أسرة الديلمي التي عاشت عيدا مخطوفا.. استنكرت سلطة لم تحترم الدستور ومعارضة اكتفت ببيان
02/11/2006
احمد الزكري وعبدالستار بجاش، نيوزيمن:
زيد وجهاد وزهره وغدير علي الديلمي
جهاد
"جهاد" طفلة لم تتجاوز عمرها العام والنصف كانت أول من قابلني من أبناء علي الديلمي المخطوف من قبل الأمن السياسي منذ التاسع من الشهر الجاري دون أن يعلم أحد من أسرته أين يمضي فترة اختطافه.
جهاد التي قال عمها يحيى الديلمي أن والدها أطلق عليها هذا الاسم لأنها ولدت في فترة جهاده بشأن قضيته (سجن يحيى وحكم عليه بالإعدام بتهمة التخابر مع إيران قبل أن يفرج عنه بقرار من رئيس الجمهورية)، كانت خطواتها الطفولية الأولى حثيثة وكأنها حسبت أنها سترى والدها إلا أنها تراجعت بعض الشيء حين لم تجد مبتغاها.
ما قالته جهاد في نظراتها أفصحت عنه أكثر بكلمات محدودة ومشاعر لا نهائية (غدير) الطفلة المتعبة بسبب إصابتها في صغرها بالحمى الشوكية إذ بمجرد دخولها سألتني أين أبي؟ لتضيف "العيد شوعة وأبي في الحبس".
وبدلا من أن أجيب على تساؤلها سألتها بدوري عمن حبس والدها فقالت "حبسه الرئيس" مطالبة بإعادته لأنها تريد أن تراه، 13 سنة عمر(غدير) لكنها تبدو بسبب مرضها بعمر أختها جهاد وبإحساسها بعمر العالم كله.
زيد الذي لم يتجاوز عمره 9 سنوات ويدرس في الصف الثالث تساءل لماذا حبسوا أبي قائلا "هذا العيد شوعة وأبي غائب عنا" وطالب ببراءة الطفولة بإعادة والده إليه وإلى إخوانه.
منزل بسيط (في حي الطبري بأمانة العاصمة) تقطنه أسرة تقول ملامحها الواضحة للعيان أنها أكثر بساطة وأكثر حزنا لاسيما أيام عيد يلبس فيه الأطفال جديدا مفرحا وارتدت هي فيه قديما محزنا.
أنا حزينة على غياب أبي وخائفة عليه من سجنه قالتها ابنته زهرة (10 سنوات) وأردفت لو لقيته قل له "إنني فاقدة له ومشتاقة وأريد أن أطمئن عليه"، وتساءلت زهرة التي تدرس في الصف الرابع "لماذا حبسوا عمي يحيى ثم حبسوا أبي ما الذي يريدونه من أسرة الديلمي؟".
حسين الديلمي والد المختطف علي الديلمي لم يستطع البقاء في البيت الذي يقطن فيه معه ابنه ففضل نقل أحزانه وأوجاعه هو وأم علي إلى قريتهم في بني حشيش ليواري هناك خشيته من أن يتعرض ابن آخر للخطف بعد الذي جرى ليحيى ثم لعلي.
علي الديلمي هو الذي أنعش العيد في الأسرة في فترة غياب يحيى، إلا أن هذا العيد كما يقول أخوه (حسن) كان موحشا بسبب غيابه بصورة مجهولة حيث لا أحد يعلم أين هو رغم معرفة من قام باختطافه رسميا من مطار صنعاء، ويضيف شقيقه الآخر "محمد" الموظف في هيئة النفط أنه أصيب بالذعر حين علم باختطاف أخيه وقضى عيدا موحشا تذكر فيه كل ما حدث سابقا لشقيقه يحيى.
الناشط الحقوقي علي الديلمي عضو سكرتارية منظمة الإئتلاف المدني، المدير التنفيذي لمنظمة الدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية وعضو الأمانة العامة لاتحاد القوى الشعبية اقتاده الأمن السياسي من مطار صنعاء الدولي دون أي مذكرة إحضار بينما كان متجها ضمن وفد منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية إلى العاصمة الدانمركية كوبنهاجن لحضور برنامج الشراكة لمنظمات حقوق الإنسان، ولاتزال أسرته حتى اللحظة تجهل مصيره.
مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان التابع للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (بجنيف) والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (باريس)، ومنظمة العفو الدولية وائتلاف منظمات المجتمع المدني وأحزاب المشترك ومنظمات أخرى جميعهم أدانوا اعتقال الديلمي وطالبو بالكشف عن مكان اعتقاله والإفراج عنه ولم تجد تلك الدعوات صدى.
يحيى الديلمي الذي اعتقل في وقت سابق وحكم عليه بالإعدام ثم العفو قال إن شقيقه علي معروف عنه حبه للناس وسعيه للدفاع عن حقوقهم وحريتهم بالطرق السلمية.
لعلي إضافة إلى زيد وزهرة وغدير ولد سمي (حسين) توفي قبل عامين بعد أن بلغ الأربع سنوات وهو حزين عليه لا يزال كما قال يحيى وقلق أكثر على (غدير) التي أضرت بها الحمى الشوكية، والتي تبدو أكثر أولاده تعلقا به، ولا شيء لديها ولدى والدتها أثناء غيابه إلا البكاء الذي يزيدهما حزنا.
ويضيف: الأسرة بكاملها تعيش حالة رعب وفزع فلا أحد يعرف أين هو، وماذا يأكل أو يشرب وهل يلبس مثل بقية الناس أم لا؟.
والأهم كما يقول يحيى ما الذي يريدونه من إنسان كل همه الدفاع عن حقوق الناس، ويعتبر يحيى اختطاف أخيه دليلا على عدم تقبل الدولة للديمقراطية وعدم احترامها للدستور والقانون ولم يستبعد اختطافه بسبب نشاطه في المجال الحقوقي وانتمائه الحزبي لاتحاد القوى الشعبية أحد أحزاب اللقاء المشترك رغم أنها أحزاب معترف بها رسميا وتمارس نشاطها علنيا بالطرق المشروعة.
وأبدى يحيى مخاوفه من أن يستخدم ضد شقيقه ملف شخص يقال أن اسمه علي الديلمي وهو شقيق محمد الديلمي الذي قتل مع فواز الربيعي مؤخرا، وهو من المتهمين بالانتماء للقاعدة.
وحسب مصدر خاص فقد علم "نيوزيمن" أن قيادة عليا أبلغت أسرة الديلمي أنه سيتم "الإفراج عن ابنها قريبا"، وأبلغ المسئول الكبير أحد الشخصيات العلمية القريبة من أسرة الديلمي أنه اعتقل "فعلا بسبب تشابه الأسماء بينه وبين منتمين للقاعدة". غير أن المدة "طالت ولم يحدث شيء".
وحسب جمال الجعبي وهو محامي الديلمي فإنهم يتواصلون مع النائب العام لمعرفة الجديد في القضية، وأنه يعدهم بالرد خلال "يومين"، غير أن اليومين لم تنتهيا حتى الآن.
الجعبي قال إن المعلومات تؤكد اعتقال الديلمي في الأمن السياسي لكن الأخير ينفي وجوده، وهذا الإنكار سبب قلقا لدى أسرة ومحامي الديلمي.
وباءت كل المحاولات المتكررة لـ"نيوزيمن" للحصول على رأي رسمي تجاه القضية بالفشل.
وفيما قال مكتب وزير الداخلية أن موضوع الديلمي تسلمته النيابة، وقال مكتب النائب العام أنه لدى النيابة المتخصصة، اكتفى رئيس النيابة الجزائية المتخصصة سعيد العاقل بالرد الصارم بـ"لاتعليق"، وكلما كرر له السؤال بصيغ مختلفة منها عن حكم القانون قال العاقل أنه "لاتعليق".
المحامي محمد ناجي علاو رئيس منظمة هود للدفاع عن الحقوق والحريات قال لـ"نيوزيمن" إن قضية إخفاء الديلمي "من الجرائم الجسيمة" ومن الجرائم "ضد الإنسانية"، باعتبار الإخفاء القسري لشخص بعد اختطافه من مكان معلوم وهو مطار صنعاء "جريمة دستورية" لأن "الدستور يحرم الاعتقال إلا بأمر من النيابة أو القضاء وعلى أن يبلغ المعتقل بأسباب اعتقاله والأمر الصادر من الجهة المخولة بالاعتقال"، مع توفير "حق الاتصال بأقربائه"، ويمكنوا هم من "زيارته" والحديث معه.
وأضاف علاو أنه "إذا كان هناك تهمة يجب أن يبلغ بها لكي يتمكن من التواصل مع محامية، مؤكدا أن كل هذه "حقوق محمية بنصوص الدستور والقانون اليمني ومواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها اليمن".
وتؤكد أسرة الديلمي أنها ستستمر في المتابعة المضنية لمصير ابنها كمواطن وليس فقط لصلة القرابة.
واشتكى يحيى الديلمي من تعرضه للسب والشتم من قبل مسئولين في الأمن السياسي كما تعرض بسبب ذلك عضو مجلس النواب عضو لجنة الحقوق والحريات أحمد سيف حاشد للاحتجاز لمدة ساعة في الأمن السياسي أثناء مشاركته في اعتصام احتجاجي للمطالبة بالكشف عن مصير علي.
وإذ يشكر يحيى الديلمي -ائتلاف منظمات المجتمع المدني رغم غياب بعضها- على ما قامت به فإنه يعتبر موقف أحزاب اللقاء المشترك "ضعيفا" و"ليس بحجم القضية"، ويقول "اكتفت ببيان لا يؤثر بشيء في واقعنا".
مؤكدا أن "ذلك يؤثر على وجودها إذ كيف سيفكر أحد في الانضمام إلى هذه الأحزاب وهذا موقفها مع قيادي فيها ناهيك عن مواقفها مع الأعضاء غير القياديين".
بقي لـ"نيوزيمن" القول أنه تابع المؤتمر الشعبي العام الذي يحكم اليمن رئاسيا وبرلمانيا ومحليا، لمعرفة مدى اهتمامه بأالمواطن علي الديلمي. وفي آخر المحاولات قال لنا طارق الشامي رئيس دائرة الاعلام أن المؤتمر "مع الشفافية في التعامل مع كافة القضايا الامنية وغير الامنية"، ومع تجنبه الحديث المباشر عن قضية الديلمي -محل البحث- قال الشامي إنه "وفي كل الأحوال يجب أن يكون القضاء هو المرجع في أي جدل حول أي قضية".
http://www.newsyemen.net/view_news.asp? ... 1_02_10600