمر في منصبه ثلاث دورات متعاقبة. ومن خلال قراءة الوضع اليمني يتضح ان هناك عددا من القضايا المهمة التي تتطلب رؤي جديدة، وتحتاج قدرة ادارية متميزة وربما توجهات جديدة علي صعيد السياسة في داخل اليمن وخارجه.
فهناك اولا الضغط الدولي لاجراء اصلاحات اقتصادية جذرية كشرط لاستمرار المعونات الخارجية، ومكافحة الفساد، وثانيا الاستعداد للانتخابات البرلمانية التي أكد الرئيس اليمني في رسالة اعفاء رئيس الوزراء السابق، انها ستكون في العام المقبل (2008)، وثالثا التعاطي مع التوتر الامني في اقليم صعدة بطريقة جديدة بعد ما يقرب من ثلاثة اعوام علي اندلاع الموجهات المسلحة فيه. المطلعون علي اوضاع اليمن يقولون ان رئيس الوزراء الجديد، علي محمد مجور، يتمتع بقدرات اقتصادية قوية أكثر من سلفه، وعرف بمحاربته الفساد في منصبه السابق كوزير للكهرباء. وينقل عنه انه امر بقطع الكهرباء عن مكتب اقليمي للمؤتمر الشعبي العام نظرا لعدم دفعه فواتير الكهرباء طوال السنوات الخمس الماضية. ويري البعض ان هذا التعيين يسعي لفصل ثلاث مهمات رئيسية عن بعضها. فرئيس الوزراء السابق سيكون معنيا بالسياسات الداخلية للحزب الحاكم، بينما سيتولي رئيس الوزراء الجديد مهمة الادارة الاقتصادية، اما الرئيس فسوف يمسك بالمسألة الامنية خصوصا مع استمرار الازمة في شمال البلاد. الرئيس اتخذ هذه الخطوة لكي يوضح للمانحين (مثل البنك الدولي) انه جاد تجاه تحقيق اصلاحات سياسية واقتصادية، وتجاه ايجاد حل للازمة المتواصلة في اقليم صعدة.
عرف اليمن بانفتاحه السياسي مقارنة بالبلدان المحيطة به، كما عرف بحراكه المتواصل في الجانب الحزبي وتعايش ابنائه علي اختلاف مشاربهم الدينية وانتماءاتهم الايديولوجية. فهو بلد عريق كانت له حضارته في العصور السابقة للاسلام، وذكر في القرآن في اطار الحديث عن بلقيس، ملكة سبأ، وسد مأرب الشهير. لعب دورا محوريا في التاريخ الاسلامي وعرف بمدارسه الفقهية وعلمائه وفقهائه وشعرائه، وفي التاريخ المعاصر كان اليمن بلدا متميزا في تفاعله مع التموجات الفكرية والايديولوجية في العالم العربي. حكم بنظام الامامة علي مدي الف عام حتي 1962، وكانت الحرب اليمنية في تلك الفترة فارقا بين عهدين: عهد الحكم الامامي والنظام الجمهوري الحديث، واعتبرها البعض في بعض جوانبها تجسيدا للصراع بين مصر عبد الناصر والحكم السعودي، اذ تدخل الطرفان بشكل شبه مباشر، في ذروة صراع العروبة الثورية الذي تمثله مصر و الاسلام المحافظ الذي تمثله السعودية. كان صراعا مريرا ادي الي تغير جوهري في التركيبة السياسية والدينية في البلاد، واصبح اليمن طوال الفترة اللاحقة محسوبا علي الدول التقدمية العربية، خصوصا مع استمرار الحرب ضد الاستعمار البريطاني وتصدر اليمن للقضايا العربية. وعلي مدي الثلاثين عاما اللاحقة تميزت العلاقات بين اليمن والسعودية بقدر من التوتر نظرا للتغاير الايديولوجي بين النظامين. ففي عهد الرئيس ابراهيم الحمدي (1974 ـ 1977) تبني اليمن سياسة خارجية مستقلة عن السعودية، وغير ودية للقبائل في الداخل. ولكن اغتياله في حادثة مدبرة قال البعض ان السعودية كانت وراءها، كان بداية التقارب بين اليمن والسعودية. مع ذلك استمرت حالة الحساسية بين الطرفين. ولكن الطرفين تحركا في التسعينات لتطوير العلاقات في ما بينهما بشكل حثيث. وفي 12/6/2000م تم توقيع معاهدة الحدود البرية والبحرية بين السعودية واليمن وتقلصت بذلك المشاكل التي دامت 66 عاما أي منذ معاهدة الطائف 1934.
تطور العلاقات بين اليمن والسعودية صاحبه امران: اولهما توفير دعم مالي سعودي لليمن الذي كان حتي اكتشاف النفط في التسعينات، يعاني مشاكل اقتصادية واسعة. وثانيهما توسع نشاط المؤسسات الدينية السعودية ذات المنحي الوهابي في اليمن. وهنا يشار الي الحالة المذهبية الخاصة بذلك البلد، اذ يمثل فيه الزيدية نسبة كبيرة من السكان، خصوصا في الاطراف الشمالية منه. وبتحسن العلاقات مع السعودية تكثف النشاط الديني للتوجهات السلفية والوهابية في اليمن، وأصبح الزيديون أكثر تحسسا من دورها. فهذا النشاط المدعوم ماليا من قبل السعودية اصبح يمثل ظاهرة متنامية أقضت مضاجع الزيديين الذين اصبحوا قلقين من انتشار التطرف الديني والسياسي في البلاد. وتزامن تطور العلاقات مع السعودية، تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، خصوصا بعد الحوادث الارهابية ضد المصالح الامريكية في اليمن. ويمكن القول ان الحرب الاهلية اليمنية في 1995 كانت فاصلة بين مرحلتين: الاولي بدأت بوحدة شطري اليمن في 22 ايار (مايو) 1990 التي كانت وحدة اندماجية بين شطريه اللذين ظلا منفصلين حتي تاريخ الوحدة في جمهوريتين مختلفتين في أنظمتهما الإدارية هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، والثانية الحرب الاهلية في 1994 التي انتهت بهيمنة كاملة للرئيس علي عبدالله صالح علي الاوضاع بدون منازع. ومنذ ذلك الوقت بدأت علاقات اليمن مع كل من السعودية والولايات المتحدة تتطور تدريجيا حتي تم التوصل الي الاتفاقات الحدودية مع السعودية المذكورة، والي تعاون يمني امريكي أمني وعسكري. هذا التعاون تواصل خلال العقد التالي في اطار الحرب الامريكية ضد الارهاب، وأصبح يقترب بشكل متسارع من دول الخليج. وفي القمم الاخيرة ناقش زعماء دول مجلس التعاون امكان قبول عضوية اليمن بالمجلس، ولكن الامر ما يزال معلقا حتي الآن، ومن غير المتوقع السماح بتلك العضوية في المستقبل المنظور. هذا التطور في العلاقات اليمنية الخليجية فتح المجال امام اليمن للحصول علي مساعدات من دول الخليج تصل الي اكثر من اربعة مليارات دولار.
هذا التغير في العلاقات الخارجية اليمنية الذي تمخض عن حدوث تغييرات في توجهات الحكم في السنوات الاخيرة، دفع بشكل تدريجي الي حقائق جديدة في الاوضاع الداخلية اليمنية. فالدعم السعودي عادة يصاحبه نفوذ ديني تمارسه المؤسسات السعودية ذات المنحي الوهابي التي انتشرت علي نطاق واسع في اليمن. هذه الحقيقة أدت الي تعمق مشاعر الزيديين في شمال البلاد وانزعاجهم مما اعتبروه تحالفا مع الولايات المتحدة وما لذلك من انعكاسات سلبية علي هوية البلاد واستقلالها. وفي 2004 بدأت الاحتجاجات من جانبهم علي نطاق واسع، حتي بلغت الصدام المسلح. وفي صيف ذلك العام اشتعل القتال بعد أن تظاهر أنصار رجل الدين والسياسي، حسين الحوثي مطلقين شعارات ضد خط الحكومة اليمنية الذي اعتبروه مسايرا للغرب، واحتجاجا علي السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية. وتواصلت الاحتجاجات والمواجهات في الشهور اللاحقة علي نطاق يزداد اتساعا. وقد لقي الحوثي مصرعه بعد ذلك بثلاثة أشهر، لكن أقرباءه وأنصاره استأنفوا كفاحه ضد النظام الحاكم في اليمن. وقد جرت عدة دورات من المفاوضات بين الطرفين أي بين الحكومة والثوار، وفي 2006 أصدرت الحكومة قرارا بالعفو عن المعتقلين منهم. علي الرغم من ذلك فإن المنطقة لم تصل أبدا إلي حالة السلم. خلفيات هذا الصراع والأسباب التي أدت إلي اندلاعه تتسم بطابع الغموض. فللوهلة الأولي قد يظن المرء بأن النزاع مبني علي اعتبارات وأحكام دينية أي أن تكون مسبباته عائدة لكون قوات هذه الدولة ذات الأغلبية السنية تقاوم مجموعة تنتمي لمذهب آخر هو المذهب الشيعي.. فمدينة صعدة هي في حقيقة الأمر معقل المذهب الزيدي الذي يعتبر فرعا من فروع المذهب الشيعي، وهو مذهب يكاد يكون مقتصرا علي اليمن وحده. وحتي في هذه المدينة تم بناء معهد للوهابيين أثار حفيظة الزيديين فيها. عندها بدأ الشيخ بدر الدين الحوثي، والد حسين الحوثي، في الرد علي مقولات الوهابيين حول مذهبهم، ومنها كتابات مقبل الوداعي. وثمة جهات محسوبة علي الزيديين، من بينها حزب الحق الذي تأسس بعد الوحدة اليمنية في 1990 والذي فاز ببعض المقاعد في الانتخابات البرلمانية في التسعينات.
هذا الحزب له طابع ديني، يمارس الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتحدي النظام بل يمارس نشاطاته من خلال الممارسة الانتخابية في النظام الجمهوري. ولم يدع قط لعودة حكم الائمة، كما يشيعه مناوئوه. وبلغ اعضاؤه بعد تأسيسه اكثر من 25 الفا. مع ذلك تواصلت الضغوط علي الحزب حتي أعلن أمينه العام، أحمد الشامي، مؤخراعن حل الحزب برغم اعتراض عدد من قياداته الاخري.
تتهم الحكومة المقاتلين الزيديين بالعمل علي إقصاء رئيس الدولة من سدة الحكم وفرض نظام أئمة جديد يحل محل النظام الجمهوري السائد. لكن عالمة السياسة اريس غلوسماير الألمانية يخالجها الشك إزاء هذا الزعم. فهي تقول: لا أعتقد بأن هناك أحدا في صعدة يفكر علي نحو جدي في إقصاء رئيس الدولة من سدة الحكم. وإلا لما قاتلوا في صعدة بل في العاصمة صنعاء نفسها . وكان الرئيس اليمني نفسه قد سعي لتحقيق بعض التوازن بين الزيديين والوهابيين، وذلك بتقوية جناح الحوثي في التسعينات، علي امل ان يتحقق ذلك التوازن، ولكن بعد حرب العراق الاخيرة، تصاعدت اصوات الحوثيين ضد النظام، بدعوي انه اصبح قريبا من الامريكيين. وفي 2003 فاز يحيي الحوثي، شقيق حسين، ونجل العلامة عبد الملك، بمقعد برلماني عن الحزب الحاكم. تواصل التوتر في السنوات الثلاث الماضية، بعد قتل حسين الحوثي، وكذلك اعمال العنف في الجبال الشمالية. وفي العام الماضي صدر عفو عام عن السجناء من جماعة الحوثي، ولكن مساعي الصلح لم تصل الي نتائج ملموسة. وتواصلت الاعمال العسكرية بدون توقف، ودخل الجيش مدعوما بالافغان العرب والسلفيين وجيش عدن ابين الاسلامي، المناطق المنزوعة السلاح في منطقة صعدة، الامر الذي ادخل المشكلة في اطر اضيق. ان من الصعب الاعتقاد بوجود حل عسكري او امني لمشكلة من هذا النوع خصوصا انها اصبحت اكثر تعقيدا بادخال الابعاد المذهبية فيها. وهناك اصوات عاقلة ترتفع بين الحين والآخر في وسائل الاعلام والمؤسسات السياسية بالبحث عن حل سلمي عن طريق التفاوض والحوار، بعيدا عن لغة العنف والثأر والانتقام. غير ان تلك الاصوات ما تزال غير مسموعة بين ضوضاء القصف والمدافع في صعدة والجبال القريبة منها. والواضح ان جماعة الحوثي انطلقوا في الاساس علي ارضية وطنية محتجين ضد مسايرة السياسات الامريكية من جهة وتفشي الفساد والمحسوبية من جهة اخري. صحيح ان هناك بعدا مذهبيا لجماعة الحوثي الذين انزعجوا من تصاعد النفوذ الوهابي والسلفي في اليمن، نتيجة التقارب مع الحكم السعودي، ولكن من يتابع تطور القضية سيري عمق البعد الوطني في تحركهم، والرغبة في تحقيق ثلاثة امور: اولها استقلال اليمن عن الهيمنة الامريكية والسعودية، وثانيها: مكافحة الفساد المستشري في اوساط الدولة، وثالثها: احترام معتقدات الطوائف والمذاهب بدون تغليب احداها علي الأخري، ورابعها ضمان حرية التعبير والرأي. ان من مصلحة اليمن ان لا تتكرر فيه الازمات الداخلية التي لا تنتهي الي خير عادة، بل المطلوب من قادته بذل الجهود المكثفة لفتح قنوت الحوار والاستماع الي شكاوي المتمردين والتخلي عن عقلية الحسم العسكري الذي لن يتحقق. فاليمن بلد عربي مسلم عريق، يجدر بالجميع مساعدته علي تجاوز المشكلة الامنية والسياسية الحالية بأساليب أقل عنفا، وأقل خطرا علي مستقبل التعايش بين ابنائه الذين صنعوا الحضارات ودافعوا عن الامة علي مدي قرون متواصلة.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname ... ستقرارهfff
القدس العربي
جاء تعيين رئيس وزراء جديد لليمن الاسبوع الماضي مفاجئا للكثيرين، من حيث توقيته والشخص المعني بالمنصب الجديد. فقد تمتع رئيس الوزراء السابق، عبد القادر باجمال، بتقدير خاص لدي الرئيس علي عبدالله صالح، واستمر في منصبه ثلاث دورات متعاقبة. ومن خلال قراءة الوضع اليمني يتضح ان هناك عددا من القضايا المهمة التي تتطلب رؤي جديدة، وتحتاج قدرة ادارية متميزة وربما توجهات جديدة علي صعيد السياسة في داخل اليمن وخارجه.
فهناك اولا الضغط الدولي لاجراء اصلاحات اقتصادية جذرية كشرط لاستمرار المعونات الخارجية، ومكافحة الفساد، وثانيا الاستعداد للانتخابات البرلمانية التي أكد الرئيس اليمني في رسالة اعفاء رئيس الوزراء السابق، انها ستكون في العام المقبل (2008)، وثالثا التعاطي مع التوتر الامني في اقليم صعدة بطريقة جديدة بعد ما يقرب من ثلاثة اعوام علي اندلاع الموجهات المسلحة فيه. المطلعون علي اوضاع اليمن يقولون ان رئيس الوزراء الجديد، علي محمد مجور، يتمتع بقدرات اقتصادية قوية أكثر من سلفه، وعرف بمحاربته الفساد في منصبه السابق كوزير للكهرباء. وينقل عنه انه امر بقطع الكهرباء عن مكتب اقليمي للمؤتمر الشعبي العام نظرا لعدم دفعه فواتير الكهرباء طوال السنوات الخمس الماضية. ويري البعض ان هذا التعيين يسعي لفصل ثلاث مهمات رئيسية عن بعضها. فرئيس الوزراء السابق سيكون معنيا بالسياسات الداخلية للحزب الحاكم، بينما سيتولي رئيس الوزراء الجديد مهمة الادارة الاقتصادية، اما الرئيس فسوف يمسك بالمسألة الامنية خصوصا مع استمرار الازمة في شمال البلاد. الرئيس اتخذ هذه الخطوة لكي يوضح للمانحين (مثل البنك الدولي) انه جاد تجاه تحقيق اصلاحات سياسية واقتصادية، وتجاه ايجاد حل للازمة المتواصلة في اقليم صعدة.
عرف اليمن بانفتاحه السياسي مقارنة بالبلدان المحيطة به، كما عرف بحراكه المتواصل في الجانب الحزبي وتعايش ابنائه علي اختلاف مشاربهم الدينية وانتماءاتهم الايديولوجية. فهو بلد عريق كانت له حضارته في العصور السابقة للاسلام، وذكر في القرآن في اطار الحديث عن بلقيس، ملكة سبأ، وسد مأرب الشهير. لعب دورا محوريا في التاريخ الاسلامي وعرف بمدارسه الفقهية وعلمائه وفقهائه وشعرائه، وفي التاريخ المعاصر كان اليمن بلدا متميزا في تفاعله مع التموجات الفكرية والايديولوجية في العالم العربي. حكم بنظام الامامة علي مدي الف عام حتي 1962، وكانت الحرب اليمنية في تلك الفترة فارقا بين عهدين: عهد الحكم الامامي والنظام الجمهوري الحديث، واعتبرها البعض في بعض جوانبها تجسيدا للصراع بين مصر عبد الناصر والحكم السعودي، اذ تدخل الطرفان بشكل شبه مباشر، في ذروة صراع العروبة الثورية الذي تمثله مصر و الاسلام المحافظ الذي تمثله السعودية. كان صراعا مريرا ادي الي تغير جوهري في التركيبة السياسية والدينية في البلاد، واصبح اليمن طوال الفترة اللاحقة محسوبا علي الدول التقدمية العربية، خصوصا مع استمرار الحرب ضد الاستعمار البريطاني وتصدر اليمن للقضايا العربية. وعلي مدي الثلاثين عاما اللاحقة تميزت العلاقات بين اليمن والسعودية بقدر من التوتر نظرا للتغاير الايديولوجي بين النظامين. ففي عهد الرئيس ابراهيم الحمدي (1974 ـ 1977) تبني اليمن سياسة خارجية مستقلة عن السعودية، وغير ودية للقبائل في الداخل. ولكن اغتياله في حادثة مدبرة قال البعض ان السعودية كانت وراءها، كان بداية التقارب بين اليمن والسعودية. مع ذلك استمرت حالة الحساسية بين الطرفين. ولكن الطرفين تحركا في التسعينات لتطوير العلاقات في ما بينهما بشكل حثيث. وفي 12/6/2000م تم توقيع معاهدة الحدود البرية والبحرية بين السعودية واليمن وتقلصت بذلك المشاكل التي دامت 66 عاما أي منذ معاهدة الطائف 1934.
تطور العلاقات بين اليمن والسعودية صاحبه امران: اولهما توفير دعم مالي سعودي لليمن الذي كان حتي اكتشاف النفط في التسعينات، يعاني مشاكل اقتصادية واسعة. وثانيهما توسع نشاط المؤسسات الدينية السعودية ذات المنحي الوهابي في اليمن. وهنا يشار الي الحالة المذهبية الخاصة بذلك البلد، اذ يمثل فيه الزيدية نسبة كبيرة من السكان، خصوصا في الاطراف الشمالية منه. وبتحسن العلاقات مع السعودية تكثف النشاط الديني للتوجهات السلفية والوهابية في اليمن، وأصبح الزيديون أكثر تحسسا من دورها. فهذا النشاط المدعوم ماليا من قبل السعودية اصبح يمثل ظاهرة متنامية أقضت مضاجع الزيديين الذين اصبحوا قلقين من انتشار التطرف الديني والسياسي في البلاد. وتزامن تطور العلاقات مع السعودية، تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، خصوصا بعد الحوادث الارهابية ضد المصالح الامريكية في اليمن. ويمكن القول ان الحرب الاهلية اليمنية في 1995 كانت فاصلة بين مرحلتين: الاولي بدأت بوحدة شطري اليمن في 22 ايار (مايو) 1990 التي كانت وحدة اندماجية بين شطريه اللذين ظلا منفصلين حتي تاريخ الوحدة في جمهوريتين مختلفتين في أنظمتهما الإدارية هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، والثانية الحرب الاهلية في 1994 التي انتهت بهيمنة كاملة للرئيس علي عبدالله صالح علي الاوضاع بدون منازع. ومنذ ذلك الوقت بدأت علاقات اليمن مع كل من السعودية والولايات المتحدة تتطور تدريجيا حتي تم التوصل الي الاتفاقات الحدودية مع السعودية المذكورة، والي تعاون يمني امريكي أمني وعسكري. هذا التعاون تواصل خلال العقد التالي في اطار الحرب الامريكية ضد الارهاب، وأصبح يقترب بشكل متسارع من دول الخليج. وفي القمم الاخيرة ناقش زعماء دول مجلس التعاون امكان قبول عضوية اليمن بالمجلس، ولكن الامر ما يزال معلقا حتي الآن، ومن غير المتوقع السماح بتلك العضوية في المستقبل المنظور. هذا التطور في العلاقات اليمنية الخليجية فتح المجال امام اليمن للحصول علي مساعدات من دول الخليج تصل الي اكثر من اربعة مليارات دولار.
هذا التغير في العلاقات الخارجية اليمنية الذي تمخض عن حدوث تغييرات في توجهات الحكم في السنوات الاخيرة، دفع بشكل تدريجي الي حقائق جديدة في الاوضاع الداخلية اليمنية. فالدعم السعودي عادة يصاحبه نفوذ ديني تمارسه المؤسسات السعودية ذات المنحي الوهابي التي انتشرت علي نطاق واسع في اليمن. هذه الحقيقة أدت الي تعمق مشاعر الزيديين في شمال البلاد وانزعاجهم مما اعتبروه تحالفا مع الولايات المتحدة وما لذلك من انعكاسات سلبية علي هوية البلاد واستقلالها. وفي 2004 بدأت الاحتجاجات من جانبهم علي نطاق واسع، حتي بلغت الصدام المسلح. وفي صيف ذلك العام اشتعل القتال بعد أن تظاهر أنصار رجل الدين والسياسي، حسين الحوثي مطلقين شعارات ضد خط الحكومة اليمنية الذي اعتبروه مسايرا للغرب، واحتجاجا علي السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية. وتواصلت الاحتجاجات والمواجهات في الشهور اللاحقة علي نطاق يزداد اتساعا. وقد لقي الحوثي مصرعه بعد ذلك بثلاثة أشهر، لكن أقرباءه وأنصاره استأنفوا كفاحه ضد النظام الحاكم في اليمن. وقد جرت عدة دورات من المفاوضات بين الطرفين أي بين الحكومة والثوار، وفي 2006 أصدرت الحكومة قرارا بالعفو عن المعتقلين منهم. علي الرغم من ذلك فإن المنطقة لم تصل أبدا إلي حالة السلم. خلفيات هذا الصراع والأسباب التي أدت إلي اندلاعه تتسم بطابع الغموض. فللوهلة الأولي قد يظن المرء بأن النزاع مبني علي اعتبارات وأحكام دينية أي أن تكون مسبباته عائدة لكون قوات هذه الدولة ذات الأغلبية السنية تقاوم مجموعة تنتمي لمذهب آخر هو المذهب الشيعي.. فمدينة صعدة هي في حقيقة الأمر معقل المذهب الزيدي الذي يعتبر فرعا من فروع المذهب الشيعي، وهو مذهب يكاد يكون مقتصرا علي اليمن وحده. وحتي في هذه المدينة تم بناء معهد للوهابيين أثار حفيظة الزيديين فيها. عندها بدأ الشيخ بدر الدين الحوثي، والد حسين الحوثي، في الرد علي مقولات الوهابيين حول مذهبهم، ومنها كتابات مقبل الوداعي. وثمة جهات محسوبة علي الزيديين، من بينها حزب الحق الذي تأسس بعد الوحدة اليمنية في 1990 والذي فاز ببعض المقاعد في الانتخابات البرلمانية في التسعينات.
هذا الحزب له طابع ديني، يمارس الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتحدي النظام بل يمارس نشاطاته من خلال الممارسة الانتخابية في النظام الجمهوري. ولم يدع قط لعودة حكم الائمة، كما يشيعه مناوئوه. وبلغ اعضاؤه بعد تأسيسه اكثر من 25 الفا. مع ذلك تواصلت الضغوط علي الحزب حتي أعلن أمينه العام، أحمد الشامي، مؤخراعن حل الحزب برغم اعتراض عدد من قياداته الاخري.
تتهم الحكومة المقاتلين الزيديين بالعمل علي إقصاء رئيس الدولة من سدة الحكم وفرض نظام أئمة جديد يحل محل النظام الجمهوري السائد. لكن عالمة السياسة اريس غلوسماير الألمانية يخالجها الشك إزاء هذا الزعم. فهي تقول: لا أعتقد بأن هناك أحدا في صعدة يفكر علي نحو جدي في إقصاء رئيس الدولة من سدة الحكم. وإلا لما قاتلوا في صعدة بل في العاصمة صنعاء نفسها . وكان الرئيس اليمني نفسه قد سعي لتحقيق بعض التوازن بين الزيديين والوهابيين، وذلك بتقوية جناح الحوثي في التسعينات، علي امل ان يتحقق ذلك التوازن، ولكن بعد حرب العراق الاخيرة، تصاعدت اصوات الحوثيين ضد النظام، بدعوي انه اصبح قريبا من الامريكيين. وفي 2003 فاز يحيي الحوثي، شقيق حسين، ونجل العلامة عبد الملك، بمقعد برلماني عن الحزب الحاكم. تواصل التوتر في السنوات الثلاث الماضية، بعد قتل حسين الحوثي، وكذلك اعمال العنف في الجبال الشمالية. وفي العام الماضي صدر عفو عام عن السجناء من جماعة الحوثي، ولكن مساعي الصلح لم تصل الي نتائج ملموسة. وتواصلت الاعمال العسكرية بدون توقف، ودخل الجيش مدعوما بالافغان العرب والسلفيين وجيش عدن ابين الاسلامي، المناطق المنزوعة السلاح في منطقة صعدة، الامر الذي ادخل المشكلة في اطر اضيق. ان من الصعب الاعتقاد بوجود حل عسكري او امني لمشكلة من هذا النوع خصوصا انها اصبحت اكثر تعقيدا بادخال الابعاد المذهبية فيها. وهناك اصوات عاقلة ترتفع بين الحين والآخر في وسائل الاعلام والمؤسسات السياسية بالبحث عن حل سلمي عن طريق التفاوض والحوار، بعيدا عن لغة العنف والثأر والانتقام. غير ان تلك الاصوات ما تزال غير مسموعة بين ضوضاء القصف والمدافع في صعدة والجبال القريبة منها. والواضح ان جماعة الحوثي انطلقوا في الاساس علي ارضية وطنية محتجين ضد مسايرة السياسات الامريكية من جهة وتفشي الفساد والمحسوبية من جهة اخري. صحيح ان هناك بعدا مذهبيا لجماعة الحوثي الذين انزعجوا من تصاعد النفوذ الوهابي والسلفي في اليمن، نتيجة التقارب مع الحكم السعودي، ولكن من يتابع تطور القضية سيري عمق البعد الوطني في تحركهم، والرغبة في تحقيق ثلاثة امور: اولها استقلال اليمن عن الهيمنة الامريكية والسعودية، وثانيها: مكافحة الفساد المستشري في اوساط الدولة، وثالثها: احترام معتقدات الطوائف والمذاهب بدون تغليب احداها علي الأخري، ورابعها ضمان حرية التعبير والرأي. ان من مصلحة اليمن ان لا تتكرر فيه الازمات الداخلية التي لا تنتهي الي خير عادة، بل المطلوب من قادته بذل الجهود المكثفة لفتح قنوت الحوار والاستماع الي شكاوي المتمردين والتخلي عن عقلية الحسم العسكري الذي لن يتحقق. فاليمن بلد عربي مسلم عريق، يجدر بالجميع مساعدته علي تجاوز المشكلة الامنية والسياسية الحالية بأساليب أقل عنفا، وأقل خطرا علي مستقبل التعايش بين ابنائه الذين صنعوا الحضارات ودافعوا عن الامة علي مدي قرون متواصلة.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname ... ستقرارهfff
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
ضحايا (الصورة) في ضحيان وضواحيها
13/04/2007 م 02:45:38
محمد محمد المقالح - الاشتراكي نت
(1)
الكارثة الإنسانية التي نعيشها في صعدة منذ ثلاثة اشهر ونصف تقريبا كشفت فينا وفي وقيمنا نحن اليمنين أمرين خطيرين
الأمر الأول هو أن الاستبداد السياسي اليمني أقوى وأكثر فاعلية في حياة اليمنيين وفي تحديد مواقفهم من أي استبداد سياسي عربي آخر, بما في ذلك استبداد الأنظمة التقليدية والثورية المعروفة لكم جميعا ,والثاني هو أن هذا الاستبداد اليمني الطويل والتراكمي قد استطاع بمفاعيله المختلفة والمتقادمة أن يقتل في اليمن واليمنيين "كل شيء حيا"بما في ذلك جوانب من أرواحنا وضمائرنا .
لاحظوا بان ضمائرنا "الحية جدا" لا تتحرك لإيقاف الحرب المأساوية في صعدة أو لإنقاذ المنكوبين فيها وجرأ تداعياتها الكارثية على كل شيء في هذا الوطن المنكوب ... إنها باختصار تنتظر أن يقول لها الحاكم تحركي وستتحرك بسرعة ولكن هذا لن يحصل إلا بعد أن يتحرك ضميره هو .
... جميعنا وبسب الخوف من الاستبداد وأيدلوجية الاستبداد والكراهية لم نعد نتأثر بالحرب أو من الحرب ونتائجها المأساوية إلا حين نشاهد "صور" القتل والتشريد للأطفال والنساء على التلفزيون وبالذات إذا كانت الحروب التي تقتلهم وتشردهم بعيدة عنا وفي بلاد واق الواق مثلا , أما على مستوى الواقع وحين يسقط الأطفال والنساء قتلى وجرحى بين أيدينا وبأسلحة أهلنا وجيراننا,أو حين نقوم بإخراجهم من ديراهم بواسطة الطائرات والصواريخ وتشريدهم إلى أماكن النزوح أو نقوم ببيعهم في أسواق العمل والدعارة الإقليمية والدولية كما هو الحال في صعدة وفي حرض اليوم, فإنها لا تتحرك ضمائرنا ولا تبكي مآقينا وإذا حاولت ولو للحظة بسيطة يظهر الاستبداد فجأة من "بين العصيد" ومن ثقافة الخوف والقمع الطويلة ليقمع هذه الضمائر ويسكتها عن قول الحقيقة والدفاع عناها والى الأبد, لا بل انه يمنحها تفسيرات "مقنعة" لتقف في الضفة الأخرى والى جانب الجلاد وضد الضحية والاهم إلى جانب استمرار الحرب والقتل والتدمير كما جاء في بيان سياسي حامي الوطيس.. صادر عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
... تصوروا أدباء وكتاب ومثقفين يدعون وبصوت عال إلى الحرب والقتل والتشريد أي يمن هذا وأي ثقافة هذه يا قليلي الأدب والثقافة ... يا جماعة حتى المجرم يقتل دون أن يصدر بيانا سياسيا مثلكم.
.. الم اقل لكم بان الاستبداد في اليمن أقوى من بقية (استبدادات) المنطقة العربية وانه هنا يأكل من أرواحنا وضمائرنا .
(2)
تكاد تكون الحرب في صعدة هي الحرب الداخلية الوحيدة في العالم التي تجري في الألفية الثالثة بدون صورة رقمية .
أربع سنوات من الحرب المتقطعة وثلاثة اشهر من الحرب المتواصلة ومئات القتلى والجرحى وآلاف المشردين والمعتقلين وأطنان من صواريخ الطائرات وقذائف المدفعية والدبابات كل هذا يغطى عليه الاستبداد اليمني ويتحكم به ويفرض سيطرته على كل وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية والى درجة أن عصر الفضائيات والانترنت وكاميرات التلفون المحمول لا تستطيع أن تنقل عن حرب صعدة الإجرامية صورة واحدة في التلفزيون أو في الصحافة .. الم اقل لكم بان الاستبداد في اليمن أقوى فتكا وتأثيرا وأكثر ذكاء من الاستبداد العربي الآخر.
قوة الاستبداد اليمني وتميزه عن بقية أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية انه استبداد ديمقراطي جدا وحديث جدا ويعرف تأثير الصورة التلفزيونية والفوتوغرافية في تحريك عواطف الناس وتحديد مواقفهم من الأحداث والقضايا ولذلك يحرص على السيطرة الديمقراطية الكاملة على جميع وسائل الإعلام المختلفة ولم يتبق معه سوى بعض المواقع الإخبارية التي لا يزال يلاحقها وسيغلقها يوما .
(3)
تربطني بمدينة ضحيان الجميلة علاقة حميمية منذ طفولتي وحين أخبرتني والدتي العزيزة أن والدي رحمه الله هاجر إلى ضحيان وتعلم في مدارسها الشرعية قبل زواجه منها بسنوات عديدة, وقد زرت هذه المدينة وتعرفت عليها مرات عدة, ولي فيها أصدقاء كثيرون لا اعرف أين هم الآن ولا كيف هي أحوالهم المعيشية والإنسانية ولا علم لي بمن بقي منهم على قيد الحياة أو من تقطعت به السبل في الجبال والمنافي والسجون... إنها الحرب يا غبي وهذه - ورب الكعبة- واحدة من ماسيها حيث لا يعرف الصديق صديقة ولا يحق له أن يسال عنه ولا إلى أي ارض قذفت به مقاديرها المرسومة.
ضحيان – لمن لا يعرفها- واحدة من أهم مدن العلم اليمنية التاريخية وقد بنيت في القرن الثاني الهجري في منطقة تسمى "فلة "ضحيان ,ويسكنها اليوم أكثر من 20 ألف مواطن وفيها قرابة ال5الف منزل سكني وعديد من المساجد والمدارس والمعاهد , سكانها يعملون غالبا في الزراعة والتجارة وتحصيل العلم وقد تخرج من مدارسها العشرات من العلماء والشخصيات الوطنية من بينهم الزميل الصحفي الشهيرعبدالوهاب المؤيد رحمه الله والسياسي المعروف عبدالله يحي الصعدي والصديق صلاح الأعجم ,ومن أبنائها أيضا العلامة بدر الدين الحوثي نفسه وعلماء دين كثيرون من أمثاله
وعندما يقال بان ألف بيت قد دمر في ضحيان بالطايرات والدبابات فان هذا يعني أن ضحيان التاريخية قد دمرت وتشرد أهلها أو قتلوا .
(4)
قبل سبعة أيام فقط تأكدت وبصورة شبه يقينية أن أكثر من 20 ألف نازحا يمنيا عالقين على الحدود السعودية في منطقة يقال لها المحديدة معظمهم ممن شردتهم الحرب من ابنا ضحيان والطلح والقرى والبلدات المحيطة بهما في مديريات مجز وسحار وغيرها وجميعم من النساء والأطفال وكبار السن ... تصوروا "لاجئات" يمنيات !! هل راءيتم في حياتكم صور تلفزيونية للاجئات يمنيات مثل تلك الصور التي ينقلها التلفزيون من بلدان الحروب والكوارث الإنسانية الأخرى .. كيف أحوال نسائنا النازحات هناك يا محمود ياسين!؟ كيف يعشن مع الغرباء هل هنالك حمامات نسائية ؟؟ وأطفالهن المشردين هل يأكلون وجبة واحدة في اليوم ... نصف وجبة ..هل لديهم بطانيات وخيام كافية تقيهم من البرد والمطر والأمراض الوبائية التي قيل أنها تنتشر بينهم وبصورة مخيفة !؟ لماذا لم تسمعوا عن جمعية الصالح في المحديدة على الحدود السعودية!؟ هل ينتظر اليمنيون حتى تأتي بطانيات وخيام (إما صدقة أو سلفة) من السعودية وبقية دول الجوار .. هل نتسول باللاجئين... نبيع أطفالهم يا لهي.... من يوقف هذه الحرب الإجرامية ضد أطفالنا ونسائنا في صعدة
... أريد أن ابكي لكنني لا أرى صور أطفالنا المشردين في التلفزيون ولا زلت انتظر أذنا من العقيد الركن قائد صواريخ الأنس والجان بان يسمح لي بالتحرك أو بالبكاء والشعور العميق بمأساة صعدة اليمنية .. إن بي رغبة بالبكاء أيها الشاعر العظيم احمد العواضي .
(5)
.... اطمئنوا لن يقتل صحفي يمني واحد وهو يغطي حرب صعدة لأنه في الأصل لن يذهب لتغطيتها وسيبقى هنا "ليغطيها ",ويغطينا عنها حتى يؤذن له.
http://www.aleshteraki.net/articles.php ... icleID=584
13/04/2007 م 02:45:38
محمد محمد المقالح - الاشتراكي نت
(1)
الكارثة الإنسانية التي نعيشها في صعدة منذ ثلاثة اشهر ونصف تقريبا كشفت فينا وفي وقيمنا نحن اليمنين أمرين خطيرين
الأمر الأول هو أن الاستبداد السياسي اليمني أقوى وأكثر فاعلية في حياة اليمنيين وفي تحديد مواقفهم من أي استبداد سياسي عربي آخر, بما في ذلك استبداد الأنظمة التقليدية والثورية المعروفة لكم جميعا ,والثاني هو أن هذا الاستبداد اليمني الطويل والتراكمي قد استطاع بمفاعيله المختلفة والمتقادمة أن يقتل في اليمن واليمنيين "كل شيء حيا"بما في ذلك جوانب من أرواحنا وضمائرنا .
لاحظوا بان ضمائرنا "الحية جدا" لا تتحرك لإيقاف الحرب المأساوية في صعدة أو لإنقاذ المنكوبين فيها وجرأ تداعياتها الكارثية على كل شيء في هذا الوطن المنكوب ... إنها باختصار تنتظر أن يقول لها الحاكم تحركي وستتحرك بسرعة ولكن هذا لن يحصل إلا بعد أن يتحرك ضميره هو .
... جميعنا وبسب الخوف من الاستبداد وأيدلوجية الاستبداد والكراهية لم نعد نتأثر بالحرب أو من الحرب ونتائجها المأساوية إلا حين نشاهد "صور" القتل والتشريد للأطفال والنساء على التلفزيون وبالذات إذا كانت الحروب التي تقتلهم وتشردهم بعيدة عنا وفي بلاد واق الواق مثلا , أما على مستوى الواقع وحين يسقط الأطفال والنساء قتلى وجرحى بين أيدينا وبأسلحة أهلنا وجيراننا,أو حين نقوم بإخراجهم من ديراهم بواسطة الطائرات والصواريخ وتشريدهم إلى أماكن النزوح أو نقوم ببيعهم في أسواق العمل والدعارة الإقليمية والدولية كما هو الحال في صعدة وفي حرض اليوم, فإنها لا تتحرك ضمائرنا ولا تبكي مآقينا وإذا حاولت ولو للحظة بسيطة يظهر الاستبداد فجأة من "بين العصيد" ومن ثقافة الخوف والقمع الطويلة ليقمع هذه الضمائر ويسكتها عن قول الحقيقة والدفاع عناها والى الأبد, لا بل انه يمنحها تفسيرات "مقنعة" لتقف في الضفة الأخرى والى جانب الجلاد وضد الضحية والاهم إلى جانب استمرار الحرب والقتل والتدمير كما جاء في بيان سياسي حامي الوطيس.. صادر عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
... تصوروا أدباء وكتاب ومثقفين يدعون وبصوت عال إلى الحرب والقتل والتشريد أي يمن هذا وأي ثقافة هذه يا قليلي الأدب والثقافة ... يا جماعة حتى المجرم يقتل دون أن يصدر بيانا سياسيا مثلكم.
.. الم اقل لكم بان الاستبداد في اليمن أقوى من بقية (استبدادات) المنطقة العربية وانه هنا يأكل من أرواحنا وضمائرنا .
(2)
تكاد تكون الحرب في صعدة هي الحرب الداخلية الوحيدة في العالم التي تجري في الألفية الثالثة بدون صورة رقمية .
أربع سنوات من الحرب المتقطعة وثلاثة اشهر من الحرب المتواصلة ومئات القتلى والجرحى وآلاف المشردين والمعتقلين وأطنان من صواريخ الطائرات وقذائف المدفعية والدبابات كل هذا يغطى عليه الاستبداد اليمني ويتحكم به ويفرض سيطرته على كل وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية والى درجة أن عصر الفضائيات والانترنت وكاميرات التلفون المحمول لا تستطيع أن تنقل عن حرب صعدة الإجرامية صورة واحدة في التلفزيون أو في الصحافة .. الم اقل لكم بان الاستبداد في اليمن أقوى فتكا وتأثيرا وأكثر ذكاء من الاستبداد العربي الآخر.
قوة الاستبداد اليمني وتميزه عن بقية أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية انه استبداد ديمقراطي جدا وحديث جدا ويعرف تأثير الصورة التلفزيونية والفوتوغرافية في تحريك عواطف الناس وتحديد مواقفهم من الأحداث والقضايا ولذلك يحرص على السيطرة الديمقراطية الكاملة على جميع وسائل الإعلام المختلفة ولم يتبق معه سوى بعض المواقع الإخبارية التي لا يزال يلاحقها وسيغلقها يوما .
(3)
تربطني بمدينة ضحيان الجميلة علاقة حميمية منذ طفولتي وحين أخبرتني والدتي العزيزة أن والدي رحمه الله هاجر إلى ضحيان وتعلم في مدارسها الشرعية قبل زواجه منها بسنوات عديدة, وقد زرت هذه المدينة وتعرفت عليها مرات عدة, ولي فيها أصدقاء كثيرون لا اعرف أين هم الآن ولا كيف هي أحوالهم المعيشية والإنسانية ولا علم لي بمن بقي منهم على قيد الحياة أو من تقطعت به السبل في الجبال والمنافي والسجون... إنها الحرب يا غبي وهذه - ورب الكعبة- واحدة من ماسيها حيث لا يعرف الصديق صديقة ولا يحق له أن يسال عنه ولا إلى أي ارض قذفت به مقاديرها المرسومة.
ضحيان – لمن لا يعرفها- واحدة من أهم مدن العلم اليمنية التاريخية وقد بنيت في القرن الثاني الهجري في منطقة تسمى "فلة "ضحيان ,ويسكنها اليوم أكثر من 20 ألف مواطن وفيها قرابة ال5الف منزل سكني وعديد من المساجد والمدارس والمعاهد , سكانها يعملون غالبا في الزراعة والتجارة وتحصيل العلم وقد تخرج من مدارسها العشرات من العلماء والشخصيات الوطنية من بينهم الزميل الصحفي الشهيرعبدالوهاب المؤيد رحمه الله والسياسي المعروف عبدالله يحي الصعدي والصديق صلاح الأعجم ,ومن أبنائها أيضا العلامة بدر الدين الحوثي نفسه وعلماء دين كثيرون من أمثاله
وعندما يقال بان ألف بيت قد دمر في ضحيان بالطايرات والدبابات فان هذا يعني أن ضحيان التاريخية قد دمرت وتشرد أهلها أو قتلوا .
(4)
قبل سبعة أيام فقط تأكدت وبصورة شبه يقينية أن أكثر من 20 ألف نازحا يمنيا عالقين على الحدود السعودية في منطقة يقال لها المحديدة معظمهم ممن شردتهم الحرب من ابنا ضحيان والطلح والقرى والبلدات المحيطة بهما في مديريات مجز وسحار وغيرها وجميعم من النساء والأطفال وكبار السن ... تصوروا "لاجئات" يمنيات !! هل راءيتم في حياتكم صور تلفزيونية للاجئات يمنيات مثل تلك الصور التي ينقلها التلفزيون من بلدان الحروب والكوارث الإنسانية الأخرى .. كيف أحوال نسائنا النازحات هناك يا محمود ياسين!؟ كيف يعشن مع الغرباء هل هنالك حمامات نسائية ؟؟ وأطفالهن المشردين هل يأكلون وجبة واحدة في اليوم ... نصف وجبة ..هل لديهم بطانيات وخيام كافية تقيهم من البرد والمطر والأمراض الوبائية التي قيل أنها تنتشر بينهم وبصورة مخيفة !؟ لماذا لم تسمعوا عن جمعية الصالح في المحديدة على الحدود السعودية!؟ هل ينتظر اليمنيون حتى تأتي بطانيات وخيام (إما صدقة أو سلفة) من السعودية وبقية دول الجوار .. هل نتسول باللاجئين... نبيع أطفالهم يا لهي.... من يوقف هذه الحرب الإجرامية ضد أطفالنا ونسائنا في صعدة
... أريد أن ابكي لكنني لا أرى صور أطفالنا المشردين في التلفزيون ولا زلت انتظر أذنا من العقيد الركن قائد صواريخ الأنس والجان بان يسمح لي بالتحرك أو بالبكاء والشعور العميق بمأساة صعدة اليمنية .. إن بي رغبة بالبكاء أيها الشاعر العظيم احمد العواضي .
(5)
.... اطمئنوا لن يقتل صحفي يمني واحد وهو يغطي حرب صعدة لأنه في الأصل لن يذهب لتغطيتها وسيبقى هنا "ليغطيها ",ويغطينا عنها حتى يؤذن له.
http://www.aleshteraki.net/articles.php ... icleID=584
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
الحوثيين واللعبة الكبيرة بين طهران وواشنطن
الجمعة 13 إبريل-نيسان 2007
بقلم/ مريم أم الخير دلومي
مأرب برس – الجزائر - خاص
تشهد منطقة صعدة الواقعة بأقصى شمال اليمن صراعا عسكريا بين القوات الحكومية وبين الحوثيين . هذا الصراع الذي أسفر عن خسائر بشرية إذ أعلنت الحكومة عن مقتل العشرات من الضباط وصف الضباط والجنود إلى جانب العديد من المتمردين خلال أسابيع قليلة .
وقد بدأ سيناريو الحرب بين الطرفين في صيف 2004 إذ رددت مجاميع من الشباب المؤمن والتابعة للحوثيين شعارات معادية للولاية المتحدة الأمريكية وإسرائيل قبل أشهر من الحرب على العراق هذه الشعارات التي كانت الشرارة الأولى للأزمة الدائرة بين السلطة والحوثيين .
في سنة 2005 أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله الصالح عفوا عاما وشاملا عن الحوثيين مقابل إلقاء أسلحتهم والنزول من الجبال كما جرى الإفراج على مئات المعتقلين ودفع تعويضات للمتضررين الذين دمرت بيوتهم بسبب الحرب فكان الاعتقاد السائد لدى الناس أن الأزمة قد انتهت وطويت دون رجعة إلا أن الصراع عاد من جديد وأكثر فظاعة من ذي قبل إذ أسفر عن خسائر قدرت بأكثر من 600 مليون دولار حسب تصريح قائد عسكري يمني .وقد اندلعت المواجهات الأخيرة بعد قيام الحوثيين بتهجير حوالي خمسين يهوديا يمنيا من منطقة آل سالم من بيوتهم وهذا بعد اتهامهم بنشر الفساد في المنطقة وخدمة الحركة الصهيونية الأمر الذي زاد في تأزم الوضع وساعد في إشعال الحرب من جديد , من جهته قام الرئيس اليمني بنقل العائلات اليهودية إلى العاصمة صنعاء وتوفير مساكن لائقة لهم , هذه الحادثة التي كانت الشرارة التي أشعلت لهيب الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين من جديد .
وأمام هذا الوضع تتبادر إلى الأذهان أسئلة عدة أهمها ..
من هم الحوثيون ..وكيف تم تأسيس تنظيمهم .. ولماذا في هذا الوقت بالذات .؟ ومن هي الجهة المسئولة عن تدعيم هذا التنظيم .؟؟
قبل ان نجيب عن هذه الأسئلة لابد من الرجوع إلى الوراء قليلا حتى نتمكن من معرفة جذور الأزمة .
1 / من هم الحوثيون :
إن أول ظهور لهذا التيار كان في فترة الثمانينات من القرن الماضي إذا قام الشيخ صلاح أحمد فليته سنة 1986وبدعم إيراني بإنشاء اتحاد الشباب المؤمن وقد كان أعضاء هذا التيار يدرسون الثورة الإيرانية على يد محمد بدر الدين الحوثي الذي يعتبر الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها ... وفي ظل التعددية الحزبية والسياسية والحرية الإعلامية والذي تزامن مع قيام الجمهورية اليمنية سنة 1990 ظهرت عدة أحزاب سياسية ذات توجهات مختلفة من بينها حزب الحق الذي كان أحد أعضائه حسين بدر الدين الحوثي هذا الحزب الذي أسسه مجموعة من الشخصيات الزيدية إلا أن حسين بدر الدين الحوثي لم يستمر طويلا في الحزب واستقال منه ويعود السبب في ذلك إلى حصول حزبه في الانتخابات البرلمانية على نسبة ضئيلة جدا من الأصوات ,بعدها قام بتأسيس منتدى الشباب المؤمن سنة 1997 هذا المنتدى الذي كان يظم عددا من مثقفي المذهب الزيدي إلا أن هؤلاء لم يكونوا على وفاق مع حسين الحوثي بسبب أفكار هذا الأخير التي كانت منحازة إلى مذهب الإثنى عشرية الأمر الذي أدى إلى تصدع في التيار الواحد فتحول المنتدى إلى اسم آخر هو تنظيم الشباب المؤمن تحت زعامة حسين الحوثي بعدما انشق عليه المخالفين لأفكاره هذا التنظيم الذي كان مدعوما من طرف إيران خاصة مع وجود علاقة قوية تربط الثورة الإيرانية مع العائلة الحوثية في اليمن ومن بين الأفكار التي كان يعتنقها حسين الحوثي وإتباعه ما يلي :
على الأمة أن تكتفي بإمام يعلمها كل ما تحتاج إليه , فهي لا تحتاج إلى دراسة الكتاب والسنة -يكفي أن يكون للأمة أمام أو زعيم أو قائد أو قدوة (وقد كان يطلق على الحوثي القدوة ) إذ كان يركز في أدبياته على مسالة القدوة ووجوب إتباعها والأخذ برأييها.
-الحملة الشديدة على الصحابة الإبرار لدرجة أن الحوثي حمل بعضهم فشل الأمة الإسلامية لذا السنة حسب الحوثيين لا يعتمد عليها لأنها جاءت من طرف صحابة رسول الله صلى الله عليه سلم .
من خلال هذه المبادئ والأفكار الأثنى عشرية التي يعتنقها تنظيم الحوثي وأتباعه وما يجري في اليمن من صراع بين هذا التنظيم والحكومة اليمنية أصبح من الواضح أن وراء هذه الأحداث جهات خارجية تريد تمرير مشروعها ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة كلها .
2/ طبيعة العلاقة بين الحوثيين وإيران :
لقد اندلعت أولى المواجهات في صيف 2004 وأسفر هذا الصراع على مقتل قائدها حسين الحوثي في 8/09/004 بعدها تولى قيادة التنظيم الأب بدر الدين الحوثي ليعود الصراع من جديد بين الطرفين وفي هذه الأثناء لم يعد بوسع الحكومة اليمنية أن تبق مكتوفة الأيدي مع هذا التصعيد والتحدي الذي أراد فرضه أتباع الحوثي وكان لزاما أن توقف الأمر بأي طريقة قبل أن تمتد رقعته خاصة وأن ظل إيران مخيم بأفكاره ودعمها المادي والمعنوي. فقد بدت ملامح السيناريو الإيراني تظهر للعلن مع بروز أفكار هذا التيار واشتداد المعارك بين الحكومة اليمنية وأتباع الحوثي .
فالمتتبع للأحداث لا يجد بالغ عناء في اكتشاف التواطؤ الإيراني ومحاولة زعزعة المنطقة ككل وليس اليمن فقط فاليمن والعراق جزء من مخطط فارسي كبير، خاصة بعد التضامن الذي أظهرته إيران اتجاه الحوثي وإتباعه , إذ صدر بيان من مجموعة من علماء الدين في إيران يحتجون فيه على ما أسموه بالمجازر التي ترتكب ضد الشيعة في اليمن كما طالب متظاهرون كانوا مجتمعين أمام السفارة اليمنية بطرد السفير اليمني من طهران وتغير اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة اليمن إلى اسم الحوثي والصراع الذي يحدث في اليمن اليوم ما هو في الحقيقة إلا مخطط شيعي إيراني وفي هذا الصدد اقر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزاعمة عبد العزيز الحكيم عن تفاصيل المد الشيعي في الدول العربية والإسلامية من خلال إصدار بيان سري يحتوي على توصيات المؤتمر التأسيسي لشيعة العالم في مدينة قم الإيرانية بحيث يوصي هذا المؤتمر بتأسيس منطقة عالمية تسمى منطقة المؤتمر الشيعي العالمي يكون مقرها إيران وفروعها في كافة أنحاء العالم كما يدعو المؤتمر لضرورة تعميم التجربة الشيعية التي كانت ناجحة في العراق إلى باقي الدول العربية والإسلامية الأخرى منها السعودية ’ الأردن ’ اليمن ’ مصر’ الكويت و البحرين وهذا من خلال بناء قوات عسكرية غير نظامية لكافة الأحزاب والمنظمات الشيعية بالعالم عن طريق إدخال مجموعة من الأفراد داخل المؤسسات الحساسة العسكرية والأجهزة الأمنية ودعمها ماليا عن طريق تخصيص ميزانية خاصة بها . وما يحدث من صراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية خير دليل على ذلك إذ تصاعدت الأحداث في منطقة صعدة وازداد الاقتتال بين الطرفين خلال هذه الفترة حيث أقدم عناصر من الحوثيين على اختطاف أحد الأشخاص وإعدامه شنقا بتاريخ 15 فبراير 2007 حسب مصدر محلي كما قام هؤلاء بعمليات اغتيال حيث استهدفت أمين عام المجلس المحلي السابق طه عبد الله الصعدي وتم اغتياله رميا بالرصاص أمام أفراد أسرته بمدينة ضحيان بصعده .
وهذا التحدي للسلطة اليمنية يبرز مدى ثقة الحوثيين بقدراتهم ’ وأيضا اعتمادهم على الدعم الخارجي والثقة العمياء في إيران فمستحيل أن تقدم مجموعات محدودة العدد والعدة بمغامرة غير محسوبة العواقب لم يكن ثمة دعم وإسناد خارجي لوجستيكي وبشري , وهذا دليل صارخ على دخول إيران اللعبة اليمنية وحشر أنفها في المنطقة بكل قواها .
3 / الأهداف الإيرانية في اليمن :
إن التقسيمات العرقية داخل المجتمع اليمني إلى المجموعات الزيدية المبعثرة مهدت الطريق لإيران لاختراقها اذ أدخلت عليها مبادئ وأفكار الأثني عشرية الذي برز من خلالها تنظيم الشباب المؤمن بزعامة حسين الحوثي وبالتالي استغلت إيران هذا التنظيم وأعادت صياغته من خلال أفكارها وما يناسب توجهها التوسعي الصفوي ومبادئها الأمر الذي يفسر الزيارات المكوكية التي قام بها أفراد من تنظيم الحوثيين إلى طهران عبر مراحل زمنية مختلفة بهدف التدريب والتنظيم , ناهيك عن الزيارات السرية لخبراء عسكريين إيرانيين بطرق سرية ليشرفوا بأنفسهم على عمليات التدريب .
فإيران معروفة بتصنيع وتصدير المشاكل الطائفية ليسهل عليها التغلغل داخل البؤر المتوترة وتمرير مشروعها التوسعي , هذا المشروع المعلن رسميا الذي تبنته كافة الحكومات السياسية الإيرانية والذي يهدف إلى نشر التشيع الصفوي الذي أصبح يرصد له ميزانيات ماليه ضخمة لإنجاحه فهي تريد السيطرة على العالمين العربي والإسلامي باسم الإسلام ويمكننا القول أنه لا فرق بين نظام الشاه ونظام الخميني طالما أن الهدف واحد ومشترك والمتمثل في سياسة التوسع والهيمنة على المنطقة وإعادة المجد الفارسي وبعث الإمبراطورية الفارسية الآفلة والخلاف يكمن في أن التوسع الخميني هو باسم الإسلام الشيعي وتوسع الشاه باسم الإمبراطورية الفارسية التي تهاوت تحت رياح الإسلام المجيد وإلا كيف نفسر عدم تراجع إيران في عهد الخميني من احتلال الجزر الثلاث الإماراتية (طنب الصغر والكبرى وجزر أبو موسى ) التي احتلت في عهد نظام الشاه وليس هذا فحسب وإنما أيضا استمرار إيران في نفس سياسة الشاه في رفض اعترافها بالقومية العربية ورفض القوميات الأخرى مثل الكردية وقوميات أخرى في المنطقة مع إصرارها على فرض القومية الفارسية عن طريق اللغة .
4 - دور الولايات المتحدة الأمريكية في القضية اليمنية :
إن كل الأزمات والصراعات التي يتخبط فيها الوطن العربي والإسلامي لابد أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل دورا بارزا فيها وذلك تحت مظلة الديمقراطية و حقوق الإنسان وما يسمى بالشرق الأوسط الكبير وغيرها من الشعارات البراقة والتي تهدف في الحقيقة إلى زعزعة الأنظمة العربية والإسلامية وتهديد بناها التحتية ’ فما حدث في العراق خير دليل على ذلك إذ قامت أمريكا باحتلال هذا البلد بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل والكل يعلم أن السبب الحقيقي وراء هذا الاحتلال هو الاستحواذ على ابار النفط والقضاء على نظام صدام ,هذا النظام الذي رحل وأخذ معه إسرارا تورط أمريكا والدول الغربية وحتى بعض الأنظمة العربية في قضايا عديدة .
ليصبح العراق اليوم يعيش في بحر من الدماء بسبب الحرب الأهلية الدائرة رحاها بلا رحمة دون أن ننسى الدور الإيراني الذي قدم العراق على طبق من فضة لأمريكا وإسرائيل وذلك باستغلال الورقة الشيعية في العراق والسيناريو يتكرر اليوم في اليمن من خلال لعب ورقة الحوثيين كما حدث مع ورقة الشيعة بالعراق لزعزعة نظام الحكم في اليمن عن طريق تنمية الشعور المذهبي وتصوير أن ثمة صراع مذهبي جاري في اليمن أو أن ثمة إبادة جارية في حق الحوثيين مثلما تروج له جهات خارجية إذ أن تقرير الخارجية الأمريكية يذكر أن السلطات اليمنية تفرض شروطا على الشيعة وذلك لمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية واضطهادهم.
إذا من خلال مما ذكرنا يتضح لنا جليا أن هناك مخططا تم إعداده بدقة من طرف إيران وبعض الدول مما يدل على أن القضية لها إبعادا إقليمية وأطرافا خارجية تغذي هذا الصراع. على رأسها إيران التي تسعى جاهدة إلى إعادة مجدها الفارسي في العالمين العربي والإسلامي لكن هذه المرة ممثلا في إمبراطورية شيعية فهي تسير مشروعها بالتحالف مع أمريكا وإسرائيل باستغلال الورقة الشيعية التي استعملت ولازالت تستعمل دائما كورقة للضغط على الأنظمة لتمرير مشروعهم فهل ستنجح إيران في توسعها الفارسي من خلال رسم هلالها الصفوي الشيعي في العالمين العربي والإسلامي خاصة وان الفرصة مواتية والظروف في صالحها .؟
إذا قضية الحوثين ما هي الا جزء من مخطط كبير يستهدف المنطقة ككل وتفكيكها قطعة قطعة لأجل أحلام أمريكية وأوهام صفوية .
وواهم من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تختلف في أهدافها مع إيران خاصة وأن أمريكا اليوم باتت في حاجة إلى إيران في المستنقع العراقي وإيران في حاجة إلى الولايات المتحدة لأجل تسهيل تحركها ليصبح الشيطان الأكبر اليوم صديقا للشيطان الأصغر .
والسؤال الكبير ماذا سيفعل العرب وقد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من فكي طهران وواشنطن .؟
* صحفية جزائرية
http://www.marebpress.net/articles.php?id=1551
الجمعة 13 إبريل-نيسان 2007
بقلم/ مريم أم الخير دلومي
مأرب برس – الجزائر - خاص
تشهد منطقة صعدة الواقعة بأقصى شمال اليمن صراعا عسكريا بين القوات الحكومية وبين الحوثيين . هذا الصراع الذي أسفر عن خسائر بشرية إذ أعلنت الحكومة عن مقتل العشرات من الضباط وصف الضباط والجنود إلى جانب العديد من المتمردين خلال أسابيع قليلة .
وقد بدأ سيناريو الحرب بين الطرفين في صيف 2004 إذ رددت مجاميع من الشباب المؤمن والتابعة للحوثيين شعارات معادية للولاية المتحدة الأمريكية وإسرائيل قبل أشهر من الحرب على العراق هذه الشعارات التي كانت الشرارة الأولى للأزمة الدائرة بين السلطة والحوثيين .
في سنة 2005 أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله الصالح عفوا عاما وشاملا عن الحوثيين مقابل إلقاء أسلحتهم والنزول من الجبال كما جرى الإفراج على مئات المعتقلين ودفع تعويضات للمتضررين الذين دمرت بيوتهم بسبب الحرب فكان الاعتقاد السائد لدى الناس أن الأزمة قد انتهت وطويت دون رجعة إلا أن الصراع عاد من جديد وأكثر فظاعة من ذي قبل إذ أسفر عن خسائر قدرت بأكثر من 600 مليون دولار حسب تصريح قائد عسكري يمني .وقد اندلعت المواجهات الأخيرة بعد قيام الحوثيين بتهجير حوالي خمسين يهوديا يمنيا من منطقة آل سالم من بيوتهم وهذا بعد اتهامهم بنشر الفساد في المنطقة وخدمة الحركة الصهيونية الأمر الذي زاد في تأزم الوضع وساعد في إشعال الحرب من جديد , من جهته قام الرئيس اليمني بنقل العائلات اليهودية إلى العاصمة صنعاء وتوفير مساكن لائقة لهم , هذه الحادثة التي كانت الشرارة التي أشعلت لهيب الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين من جديد .
وأمام هذا الوضع تتبادر إلى الأذهان أسئلة عدة أهمها ..
من هم الحوثيون ..وكيف تم تأسيس تنظيمهم .. ولماذا في هذا الوقت بالذات .؟ ومن هي الجهة المسئولة عن تدعيم هذا التنظيم .؟؟
قبل ان نجيب عن هذه الأسئلة لابد من الرجوع إلى الوراء قليلا حتى نتمكن من معرفة جذور الأزمة .
1 / من هم الحوثيون :
إن أول ظهور لهذا التيار كان في فترة الثمانينات من القرن الماضي إذا قام الشيخ صلاح أحمد فليته سنة 1986وبدعم إيراني بإنشاء اتحاد الشباب المؤمن وقد كان أعضاء هذا التيار يدرسون الثورة الإيرانية على يد محمد بدر الدين الحوثي الذي يعتبر الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها ... وفي ظل التعددية الحزبية والسياسية والحرية الإعلامية والذي تزامن مع قيام الجمهورية اليمنية سنة 1990 ظهرت عدة أحزاب سياسية ذات توجهات مختلفة من بينها حزب الحق الذي كان أحد أعضائه حسين بدر الدين الحوثي هذا الحزب الذي أسسه مجموعة من الشخصيات الزيدية إلا أن حسين بدر الدين الحوثي لم يستمر طويلا في الحزب واستقال منه ويعود السبب في ذلك إلى حصول حزبه في الانتخابات البرلمانية على نسبة ضئيلة جدا من الأصوات ,بعدها قام بتأسيس منتدى الشباب المؤمن سنة 1997 هذا المنتدى الذي كان يظم عددا من مثقفي المذهب الزيدي إلا أن هؤلاء لم يكونوا على وفاق مع حسين الحوثي بسبب أفكار هذا الأخير التي كانت منحازة إلى مذهب الإثنى عشرية الأمر الذي أدى إلى تصدع في التيار الواحد فتحول المنتدى إلى اسم آخر هو تنظيم الشباب المؤمن تحت زعامة حسين الحوثي بعدما انشق عليه المخالفين لأفكاره هذا التنظيم الذي كان مدعوما من طرف إيران خاصة مع وجود علاقة قوية تربط الثورة الإيرانية مع العائلة الحوثية في اليمن ومن بين الأفكار التي كان يعتنقها حسين الحوثي وإتباعه ما يلي :
على الأمة أن تكتفي بإمام يعلمها كل ما تحتاج إليه , فهي لا تحتاج إلى دراسة الكتاب والسنة -يكفي أن يكون للأمة أمام أو زعيم أو قائد أو قدوة (وقد كان يطلق على الحوثي القدوة ) إذ كان يركز في أدبياته على مسالة القدوة ووجوب إتباعها والأخذ برأييها.
-الحملة الشديدة على الصحابة الإبرار لدرجة أن الحوثي حمل بعضهم فشل الأمة الإسلامية لذا السنة حسب الحوثيين لا يعتمد عليها لأنها جاءت من طرف صحابة رسول الله صلى الله عليه سلم .
من خلال هذه المبادئ والأفكار الأثنى عشرية التي يعتنقها تنظيم الحوثي وأتباعه وما يجري في اليمن من صراع بين هذا التنظيم والحكومة اليمنية أصبح من الواضح أن وراء هذه الأحداث جهات خارجية تريد تمرير مشروعها ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة كلها .
2/ طبيعة العلاقة بين الحوثيين وإيران :
لقد اندلعت أولى المواجهات في صيف 2004 وأسفر هذا الصراع على مقتل قائدها حسين الحوثي في 8/09/004 بعدها تولى قيادة التنظيم الأب بدر الدين الحوثي ليعود الصراع من جديد بين الطرفين وفي هذه الأثناء لم يعد بوسع الحكومة اليمنية أن تبق مكتوفة الأيدي مع هذا التصعيد والتحدي الذي أراد فرضه أتباع الحوثي وكان لزاما أن توقف الأمر بأي طريقة قبل أن تمتد رقعته خاصة وأن ظل إيران مخيم بأفكاره ودعمها المادي والمعنوي. فقد بدت ملامح السيناريو الإيراني تظهر للعلن مع بروز أفكار هذا التيار واشتداد المعارك بين الحكومة اليمنية وأتباع الحوثي .
فالمتتبع للأحداث لا يجد بالغ عناء في اكتشاف التواطؤ الإيراني ومحاولة زعزعة المنطقة ككل وليس اليمن فقط فاليمن والعراق جزء من مخطط فارسي كبير، خاصة بعد التضامن الذي أظهرته إيران اتجاه الحوثي وإتباعه , إذ صدر بيان من مجموعة من علماء الدين في إيران يحتجون فيه على ما أسموه بالمجازر التي ترتكب ضد الشيعة في اليمن كما طالب متظاهرون كانوا مجتمعين أمام السفارة اليمنية بطرد السفير اليمني من طهران وتغير اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة اليمن إلى اسم الحوثي والصراع الذي يحدث في اليمن اليوم ما هو في الحقيقة إلا مخطط شيعي إيراني وفي هذا الصدد اقر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزاعمة عبد العزيز الحكيم عن تفاصيل المد الشيعي في الدول العربية والإسلامية من خلال إصدار بيان سري يحتوي على توصيات المؤتمر التأسيسي لشيعة العالم في مدينة قم الإيرانية بحيث يوصي هذا المؤتمر بتأسيس منطقة عالمية تسمى منطقة المؤتمر الشيعي العالمي يكون مقرها إيران وفروعها في كافة أنحاء العالم كما يدعو المؤتمر لضرورة تعميم التجربة الشيعية التي كانت ناجحة في العراق إلى باقي الدول العربية والإسلامية الأخرى منها السعودية ’ الأردن ’ اليمن ’ مصر’ الكويت و البحرين وهذا من خلال بناء قوات عسكرية غير نظامية لكافة الأحزاب والمنظمات الشيعية بالعالم عن طريق إدخال مجموعة من الأفراد داخل المؤسسات الحساسة العسكرية والأجهزة الأمنية ودعمها ماليا عن طريق تخصيص ميزانية خاصة بها . وما يحدث من صراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية خير دليل على ذلك إذ تصاعدت الأحداث في منطقة صعدة وازداد الاقتتال بين الطرفين خلال هذه الفترة حيث أقدم عناصر من الحوثيين على اختطاف أحد الأشخاص وإعدامه شنقا بتاريخ 15 فبراير 2007 حسب مصدر محلي كما قام هؤلاء بعمليات اغتيال حيث استهدفت أمين عام المجلس المحلي السابق طه عبد الله الصعدي وتم اغتياله رميا بالرصاص أمام أفراد أسرته بمدينة ضحيان بصعده .
وهذا التحدي للسلطة اليمنية يبرز مدى ثقة الحوثيين بقدراتهم ’ وأيضا اعتمادهم على الدعم الخارجي والثقة العمياء في إيران فمستحيل أن تقدم مجموعات محدودة العدد والعدة بمغامرة غير محسوبة العواقب لم يكن ثمة دعم وإسناد خارجي لوجستيكي وبشري , وهذا دليل صارخ على دخول إيران اللعبة اليمنية وحشر أنفها في المنطقة بكل قواها .
3 / الأهداف الإيرانية في اليمن :
إن التقسيمات العرقية داخل المجتمع اليمني إلى المجموعات الزيدية المبعثرة مهدت الطريق لإيران لاختراقها اذ أدخلت عليها مبادئ وأفكار الأثني عشرية الذي برز من خلالها تنظيم الشباب المؤمن بزعامة حسين الحوثي وبالتالي استغلت إيران هذا التنظيم وأعادت صياغته من خلال أفكارها وما يناسب توجهها التوسعي الصفوي ومبادئها الأمر الذي يفسر الزيارات المكوكية التي قام بها أفراد من تنظيم الحوثيين إلى طهران عبر مراحل زمنية مختلفة بهدف التدريب والتنظيم , ناهيك عن الزيارات السرية لخبراء عسكريين إيرانيين بطرق سرية ليشرفوا بأنفسهم على عمليات التدريب .
فإيران معروفة بتصنيع وتصدير المشاكل الطائفية ليسهل عليها التغلغل داخل البؤر المتوترة وتمرير مشروعها التوسعي , هذا المشروع المعلن رسميا الذي تبنته كافة الحكومات السياسية الإيرانية والذي يهدف إلى نشر التشيع الصفوي الذي أصبح يرصد له ميزانيات ماليه ضخمة لإنجاحه فهي تريد السيطرة على العالمين العربي والإسلامي باسم الإسلام ويمكننا القول أنه لا فرق بين نظام الشاه ونظام الخميني طالما أن الهدف واحد ومشترك والمتمثل في سياسة التوسع والهيمنة على المنطقة وإعادة المجد الفارسي وبعث الإمبراطورية الفارسية الآفلة والخلاف يكمن في أن التوسع الخميني هو باسم الإسلام الشيعي وتوسع الشاه باسم الإمبراطورية الفارسية التي تهاوت تحت رياح الإسلام المجيد وإلا كيف نفسر عدم تراجع إيران في عهد الخميني من احتلال الجزر الثلاث الإماراتية (طنب الصغر والكبرى وجزر أبو موسى ) التي احتلت في عهد نظام الشاه وليس هذا فحسب وإنما أيضا استمرار إيران في نفس سياسة الشاه في رفض اعترافها بالقومية العربية ورفض القوميات الأخرى مثل الكردية وقوميات أخرى في المنطقة مع إصرارها على فرض القومية الفارسية عن طريق اللغة .
4 - دور الولايات المتحدة الأمريكية في القضية اليمنية :
إن كل الأزمات والصراعات التي يتخبط فيها الوطن العربي والإسلامي لابد أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل دورا بارزا فيها وذلك تحت مظلة الديمقراطية و حقوق الإنسان وما يسمى بالشرق الأوسط الكبير وغيرها من الشعارات البراقة والتي تهدف في الحقيقة إلى زعزعة الأنظمة العربية والإسلامية وتهديد بناها التحتية ’ فما حدث في العراق خير دليل على ذلك إذ قامت أمريكا باحتلال هذا البلد بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل والكل يعلم أن السبب الحقيقي وراء هذا الاحتلال هو الاستحواذ على ابار النفط والقضاء على نظام صدام ,هذا النظام الذي رحل وأخذ معه إسرارا تورط أمريكا والدول الغربية وحتى بعض الأنظمة العربية في قضايا عديدة .
ليصبح العراق اليوم يعيش في بحر من الدماء بسبب الحرب الأهلية الدائرة رحاها بلا رحمة دون أن ننسى الدور الإيراني الذي قدم العراق على طبق من فضة لأمريكا وإسرائيل وذلك باستغلال الورقة الشيعية في العراق والسيناريو يتكرر اليوم في اليمن من خلال لعب ورقة الحوثيين كما حدث مع ورقة الشيعة بالعراق لزعزعة نظام الحكم في اليمن عن طريق تنمية الشعور المذهبي وتصوير أن ثمة صراع مذهبي جاري في اليمن أو أن ثمة إبادة جارية في حق الحوثيين مثلما تروج له جهات خارجية إذ أن تقرير الخارجية الأمريكية يذكر أن السلطات اليمنية تفرض شروطا على الشيعة وذلك لمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية واضطهادهم.
إذا من خلال مما ذكرنا يتضح لنا جليا أن هناك مخططا تم إعداده بدقة من طرف إيران وبعض الدول مما يدل على أن القضية لها إبعادا إقليمية وأطرافا خارجية تغذي هذا الصراع. على رأسها إيران التي تسعى جاهدة إلى إعادة مجدها الفارسي في العالمين العربي والإسلامي لكن هذه المرة ممثلا في إمبراطورية شيعية فهي تسير مشروعها بالتحالف مع أمريكا وإسرائيل باستغلال الورقة الشيعية التي استعملت ولازالت تستعمل دائما كورقة للضغط على الأنظمة لتمرير مشروعهم فهل ستنجح إيران في توسعها الفارسي من خلال رسم هلالها الصفوي الشيعي في العالمين العربي والإسلامي خاصة وان الفرصة مواتية والظروف في صالحها .؟
إذا قضية الحوثين ما هي الا جزء من مخطط كبير يستهدف المنطقة ككل وتفكيكها قطعة قطعة لأجل أحلام أمريكية وأوهام صفوية .
وواهم من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تختلف في أهدافها مع إيران خاصة وأن أمريكا اليوم باتت في حاجة إلى إيران في المستنقع العراقي وإيران في حاجة إلى الولايات المتحدة لأجل تسهيل تحركها ليصبح الشيطان الأكبر اليوم صديقا للشيطان الأصغر .
والسؤال الكبير ماذا سيفعل العرب وقد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من فكي طهران وواشنطن .؟
* صحفية جزائرية
http://www.marebpress.net/articles.php?id=1551
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
حوثي صعدة وحكومة صنعاء...التمرد المزدوج والخروج المشترك
16/04/2007
عبده سالم - نيوزيمن:
من غير المعقول النظر إلى مشكلة خروج الحوثيين باعتبارها مشكلة تمرد عسكري فقط، وأنه بمجرد السيطرة العسكرية على مواقع هؤلاء المتمردين الخارجين، فإن القضية تكون قد انتهت وخاصة في ظل اعتماد الحوثيين على استراتيجية الحرب المتحركة (اضرب وانسحب) مع حرص المتمردين على الاحتفاظ بالإنسان المحارب أكثر من حرصهم على المواقع والخنادق.
ومن غير المعقول –أيضاً- النظر إلى قدرة الحوثيين في الاستمرار طيلة هذه الفترة في مقاومة الجيش دون انكسار باعتبارها صمود أسطوري، أو تصلّب عقائدي، أو حصول التمرد على دعم خارجي وإن كان كل ذلك جزءً من الحقيقة، لكن المهم النظر إلى المؤثرات الأخرى المحيطة بهذه القضية وما تشكله من أهمية في منح هذا التمرد المزيد من القوة، وتمده بالمزيد من عناصر الديمومة، سواء كانت هذه المؤثرات المحيطة اجتماعيةً أو سياسية بما في ذلك أسلوب التعامل الذي اتبعته الدولة في مواجهة التمرد الذي ربما قدم –بقصد أو بدون قصد- مزيداً من عناصر الدعم لهذا التمرد؛ الأمر الذي يعني بأن أي مواجهة مع التمرد لا تسبقها محاصرة حقيقية لهذه المؤثرات وفق قراءة صحيحة لمعطياتها ومخرجاتها، تصبح هذه المواجهة شكلاً من أشكال العبث، بل ربما نجح المتمردون أو غيرهم من دعاة الطائفية من استثمار وقائع هذه المواجهة في فرض الطائفية كأمر واقع معترف به ضمن خطة مدروسة لتفكيك جميع الحلقات المفصلية للمجتمع، وتجزئة كيان الدولة في إطار هذا الحراك النشط لهذه المؤثرات التي تحيط بهذا التمرد وتمنحه الحيوية والبقاء.
نحن الان أمامَ مشهدين متقابلين احدهما يتمثل في إعلام دولة يفتح كل الملفات التاريخية من «صفوية» و«إثنا عشرية» و«زيدية» و«فارسية» و«سنة» و«وهابية» و«سلفية» و«صوفية» وكأن اليمن متحفٌ لكل هذه الأقليات، أو كأنه يعاني من أزمة هوية، أو مشكل ثقافي، أو صراع أثني، والعجيب في الأمر أن فتح مثل هذا الموروث التاريخي بشكل غير موجّه ولا مهدّف ياتي ضمن حملة استراتيجية من قبل اعلام الدولة بهدف محاصرة الفتنة الطائفية التي اشعلها المتمردون -على حد زعمه-.
ويتمثل المشهد الثاني في مجموعة من المتمردين تمكنوا من التموضع في منطقةٍ معينةٍ محددة، هي تلك المنطقة التي سيطرَ عليها الملكيون أثناء حربهم لإسقاط النظام الجمهوري، لكنهم عجزوا عن تحقيق أي تمدد أو تقدم في اتجاه العاصمة «صنعاء» لإسقاطها، في حين عجز الجمهوريون تحقيق أي اختراق لهذه المنطقة، وظل كل طرف في منطقته، وهي المعادلةُ التي قامت على أساسها المصالحةُ الوطنية برعاية الشقيقة الكبرى ودورها الضامن لكلا الطرفين المتصارعين بما يؤدي إلى استيعاب النظام الجمهوري لمناوئيه الملكيين في إطار شرعية النظام الجمهوري، وعدم قيام دويلة شيعية في حدودها الجنوبية، في حين أن تمرد اليوم لا يرغب في التمدد أصلاً، ولا يريدُ إسقاط النظام في صنعاء، وإنما يريد فقط الاحتفاظ بهذه المنطقةِ وغيرها من المناطق المتاخمة ليعبر عن هويته المذهبية وهو الطلب الذي لم يقدمه يحيى الحوثي رسميا حتى الآن أمام النظام الحاكم، في حين أنه قد تقدم بهذا المطلب أمام الدوائر العالمية المعنية بالدفاع عن الأقليات، وحقهم في الحصول على الحكم الذاتي.
الملاحظ في هذا الوضع لكلا المشهدين أن دعاة الطائفية من المتمردين وغيرهم يستفيدون كثيراً من هذا التعاطي الإعلامي للدولة الذي يفرزه المشهد الأول؛ أولاً: لأنه يكشف عن مطالبهم بالنيابة عنهم، ثانياً: أن هذا التعاطي الإعلامي للدولة في ظلِ استمرار الحرب وعدم القدرة في حسمها لا يعطي للمتابع الخارجي سوى أن اليمن يعاني فعلاً من أزمة هوية، وبالتالي ليس على المجتمع الخارجي سوى الاعتراف بهذه الحقيقة، وثالثاً: لأن المتمردين يجمعون هذا التعاطي ويقدمونه للدوائر الخارجية لإثبات أن اليمن تعاني من أزمة هوية بشهادة إعلامها، وهو ما يعزز حججهم ويمنح المشروعية لمطلبهم في وقت بات فيه المتمردون يعتقدون بأن سقفهم في ظل متغيرات اليوم بات أعلى من سقف المصالحة الوطنية التي أعقبت الصراع بين الملكيين والجمهوريين وبالتالي فهم يراهنون على الزمن والمتغيرات وحصول المفاجآت على مستوى المنطقة لاستيعاب سقفهم العالي ويستندون في ذلك على رهانات دينية عقدية وتحليل تاريخي ووعد الله في تمكين عباده الصالحين.
- الأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه هو انه في الوقت الذي تخوض فيه الدولة حربها ضد الحوثيين بدعم من أجهزة الاستخبارات الأمريكية نجد ان الحوثيين يخوضون حربهم أيضا وهم محاطون بأجندةٍ استخباراتية ذات صلة بدوائر إقليميةٍ ودولية سواء كانت من أجندتهم أو أنها مزدوجة المهم أنها تعمل بنجاح في توجيه مساراتهم وترشدهم بكيفية التموضع على نحوٍ يتطابق مع التوصيف الذي تقدمه تقارير هذه الأجندة للدوائر الإقليمية والدولية، وهي تقارير مؤثرة كونها تغذي ثلاث محطات فاعلة هي الرياض، وواشنطن، ولندن، وتستند إلى أرشيف تاريخي له جذور مؤسسية على شكل مراكز أبحاث سياسية أو مؤسسات فكرية في بعض هذه العواصم التي كانت على صلة بهذا التراث منذ خروج الأئمة، وتنقل بيت الوزير بين هذه العواصم وخاصة واشنطن التي كان للسفير يحيى المتوكل دوراً بارزاً في مأسسة هذا الأرشيف ضمن الجهد الرسمي للسفارة اليمنية، والأهم من ذلك كله أن هذه التقارير حاليا تستفيد من حملات الديمقراطيين في أمريكا الهادفة إلى رصد مخالفات الرئيس بوش وأخطائه في حرب الإرهاب، وبالتالي فإن الديمقراطيين ربما اعتبروا أن مشكلة صعدة، والتحالف الأمريكي مع النظام اليمني تندرج ضمن أخطاء بوش في وقت بات فيه الأخير غير مستعد للدفاع عن حليفه في اليمن وهو ما قد يدفع بالاستعدادات البريطانية –كما تبدوا المؤشرات- للعب الدور المساند للطرف المتمرد في سياق التماشي مع توجهات الديمقراطيين والحركة النشطة للسناتورات الديمقراطية في المنطقة.
الأهم من ذلك كله أن الأسلوب الذي اتبعته الحكومة في الترويج الغير مسئول بأن حرب صعدة هي تصفية لحسابات إقليمية ذات صلة بأمن النظام الملكي السعودي قد وفر مادة دسمة لهذه التقارير، وقدم خدمة لأصحابها حيث أثبتوا صحة ما قالوه دائما وأكدوه في تقاريرهم عن حقيقة أزمة النظام اليمني الحاكم، وسطحية تفكير، الحكومة اليمنية، واضطراب موازينها، واستثمروا ذلك في شحن الدول الإقليمية المجاورة التي كان يفترض من النظام الحاكم الحرص على ضمان تأييدها له أو ضمان حيادها على نحو يؤهلها مستقبلا من القيام بدور محايد في حل الأزمة.
- صحيح أن الخارج ربما يدين أو أدان هذه الطائفة المتمردة باعتبارها تستخدم السلاحَ في وجه الدولة الشرعية، لكن هذا لا يعني مستقبلاً التأييد لخيارات الدولة؛ فهناك فريقٌ سياسي ليبرالي في خارج الوطن قد يكون هو المرجعية للتمرد -كما يعتقد البعض- أو ربما تم احتسابه مذهبيا على الحوثيين وان اختلف معهم منهجيا مادام انه ينظر إليه من قبل الدوائر الخارجية بأنه يمثل شكلا من أشكال هذه المشروعية في إطارها العام، وهذا الفريق يسعى حالياً لتقديم نفسه للأمريكان والبريطانيين على نفس القاعدة التي قدم بها المالكي نفسه للأمريكان كنقيض شكلي للصدر، وربما استفاد هذا الفريق من السيناريو الذي رسمته الحكومة اليمنية في تعويم أزمة الحوثي في شاطئ الأزمة العراقية الذي يتجاذبه الإيرانيون والأمريكان، وهو الشاطئ الذي يسبح فيه هذا الفريق بجدارة ولا يحتاج إلى أي جهد سوى التكيّف والتموضع بما يتناسب مع اتجاهات التعويم اليمني لأزمة الحوثي وفق السيناريو اليمني وبما يتطابق مع قوانين الشاطئ العراقي ومتطلبات التسوية الأمريكية الإيرانية في حال حصولها، وعلى هذا الأساس فإن هذا الفريق لديه الاستعداد على إرضاء الخارج ضمن تسوية حاسمة بين الإيرانيين والأمريكان والسعوديين، وبالتالي التضحية بالحوثيين كما ضحى شيعة العراق بالصدر بمقابل اعتماده كبديلٍ للحوثيين وللنظام على حد سواء، وذلك على قاعدة "المالكي والصدر"، أي أن البديل لفريق الصدر هو فريق المالكي وليس الصداميين.
- هذا قدر بسيط من المؤثرات على سبيل المثال –لا الحصر- وهو ضمن مجموعة أقدار كثيرة من المؤثرات كلها بحاجة إلى قدر من المحاصرة ضمن خطة استراتيجية متكاملة لمواجهة هذه الأزمة بالشكل الذي يضمن للدولة الحق في فرض سيادتها، وبسط نفوذها بدون تجاوز أو خروج عن الدستور والقانون، ودون مغالاة في تفسير حق الاستخدام للقوة أو التعسف في استخدام هذا الحق، وبما يضمن-أيضا-للحوثيين وأنصارهم وسائر تشكيلاتهم وأجندتهم الحق في التعبير عن آرائهم بدون خروج عن الدولة، مع ضمان سائر حقوقهم المشروعة التي كفلها الدستور والقانون باعتبارها حقوق مواطنة متساوية لا حقوق طائفية مذهبية كل ذلك في إطار الاحترام الكامل لكل المذاهب باعتبارها آراء واجتهادات فقهية لا خرائط سكانية أو حدود جهوية.
salem210885@yahoo.com
http://newsyemen.net/view_news.asp?sub_ ... 4_16_12933
16/04/2007
عبده سالم - نيوزيمن:
من غير المعقول النظر إلى مشكلة خروج الحوثيين باعتبارها مشكلة تمرد عسكري فقط، وأنه بمجرد السيطرة العسكرية على مواقع هؤلاء المتمردين الخارجين، فإن القضية تكون قد انتهت وخاصة في ظل اعتماد الحوثيين على استراتيجية الحرب المتحركة (اضرب وانسحب) مع حرص المتمردين على الاحتفاظ بالإنسان المحارب أكثر من حرصهم على المواقع والخنادق.
ومن غير المعقول –أيضاً- النظر إلى قدرة الحوثيين في الاستمرار طيلة هذه الفترة في مقاومة الجيش دون انكسار باعتبارها صمود أسطوري، أو تصلّب عقائدي، أو حصول التمرد على دعم خارجي وإن كان كل ذلك جزءً من الحقيقة، لكن المهم النظر إلى المؤثرات الأخرى المحيطة بهذه القضية وما تشكله من أهمية في منح هذا التمرد المزيد من القوة، وتمده بالمزيد من عناصر الديمومة، سواء كانت هذه المؤثرات المحيطة اجتماعيةً أو سياسية بما في ذلك أسلوب التعامل الذي اتبعته الدولة في مواجهة التمرد الذي ربما قدم –بقصد أو بدون قصد- مزيداً من عناصر الدعم لهذا التمرد؛ الأمر الذي يعني بأن أي مواجهة مع التمرد لا تسبقها محاصرة حقيقية لهذه المؤثرات وفق قراءة صحيحة لمعطياتها ومخرجاتها، تصبح هذه المواجهة شكلاً من أشكال العبث، بل ربما نجح المتمردون أو غيرهم من دعاة الطائفية من استثمار وقائع هذه المواجهة في فرض الطائفية كأمر واقع معترف به ضمن خطة مدروسة لتفكيك جميع الحلقات المفصلية للمجتمع، وتجزئة كيان الدولة في إطار هذا الحراك النشط لهذه المؤثرات التي تحيط بهذا التمرد وتمنحه الحيوية والبقاء.
نحن الان أمامَ مشهدين متقابلين احدهما يتمثل في إعلام دولة يفتح كل الملفات التاريخية من «صفوية» و«إثنا عشرية» و«زيدية» و«فارسية» و«سنة» و«وهابية» و«سلفية» و«صوفية» وكأن اليمن متحفٌ لكل هذه الأقليات، أو كأنه يعاني من أزمة هوية، أو مشكل ثقافي، أو صراع أثني، والعجيب في الأمر أن فتح مثل هذا الموروث التاريخي بشكل غير موجّه ولا مهدّف ياتي ضمن حملة استراتيجية من قبل اعلام الدولة بهدف محاصرة الفتنة الطائفية التي اشعلها المتمردون -على حد زعمه-.
ويتمثل المشهد الثاني في مجموعة من المتمردين تمكنوا من التموضع في منطقةٍ معينةٍ محددة، هي تلك المنطقة التي سيطرَ عليها الملكيون أثناء حربهم لإسقاط النظام الجمهوري، لكنهم عجزوا عن تحقيق أي تمدد أو تقدم في اتجاه العاصمة «صنعاء» لإسقاطها، في حين عجز الجمهوريون تحقيق أي اختراق لهذه المنطقة، وظل كل طرف في منطقته، وهي المعادلةُ التي قامت على أساسها المصالحةُ الوطنية برعاية الشقيقة الكبرى ودورها الضامن لكلا الطرفين المتصارعين بما يؤدي إلى استيعاب النظام الجمهوري لمناوئيه الملكيين في إطار شرعية النظام الجمهوري، وعدم قيام دويلة شيعية في حدودها الجنوبية، في حين أن تمرد اليوم لا يرغب في التمدد أصلاً، ولا يريدُ إسقاط النظام في صنعاء، وإنما يريد فقط الاحتفاظ بهذه المنطقةِ وغيرها من المناطق المتاخمة ليعبر عن هويته المذهبية وهو الطلب الذي لم يقدمه يحيى الحوثي رسميا حتى الآن أمام النظام الحاكم، في حين أنه قد تقدم بهذا المطلب أمام الدوائر العالمية المعنية بالدفاع عن الأقليات، وحقهم في الحصول على الحكم الذاتي.
الملاحظ في هذا الوضع لكلا المشهدين أن دعاة الطائفية من المتمردين وغيرهم يستفيدون كثيراً من هذا التعاطي الإعلامي للدولة الذي يفرزه المشهد الأول؛ أولاً: لأنه يكشف عن مطالبهم بالنيابة عنهم، ثانياً: أن هذا التعاطي الإعلامي للدولة في ظلِ استمرار الحرب وعدم القدرة في حسمها لا يعطي للمتابع الخارجي سوى أن اليمن يعاني فعلاً من أزمة هوية، وبالتالي ليس على المجتمع الخارجي سوى الاعتراف بهذه الحقيقة، وثالثاً: لأن المتمردين يجمعون هذا التعاطي ويقدمونه للدوائر الخارجية لإثبات أن اليمن تعاني من أزمة هوية بشهادة إعلامها، وهو ما يعزز حججهم ويمنح المشروعية لمطلبهم في وقت بات فيه المتمردون يعتقدون بأن سقفهم في ظل متغيرات اليوم بات أعلى من سقف المصالحة الوطنية التي أعقبت الصراع بين الملكيين والجمهوريين وبالتالي فهم يراهنون على الزمن والمتغيرات وحصول المفاجآت على مستوى المنطقة لاستيعاب سقفهم العالي ويستندون في ذلك على رهانات دينية عقدية وتحليل تاريخي ووعد الله في تمكين عباده الصالحين.
- الأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه هو انه في الوقت الذي تخوض فيه الدولة حربها ضد الحوثيين بدعم من أجهزة الاستخبارات الأمريكية نجد ان الحوثيين يخوضون حربهم أيضا وهم محاطون بأجندةٍ استخباراتية ذات صلة بدوائر إقليميةٍ ودولية سواء كانت من أجندتهم أو أنها مزدوجة المهم أنها تعمل بنجاح في توجيه مساراتهم وترشدهم بكيفية التموضع على نحوٍ يتطابق مع التوصيف الذي تقدمه تقارير هذه الأجندة للدوائر الإقليمية والدولية، وهي تقارير مؤثرة كونها تغذي ثلاث محطات فاعلة هي الرياض، وواشنطن، ولندن، وتستند إلى أرشيف تاريخي له جذور مؤسسية على شكل مراكز أبحاث سياسية أو مؤسسات فكرية في بعض هذه العواصم التي كانت على صلة بهذا التراث منذ خروج الأئمة، وتنقل بيت الوزير بين هذه العواصم وخاصة واشنطن التي كان للسفير يحيى المتوكل دوراً بارزاً في مأسسة هذا الأرشيف ضمن الجهد الرسمي للسفارة اليمنية، والأهم من ذلك كله أن هذه التقارير حاليا تستفيد من حملات الديمقراطيين في أمريكا الهادفة إلى رصد مخالفات الرئيس بوش وأخطائه في حرب الإرهاب، وبالتالي فإن الديمقراطيين ربما اعتبروا أن مشكلة صعدة، والتحالف الأمريكي مع النظام اليمني تندرج ضمن أخطاء بوش في وقت بات فيه الأخير غير مستعد للدفاع عن حليفه في اليمن وهو ما قد يدفع بالاستعدادات البريطانية –كما تبدوا المؤشرات- للعب الدور المساند للطرف المتمرد في سياق التماشي مع توجهات الديمقراطيين والحركة النشطة للسناتورات الديمقراطية في المنطقة.
الأهم من ذلك كله أن الأسلوب الذي اتبعته الحكومة في الترويج الغير مسئول بأن حرب صعدة هي تصفية لحسابات إقليمية ذات صلة بأمن النظام الملكي السعودي قد وفر مادة دسمة لهذه التقارير، وقدم خدمة لأصحابها حيث أثبتوا صحة ما قالوه دائما وأكدوه في تقاريرهم عن حقيقة أزمة النظام اليمني الحاكم، وسطحية تفكير، الحكومة اليمنية، واضطراب موازينها، واستثمروا ذلك في شحن الدول الإقليمية المجاورة التي كان يفترض من النظام الحاكم الحرص على ضمان تأييدها له أو ضمان حيادها على نحو يؤهلها مستقبلا من القيام بدور محايد في حل الأزمة.
- صحيح أن الخارج ربما يدين أو أدان هذه الطائفة المتمردة باعتبارها تستخدم السلاحَ في وجه الدولة الشرعية، لكن هذا لا يعني مستقبلاً التأييد لخيارات الدولة؛ فهناك فريقٌ سياسي ليبرالي في خارج الوطن قد يكون هو المرجعية للتمرد -كما يعتقد البعض- أو ربما تم احتسابه مذهبيا على الحوثيين وان اختلف معهم منهجيا مادام انه ينظر إليه من قبل الدوائر الخارجية بأنه يمثل شكلا من أشكال هذه المشروعية في إطارها العام، وهذا الفريق يسعى حالياً لتقديم نفسه للأمريكان والبريطانيين على نفس القاعدة التي قدم بها المالكي نفسه للأمريكان كنقيض شكلي للصدر، وربما استفاد هذا الفريق من السيناريو الذي رسمته الحكومة اليمنية في تعويم أزمة الحوثي في شاطئ الأزمة العراقية الذي يتجاذبه الإيرانيون والأمريكان، وهو الشاطئ الذي يسبح فيه هذا الفريق بجدارة ولا يحتاج إلى أي جهد سوى التكيّف والتموضع بما يتناسب مع اتجاهات التعويم اليمني لأزمة الحوثي وفق السيناريو اليمني وبما يتطابق مع قوانين الشاطئ العراقي ومتطلبات التسوية الأمريكية الإيرانية في حال حصولها، وعلى هذا الأساس فإن هذا الفريق لديه الاستعداد على إرضاء الخارج ضمن تسوية حاسمة بين الإيرانيين والأمريكان والسعوديين، وبالتالي التضحية بالحوثيين كما ضحى شيعة العراق بالصدر بمقابل اعتماده كبديلٍ للحوثيين وللنظام على حد سواء، وذلك على قاعدة "المالكي والصدر"، أي أن البديل لفريق الصدر هو فريق المالكي وليس الصداميين.
- هذا قدر بسيط من المؤثرات على سبيل المثال –لا الحصر- وهو ضمن مجموعة أقدار كثيرة من المؤثرات كلها بحاجة إلى قدر من المحاصرة ضمن خطة استراتيجية متكاملة لمواجهة هذه الأزمة بالشكل الذي يضمن للدولة الحق في فرض سيادتها، وبسط نفوذها بدون تجاوز أو خروج عن الدستور والقانون، ودون مغالاة في تفسير حق الاستخدام للقوة أو التعسف في استخدام هذا الحق، وبما يضمن-أيضا-للحوثيين وأنصارهم وسائر تشكيلاتهم وأجندتهم الحق في التعبير عن آرائهم بدون خروج عن الدولة، مع ضمان سائر حقوقهم المشروعة التي كفلها الدستور والقانون باعتبارها حقوق مواطنة متساوية لا حقوق طائفية مذهبية كل ذلك في إطار الاحترام الكامل لكل المذاهب باعتبارها آراء واجتهادات فقهية لا خرائط سكانية أو حدود جهوية.
salem210885@yahoo.com
http://newsyemen.net/view_news.asp?sub_ ... 4_16_12933
-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك
عَّد أحد أهم عوامل القضاء على الاستثمار
مايجري في صعدة له أهداف ليس من بينها القضاء على تمرد الحوثيين
الأربعاء 18 أبريل 2007
* كتب/ المحرر السياسي - الوسط نت
ما يجري في صعدة لم يعد يخضع لمنطق التحليل السياسي أو حتى العسكري إذا تم إسقاطه على الواقع ..اليوم وبعد ثلاثة أشهر من الحرب يتم الحديث عن تقدم للحوثيين من غالب الجهات وعن خسائر كبيرة في صفوف الجيش والمتعاونين من القبائل الذين سيولد مقتلهم ثارات لن تهدأ في المستقبل.
الآن والآن فقط يتم الحديث عن مشاركة حقيقية للجيش وكأن الحرب بدأت اليوم.. هيبة الدولة وسمعتها كانت أبعد ما تكون عن التفكير بها ولذا أصبحت صعدة مجرد ساحة لإدارة معارك مختلفة لغايات ليس من بينها القضاء على تمرد الحوثيين.. وحدات وصنوف القوات المسلحة حتى مشاركة العمالقة وما قيل عن مشاركة نوعية من كل الوحدات كانت بمناى عن هذه الحرب التي كان وقودها المجندون المستجدين وأفراد القبائل وبعض الوحدات التابعة للفرقة الأولى مدرع.
بعد ثلاثة أشهر لا يمكن القول أن هناك خططاً تدار بها الحرب مثلما لا يمكن الحديث عن إستراتيجية قتالية أو حتى إعلامية أو نفسية وكأن ما يجري ليس أكثر من مناورات تدريبية ويمكن الجزم بأن الحوثيين أداروا معارك بمقدرة تدعو للاستغراب، فهم يتواصلون إعلامياً مع مختلف الصحف والوسائل الإعلامية أكثر مما تتواصل معها الدولة وهم حتى الآن يملكون وسائل اتصالات قالت الدولة إنها قد قطعتها عنهم وهم أيضاً يفاوضون ويتبادلون القتلى ويفرضون شروطهم لكي يطلقوا من تم أسرهم.
بات من الواضح أنهم يتصرفون كدولة وحينما دخلوا مديرية "غمر" كان أول ما فعلوه أن عينوا قاضياً للمحكمة نظر في القضايا المتأخرة وحل معظمها وهي رسالة واضحة عن كيف سيحكمون.
أيضاً حكموا بقطع أيادي أكثر من عشرة من أفراد القبائل اتهموهم بنهب ممتلكات مواطنين.. في المقابل ما الذي يحدث؟.
يتم استعداء مشائخ وخسارة مديريات بكاملها لأسباب غير معروفة إلا أن هؤلاء متهمون حتى تثبت إدانتهم.. أسئلة فرضتها هذه الحرب أقلها بساطة لماذا تحدث كل هذه الأخطاء في التصويب بحيث يستهدف المتعاونون بدلاً عن المتمردين، ولماذا الجنود دائمو الشكوى من سوء التغذية وقلة ما يصرف لهم من ذخيرة تحت دعاوى الخوف من بيعها، مع أن هؤلاء الجنود لا يحملون غير الأسلحة الخفيفة "كلاكنشوف" بينما التي يحارب بها الحوثيون هي الأسلحة الثقيلة من "إر بي جي" والصواريخ المحمولة على الكتف، ومضادات الطيران.
حقيقة ما يجري يصعب تحليله فضلاً عن كشفه بسبب الغموض الذي يحيط بكل ماله علاقة بهذه المعركة، وأبعادها، حتى مشائخ المنطقة المعروفون باتت مواقفهم غامضة، فلاهم مع الدولة ولا هم ضد الحوثيين يخشون مقاتليهم أكثر من خشيتهم منها.
مليارات الريالات يتم ضخها خصماً من موازنات الصحة والتعليم وهيكلة الأجور دون تحقيق نتائج تذكر إلا ما تذيعه وسائل الإعلام كتصريحات لمسؤولي الدولة ويتكشف بعد ذلك كذبها.
قلنا وفي هذا المكان من أن هيبة الدولة يجب أن لا تكسر وإن الحل يتلخص في تسليم الحوثيين لأنفسهم ولكن هل صار مثل هذا القول منطقياً في ظل تقدم هؤلاء وتأخر الجيش ،إذ وببساطة من يستطيع فرض التسليم عليهم؟.
لم يبقى شيء لم تستخدمه الدولة من آليات الحرب أرضاً وجواً لكي تهدد به أو تلجأ إليه وهذا ليس دعوة للاستسلام لمطالب الحوثيين بقدر ما هو دعوة لوضع إستراتيجية ليس لها من هدف غير اثبات قدرات الدولة على الحسم وبما يحفظ لها مكانتها.
إذ من الصعب الحديث عن فرص استثمار بينما الحرب مازالت مستعرة في الشمال وحروب أقل منها تجري في المدن في خلافات على أراضي هي المكون الذي يقيم عليه المستثمر استثماراته فكيف يمكن الحديث عن انعقاد مؤتمر يناقش فرص الاستثمار في اليمن بينما مكان انعقاده المفروض هو أقرب لساحة اقتتال منه لمنطقة تأهيل لاستثمار آمن. القتال عادة ما يكون أطرافه نافذين ومشائخ ويزداد الأمر خطورة حينما يصبح قادة عسكريون هم الطرف الأساس في هذه المعركة أو من المتعاونين مع طرف ضد آخر.
في جهة من العاصمة يجري التحضير لاستقبال مئات من المستثمرين القادمين من أكثر الدول تقدماً واستقراراً واحتراماً للقانون بينما الجهة الأخرى منها تشهد اقتتالاً دامياً على بعد أمتار قليلة من منزل نائب رئيس الجمهورية الذي ربما شاهد بأم عينيه جثثاً لأفراد في الشرطة العسكرية مرمية على الطريق العام دون أن يتمكن أحد من أخذها إلا بعد أن هدأ الاقتتال، هؤلاء القادمون من بلدانهم التي يعتبر فيها انطفاء الكهرباء لدقائق خبراً مهماً يثير الاستغراب لابد وأنهم سيلمسون مدى طبيعيته في اليمن وكيف أنه أمر تم تعوده والتأقلم معه وهو ما قد يتفق مع مواطن لا مع مستثمر.
مائة فرصة استثمارية هي كل ما سيتم تقديمه في هذا المؤتمر الدولي في ظل مناخ طارد للاستثمار.
ما قاله وزير التخطيط عبدالكريم الأرحبي أثناء المؤتمر الصحفي والذي خصص للإعلان عن مؤتمر الفرص في بيروت قبل أيام كان عمومياً، حيث تحدث عن نتائج المؤتمر وما يمكن أن يحدثه من تسريع ودفع لمسيرة التنمية ورفع مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل ومكافحة الفقر دون أن يتحدث عن المناخ والبيئة التي سيتم تهيئتها لهؤلاء المستثمرين الذين ليس في قواميسهم مفردات المغامرة والمجاملة.
الدكتور محمد الميتمي قال لوكالة الأنباء السعودية إن مشكلة الاستثمار في اليمن ليست مشكلة قوانين بالدرجة الأولى وإنما في تنفيذ وتطبيق هذه القوانين لأننا نمتلك قوانين جيدة لكن تنفيذ هذه القوانين هي المشكلة.
ما قاله الميتمي -وهو مدير عام الاتحاد العام للغرف التجارية - و إضافة للمعضلات التي لم يتم بحثها بجدية لتوفير أسس حقيقية لاستقرار اقتصادي يمكن أن يبنى عليه، فإلى اليوم لا يوجد بنك للمعلومات الاقتصادية يمكن أن يوفر المعلومة اللازمة لخدمة القرار الاستثماري بشقيه الرسمي وأولئك الراغبين بالحصول على ما يمكن أن يمثل استبياناً أولياً لاختيار المشروع المناسب.
عوامل القضاء على أي فرص للاستثمار في اليمن ليس هناك من لا يعرفها وعلى كل مستوى ولكن القفز عليها تعتبره السلطة فذلكة وذكاء، إذ لا رؤية ولا إستراتيجية يمكن القول إنه قد تم اعتمادها لتعبيد الطريق للوصول لاستثمار ناجح وآمن في اليمن. أشهر عدة مرت منذ الحديث عن المؤتمر الذي سينعقد في الثاني والعشرين من هذا الشهر ولم تقم الحكومة بفعل جاد لمنع تكرار حوادث الاقتتال ودخول السلاح إلى العاصمة حتى بعد أن أقر مجلس الوزراء تحديد المرافقين لكبار الشخصيات الذي تاه كما تاه قانون حمل السلاح.
الرئيس أعلن إمساكه بملف الاستثمار ولم يحقق ما يمكن اعتباره نقلات نوعية في هذا المجال، إذ مازال النافذون لهم اليد الطولى على الأرض والسلطة غير قادرة على تنفيذ القانون وكبح جماحهم مع ما في ذلك من تحد لإرادة الرئيس في إنجاح عملية الاستثمار الذي له مقومات لا يمكن أن ينجح بدون وجودها.
http://www.alwasat-ye.net/modules.php?n ... e&sid=4043
مايجري في صعدة له أهداف ليس من بينها القضاء على تمرد الحوثيين
الأربعاء 18 أبريل 2007
* كتب/ المحرر السياسي - الوسط نت
ما يجري في صعدة لم يعد يخضع لمنطق التحليل السياسي أو حتى العسكري إذا تم إسقاطه على الواقع ..اليوم وبعد ثلاثة أشهر من الحرب يتم الحديث عن تقدم للحوثيين من غالب الجهات وعن خسائر كبيرة في صفوف الجيش والمتعاونين من القبائل الذين سيولد مقتلهم ثارات لن تهدأ في المستقبل.
الآن والآن فقط يتم الحديث عن مشاركة حقيقية للجيش وكأن الحرب بدأت اليوم.. هيبة الدولة وسمعتها كانت أبعد ما تكون عن التفكير بها ولذا أصبحت صعدة مجرد ساحة لإدارة معارك مختلفة لغايات ليس من بينها القضاء على تمرد الحوثيين.. وحدات وصنوف القوات المسلحة حتى مشاركة العمالقة وما قيل عن مشاركة نوعية من كل الوحدات كانت بمناى عن هذه الحرب التي كان وقودها المجندون المستجدين وأفراد القبائل وبعض الوحدات التابعة للفرقة الأولى مدرع.
بعد ثلاثة أشهر لا يمكن القول أن هناك خططاً تدار بها الحرب مثلما لا يمكن الحديث عن إستراتيجية قتالية أو حتى إعلامية أو نفسية وكأن ما يجري ليس أكثر من مناورات تدريبية ويمكن الجزم بأن الحوثيين أداروا معارك بمقدرة تدعو للاستغراب، فهم يتواصلون إعلامياً مع مختلف الصحف والوسائل الإعلامية أكثر مما تتواصل معها الدولة وهم حتى الآن يملكون وسائل اتصالات قالت الدولة إنها قد قطعتها عنهم وهم أيضاً يفاوضون ويتبادلون القتلى ويفرضون شروطهم لكي يطلقوا من تم أسرهم.
بات من الواضح أنهم يتصرفون كدولة وحينما دخلوا مديرية "غمر" كان أول ما فعلوه أن عينوا قاضياً للمحكمة نظر في القضايا المتأخرة وحل معظمها وهي رسالة واضحة عن كيف سيحكمون.
أيضاً حكموا بقطع أيادي أكثر من عشرة من أفراد القبائل اتهموهم بنهب ممتلكات مواطنين.. في المقابل ما الذي يحدث؟.
يتم استعداء مشائخ وخسارة مديريات بكاملها لأسباب غير معروفة إلا أن هؤلاء متهمون حتى تثبت إدانتهم.. أسئلة فرضتها هذه الحرب أقلها بساطة لماذا تحدث كل هذه الأخطاء في التصويب بحيث يستهدف المتعاونون بدلاً عن المتمردين، ولماذا الجنود دائمو الشكوى من سوء التغذية وقلة ما يصرف لهم من ذخيرة تحت دعاوى الخوف من بيعها، مع أن هؤلاء الجنود لا يحملون غير الأسلحة الخفيفة "كلاكنشوف" بينما التي يحارب بها الحوثيون هي الأسلحة الثقيلة من "إر بي جي" والصواريخ المحمولة على الكتف، ومضادات الطيران.
حقيقة ما يجري يصعب تحليله فضلاً عن كشفه بسبب الغموض الذي يحيط بكل ماله علاقة بهذه المعركة، وأبعادها، حتى مشائخ المنطقة المعروفون باتت مواقفهم غامضة، فلاهم مع الدولة ولا هم ضد الحوثيين يخشون مقاتليهم أكثر من خشيتهم منها.
مليارات الريالات يتم ضخها خصماً من موازنات الصحة والتعليم وهيكلة الأجور دون تحقيق نتائج تذكر إلا ما تذيعه وسائل الإعلام كتصريحات لمسؤولي الدولة ويتكشف بعد ذلك كذبها.
قلنا وفي هذا المكان من أن هيبة الدولة يجب أن لا تكسر وإن الحل يتلخص في تسليم الحوثيين لأنفسهم ولكن هل صار مثل هذا القول منطقياً في ظل تقدم هؤلاء وتأخر الجيش ،إذ وببساطة من يستطيع فرض التسليم عليهم؟.
لم يبقى شيء لم تستخدمه الدولة من آليات الحرب أرضاً وجواً لكي تهدد به أو تلجأ إليه وهذا ليس دعوة للاستسلام لمطالب الحوثيين بقدر ما هو دعوة لوضع إستراتيجية ليس لها من هدف غير اثبات قدرات الدولة على الحسم وبما يحفظ لها مكانتها.
إذ من الصعب الحديث عن فرص استثمار بينما الحرب مازالت مستعرة في الشمال وحروب أقل منها تجري في المدن في خلافات على أراضي هي المكون الذي يقيم عليه المستثمر استثماراته فكيف يمكن الحديث عن انعقاد مؤتمر يناقش فرص الاستثمار في اليمن بينما مكان انعقاده المفروض هو أقرب لساحة اقتتال منه لمنطقة تأهيل لاستثمار آمن. القتال عادة ما يكون أطرافه نافذين ومشائخ ويزداد الأمر خطورة حينما يصبح قادة عسكريون هم الطرف الأساس في هذه المعركة أو من المتعاونين مع طرف ضد آخر.
في جهة من العاصمة يجري التحضير لاستقبال مئات من المستثمرين القادمين من أكثر الدول تقدماً واستقراراً واحتراماً للقانون بينما الجهة الأخرى منها تشهد اقتتالاً دامياً على بعد أمتار قليلة من منزل نائب رئيس الجمهورية الذي ربما شاهد بأم عينيه جثثاً لأفراد في الشرطة العسكرية مرمية على الطريق العام دون أن يتمكن أحد من أخذها إلا بعد أن هدأ الاقتتال، هؤلاء القادمون من بلدانهم التي يعتبر فيها انطفاء الكهرباء لدقائق خبراً مهماً يثير الاستغراب لابد وأنهم سيلمسون مدى طبيعيته في اليمن وكيف أنه أمر تم تعوده والتأقلم معه وهو ما قد يتفق مع مواطن لا مع مستثمر.
مائة فرصة استثمارية هي كل ما سيتم تقديمه في هذا المؤتمر الدولي في ظل مناخ طارد للاستثمار.
ما قاله وزير التخطيط عبدالكريم الأرحبي أثناء المؤتمر الصحفي والذي خصص للإعلان عن مؤتمر الفرص في بيروت قبل أيام كان عمومياً، حيث تحدث عن نتائج المؤتمر وما يمكن أن يحدثه من تسريع ودفع لمسيرة التنمية ورفع مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل ومكافحة الفقر دون أن يتحدث عن المناخ والبيئة التي سيتم تهيئتها لهؤلاء المستثمرين الذين ليس في قواميسهم مفردات المغامرة والمجاملة.
الدكتور محمد الميتمي قال لوكالة الأنباء السعودية إن مشكلة الاستثمار في اليمن ليست مشكلة قوانين بالدرجة الأولى وإنما في تنفيذ وتطبيق هذه القوانين لأننا نمتلك قوانين جيدة لكن تنفيذ هذه القوانين هي المشكلة.
ما قاله الميتمي -وهو مدير عام الاتحاد العام للغرف التجارية - و إضافة للمعضلات التي لم يتم بحثها بجدية لتوفير أسس حقيقية لاستقرار اقتصادي يمكن أن يبنى عليه، فإلى اليوم لا يوجد بنك للمعلومات الاقتصادية يمكن أن يوفر المعلومة اللازمة لخدمة القرار الاستثماري بشقيه الرسمي وأولئك الراغبين بالحصول على ما يمكن أن يمثل استبياناً أولياً لاختيار المشروع المناسب.
عوامل القضاء على أي فرص للاستثمار في اليمن ليس هناك من لا يعرفها وعلى كل مستوى ولكن القفز عليها تعتبره السلطة فذلكة وذكاء، إذ لا رؤية ولا إستراتيجية يمكن القول إنه قد تم اعتمادها لتعبيد الطريق للوصول لاستثمار ناجح وآمن في اليمن. أشهر عدة مرت منذ الحديث عن المؤتمر الذي سينعقد في الثاني والعشرين من هذا الشهر ولم تقم الحكومة بفعل جاد لمنع تكرار حوادث الاقتتال ودخول السلاح إلى العاصمة حتى بعد أن أقر مجلس الوزراء تحديد المرافقين لكبار الشخصيات الذي تاه كما تاه قانون حمل السلاح.
الرئيس أعلن إمساكه بملف الاستثمار ولم يحقق ما يمكن اعتباره نقلات نوعية في هذا المجال، إذ مازال النافذون لهم اليد الطولى على الأرض والسلطة غير قادرة على تنفيذ القانون وكبح جماحهم مع ما في ذلك من تحد لإرادة الرئيس في إنجاح عملية الاستثمار الذي له مقومات لا يمكن أن ينجح بدون وجودها.
http://www.alwasat-ye.net/modules.php?n ... e&sid=4043