علم الإمام بين اللدن والاكتساب
علم الإمام بين اللدن والاكتساب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة خطبة رقم 5 :
(بَلِ انْدَمَجْتُ(4) عَلَى مَكْنُونِ عِلْم لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاَْرْشِيَةِ(5) في الطَّوِيِّ(6) البَعِيدَةِ!)
4. اندَمَجْتُ: انطَوَيْتُ.
5. الارْشِيَة: جمع رِشاء بمعنى الحبل.
6. الطّوِيّ: جمع طويّة وهي البئر، والبئر البعيدة: العميقة.
وقال في باب الحكم ص809 :
( هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً)
ماذا يقصد الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بهذا الكلام ؟
مع تحياتي لكم جميعاً .
قال أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة خطبة رقم 5 :
(بَلِ انْدَمَجْتُ(4) عَلَى مَكْنُونِ عِلْم لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاَْرْشِيَةِ(5) في الطَّوِيِّ(6) البَعِيدَةِ!)
4. اندَمَجْتُ: انطَوَيْتُ.
5. الارْشِيَة: جمع رِشاء بمعنى الحبل.
6. الطّوِيّ: جمع طويّة وهي البئر، والبئر البعيدة: العميقة.
وقال في باب الحكم ص809 :
( هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً)
ماذا يقصد الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بهذا الكلام ؟
مع تحياتي لكم جميعاً .
إخواني الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الله عز وجل قد أعطى علي بن أبي طالب من العلم الكثير حتى قال أحدهم ( أظنه ابن عباس حبر الأمة ) : العلم عشرة أجزاء تسعة أعشار عند الإمام علي بن أبي طالب (ع) وجزء متداول بين الناس فوالله لقد شاركهم في العشر العاشر . وقال ابن عباس في موضع آخر حين سئل عن علمه بالنسبة لعلم علي (ع) : ( ما علمي إلى علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر )
هذا ما يقصده الإمام بالعلم الجم أي الكثير الكثير فهو عليه السلام بحر متلاطم من العلم الذي لا نهاية له لأنه من الله عز وجل .
من علم الإمام علي بن أبي طالب ( ع)
1- الغيبيات ( التنبؤ بالمستقبل )
لم يعن الشريف الرضي رحمه الله، حين آلى على نفسه أن يجمع كلامه (عليه السلام)، بهذه الناحية عناية تستحق الذكر، فما في نهج البلاغة من إخباراته بالمغيبات لا يبلغ عشر ما نسب إليه وصح عنه.
وهذه الطائفة التي ذكرها الشريف من إخباراته تجيء على أقسام:
1- غرق البصرة.
2- تسلط الظالمين على الكوفة.
3- تغلب معاوية على الخلافة.
4- مصير الخوارج ونهاية أمرهم.
5- مروان وخلافته.
6- حرب الزنج.
7- ولاية الحجاج.
8- الأتراك.
9- بنو أمية: ظلمهم ونهايتهم.
10- خروج المهدي عجل الله فرجه.
11- فتن تشمل الدنيا وتهلك الحرث والنسل.
في هذه العناوين ينحصر ما ذكره الشريف في نهج البلاغة من الأخبار بالمغيبات، وسنتكلم في كل واحد من أولئك على حدة. ذاكرين بعد ذلك ما أهمله الشريف ولم يعن به.
لقد تحدث الإمام (عليه السلام) عن علمه بالمغيبات في مناسبات كثيرة منها قوله:
(.. فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها (1) وقائدها، وسائقها، ومُنَاخ (2) ركابها، ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً ومن يموت منهم موتاً، ولو قد فقدتموني، ونزلت بكم كرائه الأمور (3) وحوازب الخطوب (4)، لأطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين) (5).
وقد ذكر (عليه السلام) أنه استقى علمه هذا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقد أتى في كلام له بعد أن هزم أصحاب الجمل في البصرة، على ذكر بعض ما يلمّ بالبصرة من الخطوب، فذكر فتنة الزنج وذكر التتر، فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك الإمام وقال للرجل:
(ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم، وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدّد الله سبحانه بقوله: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ..) (6) فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله لنبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم (7) عليه جوانحي) (8).
وقال مخاطباً أصحابه في موقف آخر:
(والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه (9) وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ألا وإني مفضيه (10) إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق إلا صادقاً، وقد عهد إليّ بذلك كله، وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر، وما أبقى شيئاً يمر على رأسي إلا أفرغه في أذني وأفضى به إليّ) (11).
وقال:
(أيها الناس لا يجرمنكم شقاقي (12) ولا يستهوينكم (13) عصياني، ولا تتراموا بالأبصار(14) عندما تسمعونه مني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة (15)، إن الذي أنبأكم به عن النبي الأمي (صلّى الله عليه وآله)، ما كذب المبلغ ولا جهل السامع) (16).
وقال عليه السلام :
(فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضلّ مائة إلا أنبأتكم بناعقها..) (17).
ويقول:
(سلوني قبل أن تفقدوني، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض..) (18).
ويقول:
(.. والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت... وقد عهد إليّ بذلك كله وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر، وما أبقى شيئاً يمرُّ على رأسي إلا أفرغه في أذني وأفضى به إليّ) (19).
في هذه النصوص يصرح الإمام (عليه السلام) بأن علمه بالمغيبات جاءه عن طريق رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
------------------------------------------------------------
1- ناعقها: الداعي إليها مأخوذ من (نعق بغنمه) إذا صاح بها لتجتمع.
2- مناخ... في الأصل: محل بروك الإبل، استعمل هنا للتعبير عن مصير الفئة الضالة أو الهادية ونهايتها.
3- كرائه الأمور: جمع كريهة، المصائب الكبرى.
4- الحازب: الخطب الشديد، يقال: (حزبه الأمر) إذا اشتد عليه.
5- نهج البلاغة، رقم الخطبة 91.
6- سورة لقمان: 34.
7- تضطم: افتعال، من الضم، أي وتنظم عليه جوانحي، والجوانح: الأضلاع تحت الترائب ممّا يلي الصدر، وانضمامها عليه: اشتمالها على قلب يعيها.
8- نهج البلاغة، رقم الخطبة 146.
9- المخرج: محل الخروج، والمولج: محل الولوج، الدخول، أي: أخبره من أين يخرج، وأين يدخل.
10- مفضيه: أصله من (أفضى إليه) إذا خلا به. والمراد أنه موصله إلى أهل اليقين ممن لا تخشى عليهم الفتنة.
11- نهج البلاغة، رقم الخطبة 173.
12- لا يجرمنكم: لا يحملنكم ويكسبنكم، (شقاقي) عصياني. أي لا يكسبنكم عصياني الخسران والضياع.
13- لا تقعوا في هوى العصيان.
14- تتراموا بالأبصار.. ينظر بعضكم إلى بعض تعجباً واستنكاراً.
15- أنبت الحبة، وخلق الروح.
16- نهج البلاغة، رقم الخطبة 99، ولاحظ في النص رقم 16، قوله: (ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم).
17- نهج البلاغة، رقم النص 91.
18- نهج البلاغة، رقم النص 187.
19- نهج البلاغة، رقم النص 173.
----------------------------------------------------------
وسنذكر في المشاركة القادمة ما ورد في نهج البلاغة من إخبار بالمغيبات .
إلى اللقاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الله عز وجل قد أعطى علي بن أبي طالب من العلم الكثير حتى قال أحدهم ( أظنه ابن عباس حبر الأمة ) : العلم عشرة أجزاء تسعة أعشار عند الإمام علي بن أبي طالب (ع) وجزء متداول بين الناس فوالله لقد شاركهم في العشر العاشر . وقال ابن عباس في موضع آخر حين سئل عن علمه بالنسبة لعلم علي (ع) : ( ما علمي إلى علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر )
هذا ما يقصده الإمام بالعلم الجم أي الكثير الكثير فهو عليه السلام بحر متلاطم من العلم الذي لا نهاية له لأنه من الله عز وجل .
من علم الإمام علي بن أبي طالب ( ع)
1- الغيبيات ( التنبؤ بالمستقبل )
لم يعن الشريف الرضي رحمه الله، حين آلى على نفسه أن يجمع كلامه (عليه السلام)، بهذه الناحية عناية تستحق الذكر، فما في نهج البلاغة من إخباراته بالمغيبات لا يبلغ عشر ما نسب إليه وصح عنه.
وهذه الطائفة التي ذكرها الشريف من إخباراته تجيء على أقسام:
1- غرق البصرة.
2- تسلط الظالمين على الكوفة.
3- تغلب معاوية على الخلافة.
4- مصير الخوارج ونهاية أمرهم.
5- مروان وخلافته.
6- حرب الزنج.
7- ولاية الحجاج.
8- الأتراك.
9- بنو أمية: ظلمهم ونهايتهم.
10- خروج المهدي عجل الله فرجه.
11- فتن تشمل الدنيا وتهلك الحرث والنسل.
في هذه العناوين ينحصر ما ذكره الشريف في نهج البلاغة من الأخبار بالمغيبات، وسنتكلم في كل واحد من أولئك على حدة. ذاكرين بعد ذلك ما أهمله الشريف ولم يعن به.
لقد تحدث الإمام (عليه السلام) عن علمه بالمغيبات في مناسبات كثيرة منها قوله:
(.. فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها (1) وقائدها، وسائقها، ومُنَاخ (2) ركابها، ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً ومن يموت منهم موتاً، ولو قد فقدتموني، ونزلت بكم كرائه الأمور (3) وحوازب الخطوب (4)، لأطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين) (5).
وقد ذكر (عليه السلام) أنه استقى علمه هذا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقد أتى في كلام له بعد أن هزم أصحاب الجمل في البصرة، على ذكر بعض ما يلمّ بالبصرة من الخطوب، فذكر فتنة الزنج وذكر التتر، فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك الإمام وقال للرجل:
(ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم، وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدّد الله سبحانه بقوله: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ..) (6) فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله لنبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم (7) عليه جوانحي) (8).
وقال مخاطباً أصحابه في موقف آخر:
(والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه (9) وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ألا وإني مفضيه (10) إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق إلا صادقاً، وقد عهد إليّ بذلك كله، وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر، وما أبقى شيئاً يمر على رأسي إلا أفرغه في أذني وأفضى به إليّ) (11).
وقال:
(أيها الناس لا يجرمنكم شقاقي (12) ولا يستهوينكم (13) عصياني، ولا تتراموا بالأبصار(14) عندما تسمعونه مني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة (15)، إن الذي أنبأكم به عن النبي الأمي (صلّى الله عليه وآله)، ما كذب المبلغ ولا جهل السامع) (16).
وقال عليه السلام :
(فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضلّ مائة إلا أنبأتكم بناعقها..) (17).
ويقول:
(سلوني قبل أن تفقدوني، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض..) (18).
ويقول:
(.. والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت... وقد عهد إليّ بذلك كله وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر، وما أبقى شيئاً يمرُّ على رأسي إلا أفرغه في أذني وأفضى به إليّ) (19).
في هذه النصوص يصرح الإمام (عليه السلام) بأن علمه بالمغيبات جاءه عن طريق رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
------------------------------------------------------------
1- ناعقها: الداعي إليها مأخوذ من (نعق بغنمه) إذا صاح بها لتجتمع.
2- مناخ... في الأصل: محل بروك الإبل، استعمل هنا للتعبير عن مصير الفئة الضالة أو الهادية ونهايتها.
3- كرائه الأمور: جمع كريهة، المصائب الكبرى.
4- الحازب: الخطب الشديد، يقال: (حزبه الأمر) إذا اشتد عليه.
5- نهج البلاغة، رقم الخطبة 91.
6- سورة لقمان: 34.
7- تضطم: افتعال، من الضم، أي وتنظم عليه جوانحي، والجوانح: الأضلاع تحت الترائب ممّا يلي الصدر، وانضمامها عليه: اشتمالها على قلب يعيها.
8- نهج البلاغة، رقم الخطبة 146.
9- المخرج: محل الخروج، والمولج: محل الولوج، الدخول، أي: أخبره من أين يخرج، وأين يدخل.
10- مفضيه: أصله من (أفضى إليه) إذا خلا به. والمراد أنه موصله إلى أهل اليقين ممن لا تخشى عليهم الفتنة.
11- نهج البلاغة، رقم الخطبة 173.
12- لا يجرمنكم: لا يحملنكم ويكسبنكم، (شقاقي) عصياني. أي لا يكسبنكم عصياني الخسران والضياع.
13- لا تقعوا في هوى العصيان.
14- تتراموا بالأبصار.. ينظر بعضكم إلى بعض تعجباً واستنكاراً.
15- أنبت الحبة، وخلق الروح.
16- نهج البلاغة، رقم الخطبة 99، ولاحظ في النص رقم 16، قوله: (ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم).
17- نهج البلاغة، رقم النص 91.
18- نهج البلاغة، رقم النص 187.
19- نهج البلاغة، رقم النص 173.
----------------------------------------------------------
وسنذكر في المشاركة القادمة ما ورد في نهج البلاغة من إخبار بالمغيبات .
إلى اللقاء
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 424
- اشترك في: الثلاثاء يوليو 20, 2004 7:35 pm
الغيبيات التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتفرد الإمام علي بعلمها .. بل ما نُقـل عن غيره من الصحابة رضوان الله عليهم أكثر مما نُقـل عنه ..
وقد قام فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً وأطال وذكر لهم فيها ما كان وما يكون إلى قيام الساعـة .. قال أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه) ..
وقول الإمام علي عليه السلام: (إن هاهنا علماً ... ) , مرويٌ عن غيره من الصحابة كأبي هريرة رضي الله عنه ..
وقد كـان الإمام علي عليه السلام يتلقى عن غيره من الصحابة أحاديث لم تبلغه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وفي اجتهاده لم يقل إن قوله حجة عليهم .. وثبت أنه كان يستفتي أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه..
وقولك: إن علمه لا نهـاية له لأنه من الله تعالى .. قول مرتجل تائه .. وغلو مفرط .. فإما أن يكون علمه هو علم الله وقول هذا كفر بواح .. أو يكون علمه مخلوق وهو العلم الناقص المحدود ..
ثم إنك تعتمد على نهـج البلاغة .. كاعتماد أهل السنة والزيدية لصحيحي البخاري ومسلم .. أعني: اعتماد المسلِّم الواثق المرتكـن .. وهذا غير صحيح .. فنهج البلاغة أغلبه من إنشاء الشريف الرضي كما صرح بذلك .. وهو من هو في الغلو والشطـح .. عفا الله عنه ورحمه .. كحـال ما أوردته من بعض النصوص الباطلة ..
كما أن كـلامك ونقولك السابقة من إلى .. لا تدل إطـلاقاً على أصل الموضوع المعنون بـ ( علم الإمام بين اللدن والاكتساب) !!! ..
فإن علمه بعض الغيبيات التي أخبره عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. أو علمه الواسع .. لا تدل على الموضوع ..
فأما العلم اللدني فهو إما يكون لنبي كما كان مع نبيئنا عليه الصلاة والسلام ويُسمى (وحياً) .. أو لغير نبي كما كان مع الفاروق عمر بن الخطاب ويُسمى (إلهاماً) .. وهو لا يختص بعلي عليه السلام ..
والحمد لله ,,,
وقد قام فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً وأطال وذكر لهم فيها ما كان وما يكون إلى قيام الساعـة .. قال أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه) ..
وقول الإمام علي عليه السلام: (إن هاهنا علماً ... ) , مرويٌ عن غيره من الصحابة كأبي هريرة رضي الله عنه ..
وقد كـان الإمام علي عليه السلام يتلقى عن غيره من الصحابة أحاديث لم تبلغه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وفي اجتهاده لم يقل إن قوله حجة عليهم .. وثبت أنه كان يستفتي أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه..
وقولك: إن علمه لا نهـاية له لأنه من الله تعالى .. قول مرتجل تائه .. وغلو مفرط .. فإما أن يكون علمه هو علم الله وقول هذا كفر بواح .. أو يكون علمه مخلوق وهو العلم الناقص المحدود ..
ثم إنك تعتمد على نهـج البلاغة .. كاعتماد أهل السنة والزيدية لصحيحي البخاري ومسلم .. أعني: اعتماد المسلِّم الواثق المرتكـن .. وهذا غير صحيح .. فنهج البلاغة أغلبه من إنشاء الشريف الرضي كما صرح بذلك .. وهو من هو في الغلو والشطـح .. عفا الله عنه ورحمه .. كحـال ما أوردته من بعض النصوص الباطلة ..
كما أن كـلامك ونقولك السابقة من إلى .. لا تدل إطـلاقاً على أصل الموضوع المعنون بـ ( علم الإمام بين اللدن والاكتساب) !!! ..
فإن علمه بعض الغيبيات التي أخبره عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. أو علمه الواسع .. لا تدل على الموضوع ..
فأما العلم اللدني فهو إما يكون لنبي كما كان مع نبيئنا عليه الصلاة والسلام ويُسمى (وحياً) .. أو لغير نبي كما كان مع الفاروق عمر بن الخطاب ويُسمى (إلهاماً) .. وهو لا يختص بعلي عليه السلام ..
والحمد لله ,,,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قلنا إن إخباراته التي ذكرها الشريف الرضي تجيء على أقسام، منها إخباره بما يلم بالبصرة من الخطوب.
فأخبر بعد فراغه من أصحاب الجمل، عن غرق البصرة كلها بقوله:
(.. وأيم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة) (1).
وقد صدقت الحوادث هذه النبوءة، فقد ذكر ابن أبي الحديد أن البصرة غرقت مرتين: مرة في أيام القادر بالله (2)، ومرة في أيام القائم بأمر الله (3)، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزاً كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين.. وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها وهلك كثير من أهلها. وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم) (4).
وأخبر عن هلاك البصرة بالزنج، فقال مخاطباً الأحنف بن قيس بعد حرب الجمل:
(يا أحنف كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجَب (5) ولا قعقعة لجم (6) ولا حَمْحَمة خيل (7)، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام. ويل لسككِكم العامرة (8) والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور (9)، وخراطيم كخراطيم الفيلة (10)، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفتقد غائبهم (11)، أنا كابّ الدنيا لوجهها، وقادرها بقدرها، وناظرها بعينها) (12).
هذه النبوءة صدقتها الحوادث، ففي سنة خمس وخمسين ومائتين ظهر المدعو علياً بن محمد بن عبد الرحيم وجمع الزنوج وخرج بهم على المهتدي العباسي (13)، واستشرى أمره، وكاد يبيد البصرة ويفني أهلها، واستمرت الحرب بينه وبين السلطة المركزية خمسة عشر عاماً، فقد قتل في سنة سبعين ومائتين، وقد كتب ابن أبي الحديد فصلاً كبيراً عن هذه النبوءة (14).
ولا يفوتنا التنبيه على تنبؤه (عليه السلام) في النص الآنف، بما ستكون عليه حال البصرة من الناحية العمرانية.
وأخبر عن هلاك البصرة بالتتر فقال:
(.. كأني أراهم قوماً كأن وجوههم المَجانّ المطرّقة (15) ويلبسون السّرَقَ (16) والديباح، ويعتقبون الخيل العتاق (17) ويكون هناك استحرار (18) قتل حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور) (19).هذه النبوءة تحققت بظهور التتار واكتساحهم لممالك حتى وصلوا إلى العراق فلقيت البصرة منهم أعظم البلاء وأشنعه، فقد تكدست الجثث في الشوارع والأزقة وحل بالناس منهم خوف عظيم. وقد وقعت هذه الأحداث في زمن ابن أبي الحديد فكتب عنها فصلاً كبيراً (20).
وقد تنبأ (عليه السلام) بما سيحلّ بالكوفة من الظالمين فقال:
(كأني بك يا كوفة تُمدّين مدّ الأديم العكاظي(21)، تُعركين بالنوازل (22) وتُركبين بالزلازل (23)، وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل) (24). وقد صدقت الحوادث نبوءته، فقد تعاقب على الكوفة سلسلة من ولاة الجور، وأعوان الظلمة، أذاقوها وساموها العذاب، فزياد ابن أبيه، وعبيد الله ابن زياد، والحجاج، ويوسف بن عمرو، والمغيرة بن شعبة، وخالد بن عبد الله القسري وأضرابهم... كلهم أقاموا الحكم في الكوفة على ركام من الجماجم وأنهار من الدماء (25).
وقد تنبّأ (عليه السلام) بتغلب معاوية على الخلافة وسيطرته على الكوفة وأنه سيأمر أهل الكوفة من الشيعة بسبّ الإمام والبراءة منه، فقال:
(أمّا أنه سيظهر (26) عليكم بعدي رجل رحب البلعوم (27)، مندحق البطن (28)، يكل ما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة مني، أما السبّ فسبّوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرءوا مني (29)، فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة) (30).
هذه النبوءة تحققت بتمامها، فقد غلب معاوية بعد صلح الحسن وأمر الناس بسبّ الإمام صلوات الله وسلامه عليه، والبراءة منه، وقتل طائفة من عظماء أصحابه (عليه السلام) لأنهم ثبتوا على ولائه فلم يتبرءوا منه، منهم حجر بن عدي الكندي وجماعته. وقال قوم إن المعنى بهذا الكلام زياد بن أبيه، وقال قوم إنه المغيرة بن شعبة، وكلٌّ ولِيَ الكوفة، وأمر بالسبّ والبراءة (31).
وتنبأ (عليه السلام) بما سيصير إليه أمر الخوارج من بعده فقال:
(.. أما إنكم ستلقون من بعدي ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً وأثَرَةً (32) يتخذها الظالمون فيكم سنة) (33).
وهكذا كان، فإن الخوارج، بعد العدل الذي لاقوه من حكومته والحرية التي تمتعوا بها، لم يعاملوا في جميع العهود التالية إلا بالاضطهاد والحرب والمطاردة.
وقال لما قتل الخوارج وقيل له: هلك القوم بأجمعهم:
(كلا والله، إنهم نُطَفٌ في أصلاب الرجال وقرارات النساء (34)، كلما نَجمَ منهم قرن قطع (35) حتى يكون آخرهم لصوصاً سلابين) (36).
وقد صحّت نبوءته، فلم يمضِ زمن طويل حتى نجم أمرهم مرة أخرى واستمرت بينهم وبين السلطات المركزية المتعاقبة حروب طاحنة، وكانت نهايتهم أن صاروا قطّاع طرق ولصوصاً سلابين..
وقد تنبأ بعدد من يقتل من أصحابه وبقدر من يبقى من الخوارج قبل أن يشتبك معهم في النهروان، فقال:
(مصارعهم دون النطفة (37)، والله لا يفلت منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة) (38).
فلم يقتل من أصحاب الإمام إلا ثمانية، ولم ينج من الخوارج إلا تسعة (39).
وقد كثر كلامه عما سيحل بالناس من بني أمية وظلمهم، وكأنه يعد بذلك أنفس الناس لتلقي فادح الظلم.
وقد تنبأ بخلافة مروان بن الحكم وبما سيحل بالأمة منه ومن أولاده، وتنبأ عن نهاية بني أمية متى تحين.
قال متنبأ بمصير الخلافة إلى مروان:
(أما أن له إمرة كعلقة الكلب أنفه (40) وهو أبو الأكبش الأربعة (41)، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمر) (42).
وقد تم كل ما قال، فقد كانت إمرة مروان قصيرة جداً إذ لم تزد على تسعة أشهر، وقد كان له من الأبناء أربعة هم: عبد الملك، وعبد العزيز، وبشر، ومحمد. ولي عبد الملك الخلافة، وولي محمد الجزيرة، وولي عبد العزيز مصر، وولي بشر العراق. وقد حل بالمسلمين منهم ظلم عظيم (43).
وقال في ظلم بني أمية:
(.. والله لا يزالون حتى لا يدعو الله محرماً إلا استحلوه (44)، ولا عقداً إلا حلوه، وحتى لا يبقى بيت مَدر ولا وَبَر (45) إلا دخله ظلمهم، ونبأ به سوء رعيهم (46)، وحتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه. وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه) (47).
ولا يجهل أحد مبلغ ما نزل بالناس من ظلم بني أمية وانتهاكهم للحرمات، واستهتارهم بالفضيلة حتى صار خلفاؤهم مثلاً في الظلم والفسق والتهتك (48).
وقد تحدث (عليه السلام) كثيراً عن نهاية بني أمية وأن الأمر سيصير إلى أعدائهم بعدهم في الوقت الذي يحسب الناس فيه أنهم مخلدون.
قال (عليه السلام):
(حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني أمية (49)، تمنحهم درّها (50) وتوردهم صفوها، ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها ولا سيفها، وكذب الظانّ لذلك. بل هي مجّة (51) من لذيذ العيش يتطعمونها برهة ثم يلفظونها جملة) (52).
وقال:
(فأقسم بالله يا بني أمية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم) (53).
هذه النبوءات بزوال ملك بني أمية على يد العباسيين، وما يصنعه العباسيون من القتل والتشريد قد تحققت بحذافيرها (54).
وقد تنبأ بولاية الحجاج وبما سيحل بالعراق من بلوائه فقال:
(أما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيّال الميّال (55)، ويأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم، إيه أبا وَذحة) (56)،
وقال فيما رواه ابن أبي الحديد من تتمة خطبة أخرى تنبأ فيها بولاية الحجاج بن يوسف الثقفي ويوسف بن عمرو الثقفي:
(..وستليكم من بعدي ولاة يعذبونكم بالسياط والحديد. وسيأتيكم غلام ثقيف: أخفش وجعبوب، يقتلان ويظلمان وقليل ما يمكثان).
قال ابن أبي الحديد:
(.. الأخفش الضعيف البصر خلقة، والجعبوب القصير الدميم، وهما الحجاج ويوسف بن عمرو وفي كتاب عبد الملك إلى الحجاج: قاتلك الله أخيفش العينين أصك الجاعرتين. ومن كلام الحسن البصري (رحمه الله) يذكر فيه الحجاج: أتانا أخيفش أعيمش يمد بيد قصيرة البنان ما عرق فيها عنان في سبيل الله. وكان المثل يضرب بقصر يوسف بن عمرو كان يغضب إذا قيل له قصير) (58).
----------------------------------------------------------------------
1- نهج البلاغة، رقم النص 13. جؤجؤ السفينة: صدرها. جثم الطائر، تلبد بالأرض، وهيئة النعامة الجاثمة على الأرض كهيئة السفينة من مقدمها.
2- القادر بالله، أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر. بويع بالخلافة في يوم 12 رمضان سنة 381هـ. 3 أكتوبر تشرين الأول 991م واستمر خليفة إلى أن توفي في نهاية ذي الحجة سنة 42هـ 18 ديسمبر كانون الأول 1031م.
3- القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بن القادر. بويع بالخلافة في ذي الحجة سنة 422هـ (1031م) واستمر خليفة إلى 13 شعبان سنة 467هـ 3 ابريل نيسان سنة 1075م.
4- ابن أبي الحديد، شرح النهج، ج1، ص84.
5- اللجب: الصياح.
6- اللجم، جمع لجام. وقعقعة اللجم ما يسمع من صوت اضطرابها بين أسنان الخيل.
7- الحمحمة: صوت البرذون عند الشعير.
8- السكك: جمع سكة، وهي الطريق المستوي الممهد، وهو إخبار عما يصيب تلك الطرق وما حولها من المنازل من الخراب والتهديم.
9- أجنحة الدور: رواشنها جمع روشن، بمعنى شرفة (برندة) وذلك على التشبيه بأجنحة الطير.
10- خراطيم الدور: هي الميازيب تطلى بالقار.
11- أصحاب الزنجي، وإنما لا يندب قتيلهم، لأن ليس لهم زوجات وأهل يبكون عليهم لأنهم كانوا عبيداً ليست لهم أسر.
12- نهج البلاغة، رقم النص 126.
13- المهتدي بالله، محمد بن هارون الواثق، ابن المعتصم بن الرشيد بويع له بالخلافة يوم 27، رجب سنة 255هـ، يوليو تموز 869م، وخلع في 14 رجب سنة 256، 17 يونيو سنة 870م.
14- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 2، ص310-361.
15- المجان، جمع مجن ـ بكسر الميم ـ وهو الترس، وسمي مجناً لأنه يستتر به عن العدو، والجنة ـ بالضم ـ السترة، والمطرقة، هي التي ألزق بها الطراق ـ ككتاب ـ وهو جلد يفصل على مقدار الترس ثم يلزق به.
16- السرق: شقق الحرير الأبيض.
17- يعتقبون الخيل.. أي يحتبسون كرائم الخيل لأنفسهم ويمنعون غيرهم منها.
18- استحرار قتل: اشتداد قتل.
19- نهج البلاغة، رقم النص 126.
20- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص361-371.
21- الأديم: الجلد المدبوغ، والعكاظي نسبة إلى عكاظ ـ كغراب ـ وهو سوق كانت تقيمه العرب في صحراء بين نخلة والطائف، يجتمعون إليه من بداية شهر ذي القعدة ليتعاكظوا، أي يتفاخروا، وأكثر ما كان يباع الأديم بتلك السوق فنسب إليها. وقوله: (تمدين مد الأديم العكاظي) استعارة لما ينالها من العسف والشدائد، كأن ما ينزل بها من الظلم يشبه ما ينزل بالجلد حين يراد أن يدبع من الخبط والدق.
22- تعركين مأخوذ من (عركتهم الحرب) إذا مارستهم حتى أتعبهم، والنوازل: الشدائد.
23- الزلازل: المزعجات من الخطوب.
24- نهج البلاغة، رقم النص 47.
25- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص286-287.
26- سيظهر: سيغلب.
27- الرحب: الواسع.
28- مندحق البطن: عظيم البطن بارزه، كأنه لعظمه مندلق من بدنه يكاد يبين عنه.
29- قد يكون السب نتيجة للإكراه من الظالم مع إبطان الحب والولاء، وأما البراءة من إنسان فهي الانسلاخ من مذهبه.
30- نهج البلاغة، رقم النص 57.
31- ابن أبي الحديد، شرح النهج، ج1، ص355.
32- الأثرة: الاستبداد بفوائد الملك، وحرمان الآخرين منه.
33- نهج البلاغة، رقم النص 58.
34- قرارات النساء: كناية عن الأرحام.
35- كلما نجم منهم قرن قطع: كلما ظهر منهم رئيس قتل.
36- نهج البلاغة، رقم النص 59.
37- يعني بالنطفة ماء النهر، وقد جرت المعركة معهم عند النهروان.
38- نهج البلاغة، رقم النص 59.
39- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص379-380 و424-427 و445-446.
40- تصوير بالحركة لقصر ملك مروان بن الحكم.
41- كناية عن أولاده.
42- نهج البلاغة، رقم النص 71.
43- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص53-60.
44- استحلال المحرم: استباحته.
45- بيوت المدر: المبنية من حجر، وبيوت الوبر: الخيام، أي أن ظلم بني أمية يشمل جميع الناس حيث كانوا.
46- أصله من (نبأ به المنزل) إذا لم يوافقه، فارتحل عه. أي أن ظلم بني أمية وسوء سياستهم في الناس، يجعل المجتمع مضطرباً غير مستقر ولا آمن.
47- نهج البلاغة، رقم النص 96.
48- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص466-467، وراجع ح2، ص193-194، و408-409 في شأن عبد الملك بن مروان والفتن في عهده.
49- معقولة على بني أمية: مقصورة عليهم، مسخرة لهم، كأنهم شدوها بعقال الناقة.
50- درها: لبنها.
51- مجة: مصدر من (مج الشراب من فيه) إذا رمى به.
52- نهج البلاغة، رقم النص 185 آخر النص.
53- نهج البلاغة، رقم النص 103، ولاحظ النص رقم 167.
54- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص132-133 و178 و200-202 و466-467.
55- الذيال: الطويل القد، الطويل الذيل، المتبختر في مشيته، والميال: الجائر المائل عن طريق الحق والعدل.
56- الوذحة: قال الشريف الرضي رحمه الله بعد أن أورد هذا النص: الوذحة الخنفساء. وهذا القول يرمي به إلى الحجاج، وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره. وقد أورد ابن أبي الحديد عند شرح هذه الفقر عدة روايات عن الحجاج الثقفي في شأن الوذحة. راجع الجزء 7، ص279-280، من شرح نهج البلاغة بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار إحياء الكتب العربية، سنة 1960م.
57- نهج البلاغة، رقم النص 114.
58- شرح نهج البلاغة، 2، ص132-133 257-258.
----------------------------------------------------
قلنا إن إخباراته التي ذكرها الشريف الرضي تجيء على أقسام، منها إخباره بما يلم بالبصرة من الخطوب.
فأخبر بعد فراغه من أصحاب الجمل، عن غرق البصرة كلها بقوله:
(.. وأيم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة) (1).
وقد صدقت الحوادث هذه النبوءة، فقد ذكر ابن أبي الحديد أن البصرة غرقت مرتين: مرة في أيام القادر بالله (2)، ومرة في أيام القائم بأمر الله (3)، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزاً كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين.. وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها وهلك كثير من أهلها. وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم) (4).
وأخبر عن هلاك البصرة بالزنج، فقال مخاطباً الأحنف بن قيس بعد حرب الجمل:
(يا أحنف كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجَب (5) ولا قعقعة لجم (6) ولا حَمْحَمة خيل (7)، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام. ويل لسككِكم العامرة (8) والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور (9)، وخراطيم كخراطيم الفيلة (10)، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفتقد غائبهم (11)، أنا كابّ الدنيا لوجهها، وقادرها بقدرها، وناظرها بعينها) (12).
هذه النبوءة صدقتها الحوادث، ففي سنة خمس وخمسين ومائتين ظهر المدعو علياً بن محمد بن عبد الرحيم وجمع الزنوج وخرج بهم على المهتدي العباسي (13)، واستشرى أمره، وكاد يبيد البصرة ويفني أهلها، واستمرت الحرب بينه وبين السلطة المركزية خمسة عشر عاماً، فقد قتل في سنة سبعين ومائتين، وقد كتب ابن أبي الحديد فصلاً كبيراً عن هذه النبوءة (14).
ولا يفوتنا التنبيه على تنبؤه (عليه السلام) في النص الآنف، بما ستكون عليه حال البصرة من الناحية العمرانية.
وأخبر عن هلاك البصرة بالتتر فقال:
(.. كأني أراهم قوماً كأن وجوههم المَجانّ المطرّقة (15) ويلبسون السّرَقَ (16) والديباح، ويعتقبون الخيل العتاق (17) ويكون هناك استحرار (18) قتل حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور) (19).هذه النبوءة تحققت بظهور التتار واكتساحهم لممالك حتى وصلوا إلى العراق فلقيت البصرة منهم أعظم البلاء وأشنعه، فقد تكدست الجثث في الشوارع والأزقة وحل بالناس منهم خوف عظيم. وقد وقعت هذه الأحداث في زمن ابن أبي الحديد فكتب عنها فصلاً كبيراً (20).
وقد تنبأ (عليه السلام) بما سيحلّ بالكوفة من الظالمين فقال:
(كأني بك يا كوفة تُمدّين مدّ الأديم العكاظي(21)، تُعركين بالنوازل (22) وتُركبين بالزلازل (23)، وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل) (24). وقد صدقت الحوادث نبوءته، فقد تعاقب على الكوفة سلسلة من ولاة الجور، وأعوان الظلمة، أذاقوها وساموها العذاب، فزياد ابن أبيه، وعبيد الله ابن زياد، والحجاج، ويوسف بن عمرو، والمغيرة بن شعبة، وخالد بن عبد الله القسري وأضرابهم... كلهم أقاموا الحكم في الكوفة على ركام من الجماجم وأنهار من الدماء (25).
وقد تنبّأ (عليه السلام) بتغلب معاوية على الخلافة وسيطرته على الكوفة وأنه سيأمر أهل الكوفة من الشيعة بسبّ الإمام والبراءة منه، فقال:
(أمّا أنه سيظهر (26) عليكم بعدي رجل رحب البلعوم (27)، مندحق البطن (28)، يكل ما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة مني، أما السبّ فسبّوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرءوا مني (29)، فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة) (30).
هذه النبوءة تحققت بتمامها، فقد غلب معاوية بعد صلح الحسن وأمر الناس بسبّ الإمام صلوات الله وسلامه عليه، والبراءة منه، وقتل طائفة من عظماء أصحابه (عليه السلام) لأنهم ثبتوا على ولائه فلم يتبرءوا منه، منهم حجر بن عدي الكندي وجماعته. وقال قوم إن المعنى بهذا الكلام زياد بن أبيه، وقال قوم إنه المغيرة بن شعبة، وكلٌّ ولِيَ الكوفة، وأمر بالسبّ والبراءة (31).
وتنبأ (عليه السلام) بما سيصير إليه أمر الخوارج من بعده فقال:
(.. أما إنكم ستلقون من بعدي ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً وأثَرَةً (32) يتخذها الظالمون فيكم سنة) (33).
وهكذا كان، فإن الخوارج، بعد العدل الذي لاقوه من حكومته والحرية التي تمتعوا بها، لم يعاملوا في جميع العهود التالية إلا بالاضطهاد والحرب والمطاردة.
وقال لما قتل الخوارج وقيل له: هلك القوم بأجمعهم:
(كلا والله، إنهم نُطَفٌ في أصلاب الرجال وقرارات النساء (34)، كلما نَجمَ منهم قرن قطع (35) حتى يكون آخرهم لصوصاً سلابين) (36).
وقد صحّت نبوءته، فلم يمضِ زمن طويل حتى نجم أمرهم مرة أخرى واستمرت بينهم وبين السلطات المركزية المتعاقبة حروب طاحنة، وكانت نهايتهم أن صاروا قطّاع طرق ولصوصاً سلابين..
وقد تنبأ بعدد من يقتل من أصحابه وبقدر من يبقى من الخوارج قبل أن يشتبك معهم في النهروان، فقال:
(مصارعهم دون النطفة (37)، والله لا يفلت منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة) (38).
فلم يقتل من أصحاب الإمام إلا ثمانية، ولم ينج من الخوارج إلا تسعة (39).
وقد كثر كلامه عما سيحل بالناس من بني أمية وظلمهم، وكأنه يعد بذلك أنفس الناس لتلقي فادح الظلم.
وقد تنبأ بخلافة مروان بن الحكم وبما سيحل بالأمة منه ومن أولاده، وتنبأ عن نهاية بني أمية متى تحين.
قال متنبأ بمصير الخلافة إلى مروان:
(أما أن له إمرة كعلقة الكلب أنفه (40) وهو أبو الأكبش الأربعة (41)، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمر) (42).
وقد تم كل ما قال، فقد كانت إمرة مروان قصيرة جداً إذ لم تزد على تسعة أشهر، وقد كان له من الأبناء أربعة هم: عبد الملك، وعبد العزيز، وبشر، ومحمد. ولي عبد الملك الخلافة، وولي محمد الجزيرة، وولي عبد العزيز مصر، وولي بشر العراق. وقد حل بالمسلمين منهم ظلم عظيم (43).
وقال في ظلم بني أمية:
(.. والله لا يزالون حتى لا يدعو الله محرماً إلا استحلوه (44)، ولا عقداً إلا حلوه، وحتى لا يبقى بيت مَدر ولا وَبَر (45) إلا دخله ظلمهم، ونبأ به سوء رعيهم (46)، وحتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه. وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه) (47).
ولا يجهل أحد مبلغ ما نزل بالناس من ظلم بني أمية وانتهاكهم للحرمات، واستهتارهم بالفضيلة حتى صار خلفاؤهم مثلاً في الظلم والفسق والتهتك (48).
وقد تحدث (عليه السلام) كثيراً عن نهاية بني أمية وأن الأمر سيصير إلى أعدائهم بعدهم في الوقت الذي يحسب الناس فيه أنهم مخلدون.
قال (عليه السلام):
(حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني أمية (49)، تمنحهم درّها (50) وتوردهم صفوها، ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها ولا سيفها، وكذب الظانّ لذلك. بل هي مجّة (51) من لذيذ العيش يتطعمونها برهة ثم يلفظونها جملة) (52).
وقال:
(فأقسم بالله يا بني أمية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم) (53).
هذه النبوءات بزوال ملك بني أمية على يد العباسيين، وما يصنعه العباسيون من القتل والتشريد قد تحققت بحذافيرها (54).
وقد تنبأ بولاية الحجاج وبما سيحل بالعراق من بلوائه فقال:
(أما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيّال الميّال (55)، ويأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم، إيه أبا وَذحة) (56)،
وقال فيما رواه ابن أبي الحديد من تتمة خطبة أخرى تنبأ فيها بولاية الحجاج بن يوسف الثقفي ويوسف بن عمرو الثقفي:
(..وستليكم من بعدي ولاة يعذبونكم بالسياط والحديد. وسيأتيكم غلام ثقيف: أخفش وجعبوب، يقتلان ويظلمان وقليل ما يمكثان).
قال ابن أبي الحديد:
(.. الأخفش الضعيف البصر خلقة، والجعبوب القصير الدميم، وهما الحجاج ويوسف بن عمرو وفي كتاب عبد الملك إلى الحجاج: قاتلك الله أخيفش العينين أصك الجاعرتين. ومن كلام الحسن البصري (رحمه الله) يذكر فيه الحجاج: أتانا أخيفش أعيمش يمد بيد قصيرة البنان ما عرق فيها عنان في سبيل الله. وكان المثل يضرب بقصر يوسف بن عمرو كان يغضب إذا قيل له قصير) (58).
----------------------------------------------------------------------
1- نهج البلاغة، رقم النص 13. جؤجؤ السفينة: صدرها. جثم الطائر، تلبد بالأرض، وهيئة النعامة الجاثمة على الأرض كهيئة السفينة من مقدمها.
2- القادر بالله، أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر. بويع بالخلافة في يوم 12 رمضان سنة 381هـ. 3 أكتوبر تشرين الأول 991م واستمر خليفة إلى أن توفي في نهاية ذي الحجة سنة 42هـ 18 ديسمبر كانون الأول 1031م.
3- القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بن القادر. بويع بالخلافة في ذي الحجة سنة 422هـ (1031م) واستمر خليفة إلى 13 شعبان سنة 467هـ 3 ابريل نيسان سنة 1075م.
4- ابن أبي الحديد، شرح النهج، ج1، ص84.
5- اللجب: الصياح.
6- اللجم، جمع لجام. وقعقعة اللجم ما يسمع من صوت اضطرابها بين أسنان الخيل.
7- الحمحمة: صوت البرذون عند الشعير.
8- السكك: جمع سكة، وهي الطريق المستوي الممهد، وهو إخبار عما يصيب تلك الطرق وما حولها من المنازل من الخراب والتهديم.
9- أجنحة الدور: رواشنها جمع روشن، بمعنى شرفة (برندة) وذلك على التشبيه بأجنحة الطير.
10- خراطيم الدور: هي الميازيب تطلى بالقار.
11- أصحاب الزنجي، وإنما لا يندب قتيلهم، لأن ليس لهم زوجات وأهل يبكون عليهم لأنهم كانوا عبيداً ليست لهم أسر.
12- نهج البلاغة، رقم النص 126.
13- المهتدي بالله، محمد بن هارون الواثق، ابن المعتصم بن الرشيد بويع له بالخلافة يوم 27، رجب سنة 255هـ، يوليو تموز 869م، وخلع في 14 رجب سنة 256، 17 يونيو سنة 870م.
14- ابن أبي الحديد، شرح النهج، 2، ص310-361.
15- المجان، جمع مجن ـ بكسر الميم ـ وهو الترس، وسمي مجناً لأنه يستتر به عن العدو، والجنة ـ بالضم ـ السترة، والمطرقة، هي التي ألزق بها الطراق ـ ككتاب ـ وهو جلد يفصل على مقدار الترس ثم يلزق به.
16- السرق: شقق الحرير الأبيض.
17- يعتقبون الخيل.. أي يحتبسون كرائم الخيل لأنفسهم ويمنعون غيرهم منها.
18- استحرار قتل: اشتداد قتل.
19- نهج البلاغة، رقم النص 126.
20- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص361-371.
21- الأديم: الجلد المدبوغ، والعكاظي نسبة إلى عكاظ ـ كغراب ـ وهو سوق كانت تقيمه العرب في صحراء بين نخلة والطائف، يجتمعون إليه من بداية شهر ذي القعدة ليتعاكظوا، أي يتفاخروا، وأكثر ما كان يباع الأديم بتلك السوق فنسب إليها. وقوله: (تمدين مد الأديم العكاظي) استعارة لما ينالها من العسف والشدائد، كأن ما ينزل بها من الظلم يشبه ما ينزل بالجلد حين يراد أن يدبع من الخبط والدق.
22- تعركين مأخوذ من (عركتهم الحرب) إذا مارستهم حتى أتعبهم، والنوازل: الشدائد.
23- الزلازل: المزعجات من الخطوب.
24- نهج البلاغة، رقم النص 47.
25- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص286-287.
26- سيظهر: سيغلب.
27- الرحب: الواسع.
28- مندحق البطن: عظيم البطن بارزه، كأنه لعظمه مندلق من بدنه يكاد يبين عنه.
29- قد يكون السب نتيجة للإكراه من الظالم مع إبطان الحب والولاء، وأما البراءة من إنسان فهي الانسلاخ من مذهبه.
30- نهج البلاغة، رقم النص 57.
31- ابن أبي الحديد، شرح النهج، ج1، ص355.
32- الأثرة: الاستبداد بفوائد الملك، وحرمان الآخرين منه.
33- نهج البلاغة، رقم النص 58.
34- قرارات النساء: كناية عن الأرحام.
35- كلما نجم منهم قرن قطع: كلما ظهر منهم رئيس قتل.
36- نهج البلاغة، رقم النص 59.
37- يعني بالنطفة ماء النهر، وقد جرت المعركة معهم عند النهروان.
38- نهج البلاغة، رقم النص 59.
39- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص379-380 و424-427 و445-446.
40- تصوير بالحركة لقصر ملك مروان بن الحكم.
41- كناية عن أولاده.
42- نهج البلاغة، رقم النص 71.
43- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص53-60.
44- استحلال المحرم: استباحته.
45- بيوت المدر: المبنية من حجر، وبيوت الوبر: الخيام، أي أن ظلم بني أمية يشمل جميع الناس حيث كانوا.
46- أصله من (نبأ به المنزل) إذا لم يوافقه، فارتحل عه. أي أن ظلم بني أمية وسوء سياستهم في الناس، يجعل المجتمع مضطرباً غير مستقر ولا آمن.
47- نهج البلاغة، رقم النص 96.
48- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص466-467، وراجع ح2، ص193-194، و408-409 في شأن عبد الملك بن مروان والفتن في عهده.
49- معقولة على بني أمية: مقصورة عليهم، مسخرة لهم، كأنهم شدوها بعقال الناقة.
50- درها: لبنها.
51- مجة: مصدر من (مج الشراب من فيه) إذا رمى به.
52- نهج البلاغة، رقم النص 185 آخر النص.
53- نهج البلاغة، رقم النص 103، ولاحظ النص رقم 167.
54- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص132-133 و178 و200-202 و466-467.
55- الذيال: الطويل القد، الطويل الذيل، المتبختر في مشيته، والميال: الجائر المائل عن طريق الحق والعدل.
56- الوذحة: قال الشريف الرضي رحمه الله بعد أن أورد هذا النص: الوذحة الخنفساء. وهذا القول يرمي به إلى الحجاج، وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره. وقد أورد ابن أبي الحديد عند شرح هذه الفقر عدة روايات عن الحجاج الثقفي في شأن الوذحة. راجع الجزء 7، ص279-280، من شرح نهج البلاغة بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار إحياء الكتب العربية، سنة 1960م.
57- نهج البلاغة، رقم النص 114.
58- شرح نهج البلاغة، 2، ص132-133 257-258.
----------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قلنا أن الشريف الرضي رحمه الله لم يذكر في نهج البلاغة كل ما صح عن أمير المؤمنين من إخباره بالمغيبات، ولكن ابن أبي الحديد قد سد هذا النقص حين أفاض في ذكر ما صح عنه (عليه السلام) في هذا الباب.
ومما يحسن ذكره هنا أن ابن أبي الحديد لم ينقل كلما وقع إليه من أخبار الإمام بالمغيبات، بل حقق فيما وقع إليه من ذلك فطرح المشتبه أمره، وذكر ما صح عنه (عليه السلام).
قال ابن أبي الحديد:
(.. وقد وقفت له على خطب مختلفة فيها ذكر الملاحم (1) فوجدتها تشتمل على ما يجوز أن ينسب إليه وما لا يجوز أن ينسب إليه، ووجدت في كثير منها اختلالاً ظاهراً. وهذه المواضع التي أنقلها ليست من تلك الخطب المضطربة بل من كلام وجدته متفرقاً في كتب مختلفة) (2).
وعلل ابن أبي الحديد هذه الظاهرة الفذة في الإمام بقوله:
(واعلم أنه غير مستحيل أن تكون بعض الأنفس مختصة بخاصية تدرك بها المغيبات، وقد تقدم من الكلام في ذلك ما فيه الكفاية (3)، ولكن لا يمكن أن تكون نفس تدرك كل المغيبات، لأن القوة المتناهية لا تحيط بأمور غير متناهية، وكل قوة في نفس حادثة فهي متناهية. فوجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا على أن يريد به عموم العالمية، بل يعلم أموراً محدودة من المغيبات، ممّا اقتضت حكمة الباري سبحانه أن يؤهله لعلمه..) (4).
ولابن أبي الحديد هذا نص طويل ذكر فيه طائفة كبيرة من إخبارات الإمام بالمغيبات، نذكره لطرافته، ولما له من الصلة ببحثنا هذا، قال:
(.. وهذه الدعوى ليست منه (عليه السلام) ادعاء الربوبية ولا ادعاء النبوة، ولكنه كان يقول أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخبره بذلك، ولقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة.
كإخباره عن الضربة التي يضرب في رأسه فتخضب لحيته).
وإخباره عن قتل الحسين ابنه (عليهما السلام)، وما قاله في كربلاء حيث مرّ بها.
وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده.
وإخباره عن الحجاج وعن يوسف بن عمرو.
وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان.
وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم وصلب من يصلب.
وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص (عليه السلام) إلى البصرة لحرب أهلها.
وإخباره عن عبد الله بن الزبير وقوله فيه: (خب ضب، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش).
وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق وهلاكها تارة أخرى بالزنج...
وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون بـ(بني رزيق) وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم، وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية.
وكإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة وقوله إنه يقتل عند أحجار الزيت.
وكقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباخمرا: (يقتل بعد أن يظهر ويُقهَر بعد أن يَقهَر).
وقوله أيضاً: (يأتيه سهم غرب تكون فيه منيته، فيا بؤساً للرامي شُلّتْ يده ووهنَ عضده).
وكإخباره عن قتلى وجّ وقوله فيهم: (هم خير أهل الأرض).
وكإخباره عن المملكة العلوية بالمغرب، وتصريحه بذكر كتامة، وهم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم. وكقوله، وهو يشير إلى أبي عبد الله المهدي، وهو أولهم: (ثم يظهر صاحب القيروان الغض النض ذو النسب المحض المنتخب من سلالة ذي البداء المسجي بالرداء). وكان عبيد الله المهدي أبيض مترفاً مشرباً بحمرة، رخص البدن، تارّ الأطراف، وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد (عليهما السلام) وهو المسجي بالرداء لأن أباه أبا عبد الله جعفر أسجاه بردائه لما مات وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره. وكإخباره عن بني بويه وقوله فيهم: (ويخرج من ديلمان بنو الصياد) إشارة إليهم، وكان أبوهم صياد السمك، يصيد منه بيده ما يتقوّت هو وعياله بثمنه، فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكاً ثلاثة، ونشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم. وكقوله (عليه السلام) فيهم: (ثم يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء ويخلعوا الخلفاء)، فقال له قائل: فكم مدتهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: (مائة أو تزيد قليلاً). وكقوله فيهم: (والمترف بن الأجذم يقتله ابن عمه على دجلة) وهو إشارة إلى عزّ الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين، وكان معز الدولة أقطع اليد، قطعت يده في الحرب، وكان ابنه عزّ الدولة بختيار مترفاً صاحب لهو وطرب، وقتله عضد الدولة فناخسرو ابن عمه بقصر الجص على دجلة في الحرب وسلبه ملكه. فأما خلعه للخلفاء، فإن معز الدولة خلع المستكفي ورتب عوضه المطيع، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتب عوضه القادر. وكانت مدة ملكهم كما أخبر به (عليه السلام).
وكإخباره (عليه السلام) لعبد الله بن العباس رحمه الله تعالى عن انتقال الأمر إلى أولاده، فإن علي بن عبد الله لما ولد أخرجه أبوه عبد الله إلى علي (عليه السلام)، فأخذه وتفل في فيه وحنّكه بتمرة قد لاكها، ودفعه إليه وقال: خذ إليك أبا الأملاك. المجرى ممّا لو أردنا استقصاءه لكسرنا كراريس كثيرة، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة (5).
وقال:
(.. والمراد بقوله: فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض، ما اختص به من العلم بمستقبل الأمور ولا سيما في الملاحم والدول، وقد صدّق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الأخبار بالغيوب المتكررة لا مرة ولا مائة مرة حتى زال الشك والريب في أنه إخبار عن علم وليس عن طريق الصدفة والاتفاق) (6).
ونأخذ الآن في ذكر ما أهمل ابن أبي الحديد ذكره في النص السابق وأتى على ذكره في مناسبات أخرى.
1- لما شجرهم (7) - الخوارج - علي (عليه السلام) بالرماح قال: (اطلبوا ذا الثدية) فطلبوه طلباً شديداً حتى وجدوه في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلى فأتي به وإذا رجل على ثديه مثل سبلات السنور، فكبّر علي (عليه السلام) وكبّر الناس معه (8).
وكم له من الأخبار عن الغيوب الجارية هذا
2- قال (عليه السلام) لمن قال له: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة الشعر، بعد كلام: (.. وإن في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).
قال ابن أبي الحديد: وكان ابنه، قاتل الحسين (عليه السلام) طفلاً يحبو، وهو سنان بن أنس النخعي (9).
3- وخطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال: يا أمير المؤمنين، إني مررت بوادي القرى فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له، فقال (عليه السلام): والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار، فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمار وإني لك شيعة ومحب، فقال: انت حبيب بن حمار؟ قال: نعم، فقال له ثانية: والله إنك لحبيب بن حمار، فقال: إي والله، قال: أما والله إنك لحاملها ولتحملنها ولتدخلن بها من هذا الباب، وأشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة. قال ثابت - وهو راوي الحديث -: فوالله ما مات حتى رأيت ابن زياد وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي (عليهما السلام)، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن حمار صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل (10).
4- كان جالساً في مسجد الكوفة وبين يديه قوم منهم عمرو بن حريث إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تعرف فوقفت فقالت لعلي (عليه السلام): يا من قتل الرجال وسفك الدماء وأيتم الصبيان وأرمل النساء، فقال علي (عليه السلام): (وإنها لهي هذه السلقلقة الجلعة الجعة، وإنها لهي هذه الشبيهة بالرجال والنساء التي ما رأت دماً قط)، قال يزيد الأحمسي - وهو راوي الحديث -: فولت هاربة منكسة رأسها، فتبعها عمرو بن حريث، فلما صارت بالرحبة قال لها: والله لقد سررت بما كان منك اليوم إلى هذا الرجل فادخلي منزلي حتى أهب لك وأكسوك، فلما دخلت منزله أمر الجواري بتفتيشها وكشفها ونزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها، فبكت وسألته أن لا يكشفها وقالت: أنا والله كما قال، لي ركب النساء وأنثيان كأنثيي الرجال، وما رأيت دماً قط، فتركها وأخرجها، ورجع إلى مجلسه مع الإمام (عليه السلام) فحدث بذلك (11).
5- قام أعشى باهلة وهو يومئذ غلام حدث إلى علي (عليه السلام)، وهو يخطب ويذكر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة.
فقال علي (عليه السلام):
(إن كنت آثماً فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف)، ثم سكت.
فقام رجال فقالوا: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟
قال: (غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك حرمة إلا انتهكها يضرب عنق هذا الغلام بسيفه).
فقالوا: كم يملك يا أمير المؤمنين؟
قال: عشرين إن بلغها.
قالوا: فيقتل قتلاً أم يموت موتاً؟
قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه.
قال إسماعيل بن رجاء - وهو الراوي - فوالله لقد رأيت بعيني أعشى باهلة وقد أحضر في جملة الأسرى الذين أسروا من جيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجاج فقرعه ووبخه واستنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرحمن على الحرب ثم ضرب عنقه في ذلك المجلس (12).
6- قال (عليه السلام) لعمرو بن الحمق الخزاعي في حديث:
(يا عمرو إنك لمقتول بعدي، وإن رأسك لمنقول، وهو أول رأس نقل في الإسلام، والويل لقاتلك، أما إنك لا تنزل بقوم إلا أسلموا برمتك، إلا هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الأزد فإنهم لن يسلموك ولن يخذلوك).
قل شمير بن سدير الأزدي - وهو الراوي - فوالله ما مضت الأيام حتى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفاً مذعوراً حتى نزل في قومه من بني خزاعة فأسلموه، فقتل، وحمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد (13).
7- دخل جويرية بن مسهر العبدي على علي (عليه السلام) يوماً وهو مضطجع وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية:
أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب بها لحيتك.
قال حبة العرني - وهو الراوي - فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: (وأحدثك يا جويرية بأمرك، أما والذي نفسي بيده لتتلنّ إلى العتل الزنيم، فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر).
قال حبة العرني: فوالله ما مضت الأيام على ذلك، حتى أخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانب ابن مكعبر وكان جذعاً طويلاً فصلبه على جذع قصير إلى جانبه (14).
8- قال الإمام لميثم التمار يوماً بمحضر من خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص:
(يا ميثم إنك تؤخذ بعدي وتُصلب، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دماً حتى يخضب لحيتك، فإذا كان اليوم الثالث طُعنت بحربة تقضي عليك فانتظر ذلك، والموضع الذي تُصلب فيه على باب دار عمرو بن حريث، إنك لعاشر عشرة أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، يعني الأرض، ولأرينك النخلة التي تُصلب على جذعها). ثم أراه إيّاه بعد ذلك بيومين.
وقد تحققت هذه النبوءة بحذافيرها كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد في حديث طويل يضيق به المقام (15).
9- روى إبراهيم بن العباس النهدي في سند ينتهي إلى زياد بن النضر الحارثي أنه قال:
كنت عند زياد وقد أتي برشيد الهجري وكان من خواص أصحاب علي (عليه السلام)، فقال له زياد: ما قال لك خليلك إنا فاعلون بك؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني، فقال زياد: أما والله لأكذبن حديثه، خلو سبيله، فلما أراد أن يخرج، قال: ردوه، لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك، إنك لا تزال تبغي لنا سوءً إن بقيت، اقطعوا يديه ورجليه، فقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلم. فقال: اصلبوه خنقاً في عقنه، فقال رشيد: قد بقي لكم عندي شيء ما أراكم فعلتموه، فقال زياد: اقطعوا لسانه، فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفّسوا عني أتكلم كلمة واحدة، فنفسوا عنه فقال: هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين بقطع لساني، فقطعوا لسانه وصلبوه (16).
10- حدث سعد بن وهب، فقال في حديث:
فأتيته - يعني علياً (عليه السلام) - في كربلاء، فوجدته يشير بيده ويقول: هاهنا هاهنا فقال له رجل: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: (ثقل لآل محمد (صلّى الله عليه وآله) ينزل هاهنا، فويل لهم منكم وويل لكم منهم). فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: (ويل لهم منكم تقتلونهم وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار) (17).
11- ذكر ابن أبي الحديد تتمة خطبته في الملاحم تنبأ فيها الإمام بأن السلاح سيحمل على الظهر بقوله: (... وحتى يكون موضع سلاحكم على ظهوركم..) وكأنه يشير بذلك إلى البندقية وما إليها من الأسلحة الحديثة، وتنبأ فيها بولاية الحجاج ويوسف بن عمر (18).
12- قال ابن الحديد: .. ومن عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله في الخطبة التي يذكر فيها الملاحم وهو يشير إلى القرامطة: (ينتحلون لنا الحب والهوى ويضمرون لنا البغض والقلى، وآية ذلك قتلهم وراثنا وهجرهم أحداثنا).
قال ابن أبي الحديد: وصح ما أخبر به، لأن القرامطة قتلت من آل أبي طالب خلقاً كثيراً وأسماؤهم مذكورة في كتاب مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني. وفي هذه الخطبة قال، وهو يشير إلى السارية التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة: (كأني بالحجر الأسود منصوباً هنا، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه وأُسه، يمكث هنا برهة، ثم هاهنا برهة - وأشار إلى البحرين - ثم يعود إلى مأواه وأم مثواه). ووقع الأمر في الحجر الأسود بموجب ما أخبر به (19).
------------------------------------------------------------------
1- الملاحم، جمع ملحمة، وهي الواقعة العظيمة.
2- ابن أبي الحديد، شرح النهج، ج2، ص508.
3- تقدم منه كلام في هذا في ج1، ص425-427.
4- المصدر السابق، ج2، ص508.
5- المصدر السابق، ج1، ص175-176.
6- المصدر السابق.
7- شجرهم: حاربهم أو رماهم.
8- المصدر السابق، ج1، ص205.
9- المصدر السابق، ج1، ص208.
10- المصدر السابق، نفس الصفحة.
11- المصدر السابق، ج1، ص208-209.
12- المصدر السابق، ج1، ص209.
13- المصدر السابق، ج1، ص209.
14- المصدر السابق، ج1، ص209-210.
15- المصدر السابق، ج1، ص210-211.
16- المصدر السابق، ج1، ص211.
17- المصدر السابق، ج1، ص278.
18- المصدر السابق، ج2، ص133.
19- المصدر السابق، ج2، ص508، وذكر ابن أبي الحديد، في ج2، ص49-50، عن المدائني في كتاب صفين خطبة للإمام في الملاحم خطبها بعد النهروان.------------------------------------------------------------
قلنا أن الشريف الرضي رحمه الله لم يذكر في نهج البلاغة كل ما صح عن أمير المؤمنين من إخباره بالمغيبات، ولكن ابن أبي الحديد قد سد هذا النقص حين أفاض في ذكر ما صح عنه (عليه السلام) في هذا الباب.
ومما يحسن ذكره هنا أن ابن أبي الحديد لم ينقل كلما وقع إليه من أخبار الإمام بالمغيبات، بل حقق فيما وقع إليه من ذلك فطرح المشتبه أمره، وذكر ما صح عنه (عليه السلام).
قال ابن أبي الحديد:
(.. وقد وقفت له على خطب مختلفة فيها ذكر الملاحم (1) فوجدتها تشتمل على ما يجوز أن ينسب إليه وما لا يجوز أن ينسب إليه، ووجدت في كثير منها اختلالاً ظاهراً. وهذه المواضع التي أنقلها ليست من تلك الخطب المضطربة بل من كلام وجدته متفرقاً في كتب مختلفة) (2).
وعلل ابن أبي الحديد هذه الظاهرة الفذة في الإمام بقوله:
(واعلم أنه غير مستحيل أن تكون بعض الأنفس مختصة بخاصية تدرك بها المغيبات، وقد تقدم من الكلام في ذلك ما فيه الكفاية (3)، ولكن لا يمكن أن تكون نفس تدرك كل المغيبات، لأن القوة المتناهية لا تحيط بأمور غير متناهية، وكل قوة في نفس حادثة فهي متناهية. فوجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا على أن يريد به عموم العالمية، بل يعلم أموراً محدودة من المغيبات، ممّا اقتضت حكمة الباري سبحانه أن يؤهله لعلمه..) (4).
ولابن أبي الحديد هذا نص طويل ذكر فيه طائفة كبيرة من إخبارات الإمام بالمغيبات، نذكره لطرافته، ولما له من الصلة ببحثنا هذا، قال:
(.. وهذه الدعوى ليست منه (عليه السلام) ادعاء الربوبية ولا ادعاء النبوة، ولكنه كان يقول أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخبره بذلك، ولقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة.
كإخباره عن الضربة التي يضرب في رأسه فتخضب لحيته).
وإخباره عن قتل الحسين ابنه (عليهما السلام)، وما قاله في كربلاء حيث مرّ بها.
وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده.
وإخباره عن الحجاج وعن يوسف بن عمرو.
وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان.
وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم وصلب من يصلب.
وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص (عليه السلام) إلى البصرة لحرب أهلها.
وإخباره عن عبد الله بن الزبير وقوله فيه: (خب ضب، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش).
وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق وهلاكها تارة أخرى بالزنج...
وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون بـ(بني رزيق) وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم، وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية.
وكإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة وقوله إنه يقتل عند أحجار الزيت.
وكقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباخمرا: (يقتل بعد أن يظهر ويُقهَر بعد أن يَقهَر).
وقوله أيضاً: (يأتيه سهم غرب تكون فيه منيته، فيا بؤساً للرامي شُلّتْ يده ووهنَ عضده).
وكإخباره عن قتلى وجّ وقوله فيهم: (هم خير أهل الأرض).
وكإخباره عن المملكة العلوية بالمغرب، وتصريحه بذكر كتامة، وهم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم. وكقوله، وهو يشير إلى أبي عبد الله المهدي، وهو أولهم: (ثم يظهر صاحب القيروان الغض النض ذو النسب المحض المنتخب من سلالة ذي البداء المسجي بالرداء). وكان عبيد الله المهدي أبيض مترفاً مشرباً بحمرة، رخص البدن، تارّ الأطراف، وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد (عليهما السلام) وهو المسجي بالرداء لأن أباه أبا عبد الله جعفر أسجاه بردائه لما مات وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره. وكإخباره عن بني بويه وقوله فيهم: (ويخرج من ديلمان بنو الصياد) إشارة إليهم، وكان أبوهم صياد السمك، يصيد منه بيده ما يتقوّت هو وعياله بثمنه، فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكاً ثلاثة، ونشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم. وكقوله (عليه السلام) فيهم: (ثم يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء ويخلعوا الخلفاء)، فقال له قائل: فكم مدتهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: (مائة أو تزيد قليلاً). وكقوله فيهم: (والمترف بن الأجذم يقتله ابن عمه على دجلة) وهو إشارة إلى عزّ الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين، وكان معز الدولة أقطع اليد، قطعت يده في الحرب، وكان ابنه عزّ الدولة بختيار مترفاً صاحب لهو وطرب، وقتله عضد الدولة فناخسرو ابن عمه بقصر الجص على دجلة في الحرب وسلبه ملكه. فأما خلعه للخلفاء، فإن معز الدولة خلع المستكفي ورتب عوضه المطيع، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتب عوضه القادر. وكانت مدة ملكهم كما أخبر به (عليه السلام).
وكإخباره (عليه السلام) لعبد الله بن العباس رحمه الله تعالى عن انتقال الأمر إلى أولاده، فإن علي بن عبد الله لما ولد أخرجه أبوه عبد الله إلى علي (عليه السلام)، فأخذه وتفل في فيه وحنّكه بتمرة قد لاكها، ودفعه إليه وقال: خذ إليك أبا الأملاك. المجرى ممّا لو أردنا استقصاءه لكسرنا كراريس كثيرة، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة (5).
وقال:
(.. والمراد بقوله: فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض، ما اختص به من العلم بمستقبل الأمور ولا سيما في الملاحم والدول، وقد صدّق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الأخبار بالغيوب المتكررة لا مرة ولا مائة مرة حتى زال الشك والريب في أنه إخبار عن علم وليس عن طريق الصدفة والاتفاق) (6).
ونأخذ الآن في ذكر ما أهمل ابن أبي الحديد ذكره في النص السابق وأتى على ذكره في مناسبات أخرى.
1- لما شجرهم (7) - الخوارج - علي (عليه السلام) بالرماح قال: (اطلبوا ذا الثدية) فطلبوه طلباً شديداً حتى وجدوه في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلى فأتي به وإذا رجل على ثديه مثل سبلات السنور، فكبّر علي (عليه السلام) وكبّر الناس معه (8).
وكم له من الأخبار عن الغيوب الجارية هذا
2- قال (عليه السلام) لمن قال له: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة الشعر، بعد كلام: (.. وإن في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).
قال ابن أبي الحديد: وكان ابنه، قاتل الحسين (عليه السلام) طفلاً يحبو، وهو سنان بن أنس النخعي (9).
3- وخطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال: يا أمير المؤمنين، إني مررت بوادي القرى فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له، فقال (عليه السلام): والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار، فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمار وإني لك شيعة ومحب، فقال: انت حبيب بن حمار؟ قال: نعم، فقال له ثانية: والله إنك لحبيب بن حمار، فقال: إي والله، قال: أما والله إنك لحاملها ولتحملنها ولتدخلن بها من هذا الباب، وأشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة. قال ثابت - وهو راوي الحديث -: فوالله ما مات حتى رأيت ابن زياد وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي (عليهما السلام)، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن حمار صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل (10).
4- كان جالساً في مسجد الكوفة وبين يديه قوم منهم عمرو بن حريث إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تعرف فوقفت فقالت لعلي (عليه السلام): يا من قتل الرجال وسفك الدماء وأيتم الصبيان وأرمل النساء، فقال علي (عليه السلام): (وإنها لهي هذه السلقلقة الجلعة الجعة، وإنها لهي هذه الشبيهة بالرجال والنساء التي ما رأت دماً قط)، قال يزيد الأحمسي - وهو راوي الحديث -: فولت هاربة منكسة رأسها، فتبعها عمرو بن حريث، فلما صارت بالرحبة قال لها: والله لقد سررت بما كان منك اليوم إلى هذا الرجل فادخلي منزلي حتى أهب لك وأكسوك، فلما دخلت منزله أمر الجواري بتفتيشها وكشفها ونزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها، فبكت وسألته أن لا يكشفها وقالت: أنا والله كما قال، لي ركب النساء وأنثيان كأنثيي الرجال، وما رأيت دماً قط، فتركها وأخرجها، ورجع إلى مجلسه مع الإمام (عليه السلام) فحدث بذلك (11).
5- قام أعشى باهلة وهو يومئذ غلام حدث إلى علي (عليه السلام)، وهو يخطب ويذكر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة.
فقال علي (عليه السلام):
(إن كنت آثماً فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف)، ثم سكت.
فقام رجال فقالوا: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟
قال: (غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك حرمة إلا انتهكها يضرب عنق هذا الغلام بسيفه).
فقالوا: كم يملك يا أمير المؤمنين؟
قال: عشرين إن بلغها.
قالوا: فيقتل قتلاً أم يموت موتاً؟
قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه.
قال إسماعيل بن رجاء - وهو الراوي - فوالله لقد رأيت بعيني أعشى باهلة وقد أحضر في جملة الأسرى الذين أسروا من جيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجاج فقرعه ووبخه واستنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرحمن على الحرب ثم ضرب عنقه في ذلك المجلس (12).
6- قال (عليه السلام) لعمرو بن الحمق الخزاعي في حديث:
(يا عمرو إنك لمقتول بعدي، وإن رأسك لمنقول، وهو أول رأس نقل في الإسلام، والويل لقاتلك، أما إنك لا تنزل بقوم إلا أسلموا برمتك، إلا هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الأزد فإنهم لن يسلموك ولن يخذلوك).
قل شمير بن سدير الأزدي - وهو الراوي - فوالله ما مضت الأيام حتى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفاً مذعوراً حتى نزل في قومه من بني خزاعة فأسلموه، فقتل، وحمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد (13).
7- دخل جويرية بن مسهر العبدي على علي (عليه السلام) يوماً وهو مضطجع وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية:
أيها النائم استيقظ فلتضربن على رأسك ضربة تخضب بها لحيتك.
قال حبة العرني - وهو الراوي - فتبسم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: (وأحدثك يا جويرية بأمرك، أما والذي نفسي بيده لتتلنّ إلى العتل الزنيم، فليقطعن يدك ورجلك وليصلبنك تحت جذع كافر).
قال حبة العرني: فوالله ما مضت الأيام على ذلك، حتى أخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانب ابن مكعبر وكان جذعاً طويلاً فصلبه على جذع قصير إلى جانبه (14).
8- قال الإمام لميثم التمار يوماً بمحضر من خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص:
(يا ميثم إنك تؤخذ بعدي وتُصلب، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دماً حتى يخضب لحيتك، فإذا كان اليوم الثالث طُعنت بحربة تقضي عليك فانتظر ذلك، والموضع الذي تُصلب فيه على باب دار عمرو بن حريث، إنك لعاشر عشرة أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، يعني الأرض، ولأرينك النخلة التي تُصلب على جذعها). ثم أراه إيّاه بعد ذلك بيومين.
وقد تحققت هذه النبوءة بحذافيرها كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد في حديث طويل يضيق به المقام (15).
9- روى إبراهيم بن العباس النهدي في سند ينتهي إلى زياد بن النضر الحارثي أنه قال:
كنت عند زياد وقد أتي برشيد الهجري وكان من خواص أصحاب علي (عليه السلام)، فقال له زياد: ما قال لك خليلك إنا فاعلون بك؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني، فقال زياد: أما والله لأكذبن حديثه، خلو سبيله، فلما أراد أن يخرج، قال: ردوه، لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك، إنك لا تزال تبغي لنا سوءً إن بقيت، اقطعوا يديه ورجليه، فقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلم. فقال: اصلبوه خنقاً في عقنه، فقال رشيد: قد بقي لكم عندي شيء ما أراكم فعلتموه، فقال زياد: اقطعوا لسانه، فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفّسوا عني أتكلم كلمة واحدة، فنفسوا عنه فقال: هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين بقطع لساني، فقطعوا لسانه وصلبوه (16).
10- حدث سعد بن وهب، فقال في حديث:
فأتيته - يعني علياً (عليه السلام) - في كربلاء، فوجدته يشير بيده ويقول: هاهنا هاهنا فقال له رجل: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: (ثقل لآل محمد (صلّى الله عليه وآله) ينزل هاهنا، فويل لهم منكم وويل لكم منهم). فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: (ويل لهم منكم تقتلونهم وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار) (17).
11- ذكر ابن أبي الحديد تتمة خطبته في الملاحم تنبأ فيها الإمام بأن السلاح سيحمل على الظهر بقوله: (... وحتى يكون موضع سلاحكم على ظهوركم..) وكأنه يشير بذلك إلى البندقية وما إليها من الأسلحة الحديثة، وتنبأ فيها بولاية الحجاج ويوسف بن عمر (18).
12- قال ابن الحديد: .. ومن عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله في الخطبة التي يذكر فيها الملاحم وهو يشير إلى القرامطة: (ينتحلون لنا الحب والهوى ويضمرون لنا البغض والقلى، وآية ذلك قتلهم وراثنا وهجرهم أحداثنا).
قال ابن أبي الحديد: وصح ما أخبر به، لأن القرامطة قتلت من آل أبي طالب خلقاً كثيراً وأسماؤهم مذكورة في كتاب مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني. وفي هذه الخطبة قال، وهو يشير إلى السارية التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة: (كأني بالحجر الأسود منصوباً هنا، ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه وأُسه، يمكث هنا برهة، ثم هاهنا برهة - وأشار إلى البحرين - ثم يعود إلى مأواه وأم مثواه). ووقع الأمر في الحجر الأسود بموجب ما أخبر به (19).
------------------------------------------------------------------
1- الملاحم، جمع ملحمة، وهي الواقعة العظيمة.
2- ابن أبي الحديد، شرح النهج، ج2، ص508.
3- تقدم منه كلام في هذا في ج1، ص425-427.
4- المصدر السابق، ج2، ص508.
5- المصدر السابق، ج1، ص175-176.
6- المصدر السابق.
7- شجرهم: حاربهم أو رماهم.
8- المصدر السابق، ج1، ص205.
9- المصدر السابق، ج1، ص208.
10- المصدر السابق، نفس الصفحة.
11- المصدر السابق، ج1، ص208-209.
12- المصدر السابق، ج1، ص209.
13- المصدر السابق، ج1، ص209.
14- المصدر السابق، ج1، ص209-210.
15- المصدر السابق، ج1، ص210-211.
16- المصدر السابق، ج1، ص211.
17- المصدر السابق، ج1، ص278.
18- المصدر السابق، ج2، ص133.
19- المصدر السابق، ج2، ص508، وذكر ابن أبي الحديد، في ج2، ص49-50، عن المدائني في كتاب صفين خطبة للإمام في الملاحم خطبها بعد النهروان.------------------------------------------------------------
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 424
- اشترك في: الثلاثاء يوليو 20, 2004 7:35 pm
جعفري كتب:الأخ العزيز الشريف العلوي
أهلاً وسهلاً بك
الحوار هو زيدي جعفري وليس سني جعفري
فحدد نوعية حوارك
والسلام
ما تكتبه إذا كان مرفوضاً فله خلفية واحـد يشترك فيها السني والزيدي .. وعليك أن تفك عقد المعضـلات إذا أردت تثبت الفكـرة بصرف النظـر عن عقيدة المقـابل ..
عموماً إني لم أقصـد محاورتك أيها الزميل جعفري إنمـا أقصـد التبيين للإخـوة كيف يستبق أهل الغـلو النتائج دون تثبيت المقـدمات .. ويطلقون الحكم بناءاً على ظنيات لا حقائق .. وهكذا يجرون في كل باب ..
وما ذكرتُه يقوله السني والزيدي سواءً بسواء .. وإنما يحتاج إظهار الهوية من طـرح فكـرته وأبرز قـوله .. أما الناقـد فما عليه إلا تبيين محـل المشكل في الأقوال .. والحمد لله
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 103
- اشترك في: السبت فبراير 11, 2006 4:33 pm
سلوني قبل أن تفقدوني ما قالها غير علي ( عليه السلام )
إخواني الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلوني قبل أن تفقدوني ما قالها غير علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
إن محاولة الحديث عن دنيا المعرفة عند علي (ع) مهما اعطيت من التوفيق، يستحيل عليها أن تحد الفكر العلوي العظيم، و تحيط بأبعاد معرفته التي تميز بها (ع) و طرحها في ساحة الفكر الانساني.
و حسبك أن كل مدرسة فكرية ظهرت في دنيا المسلمين، كل منها تعلن انتماءها فكريا للإمام (ع) حتى و إن كانت مخالفة للواقع و الحق، و كأن قولها بالاستمداد من علي (ع) يعطيها صفة الشرعية و حق الحياة، فالأشاعرة نسبوا أنفسهم له، و المعتزلة ادعوا الانتماء إليه، و زعمت مدرسة الرأي في الفقه انتماءها إليه، و ذهب المتصوفة إلى أن إمامهم أمير المؤمنين فيما ذهبوا، و سوى هؤلاء كثير (1).
هذا فضلا عن حملة مبادئه من الذين التزموا مذهب أهل البيت (ع) ، الثقل الثاني بعد القرآن الكريم، اللذين ألزمت الشريعة التمسك بهما و سلوك دربهما، على لسان رسول الله (ص) مبلغا عن الله عز و جل:
«إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (2).
فادعاء جميع المدارس الفكرية و الفقهية انتماءها للإمام علي (ع) ، و انتهالها من فيض علمه، مؤشر كبير على عظمته (ع) و علو شأنه في دنيا الفكر الاسلامي. الأمر الذي لم يكن لأحد من المسلمين بعد رسول الله (ص) طوال التاريخ الاسلامي. فعلي (ع) قد تنازعته كل الحركات الفكرية و الفقهية التي ولدت في تاريخ المسلمين، بل قال بالانتساب إليه أصحاب النشاطات الفكرية و الثقافية و العلمية من نحويين و أهل القراءات و علماء التفسير و أهل الحديث و الفقه و سواهم، على أن الانتساب و أهل القراءات و علماء التفسير و أهل الحديث و الفقه و سواهم، على أن الانتساب لعلي (ع) في الحقل المعرفي أو ادعاء الانتساب إليه، لم يأت عفوا أبدا، و إنما هو شاهد قوي على أن عليا (ع) لم يترك حقلا من حقول المعرفة الصحيحة إلا وضع اسسه و حدده معالمه، و ترك الباب مفتوحا لرواد المعرفة أن ينهلوا منه.
و لم يكن العطاء الفكري العظيم الذي أسداه الإمام (ع) للانسان إلا حصيلة طبيعية للإعداد الخاص الذي توفر له من لدن رسول الله (ص) منذ طفولته (ع) حتى آخر ساعة من حياة الرسول (ص).
و لقد أشار الإمام (ع) نفسه إلى ذلك الإعداد الذي وفره له رسول الله (ص) و كشف عن أهمية و أبعاده في حياته (ع) بقوله:
«و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة. وضعني في حجره، و أنا ولد، يضمني إلى صدره، و يكنفني في فراشه، و يمسني جسده، و يشمني عرفه، و كان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول، و لا خطلة في فعل. و لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر امه. يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، و يأمرني بالإقتداء به. و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه، و لا يراه غيري، و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (ص) و خديجة، و أنا ثالثهما. أرى نور الوحي و الرسالة. و أشم ريح النبوة» (3).
و لاستمرارية ذلك الإعداد الخاص لعلي (ع) يشير أبو سعيد الخدري (رض) بقوله: «كانت لعلي من رسول الله (ص) دخلة لم تكن لأحد من الناس» (4). و عن ابن عباس (رض) عن علي (ع) قال:
«كان لي من النبي (ص) مدخلان: مدخل بالليل، و مدخل بالنهار» (5).
و لقد كان ذلك الإعداد الرسولي منصبا على جميع جوانب شخصية الإمام (ع) من أجل تأهيله فكريا و نفسيا لاحتلال موقع المرجعية الفكرية و السياسية للامة الاسلامية بعد غياب رسول الله (ص) عن مسرح الحياة.
و حيث إن حديثنا هذا يهدف إلى دراسة العطاء الفكري الثر الذي وهبه الإمام (ع) للانسانية، فلا بد من الاشارة إلى أن رسول الله (ص) حين أكمل بناء الجانب الفكري من شخصية الإمام (ع) و أهله لخلافته في هذا المضمار، أخذ (ص) يبلغ الامة بحقيقة ما وصل إليه الإمام (ع) من مستوى عظيم في ميدان المعرفة:
قال (ص) :
«انا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه» (6).
«علي باب علمي و مبين لامتي ما ارسلت به» (7).
و عن ابن مسعود قال: «كنت عند النبي (ص) فسئل عن علم علي (ع) ؟فقال: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فاعطي علي تسعة أجزاء و الناس جزاء واحدا، و هو أعلم بالعشر الباقي) » (8).
و هناك أحاديث شريفة بهذا الشأن لا تكاد تحصى كثرة، و هي تهدف جميعا إلىبيان المكانة التي يحتلها الإمام (ع) في الجانب المعرفي، و تدعو الامة صراحة إلى وجوب أخذ معارف التشريع الإلهي عن طريقه (9) ، فمنه تستمد الهدي، و هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى بعد رسول الله (ص).
و لقد أدرك الكثير من معاصري الإمام (ع) ما يحظى به الإمام (ع) من علو شاهق في مجالات المعرفة بشتى حقولها و جوانبها، و ما يتبوؤه من مقام رفيع في مسيرة الاسلام الخالدة:
فها هو ابن عباس (رض) يقول: اعطي علي بن أبي طالب (ع) تسعة أعشار العلم، و إنه لأعلمهم بالعشر الباقي (10).
و عطاء بن أبي رباح يقول، حين سئل: هل تعلم أحدا بعد رسول الله (ص) أعلم من علي؟لا و الله ما أعلمه.
و عمر بن الخطاب يقول:
العلم ستة أسداس، لعلي من ذلك خمسة أسداس، و للناس سدس، و لقد شاركنا في السدس حتى لهو أعلم منا به.
و لكم كان الخلفاء الذين سبقوه تأريخيا يرجعون إليه في مسائل القضاء و الحكم و الادارة، حتى أن عمر بن الخطاب كان يردد: «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن»أو يقول: «أعوذ بالله من معضلة لا علي لها» (11).
و عائشة تقول: «علي أعلم الناس بالسنة» (12). و غيره هؤلاء كثير.
على أن أمير المؤمنين (ع) قد أفصح مرارا و في مناسبات شتى عما يحمل من علم شامل غزير.
فتراه يخاطب أصحابه بأن صدره يحمل علما عظيما تلقاه من رسول الله (ص) ، و لو وجد له حملة أمناء يتصدون لحمله و تبليغه لأودع بعض علمه لديهم:
«إن في صدري هذا لعلما جما، علمنيه رسول الله (ص) و لو أجد له حفظة يرعونه حق رعايته، و يروونه عني كما يسمعونه مني، إذا لأودعتهم بعضه» (13).
ثم يكشف في مناسبة اخرى عن حجم ذلك العلم الذي يحمل، و يبين أبعاده و مساحته:
فعن ابن نباتة قال:
« لما بويع أمير المؤمنين (ع) بالخلافة خرج إلى المسجد معتما بعمامة رسول الله (ص) لابسا بردته، فصعد المنبر، فحمد الله و أثنى عليه، و وعظ، و أنذر، ثم جلس متمكنا، و شبك بين أصابعه، و وضعها أسفل سرته، ثم قال: (يا معشر الناس!سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإن عندي علم الأولين و الآخرين، أما و الله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين أهل الزبور، بزبورهم، و بين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى ينهي كل كتاب من هذه الكتب و يقول: يا رب!إن عليا قضى بقائك، و الله إني لأعلم بالقرآن و تأويله من كل مدع علمه). ثم قال: (سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها، و فيم نزلت، و أنبأتكم بناسخها من منسوخها، و خاصها من عامها، و محكمها من متشابهها، و مكيها من مدنيها، و الله ما من فئة تضل أو تهدي إلا و أنا أعرف قائدها و سائقها و ناعقها) » (14). «سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، و سلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا و أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل » (15).
و لقد قدر أن عليا (ع) لم يتسن له أن يساهم بما ساهم به من علم جمـ في المجالات الفكرية، فإن نداءاته الملحة في مناسبة و اخرى : (سلوني قبل أن تفقدوني) آية جلية على قدراته الفائقة في حقول المعرفة بشتى ضروبها و امتداداتها. و لو قدر كذلك أن الرسول (ص) لم يكشف عما لعلي (ع) من سابقة في العلم و علو شاهق في المعرفة، لكان إصرار علي (ع) على دعوة الناس لتلقي العلوم منه، شاهدا قويا لا يرد على ما له (ع) من علم غزير، فإن ثقته العالية بنفسه في مضمار العلم هي التي تدفعه دفعا لتكرار ذلك النداء الفريد، الذي ما حدثنا التاريخ أن رجلا أقدم عليه قبل علي (ع) خوف الفضيحة و النكوص عن الإجابة!
و لقد تنبه الكثير من أصحاب العقول إلى ما ينطوي عليه ذلك النداء العلوي: (سلوني) من أهمية بالغة، فقد قال سعيد بن المسيب:
«ما كان أحد من الناس يقول: سلوني، غير علي بن أبي طالب» (16).
و عن ابن شبرمة يقول: «ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر: سلوني، إلا علي بن أبي طالب» (17).
فالنداء المذكور بكثرة إلحاحه و حرارته، يحمل بين ثناياه دليلا على ما حواه الإمام (ع) من علم شمولي يمد الانسان بالغنى و الخير و الهدى و السداد.
--------------------------------------------------
1ـ ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 1/ص 7 و ما بعدها.
2ـ روى هذا الحديث باختلاف يسير في اللفظ: مسلم في صحيحه، و الحاكم في مستدرك الصحيحين و أحمد في المسند، و المتقي في كنز العمال، و غيرهم.
3ـ نهج البلاغة/الخطبة القاصعة/رقم النص. 192
4ـ البلاذري/أنساب الأشراف/ج 2/ص. 98
5ـ النسائي/خصائص الإمام علي بن أبي طالب/ص. 49
6ـ أخرجه الترمذي في صحيحه و أحمد بن حنبل و الحاكم في المستدرك و الحافظ أبو محمد السمرقندي في بحر الأسانيد و ابن جرير في تهذيب الآثار و الأربلي في كشف الغمة، و يراجع فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للحافظ أحمد بن محمد الصديق الغماري/ط 2، 1969 م.
7ـ أبو نعيم/حلية الأولياء. و الديلمي/فردوس الأخبار و غيرهما، و يراجع مقام أمير المؤمنين/ط الأعلمي/ص. 7
8ـ أخرجه الخوارزمي و ابن المغازلي الشافعي، و ابن شهر آشوب/المناقب/ج 2/ص. 30
9ـ راجع مناقب آل أبي طالب/ج 1/فصل في السابقة بالعلم، و بحار الأنوار/ج 41/باب 93، و فضائل الخمسة من الصحاح الستة و غيرها.
10ـ المجلسي/بحار الأنوار/ج 40/ص 146، عن المناقب.
11ـ طبقات ابن سعد/ج 2/قسم 2/ص 102. تهذيب التهذيب/ج 7/ص 327. أسد الغابة لابن الأثير/ج 4/ص22.
12ـ المجلسي/بحار الأنوار/ج 40/باب. 93
13ـ المصدر السابق/ص 129، عن الخصال.
14ـ المصدر السابق/ص 144، عن الارشاد.
15ـ الأمين/أعيان الشيعة/ج 1/ص 344. و مثله في الإصابة و الإتقان و حلية الأولياء و في صحيح مسلم/ج. 6
16ـ الأمين/أعيان الشيعة/ج 1/ص. 344
17ـ المصدر السابق.
-------------------------------------------------
سلام الله عليك ياوارث علم الأولين والآخرين سلام الله عليك ياسيدي يا أبا الحسن يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلوني قبل أن تفقدوني ما قالها غير علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
إن محاولة الحديث عن دنيا المعرفة عند علي (ع) مهما اعطيت من التوفيق، يستحيل عليها أن تحد الفكر العلوي العظيم، و تحيط بأبعاد معرفته التي تميز بها (ع) و طرحها في ساحة الفكر الانساني.
و حسبك أن كل مدرسة فكرية ظهرت في دنيا المسلمين، كل منها تعلن انتماءها فكريا للإمام (ع) حتى و إن كانت مخالفة للواقع و الحق، و كأن قولها بالاستمداد من علي (ع) يعطيها صفة الشرعية و حق الحياة، فالأشاعرة نسبوا أنفسهم له، و المعتزلة ادعوا الانتماء إليه، و زعمت مدرسة الرأي في الفقه انتماءها إليه، و ذهب المتصوفة إلى أن إمامهم أمير المؤمنين فيما ذهبوا، و سوى هؤلاء كثير (1).
هذا فضلا عن حملة مبادئه من الذين التزموا مذهب أهل البيت (ع) ، الثقل الثاني بعد القرآن الكريم، اللذين ألزمت الشريعة التمسك بهما و سلوك دربهما، على لسان رسول الله (ص) مبلغا عن الله عز و جل:
«إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (2).
فادعاء جميع المدارس الفكرية و الفقهية انتماءها للإمام علي (ع) ، و انتهالها من فيض علمه، مؤشر كبير على عظمته (ع) و علو شأنه في دنيا الفكر الاسلامي. الأمر الذي لم يكن لأحد من المسلمين بعد رسول الله (ص) طوال التاريخ الاسلامي. فعلي (ع) قد تنازعته كل الحركات الفكرية و الفقهية التي ولدت في تاريخ المسلمين، بل قال بالانتساب إليه أصحاب النشاطات الفكرية و الثقافية و العلمية من نحويين و أهل القراءات و علماء التفسير و أهل الحديث و الفقه و سواهم، على أن الانتساب و أهل القراءات و علماء التفسير و أهل الحديث و الفقه و سواهم، على أن الانتساب لعلي (ع) في الحقل المعرفي أو ادعاء الانتساب إليه، لم يأت عفوا أبدا، و إنما هو شاهد قوي على أن عليا (ع) لم يترك حقلا من حقول المعرفة الصحيحة إلا وضع اسسه و حدده معالمه، و ترك الباب مفتوحا لرواد المعرفة أن ينهلوا منه.
و لم يكن العطاء الفكري العظيم الذي أسداه الإمام (ع) للانسان إلا حصيلة طبيعية للإعداد الخاص الذي توفر له من لدن رسول الله (ص) منذ طفولته (ع) حتى آخر ساعة من حياة الرسول (ص).
و لقد أشار الإمام (ع) نفسه إلى ذلك الإعداد الذي وفره له رسول الله (ص) و كشف عن أهمية و أبعاده في حياته (ع) بقوله:
«و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة. وضعني في حجره، و أنا ولد، يضمني إلى صدره، و يكنفني في فراشه، و يمسني جسده، و يشمني عرفه، و كان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول، و لا خطلة في فعل. و لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر امه. يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، و يأمرني بالإقتداء به. و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه، و لا يراه غيري، و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (ص) و خديجة، و أنا ثالثهما. أرى نور الوحي و الرسالة. و أشم ريح النبوة» (3).
و لاستمرارية ذلك الإعداد الخاص لعلي (ع) يشير أبو سعيد الخدري (رض) بقوله: «كانت لعلي من رسول الله (ص) دخلة لم تكن لأحد من الناس» (4). و عن ابن عباس (رض) عن علي (ع) قال:
«كان لي من النبي (ص) مدخلان: مدخل بالليل، و مدخل بالنهار» (5).
و لقد كان ذلك الإعداد الرسولي منصبا على جميع جوانب شخصية الإمام (ع) من أجل تأهيله فكريا و نفسيا لاحتلال موقع المرجعية الفكرية و السياسية للامة الاسلامية بعد غياب رسول الله (ص) عن مسرح الحياة.
و حيث إن حديثنا هذا يهدف إلى دراسة العطاء الفكري الثر الذي وهبه الإمام (ع) للانسانية، فلا بد من الاشارة إلى أن رسول الله (ص) حين أكمل بناء الجانب الفكري من شخصية الإمام (ع) و أهله لخلافته في هذا المضمار، أخذ (ص) يبلغ الامة بحقيقة ما وصل إليه الإمام (ع) من مستوى عظيم في ميدان المعرفة:
قال (ص) :
«انا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه» (6).
«علي باب علمي و مبين لامتي ما ارسلت به» (7).
و عن ابن مسعود قال: «كنت عند النبي (ص) فسئل عن علم علي (ع) ؟فقال: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فاعطي علي تسعة أجزاء و الناس جزاء واحدا، و هو أعلم بالعشر الباقي) » (8).
و هناك أحاديث شريفة بهذا الشأن لا تكاد تحصى كثرة، و هي تهدف جميعا إلىبيان المكانة التي يحتلها الإمام (ع) في الجانب المعرفي، و تدعو الامة صراحة إلى وجوب أخذ معارف التشريع الإلهي عن طريقه (9) ، فمنه تستمد الهدي، و هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى بعد رسول الله (ص).
و لقد أدرك الكثير من معاصري الإمام (ع) ما يحظى به الإمام (ع) من علو شاهق في مجالات المعرفة بشتى حقولها و جوانبها، و ما يتبوؤه من مقام رفيع في مسيرة الاسلام الخالدة:
فها هو ابن عباس (رض) يقول: اعطي علي بن أبي طالب (ع) تسعة أعشار العلم، و إنه لأعلمهم بالعشر الباقي (10).
و عطاء بن أبي رباح يقول، حين سئل: هل تعلم أحدا بعد رسول الله (ص) أعلم من علي؟لا و الله ما أعلمه.
و عمر بن الخطاب يقول:
العلم ستة أسداس، لعلي من ذلك خمسة أسداس، و للناس سدس، و لقد شاركنا في السدس حتى لهو أعلم منا به.
و لكم كان الخلفاء الذين سبقوه تأريخيا يرجعون إليه في مسائل القضاء و الحكم و الادارة، حتى أن عمر بن الخطاب كان يردد: «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن»أو يقول: «أعوذ بالله من معضلة لا علي لها» (11).
و عائشة تقول: «علي أعلم الناس بالسنة» (12). و غيره هؤلاء كثير.
على أن أمير المؤمنين (ع) قد أفصح مرارا و في مناسبات شتى عما يحمل من علم شامل غزير.
فتراه يخاطب أصحابه بأن صدره يحمل علما عظيما تلقاه من رسول الله (ص) ، و لو وجد له حملة أمناء يتصدون لحمله و تبليغه لأودع بعض علمه لديهم:
«إن في صدري هذا لعلما جما، علمنيه رسول الله (ص) و لو أجد له حفظة يرعونه حق رعايته، و يروونه عني كما يسمعونه مني، إذا لأودعتهم بعضه» (13).
ثم يكشف في مناسبة اخرى عن حجم ذلك العلم الذي يحمل، و يبين أبعاده و مساحته:
فعن ابن نباتة قال:
« لما بويع أمير المؤمنين (ع) بالخلافة خرج إلى المسجد معتما بعمامة رسول الله (ص) لابسا بردته، فصعد المنبر، فحمد الله و أثنى عليه، و وعظ، و أنذر، ثم جلس متمكنا، و شبك بين أصابعه، و وضعها أسفل سرته، ثم قال: (يا معشر الناس!سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإن عندي علم الأولين و الآخرين، أما و الله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين أهل الزبور، بزبورهم، و بين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى ينهي كل كتاب من هذه الكتب و يقول: يا رب!إن عليا قضى بقائك، و الله إني لأعلم بالقرآن و تأويله من كل مدع علمه). ثم قال: (سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها، و فيم نزلت، و أنبأتكم بناسخها من منسوخها، و خاصها من عامها، و محكمها من متشابهها، و مكيها من مدنيها، و الله ما من فئة تضل أو تهدي إلا و أنا أعرف قائدها و سائقها و ناعقها) » (14). «سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، و سلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا و أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل » (15).
و لقد قدر أن عليا (ع) لم يتسن له أن يساهم بما ساهم به من علم جمـ في المجالات الفكرية، فإن نداءاته الملحة في مناسبة و اخرى : (سلوني قبل أن تفقدوني) آية جلية على قدراته الفائقة في حقول المعرفة بشتى ضروبها و امتداداتها. و لو قدر كذلك أن الرسول (ص) لم يكشف عما لعلي (ع) من سابقة في العلم و علو شاهق في المعرفة، لكان إصرار علي (ع) على دعوة الناس لتلقي العلوم منه، شاهدا قويا لا يرد على ما له (ع) من علم غزير، فإن ثقته العالية بنفسه في مضمار العلم هي التي تدفعه دفعا لتكرار ذلك النداء الفريد، الذي ما حدثنا التاريخ أن رجلا أقدم عليه قبل علي (ع) خوف الفضيحة و النكوص عن الإجابة!
و لقد تنبه الكثير من أصحاب العقول إلى ما ينطوي عليه ذلك النداء العلوي: (سلوني) من أهمية بالغة، فقد قال سعيد بن المسيب:
«ما كان أحد من الناس يقول: سلوني، غير علي بن أبي طالب» (16).
و عن ابن شبرمة يقول: «ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر: سلوني، إلا علي بن أبي طالب» (17).
فالنداء المذكور بكثرة إلحاحه و حرارته، يحمل بين ثناياه دليلا على ما حواه الإمام (ع) من علم شمولي يمد الانسان بالغنى و الخير و الهدى و السداد.
--------------------------------------------------
1ـ ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 1/ص 7 و ما بعدها.
2ـ روى هذا الحديث باختلاف يسير في اللفظ: مسلم في صحيحه، و الحاكم في مستدرك الصحيحين و أحمد في المسند، و المتقي في كنز العمال، و غيرهم.
3ـ نهج البلاغة/الخطبة القاصعة/رقم النص. 192
4ـ البلاذري/أنساب الأشراف/ج 2/ص. 98
5ـ النسائي/خصائص الإمام علي بن أبي طالب/ص. 49
6ـ أخرجه الترمذي في صحيحه و أحمد بن حنبل و الحاكم في المستدرك و الحافظ أبو محمد السمرقندي في بحر الأسانيد و ابن جرير في تهذيب الآثار و الأربلي في كشف الغمة، و يراجع فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للحافظ أحمد بن محمد الصديق الغماري/ط 2، 1969 م.
7ـ أبو نعيم/حلية الأولياء. و الديلمي/فردوس الأخبار و غيرهما، و يراجع مقام أمير المؤمنين/ط الأعلمي/ص. 7
8ـ أخرجه الخوارزمي و ابن المغازلي الشافعي، و ابن شهر آشوب/المناقب/ج 2/ص. 30
9ـ راجع مناقب آل أبي طالب/ج 1/فصل في السابقة بالعلم، و بحار الأنوار/ج 41/باب 93، و فضائل الخمسة من الصحاح الستة و غيرها.
10ـ المجلسي/بحار الأنوار/ج 40/ص 146، عن المناقب.
11ـ طبقات ابن سعد/ج 2/قسم 2/ص 102. تهذيب التهذيب/ج 7/ص 327. أسد الغابة لابن الأثير/ج 4/ص22.
12ـ المجلسي/بحار الأنوار/ج 40/باب. 93
13ـ المصدر السابق/ص 129، عن الخصال.
14ـ المصدر السابق/ص 144، عن الارشاد.
15ـ الأمين/أعيان الشيعة/ج 1/ص 344. و مثله في الإصابة و الإتقان و حلية الأولياء و في صحيح مسلم/ج. 6
16ـ الأمين/أعيان الشيعة/ج 1/ص. 344
17ـ المصدر السابق.
-------------------------------------------------
سلام الله عليك ياوارث علم الأولين والآخرين سلام الله عليك ياسيدي يا أبا الحسن يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي العزيز الحسن المتوكل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لاتعجل يا أخي فإن الله مع الصابرين
أقول : إن العلم الذي أخذه الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو في ظاهره علم اكتسابي اكتسبه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكنه في الحقيقة علم لدني من لدن حكيم خبير أورثه الله إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ولكن بواسطة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإلا لو كان هذا العلم اكتسابي بالمعنى المتداول بيننا فلا يمكن اكتسابة في هذه المدة القليلة التي عاشها مع رسول الله ( ص) فالإمام علي بن أبي طالب (ع) ولد في السنة العاشرة قبل الهجرة أي أنه عاش مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاثة وثلاثون سنة فهل من المعقول في هذه الفترة القصيرة يلم بكل هذا العلم ويقف متحدياً بقوله سلوني قبل أن تفقدوني !!!!!!!!! فوالله لو كان هذا العلم اكتسابي كما هو متعارف بيننا لما استطاع الواحد منا تحصيله ولو عمر عمر نوح عليه السلام فلا والله لا يمكنه ذلك ولو بمعشار هذا العلم الذي تحصل لدى علي بن أبي طالب .
لذا فالإنسان يقف مندهشاً تجاه هذا البحر المتلاطم من العلم الذي ما أدرك ابن عباس منه وهو حبر الأمة إلا قطرة منه .
وبالتالي هل أعطى الله هذا العلم لعلي بن أبي طالب (عليه السلام ) عبثاً ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
لا والله لا يوجد عند الله عبث أبداً بل أن الله هيىء علي بن أبي طالب ( عليه السلام) لمهمة كبرى وهي الإمامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولقيادة هذه الأمة وتوصيلها إلى بر الأمان وجنة عرضها السماوات والأرض .
ورب سائل يسأل ولكن العلم اللدني يخص الأنبياء والرسل وليس الأشخاص العاديين فكيف تقول ذلك وعلي بن أبي طالب ليس نبياً أو رسولاً ؟
فنقول له: نعم إن الأنبياء والرسل زودهم الله بسلاح العلم والمعرفة الإلهية ليستطيعوا أن يقوموا بالمهمة التي بعثوا لأجلها ولكن ليسوا هم فقط من لديهم العلوم الإلهية بل هناك أشخاص ذكرهم القرآن لم يكونوا أنبياء ومنهم الخضر ( عليه السلام) فهو عبد من عباد الله الصالحين آتاه الله علماً لم يكن لدى نبي الله موسى وهو من أولي العزم من الرسل فطلب موسى ( عليه السلام ) من الخضر أن يعلمه من علمه الذي آتاه الله إياه فقال تعالى في هذا الخصوص :
(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) ) – سورة الكهف
أقول : إذاً العلم الذى كان عند الخضر (ع) لم يستطع موسى ( ع) تحمله والصبر عليه .
وهذا لقمان لم يكن من الأنبياء ومع ذلك فقد آتاه الله الحكمة فقال تعالى :
(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) ) – سورة لقمان
وهذا ذي القرنين لم يكن نبياً وآتاه الله العلم فقال تعالى :
(وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) ) – سورة الكهف
فإذا كان الخضر (ع) ولقمان وذي القرنين قد آتاهم الله من لدنه علماً وحكماً فما المانع من أن يعطي علي بن أبي طالب من لدنه علماً وحكماً ؟
ونود أن نذكر هنا حادثة تبين علاقة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بالخضر ( عليه السلام ) لتوضيح ما ذكرناه :
لما جلس علي (ع) في الخلافة وبايعه الناس ، خرج إلى المسجد متعمّماً بعمامة رسول الله (ص) ، لابساً بردة رسول الله ، متنعّلاً نعل رسول الله ، متقلّداً سيف رسول الله ، فصعد المنبر فجلس عليه متمكناً ، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال :
يا معاشر الناس !.. سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سَفَط العلم ، هذا لعاب رسول الله (ص) ، هذا ما زقّني رسول الله (ص) زقّاً زقّاً ، سلوني فإنّ عندي علم الأولين والآخرين ، أما والله لو ثُنّيت لي وسادة فجلست عليها ، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول : صدق عليٌّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ ، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول : صدق عليٌّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول :
صدق علي ّما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ ، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا ، فهل فيكم أحدٌ يعلم ما نزل فيه ؟.. ولولا آية في كتاب الله عزّ وجلّ ، لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائنٌ إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} .
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل أُنزلت أوفي نهار أُنزلت ، مكيّها ومدنيها ، سفريها وحضريها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم ، فقام إليه رجلٌ يُقال له ذعلب - وكان ذرب اللسان ، بليغا في الخطب ، شجاع القلب - فقال : لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاةً صعبة ، لأخجلنّه اليوم لكم في مسألتي إياه ، فقال : يا أمير المؤمنين !.. هل رأيت ربك ؟.. فقال : ويلك يا ذعلب !..لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره ، قال : فكيف رأيته ؟.. صفه لنا .. قال (ع) :
ويلك !.. لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، ويلك يا ذغلب !.. إنّ ربي لا يُوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ، ولا بقيام قيام انتصاب ، ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيفُ اللطافة لا يُوصف باللطف ، عظيمُ العظمة لا يوصف بالعظم ، كبيرُ الكبرياء لا يُوصف بالكبر ، جليلُ الجلالة لا يُوصف بالغلظ ، رؤوفُ الرحمة لا يُوصف بالرقّة ، مؤمنٌ لا بعبادة ، مُدركٌ لا بمجسّة ، قائلٌ لا بلفظ ، هو في الأشياء على غير ممازجة ، خارجٌ منها على غير مباينة ، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه ، أمام كلّ شيء ولا يقال له أمام ، داخلٌ في الأشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارجٌ منها لا كشيء من شيء خارج ، فخرّ ذعلب مغشياً عليه فقال : تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدتُ إلى مثلها ....
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه رجلٌ من أقصى المسجد متوكّياً على عكازة ، فلم يزل يتخطّى الناس حتى دنا منه فقال : يا أمير المؤمنين !.. دلّني على عمل إذا أنا عملته نجّاني الله من النار . فقال له : اسمع يا هذا !.. ثم افهم ثم استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل لعلمه ، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عزّ وجلّ ، و بفقير صابر ، فإذا كتم العالم علمه ، وبخل الغني ، ولم يصبر الفقير ، فعندها الويل والثبور ، وعندها يعرف العارفون بالله ، إنّ الدار قد رجعت إلى بدئها ، أي إلى الكفر بعد الإيمان.
أيها السائل !.. فلا تغترّن بكثرة المساجد ، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتّى ، أيها الناس !.. إنما الناس ثلاثة : زاهدٌ ، وراغبٌ ، وصابرٌ ، فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه ، ولا يحزن على شيء منها فاته ، وأما الصابر فيتمناها بقلبه ، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه ، لماَ يعلم من سوء عاقبتها ، وأما الراغب فلا يبالي من حلٍّ أصابها أم من حرام ..
قال : يا أمير المؤمنين !.. فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟.. قال : ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حقّ فيتولاّه ، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه وإن كان حبيبا قريبا ، قال : صدقت والله يا أمير المؤمنين !.. ثم غاب الرجل فلم نره ، فطلبه الناس فلم يجدوه ، فتبّسم علي (ع) على المنبر ثم قال : ما لكم ؟..هذا أخي الخضر (ع) ....
المصدر: التوحيد 319 ، أمالي الصدوق 205
أقول : إذاً علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان يعرف الخضر (عليه السلام ) لذا فليس غريباً أن يحوز علي بن أبي طالب (ع) علماً مثل علم الخضر (ع) بل ربما أكثر منه وهنا نقول قد يكون لدى علي بن أبي طالب علماً يفوق ما عند الأنبياء والرسل ما عدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو المصدر لعلم علي بن أبي طالب (ع) وبالتالي يكون علي بن أبي طالب وارث علم النبيين .
النتيجة هي : أن الإمام علي بن أبي طالب (ع) ورث علمه من الله عز وجل وعليه فإن أي إمام معين من قبل الله يجب أن يكون لديه علم علي بن أبي طالب ويكون وحيد عصره ولا يسبقه أحد في عصره .
ومن ينطبق عليه هذا الشرط هو الإمام المعين من قبل الله عز وجل سواء رفع سيفاً أم لم يرفع سيفاً .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لاتعجل يا أخي فإن الله مع الصابرين
أقول : إن العلم الذي أخذه الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو في ظاهره علم اكتسابي اكتسبه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكنه في الحقيقة علم لدني من لدن حكيم خبير أورثه الله إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ولكن بواسطة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإلا لو كان هذا العلم اكتسابي بالمعنى المتداول بيننا فلا يمكن اكتسابة في هذه المدة القليلة التي عاشها مع رسول الله ( ص) فالإمام علي بن أبي طالب (ع) ولد في السنة العاشرة قبل الهجرة أي أنه عاش مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاثة وثلاثون سنة فهل من المعقول في هذه الفترة القصيرة يلم بكل هذا العلم ويقف متحدياً بقوله سلوني قبل أن تفقدوني !!!!!!!!! فوالله لو كان هذا العلم اكتسابي كما هو متعارف بيننا لما استطاع الواحد منا تحصيله ولو عمر عمر نوح عليه السلام فلا والله لا يمكنه ذلك ولو بمعشار هذا العلم الذي تحصل لدى علي بن أبي طالب .
لذا فالإنسان يقف مندهشاً تجاه هذا البحر المتلاطم من العلم الذي ما أدرك ابن عباس منه وهو حبر الأمة إلا قطرة منه .
وبالتالي هل أعطى الله هذا العلم لعلي بن أبي طالب (عليه السلام ) عبثاً ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
لا والله لا يوجد عند الله عبث أبداً بل أن الله هيىء علي بن أبي طالب ( عليه السلام) لمهمة كبرى وهي الإمامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولقيادة هذه الأمة وتوصيلها إلى بر الأمان وجنة عرضها السماوات والأرض .
ورب سائل يسأل ولكن العلم اللدني يخص الأنبياء والرسل وليس الأشخاص العاديين فكيف تقول ذلك وعلي بن أبي طالب ليس نبياً أو رسولاً ؟
فنقول له: نعم إن الأنبياء والرسل زودهم الله بسلاح العلم والمعرفة الإلهية ليستطيعوا أن يقوموا بالمهمة التي بعثوا لأجلها ولكن ليسوا هم فقط من لديهم العلوم الإلهية بل هناك أشخاص ذكرهم القرآن لم يكونوا أنبياء ومنهم الخضر ( عليه السلام) فهو عبد من عباد الله الصالحين آتاه الله علماً لم يكن لدى نبي الله موسى وهو من أولي العزم من الرسل فطلب موسى ( عليه السلام ) من الخضر أن يعلمه من علمه الذي آتاه الله إياه فقال تعالى في هذا الخصوص :
(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) ) – سورة الكهف
أقول : إذاً العلم الذى كان عند الخضر (ع) لم يستطع موسى ( ع) تحمله والصبر عليه .
وهذا لقمان لم يكن من الأنبياء ومع ذلك فقد آتاه الله الحكمة فقال تعالى :
(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) ) – سورة لقمان
وهذا ذي القرنين لم يكن نبياً وآتاه الله العلم فقال تعالى :
(وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) ) – سورة الكهف
فإذا كان الخضر (ع) ولقمان وذي القرنين قد آتاهم الله من لدنه علماً وحكماً فما المانع من أن يعطي علي بن أبي طالب من لدنه علماً وحكماً ؟
ونود أن نذكر هنا حادثة تبين علاقة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بالخضر ( عليه السلام ) لتوضيح ما ذكرناه :
لما جلس علي (ع) في الخلافة وبايعه الناس ، خرج إلى المسجد متعمّماً بعمامة رسول الله (ص) ، لابساً بردة رسول الله ، متنعّلاً نعل رسول الله ، متقلّداً سيف رسول الله ، فصعد المنبر فجلس عليه متمكناً ، ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال :
يا معاشر الناس !.. سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سَفَط العلم ، هذا لعاب رسول الله (ص) ، هذا ما زقّني رسول الله (ص) زقّاً زقّاً ، سلوني فإنّ عندي علم الأولين والآخرين ، أما والله لو ثُنّيت لي وسادة فجلست عليها ، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول : صدق عليٌّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ ، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول : صدق عليٌّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول :
صدق علي ّما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله فيّ ، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا ، فهل فيكم أحدٌ يعلم ما نزل فيه ؟.. ولولا آية في كتاب الله عزّ وجلّ ، لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائنٌ إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} .
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل أُنزلت أوفي نهار أُنزلت ، مكيّها ومدنيها ، سفريها وحضريها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم ، فقام إليه رجلٌ يُقال له ذعلب - وكان ذرب اللسان ، بليغا في الخطب ، شجاع القلب - فقال : لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاةً صعبة ، لأخجلنّه اليوم لكم في مسألتي إياه ، فقال : يا أمير المؤمنين !.. هل رأيت ربك ؟.. فقال : ويلك يا ذعلب !..لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره ، قال : فكيف رأيته ؟.. صفه لنا .. قال (ع) :
ويلك !.. لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، ويلك يا ذغلب !.. إنّ ربي لا يُوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ، ولا بقيام قيام انتصاب ، ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيفُ اللطافة لا يُوصف باللطف ، عظيمُ العظمة لا يوصف بالعظم ، كبيرُ الكبرياء لا يُوصف بالكبر ، جليلُ الجلالة لا يُوصف بالغلظ ، رؤوفُ الرحمة لا يُوصف بالرقّة ، مؤمنٌ لا بعبادة ، مُدركٌ لا بمجسّة ، قائلٌ لا بلفظ ، هو في الأشياء على غير ممازجة ، خارجٌ منها على غير مباينة ، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه ، أمام كلّ شيء ولا يقال له أمام ، داخلٌ في الأشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارجٌ منها لا كشيء من شيء خارج ، فخرّ ذعلب مغشياً عليه فقال : تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب ، والله لا عدتُ إلى مثلها ....
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه رجلٌ من أقصى المسجد متوكّياً على عكازة ، فلم يزل يتخطّى الناس حتى دنا منه فقال : يا أمير المؤمنين !.. دلّني على عمل إذا أنا عملته نجّاني الله من النار . فقال له : اسمع يا هذا !.. ثم افهم ثم استيقن ، قامت الدنيا بثلاثة : بعالم ناطق مستعمل لعلمه ، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عزّ وجلّ ، و بفقير صابر ، فإذا كتم العالم علمه ، وبخل الغني ، ولم يصبر الفقير ، فعندها الويل والثبور ، وعندها يعرف العارفون بالله ، إنّ الدار قد رجعت إلى بدئها ، أي إلى الكفر بعد الإيمان.
أيها السائل !.. فلا تغترّن بكثرة المساجد ، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتّى ، أيها الناس !.. إنما الناس ثلاثة : زاهدٌ ، وراغبٌ ، وصابرٌ ، فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه ، ولا يحزن على شيء منها فاته ، وأما الصابر فيتمناها بقلبه ، فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه ، لماَ يعلم من سوء عاقبتها ، وأما الراغب فلا يبالي من حلٍّ أصابها أم من حرام ..
قال : يا أمير المؤمنين !.. فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟.. قال : ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حقّ فيتولاّه ، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه وإن كان حبيبا قريبا ، قال : صدقت والله يا أمير المؤمنين !.. ثم غاب الرجل فلم نره ، فطلبه الناس فلم يجدوه ، فتبّسم علي (ع) على المنبر ثم قال : ما لكم ؟..هذا أخي الخضر (ع) ....
المصدر: التوحيد 319 ، أمالي الصدوق 205
أقول : إذاً علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان يعرف الخضر (عليه السلام ) لذا فليس غريباً أن يحوز علي بن أبي طالب (ع) علماً مثل علم الخضر (ع) بل ربما أكثر منه وهنا نقول قد يكون لدى علي بن أبي طالب علماً يفوق ما عند الأنبياء والرسل ما عدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو المصدر لعلم علي بن أبي طالب (ع) وبالتالي يكون علي بن أبي طالب وارث علم النبيين .
النتيجة هي : أن الإمام علي بن أبي طالب (ع) ورث علمه من الله عز وجل وعليه فإن أي إمام معين من قبل الله يجب أن يكون لديه علم علي بن أبي طالب ويكون وحيد عصره ولا يسبقه أحد في عصره .
ومن ينطبق عليه هذا الشرط هو الإمام المعين من قبل الله عز وجل سواء رفع سيفاً أم لم يرفع سيفاً .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم اخوتي في الله
لقد وجدت وأنا أبحث موضوعاً كتبه أحد المؤمنين أحببت أن أتحف به بحثنا هذا وإليكم هذا الموضوع :
علم الحساب عند الإمام علي(عليه السلام)
أحمد محمد جواد محسن (سوريا)
مقدمة:
ليس غريباً أن يكون الإمام علي ، عالماً متمكناً في العلوم الفقهية واللغوية وأوليات علم الحساب التي تخص عمليات توزيع الإرث وتحصيل الزكاة وحل بعض المسائل الحسابية المتضمنة كسوراً ، وهو الذي تربى في أحضان النبوة ونهل علمه منها ، حيث يقول الرسول الكريم محمد(صلى الله عليه وآله) : «أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت بابه» [1] . وفي هذا المقام يقول عباس محمود العقاد : فقلَّ أن سمعنا بعلم من العلوم الإسلامية أو العلوم القديمة لم ينسب إليه (أي للإمام علي) ، وقَلّ أن تحدث الناس بفضل لم ينحلوه إياه، وقلّ أن يوجه الثناء بالعلم إلى أحد من الأوائل إلاّ كانت له مساهمة فيه [2] . ويقول أيضاً : تبقى له (للإمام علي) الهداية الأولى في التوحيد الإسلامي والقضاء الإسلامي والفقه الإسلامي، وعلم النحو العربي وفن الكتابة العربية . مما يجوز لنا أن نسميه أساساً صالحاً لموسوعة المعارف الإسلامية في العصور أو يجوز لنا أن نسميه موسوعة المعارف الإسلامية كلها في الصدر الأول في الإسلام . وتبقى له مع هذا فرائد الحكمة التي تسجل له في ثقافة الأمة الإسلامية على تباين العصور [3] . وهنا نحب أن نشير أنه حتى أبي العلاء المعري يقول عن الإمام علي(عليه السلام) [4] :
وعلى الأفق في دماء الشهيد***ين علي ونجله شاهدان
فهما في أواخر الزمان فجرا***ن وفي أولياته شفقان
وإضافة إلى ما يمتلكه الإمام علي(عليه السلام) من علم ونفاذ بصيرته فإنه ما فتئ يحثّ على طلب العلم ويذكر أهميته فيقول على سبيل المثال : تعلّم العلم فإنه إن كنت غنياً زانك ، وإن كنت فقيراً صانك . ثروة العلم تنجي وتبقي ، وثروة المال تهلك وتفنى . ثروة العاقل في علمه وثروة الجاهل في ماله . ويقول أيضاً : كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنه يتسع به [5] .
وسنحاول في هذه الدراسة أن نبين مآثر الإمام علي(عليه السلام) وبراعته في علم الحساب من خلال النظر في ثلاثة أعمال هامة له وهي :
نهج البلاغة ، والمسائل الحسابية التي حلها بسرعة ودقة تامة ، والشعر المنسوب إليه .
أولاً ـ نهج البلاغة :
إن خطب الإمام ورسائله ووصاياه التي وردت في نهج البلاغة تعجّ بمفاهيم حسابية كالأعداد والكسور ووحدات قياس الطول وتعبيرات رياضية ، وفيما يلي بعضاً منها :
الأعداد :
لقد وردت الأعداد صغيرها وكبيرها كثيراً في نهج البلاغة ، فقد ذكر الإمام علي(عليه السلام) على سبيل المثال :
الأول : في وصية له لابنه الحسن فيقول : أي بني ! إني وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم ، وفكّرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم ، حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أولهم إلى آخرهم [6] .
وذكر الواحد والاثنين في وصية له(عليه السلام) ، وصّى بها جيشا بعثه إلى العدو بقوله : ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ، ومناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن [7] .
وذكر الثلاثة والاثنتين في كلام له في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق : ياأهل الكوفة ! منيت بكم بثلاثة واثنتين : صم ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء ، تربت أيديكم [8] .
وقال(عليه السلام) وهو يذكر الرقم أربعة : من أعطي أربعاً لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة [9] .
وفي الرقم خمسة قال(عليه السلام) : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا : لا يرجون أحد منكم إلاّ ربه ، ولا يخافن إلاّ ذنبه ، ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول «لا أعلم» ، ولا يستحين أحدا إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه ، وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه [10] .
والسبعة ذكرها في كلام له في التبرؤ من الظلم : واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة ، بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت [11] .
ومن العشرات ورد الرقم عشرة في قوله لما عزم على حرب الخوارج: مصارعهم دون النطفة ! واللّه لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة [12] .
وقد ورد أيضا ذكر العشرين والستين في خطبته وهو يحثّ على الجهاد ويذمّ القاعدين : للّه أبوهم !! وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع [13] .
ومن المئات ذكر المائة في خطبة له ، يقول : لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها [14] .
ومن الاُلوف ذكر الألف بقوله : اللّهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء ! أما واللّه لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم [15] .
وذكر القرن (وهو مائة عام) في خطبة الأشباح بقوله : ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته ، ويصل بينهم وبين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحملي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتى تمت بنبينا محمد(صلى الله عليه وآله) حجته ، وبلغ المقطع عذره ونذره [16] .
الكسور :والكسور هنا كالخمس والثلث والنصف ، الخ ... فمثلاً جاء ذكر الخمس في قوله : إن القرآن أنزل على النبي(صلى الله عليه وآله) والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفئ فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، والصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها [17] .
وقد ورد ذكر الثلث في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة ، بقوله : وصلوا بهم العشاء حيث يتوارى الشفق إلى ثلث الليل [18] .
وجاء ذكر الكسر تسعة أعشار بقوله : بلادكم أنتن بلاد اللّه أقربها من الماء وأبعدها من السماء ، وبها تسعة أعشار الشر [19] . والنصف جاء في قوله(عليه السلام) : الهمّ نصف الهرم [20] .
وحدات قياس الطول :
وتقيس هذه الوحدات الأبعاد الصغيرة ، كالإصبع والشبر والباع الخ ، كما تقيس الأبعاد الكبيرة كالفرسخ مثلاً .
فقد ورد الإصبع في جواب له عندما سئل(عليه السلام) عما بين الحق والباطل . فقال : مسافة أربع أصابع . الحق أن تقول : رأيت بعيني، والباطل أن تقول : سمعت بأذني [21] . والشبر جاء ذكره في كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، عامله على البصرة ، بقوله : فو اللّه ما كنزت في دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا [22] .
والشبر كما جاء في لسان العرب هو ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر [23] (إذا فتحتهما) .
كما ذكر الفرسخ في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة بقوله : وصلّوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار ، حين يسار فيها فرسخان [24] .
والفرسخ كلمة فارسية ويقول عنها ابن منظور في لسان العرب: إن الفرسخ : السكون من المسافة المعلومة في الأرض مأخوذ منه . والفرسخ ثلاثة أميال أو ستة ، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن . وهو واحد الفراسخ ، فارسي معرب والفرسخ ساعة من النهار [25] . والفرسخ يساوي ثلاثة أميال أو ستة آلاف متر [26] .
تعبيرات متصلة بالرياضيات :
ورد العديد من المصطلحات والتعبيرات تتصل بالرياضيات في خطب الإمام وكلامه . كالطول والعرض والعدد والقسمة والمضاعف والذرّة والنهاية والإحصاء والبرهان والفئة والمسافة والحساب وغيرها.
وسنذكر بعضاً منها . ففي كلام للإمام يوصي فيه أصحابه ، ذكر فيه تعبيرات مثل: الطول ، أطول ، أعرض ، أعلى ، حيث يقول : والجبال ذات الطول المنصوبة ، فلا أطول ، ولا أعرض ، ولا أعلى ولا أعظم منها ، ولو امتنع شيء بطول ، أو عرض ، أو قوة أو عز لامتنعن [27] .
وورد تعبير القسمة في مواضيع كثيرة، مثلا جاء في خطبة له في صفة خلق بعض الحيوانات : وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها وعدّد قسمها ، فبلّ الأرض بعد جفوفها . وأخرج نبتها بعد جد وبها . وهنا تعديد القسم إحصاء ما قدر منها لكل بقعة [28] .
وجاء ذكر المضاعف بأشكال مختلفة كالمضاعفات ، وأضعاف ، ومضاعفة ، ومضاعف الخ . ففي خطبة له بصفّين يقول : ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه ، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب ، تفضلاً منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله [29] . والذرّة ذكرها في خطبة الأشباح بقوله : ورجع كل كلمة ، وتحريك كل شفة ، ومستقر كل نسمة ومثقال كل ذرّة ، وهماهم كل نفس هامّة [30] . كما ذكر النهاية في خطبة له حول صفة خلق بعض الحيوانات بقوله : وإليها حاكمها ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيما ، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظّمته تجسيدا ، بل كبر شأنا ، وعظم سلطانا [31] .
وبمقابل النهاية ذكر اللانهاية ، وهذه تأتي بمعان عديدة مثلا، بلا عدد، لا يحصى ، التعداد الكثير ، الأزل الخ . فقد ورد تعبير لا بعدد في الخطبة السابقة بقوله : مستشهد الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، واحد لا بعدد ، ودائم لا بأمد وقائم لا بعمد [32] .
وجاء تعبير لا يحصى في كلامه لمّا عزم على لقاء القوم بصفّين : ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام ، ومدرجا للهوام والأنعام ، وما يحصى مما يرى وما لا يرى [33] .
أما التعداد الكثير الذي يعنى اللانهاية، فقد جاء ذكره في خطبة الأشباح أيضاً بقوله : اللّهم ! أنت أهل الوصف الجميل ، والتعداد الكثير ، إن تؤمل فخير مؤمل ، وإن ترج فأكرم مرجو [34] .
ثانياً ـ مسائل حسابية :
من الأدلة الاُخرى على عبقرية الإمام علي(عليه السلام) ، هي حله لمسائل حسابية معقدة بسرعة ودقة ... ولا عجب في ذلك فهو الذي يقول على ملأ من الناس : «سلوني قبل أن تفقدوني» [35] . وفي هذا المقام يقول عباس محمود العقاد عن الإمام(عليه السلام) : وفي أخباره ، مما يدل على علمه بأدوات الفقه كعلمه بنصوصه وأحكامه . ومن هذه الأدوات علم الحساب الذي كانت معرفته به أكثر من معرفة فقيه يتصرف في معضلة المواريث ، لأنه كان سريع الفطنة إلى حيله التي كانت تعدّ في ذلك الزمن ألغازاً تكدّ في حلها العقول [36] . وسنذكر بعض المسائل المشهورة التي قام بحلها ، مما يدل على تضلعه بعلم الحساب آنذاك .
ومن هذه المسائل المسألة المنبرية والمسألة الدينارية وقصة الأرغفة وغيرها .
المسألة المنبرية :
وخلاصة هذه المسألة [37] أن الإمام عليّاً(عليه السلام) سُئل وهو على المنبر عن ميّت ترك بنتين وأبوين وزوجة ، فأجاب من فوره : صار ثمنها تسعا . وسميت هذه المسألة بالمسألة المنبرية لأنه أفتى بها وهو على منبر الكوفة .
والفريضة هنا (أي المال الذي تركه الميت) هي أربعة وعشرون ، للزوجة ثمنها (أي ثلاثة) وللأبوين ثلثها (أي ثمانية) وللبنتين الثلثان (أي ستة عشر) . فضاق المال عن السهام (أي نقص المال عن الحصص المفروضة) ، لأن الثلث والثلثين تم بهما المال فمن أين يؤخذ الثمن . فإذا جمعنا الثلاثة والثمانية وأنقصناها من المال لكان الباقي ثلاثة عشر للبنتين نقص من سهمهما ثلاثة . ويبدو أن ثمة حلين لهذه المسألة . وهي إما استخدام العول أو عدم استخدامه . (والعول هنا كما جاء في مختار الصحاح . عالت الفريضة ، ارتفعت وهو أن تزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض) [38] .
فالعول هو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع الورثة بنسبة سهامهم . لهذا فإن النقص هنا هو ثلاثة فيدخل على الجميع فيزاد على الأربعة والعشرين ثلاثة تصير سبعة وعشرين للزوجة منها ثلاثة وللأبوين ثمانية وللبنتين ستة عشر . والثلاثة هي تسع السبع والعشرين ، فهذا معنى قوله صار ثمنها تسعا . وإما من نفى العول قال أن النقص يدخل على البنتين [39] .
المسألة الدينارية :
يقال: إن امرأة جاءت إلى الإمام ، وشكت إليه أن أخاها مات عن ستمائة دينار ، ولم يقسم لها من ميراثه غير دينار واحد . فقال لها : لعله ترك زوجة وابنتين وأماً واثني عشر أخا وأنت ؟ فكان كما قال . وهنا تتجلى قوة علمه وحدسه فبمجرد أن علم بحصتها فقد استنتج عدد أفراد العائلة ، وليس فقط ذلك، بل العلاقة فيما بينهم وجنسهم وحصة كل منهم . حيث أن هذه المرأة كانت تتوقع أن أخاها قد ظلمها لذا طلبت الإنصاف وأخذ حقها . لذلك قال لها خلّف أخوك بنتين لهما الثلثان أربعمائة (أي ثلثي الستمائة هو أربعمائة) . وخلّف أُماً لها السدس ، مائة (أي سدسي الستمائة هو مائة) ، وخلّف زوجة لها الثمن ، خمسة وسبعون (أي ثمن الستمائة هو خمسة وسبعون) . وخلّف معك اثني عشر أخاً لكلِّ أخ ديناران ولكِ دينار قالت نعم . فلذلك سُميت هذه المسألة بالدينارية [40] . ولذلك لو جمعنا هذه الحصص لكان مجموعها ستمائة وهو المبلغ الأصلي .
قصة الأرغفة :
جلس رجلان يتغذيان ، مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضعا الغذاء ، بين أيديهما مر بهما رجل ، فجلس وأكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية ، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم ، فتنازعا بينهما وارتفعا إلى الإمام علي(عليه السلام) فقصّا عليه قصتهما ، فحكم لصاحب الثلاثة أرغفة درهماً واحداً ، ولصاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم ، لأن الأرغفة الثمانية أربعة وعشرون ثلثاً ، لصاحب الثلاثة أرغفة منها تسعة أثلاث (لأن له ثلاثة أرغفة وكل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع تسعة أثلاث) ، أكل منها ثمانية (لأن هناك أربعة وعشرين ثلثاً أكلها الثلاثة بالتساوي فكل واحد منهما أكل ثمانية) وأكل الضيف واحداً منها ، ولصاحب الخمسة أرغفة منها خمسة عشر ثلثاً (لأن له خمسة أرغفة وكل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع خمسة عشر ثلثا) أكل منها ثمانية وأكل الضيف سبعة [41] . أي أن كلاًّ من الثلاثة أكل ثمانية أثلاث . فالأول أعطى للضيف ثلثا واحدا والثاني أعطاه سبعة أثلاث (والمجموع ثمانية أثلاث) . وبما أن الضيف قد دفع لهم ثمانية دراهم ، أي قيمة كل ثلث هو درهم واحد، وأنه قد أكل ثلثا واحدا من الشخص الأول، لذا تكون حصة هذا الشخص درهما واحدا . وكذلك أكل من الثاني سبعة أثلاث لذا تكون حصته سبعة دراهم .
مسألة التي ولدت لستة أشهر :
روي أن عمر أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها فقال له الإمام علي(عليه السلام) : إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك إن اللّه تعالى يقول : (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ويقول جلّ تعالى : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فإذا كانت مدة الرضاعة حولين كاملين (أي أربعة وعشرين شهرا) وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا ، فالحمل فيها ستة أشهر ، فخلّى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم لذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا [42] .
قصة الزُبية :
يقال: إنه رُفع للإمام علي(عليه السلام) وهو باليمن زُبية (وهي حفرة تحفر للأسد سميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال) حفرت للأسد فوقع فيها ، فوقف على شفير الزبية رجل فزلت قدمه فتعلق بآخر وتعلق الآخر بثالث وتعلق الثالث برابع فافترسهم الأسد . فقضى (الإمام) أن الأول فريسة الأسد وعلى أهله ثلث الدية للثاني ، وعلى أهل الثاني ثلثا الدية للثالث ، وعلى أهل الثالث الدية الكاملة للرابع . فبلغ ذلك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)فقال : لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء اللّه عزوجل فوق عرشه .
ورويت هذه الحادثة بصور اُخرى وهي أن الزبية لما وقع فيها الأسد أصبح الناس ينظرون إليه ويتزاحمون ويتدافعون حول الزبية فسقط فيها رجل وتعلق بالذي يليه وتعلق الآخر بالآخر حتى وقع فيها أربعة فقتلهم الأسد . فأمرهم أميرالمؤمنين(عليه السلام) أن يجمعوا ديّة تامة من القبائل الذين شهدوا الزبية ونصف دية وثلث دية وربع دية ، فأعطى أهل الأول ربع دية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة ، وأعطى أهل الثاني ثلث الدية من أجل أنه هلك فوقه اثنان وأعطى أهل الثالث النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد ، وأعطى أهل الرابع الديّة تامة لأنه لم يهلك فوقه أحد فأخبروا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فقال : هو كما قضى .
والظاهر أنهما واقعتان، ففي الرواية الاُولى أن الأول زلّت قدمه فوقع ولم يرمه أحد ، وفي الرواية الثانية أن المجتمعين تزاحموا وتدافعوا فيكون سقوط الأول بسببهم ولذلك اختلف الحكم فيها [43] .
ثلاثة رجال يختصمون :
عن شرح بديعة بن المقري أنه جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) ثلاثة رجال يختصمون في سبعة عشر بعيراً . أولهم يدعي نصفها وثانيهم ثلثها ، وثالثهم تُسعها . فاحتاروا في قسمتها ، لأن في ذلك سيكون كسراً (أي جزء من بعير) . فقال(عليه السلام) : أترضون أن أضع بعيراً مني فوقها وأقسّمها بينكم ، قالوا : نعم ، فوضع(عليه السلام) بعيراً بين الجمال ، فصارت ثمانية عشر ، فأعطى الأول نصفها وهو تسعة ، وأعطى الثاني ثلثها وهو ستة ، وأعطى الثالث تسعها وهو اثنان وبقي بعير له [44] .
ثالثاً ـ الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) :
وردت تعبيرات تخص الحساب ، كالأعداد والكسور وغيرها في الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) ، سنذكر بعضاً منها : فقد جاء ذكر الألف في شعر له [45] ، حيث يقول :
عليك بإخوان الصفاء ، فإنهم***عماد إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيراً ألف خل وصاحب***وإن عدوا واحدا لكثير
كما ذكر العدد سبعين ألفا في شعر له أيضا [46] :
لأصبحن العاصي ابن العاصي***سبعين ألفا عاقدي النواصي
مجنبين الخيل بالقلاص***مستحلقين حلق ألدلاص
وفي حسبة العمر يقول [47] ، وقد ذكر العدد ستين والنصف والثلث :
إذا عاش الفتى ستين عاما***فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف يذهب ليس يدري***لغفلته يمينا من شمال
وثلث النصف آمال وحرص***وشغل بالمكاسب والعيال
فحب المرء طول العمر جهل***وقسمته على هذا المنال
الخاتمة :
في ضوء إجابات المسائل السابقة وغيرها ، برهان ساطع على علم الإمام المحيط وحضوره لديه فيما يجعله حجة على الخلق في جميع العلوم والفنون ، خصوصاً إذا قسنا ذلك إلى عصر الإمام والثقافة العلمية المحدودة لناس آنذاك ، وفي ذلك يقول عباس محمود العقاد : ولكن هذه الفنون من الثقافة ـ أو جلها ـ إنما تعظم بالقياس إلى عصرها والجهود التي بذلت في بدايتها [48] .
ويقول أيضاً : وخلاصة ذلك كله أن ثقافة الإمام(عليه السلام) هي ثقافة العلم المفرد والقمة العالية بين الجماهير في كل مقام . من ذلك يمكن القول إن الإمام(عليه السلام) يعد أول من عمل في علم المواريث ، كما جاءت في القرآن الكريم ، وأول من قام بحل المسائل الحسابية في صدر الإسلام، كما يعد أول من تمكن من الفكر الموسوعي الذي يجمع أكبر عدد من فروع المعرفة المختلفة . ولكن من الغريب ، ـ حسب ما لاحظنا ـ أن غالبية كتب تاريخ الرياضيات لم تذكر ذلك، وهذا أمر يوسف له ، لذلك لابد من إجراء المزيد من البحوث والدراسات لهذه الحقبة الهامة من التاريخ الإسلامي .
ـــــــــــــــ
[1] عز الدين ابن الأثير الجوزي (1994) «أسد الغابة في معرفة الصحابة» تحقيق علي محمد عوض ، دار الكتب العلمية ، بيروت 4 : 95 .
[2] عباس محمود العقاد (1967) «عبقرية الإمام علي» دار الكتاب العربي ، بيروت : 190 .
[3] المصدر السابق : 194 .
[4] المصدر السابق : 6 .
[5] علي بن أبي طالب (1993) «نهج البلاغة»، شرح محمد عبده : 4 ، مؤسسة الأعلمي بيروت : 671 .
[6] نهج البلاغة ، مصدر سابق : 529 .
[7] نهج البلاغة : 501 .
[8] نهج البلاغة : 217 .
[9] نهج البلاغة : 657 .
[10] نهج البلاغة : 643 .
[11] نهج البلاغة : 468 .
[12] نهج البلاغة : 132 .
[13] نهج البلاغة : 92 .
[14] نهج البلاغة : 210 .
[15] نهج البلاغة : 87 .
[16] نهج البلاغة : 204 .
[17] نهج البلاغة : 688 .
[18] نهج البلاغة : 571 .
[19] نهج البلاغة : 66 .
[20] نهج البلاغة : 658 .
[21] محسن الأمين (1947) «أعيان الشيعة 3 ، القسم الأول ط 2 ، مطبعة الإتقان دمشق : 33 .
[22] نهج البلاغة : 559 .
[23] ابن منظور ، لسان العرب 4 ، دار صادر بيروت : 391 .
[24] نهج البلاغة : 570 .
[25] ابن منظور ، لسان العرب 3 : 44 .
[26] جلال شوقي (1985) «من تراثنا المنظوم في الرياضيات» ، المجلة العربية للعلوم، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس : 94 .
[27] نهج البلاغة : 432 .
[28] نهج البلاغة : 378 .
[29] نهج البلاغة : 450 .
[30] نهج البلاغة : 207 .
[31] نهج البلاغة : 375 .
[32] نهج البلاغة : 375 .
[33] نهج البلاغة : 345 .
[34] نهج البلاغة : 208 .
[35] محسن الأمين ، أعيان الشيعة ، مصدر سابق : 33 .
[36] عباس محمود العقاد ، مصدر سابق : 196 .
[37] محسن الأمين (1983) «أعيان الشيعة» المجلد الأول ، دار التعارف ، بيروت : 242 .
[38] محمد بن أبي بكر الرازي (1984) «مختار الصحاح» مؤسسة علوم القرآن ، دمشق : 463 .
[39] عباس محمود العقاد ، مصدر سابق : 196 .
[40] محسن الأمين «أعيان الشيعة» ، دار التعارف : 343 .
[41] المصدر السابق : 343 .
[42] المصدر السابق : 343 .
[43] المصدر السابق : 411 .
[44] حسين علي الشفائي (1990) «الحق المبين في قضاء أميرالمؤمنين» دار كرم ، دمشق : 115 .
[45] أحمد تيمور ، مصدر سابق : 28 .
[46] أحمد تيمور ، مصدر سابق : 37 .
[47] عبدالعزيز سيد الأهل (1980) «من الشعر المنسوب إلى الإمام الوصي علي بن أبي طالب»، ط 2، دار صادر ، لبنان : 111 .
[48] عباس محمود العقاد : 210
------------------
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد وجدت وأنا أبحث موضوعاً كتبه أحد المؤمنين أحببت أن أتحف به بحثنا هذا وإليكم هذا الموضوع :
علم الحساب عند الإمام علي(عليه السلام)
أحمد محمد جواد محسن (سوريا)
مقدمة:
ليس غريباً أن يكون الإمام علي ، عالماً متمكناً في العلوم الفقهية واللغوية وأوليات علم الحساب التي تخص عمليات توزيع الإرث وتحصيل الزكاة وحل بعض المسائل الحسابية المتضمنة كسوراً ، وهو الذي تربى في أحضان النبوة ونهل علمه منها ، حيث يقول الرسول الكريم محمد(صلى الله عليه وآله) : «أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت بابه» [1] . وفي هذا المقام يقول عباس محمود العقاد : فقلَّ أن سمعنا بعلم من العلوم الإسلامية أو العلوم القديمة لم ينسب إليه (أي للإمام علي) ، وقَلّ أن تحدث الناس بفضل لم ينحلوه إياه، وقلّ أن يوجه الثناء بالعلم إلى أحد من الأوائل إلاّ كانت له مساهمة فيه [2] . ويقول أيضاً : تبقى له (للإمام علي) الهداية الأولى في التوحيد الإسلامي والقضاء الإسلامي والفقه الإسلامي، وعلم النحو العربي وفن الكتابة العربية . مما يجوز لنا أن نسميه أساساً صالحاً لموسوعة المعارف الإسلامية في العصور أو يجوز لنا أن نسميه موسوعة المعارف الإسلامية كلها في الصدر الأول في الإسلام . وتبقى له مع هذا فرائد الحكمة التي تسجل له في ثقافة الأمة الإسلامية على تباين العصور [3] . وهنا نحب أن نشير أنه حتى أبي العلاء المعري يقول عن الإمام علي(عليه السلام) [4] :
وعلى الأفق في دماء الشهيد***ين علي ونجله شاهدان
فهما في أواخر الزمان فجرا***ن وفي أولياته شفقان
وإضافة إلى ما يمتلكه الإمام علي(عليه السلام) من علم ونفاذ بصيرته فإنه ما فتئ يحثّ على طلب العلم ويذكر أهميته فيقول على سبيل المثال : تعلّم العلم فإنه إن كنت غنياً زانك ، وإن كنت فقيراً صانك . ثروة العلم تنجي وتبقي ، وثروة المال تهلك وتفنى . ثروة العاقل في علمه وثروة الجاهل في ماله . ويقول أيضاً : كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنه يتسع به [5] .
وسنحاول في هذه الدراسة أن نبين مآثر الإمام علي(عليه السلام) وبراعته في علم الحساب من خلال النظر في ثلاثة أعمال هامة له وهي :
نهج البلاغة ، والمسائل الحسابية التي حلها بسرعة ودقة تامة ، والشعر المنسوب إليه .
أولاً ـ نهج البلاغة :
إن خطب الإمام ورسائله ووصاياه التي وردت في نهج البلاغة تعجّ بمفاهيم حسابية كالأعداد والكسور ووحدات قياس الطول وتعبيرات رياضية ، وفيما يلي بعضاً منها :
الأعداد :
لقد وردت الأعداد صغيرها وكبيرها كثيراً في نهج البلاغة ، فقد ذكر الإمام علي(عليه السلام) على سبيل المثال :
الأول : في وصية له لابنه الحسن فيقول : أي بني ! إني وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم ، وفكّرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم ، حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أولهم إلى آخرهم [6] .
وذكر الواحد والاثنين في وصية له(عليه السلام) ، وصّى بها جيشا بعثه إلى العدو بقوله : ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ، ومناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن [7] .
وذكر الثلاثة والاثنتين في كلام له في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق : ياأهل الكوفة ! منيت بكم بثلاثة واثنتين : صم ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء ، تربت أيديكم [8] .
وقال(عليه السلام) وهو يذكر الرقم أربعة : من أعطي أربعاً لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة [9] .
وفي الرقم خمسة قال(عليه السلام) : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا : لا يرجون أحد منكم إلاّ ربه ، ولا يخافن إلاّ ذنبه ، ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول «لا أعلم» ، ولا يستحين أحدا إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه ، وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه [10] .
والسبعة ذكرها في كلام له في التبرؤ من الظلم : واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة ، بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت [11] .
ومن العشرات ورد الرقم عشرة في قوله لما عزم على حرب الخوارج: مصارعهم دون النطفة ! واللّه لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة [12] .
وقد ورد أيضا ذكر العشرين والستين في خطبته وهو يحثّ على الجهاد ويذمّ القاعدين : للّه أبوهم !! وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع [13] .
ومن المئات ذكر المائة في خطبة له ، يقول : لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها [14] .
ومن الاُلوف ذكر الألف بقوله : اللّهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء ! أما واللّه لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم [15] .
وذكر القرن (وهو مائة عام) في خطبة الأشباح بقوله : ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته ، ويصل بينهم وبين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحملي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتى تمت بنبينا محمد(صلى الله عليه وآله) حجته ، وبلغ المقطع عذره ونذره [16] .
الكسور :والكسور هنا كالخمس والثلث والنصف ، الخ ... فمثلاً جاء ذكر الخمس في قوله : إن القرآن أنزل على النبي(صلى الله عليه وآله) والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفئ فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، والصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها [17] .
وقد ورد ذكر الثلث في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة ، بقوله : وصلوا بهم العشاء حيث يتوارى الشفق إلى ثلث الليل [18] .
وجاء ذكر الكسر تسعة أعشار بقوله : بلادكم أنتن بلاد اللّه أقربها من الماء وأبعدها من السماء ، وبها تسعة أعشار الشر [19] . والنصف جاء في قوله(عليه السلام) : الهمّ نصف الهرم [20] .
وحدات قياس الطول :
وتقيس هذه الوحدات الأبعاد الصغيرة ، كالإصبع والشبر والباع الخ ، كما تقيس الأبعاد الكبيرة كالفرسخ مثلاً .
فقد ورد الإصبع في جواب له عندما سئل(عليه السلام) عما بين الحق والباطل . فقال : مسافة أربع أصابع . الحق أن تقول : رأيت بعيني، والباطل أن تقول : سمعت بأذني [21] . والشبر جاء ذكره في كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، عامله على البصرة ، بقوله : فو اللّه ما كنزت في دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا [22] .
والشبر كما جاء في لسان العرب هو ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر [23] (إذا فتحتهما) .
كما ذكر الفرسخ في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة بقوله : وصلّوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار ، حين يسار فيها فرسخان [24] .
والفرسخ كلمة فارسية ويقول عنها ابن منظور في لسان العرب: إن الفرسخ : السكون من المسافة المعلومة في الأرض مأخوذ منه . والفرسخ ثلاثة أميال أو ستة ، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن . وهو واحد الفراسخ ، فارسي معرب والفرسخ ساعة من النهار [25] . والفرسخ يساوي ثلاثة أميال أو ستة آلاف متر [26] .
تعبيرات متصلة بالرياضيات :
ورد العديد من المصطلحات والتعبيرات تتصل بالرياضيات في خطب الإمام وكلامه . كالطول والعرض والعدد والقسمة والمضاعف والذرّة والنهاية والإحصاء والبرهان والفئة والمسافة والحساب وغيرها.
وسنذكر بعضاً منها . ففي كلام للإمام يوصي فيه أصحابه ، ذكر فيه تعبيرات مثل: الطول ، أطول ، أعرض ، أعلى ، حيث يقول : والجبال ذات الطول المنصوبة ، فلا أطول ، ولا أعرض ، ولا أعلى ولا أعظم منها ، ولو امتنع شيء بطول ، أو عرض ، أو قوة أو عز لامتنعن [27] .
وورد تعبير القسمة في مواضيع كثيرة، مثلا جاء في خطبة له في صفة خلق بعض الحيوانات : وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها وعدّد قسمها ، فبلّ الأرض بعد جفوفها . وأخرج نبتها بعد جد وبها . وهنا تعديد القسم إحصاء ما قدر منها لكل بقعة [28] .
وجاء ذكر المضاعف بأشكال مختلفة كالمضاعفات ، وأضعاف ، ومضاعفة ، ومضاعف الخ . ففي خطبة له بصفّين يقول : ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه ، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب ، تفضلاً منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله [29] . والذرّة ذكرها في خطبة الأشباح بقوله : ورجع كل كلمة ، وتحريك كل شفة ، ومستقر كل نسمة ومثقال كل ذرّة ، وهماهم كل نفس هامّة [30] . كما ذكر النهاية في خطبة له حول صفة خلق بعض الحيوانات بقوله : وإليها حاكمها ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيما ، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظّمته تجسيدا ، بل كبر شأنا ، وعظم سلطانا [31] .
وبمقابل النهاية ذكر اللانهاية ، وهذه تأتي بمعان عديدة مثلا، بلا عدد، لا يحصى ، التعداد الكثير ، الأزل الخ . فقد ورد تعبير لا بعدد في الخطبة السابقة بقوله : مستشهد الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، واحد لا بعدد ، ودائم لا بأمد وقائم لا بعمد [32] .
وجاء تعبير لا يحصى في كلامه لمّا عزم على لقاء القوم بصفّين : ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام ، ومدرجا للهوام والأنعام ، وما يحصى مما يرى وما لا يرى [33] .
أما التعداد الكثير الذي يعنى اللانهاية، فقد جاء ذكره في خطبة الأشباح أيضاً بقوله : اللّهم ! أنت أهل الوصف الجميل ، والتعداد الكثير ، إن تؤمل فخير مؤمل ، وإن ترج فأكرم مرجو [34] .
ثانياً ـ مسائل حسابية :
من الأدلة الاُخرى على عبقرية الإمام علي(عليه السلام) ، هي حله لمسائل حسابية معقدة بسرعة ودقة ... ولا عجب في ذلك فهو الذي يقول على ملأ من الناس : «سلوني قبل أن تفقدوني» [35] . وفي هذا المقام يقول عباس محمود العقاد عن الإمام(عليه السلام) : وفي أخباره ، مما يدل على علمه بأدوات الفقه كعلمه بنصوصه وأحكامه . ومن هذه الأدوات علم الحساب الذي كانت معرفته به أكثر من معرفة فقيه يتصرف في معضلة المواريث ، لأنه كان سريع الفطنة إلى حيله التي كانت تعدّ في ذلك الزمن ألغازاً تكدّ في حلها العقول [36] . وسنذكر بعض المسائل المشهورة التي قام بحلها ، مما يدل على تضلعه بعلم الحساب آنذاك .
ومن هذه المسائل المسألة المنبرية والمسألة الدينارية وقصة الأرغفة وغيرها .
المسألة المنبرية :
وخلاصة هذه المسألة [37] أن الإمام عليّاً(عليه السلام) سُئل وهو على المنبر عن ميّت ترك بنتين وأبوين وزوجة ، فأجاب من فوره : صار ثمنها تسعا . وسميت هذه المسألة بالمسألة المنبرية لأنه أفتى بها وهو على منبر الكوفة .
والفريضة هنا (أي المال الذي تركه الميت) هي أربعة وعشرون ، للزوجة ثمنها (أي ثلاثة) وللأبوين ثلثها (أي ثمانية) وللبنتين الثلثان (أي ستة عشر) . فضاق المال عن السهام (أي نقص المال عن الحصص المفروضة) ، لأن الثلث والثلثين تم بهما المال فمن أين يؤخذ الثمن . فإذا جمعنا الثلاثة والثمانية وأنقصناها من المال لكان الباقي ثلاثة عشر للبنتين نقص من سهمهما ثلاثة . ويبدو أن ثمة حلين لهذه المسألة . وهي إما استخدام العول أو عدم استخدامه . (والعول هنا كما جاء في مختار الصحاح . عالت الفريضة ، ارتفعت وهو أن تزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض) [38] .
فالعول هو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع الورثة بنسبة سهامهم . لهذا فإن النقص هنا هو ثلاثة فيدخل على الجميع فيزاد على الأربعة والعشرين ثلاثة تصير سبعة وعشرين للزوجة منها ثلاثة وللأبوين ثمانية وللبنتين ستة عشر . والثلاثة هي تسع السبع والعشرين ، فهذا معنى قوله صار ثمنها تسعا . وإما من نفى العول قال أن النقص يدخل على البنتين [39] .
المسألة الدينارية :
يقال: إن امرأة جاءت إلى الإمام ، وشكت إليه أن أخاها مات عن ستمائة دينار ، ولم يقسم لها من ميراثه غير دينار واحد . فقال لها : لعله ترك زوجة وابنتين وأماً واثني عشر أخا وأنت ؟ فكان كما قال . وهنا تتجلى قوة علمه وحدسه فبمجرد أن علم بحصتها فقد استنتج عدد أفراد العائلة ، وليس فقط ذلك، بل العلاقة فيما بينهم وجنسهم وحصة كل منهم . حيث أن هذه المرأة كانت تتوقع أن أخاها قد ظلمها لذا طلبت الإنصاف وأخذ حقها . لذلك قال لها خلّف أخوك بنتين لهما الثلثان أربعمائة (أي ثلثي الستمائة هو أربعمائة) . وخلّف أُماً لها السدس ، مائة (أي سدسي الستمائة هو مائة) ، وخلّف زوجة لها الثمن ، خمسة وسبعون (أي ثمن الستمائة هو خمسة وسبعون) . وخلّف معك اثني عشر أخاً لكلِّ أخ ديناران ولكِ دينار قالت نعم . فلذلك سُميت هذه المسألة بالدينارية [40] . ولذلك لو جمعنا هذه الحصص لكان مجموعها ستمائة وهو المبلغ الأصلي .
قصة الأرغفة :
جلس رجلان يتغذيان ، مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضعا الغذاء ، بين أيديهما مر بهما رجل ، فجلس وأكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية ، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم ، فتنازعا بينهما وارتفعا إلى الإمام علي(عليه السلام) فقصّا عليه قصتهما ، فحكم لصاحب الثلاثة أرغفة درهماً واحداً ، ولصاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم ، لأن الأرغفة الثمانية أربعة وعشرون ثلثاً ، لصاحب الثلاثة أرغفة منها تسعة أثلاث (لأن له ثلاثة أرغفة وكل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع تسعة أثلاث) ، أكل منها ثمانية (لأن هناك أربعة وعشرين ثلثاً أكلها الثلاثة بالتساوي فكل واحد منهما أكل ثمانية) وأكل الضيف واحداً منها ، ولصاحب الخمسة أرغفة منها خمسة عشر ثلثاً (لأن له خمسة أرغفة وكل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع خمسة عشر ثلثا) أكل منها ثمانية وأكل الضيف سبعة [41] . أي أن كلاًّ من الثلاثة أكل ثمانية أثلاث . فالأول أعطى للضيف ثلثا واحدا والثاني أعطاه سبعة أثلاث (والمجموع ثمانية أثلاث) . وبما أن الضيف قد دفع لهم ثمانية دراهم ، أي قيمة كل ثلث هو درهم واحد، وأنه قد أكل ثلثا واحدا من الشخص الأول، لذا تكون حصة هذا الشخص درهما واحدا . وكذلك أكل من الثاني سبعة أثلاث لذا تكون حصته سبعة دراهم .
مسألة التي ولدت لستة أشهر :
روي أن عمر أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها فقال له الإمام علي(عليه السلام) : إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك إن اللّه تعالى يقول : (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ويقول جلّ تعالى : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فإذا كانت مدة الرضاعة حولين كاملين (أي أربعة وعشرين شهرا) وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا ، فالحمل فيها ستة أشهر ، فخلّى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم لذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا [42] .
قصة الزُبية :
يقال: إنه رُفع للإمام علي(عليه السلام) وهو باليمن زُبية (وهي حفرة تحفر للأسد سميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال) حفرت للأسد فوقع فيها ، فوقف على شفير الزبية رجل فزلت قدمه فتعلق بآخر وتعلق الآخر بثالث وتعلق الثالث برابع فافترسهم الأسد . فقضى (الإمام) أن الأول فريسة الأسد وعلى أهله ثلث الدية للثاني ، وعلى أهل الثاني ثلثا الدية للثالث ، وعلى أهل الثالث الدية الكاملة للرابع . فبلغ ذلك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)فقال : لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء اللّه عزوجل فوق عرشه .
ورويت هذه الحادثة بصور اُخرى وهي أن الزبية لما وقع فيها الأسد أصبح الناس ينظرون إليه ويتزاحمون ويتدافعون حول الزبية فسقط فيها رجل وتعلق بالذي يليه وتعلق الآخر بالآخر حتى وقع فيها أربعة فقتلهم الأسد . فأمرهم أميرالمؤمنين(عليه السلام) أن يجمعوا ديّة تامة من القبائل الذين شهدوا الزبية ونصف دية وثلث دية وربع دية ، فأعطى أهل الأول ربع دية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة ، وأعطى أهل الثاني ثلث الدية من أجل أنه هلك فوقه اثنان وأعطى أهل الثالث النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد ، وأعطى أهل الرابع الديّة تامة لأنه لم يهلك فوقه أحد فأخبروا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فقال : هو كما قضى .
والظاهر أنهما واقعتان، ففي الرواية الاُولى أن الأول زلّت قدمه فوقع ولم يرمه أحد ، وفي الرواية الثانية أن المجتمعين تزاحموا وتدافعوا فيكون سقوط الأول بسببهم ولذلك اختلف الحكم فيها [43] .
ثلاثة رجال يختصمون :
عن شرح بديعة بن المقري أنه جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) ثلاثة رجال يختصمون في سبعة عشر بعيراً . أولهم يدعي نصفها وثانيهم ثلثها ، وثالثهم تُسعها . فاحتاروا في قسمتها ، لأن في ذلك سيكون كسراً (أي جزء من بعير) . فقال(عليه السلام) : أترضون أن أضع بعيراً مني فوقها وأقسّمها بينكم ، قالوا : نعم ، فوضع(عليه السلام) بعيراً بين الجمال ، فصارت ثمانية عشر ، فأعطى الأول نصفها وهو تسعة ، وأعطى الثاني ثلثها وهو ستة ، وأعطى الثالث تسعها وهو اثنان وبقي بعير له [44] .
ثالثاً ـ الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) :
وردت تعبيرات تخص الحساب ، كالأعداد والكسور وغيرها في الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) ، سنذكر بعضاً منها : فقد جاء ذكر الألف في شعر له [45] ، حيث يقول :
عليك بإخوان الصفاء ، فإنهم***عماد إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيراً ألف خل وصاحب***وإن عدوا واحدا لكثير
كما ذكر العدد سبعين ألفا في شعر له أيضا [46] :
لأصبحن العاصي ابن العاصي***سبعين ألفا عاقدي النواصي
مجنبين الخيل بالقلاص***مستحلقين حلق ألدلاص
وفي حسبة العمر يقول [47] ، وقد ذكر العدد ستين والنصف والثلث :
إذا عاش الفتى ستين عاما***فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف يذهب ليس يدري***لغفلته يمينا من شمال
وثلث النصف آمال وحرص***وشغل بالمكاسب والعيال
فحب المرء طول العمر جهل***وقسمته على هذا المنال
الخاتمة :
في ضوء إجابات المسائل السابقة وغيرها ، برهان ساطع على علم الإمام المحيط وحضوره لديه فيما يجعله حجة على الخلق في جميع العلوم والفنون ، خصوصاً إذا قسنا ذلك إلى عصر الإمام والثقافة العلمية المحدودة لناس آنذاك ، وفي ذلك يقول عباس محمود العقاد : ولكن هذه الفنون من الثقافة ـ أو جلها ـ إنما تعظم بالقياس إلى عصرها والجهود التي بذلت في بدايتها [48] .
ويقول أيضاً : وخلاصة ذلك كله أن ثقافة الإمام(عليه السلام) هي ثقافة العلم المفرد والقمة العالية بين الجماهير في كل مقام . من ذلك يمكن القول إن الإمام(عليه السلام) يعد أول من عمل في علم المواريث ، كما جاءت في القرآن الكريم ، وأول من قام بحل المسائل الحسابية في صدر الإسلام، كما يعد أول من تمكن من الفكر الموسوعي الذي يجمع أكبر عدد من فروع المعرفة المختلفة . ولكن من الغريب ، ـ حسب ما لاحظنا ـ أن غالبية كتب تاريخ الرياضيات لم تذكر ذلك، وهذا أمر يوسف له ، لذلك لابد من إجراء المزيد من البحوث والدراسات لهذه الحقبة الهامة من التاريخ الإسلامي .
ـــــــــــــــ
[1] عز الدين ابن الأثير الجوزي (1994) «أسد الغابة في معرفة الصحابة» تحقيق علي محمد عوض ، دار الكتب العلمية ، بيروت 4 : 95 .
[2] عباس محمود العقاد (1967) «عبقرية الإمام علي» دار الكتاب العربي ، بيروت : 190 .
[3] المصدر السابق : 194 .
[4] المصدر السابق : 6 .
[5] علي بن أبي طالب (1993) «نهج البلاغة»، شرح محمد عبده : 4 ، مؤسسة الأعلمي بيروت : 671 .
[6] نهج البلاغة ، مصدر سابق : 529 .
[7] نهج البلاغة : 501 .
[8] نهج البلاغة : 217 .
[9] نهج البلاغة : 657 .
[10] نهج البلاغة : 643 .
[11] نهج البلاغة : 468 .
[12] نهج البلاغة : 132 .
[13] نهج البلاغة : 92 .
[14] نهج البلاغة : 210 .
[15] نهج البلاغة : 87 .
[16] نهج البلاغة : 204 .
[17] نهج البلاغة : 688 .
[18] نهج البلاغة : 571 .
[19] نهج البلاغة : 66 .
[20] نهج البلاغة : 658 .
[21] محسن الأمين (1947) «أعيان الشيعة 3 ، القسم الأول ط 2 ، مطبعة الإتقان دمشق : 33 .
[22] نهج البلاغة : 559 .
[23] ابن منظور ، لسان العرب 4 ، دار صادر بيروت : 391 .
[24] نهج البلاغة : 570 .
[25] ابن منظور ، لسان العرب 3 : 44 .
[26] جلال شوقي (1985) «من تراثنا المنظوم في الرياضيات» ، المجلة العربية للعلوم، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس : 94 .
[27] نهج البلاغة : 432 .
[28] نهج البلاغة : 378 .
[29] نهج البلاغة : 450 .
[30] نهج البلاغة : 207 .
[31] نهج البلاغة : 375 .
[32] نهج البلاغة : 375 .
[33] نهج البلاغة : 345 .
[34] نهج البلاغة : 208 .
[35] محسن الأمين ، أعيان الشيعة ، مصدر سابق : 33 .
[36] عباس محمود العقاد ، مصدر سابق : 196 .
[37] محسن الأمين (1983) «أعيان الشيعة» المجلد الأول ، دار التعارف ، بيروت : 242 .
[38] محمد بن أبي بكر الرازي (1984) «مختار الصحاح» مؤسسة علوم القرآن ، دمشق : 463 .
[39] عباس محمود العقاد ، مصدر سابق : 196 .
[40] محسن الأمين «أعيان الشيعة» ، دار التعارف : 343 .
[41] المصدر السابق : 343 .
[42] المصدر السابق : 343 .
[43] المصدر السابق : 411 .
[44] حسين علي الشفائي (1990) «الحق المبين في قضاء أميرالمؤمنين» دار كرم ، دمشق : 115 .
[45] أحمد تيمور ، مصدر سابق : 28 .
[46] أحمد تيمور ، مصدر سابق : 37 .
[47] عبدالعزيز سيد الأهل (1980) «من الشعر المنسوب إلى الإمام الوصي علي بن أبي طالب»، ط 2، دار صادر ، لبنان : 111 .
[48] عباس محمود العقاد : 210
------------------
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
المسألة المنبرية !!
والمسألة الدينارية !!
من عجائبكم ، أنكم تستخدمون المسألتين السابقتين لعمل دعاية وترويج لعلم الإمام علي عليه السلام فقط !!!!!!!!!!!!!!!!!
ومن ثم التشنيع على احتجاجنا بهما في العول والتعصيب !!!!!
فتقولون بهما تقيه فقط !!!!!
أي أنكم تقولون بهما فقط عند الدعاية والترويج لعلم الإمام علي (ع) !!! ( وهوفي غنى عن دعاياتكم !! ومن ثم تنكرونها في فقهكم !!!!!
وراجع هذا الحوارالطويل الذي فتح الأخ / عبدالملك العولقي ( الإثناعشري ) عن العول
وانظر كيف تتناقضون في كل موضوع !!!
http://www.al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=327

والمسألة الدينارية !!
من عجائبكم ، أنكم تستخدمون المسألتين السابقتين لعمل دعاية وترويج لعلم الإمام علي عليه السلام فقط !!!!!!!!!!!!!!!!!
ومن ثم التشنيع على احتجاجنا بهما في العول والتعصيب !!!!!
فتقولون بهما تقيه فقط !!!!!
أي أنكم تقولون بهما فقط عند الدعاية والترويج لعلم الإمام علي (ع) !!! ( وهوفي غنى عن دعاياتكم !! ومن ثم تنكرونها في فقهكم !!!!!
وراجع هذا الحوارالطويل الذي فتح الأخ / عبدالملك العولقي ( الإثناعشري ) عن العول
وانظر كيف تتناقضون في كل موضوع !!!
http://www.al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=327


