أمّا عن تعقيبك أستاذي الفاضل عبدالملك العولقي على كلامي :
أضيف إلى قولكم عبارة " وتارة غير محصور بعدد " حتى تكتمل المسألة .
والعقل حاكم بأن قول واحد هو الحق ، ونحن نذهب إلى أن عدد الأئمة مفروضي الطاعة والمنصوص عليهم من رب العزة جل وعلا هم إثناعشر لايزيدون ولا ينقصون ، ولنا أدلتنا على ذلك .
وأنتم أخي الكريم تذهبون إلى عدم حصرهم بعدد معين فهل لديكم دليلاً على ذلك ؟؟؟ .
نعم أخي الفاضل نحن معشر الزيدية ، لم نحصر الإمامة في عدد معين ، بل جعلنا الإمامة قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عَلَيها ، ولنَا الحجّة في ذلك ، إذ لابدُّ لكلِ زمنٍ من فتنة وبدعة وضلالة ، ولابدّ لكل زمنٍ من سفينةٍ كسفينةِ نوحٍ نتعلّق بها ونركبها فننجو ، أو نتركها فنهلك، ولهذه السفينة قبطان وقائدٌ وهو الإمام ، تحْمِلُ هذه السفينة أعدادٌ من النّاس فيقودهم إمامهم إلى الضفّة الأخرى الآمنة ، فتحصل الفتنة من جديد فيأتي إمامٌ تلوَ إمام يُنقذون الناس ويدّلونَهم طريقَ السفينة ، ويحثّوهم على الركوب والنجاة ، فما إن تمتلأ السفينة بالناس حتى يقودها إمامها الفاطمي إلى ضفة النجاة والأمان ، فهلْ لكم معشر الإمامية سفينة في هذا الزمان ، أم أنّ سفينتكم لم تصلْ منذ عشرات القرون ، ترككم قائدكم وإمامكم وقد أحاطَتْ بكم الفتن والبدع والضلالات ، ولكنّا لكم إخوان ناصحين باذلين ، فسفينتنا ستحملكم وتسعَكُمْ ....
كلامي السّابق ليس سُخرية وأعوذ بالله من هذا ، وإنّما أردت أن أقول بأنّنا نحن معشر الزيدية منْ طبّقَ قوله صلى الله عليه وآله وسلّم { مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّفَ عنها غرق وهوى } ، وحديث الثقلين وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلّم { إني تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتابَ الله وعترتي أهل بيتي إنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض } ، ولنا الحجة في هذا الحديث أيضاً ، إذ أنه يجب أن تكون إمامة وعلوم أهل البيت مستمرة ملازمة للقرآن إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها ، وهذا مالا يتوفر عند الإخوة الإمامية فالحق أنّ كتابَ الله موجود في زماننا هذا ولكنّ الإمام غير موجود على اعتقاد الإمامية !! وإن كنتم تعتبرونه موجود ولكنّه غائب، وهنا اختلّ شرطُ الملازمة فكتاب الله موجود حاضر ولكنّ الإمام غائب ، فإن قلتم المُهمُ أنّه موجود ، قلنا فما فائدة وجوده وهو غائبٌ عنّا ، ألا ترى أن القرآن لو مَسَحْنَا سُوَرَهُ وآياته وجعلناه بياضاً ولم نُبقِ إلاّ الغلاف ، وعرَضْنَاه وقُلنا هذا كتاب الله ، أكان سيُنتَفَعُ به ؟!! وهذه صفة الإمام م ح م د بن الحسن العسكري موجودٌ لا ينتفعُ به المسلمون . فلا ملازمة بين الثقلين إلاّ عندنا ، فأئمة الزيدية الثقل الأصغر يؤازرون كتاب الله الثقل الأكبر فيفكّون متشابهه ويردّوه إلى محكمه ، يطبّقون أحكام القرآن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، يعادون أعداء الله ويوالون أولياء الله .
أما أن من تقدم الإمام علي عليه السلام فنعم هم تقدموه مع علمهم التام بالنص عليه ، وحسبك حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، بل وحديث خاصف النعل الجلي والواضح كالشمس في رابعة النهار ، وحسبك كذلك قول الإمام علي عليه السلام في خطبته الشقشقية " أما والله لقد تقمصها إبن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى " ، وإن كنت تستبعد أن يخالف النص من خالفه مع علمه به فتأمل أخي الكريم في قوله عز وجل :
{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} (4) سورة البينة
وقوله تعالى :
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (19) سورة آل عمران .
أقول : الحمدلله ، إذاً فأنتَ تقرُ معي أنّ أبو بكر الصديق وعمر بن الخطّاب ، كانا يعلمان أنّ النّص من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء على علي ثم الحسنين ثم تسعة من ولد الحسين ، فأنا سأُضيف هؤلاء الرواة لحديث النص الإمامي الإثني عشري بأسمائهم أو بأعدادهم، وعليك أخي القارئ أن تتأمّل كيف صارَ وتحوّلَ مِثلُ هذا النص الواضح الجلي المروي عن كبار الصحابة إلى نصٍ يختص به خواص الإئمة الإثني عشر دون عوام الشيعة !! فضلاً عن عوام السنة، فقد جاء في كفاية الأثر للقمي أنّ ممّن روى أحاديث النص من الصحابة ، عبد الله بن العباس وعبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وجابربن سمرة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وأبي هريرة وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن أسيد وعمران بن الحصين وسعد بن مالك وحذيفة ابن اليمان وأبي قتادة الأنصاري وعلي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين عليهم السلام ، ومن النساء أم سلمة وعائشة وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!!! .
فعلاً شيءٌ يدعو إلى الحيرَة والريبة أكلُ هؤلاء الصحابة رووا هذا الحديث الإثني عشري ؟ ثمّ اختص به قليلٌ من الشيعة دون الكثير منهم ، وخفيَ على السنة والمعتزلة والخوارج ؟
إن من تتحدث عنهم أخي الكريم قد جحدوا إمامة الإمام علي والحسن والحسين عليهم صلوات الله وسلامه مع علمهم به ، وعلمهم بالنص على الإثناعشر مجملاً ، ومن كان هذا حاله فليس عجباً أن يجحدوا إمامة أبناء الحسين صلوات الله وسلامه عليهم .
أخي العزيز العولقي ،
أهلُ البيت من بني الحسن والحسين أولّ من جَحَدَ هذه النصوص الإثني عشرية فضلاً عن بقية أهل المدينة ، ولكن عَجَبِي لماذا خَفِيَتْ مرويات الستة والعشرين صحابياً ممن ذكرنا أعلاه ، معْ ملاحظة قرب العهد والمدة وقرب الديار في المدينة ، ومعاصرة زين العابدين عليه السلام لبعض هؤلاء الصحابة ،
فلا يوجد إلاّ احتمالين اثنين : إمّا
أن يكون هناك نصٌ فعلاً ولكنّ الصحابة لم يُحدّثوا به إلاّ قليلاً ولم يَشهرُوه وهذا مُحَالْ ، إذ أنَّ نصاً كهذا الوضوح وبهذه الأهمية بأنّ علي والحسنين وتسعة من ولد الحسين هم الأئمة الواجب اتباعهم يَعلَمُهُ صحابة الرسول ولا يحتجّون به ، ولا ينشرونه ، منقصةٌ فيهم أعزّهم الله ، وإمّا
أنه ليس هناك نصٌ من أساسه وإنّما اختُلِقَ فيما بَعَدْ ، فهذا معقول ، وهو الصحيح .
ثم وجدتك أخي الكريم تجزم بأن من إنحرف عن إمامة الأئمة موسى الكاظم و علي الهادي عليهم السلام هم من خواص الأئمة عليهم السلام ، وهنا أتمنى عليك أخي الكريم أن توردهم لنا لننظر في حالهم أكانوا من الخواص أم لا .
أقول : هذا بحثٌ مستقل سأكتبه عندما أتكلّم عن حال جميع الفرق من المنسلخة من الجعفرية ، لكن لا بأس بأن أذكر بعضهم ، هذا عبدالله الأفطح ابن جعفر الصادق والإمامية يرونَ أنّ له رأياً شاذاً عن أبيه ، وهذا محمد بن جعفر الصادق خرج مدعياً الإمامة وبايعه خلقٌ مِنَ النّاس فانحرف عن إمَامَة موسى الكاظم عليه السلام ولم يعترف له ، وعلي بن أبي حمزة البطائني ومحمد بن إسحاق بن عمار والحسين بن عمران والحسين بن أبي سعيد المكاري و الحسن بن محمد بن سماعة و أبو خالد السجستاني ، وعلي بن جعفر المروزي ، وعثمان بن عيسى ، وحمزة بن بزيغ والحسين بن قياما وهو من رؤساء الواقفة يعترفون بالكاظم ومن قبله ولا يعترفون بعلي بن موسى ومن بعدّه ، ويعتقدون مهدوية الكاظم عليه سلام الله ، يُنكرون الوصية لعلي الرضا ويُنكرونَ النص الإثني عشري . لا بأس ، أعدك أخي العولقي أن أبحثَ لك عن سيرِهم من كتب الإمامية وأوافيك بها ، وسنُفرِدُ لها بحثاً مستقلاً بعد مطالعة كتبِ الرّجال بتمحيص دقيق .
وأما إن كان لبيان ذلك لغيرهم فهذا أمر لاغبار عليه أبداً ، ولعل أقرب مثال يوضح ذلك هو قول نبي الله موسى على نبينا وآله وعليه السلام :
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (143) سورة الأعراف
فهل هناك من يشك بأن موسى عليه السلام يعلم مسبقاً بإستحالة ماطلب ؟؟؟ وأنه إنما طلبه ليبين لقومه بطلان ماطلبوه .
أخي عبدالملك أعزّك الله ،
المعروف عن حال وأصحاب الأئمة الإثني عشر
هو التكتم على أمر إمامة أئمتهم ، فهم بين مُتقِ وبين خائف ، ليس بأمرهم الكتمان هذا ، وإنّما بأمر أئمتهم لهم ، فهل تتوقع أن ( مثلاً ) جعفر الصادق عليه السلام يكون جالساً يصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وحولّه جماعة من المؤمنين ، ثمّ يأتيه مؤمن الطاق فيقول له يا أبا عبدالله مَنْ لنا بَعْدَك نسمعُ ونُطيع ؟ فيُجيب ابني هذا ، ويُشير إلى موسى الكاظم عليه السلام . فؤمن الطّاق يعرف مُسبقاً أن جعفر إمام ويعرف أنّ موسى هو الذي بعد أبيه، ولكنّه كان يقصد أن يُخبرَ الحاضرين في المسجد أن إمامهم الواجب عليهم اتباعه بعد جعفر هو موسى !!
فليتَ شعري أين الكتمانْ والتقية في هذا الأمر، إن كان كل سؤال من أصحاب الأئمة لإمامهم عن الإمام اللاحق سؤالٌ لتبيين الحقيقة لمن حولهم ، وينقضه كلامنا الآتي .
كما أن هناك وجه آخر يمكن حمل سؤال خواص الأئمة عن الإمام التالي وهو المبالغة منهم في التكتم على مايعرفونه مسبقاً ، وهذا أمر مشهور ولا يحتاج لضرب أمثلة عليه .
أقول الأمر جلل يا دكتور عبدالملك ، لقد التبس على المؤمنين أمرهم والأمر منكتم ، فلسنا بحاجة إلى زيادة في التكتم ، ومع هذا فالإشكال السابق هو نفس الإشكال هنا ، فسؤال الناس للباقر عمّن يأتي بعده ، يدل على الجهل بالنص كاملاً ، وأمّا عن أنّه مبالغة في التكتم فليس هذا كذلك ، فإن السائل إّما أنْ يسألُ وهو لوحدِه عند الباقر فلامعنى لسؤاله هنا إلاّ الجهل بالنص كاملاً ، وإمّا أن يسألَ الباقر وعندَه جماعة من الناس فهذا إشهارٌ لأمر الإمامة ، وأبعد مايكون عن التكتم والتقية . كأنّ السائل يريد أن يقول اسمعوا ياناس من هو إمامكم بعد أبي جعفر محمد الباقر ، وهو كما قلنا بعيد عن التقية والكتمان .
كما أن علم الباري عز وجل أزلي بعدم مقتل أي من الأئمة عليهم السلام بما يؤدي إلى إنقطاع الإمامة ، فعلمه أزلي كذلك بأمر التكتم عنهم . بل أن هذا هو ما أمر به عز وجل ، ولو لم يكن الأئمة مأمورون بذلك لما تكتموا فيه .
نتفق هنا عزي العولقي ، أنّ الأئمة الإثني عشر مأمورين من قِبَلِ الله عز وجل بإقامة حجته على الخلق وهدي الناس وتبصيرهم وتعريفهم بطريق الجنة من طريق النّار ، وفي نفس الوقت مأمورين من قِبَلِ الله بالتكتم والتقية ، اجتمعَ نقيضان هنا يا أخ عبدالملك . لكن لا بأس تأمّل كلامي الآتي على سؤالك.
ولكي يتضح الجواب أكثر أطرح عليك أخي الكريم هذا السؤال :
هل تعتقد بأن كفار قريش كانوا سيقتلون رسول الله صلوات الله عليه وآله لو لم يهاجر إلى المدينه ؟؟؟ إن قلت لا أخي الكريم فلم أمر الله عز وجل نبيه بالهجرة والتكتم عليها وهو يعلم أن كفار قريش لن ينالوا منه ؟؟؟
ج/ لن يقتلوه ، أماّ عن لماذا أمرَهُ بالتكتم والهجرة سراً، فهو عملٌ بالأسباب ، أي اعْمَلْ هذا السبب(التكتم والهجرة) وأنا سأعمل معك ( على حمايتك مِنْهم ) ، افِعْلْ السبَبْ وأنا سأحميك وسأصدّهم عنك ، أرأيتَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول اعقلها وتوكل ، فيجب فعل الأسباب لنحصلَ على النتائج ، أرأيتَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لو أنّه لم يُجهّز المسلمين للخروج في بدر وبقي في بيته أكانَ هناك نصرٌ للمسلمين، أو كان هناك شيء اسمه معركة بدر ، ولكنّ الرسول صلوات الله عليه فعلَ الأسباب وجهّز الجيش بالسلاح والعتاد مع قلة أتباعه من المسلمين ، ثم أعانه الله بجنودٍ من ملائكته فكان حزب الله هم الغالبون .
ولكن أخي الفاضل العولقي لا مقارنة بين تكتم محمد بن عبدالله قبل الجهر بالدعوة أو التكتم في حال الهجرة ، بتكتم أئمتكم الإثني عشر ، أو بمعنى أصح تكتم أئمتكم التسعة من ولد الحسين ، لأن علي والحسنين خالفوا هذا التكتم الذي هم مأمورين به من الله ، فجاهروا بدعوتهم، نعم ! فتكتم أئمتكم التسعة من ولد الحسين تكتمٌ مأمورٌ به على حسب قولِكَ السابق من الله لازمٌ أبدي ، بينما تكتم الرسول الذي هو أمرٌٌ من الله، لم يكن تكتماً للأبد، بل كان فعلٌ لابدَّ منه للقوة ولتحصيل المنفعة الأكبر .،
وأحبُ أن أعرِف رأيكم في عدم تكتم أمير المؤمنين والحسنين هل خالفا أمر الله ؟
نعم !
نجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تكتم ثلاث سنوات يدعو إلى الله في الخفاء ، كي يشتدّ عوده بمن سيتبعه من النّاس . وبعد أن اجتمع معه صلى الله عليه وآله وسلم نفرٌ من النّاس ، أمرَه الله أن يصدع بالحق وأن يترك التكتم ( تأمل ) وأن يجهر بالدعوة في أرجاء مكة ، لا يخافُ سيداً ولا يخافُ كبيراً من قريش ، فلم يألُ الرسول جهداً في المجاهرة بالدعوة حتى وصلَ السيل الزبى مما لقيه من الإستهتار والإستهزاء به وبدعوته من كفار قريش، فأمره الله بالهجرة فتكتّم الرسول في حالِ هجرته إلى أن وصل إلى يثرب وهناك أثمرَ تكتمه حالَ الهجرة ، بأن اجتمع عليه الأنصار وقويَ جانِبُه ، إذاً فتكتم الرسول صلوات الله عليه وعلى آله إنّما كان تكتماً يتبعه قوة ، أي أنّه يُخططُ لأن يصدع بأوامر الله جرّاءَ هذا التكتم ، ولهذا وجدناه مجاهراً بالحق والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدينة حتى على قياصرة الروم وأكاسرة الفرس كما ذكرنا سابقاً بل إنّه عاد وحارب قريش مَنْ كَان يتكتّمُ منهم سابقاً ، وهذا ما لانجده عند الأئمة التسعة من ولد الحسين ، فهم تكتمّوا تكتماً ( تقية ) دائماً ، فلو كانوا مثلاً يتكتمون في بداية الأمر حتى يجمعوا لهم عدداً من المسلمين ثمّ يخرج الإمام المعصوم ويَنصح للناس ويُخبرهم أنه إمام الله المفترض الطاعة ، وأنّ هذا منكرٌ فاجتنبوه ، وذاك حسنٌ فافعلوه ، وأطيعونا ما أطعنا الله فيكم ، فنحن الأسباط أبناء الأسباط، مَنْ قد قال جدنا رسول الله فينا نحن الأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، من تبعنا نجا ومن حافَ عنَّا هوى. نعم ! لقلنا هنا أنّ هذا تكتمٌ كتكتمِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم ّ بلله عليك كيف يجتمع البلاغ للناس والتكتم الدائم ؟!
وبهذه المناسبة وبما أنّك قُلتَ أن التكتم الذي حصل للأئمة الإثني عشر ، عفواً التكتم الذي حصلَ للأئمة التسعة من ولد الحسين تكتماً مأمورين به من الله تُقيةٌ دائمة ، فأقول أنتَ هنا أثبتَّ إمامة إمامنا زيد بن علي ، وأنّه خرجَ مُدعياً الإمامة للرضا من آل محمد يقصد نفسه لا غيرها ، إذ أن جعفر الصادق عليه السلام لو كانَ هو من أمرَ زيد بالخروج لكان هذا مخالفاً للتقية والتكتم الذي أمرَه الله به ، كما أنّ قول الصادق عليه السلام كما تروي الإمامية قوله عن عمه زيد ، أنّه لو ظفرَ لوفّى ، وأنّه لو ظفر لعرف أين يضعها، فكأن الصادق عليه السلام يُشيرُ بأن زيداً لو نجحَ في ثورته لوفّى لي وأعطاني أمْر الخلافة ، وكلنّا نعرف ما معنى خليفة سيكون شاهراً ظاهراً للناس سيترك التكتم والتقية ، وسيخالف أمراً أمرَه به الله ، فما هذا التناقض ؟
============
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ...............