الإمام علي بن الحسين ( ع) عند الزيدية
الأخوة الأعزاء في هذا المنتدى المبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دعونا نتعمق أكثر في حياة الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) لنلقي الضوء على بعض إشعاعاته وسوف نتناول في هذه المشاركة ظاهرة البكاء عند الإمام علي بن الحسين ظ0 عليه السلام )
ظاهرة البكاء عند الاِمام زين العابدين عليه السلام :
بين البكاء والتباكي :
بين البكاء والتباكي الهادفين خيط رفيع لا يمكن تجليته واكتناه فلسفته إلاّ بفهم الهدف من البكاء أولاً ، والتباكي ثانياً.
فإذا كان الهدف من البكاء هو تربية النفوس وتجلية الصدأ الذي يرين عليها جرّاء زحمة الحياة وقساوة العيش ، ومن ثم توجيه البكاء إعلامياً للتأثير على الناس كشكل من أشكال العمل السياسي أو الرسالي الهادف النبيل ، يأتي هنا ممدوحاً ومندوباً ، وهو غير الجزع والضعف والنفاق والرياء الذي له أهداف هابطة اُخرى.
أي أنّه في الدائرة الاُولى عاطفة نبيلة يمكن أن تنتزع من الاِنسان دواعي قسوة القلب وغلظته وشدّته ، وتحيله أكثر شفافية وسماحة ورقّة من جهة ، وهو عمل تربوي لتوجيه النفوس وتربيتها وتهذيب مشاعرها وأحاسيسها من جهة اُخرى.
وهكذا التباكي هو الآخر ، إمّا أن يكون تمثيلاً أجوف لا هدف وراءه ولاجدوى منه ولا طائل ، وإمّا أن يكون مواساةً للباكي في صدق بكائه وتصديق انفعاله وتفاعله مع حدث ما أو مصيبة ما ، أو يكون مشاركةً إنسانية ووجدانية تواسي المبكى عليه في عظمة تضحيته ونبل إقدامه وهيبة موقفه ، وبالتالي فإنّ الدائرة الاُولى غير الثانية بالتأكيد..
ومن هنا نلمس الفرق بين الندبة المعروفة :
ويصيح واذلاّه أيـن عشيرتي * وسراة قومي أين أهل ودادي
وبين الاُخرى التي تفجّر الدموع دماً :
لا تطلبوا قبر الحسين بشرق أرضٍ أو بغربِ * فدعـوا الجميع وعـرجّوا فمشهـده بقلبي
تفسير ظاهرة البكاء عند الاِمام عليه السلام :
وكما ارتبك بعض المؤرخين في تفسير دور الاِمام السجاد عليه السلام في ريادة مشروع المعارضة للسلطة الاَموية ، وأخفقوا في تفسير مواقفه الدقيقة لبلورة الاتجاه المناهض لها ، ارتبك بعضهم الآخر في تفسير ظاهرة البكاء المعروفة لديه ، وراحوا يشرّقون حولها ويغرّبون أيضاً..
نعم ، اتجه بعضهم إلى تحليل الظاهرة على أنها فجيعة ولدٍ بأبيه وأخوته فقط ، وبالتالي فانها لا تعدو كونها عاطفةً جياشةً لا يمكن التحكّم بانفجارها وتدفّقها في لحظات الانفعال الوجداني الذي لا يُكبح.. فيما اعتبرها آخرون أُسلوباً سياسياً ذكياً لاستنهاض الناس وتذكيرهم بالظلامة الكبيرة التي لحقت بأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وبين هذا التفسير وذاك ، راح المؤرخون يحلّلون ويكتبون ويبحثون ، وكلّ من زاويته أو فهمه للبكاء والتباكي ، فمن حزين مفجوع ينفس ببكائه عن غصّة وألم دفينين لا يستطيع منهما فكاكاً ، إلى بكّاءٍ متباكٍ ينوي ببكائه وتباكيه إذكاء نار الغضب المقدس ضد الظالمين الذين تجرأوا على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والصفوة من خيرة خلق الله بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
ومن هنا فلا يستطيع المؤرخ أو المحلل السياسي تفسير ظاهرة البكاء لدى الاِمام السجاد تفسيراً علمياً رصيناً إلاّ من خلال دراسة الظروف التي عاشها عليه السلام والفضاء الاِعلامي والسياسي الذي كان يتنفس فيه ، وإلاّ شطّ به التحليل بين أقصى اليمين وأقصى اليسار ، وجنح في تفسير هذه الظاهرة وفق ظروف اُخرى ، ربما نفسية أو اجتماعية ، أو سياسية ، هي في الحقيقة ، غير تلك التي يجب أن تفسّر من خلالها أو على ضوئها...
فحين نفهم مثلاً أنّ طائفةً كبيرةً من الناس كانت تجهل الدواعي والاَسباب التي دفعت الاِمام الحسين عليه السلام لخوض تلك المعركة غير المتكافئة ، يمكن أن نمسك بخيط واحد من خيوط التفسير العلمي لبكاء الاِمام السجاد عليه السلام .
وحين ندرك أن الاِعلام الاَموي كان يفسّر خروج الاِمام الحسين عليه السلام ضد الطاغية يزيد بأنّه صراع على السلطة ، وأنه بخروجه إنّما شقّ عصا الطاعة وفرّق الجماعة ، وأن الصراع بين الحسين ويزيد إنّما هو صراع شخصي تفجّر بين عائلتين أو بيتين يعتدُّ كل منهما بتأريخه وأمجاده ، وهما البيت الاُموي والبيت الهاشمي ، ويعتقد كلّ منهما بوراثته لتراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، تكون الكارثة أكبر والرزيّة أدهى على الاِمام السجاد عليه السلام ، لاَنّه سيواجه صعوبة بالغة في توضيح هذا المشتبك المؤلم ، ولو عِبر الدموع الغزيرة والنحيب المتواصل الذي أصبح إحدى خصال نفسه الزكية ، وطابعاً لروحه الطاهرة.
ولما كان إعلام السلطة آنذاك هو الحاكم والمهيمن على عقول الناس وأفكارهم ، وللحدِّ الذي يواجه به أحدهم الاِمام الحسين عليه السلام قائلاً ( ياحسين ألا تتقي الله : تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الاُمة ) (1) .
وأكثر من ذلك حين يواجه المرء نداءات تخرج من هنا وهناك في أرض المعركة ، تقول ( الزموا طاعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرَقَ من الدين وخالف إمام المسلمين ) وفي رواية اُخرى ( أمير المؤمنين ) (2).
وحين يسمع عفوية ذلك الشيخ الكبير الذي لا يعرف من الامور شيئاً ، فراح يواجه السبايا عند دخولهم الشام بقوله : ( الحمدُ لله الذي أهلككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم وأمكنَ منكم أمير المؤمنين يزيد ) (3).
تكون الرزية أكبر على الاِمام السجاد عليه السلام ، ويكون نشيجه هو المتنفس الوحيد للتعبير عن الاَلم والمرارة ، وهو تحت مخالب اللئام وصليل سيوفهم وقعقعة رماحهم.
المواجهة أو الصبر :
في هذا الجو الاِعلامي الماكر ، ومن هذا الفضاء الملبّد بكل تهويمات التضليل ، والتكتم والتعتيم على أعظم ثائر وأعظم ثورة أرادت أن تعيد الحق إلى نصابه ، وتستنهض الضمائر الميّتة وبتضحية قلّ نظيرها في التاريخ البشري انتصاراً للدين المضيّع والحدود المستباحة ، كان على الاِمام السجاد أن ينتهج أحد خيارين :
الاَول : هو المواجهة العلنية الصريحة ، والتنديد المباشر باجراءات السلطة الحاكمة وفضحها ، أي إقدامه عليه السلام على عملية استشهادية اُخرى تلحقه بأبيه وإخوته ، لا تكلّف خصومه أكثر من ضربة سيفٍ واحدة لايتردّد عن القيام بها جلواز واحد من جلاوزة السلطة يتقرب بها إلى الاَمير ، دون أن يرفّ له جفن أو يحاكمه ضمير ، وفي أُمّة ميتة لم يبقَ فيها للدم حرمة ولا للتضحية معنى أو صدى.. وبالتالي إيقاف أو إنهاء الدور الرسالي المهمّ الذي يسعى الاِمام السجاد عليه السلام إلى تحقيقه من خلال كشف تلك الغيوم وتبديدها...
والثاني : هو الصبر على ذلك الضيم أو الحيف الذي شمله مع عمّته العقيلة زينب عليها السلام وتمرير المرحلة بالعضّ على الجرح بنيّة مواصلة مراحل الكشف المطلوبة في كل عملية تغييرية يُراد لها أن تعيد الاُمّة المضللة إلى وعيها ، أو تعيد الوعي إلى الاُمّة المغلوبة على أمرها ، المسلوبة إرادتها المغيّب ضميرها ، وفي ذلك الهوس الاِعلامي الصاخب ، والمناخ السياسي الملوّث.
من هنا كان على الاِمام أن يختار طريقاً أو منهجاً يحقّق له هذا الهدف الكبير دون المساومة على مبادئه أو التفريط بها ، أو القفز عليها ، فاختار طريق البكاء أولاً ، ثم طريق الدعاء ثانياً .
ماذا حقق البكاء؟
وعن طريق البكاء هذا المشفوع بالدعاء طبعاً ، استطاع الاِمام عليه السلام أن يحقق الاَغراض التالية:
1 ـ تقريع أو استنهاض الضمير النابض في الاُمّة والذي لم يمت بعد ، أي مخاطبة الفطرة السليمة ، من خلال دموع ساخنة ونشيج صادق لايمكن تفسيره ببساطة على أنّه مجرد عواطف فائرة على فجيعةٍ مرّت وكارثة حلّت ، لا سيّما وانه من إمام يعرف أكثر من غيره القضاء والقدر وحتمية الموت وطوارق السُنن...
2 ـ استثمار جميع المواقف والمناسبات التي تُذكّر الناس بالجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق سبط النبي وسيد شباب أهل الجنة ، وعبر بكاء حارّ صادق يتفجّر أمام قصاب مثلاً يذبح شاته فيسقيها ماءً قبل ذبحها ـ كما مرَّ ـ أو أمام ضيف فقد عزيزاً فغسّله وكفّنه ـ كما ذكرنا ـ أو على مائدة إفطار يُقدّم فيها الماء للعطاشى والضامئين ويكون شعارها مثلاً :
« شيعتي ما إن شربتم عذب ماءٍ فاذكروني * أو سمعتـم بذبيح أو قتيـل فـاندبوني »!
وغير ذلك مما كان يذكّر بتجاوز الحدود ، وقساوة القلوب ، أي قلوب القتلة التي كانت كالحجارة أو أشدُّ قسوة ، وهذا يعني تركيز الشعور بالاِثم الكبير الذي ارتكب في طفوف كربلاء والذي صار عنوانه : « لعن الله أُمّة قتلتك ، ولعن الله أُمّة ظلمتك ، ولعن الله أُمّة شايعت وبايعت على قتلك ، ولعن الله أُمّة سمعت بذلك فرضيت به » !!
3 ـ إيهام السلطة الحاكمة وعيونها وأزلامها ومرتزقتها أنّ المفجوع ليس لديه إلاّ البكاء ، وأنّه ليس عملاً جُرمياً يبرّر للسلطة اتخاذ إجراءٍ قمعي لمواجهته ، فكيف إذا كان المفجوع باكياً فعلاً وليس متباكياً ، كما هو حال الاِمام عليه السلام !!
4 ـ وحين تختلط دموع البكاء مع تراب قبر المتوفى ، وهو ما كان يفعله الاِمام حين كان يُطيل سجوده وبكاءه على التراب الذي احتفظ به من ثرى قبر والده ومسحه بخاتمه الذي أصرّ على لبسه والمحافظة عليه مع الشعار المنقوش عليه والذي كان يردده عليه السلام : « خزي وشقي قاتل الحسين بن علي » (4) ، تكون رسالة البكاء أكثر تعبيراً وأمضى أثراً في إذكاء الوجدان المعذّب والضمير الحي وتفجيرهما ضد الظلم والظالمين.
5 ـ أما حين يمتزج البكاء مع الدعاء ، الذي سنأتي على ذكره ، وتتكامل لوحة الرفض المقدّس عبر العاطفة والفكر ، وعبر العقل والقلب ، يكون الهدف من البكاء أكثر تجليّاً وسطوعاً ، وهذا ما كان يُلاحظ عند الاِمام عليه السلام وهو يخرُّ ساجداً على حجارة خشنة في الصحراء يوماً ويشهق شهيقاً مرّاً مردّداً : « لا إله إلاّ الله حقاً حقّا.. لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّا.. لا إله إلاّ الله إيماناً وصدقا.. » ثمّ يرفع رأسه وإذا بلحيته ووجهه مخضبان بدموع عينيه ، فيقول له أحد أصحابه : أما آن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقلّ ؟ ! ويأتيه الجواب المارّ الذكر ، ليكون دالّة معبّرة عن حزنٍ ليس كمثله حزن ، وبكاء ليس كمثله بكاء...
إنّه بوضوحٍ كاملٍ حزنٌ على رمزٍ مقدّس بكت عليه أهل الاَرض وملائكة السماء ، وليس حزن ولدٍ على أبيه قط ، وإنه حزنٌ على فجيعةٍ بدين ، أي أنّه حزن على دين مضيّع صيّره الصبيان لعبةً يعبث بها غلمان بني أمية ، ودمية تتلاقفها أكفُّ أحفاد أبناء الطلقاء...
إنّه باختصار شديد ، رسالة صامتة شديدة اللهجة ، ودموع حرّى ناطقة ، وبيان صارخ مشحون بعواطف البكاء النبيلة ممزوجة بثرى تراب طاهر ، مشفوعاً بتأوّهات خالصة أرادت وتريد أن تواجه الظالم بأفصح ما يكون التعبير عن الرفض والغضب المقدّس وأقدس ما يكون الاِفصاح عن الثورة والتمرّد.
إنّه سلاح ماضٍ لكشف الجرم الكبير وفضحه والدعوة لقطع اليد التي نفذته ، وأمام من ؟ وبدموع من ؟
بدموع الثائر المفجوع الذي لم يستطع الاستشهاد في اليوم العظيم ، لمرضٍ أقعده ، وعلَّة ما كان يستطيع الوقوف على قدميه بسببها ، فشاءت إرادة الله أن تحتفظ به ليكشف خيوط الجريمة الكبرى وهو يبكي وينشج ويقول :
وهنّ المنـايا أي وادٍ سلكتـه * عليها طـريقي أو علـيّ طريقها
وكـلاً ألاقـي نكبةً وفيجعـةً * وكأس مرارّات ذعافاً أذوقها (5)
ثم يختتمها بدعاء دامع حزين : « يا نفس حتّامَ إلى الدنيا سكونك ؟ وإلى عمارتها ركونك ؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ؟ ومن وارته الاَرض من أُلاّفك ؟ ومن فجعتِ به من إخوانك ؟ ونُقل إلى الثرى من أقرانك ؟ فحتّامَ إلى الدنيا إقبالك ، وبشهواتها اشتغالك وقد رأيتِ انقلاب أهل الشهوات ، وعاينتِ ما حلَّ بها من المصيبات ... » (6).
نعم ، إنّه البكاء الهادف ، والنشيج المدوّي ، والدموع الناطقة ، إنه رسالة صامتة شديدة اللهجة صارخة الاحتجاج ، محبوكة المتن ، متينة السند.. إنّه بكاء أفقه أهل زمانه وأعلمهم وأورعهم وأتقاهم ، حفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وابن سبطه ، المفجوع بقتله ، الشاهد على دمه ، حامل رسالته ومبلّغ أمانته ووصيه ووريثه والداعي إلى حقّه.. إنّه بكاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
__________
(1) راجع : تاريخ الطبري 4 : 289 ، والقول هذا منسوب إلى يحيى بن سعيد الذي أرسله أمير مكة لاِرجاع الحسين وثنيه عن التوجه إلى العراق.
(2) تاريخ الطبري 4 : 331.
(3) الاِمام السجاد| حسين باقر : 102.
(4) الكافي 6 : 474|6 ، عيون اخبار الرضا 2 : 56.
(5) من ندبة طويلة له عليه السلام انظر الصحيفة الخامسة السجادية للسيد محسن الاَمين دعاء (109) . والبحار| المجلسي 78 : 154. وينابيع المودّة | الحافظ القندوزي الحنفي : 273. وكشف الغمة | الاربلي 2 : 309.
(6) البلد الاَمين | الكفعمي : 320. والصحيفة 4 : 29.
___________
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دعونا نتعمق أكثر في حياة الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) لنلقي الضوء على بعض إشعاعاته وسوف نتناول في هذه المشاركة ظاهرة البكاء عند الإمام علي بن الحسين ظ0 عليه السلام )
ظاهرة البكاء عند الاِمام زين العابدين عليه السلام :
بين البكاء والتباكي :
بين البكاء والتباكي الهادفين خيط رفيع لا يمكن تجليته واكتناه فلسفته إلاّ بفهم الهدف من البكاء أولاً ، والتباكي ثانياً.
فإذا كان الهدف من البكاء هو تربية النفوس وتجلية الصدأ الذي يرين عليها جرّاء زحمة الحياة وقساوة العيش ، ومن ثم توجيه البكاء إعلامياً للتأثير على الناس كشكل من أشكال العمل السياسي أو الرسالي الهادف النبيل ، يأتي هنا ممدوحاً ومندوباً ، وهو غير الجزع والضعف والنفاق والرياء الذي له أهداف هابطة اُخرى.
أي أنّه في الدائرة الاُولى عاطفة نبيلة يمكن أن تنتزع من الاِنسان دواعي قسوة القلب وغلظته وشدّته ، وتحيله أكثر شفافية وسماحة ورقّة من جهة ، وهو عمل تربوي لتوجيه النفوس وتربيتها وتهذيب مشاعرها وأحاسيسها من جهة اُخرى.
وهكذا التباكي هو الآخر ، إمّا أن يكون تمثيلاً أجوف لا هدف وراءه ولاجدوى منه ولا طائل ، وإمّا أن يكون مواساةً للباكي في صدق بكائه وتصديق انفعاله وتفاعله مع حدث ما أو مصيبة ما ، أو يكون مشاركةً إنسانية ووجدانية تواسي المبكى عليه في عظمة تضحيته ونبل إقدامه وهيبة موقفه ، وبالتالي فإنّ الدائرة الاُولى غير الثانية بالتأكيد..
ومن هنا نلمس الفرق بين الندبة المعروفة :
ويصيح واذلاّه أيـن عشيرتي * وسراة قومي أين أهل ودادي
وبين الاُخرى التي تفجّر الدموع دماً :
لا تطلبوا قبر الحسين بشرق أرضٍ أو بغربِ * فدعـوا الجميع وعـرجّوا فمشهـده بقلبي
تفسير ظاهرة البكاء عند الاِمام عليه السلام :
وكما ارتبك بعض المؤرخين في تفسير دور الاِمام السجاد عليه السلام في ريادة مشروع المعارضة للسلطة الاَموية ، وأخفقوا في تفسير مواقفه الدقيقة لبلورة الاتجاه المناهض لها ، ارتبك بعضهم الآخر في تفسير ظاهرة البكاء المعروفة لديه ، وراحوا يشرّقون حولها ويغرّبون أيضاً..
نعم ، اتجه بعضهم إلى تحليل الظاهرة على أنها فجيعة ولدٍ بأبيه وأخوته فقط ، وبالتالي فانها لا تعدو كونها عاطفةً جياشةً لا يمكن التحكّم بانفجارها وتدفّقها في لحظات الانفعال الوجداني الذي لا يُكبح.. فيما اعتبرها آخرون أُسلوباً سياسياً ذكياً لاستنهاض الناس وتذكيرهم بالظلامة الكبيرة التي لحقت بأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وبين هذا التفسير وذاك ، راح المؤرخون يحلّلون ويكتبون ويبحثون ، وكلّ من زاويته أو فهمه للبكاء والتباكي ، فمن حزين مفجوع ينفس ببكائه عن غصّة وألم دفينين لا يستطيع منهما فكاكاً ، إلى بكّاءٍ متباكٍ ينوي ببكائه وتباكيه إذكاء نار الغضب المقدس ضد الظالمين الذين تجرأوا على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والصفوة من خيرة خلق الله بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
ومن هنا فلا يستطيع المؤرخ أو المحلل السياسي تفسير ظاهرة البكاء لدى الاِمام السجاد تفسيراً علمياً رصيناً إلاّ من خلال دراسة الظروف التي عاشها عليه السلام والفضاء الاِعلامي والسياسي الذي كان يتنفس فيه ، وإلاّ شطّ به التحليل بين أقصى اليمين وأقصى اليسار ، وجنح في تفسير هذه الظاهرة وفق ظروف اُخرى ، ربما نفسية أو اجتماعية ، أو سياسية ، هي في الحقيقة ، غير تلك التي يجب أن تفسّر من خلالها أو على ضوئها...
فحين نفهم مثلاً أنّ طائفةً كبيرةً من الناس كانت تجهل الدواعي والاَسباب التي دفعت الاِمام الحسين عليه السلام لخوض تلك المعركة غير المتكافئة ، يمكن أن نمسك بخيط واحد من خيوط التفسير العلمي لبكاء الاِمام السجاد عليه السلام .
وحين ندرك أن الاِعلام الاَموي كان يفسّر خروج الاِمام الحسين عليه السلام ضد الطاغية يزيد بأنّه صراع على السلطة ، وأنه بخروجه إنّما شقّ عصا الطاعة وفرّق الجماعة ، وأن الصراع بين الحسين ويزيد إنّما هو صراع شخصي تفجّر بين عائلتين أو بيتين يعتدُّ كل منهما بتأريخه وأمجاده ، وهما البيت الاُموي والبيت الهاشمي ، ويعتقد كلّ منهما بوراثته لتراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، تكون الكارثة أكبر والرزيّة أدهى على الاِمام السجاد عليه السلام ، لاَنّه سيواجه صعوبة بالغة في توضيح هذا المشتبك المؤلم ، ولو عِبر الدموع الغزيرة والنحيب المتواصل الذي أصبح إحدى خصال نفسه الزكية ، وطابعاً لروحه الطاهرة.
ولما كان إعلام السلطة آنذاك هو الحاكم والمهيمن على عقول الناس وأفكارهم ، وللحدِّ الذي يواجه به أحدهم الاِمام الحسين عليه السلام قائلاً ( ياحسين ألا تتقي الله : تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الاُمة ) (1) .
وأكثر من ذلك حين يواجه المرء نداءات تخرج من هنا وهناك في أرض المعركة ، تقول ( الزموا طاعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرَقَ من الدين وخالف إمام المسلمين ) وفي رواية اُخرى ( أمير المؤمنين ) (2).
وحين يسمع عفوية ذلك الشيخ الكبير الذي لا يعرف من الامور شيئاً ، فراح يواجه السبايا عند دخولهم الشام بقوله : ( الحمدُ لله الذي أهلككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم وأمكنَ منكم أمير المؤمنين يزيد ) (3).
تكون الرزية أكبر على الاِمام السجاد عليه السلام ، ويكون نشيجه هو المتنفس الوحيد للتعبير عن الاَلم والمرارة ، وهو تحت مخالب اللئام وصليل سيوفهم وقعقعة رماحهم.
المواجهة أو الصبر :
في هذا الجو الاِعلامي الماكر ، ومن هذا الفضاء الملبّد بكل تهويمات التضليل ، والتكتم والتعتيم على أعظم ثائر وأعظم ثورة أرادت أن تعيد الحق إلى نصابه ، وتستنهض الضمائر الميّتة وبتضحية قلّ نظيرها في التاريخ البشري انتصاراً للدين المضيّع والحدود المستباحة ، كان على الاِمام السجاد أن ينتهج أحد خيارين :
الاَول : هو المواجهة العلنية الصريحة ، والتنديد المباشر باجراءات السلطة الحاكمة وفضحها ، أي إقدامه عليه السلام على عملية استشهادية اُخرى تلحقه بأبيه وإخوته ، لا تكلّف خصومه أكثر من ضربة سيفٍ واحدة لايتردّد عن القيام بها جلواز واحد من جلاوزة السلطة يتقرب بها إلى الاَمير ، دون أن يرفّ له جفن أو يحاكمه ضمير ، وفي أُمّة ميتة لم يبقَ فيها للدم حرمة ولا للتضحية معنى أو صدى.. وبالتالي إيقاف أو إنهاء الدور الرسالي المهمّ الذي يسعى الاِمام السجاد عليه السلام إلى تحقيقه من خلال كشف تلك الغيوم وتبديدها...
والثاني : هو الصبر على ذلك الضيم أو الحيف الذي شمله مع عمّته العقيلة زينب عليها السلام وتمرير المرحلة بالعضّ على الجرح بنيّة مواصلة مراحل الكشف المطلوبة في كل عملية تغييرية يُراد لها أن تعيد الاُمّة المضللة إلى وعيها ، أو تعيد الوعي إلى الاُمّة المغلوبة على أمرها ، المسلوبة إرادتها المغيّب ضميرها ، وفي ذلك الهوس الاِعلامي الصاخب ، والمناخ السياسي الملوّث.
من هنا كان على الاِمام أن يختار طريقاً أو منهجاً يحقّق له هذا الهدف الكبير دون المساومة على مبادئه أو التفريط بها ، أو القفز عليها ، فاختار طريق البكاء أولاً ، ثم طريق الدعاء ثانياً .
ماذا حقق البكاء؟
وعن طريق البكاء هذا المشفوع بالدعاء طبعاً ، استطاع الاِمام عليه السلام أن يحقق الاَغراض التالية:
1 ـ تقريع أو استنهاض الضمير النابض في الاُمّة والذي لم يمت بعد ، أي مخاطبة الفطرة السليمة ، من خلال دموع ساخنة ونشيج صادق لايمكن تفسيره ببساطة على أنّه مجرد عواطف فائرة على فجيعةٍ مرّت وكارثة حلّت ، لا سيّما وانه من إمام يعرف أكثر من غيره القضاء والقدر وحتمية الموت وطوارق السُنن...
2 ـ استثمار جميع المواقف والمناسبات التي تُذكّر الناس بالجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق سبط النبي وسيد شباب أهل الجنة ، وعبر بكاء حارّ صادق يتفجّر أمام قصاب مثلاً يذبح شاته فيسقيها ماءً قبل ذبحها ـ كما مرَّ ـ أو أمام ضيف فقد عزيزاً فغسّله وكفّنه ـ كما ذكرنا ـ أو على مائدة إفطار يُقدّم فيها الماء للعطاشى والضامئين ويكون شعارها مثلاً :
« شيعتي ما إن شربتم عذب ماءٍ فاذكروني * أو سمعتـم بذبيح أو قتيـل فـاندبوني »!
وغير ذلك مما كان يذكّر بتجاوز الحدود ، وقساوة القلوب ، أي قلوب القتلة التي كانت كالحجارة أو أشدُّ قسوة ، وهذا يعني تركيز الشعور بالاِثم الكبير الذي ارتكب في طفوف كربلاء والذي صار عنوانه : « لعن الله أُمّة قتلتك ، ولعن الله أُمّة ظلمتك ، ولعن الله أُمّة شايعت وبايعت على قتلك ، ولعن الله أُمّة سمعت بذلك فرضيت به » !!
3 ـ إيهام السلطة الحاكمة وعيونها وأزلامها ومرتزقتها أنّ المفجوع ليس لديه إلاّ البكاء ، وأنّه ليس عملاً جُرمياً يبرّر للسلطة اتخاذ إجراءٍ قمعي لمواجهته ، فكيف إذا كان المفجوع باكياً فعلاً وليس متباكياً ، كما هو حال الاِمام عليه السلام !!
4 ـ وحين تختلط دموع البكاء مع تراب قبر المتوفى ، وهو ما كان يفعله الاِمام حين كان يُطيل سجوده وبكاءه على التراب الذي احتفظ به من ثرى قبر والده ومسحه بخاتمه الذي أصرّ على لبسه والمحافظة عليه مع الشعار المنقوش عليه والذي كان يردده عليه السلام : « خزي وشقي قاتل الحسين بن علي » (4) ، تكون رسالة البكاء أكثر تعبيراً وأمضى أثراً في إذكاء الوجدان المعذّب والضمير الحي وتفجيرهما ضد الظلم والظالمين.
5 ـ أما حين يمتزج البكاء مع الدعاء ، الذي سنأتي على ذكره ، وتتكامل لوحة الرفض المقدّس عبر العاطفة والفكر ، وعبر العقل والقلب ، يكون الهدف من البكاء أكثر تجليّاً وسطوعاً ، وهذا ما كان يُلاحظ عند الاِمام عليه السلام وهو يخرُّ ساجداً على حجارة خشنة في الصحراء يوماً ويشهق شهيقاً مرّاً مردّداً : « لا إله إلاّ الله حقاً حقّا.. لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّا.. لا إله إلاّ الله إيماناً وصدقا.. » ثمّ يرفع رأسه وإذا بلحيته ووجهه مخضبان بدموع عينيه ، فيقول له أحد أصحابه : أما آن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقلّ ؟ ! ويأتيه الجواب المارّ الذكر ، ليكون دالّة معبّرة عن حزنٍ ليس كمثله حزن ، وبكاء ليس كمثله بكاء...
إنّه بوضوحٍ كاملٍ حزنٌ على رمزٍ مقدّس بكت عليه أهل الاَرض وملائكة السماء ، وليس حزن ولدٍ على أبيه قط ، وإنه حزنٌ على فجيعةٍ بدين ، أي أنّه حزن على دين مضيّع صيّره الصبيان لعبةً يعبث بها غلمان بني أمية ، ودمية تتلاقفها أكفُّ أحفاد أبناء الطلقاء...
إنّه باختصار شديد ، رسالة صامتة شديدة اللهجة ، ودموع حرّى ناطقة ، وبيان صارخ مشحون بعواطف البكاء النبيلة ممزوجة بثرى تراب طاهر ، مشفوعاً بتأوّهات خالصة أرادت وتريد أن تواجه الظالم بأفصح ما يكون التعبير عن الرفض والغضب المقدّس وأقدس ما يكون الاِفصاح عن الثورة والتمرّد.
إنّه سلاح ماضٍ لكشف الجرم الكبير وفضحه والدعوة لقطع اليد التي نفذته ، وأمام من ؟ وبدموع من ؟
بدموع الثائر المفجوع الذي لم يستطع الاستشهاد في اليوم العظيم ، لمرضٍ أقعده ، وعلَّة ما كان يستطيع الوقوف على قدميه بسببها ، فشاءت إرادة الله أن تحتفظ به ليكشف خيوط الجريمة الكبرى وهو يبكي وينشج ويقول :
وهنّ المنـايا أي وادٍ سلكتـه * عليها طـريقي أو علـيّ طريقها
وكـلاً ألاقـي نكبةً وفيجعـةً * وكأس مرارّات ذعافاً أذوقها (5)
ثم يختتمها بدعاء دامع حزين : « يا نفس حتّامَ إلى الدنيا سكونك ؟ وإلى عمارتها ركونك ؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ؟ ومن وارته الاَرض من أُلاّفك ؟ ومن فجعتِ به من إخوانك ؟ ونُقل إلى الثرى من أقرانك ؟ فحتّامَ إلى الدنيا إقبالك ، وبشهواتها اشتغالك وقد رأيتِ انقلاب أهل الشهوات ، وعاينتِ ما حلَّ بها من المصيبات ... » (6).
نعم ، إنّه البكاء الهادف ، والنشيج المدوّي ، والدموع الناطقة ، إنه رسالة صامتة شديدة اللهجة صارخة الاحتجاج ، محبوكة المتن ، متينة السند.. إنّه بكاء أفقه أهل زمانه وأعلمهم وأورعهم وأتقاهم ، حفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وابن سبطه ، المفجوع بقتله ، الشاهد على دمه ، حامل رسالته ومبلّغ أمانته ووصيه ووريثه والداعي إلى حقّه.. إنّه بكاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
__________
(1) راجع : تاريخ الطبري 4 : 289 ، والقول هذا منسوب إلى يحيى بن سعيد الذي أرسله أمير مكة لاِرجاع الحسين وثنيه عن التوجه إلى العراق.
(2) تاريخ الطبري 4 : 331.
(3) الاِمام السجاد| حسين باقر : 102.
(4) الكافي 6 : 474|6 ، عيون اخبار الرضا 2 : 56.
(5) من ندبة طويلة له عليه السلام انظر الصحيفة الخامسة السجادية للسيد محسن الاَمين دعاء (109) . والبحار| المجلسي 78 : 154. وينابيع المودّة | الحافظ القندوزي الحنفي : 273. وكشف الغمة | الاربلي 2 : 309.
(6) البلد الاَمين | الكفعمي : 320. والصحيفة 4 : 29.
___________
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ظاهرتا العبادة والدعاء عند الامام عليه السلام
التفسير المبتور للظاهرتين :
لم يكن تفسير المؤرخين لظاهرتي العبادة والدعاء للاِمام زين العابدين عليه السلام بأوفر حظاً من تفسيرهم لظاهرة البكاء المارّة الذكر.. ؛ إذ اقتصر بعضهم على تفسيرهما بكونهما حالة من الاعتزال والانكسار النفسي الذي يحلُّ عادة بالمصدومين والمفجوعين بسبب هول الصدمة أو الفجيعة التي مرّوا بها أو مرّت بهم...
ويفسرها آخرون بأنّها نوع من العزاء والسلوى والتصوّف ، حيث ينكفىء أصحابها على أنفسهم في طقوس خاصة وانزواء واعتكاف لا علاقة له بالناس والمجتمع وهمومهم وآلامهم...
وبين هذين التفسيرين المتيسّرين اللذين يمران على الاُمور بظواهرها ولا يغوصان في أعماقها ، يأتي تفسير مبتور ثالث يؤكد أنّ دعاء الامام وعبادته لم يكونا يتعديان مناقبية مثالية علوية عظيمة ، وفضيلة وكرامة من فضائل وكرامات أهل هذا البيت الطاهر ، وحيث ينظر إلى المنقبة والكرامة على أنّها أسمى ما يمكن أن يوصف بها الاِنسان المغيّر في زمن التداعيات السياسية والصراع الفكري والحضاري..
ولئن كان في هذا التفسير بعض حق ولكنه ليس الحق كلّه ، لاسيّما وإن ما ينتظر من أمثال الامام السجاد عليه السلام هو أكبر من المناقبية والفضيلة والكرامة ، وإنّما العمل والجهاد والكفاح لمواصلة مشروع تغييري يكون أهل البيت عليهم السلام أجدر الناس وأولاهم بتبنّيه وتنفيذه في ظلمة ذلك الواقع الفاسد...
نعود ونذكّر بالاَسباب والظروف التي أملت على الامام السجاد هذا النوع من السلوك في فترة كان المجتمع الاِسلامي الممزّق أحوج ما يكون إلى التأمل والمراجعة وإعادة النظر بعيداً عن ضجيج السياسة الصاخب وأزلامها المسطحين المستهترين.
فماذا ترى الامام فاعلاً وهو يعيش أجواء كابوس خانق من الظلم والتعسف والاضطهاد يحمل لواءه عبدالملك بن مروان ، وخلفه ولاة قساة غلاظ كالحجاج وخالد القسري وبشير بن مروان ، يتوّجهم طاغية جبّار مستهتر لا يتردّد أن يمسك بالقرآن الكريم ويمزّقه ويخاطبه مهدداً :
تهدّدني بجبـارٍ عنيـد * ** وها أنا ذاك جبار عنيدُ
إذا لاقيت ربك يوم حشرٍ * ** فقل ياربّ مزّقني الوليدُ
وهذا يعني أن الامام عليه السلام عاصر الفترة الاُولى من حكم يزيد الاَموي بكامل عنفها واستهتارها ، أعقبتها تسع سنين من الاضطرابات والفوضى والصراع على السلطة بين الاَمويين والزبيريين ، وما رافقها من ثورات شيعية وقتل وقتال لم تترك أحداً إلاّ وناشته رذاذة أو شظية من شظايا تلك المرحلة الفظّة وصراعاتها ودمويتها وارتجاج المقاييس والقيم في فضائها العابث الصاخب...
طريقان لا ثالث لهما :
ومن هنا كان أمام الامام عليه السلام أحد طريقين : إمّا الاحتراق بهوس تلك الصراعات والضياع في خضمّ اصطكاك سيوف رجالها المتنافسين المتصارعين على الجاه والسلطة والمال.
وإمّا الابتعاد عن ذلك الهوس السياسي والصخب الدموي لحين انجلاء الغبرة ، والنأي بعيداً عن ذلك بالانشغال ببلورة الفكر الاِسلامي المغيّر وإعداد النخبة الصالحة التي تذكّر بالصفوة المجزّرة من آل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم التي لم يبقَ منها أحد سوى هذا العبد الصالح المقصي البكّاء الحزين...
اختار الامام الطريق الثاني بالتأكيد ، وراح يعدّ العدّة لاعداد المجموعة الصالحة المؤهّلة لحمل رسالة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الاجواء العابثة الملبّدة ، وكان عليه أن يُشعر السلطة الظالمة قبل غيرها ، أنه ابتعد عن معترك الصراع السياسي ، واعتزل الحياة العامّة ، منشغلاً بعبادة ربّه ، منصرفاً عن مشاغل الدنيا ومتاعبها.. فكان ( أن ضربَ له بيتاً من الشعر خارج المدينة وتفرّغ فيه للعبادة والابتهال ) (1).
الهدف الحقيقي :
ومن ذلك المكان النائي ، ومن تلك الخيمة المتواضعة وبهذا السلوك أو المنهج استطاع الامام تحقيق الاَهداف التالية :
1 ـ إشعار الناس والمجتمع أن العمل السياسي ليس هو وحده الكفيل بتشكيل النخبة المغيّرة القادرة على قيادة المشروع الاِسلامي المغيّب من قبل السلطات الظالمة ، وخاصة في زمن ارتجاج المقاييس واهتزاز الثوابت لدى القاعدة الجماهيرية الشعبية التي يعوّل عليها تنفيذ عملية التغيير المطلوبة هذه...
2 ـ ترسيخ أو بناء مفهوم جديد للعلاقة مع الله تعالى عبر الدعاء والمناجاة ، وإملاء الفراغ الروحي الناشئ عن حالات الاِحباط وخيبة الاَمل التي خلّفتها سياسة دموية عابثة تلفعت بشعارات الاِسلام ، ولكنّها لم تنتج إلاّ الهوس والسعار ، والركض وراء الشهوات والملذّات وزوايا المتعة والمجون ، إذ نسمعه يناجي ربه قائلاً : « الهي ، كم من نعمة انعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري ، وكم من بليّة ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري ، وكم من معصيةٍ أتيتها فسترتها ولم تفضحني ، فيا من قلَّ شكري عند نعمه فلم يحرمني ، ويا من قلّ صبري عند بلائه فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني.. » (2).
وليس تعبيره باصفراره عليه السلام عند وضوئه وحين يقف بين يدي ربّه وقوله : « أتدرون بين يدي من سأقف ومن سأناجي » إلاّ إشارة دقيقة وصادقة على هذا التواصل ، أو تعبيراً متيناً عن هذا الشدّ الرسالي العظيم...
ومثل ذلك قوله وهو متعلّق بأستار الكعبة ليلاً : « إلهي نامت العيون ، وعلت النجوم ، وأنت الملك الحي القيوم ، غلقت الملوك أبوابها ، وأقامت عليها حراسها ، وبابك مفتوح للسائلين... إلى أن ينشد قائلاً :
يامن يجيب دعا المضطرِّ في الظُلم *** يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقمِ
قد نام وفـدك حول البيت قـاطبةً *** وأنت وحـدك يـا قيّـوم لـم تنمِ
أدعـوك ربّ دعاءً قـد أمرت به *** فـارحم بكائـي بحقّ البيت والحرمِ
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالنعمِ (3)
3 ـ تذكير الناس بالله تعالى واليوم الآخر ، وإيجاد بدائل لسعادة روحية غيّبها الصراع المادي والسياسي للسلطة الحاكمة ، وخلق أجواء حميمة لعلاقات صادقة وصفاء روحي قائم على الحبّ في الله والبغض في الله...
فنجده يجسّد ذلك الشعور في دعائه لجيرانه ومواليه ، وإخوانه العارفين بحقّه فيقول : « اللهمّ صلِّ على محمد وآله.. واجعلني اللهمّ أجزي بالاِحسان مسيئهم ، وأعرض بالتجاوز عن ظالمهم ، واستعمل حسن الظن في كافّتهم ، وأتولى بالبر عامتهم ، وأغض بصري عنهم عفة ، وألين جانبي لهم تواضعاً ، وأرقّ على أهل البلاء منهم رحمة ، وأسرّ لهم بالغيب مودة ، وأحبُّ بقاء النعمة عندهم نصحاً ، وأوجب لهم ما أوجب لحامّتي وأرعى لهم ما أرعى لخاصتي » (4).
وهذا يعني أن السعادة الروحية يمكن أن تكون أعمق من السعادة المادّية ، وأن التنافس المحموم على المادّة يمكن تعويضه بسعادة روحية حميمة تقوم على العلاقات الدافئة الحبيبة بين الاِخوان المتحابين في الله والمتآخين في حبّ الله ، وبعيداً عن مخالب التنافس المادي وأنيابه وسُعاره...
4 ـ تسفيه أحلام الحكام الاَمويين والتنديد بتكالبهم وتسابقهم على ملذّات الدنيا ، عبر إشعارهم بأن السعادة والكرامة لا يتأتّيان دائماً عبر المال والجاه والسلطة ، وإنّما عبر الزهد والسموّ والترفع على الدنيا وحطامها ، بل إنّ السعادة الروحية أركز وأمتن ، وأجلّ في نفوس أهلها من السعادة المادية المعروفة.
سأل عبدالملك يوماً الامام عليه السلام عن تواصل عبادته وكثرة انشغاله بها ، فأجابه عليه السلام قائلاً : « .. ولولا أن لاهلي عليّ حقاً ، ولسائر الناس من خاصتهم وعامتهم عليّ حقوقاً ، لا يسعني إلاّ القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤديها ، لرميتُ بطرفي إلى السماء ، وبقلبي إلى الله ، ثمّ لا أردّهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين.. » مذكّراً بحديث جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حين سُئل عن كثرة عبادته وقد غفر الله له من ذنبه ما تقدّم منه وما تأخر ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ » ! وقيل : إنّ عبدالملك بكى وأبكى من كان معه...
فضلاً عن إشعار أزلام السلطة أو إيهامهم بأنّه لا يعارضهم ولا يبغي غائلة بهم ، علّهم يخففون عنه عيون الشرطة والمرتزقة والمأجورين...
ولا نرى أنفسنا مبالغين حين نقول : إنّ ( زبور آل محمد ) جاء مجموعة متماسكة من ذرى رفيعة ينتقل عبرها الداعي من عالم مادي رمادي مظلم إلى عالم معنوي مشرق نوراني شفاف ، يستلهم القارىء من كلماتها وألفاظها ومعانيها ونصوصها آفاقاً جديدة في المعرفة والعرفان ، حتى ليُخيل للمرء أنّها كتلةً نورانية مشعّة تنبعث عنها طاقة هائلة من معانٍ وإشراقات يفجّرها الامام ببيانه وبلاغته وصدق مناجاته ، ويحشدها حشداً على امتداد أدعية الصحيفة وكلماتها... وهو يقول : « إلهي اسكنتنا داراً حفرتَ لنا فيها حُفَر مكْرِها ، وعلّقتنا بأيدي المنايا في حبائل غدرها ، فإليك نلتجىء من مكائد خدعها ، وبك نعتصم من الاغترار بزخارف زينتها ، فإنّها المهلكة طلاّبها ، المُتلفة حُلاّلها ، المحشوّة بالآفات ، المشحونة بالنكبات.. إلهي فزهّدنا فيها وسلّمنا منها بتوفيقك وعصمتك ، وانزع عنا جلابيب مخالفتك ، وتولّ أمورنا بحسن كفايتك.. » .
5 ـ كان لابدّ للامام وهو يرى انتشار وباء التكالب على الدنيا وشهواتها ، وانتشار ظواهر التحللّ والميوعة والفساد ، أن يبحث عن لقاح مضاد نافع لكبح تيار الانحلال هذا ، وتعليم الناس أنّ الدنيا ليست كلّ شيء وإنّما وراءها يوم آخر غيّبته السياسة ، وأنّ ذلك اليوم هو خير وأبقى لمن ألقى السمع وهو شهيد ، فكان عليه السلام يقتنص الفرصة تلو الفرصة لتأكيد هذا المعنى في نفوس الناس.
روي عن الامام الباقر عليه السلام واصفاً عبادة أبيه أنّه قال :
« لم يذكر أبي نعمة لله إلاّ سجد ، ولا قرأ آية فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا دفع الله عنه سوء إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاة إلاّ سجد ، ولا وفّق لاصلاح بين اثنين إلاّ سجد.. » (5).
ويُروى عنه عليه السلام أنّه حين كان يخرج مع الناس في بعض المنازل كان يصلّي ويسبّح في سجوده ، ويبكي حتى تبتلّ لحيته بدموع عينيه وهو يقول : « يامن تُحلُّ به عُقد المكاره ، ويا من يُفتأ به حدّ الشدائد ، ويا من يُلتمس منه المخرج إلى روح الفرج. ذلّت لقدرتك الصعاب ، وتسبّبت بلطفك الاَسباب ، وجرى بقدرتك القضاء ، ومضت على إرادتك الاَشياء ، فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة ، وبإرادتك دون نهيك منزجرة ، أنت المدعو للمهمّات ، وأنت المفزع في الملمّات ، لا يندفع منها إلاّ ما دفعت ، ولا ينكشف منها إلاّ ما كشفت... » (6).
وغير ذلك من تضرّع ومناجاة وتبتّل ، كانت لها أكبر الآثار في شدّ الناس بالله تعالى وتذكيرهم بعظمته وجبروته ، وتحذيرهم من الكفر به وتجاوز حدوده... خاصة إذا كان مثالها مصداقاً عملياً للدعاء الصادق أو التبتّل الطاهر الذي لا يرجو صاحبه بدعائه وتبتّله ومناجاته إلاّ رضا الله تعالى وتحكيم دينه في دنيا الناس ، رأفةً بهم وحبّاً لهم ، وامتثالاً لقوله عزَّ من قائل : ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم ان الله غفور رحيم ) (7) .
مضامين دعائه عليه السلام :
وحتى دعائه عليه السلام لم يسلم هو الآخر من النقد والتجريح من قبل السفهاء والمسطّحين ، فبعد أن اعتبره بعضهم إعتزالاً سلبياً ، وانكفاءً وابتعاداً عن هموم الناس وآلامهم ، راح آخرون يؤكدون على الجانب العرفاني فيه فقط ، ناسين أو متناسين أن دعاءه عليه السلام كان في معظمه رسالة مفتوحة ، إلى الناس كل الناس ، بثّ لهم فيها شجونه وأهدافه ورسالته وعلى كلِّ الاطر والاصعدة ، وعلى طريقة ( إياك أعني واسمعي يا جارة )...
ولعلنا من قراءة سريعة لسطور وكلمات أدعيته المأثورة نكتشف سِفراً خالداً ـ سنأتي على ذكر بعض تفاصيله لاحقاً ـ من التربية والتهذيب والتصدّي والدعوة إلى الاِصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حدود الله واستحضار قيم الدين وتفعيل مضامينه وبثّ الروح في مواعظه وإرشاداته.
ولم يُخطئ من وصف ( الصحيفة السجادية ) للامام زين العابدين عليه السلام بأنّها ( زبور آل محمد ) ، ولم يُجانب الصواب كثيراً من قرأ الامام السجاد من زاوية التهجّد والعرفان وعلاقته عليه السلام مع السماء فقط ، فلعله عليه السلام أراد بتلك الاَدعية ـ كما قلنا ـ كبح الانجرار الهابط إلى وحل الاَرض وطينها ، والوقوف أمام التيار المادي الجارف الذي روّجه وعزف عليه وأشاعه الاِعلام الاَموي المتلفّع بشعارات الدين زوراً وإفكاً...
ومن قراءة سريعة في هذه « الصحيفة الخالدة » يكتشف المرء عمق العلاقة بين الامام زين العابدين وربّه ، وكيف انه غاص في أعماق النفس الانسانية ، وراح يشدّ حبلها بحبل السماء الذي قطعته السياسة الاموية ، ومزّقت أوصاله تداعياتها ، وانحطاط رجالها وتهافتهم على الدنيا وحطامها..
نعم ، استطاع الامام السجاد عليه السلام بهذا الاتجاه وبسبب الاَجواء الخانقة التي أشرنا إليها تلميحاً أن يترك لنا سفراً خالداً في المناجاة والتبتّل والابتهال ، فأعاد موازنة العقل مع القلب ، والفكر مع الروح ، واستطاع بصدقه ودموعه وشجونه ولوعته أن يرسم لنا لوحةً صادقةً عن العرفان الهادف ، والتصوف الصادق ، والاتصال المسؤول الذي يهفو إلى السماء ولا ينسى الاَرض ، ويسأل الله سعادة أهل الآخرة ، ولا ينسى شقاء أهل الدنيا ، ويطلب رضا الخالق فيما يناشد ضمائر المخلوقين.. نعم ، جاءت أدعية الامام زين العابدين عليه السلام لمواجهة موجات الرخاء والهبوط التي تعرّض لها المجتمع الاسلامي في بداية الحكم الاموي ، فقام عليه السلام بما امتلكه من بلاغة فريدة وقدرة فائقة على استخدام اللغة ، وذهنية ربانية تفتّقت عن أعذب المعاني وأروعها في تصوير صلة الانسان بخالقه وهيامه به ، وانشداده بالمبدأ والمعاد ، فأوجد من خلال الدعاء فضاءً روحياً عظيماً لابناء المجتمع الاِسلامي استطاع بواسطته تثبيت الانسان المسلم وشدّه بالسماء وخاصة حين تعصف به المغريات وتجرّه إلى الارض.
فكان عليه السلام يخطب الناس في مجلسه كل جمعة ، يعظهم ويزهّدهم في الدنيا ، وهو سيد الزاهدين ، ويُرغّبهم في الآخرة وهو أشدّ الراغبين ، ويقرع أسماعهم بتلك اللوحات الفنيّة البالغة التأثير التي مثّلت بحق العبودية الخالصة لله تعالى ، فضلاً عن كونها عملاً اجتماعياً عظيماً فرضته ضرورة المرحلة التي كان يمرّ بها ، حتى أضحت تلك الادعية تراثاً ربانياً فريداً للسالكين طريق الله ، ومصدر عطاء وهداية لكلِّ من ينشد الحق ويرغب في معرفة الله حقّ معرفته ، إضافة إلى كونها دروس أخلاق وتهذيب ، سيظل أهل الدنيا ينهلون من معينها العذب ما دام هناك صراع بين قوى الخير وقوى الشرّ ، أو بين مثابات الهدى ومعسكرات الضلال...
وهكذا نسمعه عليه السلام في فصاحته وبيانه وبلاغته ، له في كل صباح ومساء دعاء ، وله في المهمّات دعاء ، وفي الاعترافات والظلامات دعاء ، وعند المرض والعافية دعاء ، وعند الشدّة والفزع دعاء ، وعند ذكر الموت وسماع الرعد والرهبة دعاء ، وفي استقبال شهر رمضان المبارك وتوديعه دعاء ، وعند ختم القرآن ويوم عرفة وأيام الاسبوع دعاء ودعاء ، وهكذا في كل موقف وموطن وفي كلِّ نبضة قلب ورمشة جفن ، وكأنه قطعة من كيانٍ وجزءٍ من كلِّ ، لا ينقطع ولا يكلّ ولا يملّ ، حتى يقول :
« يا إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني ، وانتحبتُ حتى ينقطع صوتي ، وقمت لك حتى تنتثر قدماي ، وركعتُ لك حتى ينخلع صلبي ، وسجدتُ لك حتى تتفقأ حدقتاي ، وأكلتُ تراب الارض طول عمري ، وشربتُ ماء الرماد آخر دهري ، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكلُّ لساني ، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياءً منك ، ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي...
فارحم يا ربِّ طول تضرّعي وشدة مسكنتي وسوء موقفي ، واستعملني بالطاعة ، وارزقني حُسن الاِنابة ، وطهرني بالتوبة ، وأيّدني بالعصمة ، واستصلحني بالعافية ، وأذقني حلاوة المغفرة ، واجعلني طليق عفوك ، وعتيق رحمتك ، واكتب لي أماناً من سخطك ، وبشرني بذلك في العاجل دون الآجل ، إنّك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ، وإنك على كلِّ شيء قدير... » .
إذن ، وباختصار شديد وبكلمات أكثر تفصيلاً يمكن القول ان الصحيفة السجادية التي تركها الامام زين العابدين عليه السلام جاءت لتشكّل مساحة منهجية رائدة وكبيرة ، بكبر القضية التي انتُدب لها أولاً ، وبحجم دوره عليه السلام في ريادة هذه القضية وتوجيهها وتعميقها في نفوس الناس ثانياً.
نعم ، جاءت هذه الصحيفة لتكون شوطاً آخر من أشواط الجهاد الذي قطع مشواره المرّ الطويل هذا الامام العظيم في تبيئة المفهوم الاِسلامي ـ كما يقولون اليوم ـ وتأصيل جذوره في الاُمّة والمجتمع بعدما انكمش دوره في دائرة القوالب المشوّهة التي صاغها الاَمويون ، وداسوا القيم العظيمة التي جاء من أجلها بل لاَجلها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، واستشهد لاَجلها سيد الشهداء عليه السلام .
جاء الامام السجاد في صحيفته هذه ليمزج العاطفة بالوجدان ، والقلب بالعقل ، ويحمل الجميع إلى الحقيقة الاِلهية المتعالية بلا رتوش أو أصباغ أو قوالب يتماهى معها أدعياء هذه الحقيقة فيستغرقون ويُغرقون الناس معهم في مفاهيم غائمة لا مصاديق لها ، أو يغوصون في عبارات سائبة عائمة لا تستقر في قعر ولا تركن إلى حصنٍ منيع.
____________
(1) الإمام زين العابدين | عبد الرزاق المقرّم : 42 .
(2) مناقب آل أبي طالب 4 : 178 .
(3) مناقب آل أبي طالب 4 : 163 عن الاصمعي اللغوي النحوي صاحب النوادر والملح ، عن الكنى والألقاب 2 : 37 ـ 40.
(4) الصحيفة السجادية الجامعة : 131 دعاء رقم (65) .
(5) معاني الأخبار | الصدوق : 24 .
6) الصحيفة السجادية | الإمام زين العابدين دعاء ( 7 ) .
7) سورة النور : 24 | 62 .
____________
فسلام عليك يامولاي يازين العابدين ويا سيد الساجدين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التفسير المبتور للظاهرتين :
لم يكن تفسير المؤرخين لظاهرتي العبادة والدعاء للاِمام زين العابدين عليه السلام بأوفر حظاً من تفسيرهم لظاهرة البكاء المارّة الذكر.. ؛ إذ اقتصر بعضهم على تفسيرهما بكونهما حالة من الاعتزال والانكسار النفسي الذي يحلُّ عادة بالمصدومين والمفجوعين بسبب هول الصدمة أو الفجيعة التي مرّوا بها أو مرّت بهم...
ويفسرها آخرون بأنّها نوع من العزاء والسلوى والتصوّف ، حيث ينكفىء أصحابها على أنفسهم في طقوس خاصة وانزواء واعتكاف لا علاقة له بالناس والمجتمع وهمومهم وآلامهم...
وبين هذين التفسيرين المتيسّرين اللذين يمران على الاُمور بظواهرها ولا يغوصان في أعماقها ، يأتي تفسير مبتور ثالث يؤكد أنّ دعاء الامام وعبادته لم يكونا يتعديان مناقبية مثالية علوية عظيمة ، وفضيلة وكرامة من فضائل وكرامات أهل هذا البيت الطاهر ، وحيث ينظر إلى المنقبة والكرامة على أنّها أسمى ما يمكن أن يوصف بها الاِنسان المغيّر في زمن التداعيات السياسية والصراع الفكري والحضاري..
ولئن كان في هذا التفسير بعض حق ولكنه ليس الحق كلّه ، لاسيّما وإن ما ينتظر من أمثال الامام السجاد عليه السلام هو أكبر من المناقبية والفضيلة والكرامة ، وإنّما العمل والجهاد والكفاح لمواصلة مشروع تغييري يكون أهل البيت عليهم السلام أجدر الناس وأولاهم بتبنّيه وتنفيذه في ظلمة ذلك الواقع الفاسد...
نعود ونذكّر بالاَسباب والظروف التي أملت على الامام السجاد هذا النوع من السلوك في فترة كان المجتمع الاِسلامي الممزّق أحوج ما يكون إلى التأمل والمراجعة وإعادة النظر بعيداً عن ضجيج السياسة الصاخب وأزلامها المسطحين المستهترين.
فماذا ترى الامام فاعلاً وهو يعيش أجواء كابوس خانق من الظلم والتعسف والاضطهاد يحمل لواءه عبدالملك بن مروان ، وخلفه ولاة قساة غلاظ كالحجاج وخالد القسري وبشير بن مروان ، يتوّجهم طاغية جبّار مستهتر لا يتردّد أن يمسك بالقرآن الكريم ويمزّقه ويخاطبه مهدداً :
تهدّدني بجبـارٍ عنيـد * ** وها أنا ذاك جبار عنيدُ
إذا لاقيت ربك يوم حشرٍ * ** فقل ياربّ مزّقني الوليدُ
وهذا يعني أن الامام عليه السلام عاصر الفترة الاُولى من حكم يزيد الاَموي بكامل عنفها واستهتارها ، أعقبتها تسع سنين من الاضطرابات والفوضى والصراع على السلطة بين الاَمويين والزبيريين ، وما رافقها من ثورات شيعية وقتل وقتال لم تترك أحداً إلاّ وناشته رذاذة أو شظية من شظايا تلك المرحلة الفظّة وصراعاتها ودمويتها وارتجاج المقاييس والقيم في فضائها العابث الصاخب...
طريقان لا ثالث لهما :
ومن هنا كان أمام الامام عليه السلام أحد طريقين : إمّا الاحتراق بهوس تلك الصراعات والضياع في خضمّ اصطكاك سيوف رجالها المتنافسين المتصارعين على الجاه والسلطة والمال.
وإمّا الابتعاد عن ذلك الهوس السياسي والصخب الدموي لحين انجلاء الغبرة ، والنأي بعيداً عن ذلك بالانشغال ببلورة الفكر الاِسلامي المغيّر وإعداد النخبة الصالحة التي تذكّر بالصفوة المجزّرة من آل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم التي لم يبقَ منها أحد سوى هذا العبد الصالح المقصي البكّاء الحزين...
اختار الامام الطريق الثاني بالتأكيد ، وراح يعدّ العدّة لاعداد المجموعة الصالحة المؤهّلة لحمل رسالة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الاجواء العابثة الملبّدة ، وكان عليه أن يُشعر السلطة الظالمة قبل غيرها ، أنه ابتعد عن معترك الصراع السياسي ، واعتزل الحياة العامّة ، منشغلاً بعبادة ربّه ، منصرفاً عن مشاغل الدنيا ومتاعبها.. فكان ( أن ضربَ له بيتاً من الشعر خارج المدينة وتفرّغ فيه للعبادة والابتهال ) (1).
الهدف الحقيقي :
ومن ذلك المكان النائي ، ومن تلك الخيمة المتواضعة وبهذا السلوك أو المنهج استطاع الامام تحقيق الاَهداف التالية :
1 ـ إشعار الناس والمجتمع أن العمل السياسي ليس هو وحده الكفيل بتشكيل النخبة المغيّرة القادرة على قيادة المشروع الاِسلامي المغيّب من قبل السلطات الظالمة ، وخاصة في زمن ارتجاج المقاييس واهتزاز الثوابت لدى القاعدة الجماهيرية الشعبية التي يعوّل عليها تنفيذ عملية التغيير المطلوبة هذه...
2 ـ ترسيخ أو بناء مفهوم جديد للعلاقة مع الله تعالى عبر الدعاء والمناجاة ، وإملاء الفراغ الروحي الناشئ عن حالات الاِحباط وخيبة الاَمل التي خلّفتها سياسة دموية عابثة تلفعت بشعارات الاِسلام ، ولكنّها لم تنتج إلاّ الهوس والسعار ، والركض وراء الشهوات والملذّات وزوايا المتعة والمجون ، إذ نسمعه يناجي ربه قائلاً : « الهي ، كم من نعمة انعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري ، وكم من بليّة ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري ، وكم من معصيةٍ أتيتها فسترتها ولم تفضحني ، فيا من قلَّ شكري عند نعمه فلم يحرمني ، ويا من قلّ صبري عند بلائه فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني.. » (2).
وليس تعبيره باصفراره عليه السلام عند وضوئه وحين يقف بين يدي ربّه وقوله : « أتدرون بين يدي من سأقف ومن سأناجي » إلاّ إشارة دقيقة وصادقة على هذا التواصل ، أو تعبيراً متيناً عن هذا الشدّ الرسالي العظيم...
ومثل ذلك قوله وهو متعلّق بأستار الكعبة ليلاً : « إلهي نامت العيون ، وعلت النجوم ، وأنت الملك الحي القيوم ، غلقت الملوك أبوابها ، وأقامت عليها حراسها ، وبابك مفتوح للسائلين... إلى أن ينشد قائلاً :
يامن يجيب دعا المضطرِّ في الظُلم *** يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقمِ
قد نام وفـدك حول البيت قـاطبةً *** وأنت وحـدك يـا قيّـوم لـم تنمِ
أدعـوك ربّ دعاءً قـد أمرت به *** فـارحم بكائـي بحقّ البيت والحرمِ
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمن يجود على العاصين بالنعمِ (3)
3 ـ تذكير الناس بالله تعالى واليوم الآخر ، وإيجاد بدائل لسعادة روحية غيّبها الصراع المادي والسياسي للسلطة الحاكمة ، وخلق أجواء حميمة لعلاقات صادقة وصفاء روحي قائم على الحبّ في الله والبغض في الله...
فنجده يجسّد ذلك الشعور في دعائه لجيرانه ومواليه ، وإخوانه العارفين بحقّه فيقول : « اللهمّ صلِّ على محمد وآله.. واجعلني اللهمّ أجزي بالاِحسان مسيئهم ، وأعرض بالتجاوز عن ظالمهم ، واستعمل حسن الظن في كافّتهم ، وأتولى بالبر عامتهم ، وأغض بصري عنهم عفة ، وألين جانبي لهم تواضعاً ، وأرقّ على أهل البلاء منهم رحمة ، وأسرّ لهم بالغيب مودة ، وأحبُّ بقاء النعمة عندهم نصحاً ، وأوجب لهم ما أوجب لحامّتي وأرعى لهم ما أرعى لخاصتي » (4).
وهذا يعني أن السعادة الروحية يمكن أن تكون أعمق من السعادة المادّية ، وأن التنافس المحموم على المادّة يمكن تعويضه بسعادة روحية حميمة تقوم على العلاقات الدافئة الحبيبة بين الاِخوان المتحابين في الله والمتآخين في حبّ الله ، وبعيداً عن مخالب التنافس المادي وأنيابه وسُعاره...
4 ـ تسفيه أحلام الحكام الاَمويين والتنديد بتكالبهم وتسابقهم على ملذّات الدنيا ، عبر إشعارهم بأن السعادة والكرامة لا يتأتّيان دائماً عبر المال والجاه والسلطة ، وإنّما عبر الزهد والسموّ والترفع على الدنيا وحطامها ، بل إنّ السعادة الروحية أركز وأمتن ، وأجلّ في نفوس أهلها من السعادة المادية المعروفة.
سأل عبدالملك يوماً الامام عليه السلام عن تواصل عبادته وكثرة انشغاله بها ، فأجابه عليه السلام قائلاً : « .. ولولا أن لاهلي عليّ حقاً ، ولسائر الناس من خاصتهم وعامتهم عليّ حقوقاً ، لا يسعني إلاّ القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤديها ، لرميتُ بطرفي إلى السماء ، وبقلبي إلى الله ، ثمّ لا أردّهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين.. » مذكّراً بحديث جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حين سُئل عن كثرة عبادته وقد غفر الله له من ذنبه ما تقدّم منه وما تأخر ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ » ! وقيل : إنّ عبدالملك بكى وأبكى من كان معه...
فضلاً عن إشعار أزلام السلطة أو إيهامهم بأنّه لا يعارضهم ولا يبغي غائلة بهم ، علّهم يخففون عنه عيون الشرطة والمرتزقة والمأجورين...
ولا نرى أنفسنا مبالغين حين نقول : إنّ ( زبور آل محمد ) جاء مجموعة متماسكة من ذرى رفيعة ينتقل عبرها الداعي من عالم مادي رمادي مظلم إلى عالم معنوي مشرق نوراني شفاف ، يستلهم القارىء من كلماتها وألفاظها ومعانيها ونصوصها آفاقاً جديدة في المعرفة والعرفان ، حتى ليُخيل للمرء أنّها كتلةً نورانية مشعّة تنبعث عنها طاقة هائلة من معانٍ وإشراقات يفجّرها الامام ببيانه وبلاغته وصدق مناجاته ، ويحشدها حشداً على امتداد أدعية الصحيفة وكلماتها... وهو يقول : « إلهي اسكنتنا داراً حفرتَ لنا فيها حُفَر مكْرِها ، وعلّقتنا بأيدي المنايا في حبائل غدرها ، فإليك نلتجىء من مكائد خدعها ، وبك نعتصم من الاغترار بزخارف زينتها ، فإنّها المهلكة طلاّبها ، المُتلفة حُلاّلها ، المحشوّة بالآفات ، المشحونة بالنكبات.. إلهي فزهّدنا فيها وسلّمنا منها بتوفيقك وعصمتك ، وانزع عنا جلابيب مخالفتك ، وتولّ أمورنا بحسن كفايتك.. » .
5 ـ كان لابدّ للامام وهو يرى انتشار وباء التكالب على الدنيا وشهواتها ، وانتشار ظواهر التحللّ والميوعة والفساد ، أن يبحث عن لقاح مضاد نافع لكبح تيار الانحلال هذا ، وتعليم الناس أنّ الدنيا ليست كلّ شيء وإنّما وراءها يوم آخر غيّبته السياسة ، وأنّ ذلك اليوم هو خير وأبقى لمن ألقى السمع وهو شهيد ، فكان عليه السلام يقتنص الفرصة تلو الفرصة لتأكيد هذا المعنى في نفوس الناس.
روي عن الامام الباقر عليه السلام واصفاً عبادة أبيه أنّه قال :
« لم يذكر أبي نعمة لله إلاّ سجد ، ولا قرأ آية فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا دفع الله عنه سوء إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاة إلاّ سجد ، ولا وفّق لاصلاح بين اثنين إلاّ سجد.. » (5).
ويُروى عنه عليه السلام أنّه حين كان يخرج مع الناس في بعض المنازل كان يصلّي ويسبّح في سجوده ، ويبكي حتى تبتلّ لحيته بدموع عينيه وهو يقول : « يامن تُحلُّ به عُقد المكاره ، ويا من يُفتأ به حدّ الشدائد ، ويا من يُلتمس منه المخرج إلى روح الفرج. ذلّت لقدرتك الصعاب ، وتسبّبت بلطفك الاَسباب ، وجرى بقدرتك القضاء ، ومضت على إرادتك الاَشياء ، فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة ، وبإرادتك دون نهيك منزجرة ، أنت المدعو للمهمّات ، وأنت المفزع في الملمّات ، لا يندفع منها إلاّ ما دفعت ، ولا ينكشف منها إلاّ ما كشفت... » (6).
وغير ذلك من تضرّع ومناجاة وتبتّل ، كانت لها أكبر الآثار في شدّ الناس بالله تعالى وتذكيرهم بعظمته وجبروته ، وتحذيرهم من الكفر به وتجاوز حدوده... خاصة إذا كان مثالها مصداقاً عملياً للدعاء الصادق أو التبتّل الطاهر الذي لا يرجو صاحبه بدعائه وتبتّله ومناجاته إلاّ رضا الله تعالى وتحكيم دينه في دنيا الناس ، رأفةً بهم وحبّاً لهم ، وامتثالاً لقوله عزَّ من قائل : ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم ان الله غفور رحيم ) (7) .
مضامين دعائه عليه السلام :
وحتى دعائه عليه السلام لم يسلم هو الآخر من النقد والتجريح من قبل السفهاء والمسطّحين ، فبعد أن اعتبره بعضهم إعتزالاً سلبياً ، وانكفاءً وابتعاداً عن هموم الناس وآلامهم ، راح آخرون يؤكدون على الجانب العرفاني فيه فقط ، ناسين أو متناسين أن دعاءه عليه السلام كان في معظمه رسالة مفتوحة ، إلى الناس كل الناس ، بثّ لهم فيها شجونه وأهدافه ورسالته وعلى كلِّ الاطر والاصعدة ، وعلى طريقة ( إياك أعني واسمعي يا جارة )...
ولعلنا من قراءة سريعة لسطور وكلمات أدعيته المأثورة نكتشف سِفراً خالداً ـ سنأتي على ذكر بعض تفاصيله لاحقاً ـ من التربية والتهذيب والتصدّي والدعوة إلى الاِصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حدود الله واستحضار قيم الدين وتفعيل مضامينه وبثّ الروح في مواعظه وإرشاداته.
ولم يُخطئ من وصف ( الصحيفة السجادية ) للامام زين العابدين عليه السلام بأنّها ( زبور آل محمد ) ، ولم يُجانب الصواب كثيراً من قرأ الامام السجاد من زاوية التهجّد والعرفان وعلاقته عليه السلام مع السماء فقط ، فلعله عليه السلام أراد بتلك الاَدعية ـ كما قلنا ـ كبح الانجرار الهابط إلى وحل الاَرض وطينها ، والوقوف أمام التيار المادي الجارف الذي روّجه وعزف عليه وأشاعه الاِعلام الاَموي المتلفّع بشعارات الدين زوراً وإفكاً...
ومن قراءة سريعة في هذه « الصحيفة الخالدة » يكتشف المرء عمق العلاقة بين الامام زين العابدين وربّه ، وكيف انه غاص في أعماق النفس الانسانية ، وراح يشدّ حبلها بحبل السماء الذي قطعته السياسة الاموية ، ومزّقت أوصاله تداعياتها ، وانحطاط رجالها وتهافتهم على الدنيا وحطامها..
نعم ، استطاع الامام السجاد عليه السلام بهذا الاتجاه وبسبب الاَجواء الخانقة التي أشرنا إليها تلميحاً أن يترك لنا سفراً خالداً في المناجاة والتبتّل والابتهال ، فأعاد موازنة العقل مع القلب ، والفكر مع الروح ، واستطاع بصدقه ودموعه وشجونه ولوعته أن يرسم لنا لوحةً صادقةً عن العرفان الهادف ، والتصوف الصادق ، والاتصال المسؤول الذي يهفو إلى السماء ولا ينسى الاَرض ، ويسأل الله سعادة أهل الآخرة ، ولا ينسى شقاء أهل الدنيا ، ويطلب رضا الخالق فيما يناشد ضمائر المخلوقين.. نعم ، جاءت أدعية الامام زين العابدين عليه السلام لمواجهة موجات الرخاء والهبوط التي تعرّض لها المجتمع الاسلامي في بداية الحكم الاموي ، فقام عليه السلام بما امتلكه من بلاغة فريدة وقدرة فائقة على استخدام اللغة ، وذهنية ربانية تفتّقت عن أعذب المعاني وأروعها في تصوير صلة الانسان بخالقه وهيامه به ، وانشداده بالمبدأ والمعاد ، فأوجد من خلال الدعاء فضاءً روحياً عظيماً لابناء المجتمع الاِسلامي استطاع بواسطته تثبيت الانسان المسلم وشدّه بالسماء وخاصة حين تعصف به المغريات وتجرّه إلى الارض.
فكان عليه السلام يخطب الناس في مجلسه كل جمعة ، يعظهم ويزهّدهم في الدنيا ، وهو سيد الزاهدين ، ويُرغّبهم في الآخرة وهو أشدّ الراغبين ، ويقرع أسماعهم بتلك اللوحات الفنيّة البالغة التأثير التي مثّلت بحق العبودية الخالصة لله تعالى ، فضلاً عن كونها عملاً اجتماعياً عظيماً فرضته ضرورة المرحلة التي كان يمرّ بها ، حتى أضحت تلك الادعية تراثاً ربانياً فريداً للسالكين طريق الله ، ومصدر عطاء وهداية لكلِّ من ينشد الحق ويرغب في معرفة الله حقّ معرفته ، إضافة إلى كونها دروس أخلاق وتهذيب ، سيظل أهل الدنيا ينهلون من معينها العذب ما دام هناك صراع بين قوى الخير وقوى الشرّ ، أو بين مثابات الهدى ومعسكرات الضلال...
وهكذا نسمعه عليه السلام في فصاحته وبيانه وبلاغته ، له في كل صباح ومساء دعاء ، وله في المهمّات دعاء ، وفي الاعترافات والظلامات دعاء ، وعند المرض والعافية دعاء ، وعند الشدّة والفزع دعاء ، وعند ذكر الموت وسماع الرعد والرهبة دعاء ، وفي استقبال شهر رمضان المبارك وتوديعه دعاء ، وعند ختم القرآن ويوم عرفة وأيام الاسبوع دعاء ودعاء ، وهكذا في كل موقف وموطن وفي كلِّ نبضة قلب ورمشة جفن ، وكأنه قطعة من كيانٍ وجزءٍ من كلِّ ، لا ينقطع ولا يكلّ ولا يملّ ، حتى يقول :
« يا إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني ، وانتحبتُ حتى ينقطع صوتي ، وقمت لك حتى تنتثر قدماي ، وركعتُ لك حتى ينخلع صلبي ، وسجدتُ لك حتى تتفقأ حدقتاي ، وأكلتُ تراب الارض طول عمري ، وشربتُ ماء الرماد آخر دهري ، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكلُّ لساني ، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياءً منك ، ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي...
فارحم يا ربِّ طول تضرّعي وشدة مسكنتي وسوء موقفي ، واستعملني بالطاعة ، وارزقني حُسن الاِنابة ، وطهرني بالتوبة ، وأيّدني بالعصمة ، واستصلحني بالعافية ، وأذقني حلاوة المغفرة ، واجعلني طليق عفوك ، وعتيق رحمتك ، واكتب لي أماناً من سخطك ، وبشرني بذلك في العاجل دون الآجل ، إنّك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ، وإنك على كلِّ شيء قدير... » .
إذن ، وباختصار شديد وبكلمات أكثر تفصيلاً يمكن القول ان الصحيفة السجادية التي تركها الامام زين العابدين عليه السلام جاءت لتشكّل مساحة منهجية رائدة وكبيرة ، بكبر القضية التي انتُدب لها أولاً ، وبحجم دوره عليه السلام في ريادة هذه القضية وتوجيهها وتعميقها في نفوس الناس ثانياً.
نعم ، جاءت هذه الصحيفة لتكون شوطاً آخر من أشواط الجهاد الذي قطع مشواره المرّ الطويل هذا الامام العظيم في تبيئة المفهوم الاِسلامي ـ كما يقولون اليوم ـ وتأصيل جذوره في الاُمّة والمجتمع بعدما انكمش دوره في دائرة القوالب المشوّهة التي صاغها الاَمويون ، وداسوا القيم العظيمة التي جاء من أجلها بل لاَجلها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، واستشهد لاَجلها سيد الشهداء عليه السلام .
جاء الامام السجاد في صحيفته هذه ليمزج العاطفة بالوجدان ، والقلب بالعقل ، ويحمل الجميع إلى الحقيقة الاِلهية المتعالية بلا رتوش أو أصباغ أو قوالب يتماهى معها أدعياء هذه الحقيقة فيستغرقون ويُغرقون الناس معهم في مفاهيم غائمة لا مصاديق لها ، أو يغوصون في عبارات سائبة عائمة لا تستقر في قعر ولا تركن إلى حصنٍ منيع.
____________
(1) الإمام زين العابدين | عبد الرزاق المقرّم : 42 .
(2) مناقب آل أبي طالب 4 : 178 .
(3) مناقب آل أبي طالب 4 : 163 عن الاصمعي اللغوي النحوي صاحب النوادر والملح ، عن الكنى والألقاب 2 : 37 ـ 40.
(4) الصحيفة السجادية الجامعة : 131 دعاء رقم (65) .
(5) معاني الأخبار | الصدوق : 24 .
6) الصحيفة السجادية | الإمام زين العابدين دعاء ( 7 ) .
7) سورة النور : 24 | 62 .
____________
فسلام عليك يامولاي يازين العابدين ويا سيد الساجدين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رسالة الحقوق - الاِعلان الاَول لحقوق الاِنسان في العالم
رسالة الحقوق الاِعلان الاَول لحقوق الاِنسان في العالم :
رسالة الحقوق.. محاكمة المفاهيم بالمصاديق :
لا نظن أننا منحازين حين نقول إن تجربة الاِسلام الاُولى ، أي تجربة الصدر الاَول للاِسلام في زمن النبي وعهد الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام ، كانت التجربة الاَروع في تاريخ البشرية من حيث سيادة العدالة الاجتماعية وتكريس حقّ الاِنسان في الحياة الحرة الكريمة ، ونقل المجتمع البشري من ظلمات الجهل والجاهلية إلى نور الحق والعدل...
ورغم أن هذه التجربة لم يُكتب لها الاستمرار طويلاً بحكم طبيعة البشر في تغليب مصالحهم على مبادئهم ، وبحكم الاِنحراف عن خط الرسالة الاَصيل ، إلاّ أنّها كانت ولا زالت وستظلّ التجربة الاَمثل لمن يحاكم المفاهيم في ظلّ المصاديق ، ويحاكم النظرية على أساس التطبيق...
وحين يُقال إنّ إصلاح أية نظرية أو فكرة لا يمكن إقراره عبر اليافطات والشعارات التي ترفعها ، وإنّما بإمكانية تطبيقها على أرض الواقع ، يمكن القول أيضاً إن تجربة الاِسلام الاُولى تلك ، كانت بحق تجربة المصاديق الاُولى التي لم يستطع أي مؤرخ التنكّر لها مهما جنح أو تحامل أو تحيّز.
ومن أجمل مصاديق هذه التجربة ، بل أصدق رجالها الذين زاوجوا بجدارة بين المفهوم والمصداق ، والقول والفعل ، هو الاِمام زين العابدين عليه السلام الذي جاء امتداداً حقيقياً لمدرسة النبي المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم ومدرسة جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام صوت العدالة الانسانية وبقي نموذجاً شاهداً ، وبقيّة صالحة من أبيه الحسين بن علي عليهما السلام ، الذي قدّم لرسالته ودينه مالم يقدمه إنسان على وجه الاَرض في عمق إيمانه وصدق تضحيته وإخلاص نيّته ونبل سلوكه وإبائه وشهامته ورساليته..
وحين نقول المصاديق ، أو تجربة المصاديق ، فاننا نعني أنّ مصداقها الاَول والاَكثر تجلياً وسطوعاً ، وعلى المستويين النظري والتطبيقي ، هو شخصية واضع هذه التجربة أو رائدها وزعيمها ، وهو موضوع بحثنا الاِمام زين العابدين عليه السلام .
ولمّا كنا استعرضنا بعض تفاصيل حياة هذا الرجل العظيم في بعض مصاديقها العملية ، واكتشفنا ظهراً محدودباً يتفقد الاَرامل واليتامى في جوف الليل ، يحمل المؤن والمساعدات لمن لا معيل لهم ولا كفيل ، وهو أفقه أهل زمانه وأكثرهم علماً وورعاً ومعروفية ، ثم رأينا على محياه دموعاً ساخنة تجري بغزارة لتأكيد الانفعال الصادق الطاهر مع المضطهدين والمعذّبين ، مشفوعة بيقينٍ ثابت برجاء ثواب الله ، واعتقاد راسخ بآخرة باقية أفضل من أولى فانية ، وإن غيبتها السياسة ومترفوها وتجارها.
من هنا لم يبق إلاّ أن نقول وبلا تردّد ، أن هذا المصداق أنشأ وأسس وأصّل مدرسة نموذجية فريدة تهتم بالفعل قبل القول ، وبالتجسيد قبل التنظير ، وبالانفعال الصادق قبل التفاعل والتفعيل والشعارات الكاذبة.
ومع ذلك يمكن القول أن أعظم ما وصلت إليه البشرية اليوم هو ترسيخ مبادىء حقوق الاِنسان ، ونشر ثقافة الحقوق ، وأدب الحقوق ، وإن بقيت الفاصلة شاسعة بين الواقع والادّعاء ، إلاّ أن الجهد البشري استطاع مشكوراً طبعاً أن يعمّم هذه الثقافة ويدعو إلى تطبيقها على الاَمم والشعوب ، ويؤسس لذلك وعبر عشرات الاعلانات العالمية لحقوق الاِنسان وعشرات المؤتمرات التي تدعو الاِنسان وتناشده احترام أخيه الاِنسان والاعتراف بحقه في الحياة الحرة الكريمة...
ولمّا مررنا مروراً سريعاً على ما سمّاه البعض (زبور آل محمد) أي الصحيفة السجادية للاِمام السجاد عليه السلام ، وقرأنا عمق العلاقة التي حاول رسمها أو شدّها هذا الاِمام العظيم بين الاِنسان وربه ، فاننا نمرّ الآن مروراً سريعاً أيضاً على البعد الآخر الذي حاول الاِمام ترسيخه عبر نظرية حقوقية متكاملة ، أو رسالة حقوقية يمكن اعتبارها بحقّ ديباجة لكلِّ وثائق وإعلانات حقوق الاِنسان في العالم ، وإن كانت جاءت قبل هذه الوثائق العالمية بأكثر من ألف عام...
أي إنه عليه السلام كان موفّقاً هنا أيضاً ، حين لم يكتفِ برسم معالم العلاقة وحدودها بين الاِنسان وربه ، وإنّما راح يُنظّر للعلاقة المهمة الاُخرى بين الاِنسان وأخيه الاِنسان ، ويضع مواد قانونية يمكن اعتبارها بحق أيضاً أجمل وأعظم وأمتن ما كُتب حول الحقوق ورسالات الحقوق وثقافة الحقوق .
تأسيساً على ذلك ، يمكننا القول إن رسالة الحقوق التي كتبها لنا الاِمام زين العابدين هي أول إعلان إسلامي بل عالمي لحقوق الاِنسان ، كما ثُبّت قبل ألف وأربعمائة سنة ، وقبل أن يعرف العالم إعلانات واتفاقيات ومبادىء الحقوق بهذه النظرة الشمولية الرائدة...
مع رسالة الحقوق :
فلنمرّ مروراً سريعاً ، إذن ، على رسالة الحقوق للاِمام زين العابدين عليه السلام بديباجتها النظرية البليغة التي لم تفصل بين السماء والاَرض كما تفعل إعلانات حقوق الاِنسان العالمية اليوم ، بل راحت تؤكد على تغيير المحتوى الداخلي للاِنسان الذي به ومنه تنطلق إرادات التغيير نحو عالم أفضل وأكمل.
يقول الاِمام زين العابدين عليه السلام في ديباجته لرسالة الحقوق هذه « إعلم ، رحمك الله ، أنّ لله عزَّ وجلَّ عليك حقوقاً محيطة بك في كلِّ حركة تحركتها أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها.. وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى ، وما أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك ، ثمّ حقوق أئمتك وحقوق رعيتك وحقوق رحمك ، فأوجب عليك حق أمّك وحقّ أبيك ، ثمّ حقّ ولدك وحقّ أخيك ، ثمّ الاَقرب فالاَقرب... » .
بعدها راح الاِمام يُعدّد هذه الحقوق حقاً حقاً ، ليفصّلها بعدئذٍ بدقّة وموضوعية وعمق ، وكان مما قاله عليه السلام في إحصاء هذه الحقوق : « ومنها حقّ غريمك الذي تطالبه ، وحقّ غريمك الذي يُطالبك ، ثمّ حقّ خليطك ، ثمّ حقّ خصمك المدّعي عليك ، ثمّ حقّ خصمك الذي تدّعي عليه ، ثمّ حقّ مستشيرك وحقّ المشير عليك ، ثمّ حقّ مستنصحك وحقّ الناصح لك ، ثمّ حقّ من هو أكبر منك ، وحقّ من هو أصغر منك ، ثم حقّ سائلك وحقّ من سألته ، ثمّ حقّ أهل ملّتك عامّة ، ثمّ حقّ أهل الذمّة ، ثمّ الحقوق الجارية بقدر علل الاَحوال وتصرّف الاَسباب... » .
ثمّ يفصلها واحداً بعد الآخر بشكل محكم ودقيق..
وهكذا ومن أول كلمة ، أو التفاتة ، وبلا مزايدات إعلامية ، نلاحظ أن الاِمام السجاد عليه السلام أكّد على حق الله الذي هو ما أوجبه الخالق على الناس من قيم عظيمة ومُثل نبيلة ، لم يحاول عليه السلام الدخول في تفاصيلها وفرض وصايته على تحديدها ، كما يفعل بعض من يدّعون الوصاية على الناس والحديث نيابة عن المطلق ، ولسبب بسيط ومعلوم طبعاً أنّ حقّ الله على العباد جاء واضحاً صريحاً بسيطاً في كتب الله وسيرة أنبيائه ورسله وتعاليمهم التي دعت إلى التحلّي بالاخلاق الفاضلة والقيم الرفيعة التي جُبلت عليها الفطرة البشرية السليمة ، وبلا مماهاة أو مماحكات أو التواءات ، كالصدق والاَمانة والحياء والوفاء والانتصار للمظلوم ومخاصمة الظالم ومساعدة المحتاج ، وإغاثة الملهوف ، والمعاملة الطيبة وصدق الحديث وبرّ الوالدين والرفق بالضعيف والجار وما إلى ذلك.
وكما هو حقّ اللهّ المدوّن في كتابه وسُنّة أنبيائه ، جاء حقّ النفس على صاحبها ، ثمّ حقوق الآخرين فرداً فرداً ، ليكون الاِمام عليه السلام أفضل تجسيد لها ، والاِنصهار بها ، وبلا مدّعيات أو شعارات ـ كما قلنا ـ قد تُفرِّغ المفاهيم من روعتها ، وتُسفِّه المصاديق العظيمة وتستخفّ بها.
لنمر مروراً سريعاً أيضاً على مقتطفات من بعض هذه الحقوق كما وردت على لسان الاِمام زين العابدين عليه السلام ، تاركين تفاصيلها لمن يريد أو يرغب التفصيل في رسالة الحقوق المعروفة للاِمام.
حقوق الرعية والراعي :
يبدأ الاِمام عليه السلام بتأكيد الحق الاَكبر والاَول الذي يؤسس لبقية الحقوق ويؤدي لها ، وهو حق الرعية على الراعي ، أي حق الاُمّة على القائد ، أو حق المحكوم على الحاكم ، وهذا الحق طبعاً هو موضوع ابتلاء الاُمم والشعوب على امتداد العصور والاَزمان ، فيقول عليه السلام مخاطباً الحاكم « فإنّما حقوق رعيتك بالسلطان : فأن تعلم ، أنك إنّما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، وإنّ الله إنّما أحلّهم محلّ الرعية لك ضعفهم وذلّهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه وذلّه حتى صيّره لك رعية ، وصيّر حكمك عليه نافذاً ، لايمتنع منك بعزّة ولا قوة ، ولا ينتصر في تعاظمه منك إلاّ بالله ، بالرحمة والحياطة والاَناة ، وما أولاك إذا ما عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي قهرت بها أن تكون لله شاكراً ، ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه... » .
ثم يفصّل هذه الحقوق وكأنه امتداد أصيل لجده الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي ترك عهده لمالك الاَشتر وثيقة خالدة اعترف ويعترف بها كل القادة والزعماء التأريخيين ومازالوا ، وكيف أنها صارت منهجاً علمياً رصيناً في سياسة الحاكم لرعيته ورفقه بها وتعامله معها.
وبعد أن يحدد الاِمام زين العابدين عليه السلام حقوق المحكوم على الحاكم ، يتوقف عند حقوق الحاكم على المحكوم ، فيعطي كل ذي حق حقه ، بلامواربة أو تحيّز أو مساومة ، فيقول مخاطباً المحكوم هذه المرّة : « فأما حق سائسك بالسلطان ، فأن تعلم أنك جُعلت له فتنة وأنه مبتلى بك ، بما جعل عليك من السلطان ، وأن تُخلص له في النصيحة ، وأن لا تُماحكه ، وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلّل وتلّطف لاِعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ، ولا تعازّه ولا تعانده ، فإنّك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك ، فعرضتها لمكروهه ، وعرّضته للهلكة فيك وكُنتَ خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك وشريكاً له في ما أتى إليك... » .
بهذه الموازنة الدقيقة يضع الاِمام زين العابدين عليه السلام معايير الحقوق بين الراعي والرعية ، فلا يُسرف الراعي في استخدام رعيته التي بايعته وعاضدته وساندته ، فيذلها ويمتهنها ، ويحوّلها إلى قطيع وخول تكبّراً واستهتاراً ، وفي نفس الوقت لا تُسرف الرعيّة في الدلال والتغنّج على الوالي فتعانده وتتعزّز عليه وتماحكه وتجادله فتُهلكه وتهلك معه ، وإنّما أن يعرف كلّ ذي حق حقّه ، ويعرف كلّ حدوده وواجباته ومسؤولياته لتجاوز المحن وعبور المطبّات واحتواء الفتن..
ولعلك تلاحظ الدقة والبلاغة والايجاز في تعبيره عليه السلام حين يقول « وتلطّف لاِعطائه ـ للسلطان ـ من الرضا ما يكفّه عنك ( ولكن ) لا يضرّ بدينك.. » !
حقوق الرحم :
وبهذه المتانة والدقة والاِيجاز ، ينتقل الاِمام السجاد عليه السلام ليُسجّل حقوق الآخرين ، الواحد تلو الآخر ويضع كل نقطة على حرفها ، محركاً كوامن النفوس مستنهضاً الفطرة السليمة بلا مساومة أو مداورة أو مماهاة فيقول في حق الرحم مثلاً :
حق الاُم :
« وأما حق الرحم.. فحق أمك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها مالا يطعم أحد أحداً ، وأنّها وقَتْكَ بسمعها وبصرها وبيدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها ، مستبشرةً فرحة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمّها حتى دفعتك عنها يد القدرة ، وأخرجتك إلى الاَرض ، فرَضِيتْ أن تشبع وهي تجوع ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتضمى ، وتُظلك وتضحى.. » .
إلى أن يقول عليه السلام : « وتنعّمك ببؤسها ، وتلذّذك بالنوم بأرقها.. كان بطنها لك وعاء ، وحجرها لك حواء ، وثديها لك سقاء ، ونفسها لك وقاء ، تباشر حرّ الدنيا وبردها لك ودونك ، فتشكرها على قدر ذلك ، ولا تقدر عليه إلاّ بعون الله وتوفيقه.. » .
حق الاَب :
« ... وأما حق أبيك فأن تعلم أنّه أصلك ، وأنت فرعه ، وأنّك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك ، فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه ، ... واحمد الله واشكره على قدر ذلك... » .
حق الولد : « ... وأما حق ولدك ، فأن تعلم أنّه منك ، ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنك مسؤول عما ولّيته من حسن الاَدب والدلالة على ربّه ، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسك ، فمثابٌ على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذّر إلى ربِّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاَخذ له منه... » .
حق الاَخ :
« ... وأما حق أخيك ، فأن تعلم أنّه يدك التي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجىء إليه ، وعزّك الذي تعتمد عليه ، وقوّتك التي تصول بها ، فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ، ولا عدّة للظلم لخلق الله ، ولا تدع نصرته على نفسه ، ومعونته على عدوه ، والحؤول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والاِقبال عليه في الله ، فإن انقاد لربّه وأحسن الاِجابة ، وإلاّ فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه... » .
بهذه الدقة والايجاز يستمر الاِمام السجاد عليه السلام يسجّل حقوق الرحم ، وكأنّه يغوص في أعماق النفس الاِنسانية ، ليستلّ منها أسمى ما فيها من النوازع والعواطف النبيلة ، ويجتثّ منها أخبث ما فيها من أحابيل الشرّ ودوافع الشيطان..
فتراه في العبارة الاَخيرة ، مثلاً ، يفكك بين حقين يتنازعان الاِنسان في أغلب الاَحيان ، ويدفعانه لاتخاذ أحدهما قبل الآخر ، وهما حق الاَخ وحق الله ، فإذا كان ثمة خياران لا ثالث لهما : إمّا أخوك الذي هو « يدك الذي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجىء إليه ، وعزك الذي تعتمد عليه ، وقوتك التي تصول بها » وإمّا ربك ودينك ومبادئك ، فهنا يكون الحق المرّ أو الخيار المرّ.. هذا الاَخ أم ذاك الربّ ؟!!
أي هل يتخذ من أخيه سلاحاً وقوة لمعصية الله ، أم يتخذ من الله معيناً فيزهد في حق أخيه..
وهذا هو الخانق الذي يجد الاِنسان نفسه محشوراً فيه في أغلب الاَحيان وخاصة إذا كان في موقع السلطة ، عشيرته التي ينتمي إليها ، أم مبادؤه التي رفعها شعاراً وهوية وانتساباً ونال بها تلك السلطة ؟ ! قرابته التي يعيش في عزّها ومنعتها ، أم قيمه التي تدعوه للمواجهة أحياناً وربما التضحية بهذا الاَخ أو تلك العشيرة أو ذلك الانتساب ؟!!
وبكلمة اُخرى ، أين يجب أن يقف الاِنسان لحظة الصدام بين المبادئ والمصالح ؟ وأيُّهما أجدر بالاتّباع ؟ حدود الدين مع مافيها من تضحية بالعاجل على حساب الآجل ، أم قيم العشيرة والحزب والقومية مع مافيها من مصالح ومنافع عاجلة ولكن على حساب الآخرة ونعيمها ؟ !
هذا هو المفترق الذي يحار فيه أغلب الرجال مهما أوتوا من قوة وعزيمة ، وهذا هو الخيار الذي يدعو الاِمام لاتخاذه بلا تردّد ، وقد اتخذه عليه السلام قولاً وفعلاً في العشرات من المواقف وحيث أعطى لله كل مالديه ، وأصرّ أن يعيش محاصراً مطارداً ملاحقاً مقصياً عن موقعه مهضوماً حقه ، لا معين له إلاّ الله ، ولا عشيرة إلاّ حدود الله وقيمه وتعاليمه(1) .
ومع هذا وذاك ، لم يفُت الاِمام عليه السلام أن يؤكد معونتك لاَخيك ونصرته بقوله عليه السلام : « ولا تدع نصرته على نفسه » أي حاول الحيلولة بينه وبين شيطانه أو شياطينه ـ على حد قوله عليه السلام ـ بأداء النصح ، والتماس العذر سعياً حثيثاً لاستيعابه ، وتشبثاً كريماً للرفق به والعطف عليه ، من أجل احتوائه وعدم التفريط به.. حتى يتأسى منه ، وإلاّ « فليكن الله آثر عندك ، وأكرم عليك منه » !!!
حق الغريم :
وينتقل الاِمام إلى حقّ آخر لا يقلّ إحراجاً عن سابقاته في لحظة الخيارات الصعبة ، وبين أن يقسو أو يُقسى عليه ، فيقول في حق الغريم مثلاً : « ... وأما حق الغريم المطالب لك ، فإن كنتَ موسراً أوفيته ، وكفيته وأغنيته ولا تردّه وتمطله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( مطل الغني ظلم ) ، وإن كنت معسراً أرضيته بحسن القول ، وطلبت إليه طلباً جميلاً ورددته عن نفسك ردّاً لطيفاً ، ولا تجمع عليه ذهاب ماله وسوء معاملته ، فإن ذلك لؤم.. » .
وهكذا يقترب الاِمام عليه السلام لتفعيل هذا الحق بمجسٍّ حساس جداً لآلة الفكر البشري ، وكأنّه يحرك كوامن الفطرة البشرية السليمة ، يستنطق الذات في طريقة تعاملها مع الآخر طالباً كان أو مطلوباً...
حق الخصم :
أما التعامل مع الخصم ، فيأتي الاِمام السجاد عليه السلام هنا أكثر دقّة وحساسية لما لهذا البُعد من آثار اجتماعية مهمة يجب الالتفات إليها والنظر أو التحديق فيها من زوايا متعدّدة فيقول عليه السلام : « وأما حق المدّعي عليك ، فإن كان ما يدّعي عليك حقاً لم تنفسخ في صحبته ، ولم تعمل في إبطال دعوته ، وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها ، والشاهد له بحقه ، دون شهادة الشهود ، فإنّ ذلك حق الله عليك ، وإن كان ما يدّعيه باطلاً ، رفقت به وردعته وناشدته بدينه ، وكسرت حدّته عنك بذكر الله ، لاَنّ لفظة السوء تبعث الشرّ ، ولفظة الخير مقمعة للشر..
وأما حق المدّعى عليه ، فان كان ما تدّعيه حقّاً أجملت في مقاولته ، فان للدعوى غلظة في سمع المدّعى عليه ، وقصدت قصد حجتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، وألطف اللطف ، ولا تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجتك ، ولا يكون لك في ذلك دَرَك.. » .
حقوق اُخرى :
ويستمر الاِمام عليه السلام في تفصيل رسالة الحقوق هذه ، فيشير إلى حق المشير وحق المستشير ، وحق الناصح والمستنصح ، وحق الصغير على الكبير ، وحق الكبير على الصغير ، وحق السائل وحق المسؤول ، وحق من سرّك ، وحق من ساءك القضاء على يديه ، وهكذا حتى يحس القارئ لهذه الرسالة القانونية ، أنّه غارق في مدوّنات دستورية بالغة التركيز والدقة ، فلاجملة مضافة ولا حرف زائد ، ولا سجع ممل ، ولا إنشاء غائم ، مستلاًّ كل ذلك من القرآن الكريم والحديث الشريف والسُنّة النبوية المطهّرة...
ولم يفُت الاِمام عليه السلام في خاتمة رسالته ، أن يحدّد حقوق أهل الذمّة مذكّراً بحديث جدّه أمير المؤمنين عليه السلام : « الناس صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لكَ في الخلق... » (2) ، فيقول عليه السلام : « وأما حق أهل الذمّة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم في ذمته وعهده ، وتكِلهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك في ما جرى بينك وبينهم من معاملة... » .
إلى أن يقول : « وأن تقبل منهم ما قبل الله عزَّ وجلَّ منهم ، ولا تظلمهم ما وفّوا لله عزَّ وجلَّ بعهده... » .
وهذا يعني أنّ المقياس الاَول والاَخير في تحديد الحق بينك وبين الآخرين هو حدود الله ، فلا مجال للاَهواء والمصالح والمتغيّرات ، ولا أغطية ومجاملات وعلاقات على حساب اللياقات ـ كما يقولون ـ ولا ( حق فيتو ) يتوارى خلفه أصحاب المصالح والاَهواء ، ولا عبارات مطّاطة وتوظيف نصوص تكيل الاَمور بمكيالين وتزنها بميزانين..
كلمة اُخرى في رسالة الاِمام عليه السلام :
مسألة اُخرى مهمة في رسالة الحقوق هذه ، أنّها توجهت إلى النفس الاِنسانية مباشرة وراحت تعالج أدقّ التفاصيل التي تعتمل في سريرة الفرد ودخيلته ، أي ليس كما جاء في الاِعلانات العالمية المعاصرة لحقوق الاِنسان ، حيث تدور المواد القانونية في دائرة الاُمّة والمجتمع دون الاِلتفات إلى دور الفرد في صناعة هذه المقدمة الضرورية لوضع المواد القانونية موضع التنفيذ...
وهذا يعني أن مواد الاِعلان العالمي لحقوق الاِنسان التي دُوّنت في وثيقته الصادرة في 10 كانون أول 1948 م ، والتي اعتُبرت أفضل وثيقة عالمية تصدر في هذا السياق بحق ، جاءت لتؤكد على أن ( الناس متساوون في الكرامة والحقوق ، وأنّهم وهبوا عقلاً وضميراً ، وعليهم أن يُعاملوا بعضهم بروح المودّة والمساواة والاِخاء .. ) (3).
كما أكدت المادة الثانية على مساواة الناس في الحريات ( دون أي تمييز في الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو المولد أو الاَصل الوطني أو الاجتماعي ) (4).
ونصّت المواد الثالثة والرابعة والخامسة على حق الفرد في الحياة الحرة والاَمن الشخصي ، وعدم جواز الرق والتجارة فيه ، ورفض التعذيب وأيّة معاملة قاسية أو وحشية تحطّ من كرامة الاِنسان.. وهكذا في جميع مواد الاِعلان العالمي التي شملت حق التجنّس وحق الهجرة وحق اللجوء وحق الضمان الاجتماعي وحق التعلّم وحق الضمير..
إنّ هذه الحقوق التي أقرّتها الاُسرة الدولية ، ووقّعتها كل حكومات العالم آنذاك ، لم توضع موضع التنفيذ ، إن لم نقل تمّ تجاوزها في عموم دول العالم وإنّها بقيت حبراً على ورق ، لاَنّها لم تشدّ الاِنسان إلى خالقه أولاً ، ولاَنّها جاءت من فوق الاِنسان وليس من داخله ، ولاَنّها اهتمت بالطرح المفاهيمي دون التأكيد على المصاديق ، وأكدت على الحكومات والشعوب دون النظر إلى الفرد والنفس البشرية ، أي عكس ماقاله أو فعله الاِمام زين العابدين عليه السلام صاحب رسالة الحقوق هذه ، الذي اهتم بسريرة الاِنسان ودخيلته ، وعلاقته مع ربّه ، وصولاً إلى عملية التغيير الكبرى في إطار الاُمّة والمجتمع...
فهو عليه السلام حين يقول مثلاً : « إنّ أفضل الجهاد عفّة البطن والفرج » فإنّما يدعو إلى ترسيخ أعظم القيم في النفوس ، أي إلى تهذيب هاتين الشهوتين اللتين بسببهما تُعلن الحروب وتنشب المعارك وتُرفع رايات الاقتتال على مستوى الاَفراد والشعوب...
وهو حين يؤكد على حقوق أهل الذمة وأن ( يُقبَل منهم ما قبله الله عزَّ وجلّ ) ويمارس ذلك واقعاً وسلوكاً ، فانما يدعو إلى احترام الاِنسان مهما كانت ديانته ومعتقداته وبعيداً عن الشعارات التي يرفعها الحكام وأدعياء حقوق الاِنسان للاستهلاك والتسويق السياسي بكل صوره وألوانه المحلي والعالمي ، القطري والاِقليمي ، القومي والوطني.
ومن جانب آخر ، فإنّه عليه السلام حين يجسّد الحلم والتواضع والعفو وحب العلم والعلماء بمصاديق عملية واضحة ، مقروءة ومرئية ومسموعة ، فإنّما يقصد من وراء ذلك ، وضع اللوائح القانونية والمواعظ والشعارات والتوجيهات موضع التنفيذ ، وإلاّ فلا قيمة لتسويد عشرات الصفحات ، أو كتابة مئات الاِعلانات ما دامت باقية حبيسة المدوّنات وأسيرة الاَراشيف المغبرة التي لا وجود لها على أرض الواقع... فهو حين يرحّب بالشباب الواعي مثلاً مخاطباً إياهم : « مرحباً بودائع العلم.. يوشك إذ أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين » (5) ، فإنّما يريد التأكيد على دور الشباب في صناعة المستقبل ودور العلم في تطور الشعوب..
وهكذا في قوله : « كلكم سيصير حديثاً ، فمن استطاع أن يكون حديثاً حسناً فليفعل » (6).
أما عن حلمه وصفحه عن خصومه وتجسيده لمقولة جدّه عليه السلام « أفضل العفو ، العفو عند المقدرة » فإنّ قصة صفحه عن غريمه مروان بن الحكم وكيفية لجوئه عنده مع حريمه ونسائه مستنجداً ، لائذاً ، دخيلاً ، هارباً من غضب أهل المدينة الذين طردوا عامل يزيد عليها في ثورتهم المعروفة ومطاردتهم لبني أُميّة ، جاءت هي الاُخرى لتؤكد أن هذا الرجل يعيش في قلوب الناس وليس على جماجمهم وأشلائهم ، كما يعيش الجبابرة والسلاطين وحكام الجور.
وهكذا جاءت قصته مع ذاك الذي حاول استفزازه بكلمات جارحة بذيئة ، وتجاهل الاِمام له ، وردّ ذلك الوغد البذىء : ( إياك أعني ) وردّ الاِمام عليه : « وعنك أعرض » (7)مع قدرته على تأديبه لو شاء..
وكذلك قصته مع الآخر الذي افترى عليه وبالغ في سبّه ، وردّه عليه السلام « إن كنّا كما قلت غفر الله لنا ، أو ( نستغفر الله ) ، وإن لم نكن كذلك غفر الله لك » (8) !!
كل هذه الاُمور والمواقف واللفتات العملية الدقيقة وعشرات مثلها ، هي التي خلّدت الاِمام زين العابدين وجعلته في مصافّ أعظم الاَئمة والمصلحين وزعماء التاريخ ، وإنّها هي التي هيأت له من أسباب الخلود مالم تهيئه لمناوئيه ومعاصريه من الحكام الاَمويين الذين تحكّموا بالرقاب دون المشاعر ، وركّزوا على الشعار دون الواقع ، فصاروا عاراً على التاريخ ولعنة للاَجيال...
نعم ، جاءت مواقف الاِمام حاكمة على نظرياته وليس العكس ، وجاءت مصاديقه ترافع مفاهيمه وليس العكس ، وهكذا جاءت دموعه الحرّى ناطقة عن إيمانه وصبره وفجيعته ، كما جاء حزنه الصامت مفصحاً عن ثورته ورفضه وتمرده.
لقد جسّد عليه السلام بحق نظرية أبيه في طلب الاِصلاح في أُمّة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاء امتداداً صادقاً لتلك التضحية الخالدة التي كانت وستظل غرّة على جبين الزمان ، مادام هناك صراع بين الحق والباطل ، أو بين السماحة واللؤم ، أو بين النقص والكمال ، أو القبح والجمال...
فلولا القبح ما عُرف الجمالُ * ولولا النقص ما عُرف الكمالُ
( والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربّك ثواباً وخيرٌ مردّاً ) (9).
____________
(1) راجع قولته عليه السلام المارة الذكر في كتاب ( الإمام السجاد | حسين باقر : 63 ) والتي جاء فيها ما نصّه : « لم يبق في مدينة الرسول ومكّة أكثر من عشرين رجلاً يحبوننا أهل البيت .. » .
(2) نهج البلاغة 3 : 83 ـ 102.
(3) الاِعلان العالمي لحقوق الاِنسان ـ الصادر في 10 كانون أول 1948 م ـ المادة الاُولى.
(4) المصدر السابق ، المادة الثانية.
(5) تاريخ اليعقوبي 3 : 37.
(6) تاريخ اليعقوبي 3 : 37.
(7) البداية والنهاية 9 : 105.
(8) الكامل للمبرد 3 : 805 .
(9) سورة مريم : 19 | 76 .
____________
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رسالة الحقوق.. محاكمة المفاهيم بالمصاديق :
لا نظن أننا منحازين حين نقول إن تجربة الاِسلام الاُولى ، أي تجربة الصدر الاَول للاِسلام في زمن النبي وعهد الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام ، كانت التجربة الاَروع في تاريخ البشرية من حيث سيادة العدالة الاجتماعية وتكريس حقّ الاِنسان في الحياة الحرة الكريمة ، ونقل المجتمع البشري من ظلمات الجهل والجاهلية إلى نور الحق والعدل...
ورغم أن هذه التجربة لم يُكتب لها الاستمرار طويلاً بحكم طبيعة البشر في تغليب مصالحهم على مبادئهم ، وبحكم الاِنحراف عن خط الرسالة الاَصيل ، إلاّ أنّها كانت ولا زالت وستظلّ التجربة الاَمثل لمن يحاكم المفاهيم في ظلّ المصاديق ، ويحاكم النظرية على أساس التطبيق...
وحين يُقال إنّ إصلاح أية نظرية أو فكرة لا يمكن إقراره عبر اليافطات والشعارات التي ترفعها ، وإنّما بإمكانية تطبيقها على أرض الواقع ، يمكن القول أيضاً إن تجربة الاِسلام الاُولى تلك ، كانت بحق تجربة المصاديق الاُولى التي لم يستطع أي مؤرخ التنكّر لها مهما جنح أو تحامل أو تحيّز.
ومن أجمل مصاديق هذه التجربة ، بل أصدق رجالها الذين زاوجوا بجدارة بين المفهوم والمصداق ، والقول والفعل ، هو الاِمام زين العابدين عليه السلام الذي جاء امتداداً حقيقياً لمدرسة النبي المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم ومدرسة جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام صوت العدالة الانسانية وبقي نموذجاً شاهداً ، وبقيّة صالحة من أبيه الحسين بن علي عليهما السلام ، الذي قدّم لرسالته ودينه مالم يقدمه إنسان على وجه الاَرض في عمق إيمانه وصدق تضحيته وإخلاص نيّته ونبل سلوكه وإبائه وشهامته ورساليته..
وحين نقول المصاديق ، أو تجربة المصاديق ، فاننا نعني أنّ مصداقها الاَول والاَكثر تجلياً وسطوعاً ، وعلى المستويين النظري والتطبيقي ، هو شخصية واضع هذه التجربة أو رائدها وزعيمها ، وهو موضوع بحثنا الاِمام زين العابدين عليه السلام .
ولمّا كنا استعرضنا بعض تفاصيل حياة هذا الرجل العظيم في بعض مصاديقها العملية ، واكتشفنا ظهراً محدودباً يتفقد الاَرامل واليتامى في جوف الليل ، يحمل المؤن والمساعدات لمن لا معيل لهم ولا كفيل ، وهو أفقه أهل زمانه وأكثرهم علماً وورعاً ومعروفية ، ثم رأينا على محياه دموعاً ساخنة تجري بغزارة لتأكيد الانفعال الصادق الطاهر مع المضطهدين والمعذّبين ، مشفوعة بيقينٍ ثابت برجاء ثواب الله ، واعتقاد راسخ بآخرة باقية أفضل من أولى فانية ، وإن غيبتها السياسة ومترفوها وتجارها.
من هنا لم يبق إلاّ أن نقول وبلا تردّد ، أن هذا المصداق أنشأ وأسس وأصّل مدرسة نموذجية فريدة تهتم بالفعل قبل القول ، وبالتجسيد قبل التنظير ، وبالانفعال الصادق قبل التفاعل والتفعيل والشعارات الكاذبة.
ومع ذلك يمكن القول أن أعظم ما وصلت إليه البشرية اليوم هو ترسيخ مبادىء حقوق الاِنسان ، ونشر ثقافة الحقوق ، وأدب الحقوق ، وإن بقيت الفاصلة شاسعة بين الواقع والادّعاء ، إلاّ أن الجهد البشري استطاع مشكوراً طبعاً أن يعمّم هذه الثقافة ويدعو إلى تطبيقها على الاَمم والشعوب ، ويؤسس لذلك وعبر عشرات الاعلانات العالمية لحقوق الاِنسان وعشرات المؤتمرات التي تدعو الاِنسان وتناشده احترام أخيه الاِنسان والاعتراف بحقه في الحياة الحرة الكريمة...
ولمّا مررنا مروراً سريعاً على ما سمّاه البعض (زبور آل محمد) أي الصحيفة السجادية للاِمام السجاد عليه السلام ، وقرأنا عمق العلاقة التي حاول رسمها أو شدّها هذا الاِمام العظيم بين الاِنسان وربه ، فاننا نمرّ الآن مروراً سريعاً أيضاً على البعد الآخر الذي حاول الاِمام ترسيخه عبر نظرية حقوقية متكاملة ، أو رسالة حقوقية يمكن اعتبارها بحقّ ديباجة لكلِّ وثائق وإعلانات حقوق الاِنسان في العالم ، وإن كانت جاءت قبل هذه الوثائق العالمية بأكثر من ألف عام...
أي إنه عليه السلام كان موفّقاً هنا أيضاً ، حين لم يكتفِ برسم معالم العلاقة وحدودها بين الاِنسان وربه ، وإنّما راح يُنظّر للعلاقة المهمة الاُخرى بين الاِنسان وأخيه الاِنسان ، ويضع مواد قانونية يمكن اعتبارها بحق أيضاً أجمل وأعظم وأمتن ما كُتب حول الحقوق ورسالات الحقوق وثقافة الحقوق .
تأسيساً على ذلك ، يمكننا القول إن رسالة الحقوق التي كتبها لنا الاِمام زين العابدين هي أول إعلان إسلامي بل عالمي لحقوق الاِنسان ، كما ثُبّت قبل ألف وأربعمائة سنة ، وقبل أن يعرف العالم إعلانات واتفاقيات ومبادىء الحقوق بهذه النظرة الشمولية الرائدة...
مع رسالة الحقوق :
فلنمرّ مروراً سريعاً ، إذن ، على رسالة الحقوق للاِمام زين العابدين عليه السلام بديباجتها النظرية البليغة التي لم تفصل بين السماء والاَرض كما تفعل إعلانات حقوق الاِنسان العالمية اليوم ، بل راحت تؤكد على تغيير المحتوى الداخلي للاِنسان الذي به ومنه تنطلق إرادات التغيير نحو عالم أفضل وأكمل.
يقول الاِمام زين العابدين عليه السلام في ديباجته لرسالة الحقوق هذه « إعلم ، رحمك الله ، أنّ لله عزَّ وجلَّ عليك حقوقاً محيطة بك في كلِّ حركة تحركتها أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها.. وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى ، وما أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك ، ثمّ حقوق أئمتك وحقوق رعيتك وحقوق رحمك ، فأوجب عليك حق أمّك وحقّ أبيك ، ثمّ حقّ ولدك وحقّ أخيك ، ثمّ الاَقرب فالاَقرب... » .
بعدها راح الاِمام يُعدّد هذه الحقوق حقاً حقاً ، ليفصّلها بعدئذٍ بدقّة وموضوعية وعمق ، وكان مما قاله عليه السلام في إحصاء هذه الحقوق : « ومنها حقّ غريمك الذي تطالبه ، وحقّ غريمك الذي يُطالبك ، ثمّ حقّ خليطك ، ثمّ حقّ خصمك المدّعي عليك ، ثمّ حقّ خصمك الذي تدّعي عليه ، ثمّ حقّ مستشيرك وحقّ المشير عليك ، ثمّ حقّ مستنصحك وحقّ الناصح لك ، ثمّ حقّ من هو أكبر منك ، وحقّ من هو أصغر منك ، ثم حقّ سائلك وحقّ من سألته ، ثمّ حقّ أهل ملّتك عامّة ، ثمّ حقّ أهل الذمّة ، ثمّ الحقوق الجارية بقدر علل الاَحوال وتصرّف الاَسباب... » .
ثمّ يفصلها واحداً بعد الآخر بشكل محكم ودقيق..
وهكذا ومن أول كلمة ، أو التفاتة ، وبلا مزايدات إعلامية ، نلاحظ أن الاِمام السجاد عليه السلام أكّد على حق الله الذي هو ما أوجبه الخالق على الناس من قيم عظيمة ومُثل نبيلة ، لم يحاول عليه السلام الدخول في تفاصيلها وفرض وصايته على تحديدها ، كما يفعل بعض من يدّعون الوصاية على الناس والحديث نيابة عن المطلق ، ولسبب بسيط ومعلوم طبعاً أنّ حقّ الله على العباد جاء واضحاً صريحاً بسيطاً في كتب الله وسيرة أنبيائه ورسله وتعاليمهم التي دعت إلى التحلّي بالاخلاق الفاضلة والقيم الرفيعة التي جُبلت عليها الفطرة البشرية السليمة ، وبلا مماهاة أو مماحكات أو التواءات ، كالصدق والاَمانة والحياء والوفاء والانتصار للمظلوم ومخاصمة الظالم ومساعدة المحتاج ، وإغاثة الملهوف ، والمعاملة الطيبة وصدق الحديث وبرّ الوالدين والرفق بالضعيف والجار وما إلى ذلك.
وكما هو حقّ اللهّ المدوّن في كتابه وسُنّة أنبيائه ، جاء حقّ النفس على صاحبها ، ثمّ حقوق الآخرين فرداً فرداً ، ليكون الاِمام عليه السلام أفضل تجسيد لها ، والاِنصهار بها ، وبلا مدّعيات أو شعارات ـ كما قلنا ـ قد تُفرِّغ المفاهيم من روعتها ، وتُسفِّه المصاديق العظيمة وتستخفّ بها.
لنمر مروراً سريعاً أيضاً على مقتطفات من بعض هذه الحقوق كما وردت على لسان الاِمام زين العابدين عليه السلام ، تاركين تفاصيلها لمن يريد أو يرغب التفصيل في رسالة الحقوق المعروفة للاِمام.
حقوق الرعية والراعي :
يبدأ الاِمام عليه السلام بتأكيد الحق الاَكبر والاَول الذي يؤسس لبقية الحقوق ويؤدي لها ، وهو حق الرعية على الراعي ، أي حق الاُمّة على القائد ، أو حق المحكوم على الحاكم ، وهذا الحق طبعاً هو موضوع ابتلاء الاُمم والشعوب على امتداد العصور والاَزمان ، فيقول عليه السلام مخاطباً الحاكم « فإنّما حقوق رعيتك بالسلطان : فأن تعلم ، أنك إنّما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، وإنّ الله إنّما أحلّهم محلّ الرعية لك ضعفهم وذلّهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه وذلّه حتى صيّره لك رعية ، وصيّر حكمك عليه نافذاً ، لايمتنع منك بعزّة ولا قوة ، ولا ينتصر في تعاظمه منك إلاّ بالله ، بالرحمة والحياطة والاَناة ، وما أولاك إذا ما عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي قهرت بها أن تكون لله شاكراً ، ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه... » .
ثم يفصّل هذه الحقوق وكأنه امتداد أصيل لجده الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي ترك عهده لمالك الاَشتر وثيقة خالدة اعترف ويعترف بها كل القادة والزعماء التأريخيين ومازالوا ، وكيف أنها صارت منهجاً علمياً رصيناً في سياسة الحاكم لرعيته ورفقه بها وتعامله معها.
وبعد أن يحدد الاِمام زين العابدين عليه السلام حقوق المحكوم على الحاكم ، يتوقف عند حقوق الحاكم على المحكوم ، فيعطي كل ذي حق حقه ، بلامواربة أو تحيّز أو مساومة ، فيقول مخاطباً المحكوم هذه المرّة : « فأما حق سائسك بالسلطان ، فأن تعلم أنك جُعلت له فتنة وأنه مبتلى بك ، بما جعل عليك من السلطان ، وأن تُخلص له في النصيحة ، وأن لا تُماحكه ، وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلّل وتلّطف لاِعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ، ولا تعازّه ولا تعانده ، فإنّك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك ، فعرضتها لمكروهه ، وعرّضته للهلكة فيك وكُنتَ خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك وشريكاً له في ما أتى إليك... » .
بهذه الموازنة الدقيقة يضع الاِمام زين العابدين عليه السلام معايير الحقوق بين الراعي والرعية ، فلا يُسرف الراعي في استخدام رعيته التي بايعته وعاضدته وساندته ، فيذلها ويمتهنها ، ويحوّلها إلى قطيع وخول تكبّراً واستهتاراً ، وفي نفس الوقت لا تُسرف الرعيّة في الدلال والتغنّج على الوالي فتعانده وتتعزّز عليه وتماحكه وتجادله فتُهلكه وتهلك معه ، وإنّما أن يعرف كلّ ذي حق حقّه ، ويعرف كلّ حدوده وواجباته ومسؤولياته لتجاوز المحن وعبور المطبّات واحتواء الفتن..
ولعلك تلاحظ الدقة والبلاغة والايجاز في تعبيره عليه السلام حين يقول « وتلطّف لاِعطائه ـ للسلطان ـ من الرضا ما يكفّه عنك ( ولكن ) لا يضرّ بدينك.. » !
حقوق الرحم :
وبهذه المتانة والدقة والاِيجاز ، ينتقل الاِمام السجاد عليه السلام ليُسجّل حقوق الآخرين ، الواحد تلو الآخر ويضع كل نقطة على حرفها ، محركاً كوامن النفوس مستنهضاً الفطرة السليمة بلا مساومة أو مداورة أو مماهاة فيقول في حق الرحم مثلاً :
حق الاُم :
« وأما حق الرحم.. فحق أمك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها مالا يطعم أحد أحداً ، وأنّها وقَتْكَ بسمعها وبصرها وبيدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها ، مستبشرةً فرحة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمّها حتى دفعتك عنها يد القدرة ، وأخرجتك إلى الاَرض ، فرَضِيتْ أن تشبع وهي تجوع ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتضمى ، وتُظلك وتضحى.. » .
إلى أن يقول عليه السلام : « وتنعّمك ببؤسها ، وتلذّذك بالنوم بأرقها.. كان بطنها لك وعاء ، وحجرها لك حواء ، وثديها لك سقاء ، ونفسها لك وقاء ، تباشر حرّ الدنيا وبردها لك ودونك ، فتشكرها على قدر ذلك ، ولا تقدر عليه إلاّ بعون الله وتوفيقه.. » .
حق الاَب :
« ... وأما حق أبيك فأن تعلم أنّه أصلك ، وأنت فرعه ، وأنّك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك ، فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه ، ... واحمد الله واشكره على قدر ذلك... » .
حق الولد : « ... وأما حق ولدك ، فأن تعلم أنّه منك ، ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنك مسؤول عما ولّيته من حسن الاَدب والدلالة على ربّه ، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسك ، فمثابٌ على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذّر إلى ربِّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاَخذ له منه... » .
حق الاَخ :
« ... وأما حق أخيك ، فأن تعلم أنّه يدك التي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجىء إليه ، وعزّك الذي تعتمد عليه ، وقوّتك التي تصول بها ، فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ، ولا عدّة للظلم لخلق الله ، ولا تدع نصرته على نفسه ، ومعونته على عدوه ، والحؤول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والاِقبال عليه في الله ، فإن انقاد لربّه وأحسن الاِجابة ، وإلاّ فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه... » .
بهذه الدقة والايجاز يستمر الاِمام السجاد عليه السلام يسجّل حقوق الرحم ، وكأنّه يغوص في أعماق النفس الاِنسانية ، ليستلّ منها أسمى ما فيها من النوازع والعواطف النبيلة ، ويجتثّ منها أخبث ما فيها من أحابيل الشرّ ودوافع الشيطان..
فتراه في العبارة الاَخيرة ، مثلاً ، يفكك بين حقين يتنازعان الاِنسان في أغلب الاَحيان ، ويدفعانه لاتخاذ أحدهما قبل الآخر ، وهما حق الاَخ وحق الله ، فإذا كان ثمة خياران لا ثالث لهما : إمّا أخوك الذي هو « يدك الذي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجىء إليه ، وعزك الذي تعتمد عليه ، وقوتك التي تصول بها » وإمّا ربك ودينك ومبادئك ، فهنا يكون الحق المرّ أو الخيار المرّ.. هذا الاَخ أم ذاك الربّ ؟!!
أي هل يتخذ من أخيه سلاحاً وقوة لمعصية الله ، أم يتخذ من الله معيناً فيزهد في حق أخيه..
وهذا هو الخانق الذي يجد الاِنسان نفسه محشوراً فيه في أغلب الاَحيان وخاصة إذا كان في موقع السلطة ، عشيرته التي ينتمي إليها ، أم مبادؤه التي رفعها شعاراً وهوية وانتساباً ونال بها تلك السلطة ؟ ! قرابته التي يعيش في عزّها ومنعتها ، أم قيمه التي تدعوه للمواجهة أحياناً وربما التضحية بهذا الاَخ أو تلك العشيرة أو ذلك الانتساب ؟!!
وبكلمة اُخرى ، أين يجب أن يقف الاِنسان لحظة الصدام بين المبادئ والمصالح ؟ وأيُّهما أجدر بالاتّباع ؟ حدود الدين مع مافيها من تضحية بالعاجل على حساب الآجل ، أم قيم العشيرة والحزب والقومية مع مافيها من مصالح ومنافع عاجلة ولكن على حساب الآخرة ونعيمها ؟ !
هذا هو المفترق الذي يحار فيه أغلب الرجال مهما أوتوا من قوة وعزيمة ، وهذا هو الخيار الذي يدعو الاِمام لاتخاذه بلا تردّد ، وقد اتخذه عليه السلام قولاً وفعلاً في العشرات من المواقف وحيث أعطى لله كل مالديه ، وأصرّ أن يعيش محاصراً مطارداً ملاحقاً مقصياً عن موقعه مهضوماً حقه ، لا معين له إلاّ الله ، ولا عشيرة إلاّ حدود الله وقيمه وتعاليمه(1) .
ومع هذا وذاك ، لم يفُت الاِمام عليه السلام أن يؤكد معونتك لاَخيك ونصرته بقوله عليه السلام : « ولا تدع نصرته على نفسه » أي حاول الحيلولة بينه وبين شيطانه أو شياطينه ـ على حد قوله عليه السلام ـ بأداء النصح ، والتماس العذر سعياً حثيثاً لاستيعابه ، وتشبثاً كريماً للرفق به والعطف عليه ، من أجل احتوائه وعدم التفريط به.. حتى يتأسى منه ، وإلاّ « فليكن الله آثر عندك ، وأكرم عليك منه » !!!
حق الغريم :
وينتقل الاِمام إلى حقّ آخر لا يقلّ إحراجاً عن سابقاته في لحظة الخيارات الصعبة ، وبين أن يقسو أو يُقسى عليه ، فيقول في حق الغريم مثلاً : « ... وأما حق الغريم المطالب لك ، فإن كنتَ موسراً أوفيته ، وكفيته وأغنيته ولا تردّه وتمطله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( مطل الغني ظلم ) ، وإن كنت معسراً أرضيته بحسن القول ، وطلبت إليه طلباً جميلاً ورددته عن نفسك ردّاً لطيفاً ، ولا تجمع عليه ذهاب ماله وسوء معاملته ، فإن ذلك لؤم.. » .
وهكذا يقترب الاِمام عليه السلام لتفعيل هذا الحق بمجسٍّ حساس جداً لآلة الفكر البشري ، وكأنّه يحرك كوامن الفطرة البشرية السليمة ، يستنطق الذات في طريقة تعاملها مع الآخر طالباً كان أو مطلوباً...
حق الخصم :
أما التعامل مع الخصم ، فيأتي الاِمام السجاد عليه السلام هنا أكثر دقّة وحساسية لما لهذا البُعد من آثار اجتماعية مهمة يجب الالتفات إليها والنظر أو التحديق فيها من زوايا متعدّدة فيقول عليه السلام : « وأما حق المدّعي عليك ، فإن كان ما يدّعي عليك حقاً لم تنفسخ في صحبته ، ولم تعمل في إبطال دعوته ، وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها ، والشاهد له بحقه ، دون شهادة الشهود ، فإنّ ذلك حق الله عليك ، وإن كان ما يدّعيه باطلاً ، رفقت به وردعته وناشدته بدينه ، وكسرت حدّته عنك بذكر الله ، لاَنّ لفظة السوء تبعث الشرّ ، ولفظة الخير مقمعة للشر..
وأما حق المدّعى عليه ، فان كان ما تدّعيه حقّاً أجملت في مقاولته ، فان للدعوى غلظة في سمع المدّعى عليه ، وقصدت قصد حجتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، وألطف اللطف ، ولا تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجتك ، ولا يكون لك في ذلك دَرَك.. » .
حقوق اُخرى :
ويستمر الاِمام عليه السلام في تفصيل رسالة الحقوق هذه ، فيشير إلى حق المشير وحق المستشير ، وحق الناصح والمستنصح ، وحق الصغير على الكبير ، وحق الكبير على الصغير ، وحق السائل وحق المسؤول ، وحق من سرّك ، وحق من ساءك القضاء على يديه ، وهكذا حتى يحس القارئ لهذه الرسالة القانونية ، أنّه غارق في مدوّنات دستورية بالغة التركيز والدقة ، فلاجملة مضافة ولا حرف زائد ، ولا سجع ممل ، ولا إنشاء غائم ، مستلاًّ كل ذلك من القرآن الكريم والحديث الشريف والسُنّة النبوية المطهّرة...
ولم يفُت الاِمام عليه السلام في خاتمة رسالته ، أن يحدّد حقوق أهل الذمّة مذكّراً بحديث جدّه أمير المؤمنين عليه السلام : « الناس صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لكَ في الخلق... » (2) ، فيقول عليه السلام : « وأما حق أهل الذمّة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم في ذمته وعهده ، وتكِلهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك في ما جرى بينك وبينهم من معاملة... » .
إلى أن يقول : « وأن تقبل منهم ما قبل الله عزَّ وجلَّ منهم ، ولا تظلمهم ما وفّوا لله عزَّ وجلَّ بعهده... » .
وهذا يعني أنّ المقياس الاَول والاَخير في تحديد الحق بينك وبين الآخرين هو حدود الله ، فلا مجال للاَهواء والمصالح والمتغيّرات ، ولا أغطية ومجاملات وعلاقات على حساب اللياقات ـ كما يقولون ـ ولا ( حق فيتو ) يتوارى خلفه أصحاب المصالح والاَهواء ، ولا عبارات مطّاطة وتوظيف نصوص تكيل الاَمور بمكيالين وتزنها بميزانين..
كلمة اُخرى في رسالة الاِمام عليه السلام :
مسألة اُخرى مهمة في رسالة الحقوق هذه ، أنّها توجهت إلى النفس الاِنسانية مباشرة وراحت تعالج أدقّ التفاصيل التي تعتمل في سريرة الفرد ودخيلته ، أي ليس كما جاء في الاِعلانات العالمية المعاصرة لحقوق الاِنسان ، حيث تدور المواد القانونية في دائرة الاُمّة والمجتمع دون الاِلتفات إلى دور الفرد في صناعة هذه المقدمة الضرورية لوضع المواد القانونية موضع التنفيذ...
وهذا يعني أن مواد الاِعلان العالمي لحقوق الاِنسان التي دُوّنت في وثيقته الصادرة في 10 كانون أول 1948 م ، والتي اعتُبرت أفضل وثيقة عالمية تصدر في هذا السياق بحق ، جاءت لتؤكد على أن ( الناس متساوون في الكرامة والحقوق ، وأنّهم وهبوا عقلاً وضميراً ، وعليهم أن يُعاملوا بعضهم بروح المودّة والمساواة والاِخاء .. ) (3).
كما أكدت المادة الثانية على مساواة الناس في الحريات ( دون أي تمييز في الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو المولد أو الاَصل الوطني أو الاجتماعي ) (4).
ونصّت المواد الثالثة والرابعة والخامسة على حق الفرد في الحياة الحرة والاَمن الشخصي ، وعدم جواز الرق والتجارة فيه ، ورفض التعذيب وأيّة معاملة قاسية أو وحشية تحطّ من كرامة الاِنسان.. وهكذا في جميع مواد الاِعلان العالمي التي شملت حق التجنّس وحق الهجرة وحق اللجوء وحق الضمان الاجتماعي وحق التعلّم وحق الضمير..
إنّ هذه الحقوق التي أقرّتها الاُسرة الدولية ، ووقّعتها كل حكومات العالم آنذاك ، لم توضع موضع التنفيذ ، إن لم نقل تمّ تجاوزها في عموم دول العالم وإنّها بقيت حبراً على ورق ، لاَنّها لم تشدّ الاِنسان إلى خالقه أولاً ، ولاَنّها جاءت من فوق الاِنسان وليس من داخله ، ولاَنّها اهتمت بالطرح المفاهيمي دون التأكيد على المصاديق ، وأكدت على الحكومات والشعوب دون النظر إلى الفرد والنفس البشرية ، أي عكس ماقاله أو فعله الاِمام زين العابدين عليه السلام صاحب رسالة الحقوق هذه ، الذي اهتم بسريرة الاِنسان ودخيلته ، وعلاقته مع ربّه ، وصولاً إلى عملية التغيير الكبرى في إطار الاُمّة والمجتمع...
فهو عليه السلام حين يقول مثلاً : « إنّ أفضل الجهاد عفّة البطن والفرج » فإنّما يدعو إلى ترسيخ أعظم القيم في النفوس ، أي إلى تهذيب هاتين الشهوتين اللتين بسببهما تُعلن الحروب وتنشب المعارك وتُرفع رايات الاقتتال على مستوى الاَفراد والشعوب...
وهو حين يؤكد على حقوق أهل الذمة وأن ( يُقبَل منهم ما قبله الله عزَّ وجلّ ) ويمارس ذلك واقعاً وسلوكاً ، فانما يدعو إلى احترام الاِنسان مهما كانت ديانته ومعتقداته وبعيداً عن الشعارات التي يرفعها الحكام وأدعياء حقوق الاِنسان للاستهلاك والتسويق السياسي بكل صوره وألوانه المحلي والعالمي ، القطري والاِقليمي ، القومي والوطني.
ومن جانب آخر ، فإنّه عليه السلام حين يجسّد الحلم والتواضع والعفو وحب العلم والعلماء بمصاديق عملية واضحة ، مقروءة ومرئية ومسموعة ، فإنّما يقصد من وراء ذلك ، وضع اللوائح القانونية والمواعظ والشعارات والتوجيهات موضع التنفيذ ، وإلاّ فلا قيمة لتسويد عشرات الصفحات ، أو كتابة مئات الاِعلانات ما دامت باقية حبيسة المدوّنات وأسيرة الاَراشيف المغبرة التي لا وجود لها على أرض الواقع... فهو حين يرحّب بالشباب الواعي مثلاً مخاطباً إياهم : « مرحباً بودائع العلم.. يوشك إذ أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين » (5) ، فإنّما يريد التأكيد على دور الشباب في صناعة المستقبل ودور العلم في تطور الشعوب..
وهكذا في قوله : « كلكم سيصير حديثاً ، فمن استطاع أن يكون حديثاً حسناً فليفعل » (6).
أما عن حلمه وصفحه عن خصومه وتجسيده لمقولة جدّه عليه السلام « أفضل العفو ، العفو عند المقدرة » فإنّ قصة صفحه عن غريمه مروان بن الحكم وكيفية لجوئه عنده مع حريمه ونسائه مستنجداً ، لائذاً ، دخيلاً ، هارباً من غضب أهل المدينة الذين طردوا عامل يزيد عليها في ثورتهم المعروفة ومطاردتهم لبني أُميّة ، جاءت هي الاُخرى لتؤكد أن هذا الرجل يعيش في قلوب الناس وليس على جماجمهم وأشلائهم ، كما يعيش الجبابرة والسلاطين وحكام الجور.
وهكذا جاءت قصته مع ذاك الذي حاول استفزازه بكلمات جارحة بذيئة ، وتجاهل الاِمام له ، وردّ ذلك الوغد البذىء : ( إياك أعني ) وردّ الاِمام عليه : « وعنك أعرض » (7)مع قدرته على تأديبه لو شاء..
وكذلك قصته مع الآخر الذي افترى عليه وبالغ في سبّه ، وردّه عليه السلام « إن كنّا كما قلت غفر الله لنا ، أو ( نستغفر الله ) ، وإن لم نكن كذلك غفر الله لك » (8) !!
كل هذه الاُمور والمواقف واللفتات العملية الدقيقة وعشرات مثلها ، هي التي خلّدت الاِمام زين العابدين وجعلته في مصافّ أعظم الاَئمة والمصلحين وزعماء التاريخ ، وإنّها هي التي هيأت له من أسباب الخلود مالم تهيئه لمناوئيه ومعاصريه من الحكام الاَمويين الذين تحكّموا بالرقاب دون المشاعر ، وركّزوا على الشعار دون الواقع ، فصاروا عاراً على التاريخ ولعنة للاَجيال...
نعم ، جاءت مواقف الاِمام حاكمة على نظرياته وليس العكس ، وجاءت مصاديقه ترافع مفاهيمه وليس العكس ، وهكذا جاءت دموعه الحرّى ناطقة عن إيمانه وصبره وفجيعته ، كما جاء حزنه الصامت مفصحاً عن ثورته ورفضه وتمرده.
لقد جسّد عليه السلام بحق نظرية أبيه في طلب الاِصلاح في أُمّة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاء امتداداً صادقاً لتلك التضحية الخالدة التي كانت وستظل غرّة على جبين الزمان ، مادام هناك صراع بين الحق والباطل ، أو بين السماحة واللؤم ، أو بين النقص والكمال ، أو القبح والجمال...
فلولا القبح ما عُرف الجمالُ * ولولا النقص ما عُرف الكمالُ
( والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربّك ثواباً وخيرٌ مردّاً ) (9).
____________
(1) راجع قولته عليه السلام المارة الذكر في كتاب ( الإمام السجاد | حسين باقر : 63 ) والتي جاء فيها ما نصّه : « لم يبق في مدينة الرسول ومكّة أكثر من عشرين رجلاً يحبوننا أهل البيت .. » .
(2) نهج البلاغة 3 : 83 ـ 102.
(3) الاِعلان العالمي لحقوق الاِنسان ـ الصادر في 10 كانون أول 1948 م ـ المادة الاُولى.
(4) المصدر السابق ، المادة الثانية.
(5) تاريخ اليعقوبي 3 : 37.
(6) تاريخ اليعقوبي 3 : 37.
(7) البداية والنهاية 9 : 105.
(8) الكامل للمبرد 3 : 805 .
(9) سورة مريم : 19 | 76 .
____________
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلاصة الجهاد السياسي عند الاِمام السجاد عليه السلام
الأخوة الأعزاء في هذا المنتدى المبارك
سوف نبين لكم وبأدلة ناصعة وعلامات واضحة أن الإمام علي بن الحسين عليه السلام كان إمام علم وجهاد حمل المسئولية من أبيه الحسين (عليه السلام ) وأداها على أحسن وجه فكان عوناً للمؤمنين وخصماً عنيداً للظالمين وهذا ما سنبينه في هذا السطور والتي نحاول فيها بيان بعض جوانب هذا الشخصية العظيمة التى لو كتبنا مئات المجلدات لم نستطع أن نوفيها حقها لأنه بحق حجة الله على العباد وسبيلهم إلى النجاة وصراط الله المستقيم الذي ما سلكه أحد إلا أخذه إلى رضوان الله وجناته فنبدأ حدينا فنقول بعد التوكل على الله عز وجل :
خلاصة الجهاد السياسي عند الاِمام السجاد عليه السلام :
ينبغي القول فعلاً إنّ الجهاد بالنفس هو أفضل أنواع الجهاد ، وأن الجود بالنفس هو أغلى غاية الجودِ ـ كما يقولون ـ ولكن هذه المقولات أو هذا الفهم ربما يصير كلمة حق يُراد بها باطل عند بعض الناس ، فيبخس هذا البعض على غيرهم من الناس جهادهم ( الاَكبر) وهو جهاد النفس وليس الجهاد بالنفس ـ كما نص على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، في تعريفه للجهادين الاَصغر والاَكبر ، ويستكثرون على الذين لم يتسنّ لهم خوض المعارك ، جهادهم هذا وصبرهم وصمودهم وثباتهم على طريق الحق ، ويتهمونهم أنهم متخاذلون ناكصون منكفئون لاقدر لهم ولا قيمة ولاخلاق ، ناسين أو متناسين مثلاً أنّ كلمة حق أمام سلطان جائر هي أفضل الجهاد ، وأن الجهاد بالمال يتقدم في كثير من الاَحيان على الجهاد بالنفس في محكم كتاب الله العزيز... (1) وأن مطبات الجهاد السياسي أحياناً أصعب وأعقد من لحظات المواجهة الساخنة الواضحة مع الاَعداء ، وخاصة إذا كان رمز هذا النوع من الجهاد مطالباً بحقن دماء شيعته أو حفظ بقيتهم أو تدبير دورهم في مواجهة طاغوت لئيم لا يعرف قلبه الرحمة ولا يهمّه أن يُجهز عليهم جميعاً دون أن يرفّ له جفن إذا ماهمسوا ضده بقول أو انبروا له بفعل أو عمل...هذا الخانق المؤلم بين الخيارين : خيار الاستشهاد والتضحية ، أو خيار الصبر والتقية ، هو الذي وجد الاِمام السجاد نفسه مضطراً إليه بعد أن أنجاه الله تعالى من موت أكيد مع إخوته وأبناء عمومته بسبب المرض الذي أقعده عن حمل السلاح في يوم الطفوف ، وهو الخيار المرّ الذي اضطرّ عليه السلام لسلوكه لاستكمال الدور الرسالي الذي انتُدب له ـ كما مرَّ ذكره ـ.
ولا نريد هنا تلخيص ما قدمناه حول دور الاِمام السجاد عليه السلام ، في ترسيخ القيم وكشف الشرعية المزيّفة لاَدعياء الدين وفضح مدّعياتهم ، وسعيه الحثيث لتشكيل الجماعة الصالحة التي أخذت على عاتقها إتمام المهمة الرسالية التي لابدّ من وجود حيّ لاِتمامها أو مواصلتها...
نعم ، إنّ دين الله يمكن أن ينهض به المعارض الشريف حتى لو لم يستلم سلطة أو يستلم حكماً ، مادام قد فهم دوره وأتقن أداءه وأجاد تأديته . وإذا أردنا أن نضيف شيئاً جديداً ، فإنّه لا يعدو أكثر من قراءة شبه متأنية لبعض مواقف الاِمام السجاد عليه السلام من الظالمين وأعوانهم ، وكذلك مواقفه من بعض الحركات الشيعية التي تفجّرت في زمانه ، وكيف انتقل من مرحلة التقية المؤلمة إلى مرحلة المواجهة الساخنة ، لا سيّما بعد أن استنفذ دوره التبليغي الصامت ، وارتأى أنّه لابدّ أن ينتقل من المرحلة السلبية السرية الصامتة إلى مرحلة الاِعلان الاقتحامي الواضح ، خاصة وإنّه أدرك أن خصومه قاتلوه لا محالة ، وأنهم لم يعودوا يستطيعون الصبر عليه ، والتغاضي عن دوره في تأليب الاُمّة ضدهم وتحشيد غضبها وإثارة سخطها.
خيمة خارج المدينة :
لعلّ أول موقف سياسي حكيم كان على الاِمام عليه السلام أن يتخذه بعد عودته إلى المدينة ، وبعد أيام من مشاعر الحداد والنحيب التي أجّجها في نفوس أهلها ، والتي قدّر عليه السلام أنّها لم تتعدّ أن تكون حالات عاطفية صادقة ، تفجّرت بسبب شعورهم بالاِثم جرّاء عدم خروجهم مع الحسين عليه السلام ونصرته أولاً ، وفجيعتهم بمصرع ابن بنت نبيهم ثانياً ، هو أن ينأى بعيداً عن الناس الذين أدرك ضعفهم وخواءهم في لحظات المواجهة الساخنة مع الاَعداء ، فاتخذ خيمةً في البادية ، واستظلّ ببيتٍ من بيوت الشعر في فيافيها مع مجموعةٍ من عياله وأهل بيته وخلص شيعته . نعم ، اتخذ الاِمام السجاد عليه السلام هذا الموقف ليعمّق الشعور بالذنب لدى أهل المدينة الذين خذلوا أباه ، واكتفوا بالبكاء أو التباكي معه حين عودته أولاً ، ولكي يتحاشى الاصطدام بالحكّام الاَمويين الذين سيستهدفونه حتماً إذا أحسوا منه أي بادرةٍ أو همسةٍ للتحريض ضد حكمهم ثانياً ، ( فبقي خارج المدينة من سنة 61 هـ إلى نهاية سنة 63 هـ وكان يسير من البادية بمقامه إلى العراق زائراً لاَبيه وجده عليهما السلام ولا يُشعر بذلك من فعله ) (2) .
وفعلاً ، وحين أحسّ الاَمويون بتململ أهل المدينة جاءت واقعة الحرّة المعروفة التي استباح فيها مسلم بن عقبة هذه المدينة ، وأباح فيها القتل والسبي والاعتداء الوحشي ، وكأن أول ( قصاص ) غيبي حلّ بأهلها الذين لم يفعلوا شيئاً حين توديع الحسين عليه السلام ، إلاّ أن رمقوه بعيون منكسرة وقلوب متألمة لا تغني ساعة الموت عن الحق شيئاً ، قد جاء على يدي من سُمّي ( مُسرف بن عقبة ) هذا أو ( مجرم بن عقبة ) ، ويؤكد الشيخ المفيد في إرشاده ، أنّ مسرف بن عقبة هذا كان في بدايته لا يريد إلاّ قتل علي بن الحسين عليه السلام ، وحين لم يجد لقتله حجّة ، اكتفى أن أباح المدينة ثلاثة أيام بأمر يزيد ، وقد انفضّت فيها ألف عذراء ، وولد مئات الاَبناء لا يُعرف آباؤهم ، وكان من بينهن بنات ونساء صحابة... (3).
نعم ، اتخذ الاِمام السجاد عليه السلام تلك الخيمة النائية مأوىً له ، ولم يجد هذا ( المسرف ) سبباً للاِجهاز على الاِمام عليه السلام وأهل بيته ، بل صار الاِمام ملاذاً لمن التحق به من المؤمنين هرباً من ( إسراف ) الجيش الاَموي ووحشيته وبربريته. وكان ممن لاذ به من الاَمويين عائلة مروان بن الحكم وزوجته عائشة بنت عثمان بن عفان ـ كما مرَّ ذكره ـ وأكثر من أربعمائة مُنافية ( من آل عبد مناف ) كان عليه السلام يعولهُنّ إلى أن تفرّق الجيش... (4).
وهذا يعني أنّ الاِمام السجاد عليه السلام أيقن أن أهل المدينة كانوا لا يحملون تجاهه إلاّ عواطف مفجوعة وشعور عميق بالذنب إن لم نقل مواساة كاذبة يمكن أن تتبدد في أول لحظة من لحظات الخطر أو المواجهة مع الموت ، كما حصل مع أبيه عليه السلام حين كانت قلوب الناس معه وسيوفهم عليه...
ولذلك حين جاؤوه مبايعين يقولون : ( ... فمرنا بأمرك ، فإنّا حرب لحربك ، وسلمٌ لسلمك ) وغير ذلك ، قال لهم : « هيهات .. ومسألتي ألاّ تكونوا لنا ولا علينا .. » وأخذ عليهم عهداً أن يأخذوا جانب الحياد فقط...(5) .
الموقف من الحركات الثورية :
من هذا المكان النائي ، ومن هذه العزلة الهادفة ، راح الاِمام السجاد عليه السلام يبني الجماعة الصالحة ، ويرصد عن كثب أنباء الطلائع التي كانت تخرج بين فترة وأُخرى لتقويض الحكم الاَموي ومناجزة الطغاة من ولاتهم وكشف زيفهم ، لا سيّما تلك الثورات التي رفعت شعارات الثأر للاِمام الحسين عليه السلام ، وإن كان بقي بعيداً عن بعضها ؛ إذ لم يرد عليه السلام أن يتحمّل مسؤولية الدماء التي ستُراق فيها بغير حق أولاً ، ولعدم تنسيق رجالها معه ثانياً ، وعدم وضوح منطلقاتها وأهدافها ، والتمثيل الذي ينفَّذ بقتلاها ثالثاً ورابعاً...
ولعلّ ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، وكذلك ثورة المختار ، كانتا أبرز الاَمثلة على تعضيد الاِمام سرّاً لمثل هذه الحركات ، ولو بدرجة من الدرجات ، رغم أنّه لم يعلن ارتباطه المباشر معها ، ولكنه ترك الاَمر لعمّه محمد بن الحنفية لكي يتعامل مع روادها بحكمة ودقّة ، مشيراً إليه باختصار : « يا عم ، لو أن عبداً تعصّب لنا أهل البيت ، لوجب على الناس مؤازرته ، وقد أوليتُك هذا الأمر ، فأصنع ما شئت .. » (6).
ويُشير العديد من المؤرخين أنّه ( لما أرسل المختار برؤوس قتلة الاِمام الحسين عليه السلام وأولاده وأصحابه إلى الاِمام ، خرّ الاِمام ساجداً ودعا له وجزّاه خيراً ) (7) .
أما ما ينقله بعض المؤرخين من سلبية موقف الاِمام السجاد من المختار وثورته فإنّه يمكن أن يُقرأ من ثلاثة أبعاد :
الاَول : هو محاولة هؤلاء المؤرخين تشويه تلك الثورة التي أدخلت السرور على بنات المصطفى ونساء الرسالة (8) ، وإن جنحت في بعض مقاطعها انفعالاً وشططاً.
الثاني : هو قيام الاِمام السجاد عليه السلام بأداء دور كان لابدّ له أن يؤديه ، لكي يُبعد عن أذهان الاَمويين المتربصين به ارتباطه بهذا الثائر العظيم ، وبالتالي تبرير استهدافه وقتله من قبلهم ، أو السماح لهم بتسويغ هذا الفعل ، أي منحهم التبرير لذلك ، قبل إتمام أهدافه واستكمال المهمة التي يريد أن يأتي إلى آخر مشوارها أو آخر شوطٍ فيها.
الثالث : عدم تحمّله عليه السلام مسؤولية الاِسراف في القتل الذي يُرافق الثورات الانتقامية أو الثأرية عادةً ، وخاصة تلك البعيدة عنه ، والتي لم ينسّق رجالها معه لا في الاِعداد ولا في التنفيذ...
ومن هنا كان موقفه المعروف من المختار حين جزّاه خيراً من جهة ، ولكنه رفض استلام أمواله أو قبول بيعته من جهة اُخرى ، كما تقول الروايات التاريخية .. (9).
وهذا ما أراد تثبيته فعلاً من مواقف في ثورات اُخرى ، كان لا ينبغي أن تحسب عليه مقاطع الحرق والتعذيب وقطع الرؤوس والتمثيل بالاَجساد والشماتة ، وما إلى ذلك.
الموقف من الظالمين :
موقفه من عبدالملك وهشام :
بعد أن رسّخ الاِمام السجاد عليه السلام موقعه في قاعدته الشعبية ، وبعد أن عُرف إماماً عادلاً ورعاً تقياً نقياً ، يعرف الدين وحدوده ، وأصوله وفروعه ، ويقف وجهاً لوجه لمقارعة مغتصبي الخلافة والولاية والاِمامة من الاَمويين وأزلامهم.. وحين شعر أنّهم سيقتلونه لا محالة ، إثر اتساع قاعدته وشهرته وظهور أمره ، صار لزاماً عليه أن يُشهر عداءه و ( يُظهر علمه ) في مقارعتهم ومواجهتهم وكشف زيفهم وأحابيلهم.. وبكلمة اُخرى ، يقلّص دائرة التقيّة التي اتّسعت له سنين طويلة للامتداد اُفقاً وعمقاً في الوسط الجماهيري ، ولم يبق أمامه إلاّ اقتحام المحظور والمتهيب والمسكوت عنه في هذا الوسط المهزوم المغلوب على أمره ، المضلّل بالخطاب الاِعلامي الاَموي الموجّه الضاغط...
رأى الاِمام عليه السلام أن الخطوة الاُولى التي عليه تقحّمها رغم وعورتها وخطورتها هو كسر هيبة الحكام الاَمويين وتهشيم هالتهم التي صنعوها بشراستهم وفرعونيتهم ودعاواهم العريضة بالانتساب إلى الاِسلام ونبي الاِسلام...
فقد روي أن عبدالملك بن مروان كان يطوف بالبيت العتيق ، وعلي بن الحسين يطوف أمامه غير ملتفت إليه ، أو لا يلتفت إليه. فقال عبد الملك من هذا الذي يطوف بين أيدينا ؟ ولا يلتفت إلينا ؟ فقيل له : إنّه علي بن الحسين.
فجلس عبدالملك مكانه غاضباً وقال : ردّوه إليَّ فردّوه ، فقال له : يا علي بن الحسين ، إنّي لستُ قاتل أبيك ! فما يمنعك من السير إلينا ؟ !
فأجابه عليه السلام : « إنّ قاتل أبي أفسد ـ بما فعله ـ دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه آخرته. فإن أحببت أن تكون هو فكن.. » (10).
ويبدو من هذه السطور أن الاِمام كان مقاطعاً عبدالملك ، أو أن مقاطعته ليست مجرّد عزلة أو مقاطعة عابرة ، وإنّما مقصودة ومتعمّدة ، وتعبّر عن موقف سياسي وإعراض متعمّد مع سبق الاِصرار ، ولعلّها أظهر أشكال الجهاد السياسي واتخاذ الموقف السياسي في حدود المعروف أو المسموح به في ذلك العهد...
كما أن قول عبدالملك : ( إنّي لست قاتل أبيك ) يتضمّن الغلظة ويوحي بالتهديد والتوّعد والاِرهاب. فيما كان ردّ الاِمام : « إن أحببت أن تكون هو فكن » يعبّر عن تحدٍّ سافر لسلطة خليفة متجبّر لا يمنعه فعل أي شيء ، بما في ذلك القتل وسفك الدم ، وفي ذلك دليل قاطع على أنّ الاِمام عليه السلام لم يكن في هذه المرحلة ذلك الوديع الموادع ، المنعزل عن الدنيا ، المشغول بالدعاء والعبادة ، البكّاء الحزين ، وإنّما المواجه ، المنازل ، الشديد ، القاطع ، المقاطع ، المتحدي ، العنيف الذي لا يخشى الاِرهاب ولا يرهبه استخدام الطغاة عصاهم الغليظة ، أو تلويحهم بهراوات الاِهانة أو التصفية أو الموت...
وهكذا كان موقفه عليه السلام مع عبدالملك هذا في قصة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموجود عنده ، والذي حاول عبدالملك استفزاز الاِمام عليه السلام بطلب ذلك السيف أو استيهابه منه أو أخذه منه ، لما فيه من رمزية يمكن أن يوظّفها الحاكم الظالم إلى شرعيته المزيفة ، فأبى الاِمام عليه السلام إعطاء السيف ، فكتب إليه عبدالملك يهدّده بأن يقطع رزقه من بيت المال... فأجاب الاِمام عليه السلام : « أما بعد.. فإنّ الله تعالى ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جلّ ذكره : ( إن الله لا يحبُّ كل خوّان كفور ) ، ثم قال : فاُنظر أيّنا أولى بهذه الآية ؟ » (11).
ويظهر من رفض الاِمام إعطاء السيف ، وتوظيفه لهذه الآية الكريمة ، وقوله : ( أيّنا أولى بها ) ! واستصغاره لتهديد الخليفة بقطع رزقه من بيت المال واستهانته بطلبه ، أن القطيعة بالغ حدّها بين الطرفين ، وأن المواجهة في أقصاها ، وأن كلمة الحجاج الثقفي الذي كتب إلى عبدالملك ما نصه ( إنّ أردت أن يثبت ملكك ، فاقتل علي بن الحسين ) (12) ، إنّما تعبّر تعبيراً دقيقاً هي الاُخرى ، عن شدّة المواجهة وعمق الاَزمة وخطورة الموقف.
كان هذا إذن موقف الاِمام عليه السلام مع عبدالملك بن مروان أو بعض مواقفه ، وهكذا كان موقفه عليه السلام مع هشام بن عبدالملك ، في قضية الحجر الاَسود المارّة الذكر ، وكيف أن الاَمويين سجنوا الفرزدق على قصيدة شعرية اعتبروها إهانة لمقام الخلافة ، فيما سارع الاِمام السجاد عليه السلام للاتصال بالفرزدق وهو في السجن ، ووصله بشيء رمزي من المال تعضيداً له على موقفه ، ومكافأة لموقفه الشجاع ذاك ، وتعبيراً عن مواساةٍ واضحة المقاصد والاَهداف في العرف السياسي السائد...
الموقف من أعوان الظلمة :
إن الطواغيت ليس بإمكانهم الوصول إلى مآربهم إذا لم يجدوا أعواناً لهم يعينونهم على ما يقومون به من مظالم ومآثم... ولعلَّ من السذاجة بمكان إلقاء اللوم على عاتق شخص واحد توضع على مشجبه أو شماعته كل الجرائم والجنايات التي ترتكب بحق الاُمم والشعوب ، وإغضاء الطرف عن الدائرة المحيطة به ، الملتفة حوله ، بدءاً بولاته وقادته العسكريين ، مروراً بإعلامييه وأبواقه وفقهائه ووعاظ سلطته ، وانتهاءً بهذا المطرب أو ذاك الشاعر اللذين لا ينفكان ينشدان لنظامه الظالم ويروّجان له ويخففان جرائمه ويأخذان على أيدي من يحاول التعريض به أو الحديث عن جرائمه...
ولعلّ الزيارة الشهيرة المعروفة بزيارة « عرفة » الخاصّة بالاِمام الحسين عليه السلام التي جاء نصّها : « ... فلعن الله أمةً قتلتك ، ولعن الله أمةً ظلمتك ، ولعن الله أمةً سمعت بذلك فرضت به .. » تعبّر بشكل واضح وصريح عن هذه النقطة المهمة ، أي على ضرورة تحميل الاُمّة مسؤولية حرب الحسين عليه السلام ومناهضته وتكثير سواد خصومه.
هذا الخيط الرابط بين الطاغية وبين أعوانه ، استطاع الاِمام السجاد عليه السلام تشخيصه بدقّة ، وتأكيده والطرق عليه... أي إن موالاة الجائر تعتبر كبيرة من الكبائر لما تنطوي عليه من تمكين واضح له لدرس الحق وإحياء الباطل وإظهار الظلم والجور ، وإبطال الكتب ، وقتل الاَنبياء والمؤمنين ، وهدم المساجد وتبديل السُنّة وتغيير شرائع الله وتعاليم دينه..
فكانت الخطوة الثانية هي : تنبيه الاَمّة على أنّ أيّ تعامل مع الحكام وأية مساعدة لهم ، حتّى في أبسط الاَمور وأدنى الاَشياء يعتبر تقويةً لحكومتهم ، ومشاركةً لهم في جناياتهم لاَنّ تقديم أيّ خدمةٍ لهم وإن كانت ضئيلة جدّاً يكون ـ بقدره ـ تمكيناً ومعاضدةً لهم ، فراح عليه السلام يؤكد على لعن ( من لاق لهم دواة ، أو قطّ لهم قلماً ، أو خاط لهم ثوباً ، أو ناولهم عصاً ) ، بل حرّم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم (13).
اعتمد الاِمام السجاد عليه السلام هذه القاعدة الاِسلامية ، وجعلها ركيزة مهمة في مقاومة النظام الفاسد ، وحاول تجريده من سلاح الوعّاظ المحيطين به ، أو عصابات المتزلّفين المتملّقين الذين تمرّر السلطة الظالمة مشاريعها من خلال ملقهم وتزلّفهم وتلميعهم لاجراءات هذه السلطة لدى العوام والسذّج والبسطاء...
وكان الاِمام السجاد كثيراً ما يقول : « العامل بالظلم والمعين له ، والراضي به شركاء ثلاثة » (14).
وكان عليه السلام يحذّر الناس من التورّط في أعمال الظلمة ، ولو بتكثير سوادهم والتواجد في مجالسهم ومصاحبتهم ، لاَنّ الظالم لايريد من الصالح فعلاً الاستفادة من صلاحه أو الاقتداء به ، وإنّما يحاول توريطه في جرائمه وآثامه أو توظيفه لتحقيق مفاسده ومشاريعه.. فكان عليه السلام يقول « ... ولا يقول رجل في رجل من الخير مالا يعلم ، إلاّ أوشك أن يقول فيه من الشرّ مالا يعلم ، ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله إلاّ أوشك أن يتفرّقا على غير طاعة الله... » (15).
قد يتصوّر بعض الناس من ذوي المكانة في المجتمع أنّ اصطحاب أولئك الحكّام الظالمين لا يضرّ شيئاً ، وإنّما يفيد خدمة أو تقديم خدمة للطرفين : للظالم بتخفيف ظلمه والحدّ من سُعاره ، ولاَعوان الصالح وأصحابه ليكفيهم شرّه ويدفع عنهم وعن إخوانهم ضرره ، وما دروا ، أو غاب عنهم ، خبث الظالم باستغلال صلاحهم وأسمائهم وسمعتهم في تنفيذ ما لا يرضي الله ، وتمريره على البسطاء من الناس والتغرير بهم... وربما راحوا يستعملون كلمات الملاطفة والتبجيل المقنّع لهذا الظالم أو ذاك ، متوهّمين أن في بعض ذلك تصحيحاً لتصرفاته وتقليص هوسه ، متناسين براءة الناس وانخداعهم به عبر إسباغ الشرعية على أفعاله من قبل هؤلاء وذلك بالتقرّب إليه أو القرب منه ، وما يجرّ ذلك من ارتجاج قيم ونسف مقاييس واهتزاز ثوابت ومعايير.
ولعلّ أكثر مواقف الاِمام عليه السلام وضوحاً في مساعيه لسلخ الوعّاظ عن حاشية الحاكم الظالم هو موقفه عليه السلام من الزهري الذي أكسبه الاَمويون شهرة عظيمة ، وروّجوا له كثيراً ، حيث شدّد هو والعلماء الصالحون النكير عليه لقربه من بني أمية والسكوت عن جرائمهم وشنائعهم ، ففيما كان هو يبرّر صحبته لهم بقوله : ( أنا شريك في خيرهم دون شرهم ). كان العلماء يردّون عليه بقولهم : ( ألا ترى ماهم فيه فتسكت ؟! ) (16). فيسكت ولا يحير جواباً.
ومن حوارات الاِمام الساخنة مع بعض أعوان الظلمة ردّه على الزهري هذا الذي قال للاِمام يوماً : ( كان معاوية يُسكته الحلم ، ويُنطقه العلم ) !! فقال الاِمام : « كذبت يا زهري ، كان يُسكته الحصر ، وينطقه البطَر » (17).
وأكثر من ذلك تقريعه الزهري وعروة بن الزبير وهما جالسان في مسجد المدينة ينالان من الاِمام علي عليه السلام ، فبلغه ذلك ، فجاء حتى وقف عليهما ، فقال : « أما أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك الى الله ، فحكم لاَبي على أبيك ! وأما أنت يا زهري فلو كنت بمكة لاَريتك كِيرَ أبيك » (18).
ولنا مع الزهري هذا وموقف الاِمام منه ، الجولة الاَخيرة في هذا البحث الموجز المقتضب.. فإلى حين يأتي هذا المشوار ، وما أخفاه أو يخفيه في سطوره وكلماته ودقّة معانيه وعباراته... نقف عند كلمات الاِمام السجاد عليه السلام التي يوجهها من محرابه دروساً يستنير بها المظلومون ، وسهاماً في نحور الظالمين.
« اللهمّ إنّ الظَلَمة جحدوا آياتك ، وكفروا بكتابك ، وكذّبوا رسلك واستنكفوا عن عبادتك ، ورغبوا عن ملّة خليلك ، وبدّلوا ما جاء به رسولك ، وشرّعوا غير دينك ، واقتدوا بغير هداك ، واستنّوا بغير سنّتك ، وتعدّوا حدودك ، وتعاونوا على إطفاء نورك ، وصدّوا عن سبيلك ، وكفروا نعماءك ، ولم يذكروا آلاءك ، وأمنوا مكرك ، وقست قلوبهم عن ذكرك ، واجترأوا على معصيتك ، ولم يخافوا مقتك ، ولم يحذروا بأسك واغترّوا بنعمتك... » .
ويواصل عليه السلام بيانه السياسي العبادي الغاضب هذا ، مستنهضاً متمرداً ثائراً ليقول :
« اللهمّ إنّهم اتخذوا دينك دغلاً ، ومالك دولاً ، وعبادك خولاً... اللهمّ افتِتْ أعضادهم واقهر جبابرتهم ، واجعل الدائرة عليهم ، وأقضض بنيانهم ، وخالف بين كلمتهم ، وفرّق جمعهم ، وشتّت شملهم ، واجعل بأسهم بينهم ، وابعث عليهم عذاباً من فوقهم ، ومن تحت أرجلهم ، واسفك بأيدي المؤمنين دماءهم ، وأورث المؤمنين أرضهم وديارهم وأموالهم... » .
إلى أن يقول عليه السلام شارحاً ، موضّحاً ، مفصّلاً :
« اللهمّ إنّهم اشتروا بآياتك ثمناً قليلاً ، وعتوا عتوّاً كبيراً... اللهمّ إنّهم أضاعوا الصلوات واتّبعوا الشهوات.. اللهمّ ضلّل أعمالهم ، واقطع رجاءهم ، وادْحَضْ حجتهم ، واستدرجهم من حيث لا يعلمون ، وآتهم بالعذاب من حيث لا يشعرون ، وأنزل بساحتهم ما يحذرون ، وحاسبهم حساباً شديداً ، وعذّبهم عذاباً نكراً ، واجعل عاقبة أمرهم خُسراً... » (19).
وهكذا ، في كلِّ كلمة ثورة ، وفي كلِّ عبارة لوحة ، وفي كلِّ جملة بيان وإيضاح للثوار والاَحرار والشرفاء.
وليس كما تقول تلك الكاتبة الجامعية التي أكّدت : « أنّ الشيعة بمصرع الحسين افتقدت الزعيم الذي يكون محوراً لجماعتهم وتنظيمهم والذي يقودهم إلى تحقيق تعاليمهم ومبادئهم ، وانصرف الاِمام علي زين العابدين عن السياسة إلى الدين وعبادة الله عزَّ وجلّ وأصبح للشيعة زعيماً روحياً ولكنه لم يكن الثائر السياسي الذي يتزعم جماعة الشيعة.. »
إلى أن تقول : « وحاول المختار بن أبي عبيدة الثقفي أن ينتزع علياً من حياة التعبّد والاشتغال بالعلم إلى ميادين السياسة دون جدوى... » (20).
كتاب الاِمام السجاد عليه السلام إلى الزهري :
حين أوغل الزهري في دائرة الحكم الاَموي الغاشم ، والتحق ببلاط السلطة بالكامل ، وحين لم يبق أمام الاِمام بدّ من كشف الزيف في هذه المواقف ونفاقيتها ونفعيتها ، ورغم ماقد يكلفه هذا الكشف من ضريبة ربما تكون باهضة.. إلاّ أن الاِمام كتب إلى الزهري كتاباً ضمّنه أدّق الخيوط سياسةً وعمقاً ، ورواه العامة والخاصة ، ونقله العديد من المؤرخين وكتّاب السير بفروق بسيطة.
قال الغزالي ما نصه : ( إنّ هذه الرسالة كُتبت إلى الزهري لما خالط السلطان ) (21) ، كما رواها ابن شعبة (22) وآخرون.. وفيما يلي بعض نصوص هذه الوثيقة السياسية السجادية التاريخية الدقيقة ، نتركها بلا تعليق أولاً ، ثم نتبعها بشيء من التعليق فيما بعد :
« ... أما بعد.. كفانا الله وإياك من الفتن ، ورحمك من النار ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم الله بما أصحَّ من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حججه الله بما حمّلك من كتابه ، وفقّهك من دينه ، وعرّفك من سُنّة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فرضي لك في كلِّ نعمة أنعم بها عليك ، وفي كلِّ حجّة احتج بها عليك.. فانظر أي رجل تكون غداً إذا وقفت بين يدي الله ! فسألك عن نعمه عليك ، كيف رعيتها ؟ وعن حججه عليك ، كيف قضيتها ؟! ولا تحسبنَّ الله قابلاً منك بالتعذير ، ولا راضياً منك بالتقصير ! هيهات.. هيهات ! ليس كذلك إنّه أخذ على العلماء في كتابه إذ قال : ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) (23). واعلم أن أدنى ما كتمت ، وأخفّ ما احتملت أن آنست وحشة الظالم ، وسهلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دُعيت. فما أخوفني أن تبوء بإثمك غداً مع الخونة ، وأن تُسأل عما أخذتَ بإعانتك على ظلم الظلمة ! إنّك أخذتَ ماليس لك ممن أعطاك ، ودنوت ممن لم يردّ على أحد حقاً ، ولم تردّ باطلاً حين أدناك ، وأحببت من حادّ الله... » .
ثم يتساءل الاِمام السجاد عليه السلام مستنكراً مستفهماً دقيقاً حين يقول « أوليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلّماً إلى ضلالتهم.. » لاحظ...
ويواصل عليه السلام رسالته هذه قائلاً : « داعياً إلى غيّهم ، سالكاً سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم.. فما أقلَّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمّروا لك ! فكيف ماخرّبوا عليك ، فانظر لنفسك ، فإنّه لا ينظر إليها غيرك وحاسبها حساب رجل مسؤول ... انظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً ؟ فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه : ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ، يأخذون عرض هذا الاَدنى ويقولون سيغفر لنا ) (24) !
بعدها يروح الاِمام السجاد عليه السلام يحذّره الله والآخرة ، ويذكّره بما ينبغي أن يتذّكره ، أو يذكّر به فيقول : « إنّك لست في دار مقام ، أنت في دار قد آذنت برحيل ... طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده . إحذر فقد نُبئت ، وبادر فقد اُجّلت . إنّك تُعامل من لايجهل ، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل . تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداو دينك فقد دخله سقم شديد ... ولا تحسب أني أردتُ توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكني أردت أن يُنعش الله ما فات من رأيك ، ويردّ إليك ما عزب من دينك ، وذكرت قول الله تعالى : ( وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين ). أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب.. اُنظر : هل إبتلوا بمثل ما ابتُليت به ؟ أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ؟ أم هل تراهم ذكرتَ خيراً أهملوه ؟ وعلمت شيئاً جهلوه ؟ بل حظيت بما حلَّ من حالك في صدور العامّة ، وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك ، إن أحللت أحلّوا ، وإن حرّمت حرّموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ذهاب علمائهم ، وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحبّ الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم . أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة ؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟ ! قد ابتليتهم ، وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يُدرك عمقه وفي بلاء لا يقدر قدره ، فالله لنا ولك ، وهو المستعان... » .
بعد ذلك يروح الاِمام السجاد محذّراً منذراً ، مذكّراً منبّهاً ، ينتقل من الدنيا إلى الآخرة ومن الاَرض إلى السماء ، ومن الغيب إلى الواقع ومن الواقع إلى الغيب ، لا تفوته إشارة إلاّ لمّح لها ولا يترك فراغاً إلاّ ملأه ، فيقول : « أما بعد ... فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلتحق بالصالحين الذين دُفنوا في أسمالهم ، لاصقةً بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ولا يُفتنون بها. فإن كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ ، مع كبر سنّك ورسوخ علمك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنّه ؟ الجاهل في علمه ؟ المأفون في رأيه ؟ المدخول في عقله ؟ ! ... على من المعوّل ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثّنا ، وما نرى فيك ! ونحتسب عند الله مصيبتنا بك...
فاُنظر : كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً.. ! وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلاً ! وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيراً !! وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك ان تكون منه قريباً ذليلاً !!
مالك لا تنتبه من نعستك ؟ وتستقيل من عثرتك ؟ فتقول : والله ما قمت لله مقاماً واحداً أحييت به له ديناً ! أو أمّتُ له فيه باطلاً ! ! أفهذا شكرك من استحملك ؟ ! ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه : ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً ) (25)استحملك كتابه ، واستودعك علمه ، فأضعتهما ! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ! والسلام... (26) .
وهكذا يتّضح من سطور هذه الرسالة وحروفها وكلماتها ، أنّ الاِمام السجاد عليه السلام دخل في مواجهة مكشوفة مع السلطة الحاكمة ، عبر تنديده العلني هذا بأحد رموزها ، المقربين من بلاطها ، أي عبر تحذيره وإنذاره وتوبيخه وتأنيبه له : « مالك لا تنتبه من نعستك ؟ ولا تستقيل من عثرتك؟ » ... « أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة ؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة ؟ » .
إذن ، وبايجاز جليّ وواضح ، وكلمات ساطعة صادحة ، كشف الاِمام ، من خلال هذه الرسالة ، كل الخيوط المخفية التي يتستر بها وعّاظ السلاطين عادة ، للتعتيم على نفعيتهم ووصوليتهم ولصوصيتهم (27) .
« لقد سهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه ، وأنك سوف تُسأل عمّا أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة.. » الذين « جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلّماً إلى ضلالتهم » ! وغير ذلك مما يعدّ وثيقة سياسية دقيقة جداً ومعبّرة جداً لكلِّ من يحاول تبرير قربه من الظلمة أو إدعائه إصلاحهم بوعظه وإرشاده ونصائحه...
ولعلّ الموقف من أعوان الظلمة هذا هو أدّق الخيوط في نسيج التعامل السياسي الذي ينبغي غزله أو السير فيه بدّقة وحذر متناهيين...
ولذلك نرى الاِمام يدعو لاَهل الثغور في دعائه المعروف « دعاء الثغور » تارة ، قبال عدوّ مشترك تنكمش لتحدّيه الجزئيات أمام الكليات ، فيما نراه يندّد بحكام الثغور وأعوانهم وظلمهم وتعسفهم تارة اُخرى في الدائرة الاَضيق ، أو ما يُسمى في المصطلح الحديث « النقد داخل البيت » وبهذا الاسلوب المندد المقرع : « والله ما قمت له مقاماً واحداً أحييت به له ديناً ، أو أمتّ له فيه باطلاً » !
فمن هذه المداخلات ، إذن ، ومن هذه الخيوط الدقيقة تجب دراسة الاِمام السجاد وقراءة مواقفه قبل الحكم له أو عليه عليه السلام . ومن هذه القراءة يمكن أن تُفهم منطلقات الاِمام وأهدافه في سكوته أو كلامه ، وفي عزلته أو تصديه وفي صمته أو ثورته ، لاسيّما وهو القائل في ردّه على من يقول( إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ) .. « لكلِّ واحد منهما آفات ، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت » وأضاف : « لاَنّ الله عزَّ وجلّ ، ما بعث الاَنبياء ، والاَوصياء بالسكوت ، وإنما بعثهم بالكلام ، ولا استُحقت الجنة بالسكوت.. ولا استُوجبت ولاية الله بالسكوت ، ولا توقيت النار بالسكوت ! » .
وأكثر من ذلك : « إنّك تصف فضل السكوت بالكلام ، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت.. » (28) وتلك هي الحكمة البالغة والبيان البليغ..
فسلام على الاِمام السجاد ساكتاً ومتكلماً ، وسلام عليه معتزلاً ومتصدياً ، وسلام عليه داعياً لاَهل الثغور ومندداً بظلمهم وجورهم وتعسفهم ، وسلام عليه مصفحاً متغافلاً عن عبد من عبيدالله سبَّه وشتمه ، ومعنّفاً مقرّعاً لواعظ من وعّاظ السلاطين جعل من نفسه جسراً لبلايا سلاطينه ، وسلّماً لضلالهم وغواياتهم ...
____________
(1) ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ) سورة التوبة : 9 | 20. ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) سورة التوبة : 9 | 88. ( انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) سورة التوبة : 9 | 41. ( إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ) سورة الاَنفال : 7 | 72.
(2) راجع فرحة الغري| ابن طاووس : 43. والاِمام زين العابدين| المقرم : 42.
(3) راجع : دلائل البيهقي 6 : 475. والارشاد| المفيد : 292. ويقول اليعقوبي في تاريخه : إنّ هذا المجرم ( أباح حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ولدت الاَبكار لا يُعرف من أولدهنّ ) تاريخ اليعقوبي 2 : 250.
(4) أيام العرب في الاِسلام : 424 هامش رقم (1).
(5) راجع : الاحتجاج| الطبرسي : 306. واللهوف| ابن طاووس : 6 ، 67.
(6) المختار الثقفي| أحمد الدجيلي : 59. وراجع : مناقب آل أبي طالب 4 : 157.
(7) رجال الكشي : 125 ـ 127. وشرح الاَخبار 3 : 270. وتاريخ اليعقوبي 2 : 259.
(8) جاء في تاريخ اليعقوبي 2 : 259 ما نصّه : ( وروى بعضهم أن علي بن الحسين لم يُرَ ضاحكاً يوماً قط منذ قُتل أبوه إلاّ في ذلك اليوم ، وأنّه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام ، فلما أتى برأس عبيدالله بن زياد أمر بتلك الفاكهة ، ففرّقت في أهل المدينة ، وامتشطت نساء رسول الله واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي ... ) ويضيف المصدر نفسه في نفس الصفحة : ( أنّ المختار تتبع قتلة الحسين ، فقتل منهم خلقاً عظيماً ، حتى لم يبقَ منهم أحد ، وقُتل عمر بن سعد وغيره ، وحُرّق بالنار ، وعذّب بأصناف العذاب .. ).
(9) مناقب آل أبي طالب 4 : 157. ومروج الذهب 3 : 83. ورجال الكشي : 126 رقم 200.
(10) بحار الاَنوار 46 : 120. وإثبات الهداة | الحر العاملي 3 : 15.
11) اُنظر المناقب | ابن شهرآشوب 4 : 302. وبحار الاَنوار 46 : 95. والآية من سورة الحج22 | 38.
(12) بحار الاَنوار 46 : 28 .
(13) تحف العقول : 332.
(14) راجع : بلاغة علي بن الحسين عن الاثني عشرية | العاملي : 224.
(15) تاريخ دمشق ( الحديث 128 ) ومختصره لابن منظور 17 : 24.
(16) لاحظ وفيات الاَعيان| ابن خلّكان 3 : 371.
(17) الاعتصام 2 : 257. ونزهة الناظر : 43.
(18) شرح نهج البلاغة 4 : 102.
(19) الاقبال | السيد بن طاووس : 45. والصحيفة الخامسة السجادية : 405.
(20) د. سميرة الليثي | جهاد الشيعة : 29.
(21) إحياء علوم الدين | الغزالي 2 : 143. والمحجة البيضاء في إحياء الاَحياء 3 : 260.
(22) تحف العقول : 274. والمحجة البيضاء 3 : 260.
(23) سورة آل عمران : 3 | 187.
(24) سورة آل عمران : 3 | 168.
(25) سورة مريم : 19| 59.
(26) وردت الرسالة في تحف العقول : 274 ـ 277. ورواها الحائري في بلاغة علي بن الحسين عليه السلام : 122 ـ 126. ورواها المقرّم في الاِمام زين العابدين : 154 ـ 159. ورواها الغزالي في إحياء علوم الدين 2 : 143.
(27) جاء في كتاب « الكشكول » المعروف لبهاء الدين العاملي ما نصه : ( إذا رأيت العالم يلازم السلطان فاعلم أنه لص. وإياك أن تُخدع بما يقال إنّه يردّ مظلمة أو يدافع عن مظلوم ، فان هذه خدعة ابليس اتخذها فخّاً والعلماء سلّما ً) راجع كتاب الفقيه والسلطان | د. وجيه كوثراني : 155 .
(28) الإحتجاج | الطبرسي : 315
____________
أقول:
إخواني الأعزاء
لقد بينا لكم بما لا يدع مجالآ للشك أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) هو الإمام الحق بعد أبيه الحسين ( عليه السلام ) وهذا لا ينكره إلا الجاحد المعاند حيث يقول تعالى : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً )
وعليه فلا مجال للإنكار بأن علي بن الحسين هو الإمام المفترض الطاعة بعد الحسين عليه السلام ومن لديه اعتراض فليتفضل ببيان أدلته على نفي الإمامة عن علي بن الحسين عليه السلام .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
سوف نبين لكم وبأدلة ناصعة وعلامات واضحة أن الإمام علي بن الحسين عليه السلام كان إمام علم وجهاد حمل المسئولية من أبيه الحسين (عليه السلام ) وأداها على أحسن وجه فكان عوناً للمؤمنين وخصماً عنيداً للظالمين وهذا ما سنبينه في هذا السطور والتي نحاول فيها بيان بعض جوانب هذا الشخصية العظيمة التى لو كتبنا مئات المجلدات لم نستطع أن نوفيها حقها لأنه بحق حجة الله على العباد وسبيلهم إلى النجاة وصراط الله المستقيم الذي ما سلكه أحد إلا أخذه إلى رضوان الله وجناته فنبدأ حدينا فنقول بعد التوكل على الله عز وجل :
خلاصة الجهاد السياسي عند الاِمام السجاد عليه السلام :
ينبغي القول فعلاً إنّ الجهاد بالنفس هو أفضل أنواع الجهاد ، وأن الجود بالنفس هو أغلى غاية الجودِ ـ كما يقولون ـ ولكن هذه المقولات أو هذا الفهم ربما يصير كلمة حق يُراد بها باطل عند بعض الناس ، فيبخس هذا البعض على غيرهم من الناس جهادهم ( الاَكبر) وهو جهاد النفس وليس الجهاد بالنفس ـ كما نص على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، في تعريفه للجهادين الاَصغر والاَكبر ، ويستكثرون على الذين لم يتسنّ لهم خوض المعارك ، جهادهم هذا وصبرهم وصمودهم وثباتهم على طريق الحق ، ويتهمونهم أنهم متخاذلون ناكصون منكفئون لاقدر لهم ولا قيمة ولاخلاق ، ناسين أو متناسين مثلاً أنّ كلمة حق أمام سلطان جائر هي أفضل الجهاد ، وأن الجهاد بالمال يتقدم في كثير من الاَحيان على الجهاد بالنفس في محكم كتاب الله العزيز... (1) وأن مطبات الجهاد السياسي أحياناً أصعب وأعقد من لحظات المواجهة الساخنة الواضحة مع الاَعداء ، وخاصة إذا كان رمز هذا النوع من الجهاد مطالباً بحقن دماء شيعته أو حفظ بقيتهم أو تدبير دورهم في مواجهة طاغوت لئيم لا يعرف قلبه الرحمة ولا يهمّه أن يُجهز عليهم جميعاً دون أن يرفّ له جفن إذا ماهمسوا ضده بقول أو انبروا له بفعل أو عمل...هذا الخانق المؤلم بين الخيارين : خيار الاستشهاد والتضحية ، أو خيار الصبر والتقية ، هو الذي وجد الاِمام السجاد نفسه مضطراً إليه بعد أن أنجاه الله تعالى من موت أكيد مع إخوته وأبناء عمومته بسبب المرض الذي أقعده عن حمل السلاح في يوم الطفوف ، وهو الخيار المرّ الذي اضطرّ عليه السلام لسلوكه لاستكمال الدور الرسالي الذي انتُدب له ـ كما مرَّ ذكره ـ.
ولا نريد هنا تلخيص ما قدمناه حول دور الاِمام السجاد عليه السلام ، في ترسيخ القيم وكشف الشرعية المزيّفة لاَدعياء الدين وفضح مدّعياتهم ، وسعيه الحثيث لتشكيل الجماعة الصالحة التي أخذت على عاتقها إتمام المهمة الرسالية التي لابدّ من وجود حيّ لاِتمامها أو مواصلتها...
نعم ، إنّ دين الله يمكن أن ينهض به المعارض الشريف حتى لو لم يستلم سلطة أو يستلم حكماً ، مادام قد فهم دوره وأتقن أداءه وأجاد تأديته . وإذا أردنا أن نضيف شيئاً جديداً ، فإنّه لا يعدو أكثر من قراءة شبه متأنية لبعض مواقف الاِمام السجاد عليه السلام من الظالمين وأعوانهم ، وكذلك مواقفه من بعض الحركات الشيعية التي تفجّرت في زمانه ، وكيف انتقل من مرحلة التقية المؤلمة إلى مرحلة المواجهة الساخنة ، لا سيّما بعد أن استنفذ دوره التبليغي الصامت ، وارتأى أنّه لابدّ أن ينتقل من المرحلة السلبية السرية الصامتة إلى مرحلة الاِعلان الاقتحامي الواضح ، خاصة وإنّه أدرك أن خصومه قاتلوه لا محالة ، وأنهم لم يعودوا يستطيعون الصبر عليه ، والتغاضي عن دوره في تأليب الاُمّة ضدهم وتحشيد غضبها وإثارة سخطها.
خيمة خارج المدينة :
لعلّ أول موقف سياسي حكيم كان على الاِمام عليه السلام أن يتخذه بعد عودته إلى المدينة ، وبعد أيام من مشاعر الحداد والنحيب التي أجّجها في نفوس أهلها ، والتي قدّر عليه السلام أنّها لم تتعدّ أن تكون حالات عاطفية صادقة ، تفجّرت بسبب شعورهم بالاِثم جرّاء عدم خروجهم مع الحسين عليه السلام ونصرته أولاً ، وفجيعتهم بمصرع ابن بنت نبيهم ثانياً ، هو أن ينأى بعيداً عن الناس الذين أدرك ضعفهم وخواءهم في لحظات المواجهة الساخنة مع الاَعداء ، فاتخذ خيمةً في البادية ، واستظلّ ببيتٍ من بيوت الشعر في فيافيها مع مجموعةٍ من عياله وأهل بيته وخلص شيعته . نعم ، اتخذ الاِمام السجاد عليه السلام هذا الموقف ليعمّق الشعور بالذنب لدى أهل المدينة الذين خذلوا أباه ، واكتفوا بالبكاء أو التباكي معه حين عودته أولاً ، ولكي يتحاشى الاصطدام بالحكّام الاَمويين الذين سيستهدفونه حتماً إذا أحسوا منه أي بادرةٍ أو همسةٍ للتحريض ضد حكمهم ثانياً ، ( فبقي خارج المدينة من سنة 61 هـ إلى نهاية سنة 63 هـ وكان يسير من البادية بمقامه إلى العراق زائراً لاَبيه وجده عليهما السلام ولا يُشعر بذلك من فعله ) (2) .
وفعلاً ، وحين أحسّ الاَمويون بتململ أهل المدينة جاءت واقعة الحرّة المعروفة التي استباح فيها مسلم بن عقبة هذه المدينة ، وأباح فيها القتل والسبي والاعتداء الوحشي ، وكأن أول ( قصاص ) غيبي حلّ بأهلها الذين لم يفعلوا شيئاً حين توديع الحسين عليه السلام ، إلاّ أن رمقوه بعيون منكسرة وقلوب متألمة لا تغني ساعة الموت عن الحق شيئاً ، قد جاء على يدي من سُمّي ( مُسرف بن عقبة ) هذا أو ( مجرم بن عقبة ) ، ويؤكد الشيخ المفيد في إرشاده ، أنّ مسرف بن عقبة هذا كان في بدايته لا يريد إلاّ قتل علي بن الحسين عليه السلام ، وحين لم يجد لقتله حجّة ، اكتفى أن أباح المدينة ثلاثة أيام بأمر يزيد ، وقد انفضّت فيها ألف عذراء ، وولد مئات الاَبناء لا يُعرف آباؤهم ، وكان من بينهن بنات ونساء صحابة... (3).
نعم ، اتخذ الاِمام السجاد عليه السلام تلك الخيمة النائية مأوىً له ، ولم يجد هذا ( المسرف ) سبباً للاِجهاز على الاِمام عليه السلام وأهل بيته ، بل صار الاِمام ملاذاً لمن التحق به من المؤمنين هرباً من ( إسراف ) الجيش الاَموي ووحشيته وبربريته. وكان ممن لاذ به من الاَمويين عائلة مروان بن الحكم وزوجته عائشة بنت عثمان بن عفان ـ كما مرَّ ذكره ـ وأكثر من أربعمائة مُنافية ( من آل عبد مناف ) كان عليه السلام يعولهُنّ إلى أن تفرّق الجيش... (4).
وهذا يعني أنّ الاِمام السجاد عليه السلام أيقن أن أهل المدينة كانوا لا يحملون تجاهه إلاّ عواطف مفجوعة وشعور عميق بالذنب إن لم نقل مواساة كاذبة يمكن أن تتبدد في أول لحظة من لحظات الخطر أو المواجهة مع الموت ، كما حصل مع أبيه عليه السلام حين كانت قلوب الناس معه وسيوفهم عليه...
ولذلك حين جاؤوه مبايعين يقولون : ( ... فمرنا بأمرك ، فإنّا حرب لحربك ، وسلمٌ لسلمك ) وغير ذلك ، قال لهم : « هيهات .. ومسألتي ألاّ تكونوا لنا ولا علينا .. » وأخذ عليهم عهداً أن يأخذوا جانب الحياد فقط...(5) .
الموقف من الحركات الثورية :
من هذا المكان النائي ، ومن هذه العزلة الهادفة ، راح الاِمام السجاد عليه السلام يبني الجماعة الصالحة ، ويرصد عن كثب أنباء الطلائع التي كانت تخرج بين فترة وأُخرى لتقويض الحكم الاَموي ومناجزة الطغاة من ولاتهم وكشف زيفهم ، لا سيّما تلك الثورات التي رفعت شعارات الثأر للاِمام الحسين عليه السلام ، وإن كان بقي بعيداً عن بعضها ؛ إذ لم يرد عليه السلام أن يتحمّل مسؤولية الدماء التي ستُراق فيها بغير حق أولاً ، ولعدم تنسيق رجالها معه ثانياً ، وعدم وضوح منطلقاتها وأهدافها ، والتمثيل الذي ينفَّذ بقتلاها ثالثاً ورابعاً...
ولعلّ ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، وكذلك ثورة المختار ، كانتا أبرز الاَمثلة على تعضيد الاِمام سرّاً لمثل هذه الحركات ، ولو بدرجة من الدرجات ، رغم أنّه لم يعلن ارتباطه المباشر معها ، ولكنه ترك الاَمر لعمّه محمد بن الحنفية لكي يتعامل مع روادها بحكمة ودقّة ، مشيراً إليه باختصار : « يا عم ، لو أن عبداً تعصّب لنا أهل البيت ، لوجب على الناس مؤازرته ، وقد أوليتُك هذا الأمر ، فأصنع ما شئت .. » (6).
ويُشير العديد من المؤرخين أنّه ( لما أرسل المختار برؤوس قتلة الاِمام الحسين عليه السلام وأولاده وأصحابه إلى الاِمام ، خرّ الاِمام ساجداً ودعا له وجزّاه خيراً ) (7) .
أما ما ينقله بعض المؤرخين من سلبية موقف الاِمام السجاد من المختار وثورته فإنّه يمكن أن يُقرأ من ثلاثة أبعاد :
الاَول : هو محاولة هؤلاء المؤرخين تشويه تلك الثورة التي أدخلت السرور على بنات المصطفى ونساء الرسالة (8) ، وإن جنحت في بعض مقاطعها انفعالاً وشططاً.
الثاني : هو قيام الاِمام السجاد عليه السلام بأداء دور كان لابدّ له أن يؤديه ، لكي يُبعد عن أذهان الاَمويين المتربصين به ارتباطه بهذا الثائر العظيم ، وبالتالي تبرير استهدافه وقتله من قبلهم ، أو السماح لهم بتسويغ هذا الفعل ، أي منحهم التبرير لذلك ، قبل إتمام أهدافه واستكمال المهمة التي يريد أن يأتي إلى آخر مشوارها أو آخر شوطٍ فيها.
الثالث : عدم تحمّله عليه السلام مسؤولية الاِسراف في القتل الذي يُرافق الثورات الانتقامية أو الثأرية عادةً ، وخاصة تلك البعيدة عنه ، والتي لم ينسّق رجالها معه لا في الاِعداد ولا في التنفيذ...
ومن هنا كان موقفه المعروف من المختار حين جزّاه خيراً من جهة ، ولكنه رفض استلام أمواله أو قبول بيعته من جهة اُخرى ، كما تقول الروايات التاريخية .. (9).
وهذا ما أراد تثبيته فعلاً من مواقف في ثورات اُخرى ، كان لا ينبغي أن تحسب عليه مقاطع الحرق والتعذيب وقطع الرؤوس والتمثيل بالاَجساد والشماتة ، وما إلى ذلك.
الموقف من الظالمين :
موقفه من عبدالملك وهشام :
بعد أن رسّخ الاِمام السجاد عليه السلام موقعه في قاعدته الشعبية ، وبعد أن عُرف إماماً عادلاً ورعاً تقياً نقياً ، يعرف الدين وحدوده ، وأصوله وفروعه ، ويقف وجهاً لوجه لمقارعة مغتصبي الخلافة والولاية والاِمامة من الاَمويين وأزلامهم.. وحين شعر أنّهم سيقتلونه لا محالة ، إثر اتساع قاعدته وشهرته وظهور أمره ، صار لزاماً عليه أن يُشهر عداءه و ( يُظهر علمه ) في مقارعتهم ومواجهتهم وكشف زيفهم وأحابيلهم.. وبكلمة اُخرى ، يقلّص دائرة التقيّة التي اتّسعت له سنين طويلة للامتداد اُفقاً وعمقاً في الوسط الجماهيري ، ولم يبق أمامه إلاّ اقتحام المحظور والمتهيب والمسكوت عنه في هذا الوسط المهزوم المغلوب على أمره ، المضلّل بالخطاب الاِعلامي الاَموي الموجّه الضاغط...
رأى الاِمام عليه السلام أن الخطوة الاُولى التي عليه تقحّمها رغم وعورتها وخطورتها هو كسر هيبة الحكام الاَمويين وتهشيم هالتهم التي صنعوها بشراستهم وفرعونيتهم ودعاواهم العريضة بالانتساب إلى الاِسلام ونبي الاِسلام...
فقد روي أن عبدالملك بن مروان كان يطوف بالبيت العتيق ، وعلي بن الحسين يطوف أمامه غير ملتفت إليه ، أو لا يلتفت إليه. فقال عبد الملك من هذا الذي يطوف بين أيدينا ؟ ولا يلتفت إلينا ؟ فقيل له : إنّه علي بن الحسين.
فجلس عبدالملك مكانه غاضباً وقال : ردّوه إليَّ فردّوه ، فقال له : يا علي بن الحسين ، إنّي لستُ قاتل أبيك ! فما يمنعك من السير إلينا ؟ !
فأجابه عليه السلام : « إنّ قاتل أبي أفسد ـ بما فعله ـ دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه آخرته. فإن أحببت أن تكون هو فكن.. » (10).
ويبدو من هذه السطور أن الاِمام كان مقاطعاً عبدالملك ، أو أن مقاطعته ليست مجرّد عزلة أو مقاطعة عابرة ، وإنّما مقصودة ومتعمّدة ، وتعبّر عن موقف سياسي وإعراض متعمّد مع سبق الاِصرار ، ولعلّها أظهر أشكال الجهاد السياسي واتخاذ الموقف السياسي في حدود المعروف أو المسموح به في ذلك العهد...
كما أن قول عبدالملك : ( إنّي لست قاتل أبيك ) يتضمّن الغلظة ويوحي بالتهديد والتوّعد والاِرهاب. فيما كان ردّ الاِمام : « إن أحببت أن تكون هو فكن » يعبّر عن تحدٍّ سافر لسلطة خليفة متجبّر لا يمنعه فعل أي شيء ، بما في ذلك القتل وسفك الدم ، وفي ذلك دليل قاطع على أنّ الاِمام عليه السلام لم يكن في هذه المرحلة ذلك الوديع الموادع ، المنعزل عن الدنيا ، المشغول بالدعاء والعبادة ، البكّاء الحزين ، وإنّما المواجه ، المنازل ، الشديد ، القاطع ، المقاطع ، المتحدي ، العنيف الذي لا يخشى الاِرهاب ولا يرهبه استخدام الطغاة عصاهم الغليظة ، أو تلويحهم بهراوات الاِهانة أو التصفية أو الموت...
وهكذا كان موقفه عليه السلام مع عبدالملك هذا في قصة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموجود عنده ، والذي حاول عبدالملك استفزاز الاِمام عليه السلام بطلب ذلك السيف أو استيهابه منه أو أخذه منه ، لما فيه من رمزية يمكن أن يوظّفها الحاكم الظالم إلى شرعيته المزيفة ، فأبى الاِمام عليه السلام إعطاء السيف ، فكتب إليه عبدالملك يهدّده بأن يقطع رزقه من بيت المال... فأجاب الاِمام عليه السلام : « أما بعد.. فإنّ الله تعالى ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جلّ ذكره : ( إن الله لا يحبُّ كل خوّان كفور ) ، ثم قال : فاُنظر أيّنا أولى بهذه الآية ؟ » (11).
ويظهر من رفض الاِمام إعطاء السيف ، وتوظيفه لهذه الآية الكريمة ، وقوله : ( أيّنا أولى بها ) ! واستصغاره لتهديد الخليفة بقطع رزقه من بيت المال واستهانته بطلبه ، أن القطيعة بالغ حدّها بين الطرفين ، وأن المواجهة في أقصاها ، وأن كلمة الحجاج الثقفي الذي كتب إلى عبدالملك ما نصه ( إنّ أردت أن يثبت ملكك ، فاقتل علي بن الحسين ) (12) ، إنّما تعبّر تعبيراً دقيقاً هي الاُخرى ، عن شدّة المواجهة وعمق الاَزمة وخطورة الموقف.
كان هذا إذن موقف الاِمام عليه السلام مع عبدالملك بن مروان أو بعض مواقفه ، وهكذا كان موقفه عليه السلام مع هشام بن عبدالملك ، في قضية الحجر الاَسود المارّة الذكر ، وكيف أن الاَمويين سجنوا الفرزدق على قصيدة شعرية اعتبروها إهانة لمقام الخلافة ، فيما سارع الاِمام السجاد عليه السلام للاتصال بالفرزدق وهو في السجن ، ووصله بشيء رمزي من المال تعضيداً له على موقفه ، ومكافأة لموقفه الشجاع ذاك ، وتعبيراً عن مواساةٍ واضحة المقاصد والاَهداف في العرف السياسي السائد...
الموقف من أعوان الظلمة :
إن الطواغيت ليس بإمكانهم الوصول إلى مآربهم إذا لم يجدوا أعواناً لهم يعينونهم على ما يقومون به من مظالم ومآثم... ولعلَّ من السذاجة بمكان إلقاء اللوم على عاتق شخص واحد توضع على مشجبه أو شماعته كل الجرائم والجنايات التي ترتكب بحق الاُمم والشعوب ، وإغضاء الطرف عن الدائرة المحيطة به ، الملتفة حوله ، بدءاً بولاته وقادته العسكريين ، مروراً بإعلامييه وأبواقه وفقهائه ووعاظ سلطته ، وانتهاءً بهذا المطرب أو ذاك الشاعر اللذين لا ينفكان ينشدان لنظامه الظالم ويروّجان له ويخففان جرائمه ويأخذان على أيدي من يحاول التعريض به أو الحديث عن جرائمه...
ولعلّ الزيارة الشهيرة المعروفة بزيارة « عرفة » الخاصّة بالاِمام الحسين عليه السلام التي جاء نصّها : « ... فلعن الله أمةً قتلتك ، ولعن الله أمةً ظلمتك ، ولعن الله أمةً سمعت بذلك فرضت به .. » تعبّر بشكل واضح وصريح عن هذه النقطة المهمة ، أي على ضرورة تحميل الاُمّة مسؤولية حرب الحسين عليه السلام ومناهضته وتكثير سواد خصومه.
هذا الخيط الرابط بين الطاغية وبين أعوانه ، استطاع الاِمام السجاد عليه السلام تشخيصه بدقّة ، وتأكيده والطرق عليه... أي إن موالاة الجائر تعتبر كبيرة من الكبائر لما تنطوي عليه من تمكين واضح له لدرس الحق وإحياء الباطل وإظهار الظلم والجور ، وإبطال الكتب ، وقتل الاَنبياء والمؤمنين ، وهدم المساجد وتبديل السُنّة وتغيير شرائع الله وتعاليم دينه..
فكانت الخطوة الثانية هي : تنبيه الاَمّة على أنّ أيّ تعامل مع الحكام وأية مساعدة لهم ، حتّى في أبسط الاَمور وأدنى الاَشياء يعتبر تقويةً لحكومتهم ، ومشاركةً لهم في جناياتهم لاَنّ تقديم أيّ خدمةٍ لهم وإن كانت ضئيلة جدّاً يكون ـ بقدره ـ تمكيناً ومعاضدةً لهم ، فراح عليه السلام يؤكد على لعن ( من لاق لهم دواة ، أو قطّ لهم قلماً ، أو خاط لهم ثوباً ، أو ناولهم عصاً ) ، بل حرّم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم (13).
اعتمد الاِمام السجاد عليه السلام هذه القاعدة الاِسلامية ، وجعلها ركيزة مهمة في مقاومة النظام الفاسد ، وحاول تجريده من سلاح الوعّاظ المحيطين به ، أو عصابات المتزلّفين المتملّقين الذين تمرّر السلطة الظالمة مشاريعها من خلال ملقهم وتزلّفهم وتلميعهم لاجراءات هذه السلطة لدى العوام والسذّج والبسطاء...
وكان الاِمام السجاد كثيراً ما يقول : « العامل بالظلم والمعين له ، والراضي به شركاء ثلاثة » (14).
وكان عليه السلام يحذّر الناس من التورّط في أعمال الظلمة ، ولو بتكثير سوادهم والتواجد في مجالسهم ومصاحبتهم ، لاَنّ الظالم لايريد من الصالح فعلاً الاستفادة من صلاحه أو الاقتداء به ، وإنّما يحاول توريطه في جرائمه وآثامه أو توظيفه لتحقيق مفاسده ومشاريعه.. فكان عليه السلام يقول « ... ولا يقول رجل في رجل من الخير مالا يعلم ، إلاّ أوشك أن يقول فيه من الشرّ مالا يعلم ، ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله إلاّ أوشك أن يتفرّقا على غير طاعة الله... » (15).
قد يتصوّر بعض الناس من ذوي المكانة في المجتمع أنّ اصطحاب أولئك الحكّام الظالمين لا يضرّ شيئاً ، وإنّما يفيد خدمة أو تقديم خدمة للطرفين : للظالم بتخفيف ظلمه والحدّ من سُعاره ، ولاَعوان الصالح وأصحابه ليكفيهم شرّه ويدفع عنهم وعن إخوانهم ضرره ، وما دروا ، أو غاب عنهم ، خبث الظالم باستغلال صلاحهم وأسمائهم وسمعتهم في تنفيذ ما لا يرضي الله ، وتمريره على البسطاء من الناس والتغرير بهم... وربما راحوا يستعملون كلمات الملاطفة والتبجيل المقنّع لهذا الظالم أو ذاك ، متوهّمين أن في بعض ذلك تصحيحاً لتصرفاته وتقليص هوسه ، متناسين براءة الناس وانخداعهم به عبر إسباغ الشرعية على أفعاله من قبل هؤلاء وذلك بالتقرّب إليه أو القرب منه ، وما يجرّ ذلك من ارتجاج قيم ونسف مقاييس واهتزاز ثوابت ومعايير.
ولعلّ أكثر مواقف الاِمام عليه السلام وضوحاً في مساعيه لسلخ الوعّاظ عن حاشية الحاكم الظالم هو موقفه عليه السلام من الزهري الذي أكسبه الاَمويون شهرة عظيمة ، وروّجوا له كثيراً ، حيث شدّد هو والعلماء الصالحون النكير عليه لقربه من بني أمية والسكوت عن جرائمهم وشنائعهم ، ففيما كان هو يبرّر صحبته لهم بقوله : ( أنا شريك في خيرهم دون شرهم ). كان العلماء يردّون عليه بقولهم : ( ألا ترى ماهم فيه فتسكت ؟! ) (16). فيسكت ولا يحير جواباً.
ومن حوارات الاِمام الساخنة مع بعض أعوان الظلمة ردّه على الزهري هذا الذي قال للاِمام يوماً : ( كان معاوية يُسكته الحلم ، ويُنطقه العلم ) !! فقال الاِمام : « كذبت يا زهري ، كان يُسكته الحصر ، وينطقه البطَر » (17).
وأكثر من ذلك تقريعه الزهري وعروة بن الزبير وهما جالسان في مسجد المدينة ينالان من الاِمام علي عليه السلام ، فبلغه ذلك ، فجاء حتى وقف عليهما ، فقال : « أما أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك الى الله ، فحكم لاَبي على أبيك ! وأما أنت يا زهري فلو كنت بمكة لاَريتك كِيرَ أبيك » (18).
ولنا مع الزهري هذا وموقف الاِمام منه ، الجولة الاَخيرة في هذا البحث الموجز المقتضب.. فإلى حين يأتي هذا المشوار ، وما أخفاه أو يخفيه في سطوره وكلماته ودقّة معانيه وعباراته... نقف عند كلمات الاِمام السجاد عليه السلام التي يوجهها من محرابه دروساً يستنير بها المظلومون ، وسهاماً في نحور الظالمين.
« اللهمّ إنّ الظَلَمة جحدوا آياتك ، وكفروا بكتابك ، وكذّبوا رسلك واستنكفوا عن عبادتك ، ورغبوا عن ملّة خليلك ، وبدّلوا ما جاء به رسولك ، وشرّعوا غير دينك ، واقتدوا بغير هداك ، واستنّوا بغير سنّتك ، وتعدّوا حدودك ، وتعاونوا على إطفاء نورك ، وصدّوا عن سبيلك ، وكفروا نعماءك ، ولم يذكروا آلاءك ، وأمنوا مكرك ، وقست قلوبهم عن ذكرك ، واجترأوا على معصيتك ، ولم يخافوا مقتك ، ولم يحذروا بأسك واغترّوا بنعمتك... » .
ويواصل عليه السلام بيانه السياسي العبادي الغاضب هذا ، مستنهضاً متمرداً ثائراً ليقول :
« اللهمّ إنّهم اتخذوا دينك دغلاً ، ومالك دولاً ، وعبادك خولاً... اللهمّ افتِتْ أعضادهم واقهر جبابرتهم ، واجعل الدائرة عليهم ، وأقضض بنيانهم ، وخالف بين كلمتهم ، وفرّق جمعهم ، وشتّت شملهم ، واجعل بأسهم بينهم ، وابعث عليهم عذاباً من فوقهم ، ومن تحت أرجلهم ، واسفك بأيدي المؤمنين دماءهم ، وأورث المؤمنين أرضهم وديارهم وأموالهم... » .
إلى أن يقول عليه السلام شارحاً ، موضّحاً ، مفصّلاً :
« اللهمّ إنّهم اشتروا بآياتك ثمناً قليلاً ، وعتوا عتوّاً كبيراً... اللهمّ إنّهم أضاعوا الصلوات واتّبعوا الشهوات.. اللهمّ ضلّل أعمالهم ، واقطع رجاءهم ، وادْحَضْ حجتهم ، واستدرجهم من حيث لا يعلمون ، وآتهم بالعذاب من حيث لا يشعرون ، وأنزل بساحتهم ما يحذرون ، وحاسبهم حساباً شديداً ، وعذّبهم عذاباً نكراً ، واجعل عاقبة أمرهم خُسراً... » (19).
وهكذا ، في كلِّ كلمة ثورة ، وفي كلِّ عبارة لوحة ، وفي كلِّ جملة بيان وإيضاح للثوار والاَحرار والشرفاء.
وليس كما تقول تلك الكاتبة الجامعية التي أكّدت : « أنّ الشيعة بمصرع الحسين افتقدت الزعيم الذي يكون محوراً لجماعتهم وتنظيمهم والذي يقودهم إلى تحقيق تعاليمهم ومبادئهم ، وانصرف الاِمام علي زين العابدين عن السياسة إلى الدين وعبادة الله عزَّ وجلّ وأصبح للشيعة زعيماً روحياً ولكنه لم يكن الثائر السياسي الذي يتزعم جماعة الشيعة.. »
إلى أن تقول : « وحاول المختار بن أبي عبيدة الثقفي أن ينتزع علياً من حياة التعبّد والاشتغال بالعلم إلى ميادين السياسة دون جدوى... » (20).
كتاب الاِمام السجاد عليه السلام إلى الزهري :
حين أوغل الزهري في دائرة الحكم الاَموي الغاشم ، والتحق ببلاط السلطة بالكامل ، وحين لم يبق أمام الاِمام بدّ من كشف الزيف في هذه المواقف ونفاقيتها ونفعيتها ، ورغم ماقد يكلفه هذا الكشف من ضريبة ربما تكون باهضة.. إلاّ أن الاِمام كتب إلى الزهري كتاباً ضمّنه أدّق الخيوط سياسةً وعمقاً ، ورواه العامة والخاصة ، ونقله العديد من المؤرخين وكتّاب السير بفروق بسيطة.
قال الغزالي ما نصه : ( إنّ هذه الرسالة كُتبت إلى الزهري لما خالط السلطان ) (21) ، كما رواها ابن شعبة (22) وآخرون.. وفيما يلي بعض نصوص هذه الوثيقة السياسية السجادية التاريخية الدقيقة ، نتركها بلا تعليق أولاً ، ثم نتبعها بشيء من التعليق فيما بعد :
« ... أما بعد.. كفانا الله وإياك من الفتن ، ورحمك من النار ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم الله بما أصحَّ من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حججه الله بما حمّلك من كتابه ، وفقّهك من دينه ، وعرّفك من سُنّة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فرضي لك في كلِّ نعمة أنعم بها عليك ، وفي كلِّ حجّة احتج بها عليك.. فانظر أي رجل تكون غداً إذا وقفت بين يدي الله ! فسألك عن نعمه عليك ، كيف رعيتها ؟ وعن حججه عليك ، كيف قضيتها ؟! ولا تحسبنَّ الله قابلاً منك بالتعذير ، ولا راضياً منك بالتقصير ! هيهات.. هيهات ! ليس كذلك إنّه أخذ على العلماء في كتابه إذ قال : ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) (23). واعلم أن أدنى ما كتمت ، وأخفّ ما احتملت أن آنست وحشة الظالم ، وسهلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دُعيت. فما أخوفني أن تبوء بإثمك غداً مع الخونة ، وأن تُسأل عما أخذتَ بإعانتك على ظلم الظلمة ! إنّك أخذتَ ماليس لك ممن أعطاك ، ودنوت ممن لم يردّ على أحد حقاً ، ولم تردّ باطلاً حين أدناك ، وأحببت من حادّ الله... » .
ثم يتساءل الاِمام السجاد عليه السلام مستنكراً مستفهماً دقيقاً حين يقول « أوليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلّماً إلى ضلالتهم.. » لاحظ...
ويواصل عليه السلام رسالته هذه قائلاً : « داعياً إلى غيّهم ، سالكاً سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم.. فما أقلَّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمّروا لك ! فكيف ماخرّبوا عليك ، فانظر لنفسك ، فإنّه لا ينظر إليها غيرك وحاسبها حساب رجل مسؤول ... انظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً ؟ فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه : ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ، يأخذون عرض هذا الاَدنى ويقولون سيغفر لنا ) (24) !
بعدها يروح الاِمام السجاد عليه السلام يحذّره الله والآخرة ، ويذكّره بما ينبغي أن يتذّكره ، أو يذكّر به فيقول : « إنّك لست في دار مقام ، أنت في دار قد آذنت برحيل ... طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده . إحذر فقد نُبئت ، وبادر فقد اُجّلت . إنّك تُعامل من لايجهل ، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل . تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداو دينك فقد دخله سقم شديد ... ولا تحسب أني أردتُ توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكني أردت أن يُنعش الله ما فات من رأيك ، ويردّ إليك ما عزب من دينك ، وذكرت قول الله تعالى : ( وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين ). أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب.. اُنظر : هل إبتلوا بمثل ما ابتُليت به ؟ أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ؟ أم هل تراهم ذكرتَ خيراً أهملوه ؟ وعلمت شيئاً جهلوه ؟ بل حظيت بما حلَّ من حالك في صدور العامّة ، وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك ، إن أحللت أحلّوا ، وإن حرّمت حرّموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ذهاب علمائهم ، وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحبّ الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم . أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة ؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟ ! قد ابتليتهم ، وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يُدرك عمقه وفي بلاء لا يقدر قدره ، فالله لنا ولك ، وهو المستعان... » .
بعد ذلك يروح الاِمام السجاد محذّراً منذراً ، مذكّراً منبّهاً ، ينتقل من الدنيا إلى الآخرة ومن الاَرض إلى السماء ، ومن الغيب إلى الواقع ومن الواقع إلى الغيب ، لا تفوته إشارة إلاّ لمّح لها ولا يترك فراغاً إلاّ ملأه ، فيقول : « أما بعد ... فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلتحق بالصالحين الذين دُفنوا في أسمالهم ، لاصقةً بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ولا يُفتنون بها. فإن كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ ، مع كبر سنّك ورسوخ علمك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنّه ؟ الجاهل في علمه ؟ المأفون في رأيه ؟ المدخول في عقله ؟ ! ... على من المعوّل ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثّنا ، وما نرى فيك ! ونحتسب عند الله مصيبتنا بك...
فاُنظر : كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً.. ! وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلاً ! وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيراً !! وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك ان تكون منه قريباً ذليلاً !!
مالك لا تنتبه من نعستك ؟ وتستقيل من عثرتك ؟ فتقول : والله ما قمت لله مقاماً واحداً أحييت به له ديناً ! أو أمّتُ له فيه باطلاً ! ! أفهذا شكرك من استحملك ؟ ! ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه : ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً ) (25)استحملك كتابه ، واستودعك علمه ، فأضعتهما ! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ! والسلام... (26) .
وهكذا يتّضح من سطور هذه الرسالة وحروفها وكلماتها ، أنّ الاِمام السجاد عليه السلام دخل في مواجهة مكشوفة مع السلطة الحاكمة ، عبر تنديده العلني هذا بأحد رموزها ، المقربين من بلاطها ، أي عبر تحذيره وإنذاره وتوبيخه وتأنيبه له : « مالك لا تنتبه من نعستك ؟ ولا تستقيل من عثرتك؟ » ... « أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة ؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة ؟ » .
إذن ، وبايجاز جليّ وواضح ، وكلمات ساطعة صادحة ، كشف الاِمام ، من خلال هذه الرسالة ، كل الخيوط المخفية التي يتستر بها وعّاظ السلاطين عادة ، للتعتيم على نفعيتهم ووصوليتهم ولصوصيتهم (27) .
« لقد سهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه ، وأنك سوف تُسأل عمّا أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة.. » الذين « جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلّماً إلى ضلالتهم » ! وغير ذلك مما يعدّ وثيقة سياسية دقيقة جداً ومعبّرة جداً لكلِّ من يحاول تبرير قربه من الظلمة أو إدعائه إصلاحهم بوعظه وإرشاده ونصائحه...
ولعلّ الموقف من أعوان الظلمة هذا هو أدّق الخيوط في نسيج التعامل السياسي الذي ينبغي غزله أو السير فيه بدّقة وحذر متناهيين...
ولذلك نرى الاِمام يدعو لاَهل الثغور في دعائه المعروف « دعاء الثغور » تارة ، قبال عدوّ مشترك تنكمش لتحدّيه الجزئيات أمام الكليات ، فيما نراه يندّد بحكام الثغور وأعوانهم وظلمهم وتعسفهم تارة اُخرى في الدائرة الاَضيق ، أو ما يُسمى في المصطلح الحديث « النقد داخل البيت » وبهذا الاسلوب المندد المقرع : « والله ما قمت له مقاماً واحداً أحييت به له ديناً ، أو أمتّ له فيه باطلاً » !
فمن هذه المداخلات ، إذن ، ومن هذه الخيوط الدقيقة تجب دراسة الاِمام السجاد وقراءة مواقفه قبل الحكم له أو عليه عليه السلام . ومن هذه القراءة يمكن أن تُفهم منطلقات الاِمام وأهدافه في سكوته أو كلامه ، وفي عزلته أو تصديه وفي صمته أو ثورته ، لاسيّما وهو القائل في ردّه على من يقول( إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ) .. « لكلِّ واحد منهما آفات ، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت » وأضاف : « لاَنّ الله عزَّ وجلّ ، ما بعث الاَنبياء ، والاَوصياء بالسكوت ، وإنما بعثهم بالكلام ، ولا استُحقت الجنة بالسكوت.. ولا استُوجبت ولاية الله بالسكوت ، ولا توقيت النار بالسكوت ! » .
وأكثر من ذلك : « إنّك تصف فضل السكوت بالكلام ، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت.. » (28) وتلك هي الحكمة البالغة والبيان البليغ..
فسلام على الاِمام السجاد ساكتاً ومتكلماً ، وسلام عليه معتزلاً ومتصدياً ، وسلام عليه داعياً لاَهل الثغور ومندداً بظلمهم وجورهم وتعسفهم ، وسلام عليه مصفحاً متغافلاً عن عبد من عبيدالله سبَّه وشتمه ، ومعنّفاً مقرّعاً لواعظ من وعّاظ السلاطين جعل من نفسه جسراً لبلايا سلاطينه ، وسلّماً لضلالهم وغواياتهم ...
____________
(1) ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ) سورة التوبة : 9 | 20. ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) سورة التوبة : 9 | 88. ( انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) سورة التوبة : 9 | 41. ( إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ) سورة الاَنفال : 7 | 72.
(2) راجع فرحة الغري| ابن طاووس : 43. والاِمام زين العابدين| المقرم : 42.
(3) راجع : دلائل البيهقي 6 : 475. والارشاد| المفيد : 292. ويقول اليعقوبي في تاريخه : إنّ هذا المجرم ( أباح حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ولدت الاَبكار لا يُعرف من أولدهنّ ) تاريخ اليعقوبي 2 : 250.
(4) أيام العرب في الاِسلام : 424 هامش رقم (1).
(5) راجع : الاحتجاج| الطبرسي : 306. واللهوف| ابن طاووس : 6 ، 67.
(6) المختار الثقفي| أحمد الدجيلي : 59. وراجع : مناقب آل أبي طالب 4 : 157.
(7) رجال الكشي : 125 ـ 127. وشرح الاَخبار 3 : 270. وتاريخ اليعقوبي 2 : 259.
(8) جاء في تاريخ اليعقوبي 2 : 259 ما نصّه : ( وروى بعضهم أن علي بن الحسين لم يُرَ ضاحكاً يوماً قط منذ قُتل أبوه إلاّ في ذلك اليوم ، وأنّه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام ، فلما أتى برأس عبيدالله بن زياد أمر بتلك الفاكهة ، ففرّقت في أهل المدينة ، وامتشطت نساء رسول الله واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي ... ) ويضيف المصدر نفسه في نفس الصفحة : ( أنّ المختار تتبع قتلة الحسين ، فقتل منهم خلقاً عظيماً ، حتى لم يبقَ منهم أحد ، وقُتل عمر بن سعد وغيره ، وحُرّق بالنار ، وعذّب بأصناف العذاب .. ).
(9) مناقب آل أبي طالب 4 : 157. ومروج الذهب 3 : 83. ورجال الكشي : 126 رقم 200.
(10) بحار الاَنوار 46 : 120. وإثبات الهداة | الحر العاملي 3 : 15.
11) اُنظر المناقب | ابن شهرآشوب 4 : 302. وبحار الاَنوار 46 : 95. والآية من سورة الحج22 | 38.
(12) بحار الاَنوار 46 : 28 .
(13) تحف العقول : 332.
(14) راجع : بلاغة علي بن الحسين عن الاثني عشرية | العاملي : 224.
(15) تاريخ دمشق ( الحديث 128 ) ومختصره لابن منظور 17 : 24.
(16) لاحظ وفيات الاَعيان| ابن خلّكان 3 : 371.
(17) الاعتصام 2 : 257. ونزهة الناظر : 43.
(18) شرح نهج البلاغة 4 : 102.
(19) الاقبال | السيد بن طاووس : 45. والصحيفة الخامسة السجادية : 405.
(20) د. سميرة الليثي | جهاد الشيعة : 29.
(21) إحياء علوم الدين | الغزالي 2 : 143. والمحجة البيضاء في إحياء الاَحياء 3 : 260.
(22) تحف العقول : 274. والمحجة البيضاء 3 : 260.
(23) سورة آل عمران : 3 | 187.
(24) سورة آل عمران : 3 | 168.
(25) سورة مريم : 19| 59.
(26) وردت الرسالة في تحف العقول : 274 ـ 277. ورواها الحائري في بلاغة علي بن الحسين عليه السلام : 122 ـ 126. ورواها المقرّم في الاِمام زين العابدين : 154 ـ 159. ورواها الغزالي في إحياء علوم الدين 2 : 143.
(27) جاء في كتاب « الكشكول » المعروف لبهاء الدين العاملي ما نصه : ( إذا رأيت العالم يلازم السلطان فاعلم أنه لص. وإياك أن تُخدع بما يقال إنّه يردّ مظلمة أو يدافع عن مظلوم ، فان هذه خدعة ابليس اتخذها فخّاً والعلماء سلّما ً) راجع كتاب الفقيه والسلطان | د. وجيه كوثراني : 155 .
(28) الإحتجاج | الطبرسي : 315
____________
أقول:
إخواني الأعزاء
لقد بينا لكم بما لا يدع مجالآ للشك أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) هو الإمام الحق بعد أبيه الحسين ( عليه السلام ) وهذا لا ينكره إلا الجاحد المعاند حيث يقول تعالى : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً )
وعليه فلا مجال للإنكار بأن علي بن الحسين هو الإمام المفترض الطاعة بعد الحسين عليه السلام ومن لديه اعتراض فليتفضل ببيان أدلته على نفي الإمامة عن علي بن الحسين عليه السلام .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الأخوة الأعزاء في هذا المنتدى المبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الكاظم في موضوعه ( الاصطفاء – من كتاب الله ) :
وقال الكاظم في نفس الموضوع :
وقال الكاظم في مكان آخر من نفس الموضوع :
بالنسبة للظالم لنفسه فهي ملغية في زمان علي بن الحسين (ع) لأن من معه من أهل البيت من الرجال أطفال فقط وهم لم يبلغوا سن التكليف .
بالنسبة للمقتصد : لا تنطبق عليه كما بينا فهو لم يجلس في بيته للعبادة فقط بل كانت لديه رساله في المجتمع أداها على أحسن وجه .
بالنسبة للسابق بالخيرات : فهو سيد السبق فاق أهل زمانه في كل شيء في العبادة وفعل الخيرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فإن قلتم أن السبق لا ينطبق عليه فنقول أن كتاب الله صالح في كل زمان ومكان وأن آية الإصطفاء صحيحة في كل زمان ومكان
فإذا نفيتم الإمامة عن علي بن الحسين (ع) فقد خالفتكم كتاب الله قرابة ستين عاماً وهي الفترة من استشهاد الإمام الحسين (ع) وحتى ظهور زيد وإمامته ( حسب اعتقادكم ) وبالتالي خلال هذه الفترة لم يكن هناك إمامة وهذا غير صحيح .
وعليه فكيف كنتم تتعبدون خلال هذه الفترة وعلى من تعتمدون في أخذ تعاليم دينكم ؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!!
وعليه تبطل حجتكم ويكون علي بن الحسين ( عليه السلام ) هو الإمام المفترض الطاعة بعد أبيه الحسين (ع) وهو حجة الله على العباد وليس زيد بن على ( رضي الله عنه ) كما تزعمون .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الكاظم في موضوعه ( الاصطفاء – من كتاب الله ) :
أقول : بعد الذي بيناه عن الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) ألا ينطبق عليه وصف السابق بالخيرات الذي ذكرتموه ؟؟؟؟؟!!!!!!!! بلا والله هو أشد إنطباقاً على علي بن الحسين ( عليه السلام ) فهو الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهو الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر .قال فقيه أهل البيت وعالهم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (ع) (ت247هـ) :
(( ... وقال سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}، وهذه الآية لأهلِ بيت رسول الله (ص) خّاصة [ أبناء الحسن والحسين ]، فالظالم لنفسه: الذي يقترف من الذنوب ما يقترف الناس، والمقتصد: الرجل الصالح الذي يعبد الله في منزله، والسابق بالخيرات: الشاهر سيفه، الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ... )) اهـ ، من جامع آل محمد ، ج6، للشريف الحافظ محمد بن علي البطحاني الكوفي ( من ذريّة الحسن بن زيد بن الحسن ).
وقال الكاظم في نفس الموضوع :
أقول : وما ذكر هنا لا يخرج عن علي بن الحسين عليه السلام فهو الإمام الحق بعد أبيه الحسين ( عليه السلام )قال إمام أهل البيت الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط (ع) (ت298هـ) :
((وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾[فاطر: 32]، فأخبـر بما ذَكَرنَا مِن اصطفَائهم [ أهل البيت ] عَلى الخلق، ثم ميَّزهم فذكر منهم الظالم لنفسه باتباعه لهوى قلبه، وميله إلى لذته؛ وذكر منهم المقتصد في علمه، المؤدي إلى الله لفرضه، المقيم لشرائع دينه، المتبع لرضاء ربه، المؤثر لطاعته؛ ثم ذكر السابق منهم بالخيرات، المقيمين لدعائم البركات، وهم الأئمة الظاهرون، المجاهدون السابقون، القائمون بحق الله، المنابذون لأعداء الله، المنفذون لأحكام الله، الراضون لرضاه، الساخطون لسخطه ، ... إلخ )) ، اهـ من كتاب القياس للإمام الهادي إلى الحق (ع) .
وقال الكاظم في مكان آخر من نفس الموضوع :
أقول : في زمان علي بن الحسين (ع) لم يكن هناك غيره لأن كل رجال أهل البيت قتلوا في كربلاء وكان معه فقط الأطفال والنساء وأنتم لاتقولون بإمامة الأطفال فعليه يكون علي بن الحسين هو كل أهل البيت وعمدتهم وبالتالي لا يكون هناك شك في أن آيه الإصطفاء تنطبق عليه انطباقاً تاماً حسب التوضيح التالي :النقطة الثانية : أنّ الإمام علي في زمانه كان كلّ أهل البيت ، ثمّ الحسن والحسين في زمانهما كانا كلّ أهل البيت ، ( إضافةً إلى رسول الله (ص) وفاطمة البتول الزهراء صلوات الله عليه وعليها ) ، ثمّ أعقبَ الحسن والحسين ، فكانت ذريّتهم إلى يوم الدّين هُم أهل البيت .
بالنسبة للظالم لنفسه فهي ملغية في زمان علي بن الحسين (ع) لأن من معه من أهل البيت من الرجال أطفال فقط وهم لم يبلغوا سن التكليف .
بالنسبة للمقتصد : لا تنطبق عليه كما بينا فهو لم يجلس في بيته للعبادة فقط بل كانت لديه رساله في المجتمع أداها على أحسن وجه .
بالنسبة للسابق بالخيرات : فهو سيد السبق فاق أهل زمانه في كل شيء في العبادة وفعل الخيرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فإن قلتم أن السبق لا ينطبق عليه فنقول أن كتاب الله صالح في كل زمان ومكان وأن آية الإصطفاء صحيحة في كل زمان ومكان
فإذا نفيتم الإمامة عن علي بن الحسين (ع) فقد خالفتكم كتاب الله قرابة ستين عاماً وهي الفترة من استشهاد الإمام الحسين (ع) وحتى ظهور زيد وإمامته ( حسب اعتقادكم ) وبالتالي خلال هذه الفترة لم يكن هناك إمامة وهذا غير صحيح .
وعليه فكيف كنتم تتعبدون خلال هذه الفترة وعلى من تعتمدون في أخذ تعاليم دينكم ؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!!
وعليه تبطل حجتكم ويكون علي بن الحسين ( عليه السلام ) هو الإمام المفترض الطاعة بعد أبيه الحسين (ع) وهو حجة الله على العباد وليس زيد بن على ( رضي الله عنه ) كما تزعمون .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2745
- اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
- اتصال:
أقول : في زمان علي بن الحسين (ع) لم يكن هناك غيره لأن كل رجال أهل البيت قتلوا في كربلاء وكان معه فقط الأطفال والنساء وأنتم لاتقولون بإمامة الأطفال فعليه يكون علي بن الحسين هو كل أهل البيت وعمدتهم وبالتالي لا يكون هناك شك في أن آيه الإصطفاء تنطبق عليه انطباقاً تاماً حسب التوضيح التالي :
عفوا اخي جعفري انت متأكد من هذه المعلومة أعني قولكم "لم يكن هناك غيره لأن كل رجال أهل البيت قتلوا في كربلاء وكان معه فقط الأطفال والنساء "
..؟؟
اخي العزيز جعفري ارجوك بل واتمنى عليك أن تراجع التاريخ والوقائع والاحداث والاعلام جيدا
أخي العزيز قبل أن تخوض في بحث مثل هذا عليك أن تدرسه بشكل مفصل ومن كل جوانبه خصوصا وانت الآن في مركز خطير وموقع عظيم ومقام مرموق ينظر اليه الكثير أعني مقام هدم المذاهب على رؤس اصحابها ..!

تحياتي والى لقاء فقد وجب علينا المشاركة هنا ولولا وجع في العين لما تركناك هنا تسرح وتذهب وتتقول وتستشهد بكتاب الله بدون علم ودراية ولا فهم لمدلول الرواية فمرحبا بك وبمن يقف خلفك من اخوانك الامامية الاثنى عشرية ... والى الامام وبنتظارك جوابك على سؤالي السابق :
انت متأكد من هذه المعلومة أعني قولكم "لم يكن هناك غيره لأن كل رجال أهل البيت قتلوا في كربلاء وكان معه فقط الأطفال والنساء "..؟؟

يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون

الأخ / محمد الغيل المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سنذكر لك ما يؤيد ما قلناه من مصادر أهل السنة وليس من مصادرنا حتى يكون الحق أوضح فالحق ما شهدت به الأعداء فنقول بعد التوكل على الله عز وجل :
نحن الآن نريد الإجابة على ثلاث أسئلة تحسم الخلاف :
السؤال الأول : من الذي خرج مع الحسين (ع) من ذرية الحسن والحسين ؟ وهل تبقى منهم أحد في المدينة لم يخرج ؟
السؤال الثاني : من الذي قتل مع الحسين (ع) في معركة كربلاء من ذرية الحسن والحسين ؟
السؤال الثالث : من الذي رجع إلى المدينة من ذرية الحسن والحسين بعد انتهاء المعركة ؟
أولاً: من الذي خرج مع الحسين (ع) ومن بقي من ذرية الحسن والحسين في المدينة :
1- قال الطبري في تاريخه ج5ص230 :
( ... فأذن الناس بالرحيل إلى الكوفة ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين مريض . )
2- في كتاب تاريخ ابن خلدون :
ذكر ابن خلدون في بيعة يزيد : ( ... ثم أرسل إلى الحسين يدعوه فقال: وسار في الليلة الثانية ببنيه وإخوته وبني أخيه إلا محمد بن الحنفية وكان قد نصحه وقال تنح عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت وابعث دعاتك إلى الناس فإن أجابوك فاحمد الله وإن اجتمعوا على غيرك فلم يضر بذلك دينك ولا عقلك ولم تذهب به مروءتك ولا فضلك. وأنا أخاف أن تأتي مصراً أو قوماً فيختلفون عليك فتكون الأول إساءة فإذاً خير الأمة نفساً وأباً أضيعها ذماراً وأذلها. قال له الحسين: فإني ذاهب. قال انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك وإن فاتت بك لحقت بالرمال وشعب الجبال ومن بلد إلى آخر حتى ننظر مصير أمر الناس وتعرف الرأي. فقال يا أخي نصحت وأشفقت ولحق بمكة. )
أقول : أي أن الحسين ( عليه السلام ) أخرج معه أولاده وإخوته وأولاد أخيه الحسن ولم يخرج معه أخوه محمد بن الحنفية . أي أن جميع أبناء الحسن والحسين كانوا معه في معركة كربلاء .
3- وذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ج8 :
(قال: وبعث الحسين إلى المدينة يقدم عليه من خفّ من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوته وبناته ونسائه، وتبعهم محمد بن الحنفية، فأدرك حسيناً بمكة، فأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا. فأبى الحسين أن يقبل، فحبس محمد بن الحنفية ولده فلم يبعث أحداً منهم حتى وجد الحسين في نفسه على محمد، وقال: ترغب بولدك عن موضع أُصاب فيه؟
4- وذكر ابن كثيراً في كتابه الحوار الذي جرى بين الحسين ومن معه ليلة عاشوراء فقال :
وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله، وخطب أصحابه في أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة، وقال لأصحابه: من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فإن القوم إنما يريدونني.
فقال مالك بن النضر: عليّ دين ولي عيال.
فقال: هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه حجلاً، ليأخذ كل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم اذهبوا في بسيط الأرض في سواد هذا الليل إلى بلادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يريدونني، فلو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري، فاذهبوا حتى يفرج الله عزّ وجل.
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه: لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره.
فقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم، اذهبوا فقد أذنت لكم.
قالوا: فما تقول الناس إنا تركنا شيخنا، وسيدنا، وبني عمومتنا خير الأعمام، لم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، رغبة في الحياة الدنيا، لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
أقول : وهذا يدل دلالة أكيدة على خروج جميع أبناءالحسن و الحسين من الرجال بالإضافة إلى من أخرج معه من الصبيان والنساء . أي أنه لم يبق في المدينة من ذرية الحسن والحسين أحد فكلهم خرجوا مع الحسين ( ع) .
وقول إخوة الحسين وأبناؤه وبني أخيه : لا بقاء لنا بعدك ولا أرانا الله فيك مكروه
يدل دلالة أكيدة على النخوة الهاشمية والاستبسال في الدفاع عن سيد شباب أهل الجنة وأنه لم يتخلف من بني الحسن والحسين أحد عن نصرة أبي عبدالله الحسين .
إذن كل ذرية الحسن والحسين كانوا معه في كربلاء . وهذه إجابة السؤال الأول .
ثانياً : من الذي قتل مع الحسين (ع) :
1- ورد في تاريخ الطبري ( ج5ص 236 ) ذكر من قتل في كربلاء من أهل بيت الحسين (ع) وأصحابه والذي يهمنا هنا هو من كان في معركة كربلاء من ذرية الحسن والحسين ومن قتل منهم ومن لم يقتل فقال :
وقتل علي بن الحسين بن علي .... وأمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود بن معتب الثقفي .
وقتل عبدالله بن الحسين بن علي ... وأمه الرباب ابنة امرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب .
واستصغر علي بن الحسين بن علي فلم يقتل .
وقتل أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب .... وأمه أم ولد
وقتل عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب .... وأمه أم ولد
وقتل القاسم بن الحسن بن علي ... وأمه أم ولد
واستصغر الحسن بن الحسن بن على ... وأمه خولة ابنة منظور بن زيان بن سيار الفزاري.
واستصغر عمرو بن الحسن بن علي فترك فلم يقتل ... وأمه أم ولد
2- وقال في صفحة 235 من نفس الجزء :
( عن القاسم بن بخيت قال : لما أقبل وفد أهل الكوفة برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق فقال لهم مروان بن الحكم : كيف صنعتم ؟ قالوا : ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلاً فأتينا والله على آخرهم وهذه الرؤوس والسبايا ... )
أقول : وقد أحصينا من قتل من الرجال من بني هاشم واللذين ذكرهم الطبري فكانوا ثمانية عشر رجلاً وهم :
1-الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
2-العباس بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
3-جعفر بن علي بن أبي طالب
4-عبدالله بن علي بن أبي طالب
5-عثمان بن علي بن أبي طالب
6-محمد بن علي بن أبي طالب
7-أبو بكر بن علي بن أبي طالب
8-علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
9-أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب
10-عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب
11-القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب
12-عون بن جعفر بن أبي طالب .
13-محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب
14-جعفر بن عقيل بن أبي طالب
15-عبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب
16-عبدالله بن عقيل بن أبي طالب
17-عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب .
18-محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب
ثم الطفل الرضيع عبد اللله بن الحسين
إذن حصيلة القتلى من بني هاشم هم ثمانية عشر رجلاً وطفل رضيع .
3- ذكر ابن الأثير في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة في ذكر الحسين بن علي (ع):
( ... فلما أتى العراق كان يزيد قد استعمل عبيد الله بن زياد على الكوفة، فجهز الجيوش إليه، واستعمل عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، ووعده إمارة الري. فسار أميراً على الجيش وقاتلوا حسيناً بعد أن طلبوا منه أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد، فامتنع، وقاتل حتى قتل هو وتسعة عشر من أهل بيته،... )
4- في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة لإبن حجر العسقلاني :
ذكر الكاتب في سيرة الحسين بن علي (ع) حين سار بأهله وبلغه مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل : ( ... ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال فلقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرًا وأخبره الخبر فهم أن يرجع وكان معه إخوة مسلم فقالوا والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل فساروا وكان عبيد الله قد جهز الجيش لملاقاته فوافوه بكربلاء فنزلها ومعه خمسة وأربعون نفسا من الفرسان ونحو مائة راجل فلقيه الحسين وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص وكان عبيد الله ولاه الري وكتب له بعهده عليها إذا رجع من حرب الحسين فلما التقيا قال له الحسين اختر مني إحدى ثلاث إما أن ألحق بثغر من الثغور وإما أن أرجع إلى المدينة وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فقبل ذلك عمر منه وكتب به إلى عبيد الله فكتب إليه لا أقبل منه حتى يضع يده في يدي فامتنع الحسين فقاتلوه فقتل معه أصحابه وفيهم سبعة عشر شابًا من أهل بيته ثم كان آخر ذلك أن قتل وأتي برأسه إلى عبيد الله فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى يزيد ومنهم علي بن الحسين وكان مريضا ومنهم عمته زينب فلما قدموا على يزيد أدخلهم على عياله ثم جهزهم إلى المدينة
5- وذكر ابن كثير في كتابه ج8ص205-206
وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال: قتل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من أولاد فاطمة.
وعن الحسن البصري أنه قال: قتل مع الحسين ستة عشر رجلاً كلهم من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذٍ لهم شبه.
وقال غيره: قتل معه من ولده إخوته، وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلاً.
فمن أولاد علي رضي الله عنه: جعفر، والحسين، والعباس، ومحمد، وعثمان، وأبو بكر.
ومن أولاد الحسين: علي الأكبر، وعبد الله.
ومن أولاد أخيه الحسن ثلاثة: عبد الله، والقاسم، وأبو بكر بنو الحسن بن علي بن أبي طالب.
ومن أولاد عبد الله بن جعفر اثنان: عون، ومحمد.
ومن أولاد عقيل: جعفر، وعبد الله، وعبد الرحمن، ومسلم قتل قبل ذلك كما قدمنا.
فهؤلاء أربعة لصلبه، واثنان آخران هما: عبد الله بن مسلم بن عقيل، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل، فكملوا ستة من ولد عقيل، وفيهم يقول الشاعر:
واندبي تسعة لصلب علي * قد أصيبوا وستة لعقيل
وسمى النبي غودر فيهم * قد علوه بصارم مصقول
وممن قتل مع الحسين بكربلاء، أخوه من الرضاعة عبد الله بن بقطر، وقد قيل: إنه قتل قبل ذلك حيث بعث معه كتاباً إلى أهل الكوفة، فحمل إلى ابن زياد فقتله، ...
وذكر في نفس الكتاب ج8ص208 :
قال هشام: فحدثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، عن أبيه، عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير.
قال: والله إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس فدخل على يزيد، فقال له يزيد: ويحك ما وراءك؟
فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك ونصره، ورد علينا الحسين بن علي بن أبي طالب وثمانية عشر من أهل بيته، وستون رجلاً من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال.
6- والدليل على أنه لم يبق من الرجال من ذرية الحسن والحسين أي أحد ما عدا علي بن الحسين (ع) وكان مريضاً أن بني أمية كانوا يقتلون كل من بلغ الرشد من بني هاشم ممن كانوا في كربلاء فلم يبقوا على أحد إلا الأطفال والنساء :
- قال الطبري في ج5ص229 :
( عن حميد بن مسلم : انتهيت إلى علي بن الحسين الأصغر وهو منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجالة معه يقولون : ألا تقتل هذا ؟ فقلت سبحان الله أتقتل الصبيان إنما هذا صبي ... )
- وقال في نفس الجزء ص231 :
( عن المجالد بن سعيد : إن عبيدالله بن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين ، قال لشرطي : انظر هل أدرك هذا ما يدرك الرجال ؟ فكشط إزاره عنه فقال : نعم ، قال : انطلقوا به فاضربوا عنقه ، فقال له علي : إن كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلاً يححافظ عليهن ، فقال له ابن زياد : تعال أنت فبعثه معهن .)
أقول : قول علي بن الحسين (ع) لعبيدالله بن زياد حين أراد قتله ( إن كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلاً يحافظ عليهن ) هو دليل واضح على عدم وجود رجال مع النسوة غير علي بن الحسين مما يؤكد مقتل جميع من كانوا مع الحسين (ع) في كربلاء .
- وفي نفس الصفحة قال :
( عن حميد بن مسلم قال : إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين فقال له : ما اسمك ؟ قال : أنا علي بن الحسين ، قال : أو لم يقتل الله علي بن الحسين فسكت فقال له ابن زياد : ما لك لا تتكلم ؟ قال : كان لي أخ يقال له أيضاً علي فقتله الناس ، قال : إن الله قد قتله ، فال : فسكت علي فقال له : مالك لا تتكلم ؟ قال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ) قال : أنت والله منهم ويحك انظروا هل أدرك ؟ والله إني لأحسبه رجلاً ، قال : فكشف عنه مري بن معاذ الأحمري فقال : نعم أدرك ، فقال اقتله ، فقال علي بن الحسين : من توكل بهؤلاء النسوة ، وتعلقت به زينب عمته فقالت : يا ابن زياد حسبك منا أما رويت من دمائنا وهل أبقيت منا أحداً ، قال فاعتنقته فقالت : أسألك بالله إن كنت مؤمناً إن قتلته لما قتلتني معه ، قال : وناداه علي فقال : يا ابن زياد إن كانت بينك وبينهم قرابة فابعث معهن رجلاً تقياً يصحبهن بصحبة الإسلام ، قال : فنظر إليها ساعة ثم نظر إلى القوم فقال : عجباً للرحم والله إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه دعوا الغلام ، انطلق مع نسائك . )
- وقال أيضاً في نفس الصفحة : ( فلما دخل برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيدالله بن زياد ... )
أقول : يتبين لنا من ذلك أنه لم يبق أحد من ذرية الحسن والحسين (عليهما السلام ) إلا علي بن الحسين (ع) والصبيان والنساء .
ثالثاُ : من الذي رجع إلى المدينة من ذرية الحسن والحسين ؟
يقول الطبري في تاريخه في ج5ص236 :
( ... قال عبد الملك : فقدمت المدينة فلقيني رجل من قريش ، فقال : ما الخبر ؟ فقلت : الخبر عند الأمير ، قال إنا لله وإنا إليه راجعون قتل الحسين بن علي ، قال : فدخلت على عمرو بن سعيد فقال : ما وراءك ؟ فقلت : ما سر الأمير قتل الحسين بن علي ، فقال : ناد بقتله ، فناديت بقتله فلم أسمع واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين ....)
وقال في موضع آخر من نفس الصفحة : ( ... لما بلغ عبدالله بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه ، فقال : ولا أظن مولاه ذلك إلا أبا اللسلاس ، فقال : هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين ، قال : فحذفه عبدالله بن جعفر بنعله ثم قال : يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه والله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما ويهون علي المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسين له صابرين معه ، ثم أقبل على جلسائه فقال : الحمدلله عز علي بمصرع الحسين أن لا يكن آست حسيناً يدي فقد آساه ولدي قال : ولما أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها وهي حاسرة تلوي بثوبها وتقول :
ماذا تقولون إن قال النبي لكم *** ماذا فــعلتم وأنتـــم آخـــر الأمـــم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقـدي *** منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدمي
أقول : يتضح مما ورد أن عترة النبي وهم ذريته من الحسن والحسين الرجال منهم قتلوا والنساء والأطفال سبايا مما يدل على أنه لم يكون هناك من بلغ الرشد من الأحياء من ذرية الحسن والحسين سوى علي بن الحسين ( عليه السلام ) الذي كان عليلاً .
إذن فكما قلنا لكم سابقاً لم يكن في المدينة بعد انتهاء المعركة من ذرية الحسن والحسين (عليهما السلام ) إلا علي بن الحسين (ع) والصبيان والنساء .
وبهذا يتأكد ما ذكرناه لكم سابقاً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سنذكر لك ما يؤيد ما قلناه من مصادر أهل السنة وليس من مصادرنا حتى يكون الحق أوضح فالحق ما شهدت به الأعداء فنقول بعد التوكل على الله عز وجل :
نحن الآن نريد الإجابة على ثلاث أسئلة تحسم الخلاف :
السؤال الأول : من الذي خرج مع الحسين (ع) من ذرية الحسن والحسين ؟ وهل تبقى منهم أحد في المدينة لم يخرج ؟
السؤال الثاني : من الذي قتل مع الحسين (ع) في معركة كربلاء من ذرية الحسن والحسين ؟
السؤال الثالث : من الذي رجع إلى المدينة من ذرية الحسن والحسين بعد انتهاء المعركة ؟
أولاً: من الذي خرج مع الحسين (ع) ومن بقي من ذرية الحسن والحسين في المدينة :
1- قال الطبري في تاريخه ج5ص230 :
( ... فأذن الناس بالرحيل إلى الكوفة ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين مريض . )
2- في كتاب تاريخ ابن خلدون :
ذكر ابن خلدون في بيعة يزيد : ( ... ثم أرسل إلى الحسين يدعوه فقال: وسار في الليلة الثانية ببنيه وإخوته وبني أخيه إلا محمد بن الحنفية وكان قد نصحه وقال تنح عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت وابعث دعاتك إلى الناس فإن أجابوك فاحمد الله وإن اجتمعوا على غيرك فلم يضر بذلك دينك ولا عقلك ولم تذهب به مروءتك ولا فضلك. وأنا أخاف أن تأتي مصراً أو قوماً فيختلفون عليك فتكون الأول إساءة فإذاً خير الأمة نفساً وأباً أضيعها ذماراً وأذلها. قال له الحسين: فإني ذاهب. قال انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك وإن فاتت بك لحقت بالرمال وشعب الجبال ومن بلد إلى آخر حتى ننظر مصير أمر الناس وتعرف الرأي. فقال يا أخي نصحت وأشفقت ولحق بمكة. )
أقول : أي أن الحسين ( عليه السلام ) أخرج معه أولاده وإخوته وأولاد أخيه الحسن ولم يخرج معه أخوه محمد بن الحنفية . أي أن جميع أبناء الحسن والحسين كانوا معه في معركة كربلاء .
3- وذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ج8 :
(قال: وبعث الحسين إلى المدينة يقدم عليه من خفّ من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوته وبناته ونسائه، وتبعهم محمد بن الحنفية، فأدرك حسيناً بمكة، فأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا. فأبى الحسين أن يقبل، فحبس محمد بن الحنفية ولده فلم يبعث أحداً منهم حتى وجد الحسين في نفسه على محمد، وقال: ترغب بولدك عن موضع أُصاب فيه؟
4- وذكر ابن كثيراً في كتابه الحوار الذي جرى بين الحسين ومن معه ليلة عاشوراء فقال :
وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله، وخطب أصحابه في أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة، وقال لأصحابه: من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فإن القوم إنما يريدونني.
فقال مالك بن النضر: عليّ دين ولي عيال.
فقال: هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه حجلاً، ليأخذ كل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم اذهبوا في بسيط الأرض في سواد هذا الليل إلى بلادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يريدونني، فلو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري، فاذهبوا حتى يفرج الله عزّ وجل.
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه: لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره.
فقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم، اذهبوا فقد أذنت لكم.
قالوا: فما تقول الناس إنا تركنا شيخنا، وسيدنا، وبني عمومتنا خير الأعمام، لم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، رغبة في الحياة الدنيا، لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
أقول : وهذا يدل دلالة أكيدة على خروج جميع أبناءالحسن و الحسين من الرجال بالإضافة إلى من أخرج معه من الصبيان والنساء . أي أنه لم يبق في المدينة من ذرية الحسن والحسين أحد فكلهم خرجوا مع الحسين ( ع) .
وقول إخوة الحسين وأبناؤه وبني أخيه : لا بقاء لنا بعدك ولا أرانا الله فيك مكروه
يدل دلالة أكيدة على النخوة الهاشمية والاستبسال في الدفاع عن سيد شباب أهل الجنة وأنه لم يتخلف من بني الحسن والحسين أحد عن نصرة أبي عبدالله الحسين .
إذن كل ذرية الحسن والحسين كانوا معه في كربلاء . وهذه إجابة السؤال الأول .
ثانياً : من الذي قتل مع الحسين (ع) :
1- ورد في تاريخ الطبري ( ج5ص 236 ) ذكر من قتل في كربلاء من أهل بيت الحسين (ع) وأصحابه والذي يهمنا هنا هو من كان في معركة كربلاء من ذرية الحسن والحسين ومن قتل منهم ومن لم يقتل فقال :
وقتل علي بن الحسين بن علي .... وأمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود بن معتب الثقفي .
وقتل عبدالله بن الحسين بن علي ... وأمه الرباب ابنة امرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب .
واستصغر علي بن الحسين بن علي فلم يقتل .
وقتل أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب .... وأمه أم ولد
وقتل عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب .... وأمه أم ولد
وقتل القاسم بن الحسن بن علي ... وأمه أم ولد
واستصغر الحسن بن الحسن بن على ... وأمه خولة ابنة منظور بن زيان بن سيار الفزاري.
واستصغر عمرو بن الحسن بن علي فترك فلم يقتل ... وأمه أم ولد
2- وقال في صفحة 235 من نفس الجزء :
( عن القاسم بن بخيت قال : لما أقبل وفد أهل الكوفة برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق فقال لهم مروان بن الحكم : كيف صنعتم ؟ قالوا : ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلاً فأتينا والله على آخرهم وهذه الرؤوس والسبايا ... )
أقول : وقد أحصينا من قتل من الرجال من بني هاشم واللذين ذكرهم الطبري فكانوا ثمانية عشر رجلاً وهم :
1-الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
2-العباس بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
3-جعفر بن علي بن أبي طالب
4-عبدالله بن علي بن أبي طالب
5-عثمان بن علي بن أبي طالب
6-محمد بن علي بن أبي طالب
7-أبو بكر بن علي بن أبي طالب
8-علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
9-أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب
10-عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب
11-القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب
12-عون بن جعفر بن أبي طالب .
13-محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب
14-جعفر بن عقيل بن أبي طالب
15-عبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب
16-عبدالله بن عقيل بن أبي طالب
17-عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب .
18-محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب
ثم الطفل الرضيع عبد اللله بن الحسين
إذن حصيلة القتلى من بني هاشم هم ثمانية عشر رجلاً وطفل رضيع .
3- ذكر ابن الأثير في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة في ذكر الحسين بن علي (ع):
( ... فلما أتى العراق كان يزيد قد استعمل عبيد الله بن زياد على الكوفة، فجهز الجيوش إليه، واستعمل عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، ووعده إمارة الري. فسار أميراً على الجيش وقاتلوا حسيناً بعد أن طلبوا منه أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد، فامتنع، وقاتل حتى قتل هو وتسعة عشر من أهل بيته،... )
4- في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة لإبن حجر العسقلاني :
ذكر الكاتب في سيرة الحسين بن علي (ع) حين سار بأهله وبلغه مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل : ( ... ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال فلقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرًا وأخبره الخبر فهم أن يرجع وكان معه إخوة مسلم فقالوا والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل فساروا وكان عبيد الله قد جهز الجيش لملاقاته فوافوه بكربلاء فنزلها ومعه خمسة وأربعون نفسا من الفرسان ونحو مائة راجل فلقيه الحسين وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص وكان عبيد الله ولاه الري وكتب له بعهده عليها إذا رجع من حرب الحسين فلما التقيا قال له الحسين اختر مني إحدى ثلاث إما أن ألحق بثغر من الثغور وإما أن أرجع إلى المدينة وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فقبل ذلك عمر منه وكتب به إلى عبيد الله فكتب إليه لا أقبل منه حتى يضع يده في يدي فامتنع الحسين فقاتلوه فقتل معه أصحابه وفيهم سبعة عشر شابًا من أهل بيته ثم كان آخر ذلك أن قتل وأتي برأسه إلى عبيد الله فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى يزيد ومنهم علي بن الحسين وكان مريضا ومنهم عمته زينب فلما قدموا على يزيد أدخلهم على عياله ثم جهزهم إلى المدينة
5- وذكر ابن كثير في كتابه ج8ص205-206
وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال: قتل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من أولاد فاطمة.
وعن الحسن البصري أنه قال: قتل مع الحسين ستة عشر رجلاً كلهم من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذٍ لهم شبه.
وقال غيره: قتل معه من ولده إخوته، وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلاً.
فمن أولاد علي رضي الله عنه: جعفر، والحسين، والعباس، ومحمد، وعثمان، وأبو بكر.
ومن أولاد الحسين: علي الأكبر، وعبد الله.
ومن أولاد أخيه الحسن ثلاثة: عبد الله، والقاسم، وأبو بكر بنو الحسن بن علي بن أبي طالب.
ومن أولاد عبد الله بن جعفر اثنان: عون، ومحمد.
ومن أولاد عقيل: جعفر، وعبد الله، وعبد الرحمن، ومسلم قتل قبل ذلك كما قدمنا.
فهؤلاء أربعة لصلبه، واثنان آخران هما: عبد الله بن مسلم بن عقيل، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل، فكملوا ستة من ولد عقيل، وفيهم يقول الشاعر:
واندبي تسعة لصلب علي * قد أصيبوا وستة لعقيل
وسمى النبي غودر فيهم * قد علوه بصارم مصقول
وممن قتل مع الحسين بكربلاء، أخوه من الرضاعة عبد الله بن بقطر، وقد قيل: إنه قتل قبل ذلك حيث بعث معه كتاباً إلى أهل الكوفة، فحمل إلى ابن زياد فقتله، ...
وذكر في نفس الكتاب ج8ص208 :
قال هشام: فحدثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، عن أبيه، عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير.
قال: والله إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس فدخل على يزيد، فقال له يزيد: ويحك ما وراءك؟
فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك ونصره، ورد علينا الحسين بن علي بن أبي طالب وثمانية عشر من أهل بيته، وستون رجلاً من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال.
6- والدليل على أنه لم يبق من الرجال من ذرية الحسن والحسين أي أحد ما عدا علي بن الحسين (ع) وكان مريضاً أن بني أمية كانوا يقتلون كل من بلغ الرشد من بني هاشم ممن كانوا في كربلاء فلم يبقوا على أحد إلا الأطفال والنساء :
- قال الطبري في ج5ص229 :
( عن حميد بن مسلم : انتهيت إلى علي بن الحسين الأصغر وهو منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجالة معه يقولون : ألا تقتل هذا ؟ فقلت سبحان الله أتقتل الصبيان إنما هذا صبي ... )
- وقال في نفس الجزء ص231 :
( عن المجالد بن سعيد : إن عبيدالله بن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين ، قال لشرطي : انظر هل أدرك هذا ما يدرك الرجال ؟ فكشط إزاره عنه فقال : نعم ، قال : انطلقوا به فاضربوا عنقه ، فقال له علي : إن كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلاً يححافظ عليهن ، فقال له ابن زياد : تعال أنت فبعثه معهن .)
أقول : قول علي بن الحسين (ع) لعبيدالله بن زياد حين أراد قتله ( إن كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلاً يحافظ عليهن ) هو دليل واضح على عدم وجود رجال مع النسوة غير علي بن الحسين مما يؤكد مقتل جميع من كانوا مع الحسين (ع) في كربلاء .
- وفي نفس الصفحة قال :
( عن حميد بن مسلم قال : إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين فقال له : ما اسمك ؟ قال : أنا علي بن الحسين ، قال : أو لم يقتل الله علي بن الحسين فسكت فقال له ابن زياد : ما لك لا تتكلم ؟ قال : كان لي أخ يقال له أيضاً علي فقتله الناس ، قال : إن الله قد قتله ، فال : فسكت علي فقال له : مالك لا تتكلم ؟ قال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ) قال : أنت والله منهم ويحك انظروا هل أدرك ؟ والله إني لأحسبه رجلاً ، قال : فكشف عنه مري بن معاذ الأحمري فقال : نعم أدرك ، فقال اقتله ، فقال علي بن الحسين : من توكل بهؤلاء النسوة ، وتعلقت به زينب عمته فقالت : يا ابن زياد حسبك منا أما رويت من دمائنا وهل أبقيت منا أحداً ، قال فاعتنقته فقالت : أسألك بالله إن كنت مؤمناً إن قتلته لما قتلتني معه ، قال : وناداه علي فقال : يا ابن زياد إن كانت بينك وبينهم قرابة فابعث معهن رجلاً تقياً يصحبهن بصحبة الإسلام ، قال : فنظر إليها ساعة ثم نظر إلى القوم فقال : عجباً للرحم والله إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه دعوا الغلام ، انطلق مع نسائك . )
- وقال أيضاً في نفس الصفحة : ( فلما دخل برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيدالله بن زياد ... )
أقول : يتبين لنا من ذلك أنه لم يبق أحد من ذرية الحسن والحسين (عليهما السلام ) إلا علي بن الحسين (ع) والصبيان والنساء .
ثالثاُ : من الذي رجع إلى المدينة من ذرية الحسن والحسين ؟
يقول الطبري في تاريخه في ج5ص236 :
( ... قال عبد الملك : فقدمت المدينة فلقيني رجل من قريش ، فقال : ما الخبر ؟ فقلت : الخبر عند الأمير ، قال إنا لله وإنا إليه راجعون قتل الحسين بن علي ، قال : فدخلت على عمرو بن سعيد فقال : ما وراءك ؟ فقلت : ما سر الأمير قتل الحسين بن علي ، فقال : ناد بقتله ، فناديت بقتله فلم أسمع واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين ....)
وقال في موضع آخر من نفس الصفحة : ( ... لما بلغ عبدالله بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه ، فقال : ولا أظن مولاه ذلك إلا أبا اللسلاس ، فقال : هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين ، قال : فحذفه عبدالله بن جعفر بنعله ثم قال : يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه والله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما ويهون علي المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسين له صابرين معه ، ثم أقبل على جلسائه فقال : الحمدلله عز علي بمصرع الحسين أن لا يكن آست حسيناً يدي فقد آساه ولدي قال : ولما أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها وهي حاسرة تلوي بثوبها وتقول :
ماذا تقولون إن قال النبي لكم *** ماذا فــعلتم وأنتـــم آخـــر الأمـــم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقـدي *** منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدمي
أقول : يتضح مما ورد أن عترة النبي وهم ذريته من الحسن والحسين الرجال منهم قتلوا والنساء والأطفال سبايا مما يدل على أنه لم يكون هناك من بلغ الرشد من الأحياء من ذرية الحسن والحسين سوى علي بن الحسين ( عليه السلام ) الذي كان عليلاً .
إذن فكما قلنا لكم سابقاً لم يكن في المدينة بعد انتهاء المعركة من ذرية الحسن والحسين (عليهما السلام ) إلا علي بن الحسين (ع) والصبيان والنساء .
وبهذا يتأكد ما ذكرناه لكم سابقاً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2745
- اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
- اتصال:
مرحبا بكم اخي جعفري
قلتم :
الامام الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب سلام الله عليه "عروس كربلاء " هو زوج فاطمة بنت الامام الحسين عليهم السلام ..!
حضر مع عمه الامام الحسين ارض كربلاء وعمره ثمانية عشر أو تسعة عشر سنة طلب من عمه الحسين أن يزوجه من احدى بناته فختار له الامام الحسين ابنته فاطمة قبل ان يمضى الامام الى العراق بحوالي الشهر ... !
طعن الامام الحسن بن الحسن أكثر من خمس عشر طعنه في هذه المعركة فقام خاله خارجة الفزاري بأخذه من ارض كربلاء وذهب به الى قومه وعالجه هناك واستمر في علاجه لمده عام الى أن شفاه الله ...!
عاد بعدها الامام الحسن بن الحسن الى المدينة ودخل على زوجته فاطمة هناك وانجب منها ...!
توفى عليه السلام في المدينة مسموما على ايدي الخونة بعد معركة الجماجم وعمره ستة أو سبع وثلاثين عام ..!
قبل البيعة التى رفضها الامام علي بن الحسين زين العابدين والتى عرضت عليه من قبل المختار الثقفي ..!
اخي جعفري
لاتخاطبني من خلال كتب اهل السنة أو بما فيها فليست حجة اساسية عليّ بل هي حجة ثانوية عندنا يمكن من خلالها الانتصار لما قد نذهب اليه اظن ايضا أن كتب السنة ليست حجة اساسية عليك ...!
تفضل حاليا و خاطبني من خلال مروياتنا ومروياتكم ....!
و شكر ا لك على هذا المجهود الذي بذلته في ردك الاخير والذي لا ثمرة منه حاليا مع الاسف ...بل ويظهر لي أن ثقافتكم التاريخية ومجريات أهم الاحداث ضعيفة نسبيا وتحتاج الى معرفة أكبر واوسع ...!
اتمنى عليك أن تقبل مني قرصة الاذن هذه بصدر رحب وواسع
فنحن اخوة هنا أكثر من غيرنا بورك فيك اخي
على العموم لفت انتباهي قولكم :
اخي هنا نقطة هامة لا بد من الوقوف عليها كثيرا والتأمل فيها جيدا وانت من يجب أن يتأمل فيها وبعمق ..!
النص الذي يرويه الاخوة الامامية ويرون أنه خبر متواتر يجب على الامة الاخذ به في مسألة حصر الامامة في اثنى عشر من ولد الحسين ...!
كان غائبا عن هؤلاء القتلة الذين ابقو ا على الامام السجاد زين العابدين بدليل أنهم لم يقومو ا بقتله اذا لو علموا حضور النص حضورا تعم به البلوى علما وكان متواترا كما ترون عند جميع الامة لما ابقو ا على حياة الامام علي بن الحسين فقد فعلوها مع ابيه ومع عمه ومع جده وقد عرفنا من خلال السيرة وكتب التاريخ أنهم كانوا يرغبون في تصفية أهل البيت وشيعتهم ومن وقف معهم .... فهم كما تعرف اشد عدوة لهذه الذرية من غيرهم فقد نقلت لنا مصادر التاريخ كيف تعاملو ا مع هذه الذرية والبقية الباقية منها فهم من اشبعوها قتلا وتشريدا عند ما ملكوا زمام امور هذه الامة
سيدي جعفري
كل ما ارجوه منكم هو التأمل وبعمق في ما طرحته عليكم وارجو منكم عدم البحث عن مبررات الآن ...!
فكر جيدا قبل أن ترد على كلامي هذا ولك فائق الاحترام والتقدير والسلام عليكم ..!
قلتم :
واستصغر الحسن بن الحسن بن على ... وأمه خولة ابنة منظور بن زيان بن سيار الفزاري.
الامام الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب سلام الله عليه "عروس كربلاء " هو زوج فاطمة بنت الامام الحسين عليهم السلام ..!
حضر مع عمه الامام الحسين ارض كربلاء وعمره ثمانية عشر أو تسعة عشر سنة طلب من عمه الحسين أن يزوجه من احدى بناته فختار له الامام الحسين ابنته فاطمة قبل ان يمضى الامام الى العراق بحوالي الشهر ... !
طعن الامام الحسن بن الحسن أكثر من خمس عشر طعنه في هذه المعركة فقام خاله خارجة الفزاري بأخذه من ارض كربلاء وذهب به الى قومه وعالجه هناك واستمر في علاجه لمده عام الى أن شفاه الله ...!
عاد بعدها الامام الحسن بن الحسن الى المدينة ودخل على زوجته فاطمة هناك وانجب منها ...!
توفى عليه السلام في المدينة مسموما على ايدي الخونة بعد معركة الجماجم وعمره ستة أو سبع وثلاثين عام ..!
قبل البيعة التى رفضها الامام علي بن الحسين زين العابدين والتى عرضت عليه من قبل المختار الثقفي ..!
اخي جعفري
لاتخاطبني من خلال كتب اهل السنة أو بما فيها فليست حجة اساسية عليّ بل هي حجة ثانوية عندنا يمكن من خلالها الانتصار لما قد نذهب اليه اظن ايضا أن كتب السنة ليست حجة اساسية عليك ...!
تفضل حاليا و خاطبني من خلال مروياتنا ومروياتكم ....!
و شكر ا لك على هذا المجهود الذي بذلته في ردك الاخير والذي لا ثمرة منه حاليا مع الاسف ...بل ويظهر لي أن ثقافتكم التاريخية ومجريات أهم الاحداث ضعيفة نسبيا وتحتاج الى معرفة أكبر واوسع ...!
اتمنى عليك أن تقبل مني قرصة الاذن هذه بصدر رحب وواسع

على العموم لفت انتباهي قولكم :
والدليل على أنه لم يبق من الرجال من ذرية الحسن والحسين أي أحد ما عدا علي بن الحسين (ع) وكان مريضاً أن بني أمية كانوا يقتلون كل من بلغ الرشد من بني هاشم ممن كانوا في كربلاء فلم يبقوا على أحد إلا الأطفال والنساء :
اخي هنا نقطة هامة لا بد من الوقوف عليها كثيرا والتأمل فيها جيدا وانت من يجب أن يتأمل فيها وبعمق ..!
النص الذي يرويه الاخوة الامامية ويرون أنه خبر متواتر يجب على الامة الاخذ به في مسألة حصر الامامة في اثنى عشر من ولد الحسين ...!
كان غائبا عن هؤلاء القتلة الذين ابقو ا على الامام السجاد زين العابدين بدليل أنهم لم يقومو ا بقتله اذا لو علموا حضور النص حضورا تعم به البلوى علما وكان متواترا كما ترون عند جميع الامة لما ابقو ا على حياة الامام علي بن الحسين فقد فعلوها مع ابيه ومع عمه ومع جده وقد عرفنا من خلال السيرة وكتب التاريخ أنهم كانوا يرغبون في تصفية أهل البيت وشيعتهم ومن وقف معهم .... فهم كما تعرف اشد عدوة لهذه الذرية من غيرهم فقد نقلت لنا مصادر التاريخ كيف تعاملو ا مع هذه الذرية والبقية الباقية منها فهم من اشبعوها قتلا وتشريدا عند ما ملكوا زمام امور هذه الامة
سيدي جعفري
كل ما ارجوه منكم هو التأمل وبعمق في ما طرحته عليكم وارجو منكم عدم البحث عن مبررات الآن ...!
فكر جيدا قبل أن ترد على كلامي هذا ولك فائق الاحترام والتقدير والسلام عليكم ..!

يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون

-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
للفائدة ::
قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفه :-
اللَّهُمَّ إنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوَانٍ بِإمَامٍ أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ، ومَناراً فِي بِلاَدِكَ بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، و[َجَعَلْتَهُ] الذَّرِيعَةَ إلَى رِضْوَانِكَ، وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَالانْتِهَاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَأَلاَّ يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلاَ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللاَّئِذِينَ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكِينَ، وَبَهَاءُ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِيهِ، وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الأَعَزِّ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ، وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الأَغْلَبِ وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
وَأَحْيِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِيْنِكَ، وَاجْلُ بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ، وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّاءَ مِنْ سَبِيلِكَ، وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ؛ وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً، وَأَلِنْ جَانِبَهُ لأَوْلِيَائِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ.
وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَى نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ، وَإلَيْكَ وَإلَى رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ.
؟؟؟؟؟؟
قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفه :-
اللَّهُمَّ إنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوَانٍ بِإمَامٍ أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ، ومَناراً فِي بِلاَدِكَ بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، و[َجَعَلْتَهُ] الذَّرِيعَةَ إلَى رِضْوَانِكَ، وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَالانْتِهَاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَأَلاَّ يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلاَ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللاَّئِذِينَ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكِينَ، وَبَهَاءُ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِيهِ، وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الأَعَزِّ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ، وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الأَغْلَبِ وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
وَأَحْيِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِيْنِكَ، وَاجْلُ بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ، وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّاءَ مِنْ سَبِيلِكَ، وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ؛ وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً، وَأَلِنْ جَانِبَهُ لأَوْلِيَائِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ.
وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَى نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ، وَإلَيْكَ وَإلَى رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ.
؟؟؟؟؟؟


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 103
- اشترك في: السبت فبراير 11, 2006 4:33 pm
الحسن المتوكل كتب:للفائدة ::
قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفه :-
اللَّهُمَّ إنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوَانٍ بِإمَامٍ
أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ، ومَناراً فِي بِلاَدِكَ
بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ،
و[َجَعَلْتَهُ] الذَّرِيعَةَ إلَى رِضْوَانِكَ،
وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ،
وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ،
وَأَمَرْتَ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَالانْتِهَاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ،
وَأَلاَّ يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلاَ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ،
فَهُوَ عِصْمَةُ اللاَّئِذِينَ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكِينَ، وَبَهَاءُ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِيهِ،
وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً،
وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً،
وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الأَعَزِّ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ، وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الأَغْلَبِ وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
وَأَحْيِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِيْنِكَ، وَاجْلُ بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ، وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّاءَ مِنْ سَبِيلِكَ، وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ؛ وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً، وَأَلِنْ جَانِبَهُ لأَوْلِيَائِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ.
وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَى نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ، وَإلَيْكَ وَإلَى رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ.
؟؟؟؟؟؟
أين السبق اذاً ؟
أخي العزيز محمد الغيل
أنت تقول في مشاركتك التي لم تحدد لنا مصدرها أن الحسن بن الحسن اشترك في معركة كربلاء وكان عمره ثمانية عشرة أو تسعة عشر عاماً في تاريخ المعركة .
لنحلل هذا الكلام بالعقل والمنطق :
موقعة كربلاء حدثت سنة 61هجرية ولنفرض أن عمر الحسن بن الحسن كان في ذلك الوقت ثمانية عشر عاماً فيكون مولده سنة 43 هجرية .
وأنت تقول أن عمره حين وفاته ستة وثلاثين سنة أو سبعة وثلاثين سنة ولنفرض أن عمره سبعة وثلاثين فتكون بذلك سنة وفاته هي 80 هجرية .
ولكن يذكر التاريخ أن معركة دير الجماجم كانت في سنة 83هجرية التي حدثت بين الحجاج بن يوسف الثقفي وعبد الرحمن بن الأشعث حين تمرد أهل العراق على الحجاج و خرجوا على الخلافة الأموية، والتي كانت النتيجة لصالح الحجاج .
وأنت تقول أنه مات مسموماً في المدينة بعد معركة الجماجم ولم تذكر كم عاش بعد معركة دير الجماجم
فإذا كان الأمر حسب ماذكرت فتكون معركة دير الجماجم حدثت بعد وفاة الحسن بن الحسن بثلاث سنوات وهذا غير معقول !!!!!!!!
وإذا قلنا أن وفاته كانت في عام 83هجرية وهو توفي عن عمر سبعة وثلاثون عاماً فيكون عمره وقت معركة كربلاء خمسة عشر عاماً وليس ثمانية عشر عاماً كما تقول أنت .
يقول العلامة المحقق أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي في كتابه ( كشف الغمة في معرفة الأئمة ) ج2ص202: ( وقبض الحسن بن الحسن ( ره ) وله خمس وثلاثون سنة ... )
وعليه يكون عمر الحسن بن الحسن (ره) في كربلاء على فرض أن عمره خمسة وثلاثون عاماً و على فرض أن وفاته كانت في سنة 83هجرية هو ثلاثة عشر عاماً وأما إذا كانت بعد 83هجرية فيكون عمره في كربلاء أصغر من ثلاثة عشر عاماً .
قال صاحب كتاب أعلام النساء المؤمنات في ترجمة ( فاطمة بنت الحسين ( عليها السلام )) :
من المعروف والمتسالم عليه أنّ الحسن المثنى بن الحسن السبط خطب من عمّه إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة ، فاختار له عمّه فاطمة قائلاً له : « إنّها أشبه الناس ب اُمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أما في الدين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين » (3) .
وعاشت فاطمة بجنب الحسن المثنى إلى أن دسّ إليه الوليد بن عبدالملك مَن سقاه سماً ، فمات وعمره خمس وثلاثون سنة ، ورأى في منامه قبل وفاته بقليل كأن بين عينيه مكتوب : قل هو الله أحد ، فاستبشر بذلك أهله وفرحوا ، فقال سعيد بن المسيب : إن كان رآها قلّما بقي ، فما أتى عليه إلاّ قليل حتى مات .
أقول : نفهم من هذا الكلام أن الحسن بن الحسن المثنى توفى في عهد الوليد بن عبدالملك وهذا قد تولى الحكم بعد أبيه عبد الملك في يوم الخميس في النصف من شهر شوال سنة 86هجرية .
فإذا كانت وفاة الحسن بن الحسن في سنة 86هجرية فيكون عمره في كربلاء عشر سنين على أكثر تقدير وربما أقل ويتأكد ذلك بمعرفة تاريخ وفاته الصحيح .
إذن وكما قلنا فالحسن بن الحسن كان صغيراً وحضر مع عمه الحسين في كربلاء ولكن لم يذكر التاريخ أنه قاتل في كربلاء .
وأما مسألة أخذه من كربلاء فإن ذلك تم بعد انتهاء المعركة حيث قال صاحب كتاب ( كشف الغمة ) :
( وكان الحسن بن الحسن قد حضر مع الحسين بن علي عليهما السلام الطف فلما قتل الحسين وأسر الباقون من أهله جاءه أسماء بن خارجة فانتزعه من بين الأسرى ، وقال : والله لا يوصل إلى ابن خولة أبداً ، فقال عمر بن سعد : دعوا لأبي حسان ابن أخته ويقال : أنه أسر وكان به جراح قد أشفي منها .)
هذا ماقاله صاحب كتاب كشف الغمة وقوله ( كان به جراح ليس دليل على أنه قاتل فقد تكون الجراح نتيجة أمر آخر غير القتال فإن ما حصل في كربلاء لم يسلم منه لا صغير ولا كبير . ولو كان الحسن بن الحسن قاتل في المعركة لما سلم من أيدي جيش عمر بن سعد ولقتلوه على الفور كما حصل مع غيره من أهل بيته ولما تركوه يأسر ولما استطاع ابن خارجة إنقاذه . كما تقول
أما بالنسبة لخطبته ابنة عمه الحسين (ع) فقد يكون اختيار فقط من قبل الحسين (ع) وتسمية من ستكون زوجته مستقبلاً وبعد معركة كربلاء ورجوعه إلى المدينة تزوجها . والله أعلم
أرجوا منك يا أخي أن تركز على الأمور المهمة في الموضوع ولا تتطرق إلى الهوامش المهم هو أن علي بن الحسين (ع) كان هو سيد أهل البيت في زمانه فاقهم في جميع المجالات وما زيد بن على ( ره) إلا ثمرة من ثمرات هذا الإمام العظيم .
أخي العزيز لا تأخذك العزة بالإثم وادرس شخصية الإمام علي بن الحسين ومآثره ستجده عظيماً من كل الجوانب فهو حجة الله على العباد بعد أبيه الحسين (ع) .
أنصحك بقراءة ما كتبناه عن الإمام علي بن الحسين (ع) قراءة متأنية ودراسة ما كتب عنه ومقارنتها مع ما ذكره الأخ الحسن المتوكل تجد أن لابد وأن يكون في كل زمان إمام مؤيد من قبل الله وليس من قبل الناس فاقرأ ما قاله الإمام علي بن الحسين (ع) تجده منطبقاً عليه تماماً .
ثم تأكد أن ما قاله الإمام علي بن الحسين ( ع) في الخطبة التي ذكرها الأخ / الحسن المتوكل لا يمكن أن تصدر من شخص آخر غير الإمام المفترض الطاعة وهو الإمام علي بن الحسين (ع) حجة الله على عباده فغير الإمام لا يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام – فافهم ذلك يرحمك الله - .
وأما قولك :
كتب محمد الغيل :
هناك أمر يجب أن يكون واضحاً لديك وهو أن الله غالب على أمره وأنه جعل لكل نفس أجل معين فقال تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ..)
فعدم قتلهم للإمام علي بن الحسين (ع) ليس دليل جهلهم به ولكن شاءت حكمته تعالى أن لا يموت إلا في الوقت الذي حدده له الله عز وجل ولو تطابقت الدنيا كلها على رجل يريدون قتله لم يستطيعوا ذلك إلا أن يشاء الله فليكن هذا في معلومك .
ثم من قال لك أنه لم يقتلوه لقد دسوا إليه السم وقتلوه في أيام الوليد بن عبد الملك فكل أئمة أهل البيت لم يموتوا موتاً طبيعياً فكل إمام إما مسموم أو شهيد وكل واحد يموت في يومه .
ثم من قال لك أنهم لم يكونوا يريدون قتله فإنه صلوات الله وسلامه عليه كان مستهدفاً وكانت العيون عليه في كل مكان ترصد تحركاته وسكناته ولكنه بحكمته ومشيئة الله استطاع أن يفوت عليهم الفرصة فانبرى لنشر العلم والجهاد في كل مجال يؤدي إلى رفع راية الإسلام وليس هو إشهار السيف ومناجزة الأعداء فقط فكل شيء له توقيته فالإمام يعلم متى ينهض للدعوة إلى الله بالسيف ومتى يكون الجهاد في مجال لآخر .
أجبني الآن من هو إمامك بعد الإمام الحسين (ع) وحتى ظهور زيد بن علي (ره) ولا تشتت الموضوع رجاءاً .
ثم أجب على سؤال الأخ عبد المؤمن : أين السبق في الخطبة التي ذكرها الحسن المتوكل
فهي تشير إلى النص من الله وليس هناك ما يشير إلى السبق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
بانتظار إجابتك ولا تستعجل في الإجابة .
أنت تقول في مشاركتك التي لم تحدد لنا مصدرها أن الحسن بن الحسن اشترك في معركة كربلاء وكان عمره ثمانية عشرة أو تسعة عشر عاماً في تاريخ المعركة .
لنحلل هذا الكلام بالعقل والمنطق :
موقعة كربلاء حدثت سنة 61هجرية ولنفرض أن عمر الحسن بن الحسن كان في ذلك الوقت ثمانية عشر عاماً فيكون مولده سنة 43 هجرية .
وأنت تقول أن عمره حين وفاته ستة وثلاثين سنة أو سبعة وثلاثين سنة ولنفرض أن عمره سبعة وثلاثين فتكون بذلك سنة وفاته هي 80 هجرية .
ولكن يذكر التاريخ أن معركة دير الجماجم كانت في سنة 83هجرية التي حدثت بين الحجاج بن يوسف الثقفي وعبد الرحمن بن الأشعث حين تمرد أهل العراق على الحجاج و خرجوا على الخلافة الأموية، والتي كانت النتيجة لصالح الحجاج .
وأنت تقول أنه مات مسموماً في المدينة بعد معركة الجماجم ولم تذكر كم عاش بعد معركة دير الجماجم
فإذا كان الأمر حسب ماذكرت فتكون معركة دير الجماجم حدثت بعد وفاة الحسن بن الحسن بثلاث سنوات وهذا غير معقول !!!!!!!!
وإذا قلنا أن وفاته كانت في عام 83هجرية وهو توفي عن عمر سبعة وثلاثون عاماً فيكون عمره وقت معركة كربلاء خمسة عشر عاماً وليس ثمانية عشر عاماً كما تقول أنت .
يقول العلامة المحقق أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي في كتابه ( كشف الغمة في معرفة الأئمة ) ج2ص202: ( وقبض الحسن بن الحسن ( ره ) وله خمس وثلاثون سنة ... )
وعليه يكون عمر الحسن بن الحسن (ره) في كربلاء على فرض أن عمره خمسة وثلاثون عاماً و على فرض أن وفاته كانت في سنة 83هجرية هو ثلاثة عشر عاماً وأما إذا كانت بعد 83هجرية فيكون عمره في كربلاء أصغر من ثلاثة عشر عاماً .
قال صاحب كتاب أعلام النساء المؤمنات في ترجمة ( فاطمة بنت الحسين ( عليها السلام )) :
من المعروف والمتسالم عليه أنّ الحسن المثنى بن الحسن السبط خطب من عمّه إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة ، فاختار له عمّه فاطمة قائلاً له : « إنّها أشبه الناس ب اُمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أما في الدين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين » (3) .
وعاشت فاطمة بجنب الحسن المثنى إلى أن دسّ إليه الوليد بن عبدالملك مَن سقاه سماً ، فمات وعمره خمس وثلاثون سنة ، ورأى في منامه قبل وفاته بقليل كأن بين عينيه مكتوب : قل هو الله أحد ، فاستبشر بذلك أهله وفرحوا ، فقال سعيد بن المسيب : إن كان رآها قلّما بقي ، فما أتى عليه إلاّ قليل حتى مات .
أقول : نفهم من هذا الكلام أن الحسن بن الحسن المثنى توفى في عهد الوليد بن عبدالملك وهذا قد تولى الحكم بعد أبيه عبد الملك في يوم الخميس في النصف من شهر شوال سنة 86هجرية .
فإذا كانت وفاة الحسن بن الحسن في سنة 86هجرية فيكون عمره في كربلاء عشر سنين على أكثر تقدير وربما أقل ويتأكد ذلك بمعرفة تاريخ وفاته الصحيح .
إذن وكما قلنا فالحسن بن الحسن كان صغيراً وحضر مع عمه الحسين في كربلاء ولكن لم يذكر التاريخ أنه قاتل في كربلاء .
وأما مسألة أخذه من كربلاء فإن ذلك تم بعد انتهاء المعركة حيث قال صاحب كتاب ( كشف الغمة ) :
( وكان الحسن بن الحسن قد حضر مع الحسين بن علي عليهما السلام الطف فلما قتل الحسين وأسر الباقون من أهله جاءه أسماء بن خارجة فانتزعه من بين الأسرى ، وقال : والله لا يوصل إلى ابن خولة أبداً ، فقال عمر بن سعد : دعوا لأبي حسان ابن أخته ويقال : أنه أسر وكان به جراح قد أشفي منها .)
هذا ماقاله صاحب كتاب كشف الغمة وقوله ( كان به جراح ليس دليل على أنه قاتل فقد تكون الجراح نتيجة أمر آخر غير القتال فإن ما حصل في كربلاء لم يسلم منه لا صغير ولا كبير . ولو كان الحسن بن الحسن قاتل في المعركة لما سلم من أيدي جيش عمر بن سعد ولقتلوه على الفور كما حصل مع غيره من أهل بيته ولما تركوه يأسر ولما استطاع ابن خارجة إنقاذه . كما تقول
أما بالنسبة لخطبته ابنة عمه الحسين (ع) فقد يكون اختيار فقط من قبل الحسين (ع) وتسمية من ستكون زوجته مستقبلاً وبعد معركة كربلاء ورجوعه إلى المدينة تزوجها . والله أعلم
أرجوا منك يا أخي أن تركز على الأمور المهمة في الموضوع ولا تتطرق إلى الهوامش المهم هو أن علي بن الحسين (ع) كان هو سيد أهل البيت في زمانه فاقهم في جميع المجالات وما زيد بن على ( ره) إلا ثمرة من ثمرات هذا الإمام العظيم .
أخي العزيز لا تأخذك العزة بالإثم وادرس شخصية الإمام علي بن الحسين ومآثره ستجده عظيماً من كل الجوانب فهو حجة الله على العباد بعد أبيه الحسين (ع) .
أنصحك بقراءة ما كتبناه عن الإمام علي بن الحسين (ع) قراءة متأنية ودراسة ما كتب عنه ومقارنتها مع ما ذكره الأخ الحسن المتوكل تجد أن لابد وأن يكون في كل زمان إمام مؤيد من قبل الله وليس من قبل الناس فاقرأ ما قاله الإمام علي بن الحسين (ع) تجده منطبقاً عليه تماماً .
ثم تأكد أن ما قاله الإمام علي بن الحسين ( ع) في الخطبة التي ذكرها الأخ / الحسن المتوكل لا يمكن أن تصدر من شخص آخر غير الإمام المفترض الطاعة وهو الإمام علي بن الحسين (ع) حجة الله على عباده فغير الإمام لا يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام – فافهم ذلك يرحمك الله - .
وأما قولك :
فهذه ليست منقصة في الإمام علي بن الحسين (ع) فهو إمام الحكمة ولا يفعل إلا ما فيه نفعاً للإسلام والمسلمين ولو كان الأمر فيه مصلحة للمسلمين لما تأخر عنه الإمام (ع) فهو رحمة الله المهداة للعالمين كما كان جده المصطفى ( صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين ) .قبل البيعة التى رفضها الامام علي بن الحسين زين العابدين والتى عرضت عليه من قبل المختار الثقفي ..!
كتب محمد الغيل :
أخي العزيز محمد الغيل :كان غائبا عن هؤلاء القتلة الذين ابقو ا على الامام السجاد زين العابدين بدليل أنهم لم يقومو ا بقتله اذا لو علموا حضور النص حضورا تعم به البلوى علما وكان متواترا كما ترون عند جميع الامة لما ابقو ا على حياة الامام علي بن الحسين فقد فعلوها مع ابيه ومع عمه ومع جده وقد عرفنا من خلال السيرة وكتب التاريخ أنهم كانوا يرغبون في تصفية أهل البيت وشيعتهم ومن وقف معهم .... فهم كما تعرف اشد عدوة لهذه الذرية من غيرهم فقد نقلت لنا مصادر التاريخ كيف تعاملو ا مع هذه الذرية والبقية الباقية منها فهم من اشبعوها قتلا وتشريدا عند ما ملكوا زمام امور هذه الامة .
هناك أمر يجب أن يكون واضحاً لديك وهو أن الله غالب على أمره وأنه جعل لكل نفس أجل معين فقال تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ..)
فعدم قتلهم للإمام علي بن الحسين (ع) ليس دليل جهلهم به ولكن شاءت حكمته تعالى أن لا يموت إلا في الوقت الذي حدده له الله عز وجل ولو تطابقت الدنيا كلها على رجل يريدون قتله لم يستطيعوا ذلك إلا أن يشاء الله فليكن هذا في معلومك .
ثم من قال لك أنه لم يقتلوه لقد دسوا إليه السم وقتلوه في أيام الوليد بن عبد الملك فكل أئمة أهل البيت لم يموتوا موتاً طبيعياً فكل إمام إما مسموم أو شهيد وكل واحد يموت في يومه .
ثم من قال لك أنهم لم يكونوا يريدون قتله فإنه صلوات الله وسلامه عليه كان مستهدفاً وكانت العيون عليه في كل مكان ترصد تحركاته وسكناته ولكنه بحكمته ومشيئة الله استطاع أن يفوت عليهم الفرصة فانبرى لنشر العلم والجهاد في كل مجال يؤدي إلى رفع راية الإسلام وليس هو إشهار السيف ومناجزة الأعداء فقط فكل شيء له توقيته فالإمام يعلم متى ينهض للدعوة إلى الله بالسيف ومتى يكون الجهاد في مجال لآخر .
أجبني الآن من هو إمامك بعد الإمام الحسين (ع) وحتى ظهور زيد بن علي (ره) ولا تشتت الموضوع رجاءاً .
ثم أجب على سؤال الأخ عبد المؤمن : أين السبق في الخطبة التي ذكرها الحسن المتوكل
فهي تشير إلى النص من الله وليس هناك ما يشير إلى السبق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
بانتظار إجابتك ولا تستعجل في الإجابة .
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
الأخ /عبدالمؤمن
والأخ / جعفري
مررتم مرور الكرام على الهدف المطلوب من نقلي للخطبه !
فقبل الخوض في السبق أم النص على الإمام ،،، لنعرف من هو الإمام الذي دعى له الإمام زين العابدين (ع) وسأل الله تعالى بأن يجعله سامعاً مطيعاً لذلك الإمام ؟
حيث قال :-
وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَى نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ،
فهي نقطه مهمه ،،، سوف تساعد في وضوح الرؤية حول مستحق الإمام ( سواءً كان بالسبق أم بالنص ) ؟؟؟
تحياتي
والأخ / جعفري
مررتم مرور الكرام على الهدف المطلوب من نقلي للخطبه !
فقبل الخوض في السبق أم النص على الإمام ،،، لنعرف من هو الإمام الذي دعى له الإمام زين العابدين (ع) وسأل الله تعالى بأن يجعله سامعاً مطيعاً لذلك الإمام ؟
حيث قال :-
وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَى نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ،
فهي نقطه مهمه ،،، سوف تساعد في وضوح الرؤية حول مستحق الإمام ( سواءً كان بالسبق أم بالنص ) ؟؟؟
تحياتي


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 103
- اشترك في: السبت فبراير 11, 2006 4:33 pm
اسالك من هو هذا الامام المقصود فى دعاء علي بن الحسين عليه السلام ؟الحسن المتوكل كتب:الأخ /عبدالمؤمن
والأخ / جعفري
مررتم مرور الكرام على الهدف المطلوب من نقلي للخطبه !
فقبل الخوض في السبق أم النص على الإمام ،،، لنعرف من هو الإمام الذي دعى له الإمام زين العابدين (ع) وسأل الله تعالى بأن يجعله سامعاً مطيعاً لذلك الإمام ؟
حيث قال :-
وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَى نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ،
فهي نقطه مهمه ،،، سوف تساعد في وضوح الرؤية حول مستحق الإمام ( سواءً كان بالسبق أم بالنص ) ؟؟؟
تحياتي
يجب ان تعرفه لنا والا فان ما قاله الامام على بن الحسين هو دعاء فقط الغرض منه التعليم والارشاد .
ثم ان الموضوع يؤكد ان علي بن الحسين هو الامام بعد ابيه الحسين عليهم السلام وانتم الى الآن لم تفندوا ما جاء به الاخ ( جعفرى ) الذى اثبت بما يدع مجالا للشك ان الامام على بن الحسين هو امام السبق والجهاد وهو قبل الامام زيد وافضل منه ومما يدل على ان المذهب الزيدى قفز قفزة تخطى فيها امامه على بن الحسين عليه السلام مما يؤدى الى انهياره وبطلانه وعليكم الآن مناقشة الاخ ( جعفرى ) واثبات عدم بطلان المذهب الزيدى .
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2745
- اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
- اتصال:
الاخ حسن المتوكل
الرجا منكم متابعة المعرفات للاخ جعفري والاخ عبد المؤمن وتبصيرنا فمن الملاحظ أن النفس نفس النفس والاسلوب نفس الاسلوب ..!
اخي حسن أنت مشرف ومن حقك النظر في الموضوع ولك فائق الاحترام
اخوكم/ الغيل
الرجا منكم متابعة المعرفات للاخ جعفري والاخ عبد المؤمن وتبصيرنا فمن الملاحظ أن النفس نفس النفس والاسلوب نفس الاسلوب ..!
اخي حسن أنت مشرف ومن حقك النظر في الموضوع ولك فائق الاحترام
اخوكم/ الغيل

يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون

الأخ الحسن المتوكل المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دعنا نقرأ الخطبة بتأني ونظرت على ماذا احتوت :
لقد ذكر الإمام في هذه الخطبة عدة أمور وهي :
1- في كل وقت من الأوقات هناك إمام مؤيد من قبل الله للحفاظ على دين الله ونسبة الدين إلى الله بقوله ( دينك ) له دلالة عظيمة وهي أن الإمام هو الأعلم بدين الله وكيفية تطبيقه وكيفية تعليمه للناس تعليماً صحيحاً سليماً من كل لبس حسب ما يريده الله من عباده . فالإمام هو الناطق الرسمي عن الله كما نسميه في عرفنا السائد اليوم .
2- ثم ذكر صفات هذا الإمام وهي :
أ- هو علم لعباد الله ( والعلم هنا دلالة على رفعته وسموه فوق الكل كما يسموا العلم في السماء فيعرفه الجميع ويشيرون إليه )
ب- هو منار الله في أرضه ( فهو مصدر النور الإلهي فبه يهتدي الناس وليس بغيره ) .
ت- حبله موصول بحبل الله فمن سلك طريقه أوصله إلى رضوان الله فهو حجة الله على العباد ( وجعلته الذريعة إلى رضوانك ) فطاعة الإمام هي طاعة لله ومعصيته معصية لله عز وجل .
ث- طاعته والإمتثال لأوامره والأنتهاء عما نهى عنه فرض على كل مسلم كفرض الصلاة والصيام .
ج- هو السابق دائماً فلا يتقدم عليه أحد ولا يتأخر عنه أحد .
ح- عصمة اللائذين ( فهو أمان لكل مسلم إذا أصابه ما يفزعه ويخشى منه فيلوذ بالإمام فيجد عنده الأمن والأمان .
خ- هو كهف المؤمنين .
د- هو عروة المتمسكين ( فهو العروة الوثقى التي لا انفصام لها كما أشار الله في كتابه ) .
ذ- هو بهاء العالمين .
3- الدعاء والطلب من الله للإمام أن :
أ- ينصره (وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً) .
ب- يفتح له فتحاً يسيراً (وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً ).
ت- يعينه (وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الأَعَزِّ، ).
ث- يشد أزره (وَاشْدُدْ أَزْرَهُ ) .
ج- يقويه (وَقَوِّ عَضُدَهُ) .
ح- يرعاه (وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ)
خ- يحفظه (وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ )
د- ينصره بملائكته (وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ)
ذ- مده بالجند الغالبين (وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الأَغْلَبِ)
ر- يقيم به الدين (وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ).
ز- يحي به ما أماته الظالمون من الدين (وَأَحْيِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِيْنِكَ)
س- يكشف به ما ران على الدين من معتقدات خاطئة (وَاجْلُ بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ )
ش- يصلح به ما تضرر من الدين (وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّاءَ مِنْ سَبِيلِكَ )
ص - يزيل به أعداء الدين (وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ؛ وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً )
ض- يكون لأولياء الله ليناً سهلاً وعلى أعداء الله صلباً شديداً (وَأَلِنْ جَانِبَهُ لأَوْلِيَائِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَى أَعْدَائِكَ ) .
ط- أن يكون الإمام رؤوفاً رحيماً عطوفاً حنوناً على المسلمين (وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ ).
4- الدعاء والطلب من الله للمسلمين أن يكونوا مطيعين للإمام وسامعين لكلامه وساعين في طلب رضاه ومدافعين عنه كل ذلك تقرباً إلى الله ورسوله .
إن الإمام عليه السلام في هذه الخطبة لا يخاطب نفسه وإنما الخطاب منه إلى الناس فهو يتكلم عنهم ويعلمهم كيف يدعون ربهم وهذه وظيفة الإمام فمنه تعلمنا كيف نخاطب ربنا وإلا لو كان كل دعاء يصدر من الإمام له وحده لما وصل إلينا شيء من خطبه ولما تعلمنا كيف نتعامل مع ربنا ونخاطبه فهو يتكلم بلسان كل مؤمن يعترف بإمامة أئمة الهدى الذين نصبهم الله لهداية الناس إلى الصراط المستقيم .وتدلنا الخطبة أخي العزيز على أن الإمامة لها شأن عظيم عند الله فهي من اختصاصه لا اختصاص الناس وإلا هذه الصفات هل تتوفر في كل إمام نختاره نحن وما أدرانا بباطنه فنحن لا نرى إلا ظاهر الشخص ولا نعلم ما يخفيه في داخله من أخلاق فلا يمكننا أن نحدد الإمام الذي يرتضي الله عمله ويكون حجة لله على العباد يوم المعاد .
وقد أثبتنا لكم يالدليل القاطع على أنه بعد الحسين ( عليه السلام ) لم يكن أحد مهيء لتولي هذا المنصب إلا الإمام علي بن الحسين (ع) زين العابدين وسيد الساجدين وحجة الله على العالمين .
وإلا يا أخي العزيز إذا لم يكن المقصود بالخطبة الإمام زين العابدين فمن المقصود ؟ أفدنا جزاك الله خيراً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دعنا نقرأ الخطبة بتأني ونظرت على ماذا احتوت :
لقد ذكر الإمام في هذه الخطبة عدة أمور وهي :
1- في كل وقت من الأوقات هناك إمام مؤيد من قبل الله للحفاظ على دين الله ونسبة الدين إلى الله بقوله ( دينك ) له دلالة عظيمة وهي أن الإمام هو الأعلم بدين الله وكيفية تطبيقه وكيفية تعليمه للناس تعليماً صحيحاً سليماً من كل لبس حسب ما يريده الله من عباده . فالإمام هو الناطق الرسمي عن الله كما نسميه في عرفنا السائد اليوم .
2- ثم ذكر صفات هذا الإمام وهي :
أ- هو علم لعباد الله ( والعلم هنا دلالة على رفعته وسموه فوق الكل كما يسموا العلم في السماء فيعرفه الجميع ويشيرون إليه )
ب- هو منار الله في أرضه ( فهو مصدر النور الإلهي فبه يهتدي الناس وليس بغيره ) .
ت- حبله موصول بحبل الله فمن سلك طريقه أوصله إلى رضوان الله فهو حجة الله على العباد ( وجعلته الذريعة إلى رضوانك ) فطاعة الإمام هي طاعة لله ومعصيته معصية لله عز وجل .
ث- طاعته والإمتثال لأوامره والأنتهاء عما نهى عنه فرض على كل مسلم كفرض الصلاة والصيام .
ج- هو السابق دائماً فلا يتقدم عليه أحد ولا يتأخر عنه أحد .
ح- عصمة اللائذين ( فهو أمان لكل مسلم إذا أصابه ما يفزعه ويخشى منه فيلوذ بالإمام فيجد عنده الأمن والأمان .
خ- هو كهف المؤمنين .
د- هو عروة المتمسكين ( فهو العروة الوثقى التي لا انفصام لها كما أشار الله في كتابه ) .
ذ- هو بهاء العالمين .
3- الدعاء والطلب من الله للإمام أن :
أ- ينصره (وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً) .
ب- يفتح له فتحاً يسيراً (وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً ).
ت- يعينه (وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الأَعَزِّ، ).
ث- يشد أزره (وَاشْدُدْ أَزْرَهُ ) .
ج- يقويه (وَقَوِّ عَضُدَهُ) .
ح- يرعاه (وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ)
خ- يحفظه (وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ )
د- ينصره بملائكته (وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ)
ذ- مده بالجند الغالبين (وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الأَغْلَبِ)
ر- يقيم به الدين (وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ).
ز- يحي به ما أماته الظالمون من الدين (وَأَحْيِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِيْنِكَ)
س- يكشف به ما ران على الدين من معتقدات خاطئة (وَاجْلُ بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ )
ش- يصلح به ما تضرر من الدين (وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّاءَ مِنْ سَبِيلِكَ )
ص - يزيل به أعداء الدين (وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ؛ وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً )
ض- يكون لأولياء الله ليناً سهلاً وعلى أعداء الله صلباً شديداً (وَأَلِنْ جَانِبَهُ لأَوْلِيَائِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَى أَعْدَائِكَ ) .
ط- أن يكون الإمام رؤوفاً رحيماً عطوفاً حنوناً على المسلمين (وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ ).
4- الدعاء والطلب من الله للمسلمين أن يكونوا مطيعين للإمام وسامعين لكلامه وساعين في طلب رضاه ومدافعين عنه كل ذلك تقرباً إلى الله ورسوله .
إن الإمام عليه السلام في هذه الخطبة لا يخاطب نفسه وإنما الخطاب منه إلى الناس فهو يتكلم عنهم ويعلمهم كيف يدعون ربهم وهذه وظيفة الإمام فمنه تعلمنا كيف نخاطب ربنا وإلا لو كان كل دعاء يصدر من الإمام له وحده لما وصل إلينا شيء من خطبه ولما تعلمنا كيف نتعامل مع ربنا ونخاطبه فهو يتكلم بلسان كل مؤمن يعترف بإمامة أئمة الهدى الذين نصبهم الله لهداية الناس إلى الصراط المستقيم .وتدلنا الخطبة أخي العزيز على أن الإمامة لها شأن عظيم عند الله فهي من اختصاصه لا اختصاص الناس وإلا هذه الصفات هل تتوفر في كل إمام نختاره نحن وما أدرانا بباطنه فنحن لا نرى إلا ظاهر الشخص ولا نعلم ما يخفيه في داخله من أخلاق فلا يمكننا أن نحدد الإمام الذي يرتضي الله عمله ويكون حجة لله على العباد يوم المعاد .
وقد أثبتنا لكم يالدليل القاطع على أنه بعد الحسين ( عليه السلام ) لم يكن أحد مهيء لتولي هذا المنصب إلا الإمام علي بن الحسين (ع) زين العابدين وسيد الساجدين وحجة الله على العالمين .
وإلا يا أخي العزيز إذا لم يكن المقصود بالخطبة الإمام زين العابدين فمن المقصود ؟ أفدنا جزاك الله خيراً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته