مارتن لوثر كينج: ذكرى وعبرة وتساؤلات
25/01/2007 )
د. محمد أمين الميداني*
يحيي الشعب الأمريكي في ثالث يوم أثنين من الشهر الأول من كل عام ذكرى ولادة صاحب المقولة الشهيرة: "أنا حلم"، والتي قالها في تجمع كبير لأنصاره وللمطالبين بالحقوق المدنية للزنوج بمدينة واشنطن في 28/8/1963. وأقصد به القس الدكتور مارتن لوثر كينج، الذي كرر في خطابه نفس الجملة مضيفا: "إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم
ولد مارتن لوثر كينج في مدينة (أتلانتا) بولاية جورجيا الأمريكية في 15/1/1929. وكان والده قسا. ولعل هذا ما شجعه لدخول معهد اللاهوت في (أتلانتا) بعد أن أتم دراسته الثانوية عام 1944، ليتخرج بعد ثلاث سنوات متخصصا بالوعظ، كما حصل في عام 1948 على شهادة الاختصاص في علم الاجتماع، وحصل أخيرا على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوسطن. وتزوج عام 1953، ورزق بأربعة أولاد.
وكان كينج على موعد مع مسيرته وقدره حين تم تعينه في 31/10/1954 قسا بمدينة (مونتغمري) بولاية (ألاباما) التي عاشت في عام 1955 "أزمة الحافلات". فقانون هذه الولاية يحرم الأمريكيون-الأفارقة من الجلوس في الأماكن المخصصة للبيض في الحافلات، وحدث أن رفضت الخياطة الأمريكية-الإفريقية (روزا باركس)، والتي ماتت غير بعيد في 24/10/2005 بمدينة (ديترويت) بولاية ميشيغان، ترك مقعدها في إحدى الحافلات لرجل أبيض، فقامت الشرطة باعتقالها. وكانت هذه هي الشرارة التي أشعلت حملة "مقاطعة الحافلات في مونتغمري"، وامتنع الأمريكيون-الأفارقة عن استخدام الحافلات التي تطبق هذا التمييز العنصري. وتزعم كينج هذه الحملة ورأس المنظمة التي نظمت المقاطعة. وكانت هذه أولى خطوات كينج على المسرح القومي الأمريكي، والمسرح الدولي كواحد من المدافعين عن الحقوق المدنية للأمريكيين-الأفارقة في العقدين الخامس والسادس من القرن الفائت، وكواعظ ناجح، وخطيب مفوه، وكمنظم بارع، ومناضل لا يكلل ولا يمل في التنديد بالتمييز العنصري وبخاصة في الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة. كما برز كينج لاحقا في الحياة السياسية الأمريكية بفضل ما صدر عن المحاكم الفيدرالية الأمريكية التي اعتمدت على قرار المحكمة الأميركية العليا في قضية (براون ضد مجلس التعليم)، والتي قررت بأن قانون الفصل العنصري في الحافلات يخالف الدستور الأمريكي.
وكان نهج السلم دافعا لكينج لزيارة الهند في عام 1959، للوقوف عن كثب على حياة المهاتما (غاندي) والتعرف على تعاليمه، ولمس آثار نضاله السلمي. ويعتبر غاندي "الأب السياسي الروحي" لكينج كما قالت زوجته في حديثها عن زوجها.
واختارت مجلة (تايم) الأمريكية كينج في عام 1963 "رجل العام" تكريما لجهوده، وليكون بذلك أول أمريكي-إفريقي يحصل على هذا اللقب، وينال هذا التكريم. كما كرمته، وفي نفس العام، أكاديمية (أوسلو)، ومنحته جائزة نوبل للسلام لنضاله وجهوده التي اتصفت بالبعد عن العنف ولمطالبته بالسلام، وليكون بذلك أصغر رجل في التاريخ يتم منحه هذه الجائزة، وكان عمره آنذاك 35 عاما. ولم ينس المناضل والرئيس الإفريقي (نلسون مانديلا) أن يشيد بجهود كينج حين تسلم بدوره جائزة نوبل للسلام عام 1993.
كانت حياة كينج وعائلته محفوفة بالمخاطر والتهديد بالقتل ومحاولات الاغتيال، على الرغم من كل هذا التكريم الوطني والعالمي لجهوده ونضاله المسالم. فقد ألقيت قنبلة على منزله أثناء مشاركته في 30/1/1963 باجتماع عام كان يخطب فيه. وكادت القنبلة أن تقتل زوجته وابنه. وكانت هذه محاولة من قبل أعدائه لوقف حملة مقاطعة الحافلات التي كان يقودها كينج ومنظمته. ولم تؤثر هذه الحادثة على قناعاته، وإيمانه باللاعنف كأسلوب للكفاح وطريق للنضال ومنهج للمطالبة بحقوق الأمريكيين-الأفارقة في الولايات المتحدة، في الوقت الذي يفترض فيه بأنهم تحرروا منذ أن أصدر الرئيس الأمريكي (أبراهام لينكولن) (إعلان تحرير العبيد) في عام 1862، ومنذ أن انتصرت الولايات الأمريكية الشمالية على الولايات الجنوبية في الحرب الأهلية الأمريكية التي امتدت من 1861 إلى 1865.
ويعتبر "مرسوم الحقوق المدنية لعام 1964" الذي وقعه الرئيس الأمريكي (ليندون جونسون)، الذي أصبح لاحقا قانونا ساري المفعول اعتبارا من 2/5/1964، واحدا من نتائج جهود كينج السلمية وحشده في 28/8/1963 لمظاهره جمعت لا يقل عن ربع مليون متظاهر سارت في شوارع العاصمة الأمريكية واشنطن، وتوقفت عند النصب التذكاري للرئيس (أبراهام لنكولن)، وقال كينج يومها قولته الشهيرة: "أنا أحلم". وجاء لاحقا "مرسوم حقوق الاقتراع" والذي أصبح قانونا في 6/8/1965، شاهدا آخرا على جهود ونشاطات كينج وأنصاره ومؤيديه في مختلف الولايات الأمريكية، وكنتيجة عملية لأسلوبه السلمي وابتعاده ومريديه عن العنف في أثناء المسيرة السلمية التي سارت في شوارع (سلما) بولاية (ألاباما)، والتي قابلتها شرطة هذه المدينة بالعنف ضد المتظاهرين.
ولكن لا يكتمل الحديث عن كينج دون الإشارة إلى جملة استوقفتني مطولا في كتاب مذكرات إدوارد سعيد (خارج المكان)، الصادر عن دار الآداب ببيروت في عام 2000. فقد عبر سعيد عن استغرابه من عدم اهتمام كينج بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وموقفه من حرب حزيران/يونيو 1967، فكتب: "يصح الأمر ذاته على مارتن لوثر كينج (يقصد قضية اللاجئين الفلسطينيين)، الذي حملت له إعجابا حقيقيا ولكنني لم أستطع أن أسبر أغوار حرارة حماسة لانتصار إسرائيل في حرب 1967، ولم أغفر له" (ص 182).
ونتساءل بدورنا عن أسباب تجاهل رجل سلام مثل كينج قضية اللاجئين الفلسطينيين ومعاناتهم، وفرحته بانتصار إسرائيل وما تمخض عنه آنذاك من احتلال لأراض ثلاث بلدان عربية؟ لعل الفرصة لم تتح له لشرح مواقفه من هذه القضية أو تلك الحرب، لأن يد الغدر والقتل اغتالته بعد أقل من عام على هذه الحرب، حين أطلق النار عليه (جيمس إرال راي) في 4/4/1968، حين كان كينج في مدينة (منفيس) بولاية (تنسي)، يساند عمال القمامة في إضرابهم عن العمل، ليغيبه الموت قبل أن يكمل العقد الرابع من عمره.
ويوجد اليوم في مدينة (أتلانتا) (مركز كينج) كواحد من معالم المدينة. ويتابع هذا المركز رسالة كينج في محاربة الفصل العنصري، وتعزيز الحقوق، والتأكد على المساواة بغض النظر عن أي شكل من أشكال التمييز.
* كاتب وأكاديمي سوري يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.
عن الشورى نت
مارتن لوثر كينج: ذكرى وعبرة وتساؤلات
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 404
- اشترك في: الجمعة مارس 19, 2004 11:48 pm
- مكان: النهرين
مارتن لوثر كينج: ذكرى وعبرة وتساؤلات
عسى مشربٌ يصفو فتروى ظميةٌ *** أطال صداها المنهل المتكدرُ

كنت و لا أزال من أشد المعجبين بذلك الزعيم الأسود.
أعتقد أن مقولته المشهورة هي: "لدي حلم" و ليست " أنا حلم"
لأنها ترجمة ل: I have a dream
وهذا رابط لفيديو يعرض ذلك الخطاب المشهور:
http://video.google.com/videoplay?docid ... uther+king
تحياتي

-
- مشرفين مجالس آل محمد (ع)
- مشاركات: 1642
- اشترك في: الأحد يناير 18, 2004 6:14 am
- مكان: هُنــــاك