عبدالفتاح الحكيمي
( 11/11/2006 )

لم أكن ارغب في التعليق على كتاب (التمرد الشيعي في اليمن) الذي أصدره الأخ عادل الأحمدي هذا العام وفيه يقدم الكاتب الشاب رؤيته الشخصية لما سمي بـ(حروب صعدة) الأخيرة وتاريخ الشيعة في اليمن بمرجعية عقائديةقللت من أهمية الكتاب وأخرجت صاحبه من دائرة القراءة المحايدة للإحداث والوقائع الخطيرة كما حدثت وليست كما يريد لها الكاتب أن تكون في ذهنه وتصوراته الخاصة الجاهزة.
بصر ف النظر عن انتماء أصحاب الحق في قضية صعدة لمذهب التشيع الزيدي او الاثني عشري او الجعفري، فما حصل لهؤلاء خلال العامين والنصف الماضية من ظلم ومذابح يندى لها الجبين تفترض معها من كل مسلم او حتى كافر نصرتهم ومؤازرتهم بالحق، والأخذ على يد الظالم.. فتلك حدود الشرع في كتاب الله وسنة رسوله وما سوف نسأل عنه أمام الله يوم القيامة، اما اخذ الناس وذبحهم وشن حرب عليهم وتشريدهم لارضاء الخارج او نزوة الحكام على ذمة معتقداتهم ومذاهبهم، فجريمة ينكرها كل صاحب عقل ودين ومن له قلب سليم.
(اجتهاد في القتل)
تماهى عادل الاحمدي بكل موهبته المتميزة مع خطاب السلطة الاعلامي في تبرير شن الحرب على العلامة حسين الحوثي وانصاره في 18 يونيو 2004م ومن بعده والده في 27 مارس 2005م، وهو يعلم جيداً ان موقف السلطة من الحرب الآن قد تغير، وتبحث لنفسها عن مخرج من ورطة صعدة، تماماً مثلما يحصل مع كل مستكبر حين يعض على أصابع الندم ليس توبة خالصة الى الله تعالى بل لا تود رؤية جرح كبريائها اكثر من اللازم فقط.
والشاهد ما وجدنا عليه مثلا وضع الامريكان في العراق، فالشياطين والمنافقين بعضهم من بعض يا اخي عادل، فلا يوجد شيطان يمني واخر امريكي، وماتدل عليه تجربة السلطة في حروب صعدة المتكررة منذ يونيو 2004 ومارس 2005م، وما تلاها الى منتصف 2006م والمؤجل ايضا تؤكد بحثها عن مخرج لمأزقها، وان صدور كتاب ينفخ في رماد العنتريات يضع السلطة في حرج لا طاقة لها بما ينتظرها من مآلات.
والحقيقة انني ترددت كثيراً في التعليق على الكتاب لولا انني وجدته ضمن نهج دعائي جديد ابتدعته السلطة مؤخراً يمجد الحروب الداخلية ويكرس للظلم على حساب الحق واهله، وهو الاصدار الثاني بحسب متابعاتي خلال هذا العام يؤرخ لما تعتبره السلطة غزوات وفتوحات مباركة لدولة الإسلام والمسلمين في اليمن على ديار الكفار والمشركين في صعدة.
والكتاب الاول لضابط عسكري تناول من طرف واحد وقائع واحداث الحرب الاولى بتركيز اكثر من وجهة نظر عسكرية تبرر فشل السلطة في حسم حربها بالسرعة التي رسمت لها، وتناست عقلية العسكري قدرة الله ودفاعه عن الذين امنوا، لكن ذلك اخف وطأة على النفس من المنهج العقائدي (الإيديولوجي) في كتاب (التمرد الشيعي) الذي نحسب صاحبه على تيار الانفتاح فيتخندق في الثكنات.
ليس تكتيك المعركة العسكري ولا تضاريس المنطقة وقفت دون تمكين جيش عرمرم من هزيمة مائتي شخص فقط دافعوا عن انفسهم باسلحة شخصية وبعض المضادات التقليدية، فالله غالب على امره وجرم الظلم على نفسه، وله جنود السماوات والارض ينصر راية دينه (ان تنصروا الله ينصركم) ولم تتجاوز نصرة الحوثيين (انصار الله) كلمة حق قالوها في وجه الاستكبار بشعارهم المعروف (الله اكبر.. الموت لامريكا.. الموت لاسرائيل).
الكتاب الاول الذي صدر عن الحرب الاولى بمناسبة مايعتقد انه انتصار للسلطة ويدرس فشل التكتيك وتبريره في (مران) لم يخبرنا صاحبه بعد ذلك لماذا تكررت الحرب ثانية وثالثة، فاين التكتيك من حكمة الله وقدرته.
لعل عنوان كتاب الاحمدي (التمرد الشيعي) يكرس في وعي السلطة دون قصد من الكاتب نظرية استهداف الحكم وتهديده والتأمر عليه، وهي الذريعة الكبيرة المطلوبة لاذكاء حرب رابعة، فهناك اطراف داخل السلطة وخارجها تريد التخلص من طرفي الازمة (الحاكم) و(الحوثيين) بذريعة فشل تحقيق الاهداف السابقة، وطرف اخر هم تجار السلاح.
لايمكن غمط المؤلف حقه في قدرته الادبية على حشد التفاصيل وعرضها الموفق (شكلاً) لولا القشرة الإيديولوجية التي عطلت الجهد بالتغني على تاريخ الشيعة والتشيع واقحامه في حدث سياسي معاصر لا علاقة له بالماضي الا من حيث تشابه الاسماء وليس الدلالات والمواقف.
وفي باب الملاحق يقدم الكثير من الوثائق والمراسلات الجديدة عن حرب صعدة وهي اهم مافي الكتاب للباحثين لولا ان الاحمدي يقرأها معكوسة لمضامينها ومسلوخة عن حقيقة ماحدث بالفعل. حتى قال آخر الذين قرأوا الكتاب المذكور ان اليمنيين يجتهدون حتى في مخالفة احكام الله وشريعته في النهي عن قتل النفس التي حرمها الله، واعتبار الخوض في ذلك من باب الاجتهاد مع نصوص قطعية الثوابت والدلالة.
(كذب بواح)
اقحم المؤلف اسمي في كتابه عنوة للاستدلال على مازعمه هو بطلان صحة اخبار الجرائم التي اقترفها السلطة في حربي صعدة الاولى والثانية، وذكر انني قد تراجعت امامه عن مانشرته شخصياً في صحيفة (الشورى) من معلومات موثقة عن بعض تلك الجرائم، فيذكر في صفحة (166) من الكتاب ما نصه (هذا وقد التقيت الزميل عبدالفتاح الحكيمي في مقر نقابة الصحفيين (ويعرف هو انني من أشد المعجبين بقلمه) وسألته عن مصادر تلك المعلومات التي ثبت عدم صحتها، خصوصا وانه كان يكتب مقالاته من مقر اقامته بعدن أقصى جنوب اليمن ويورد بيانات عن معركة تدور في صعدة اقصى شمال اليمن، فاجابني بما يفيد الاقرار بعدم تأكده من دقة مااورده (أ.هـ).
لم يحدث انني قد نفيت امام الاحمدي اوغيره ولم اقر بعدم صحة تلك الوقائع الاليمة التي هي جريمة بامتياز، واذا اراد الكاتب التوثيق فعلاً لتلك الجرائم كما حدثت عليه التحري في منطقة الاحداث نفسها التي اقام فيها قرابة اسبوع بحسب روايته ذلك مقتضى كتابة التحقيق التاريخي او العسكري لا التشكيك بجهود الاخرين، استنكر الكاتب ايضاً في معرض تبرئته للسلطة مما حدث كيف بمقدور شخص يقيم في عدن مثلي التعرف على تفاصيل مايدور في صعدة للاستدلال بذلك على بطلان مانشرته في الشورى من فضائع مريعة ضد الابرياء في صعدة، وانا استنكر علي الاحمدي ايضاً كيف انه ذهب الى صعدة ولم يفهم شيئاً مما يدور حوله او تغاضى متعمداً عن ذلك، فالكاتب لا يجهل كيف ان وكالات اخبار في امريكا او بريطانيا تتلقى رسائل اخبارية مصورة او صوتية او معلومة بالهاتف وبرقية بـ(التاكرز) من اليمن او الصومال من مصادر على الارض، فكيف يستحيل على صحفي في اليمن متابعة ما يدور في بلاده.
لاادعي لنفسي سبق نشر بعض جرائم حرب صعدة، وبعض ما نشرته في صحيفة الشورت عن (يوميات القتل والعقاب الجماعي) في 21 ابريل 2005م قد ورد بعد ذلك باكثر من شهر على لسان صحفي وشاهد عيان على واحدة من ابشع جرائم التمثيل بالجثث في شوارع صعدة، فالزميل محمد القيري نشر شهادته التاريخية في صحيفة (الوسط) اذ يقول في شهادته بالنص: (عدت الى مكان الجثث عند الساعة الثالثة عصراً، واذا بسيارة عسكرية شبيهة بالتي ينقل عليها المسجونون الى المحاكم تقف بجانب الجثث، وقد تولى جنود من الجيش ربطها الى مؤخرة السيارة، ثم تحركت السيارة وبدأ سحب الجثث في الشارع) أ. هـ.
تلك لقطة صغيرة فقط لشهادة القيري على احدى الجرائم فكيف اكون انا الذي اقيم في عدن جنوب البلاد قد سبقته في نشر مضمون الخبر باكثر من شهر، ولاتربطني بالرجل الى اليوم علاقة او معرفة شخصية حتى لاتلصق به تهمة هو في غنى عنها، وهذه هي الحقيقة بدون رتوش.
الحقيقة الاخرى ان بعض تلك الاخبار ايضاً تفرد بها موقع سبتمبر نت الاليكتروني من باب الزهو الرسمي بقتل الابرياء، ومنها خبر احراق ثمانية من الحوثيين في احدى المزارع الذي نقلته عن الموقع صحيفة الايام عدا مانشره الاستاذ محمد المقالح في صحيفة النداء، فلم افتعل شيئاً من عندي، وبقي لي القليل فقط الذي انفردت به، فهل يجوز التجسس على مصادر الصحفي، اما ان يحمل الاحمدي او غيره سيف الدفاع عن جرائم لم تنكرها السلطة نفسها فالحكم الفصل للقارئ المحايد.
هكذا اذن يتجنى مؤلف كتاب (التمرد الشيعي في اليمن) مرتين، الاولى ادعاؤه على الاخرين بما لم يقولوه او يصدر منه كما حدث ذلك معي وغيري ربما كثر، والثانية انكار حقائق ووقائع معروفة على لسان بعض شهود احداث صعدة مثل القيري فيصبح الكتاب مثل رماد في يوم عاصف..
وإنا لله وإنا إليه راجعون
عبدالفتاح الحكيمي
كاتب صحفي ومحلل سياسي يمني