في معاني إستشهاد الإمام الحسين

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
عبدالله الحسني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 149
اشترك في: السبت فبراير 28, 2004 8:53 pm

في معاني إستشهاد الإمام الحسين

مشاركة بواسطة عبدالله الحسني »

في معاني إستشهاد الإمام الحسين

محمد السماك

قبل الحديث عن المعاني الروحية والإيمانية في إحياء أيام عاشوراء، وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة التي يمر بها المسلمون في لبنان وعلى مدى العالم الإسلامي كله، اسمحوا لي بأن استشهد بالمرجع التاريخي التالي: في عام 1856 وجّه القنصل الفرنسي في بيروت المسيو بلونش مذكرة الى وزير خارجية بلاده قال فيها: "الحقيقة الكبرى والابرز التي تحضر اثناء دراسة هذه البلدان هي المكانة التي يحتلها الفكر الديني في اذهان الناس، والسلطة العليا التي يشكلها في حياتهم· فالدين يظهر حيث كان، وهو بارز في كل المجتمع الشرقي، في الاخلاق وفي اللغة والادب وفي المؤسسات·· وترى أثره في كل الابواب·· الشرقي لا ينتمي الى وطن حيث ولد، الشرقي ليس له وطن، والفكرة المعبرة عن هذه الكلمة، اي عن كلمة وطن، او بالاحرى عن الشعور الذي توقظه، غير موجودة في ذهنه، فالشرقي متعلق بدينه كتعلقنا نحن بوطننا· وأمة الرجل الشرقي هي مجموعة الافراد الذين يعتنقون المذهب الذي يعتنقه هو، والذين يمارسون الشعائر ذاتها، وكل شخص آخر بالنسبة له هو غريب···"· لقد تعمدت ان استهل حديثي اليكم بهذا النص المترجم عن الوثائق الرسمية الدبلوماسية الفرنسية لأطرح التساؤلات التالية: هل ان هذا التصوير لمجتمعاتنا الشرقية هو تصوير صحيح؟ إذا كان صحيحاً في السابق، كما اعتقد، هل تغيّر الآن؟ إذا لم يتغير، اي اذا كان ثابتاً في بنية المجتمعات الشرقية، كيف نجعل منه عامل توحيد لا عامل خلاف؟ إن الاختلافات التي تمزق العراق اليوم والتي تهدد غيره من الدول العربية بالتمزق ايضاً، لا علاقة لها بالاجتهادات الفقهية، علماً بأن اب الفقهاء جميعاً كان الإمام جعفر رضي الله عنه· وهي ليست خلافات حول اي الخلفاء كان اولى بأن يتقدم· كما انها ليست صورة مستحدثة عن الصراع الاموي - العباسي· ولا حتى عن الخلاف الصفوي - العثماني· ليس للدين ولا للاجتهاد الديني اي علاقة بمشروع الفتنة التي ينفخون في رمادها، هناك صراع دولي، وهناك صراع اقليمي· وهناك قوى محلية مرتبطة بقوى الصراعين الدولي والاقليمي· ومن مستلزمات التفجير المطلوب صبّ زيت الاختلافات المذهبية على نار هذا الصراع السياسي، وهي عملية تعتمد اساساً على الخلفية الثقافية والتربوية في المجتمعات الشرقية التي لفتت انتباه القنصل الفرنسي في بيروت قبل 134 عاماً· من هنا أهمية الدروس التي يجب ان نستلهمها في ذكرى عاشوراء ومن سيرة سيد الشهداء الإمام الحسين· ففي مثل هذه الايام من شهر محرم، يستعيد المسلمون، كل المسلمين واقعة استشهاد الامام الحسين بن علي عليهما سلام الله· ولكن المسلمين، كل المسلمين، ينسون او يتناسون، يعرفون او يتجاهلون، ان هذه الايام شهدت ايضاً واقعة تقرير مصير الامة الاسلامية ووحدتها· وإذا كان الامام الحسين حياً يرزق عند ربه، فلا حياة للامة الاسلامية اذا استمرت في إغماض عينيها عن دروس وعِبر تلك المأساة المفجعة، وإذا استمرت في التعامل معها وكأنها وقعت بالامس، او كأنها تخص مسلمين دون مسلمين آخرين· أو ان مسؤوليتها تحملها فئة منهم دون اخرى· إن العالم الاسلامي جيلاً بعد جيل، لا يستطيع ان يستوعب كيف حدث ما حدث في كربلاء· كيف خرج مسلمون عن الولاء لأمير المؤمنين· وكيف امتدت يد بالسيف لتقطع رأس حفيد رسول الله، وأحب الناس اليه· وفي هذه الذكرى التي تدمي قلب كل مسلم وكل انسان، لا بد للمسلمين من ان يتساءلوا عن معنى احتضان الرسول للحسين يوم مولده، وعن مبادرة النبي الكريم الى الآذان في اذنه كما يؤذن للصلاة· إذ بهذه المبادرة - كما يقول العلامة الراحل الشيخ عبد الله العلايلي - "أفرغ النبي بعضاً من روحه في سريرة الفتى المبارك والمختار ليعطي بعضاً من النبوة في بعض من اعمال الناس"· وهكذا يبقى الآذان النبوي في أذن الفتى نشيد الإنشاد في قلبه· ونغماً محمدياً حياً ملهماً، وتكليفاً ايحائياً مباشراً بحمل مشعل التقوى والهداية والحق· ولا بد للمسلمين جميعاً ان يتساءلوا ايضاً عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "حسين مني وأنا من حسين"· انه قول رؤي· ربما يكون الله قد كشف عن بصيرة رسوله، وأراه صورة تلك الواقعة المأسوية التي نزلت بأمته فيما بعد· وربما جاء قوله تحذيراً للقتلة لتجنب الفتنة·· او ادانة مسبقة لهم· فعندما يقول الرسول عن الحسين هو مني وأنا منه فإن ذلك لا يقتصر على علاقة الدم فقط· انه يعني ايضاً ان اليد التي تمتد اليه بسوء كأنها تمتد إليّ"، وإن الاذى الذي يصيبه يصيبني معه· وبالتالي فإن عقاب صاحب هذه اليد عند الله سيكون في حجم هذا الأذى· نستنتج من ذلك ان جريمة كربلاء لم تِرتكب بحق الحسين سلام الله عليه شخصاً وموقفاً فقط، ولكنها ارتِكبت بحق النبي صلى الله عليه وآله، وبحق دعوته الى الله· وبحق أمته كلها· ولا بد للمسلمين جميعاً ان يتساءلوا كذلك عن معنى استشهاد الحسين مظلوماً، رغم المظلة النبوية الشريفة التي ظللته منذ يوم ولادته والتي رافقته حتى واقعة كربلاء، سواء من خلال رمزية الآذان النبوي في أذنه، أو من خلال الدم المحمدي الذي يجري في عروقه· من هنا، فإن واقعة كربلاء المأساوية المحفورة في ضمير كل مسلم مؤمن تستمد اهميتها من امرين اساسيين· يتمثل الامر الاول في ذلك الإيمان القوي بالله سبحانه وتعالى، ذلك الإيمان الذي كان الحافز والاساس للإمام الحسين في معركة كربلاء التي استُدرج اليها واستُفرد وغُدر فيها· ويتمثل الامر الثاني في تلك الوحشية التي تجسدت في قتل الإمام والتمثيل بجسده الطاهر· والتي كان السعي وراء السلطة واستلابها الحافز الوحيد للذين استباحوا دمه الطاهر· كانت كربلاء معركة بين اعلى درجات الطهارة والصدق والايمان بالله، وبين أدنى درجات الجحود والتنكّر للشرعية والانتهاك للمقدسات في مقدمتها وحدة المسلمين· مع ذلك، فإنه خلافاً لكل معارك التاريخ فإن المنتصر في تلك المعركة خرج منها مهزوماً· والضحية منتصراً·· يكرس انتصاره جيلاً بعد جيل جميع المؤمنين بالله وبرسوله وبرسالته في مشارق الارض ومغاربها وحتى قيام الساعة· بل ويكرسه جميع المؤمنين بالعدالة والحق· إلا أن المهزوم لم يكن وحدة الامة الاسلامية· ويجب أن لا يكون· كان المهزوم هو الخارج على هذه الوحدة والمتنكر لشرعيتها· من هنا فإن الانتصار للإمام الحسين اليوم، والانتصار له في الغد، يكون بالانتصار لوحدة الامة ولشرعها ولشرعيتها· ويكون بالترفّع عن الانقسامات والتفسخات المذهبية· لقد انتصر المظلوم المستفرد لانه كان على حق· وانتصاره لم يتكرس في المعركة، ولا في استرجاعه الحكم والخلافة، وإنما تكرّس في ضمائر المؤمنين وأفئدتهم وفي ثقافتهم الدينية· فتتحوّل بثورته الاستشهادية الى قدوة والى مثلٍ أعلى في الوفاء لما جاء به جده صلى الله عليه وآله، وفي السير على النهج الذي رسمه في الرسالة السماوية التي حملها الى الناس أجمعين· ولذلك فإن ذكرى استشهاده تشكل، ويجب ان تشكل، مناسبة لترسيخ الوحدة الاسلامية على قاعدتي الالتزام بهذه الرسالة وبمحبة آل بيت رسول الله عليهم الصلاة والسلام· ولكن لا استفراد بالالتزام· ولا استفراد بالمحبة· ولا استفراد بالوفاء· فالمسلمون جميعاً ملتزمون بالرسالة وبمحبة آل بيت رسول الله وبالوفاء للهدف الاسمى والانبل الذي استشهد الامام الحسين من اجله وفي سبيله· ذلك أن الإمام الحسين عليه السلام ما خاض المعركة من اجل فئة من المسلمين، إنما خاضها وضحى بحياته من اجل الإسلام ديناً وعقيدة ورسالة ونهجاً· وتالياً من أجل المسلمين جميعاً· إن إعادة قراءة اسباب ونتائج المحنة الاسلامية الكبرى انطلاقاً من الثوابت الإيمانية الواحدة هي اليوم اشد ضرورة من اي وقت مضى في تاريخ المحن المتلاحقة التي عصفت والتي تعصف بالمسلمين في مشارق الارض ومغاربها· فالاجتهاد الفقهي ليس انقساماً دينياً ولا عنصرياً· وليس صراعاً سياسياً ولا قبلياً· والذين يعملون على شق صف الامة لا ينتصرون لفريق على آخر إنما يعملون على تجزئة الامة الى فرقاء استضعافاً لها وتنكيلاً بها، وتعطيلاً لدور الاسلام كرسالة محبة وسلام للعالم اجمع· تعرفون ان ثمة مشروعاً لصناعة شرق اوسط جديد ينطلق من خلق حالة من الفوضى في المنطقة تكون اساساً لإعادة رسم خريطتها السياسية على قاعدة الدويلات الطائفية والمذهبية والعنصرية· وهو مشروع وضع خطوطه الاولى برنارد لويس المفكر اليهودي الاميركي ونُـــشر في عام 1979 في نشــرة محدودة التوزيع تدعى American Strategic Survey تصدر عن البنتاغون - ثم اعتمدتها اسرائيل لتكون عنوان استراتيجيتها في الثمانينات من القرن العشرين، ونُشرت في مجلة ايغونيم الاسرائيلية صيف 1980 · من هنا فإن ضرب الوحدات الوطنية في الدول العربية والاسلامية التي يشملها المشروع كان الوسيلة التي لا بد منها لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي· وبما ان العراق من حيث الموقع الجغرافي ومن حيث التكوين البشري يشكل مدخلاً عريضاً للمشروع، كان لا بد من ضرب وحدته الوطنية، وقبل العراق استخدم لبنان كبوابة تنفيذية لهذا المشروع في عام 1982، وقبل هذا العام وبعده· ولكن لبنان استعصى بوحدته الوطنية ولا يزال يستعصي على هذا المشروع رغم كل المخاطر التي تحيط به متسلحاً بقدر عالٍ من الوعي وثقافة الوحدة· وأود أن أشير بهذه المناسبة إلى انه بتاريخ 12 تموز الماضي، اي يوم العدوان الاسرائيلي الوحشي على لبنان، كان من المقرر عقد قمة اسلامية في دار الفتوى في بيروت تضم الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة وسماحة الشيخين الجليلين الإمام عبد الامير قبلان والمفتي محمد رشيد قباني· وكان للقمة هدف واحد· وهو توجيه دعوة الى القيادات الروحية والوطنية في العراق الشقيق لعقد مؤتمر في بيروت، يكون على غرار مؤتمر الطائف 1989 الذي انبثقت عنه التسوية اللبنانية· وذلك للاتفاق على تسوية للازمة في العراق على قاعدة الاخوة الاسلامية والوحدة الوطنية بين الجماعات المتعددة التي يتألف منها المجتمع العراقي· وقد أٌُعد البيان الذي كان مقرراً ان يصدر عن هذه القمة الاسلامية اللبنانية ووافق عليه القياديون الاربعة· ولكن العدوان الاسرائيلي حل قبل نصف ساعة فقط من الموعد المقرر، دون انعقاد القمة، مما ادى الى إجهاض تلك المبادرة· لقد كان لبنان دائماً سباقاًِ الى المبادرات الوفاقية والتوفيقية انسجاماً مع رسالته ومع دوره الاسلامي والوطني· وعندما كانت تقع حوادث عنف مذهبية في الباكستان مثلاً، كانت دار الفتوى والمجلس الاسلامي الشيعي يبادران معاً ليس فقط الى التنديد العلني بتلك الحوادث، بل الى المبادرة باتجاه القيادات الروحية الاسلامية الشيعية والسنية في باكستان من اجل درء الفتنة على قاعدة "إنما المؤمنون اخوة" وان "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"· وعلى الرغم من كل الاهتزازات التي تصيب مجتمعنا الاسلامي اليوم، فما زلنا بحمد الله قادرين على اداء هذا الدور الذي نمارس من خلاله واجبنا الإيماني وندافع من خلال هذه الممارسة عن وحدة مجتمعنا وسلامة وطننا· لا يستطيع العالم الاسلامي ان يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين وهو منقسم على خلفية صراع وقبل خمسة عشر قرناً· وهو صراع لا يختلف اثنان حول وحشية الجريمة المدانة التي ارتُكبت، ولا حول عدالة القضية التي كان الامام الشهيد يدافع عنها· اننا نحتاج اليوم الى الوحدة وليس الى الخلاف· لنترك الحكم لله: "الله يحكم بينكم يوم القيامة في ما كنتم فيه تختلفون" (الحج - 69)· ولنكفّ عن محاكمة بعضنا بعضاً· ولنتوقف عن ممارسة دور لا حق لنا به أساساً وهو دور الديان الذي يحكم على الناس بالكفر او بالايمان فكيف يعقل ان يُتهم بالكفر من يشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله· ولنتصرف كبشر خطائين مستغفرين تائبين لله وحده، ولنعمل بقوله عزّ وجلّ:" "ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم في ما كنتم فيه تختلفون" (آل عمران - 55)· لنرتفع في توادنا وتراحمنا الى مستوى المؤمنين المتكاملين في جسد واحد· لنتوّج شهادة الحسين بالوحدة التي استشهد في سبيلها· لنتعلم الايثار حتى بالنفس من أجل وحدة الامة على تعدّد مذاهبها كما ضننا بالانفس من اجل تحرير ارضنا من دنس الاحتلال الاسرائيلي· لنفتح قلوبنا وعقولنا امام حقائق الحياة وتحدياتها· فالعدو معروف وهو على بعد مسافة قصيرة من هنا، فلنعمل معاً على تعطيل مؤامراته بالمزيد من الوحدة والتضامن على قاعدة الاعتصام بحبل الله والاقتداء بسنة نبيه وبسيرة سيد الشهداء وإمامهم الإمام الحسين رضي الله عنه·

(نقلاً عن صحيفة اللواء اللبنانية – الأثنين 29/1/2007)

· الدكتور محمد السماك أمين عام اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار في لبنان

http://www.aliwaa.com/default.aspx?NewsID=36457
ياليتَ شعري، ما يكون’ جوابهمْ حين الخلائقِ لِلْحساب ’تساق’...!
حين الخصيم’ "محمدُ"، وشهوده أهل السّما ، والحاكم’ الخلاّق ..! ؟

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“