ما هو الظلم؟؟؟

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
عصام البُكير
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 241
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 12:21 am
مكان: اليمن - صنعاء

ما هو الظلم؟؟؟

مشاركة بواسطة عصام البُكير »


[الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين
ان الحق والباطل شعاران طالما ظل يردادهما كل من له ضمير ومن ليس له ضمير منذ بداية الخلق حتى يهلك الله ومن عليها ,لقد عانى الأنبياء والاوصياء والأولياء الصالحين اشد المحن والمصائب التي يشيب لها الولدان ولهذا الله اصطفاهم واختارهم على قدر صبره ومدى تجاوبه مع التغيرات الطارئه على محيطه الداخلي والخارجي ولهذا تغيرت معايير معرفة الحق عند البعض ولهذا حسم هذا الموضوع الإمام علي عليه السلام بقوله (اعرف الحق تعرف اهله) اي لا يقاس الحق برجاله بل بالحق.
ومن اعظم الرزايا التي بالرسول بعد موته هي ظلم أهل بيته الذي عانوا اشد انواع القتل والتطريد والتشريد بسبب ماذا مهما تعددت الدوافع الا اننا نلاحظ ان مسلسل التآمر والتخطيط جرى له مسبقاً ولكن لم تسنح لهم الفرصه لنيل مبتغاهم الا بعد وفاة اشجعهم بأساً اعظمهم شأناً وهو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان الصحابه يختبؤن ورائه وايضا بعد وقاة الكرار حيدر الإمام علي بن ابي طالب فلو كانوا موجودين لما جرأ هؤلاء بأيدايهم والسنتهم وسيوفهم على هتك اعراضهم على رؤوس الأشهاد من قبل بعض النعاق والنواصب من بني أميه وبني العباس من شاميين وبصريين للعلم انا اقصد الظلمة وليس تعميم
فهل ياترى هل هذه هي المودة التي قال بها الله على لسان نبيه؟
سؤال يجب ان يجيب عليه كل من يدعى مودتهم بدون اتباعهم بالأعمال والمحبه والتبرأ من كل ظالم لهم , فسلام على كل موآلي بقلبه وسيفه كعمار وسلمان وصهيب والحارث وعمر بن قيس الهمداني ... الخ
فسلام الى كل موآلي دافعهم عنهم بكل ما أوتي من بلاغة الكلمه كدعبل الخزاعي وكميت الاسدي والفرزدق والمتنبي وابا الأسود الدؤلي...الخ.
فقد اثبتوا هؤلاء مناصرتهم ومودتهم للآل ليس كنظريه بل كتطبيق فسلام الله عليكم وعلى ارواحكم الطاهره الزاكيه .
احببت بهذا ان اوضح للقراء ماهو الظلم في كتب اللغه و وما قاله القرآن والمفسرون وكيف وضح النبي بل وحذر من الظلم وبعد ذلك اقوال سفن النجاه وإعلام التقى ائمة اهل البيت عليهم السلام
آملاً ان يصل كلامي الى كل مسلم ضمير مازال حياً بأن نستيقض جمعياً من السبات العميق ولنعمل جميعاً على نبذ الظلم من انفسنا ومن اهلينا ونتبرأ من الظالمين واهله وليكون شعارنا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولنعلم ان الحق عدل وان الباطل ظلم .









اولاً : المعنى لغوياً
لسان العرب للابن منظور ص 356735 353
الظُّلْمُ: وَضْع الشيء في غير موضِعه. ومن أمثال العرب في الشَّبه: مَنْ أَشْبَهَ أَباه فما ظَلَم؛ قال الأصمعي: ما ظَلَم أي ما وضع الشَّبَه في غير مَوْضعه وفي المثل: من اسْترْعَى الذِّئْبَ فقد ظلمَ. وفي حديث ابن زِمْلٍ: لَزِموا الطَّرِيق فلم يَظْلِمُوه أي لم يَعْدِلوا عنه؛ يقال: أَخَذَ في طريقٍ فما ظَلَم يَمِيناً ولا شِمالاً؛ ومنه حديث أُمِّ سَلمَة: أن أبا بكرٍ وعُمَرَ ثَكَما الأَمْر فما ظَلَماه أي لم يَعْدِلا عنه؛ وأصل الظُّلم الجَوْرُ ومُجاوَزَة الحدِّ، ومنه حديث الوُضُوء: فمن زاد أو نَقَصَ فقد أساء وظَلَمَ أي أَساءَ الأدبَ بتَرْكِه السُّنَّةَ والتَّأَدُّبَ بأَدَبِ الشَّرْعِ، وظَلمَ نفْسه بما نَقَصَها من الثواب بتَرْدادِ المَرّات في الوُضوء. وفي التنزيل العزيز: الذين آمَنُوا ولم يَلْبِسُوا إيمانَهم بِظُلْمٍ؛ قال ابن عباس وجماعةُ أهل التفسير: لم يَخْلِطوا إيمانهم بِشِرْكٍ، ورُوِي ذلك عن حُذَيْفة وابنِ مَسْعود وسَلمانَ، وتأَوّلوا فيه قولَ الله عز وجل: إن الشِّرْك لَظُلْمٌ عَظِيم. والظُّلْم: المَيْلُ عن القَصد، والعرب تَقُول: الْزَمْ هذا الصَّوْبَ ولا تَظْلِمْ عنه أي لا تَجُرْ عنه. وقوله عزَّ وجل: إنَّ الشِّرْكَ لَظُلم عَظِيم؛ يعني أن الله تعالى هو المُحْيي المُمِيتُ الرزّاقُ المُنْعِم وَحْده لا شريك له، فإذا أُشْرِك به غيره فذلك أَعْظَمُ الظُّلْمِ، لأنه جَعل النعمةَ لغير ربِّها. يقال: ظَلَمَه يَظْلِمُهُ ظَلْماً وظُلْماً ومَظْلِمةً، فالظَّلْمُ مَصْدرٌ حقيقيٌّ، والظُّلمُ الاسمُ يقوم مَقام المصدر، وهو ظالمٌ وظَلوم؛ قال ضَيْغَمٌ الأَسدِيُّ:
إذا هُوَ لمْ يَخَفْني في ابن عَمِّي وإن لم القه الرجل الظلوم

وقال الجاحظ بكتابه الحيوان ص 6 - 7
3567فأمّا الظلم فقولهم: أظلم من حَيّةٍ وأما الكذب فإنها تنطوي في الرَّملِ على الطَّريق وتُدْخِلُ بَعض جسدِها في الرَّمل، فتظهر كأنها طَبقُ خيزُرانٍ، ومنها حَيَّاتٌ بيضٌ قِصَارٌ تجمعُ بين أطرافها على طُرُقِ الناس، وتستديرُ كأنها طَوْقٌ أوْ خلخالٌ، أو سوارُ ذهبٍ أو فضةٍ - ولما تلقي على نفسها من السُّبات، ولما تُظهر من الهَرَب من الناس، وكلّ ذلك إنَما تغرُّهُمْ وتصطادُهُمْ بتلك الحيلة، فذلك هو كِذبُها.

قال ابن عبدربه الأندلسي بالعقد الفريد ص 295

جامع أمثال الظلم- منه قولُهم: الظُّلم مَرْتعه وَخيم. وفي الحديث: الظلم ظُلمات يوم القيامة. ومنه: فإنك لا تَجْنى من الشَّوْك العِنَب. وقولهم: الحَرْبُ غَشوم.
الظلم من نوعين- منه: أحَشَفاً وسوءَ كِيلة. ومنه: أغُدَّةٌ كغُدَّة البَعير وَموْتٌ في بيت سَلُوليّة. وهذا المثل لعامر بن الطُّفيل حين أصابه الطاعوِن في انصرافه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلجأ إلى امرأة من سَلُول فهلك عندها. ومنه: أَغَيْرَةَ وَجُبْناً. قالته امرأةٌ من العرب لزوجها تُعيِّره حين تخلَف عن عدوّه في منزله، ورآها تَنظُر إلى قِتال الناس فَضرَبها. فقالت: أغيرة وجُبْناً. وقولهم: أكسْفاً وإمساكاً. أصله الِرجل يلقاك بعُبوس وكُلوح مع بُخل ومَنْع. وقولهم: ياعَبْرَى مُقْبلة، يا سَهْرَى مُدْبِرَةَ. يُضرب للأمر الذي يًكره من وجهين. ومنه قول العامة: كالمُستغيث من الرَّمْضاء بالنار وقولهم: للموت نَزَع والموت بَدَر. وقولهم: كالأشقَر إِنْ تقدَّم نحِر، وإن تأخّر عُقِر. وقولهم: كالأرقم إن يُقْتَلْ يَنْقِم، وإن يُترْك يَلْقم. يقول: إن قتلته كان له من ينتقِم منك، وإن تركته قتَلك. ومنه: هو بين حاذفٍ وقاذفٍ. الحاذف: الضارب بالعصا. والقاذف: الرامي بالحَجَر.
من يزداد غماً على غم- منه قولهم: ضِغْثٌ على إبّالة. الضِّغث: الحُزمة الصغيرة من الحطب. والإبّالة: الكبيرة. "ومنه قولهم: كِفْتٌ إلى وَئيّة. الكِفْت: القِدْر الصغيرة. والوئية: القِدر الكبيرة. يُضرب للرجل يحمل البليّة الكبيرة ثم يزيد إليها أخرى صغيرة " ومنه قولهم: وَقَعوا في أم جُنْدب. إذا ظُلِمُوا.
المغبون في تجارته- منه قولهم: صَفْقة لم يَشْهدها حاطب. وأصله أنّ بعض أهل حاطب باع بَيْعَة غُبن فيها. ومنه قولهم: أعطاه الَّلفَاءَ غير الوفاء.
سرعة الملامة- منه: ليس من العَدْل سرعة العَذْل. ومنه رُبَّ مَلُوم لا ذنبَ له. وقولهم: الشَعيرُ يُؤكل ويُذمّ. وقولُ العامة: أكلاً وذمًّا. وقولُ الحجاج: قُبِّح والله منا الحسن الكريم يهتضمه اللئيم- لو ذاتُ سِوَار لَطَمَتْني. ومنه: ذًلّ لو أَجِد ناصراً.
الانتصار من الظالم- هذه بتلك والبادي أَظْلم. ومنه: مَنْ لم يَذُد عن حوضه يهدَّم.
الظلم ترجع عاقبته على صاحبه- قالوا: مَن حفر مُغوّاة وَقع فيها. والمغوّاة: البئر تُحْفَر للذِّئاب، ويُجعل فيها جَدْيٌ فيسقط الذئبُ فيها لِيَصِيدَه فَيُصاد. ومنه: يَعْدو على كل آمرىء ما يَأْتمر. ومنه: عاد الرَّمْي على النَزَعَة. وهم الرّماة يَرْجع عليهم رَمْيهُم. وتقول العامة: كالباحِث عن مُدْية. ومنه قولهم: رُمي بحَجَره، وقُتِلَ بسلاحه.
المضطر إلى القتال- مُكْرَه أخوك لا بطل.
قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت و يطهركم تطهيرا)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي ولفاطمة وحسن وحسين(اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس)
اللهم صلي على محمد وآل محمد

عصام البُكير
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 241
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 12:21 am
مكان: اليمن - صنعاء

مشاركة بواسطة عصام البُكير »




ثانيا التفسير والمفسرون




أظلم الناس (كاتم شهادة الحق)))

قال تعالى
{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } 140 البقرة

تفسير جامع البيان في تفسير القران/ الطبري


القول فـي تأويـل


قوله تعالـى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَـٰدَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ }.

يعنـي: فإن زَعَمَتْ يا مـحمد الـيهودُ والنصارى الذين قالوا لك ولأصحابك كونوا هوداً أو نصارى، أن إبراهيـم وإسماعيـل وإسحاق ويعقوب والأسبـاط كانوا هوداً أو نصارى، فمن أظلـم منهم؟ يقول: وأيّ امرىء أظلـم منهم وقد كتـموا شهادة عندهم من الله بأن إبراهيـم وإسماعيـل وإسحاق ويعقوب والأسبـاط كانوا مسلـمين، فكتـموا ذلك ونـحلوهم الـيهودية والنصرانـية.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: { وَمَنْ أظْلَـمَ مِـمّنْ كَتَـمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ } قال: فـي قول يهود لإبراهيـم وإسماعيـل ومن ذكر معهما إنهم كانوا يهوداً أو نصارى. فـيقول الله: لا تكتـموا منـي شهادة إن كانت عندكم فـيهم. وقد علـم أنهم كاذبون.

حدثنـي الـمثنى قال: أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَمَنْ أَظْلَـمَ مِـمّنْ كَتَـمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ } فـي قول الـيهود لإبراهيـم وإسماعيـل ومن ذكر معهما إنهم كانوا يهوداً أو نصارى. فقال الله لهم: لا تكتـموا منـي الشهادة فـيهم إن كانت عندكم فـيهم. وقد علـم الله أنهم كانوا كاذبـين.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنـي إسحاق، عن أبـي الأشهب، عن الـحسن أنه تلا هذه الآية: { أمْ تَقُولُونَ إنْ إبْرَاهِيـمَ وَإسْمَاعِيـلَ } إلـى قوله: { قُلْ أأنْتُـمْ أعْلَـم أمِ الله وَمَنْ أظْلَـمَ مِـمَّنْ كَتَـمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ الله } قال الـحسن: والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبـياء بُرَآء من الـيهودية والنصرانـية، كما أن عند القوم من الله شهادة أن أموالكم ودماءكم بـينكم حرام، فبـم استـحلوها؟.

حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: { وَمَنْ أظْلَـمَ مِـمنْ كَتَـمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ } أهل الكتاب، كتـموا الإسلام وهم يعلـمون أنه دين الله، وهم يجدونه مكتوبـاً عندهم فـي التوراة والإنـجيـل: أنهم لـم يكونوا يهود ولا نصارى، وكانت الـيهودية والنصرانـية بعد هؤلاء بزمان. وأنه عنى تعالـى ذكره بذلك أن الـيهود والنصارى إن ادّعوا أن إبراهيـم ومن سُمي معه فـي هذه الآية كانوا هودا أو نصارى، تبـيّن لأهل الشرك الذين هم نصراؤهم كذبهم وادّعاءهم علـى أنبـياء الله البـاطلَ لأن الـيهودية والنصرانـية حدثت بعدهم، وإن هم نفوا عنهم الـيهودية والنصرانـية، قـيـل لهم: فهلـموا إلـى ما كانوا علـيه من الدين، فإنَّا وأنتـم مقرّون جميعاً بأنهم كانوا علـى حقّ، ونـحن مختلفون فـيـما خالف الدين الذي كانوا علـيه.

وقال آخرون: بل عنى تعالـى ذكره بقوله: { وَمَنْ أظْلَـمَ مِـمَّنْ كَتَـمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ } الـيهود فـي كتـمانهم أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته، وهم يعلـمون ذلك ويجدونه فـي كتبهم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { أمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيـمَ وإسمَاعِيـلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبـاطَ كانُوا هُودا أوْ نَصَارَى } أولئك أهل الكتاب كتـموا الإسلام وهم يعلـمون أنه دين الله، واتـخذوا الـيهودية والنصرانـية، وكتـموا مـحمداً صلى الله عليه وسلم وهم يعلـمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل.


تفسير الجامع لاحكام القران/ القرطبي

قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ } لفظه الاستفهام، والمعنى: لا أحد أظلم. { مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً } يريد علمهم بأن الأنبياء كانوا على الإسلام. وقيل: ما كتموه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم؛ قاله قتادة، والأوّل أشبه بسياق الآية. { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } وَعِيد وإعلام بأنه لم يترك أمرهم سُدًى وأنه يجازيهم على أعمالهم. والغافل: الذي لا يَفْطُن للأمور إهمالاً منه؛ مأخوذ من الأرض الغُفْل وهي التي لا عَلَم بها ولا أثرَ عمارة. وناقةٌ غُفْل: لا سِمَة بها. ورَجل غُفْل: لم يجرّب الأمور. وقال الكسائي: أرض غُفْل لم تُمطر. غَفَلت عن الشيء غَفْلة وغُفولاً، وأغفلت الشيء: تركته على ذُكر منك.

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي:

أما قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَـٰدَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } ففيه ثلاثة أوجه. أحدها: أن في الآية تقديماً وتأخيراً والتقدير: ومن أظلم عند الله ممن كتم شهادة حصلت عنده كقولك: ومن أظلم من زيد من جملة الكاتمين للشهادة والمعنى. لو كان إبراهيم وبنوه هود أو نصارى، ثم إن الله كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم شهادة أظلم منه لكن لما استحال ذلك مع عدله وتنزهه عن الكذب، علمنا أنه ليس الأمر كذلك. وثانيها: ومن أظلم منكم معاشر اليهود والنصارى إن كتمتم هذه الشهادة من الله فمن في قوله: { مِنَ ٱللَّهِ } تتعلق بالكاتم على القول الأول وبالمكتوم منه على القول الثاني كأنه قال: ومن أظلم ممن عنده شهادة فلم يقمها عند الله بل كتمها وأخفاها. وثالثها: أن يكون: { مِنْ } في قوله: { مِنَ ٱللَّهِ } صلة الشهادة والمعنى: ومن أظلم ممن كتم شهادة جاءته من عند الله فجحدها كقول الرجل لغيره عندي شهادة منك، أي شهادة سمعتها منك وشهادة جاءتني من جهتك ومن عندك.







أظلم الناس (من افترى على الله الكذب أو كذب آياته] )
تفسير جامع البيان في تفسير القران/ الطبري
قال تعالى

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } 144الأنعام

يقول جلّ ثناؤه: { فمنْ أظْلمُ مِمَّنِ افترَى عَلى اللّهِ كِذباً } يقول: فمن أشدّ ظلماً لنفسه وأبعد عن الحقّ ممن تخرّص على الله قيل الكذب وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم وتحليل ما لم يحلل. { لِيُضِلَّ النَّاسَ بغيرِ عِلْمٍ } يقول: ليصدّهم عن سبيله: { إنَّ اللّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمينَ } يقول: لا يوفق الله للرشد من افترى على الله وقال عليه الزور والكذب وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم كفراً بالله وجحوداً لنبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. كالذي:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { أمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا } الذي تقولون.

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: كانوا يقولون يعني الذين كانوا يتخذون البحائر والسوائب: إن الله أمر بهذا. فقال الله: { فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى على اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بغيرِ عِلْمٍ }.



تفسير الأعقم/ الأعقم
فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً } ينسب إليه تحريم ما لم يحرم { ليضل النَّاس بغير علم } وهو عمرو بن لحي الذي بحر البحائر وسيب السوائب ثم بين سبحانه المحرمات فقال: { قل } يا محمد { لا أجد فيما أُوحي إلي محرما } أي شيئاً محرماً { على طاعم يطعمه } أكل يأكله، قوله تعالى: { إلاَّ أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً } أي مصبوباً كدم العروق فأما الكبد والطحال فدمٌ جامدٌ غير مسفوح، وكذا الدم الذي يخالط اللحم فليسَ بمسفوح { أو لحم خنزير فانه رجسٌ } اي نجس خبيث حرام { أو فسقاً } معصية { أهل لغير الله به } يعني ما ذبح وذكر عنده اسم الأوثان { فمن اضطر } قيل: بلغ الضرورة في المجاعة { غير باغ } طالب التلذذ بأكله { ولا عاد } مجاوز قدر حاجته { فان ربك غفور رحيم }.



الوسيط في تفسير القرآن الكريم طنطاوي




فالجملة الكريمة تبكتهم غاية التبكيت على جهالاتهم وافترائهم الكذب على الله، والاستفهام فى قوله - تعالى - { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } للنفى والإنكار.

أى: لا أحد أشد ظلما من هؤلاء المشركين الذين يفترون على الله الكذب بنسبتهم إليه - سبحانه - تحريم ما لم يحرمه لكى يضلوا الناس عن الطريق القويم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

وقوله، { بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلق بمحذوف حال من فاعل افترى، أى: افترى عليه - تعالى - جاهلا بصدور التحريم.


وإنما وصف بعدم العلم مع أن المفترى عالم بعدم الصدور، إيذاناً بخروجه فى الظلم عن الحدود والنهايات، لأنه إذا كان المفترى بغير علم يعد ظالماً فكيف بمن يفترى الكذب وهو عالم بذلك.

ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أى لا يهديهم إلى طريق الحق بسبب ظلمهم، وإيثارهم طريق الغى على طريق الرشد.

هذا، والمتأمل فى هاتين الآيتين الكريمتين يراهما قد ردتا على المشركين بأسلوب له - مع سهولته وتأثيره - الطابع المنطقى الذى يزيد المؤمنين إيماناً بصحة هذا الدين، وصدق هذا القرآن، ويقطع على المعارضين والملحدين كل حجة وطريق.
تفسير روح المعاني/ الالوسي




{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } فنسب إليه سبحانه تحريم ما لم يحرم، والمراد به ـ على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ عمرو بن لحي بن قمعة الذي بحر البحائر وسيب السوائب وتعمد الكذب على الله تعالى، وقيل: كبراؤهم المقررون لذلك، وقيل: الكل لاشتراكهم في الافتراء عليه سبحانه وتعالى، والمراد فأي فريق أظلم ممن الخ، واعترض بأن قيد التعمد معتبر في معنى الافتراء. ومن تابع عمراً من الكبراء يحتمل أنه أخطأ في تقليده فلا يكون متعمداً للكذب فلا ينبغي تفسير الموصول به، والفاء لترتيب ما بعدها على ما سبق من تبكيتهم وإظهار كذبهم وافترائهم، ونصب { كَذِبًا } قيل على المفعولية، وقيل: على المصدرية من غير لفظ الفعل، وجعله حالاً أي كاذباً جوزه بعض كمل المتأخرين وهو بعيد لا خطأ خلافاً لمن زعمه.

{ لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ } متعلق بالافتراء { بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلق بمحذوف وقع حالاً من ضمير (افترى) أي افترى عليه سبحانه جاهلاً بصدور التحريم عنه جل شأنه، وإنما وصف بعدم العلم مع أن المفتري عالم بعدم الصدور إيذاناً بخروجه في الظلم عن الحدود والنهايات فإن من افترى عليه سبحانه بغير علم بصدور ذلك عنه جل جلاله مع احتمال صدوره إذا كان في تلك الغاية من الظلم فما الظن بمن افترى وهو يعلم عدم الصدور. وجوز كونه حالاً من فاعل (يضل( على معنى متلبساً بغير علم بما يؤدي به إليه من العذاب العظيم. وقيل: معنى الآية عليه أنه عمل عمل القاصد إضلال الناس من أجل دعائهم إلى ما فيه الضلال وإن لم يقصد الإضلال وكان جاهلاً بذلك غير عالم به، وهو ظاهر في أن اللام للعاقبة وله وجه.






((من خرّب بيوت الله))
تفسير جامع البيان في تفسير القران/ الطبري

قال تعالى{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
قد دللنا فـيـما مضى قَبْلُ علـى أن تأويـل الظلـم: وضع الشيء فـي غير موضعه. وتأويـل قوله: { وَمَنْ أَظْلَـمَ }: وأيّ امرىء أشدّ تعدّياً وجراءة علـى الله وخلافـاً لأمره مِن امرىء منع مساجد الله أن يعبد الله فـيها؟ والـمساجد جمع مسجد: وهو كل موضع عبد الله فـيه. وقد بـينا معنى السجود فـيـما مضى، فمعنى الـمسجد: الـموضع الذي يسجد لله فـيه، كما يقال للـموضع الذي يجلس فـيه: الـمـجلس، وللـموضع الذي ينزل فـيه: منزل، ثم يجمع منازل ومـجالس نظير مسجد ومساجد. وقد حكي سماعا من بعض العرب مساجد فـي واحد الـمساجد، وذلك كالـخطأ من قائله.

وأما قوله: { أنْ يُذْكَرَ فِـيها اسمُهُ } فإن فـيه وجهين من التأويـل، أحدهما: أن يكون معناه: ومن أظلـم مـمن منع مساجد الله من أن يذكر فـيها اسمه، فتكون «أن» حينئذ نصبـاً من قول بعض أهل العربـية بفقد الـخافض وتعلق الفعل بها. والوجه الآخر أن يكون معناه: ومن أظلـم مـمن منع أن يذكر اسم الله فـي مساجده، فتكون «أن» حينئذ فـي موضع نصب تكريراً علـى موضع الـمساجد وردًّا علـيه.

وأما قوله: { وَسَعَى فـي خَرَابِها } فإن معناه: ومن أظلـم مـمن منع مساجد الله أن يذكر فـيها اسمه، ومـمن سعى فـي خراب مساجد الله. ف«سعى» إذا عطف علـى «منع».

فإن قال قائل: ومن الذي عنـي بقوله: { وَمَنْ أظْلَـمُ مِـمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أنْ يُذْكَر فـيها اسمُهُ وَسَعَى فِـي خَرَابِها } وأيّ الـمساجد هي؟ قـيـل: إن أهل التأويـل فـي ذلك مختلفون، فقال بعضهم: الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فـيها اسمه هم النصارى والـمسجد بـيت الـمقدس.






تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي




أخرج ابن اسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس. أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل الله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله... } الآية.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } قال: هم النصارى.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه } قال: هم النصارى، وكانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه.

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله... } الآية. قال: هم الروم، كانوا ظاهروا بختنصر على بيت المقدس. وفي قوله { أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } قال: فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه، وقد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها. وفي قوله { لهم في الدنيا خزي } قال: أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: أولئك أعداء الله الروم، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس.

وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال: إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس حرقوه، فلما بعث الله محمداً أنزل عليه { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها... } الآية. فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفاً.

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: هؤلاء المشركون حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت يوم الحديبية.

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا وهم خائفون.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { لهم في الدنيا خزي } قال: يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه عن بسر بن أرطاة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة ".



تفسير فتح القدير/ الشوكاني




هذا الاستفهام فيه أبلغ دلالة على أن هذا الظلم متناه، وأنه بمنزلة لا ينبغي أن يلحقه سائر أنواع الظلم: أي: لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله، واسم الاستفهام في محل رفع على الابتداء، وأظلم خبره. وقوله: { أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } قيل: هو بدل من مساجد. وقيل: إنه مفعول له بتقدير كراهية أن يذكر. وقيل: إن التقدير من أن يذكر، ثم حذف حرف الجر لطول الكلام؛ وقيل إنه مفعول ثان لقوله: { مَنَعَ } والمراد بمنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله: منع من يأتي إليها للصلاة، والتلاوة، والذكر، وتعليمه. والمراد بالسعي في خرابها: هو السعي في هدمها، ورفع بنيانها، ويجوز أن يراد بالخراب تعطيلها عن الطاعات التي وضعت لها، فيكون أعم من قوله: { أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } فيشمل جميع ما يمنع من الأمور التي بنيت لها المساجد، كتعلم العلم وتعليمه، والقعود للاعتكاف، وانتظار الصلاة، ويجوز أن يراد ما هو أعم من الأمرين من باب عموم المجاز، كما قيل في قوله تعالى:
{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ }
[التوبة: 18].

وقوله: { مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ } أي: ما كان ينبغي لهم دخولها إلا حال خوفهم، وفيه إرشاد للعباد من الله عزّ وجل أنه ينبغي لهم أن يمنعوا مساجد الله من أهل الكفر من غير فرق بين مسجد ومسجد، وبين كافر وكافر، كما يفيده عموم اللفظ، ولا ينافيه خصوص السبب، وأن يجعلوهم بحالة إذا أرادوا الدخول كانوا على وجل وخوف، من أن يفطن لهم أحد من المسلمين، فينزلون بهم ما يوجب الإهانة، والإذلال، وليس فيه الإذن لنا بتمكينهم من ذلك حال خوفهم، بل هو كناية عن المنع لهم منا عن دخول مساجدنا، والخزي: قيل: هو ضرب الجزية عليهم، وإذلالهم، وقيل غير ذلك، وقد تقدّم تفسيره. والمشرق: موضع الشروق. والمغرب: موضع الغروب، أي: هما ملك لله، وما بينهما من الجهات، والمخلوقات، فيشمل الأرض كلها.

وقوله: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ } أي: أيّ جهة تستقبلونها، فهناك وجه الله، أي: المكان الذي يرتضى لكم استقباله، وذلك يكون عند التباس جهة القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها بقوله سبحانه:
{ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }
[البقرة: 150] قال في الكشاف: والمعنى أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام، أو: في بيت المقدس، فقد جعلت لكم الأرض مسجداً، فصلوا في أيّ بقعة شئتم من بقاعها، وافعلوا التولية فيها، فإن التولية ممكنة في كل مكان، لا تختص أماكنها في مسجد دون مسجد، ولا في مكان دون مكان. انتهى. وهذا التخصيص لا وجه له، فإن اللفظ أوسع منه.



تفسير الجامع لاحكام القران/ القرطبي




فيه سبع مسائل:

الأولى: قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } «مَن» رفع بالابتداء، و { أَظْلَمُ } خبره؛ والمعنى لا أحدَ أظلم. و «أنْ» في موضع نصب على البدل من { مَسَاجِدَ } ، ويجوز أن يكون التقدير: كراهية أن يُذكر، ثم حذف. ويجوز أن يكون التقدير: من أن يذكر فيها؛ وحرف الخفض يُحذف مع «أنْ» لطول الكلام. وأراد بالمساجد هنا بيت المَقْدِس ومحاريبه. وقيل الكعبة، وجمعت لأنها قِبْلة المساجد أو للتعظيم. وقيل: المراد سائر المساجد؛ والواحد مَسْجِد (بكسر الجيم)، ومن العرب من يقول: مَسجَد، (بفتحها). قال الفراء: «كل ما كان على فَعَلَ يَفْعُل؛ مثل دخل يدخل، فالمفعل منه بالفتح ٱسماً كان أو مصدراً، ولا يقع فيه الفرق، مثل دخل يَدْخُل مَدْخَلاً، وهذا مَدْخَلُه؛ إلا أحرفاً من الأسماء ألزموها كسر العين؛ من ذلك: المَسْجِد والمَطْلِع والمغرِب والمشرِق والمَسْقِط والمَفْرِق والمَجْزِر والمَسْكِن والمَرْفِق (من رفَقَ يَرْفُق) والمَنْبِت والمَنْسِك (من نَسَك يَنْسُك)؛ فجعلوا الكسر علامة للاسم، ورُبّما فتحه بعض العرب في الاسم». والمَسْجَد (بالفتح): جبهة الرجل حيث يصيبه نَدَبُ السجود. والآراب: السبعة مساجد؛ قاله الجوهري.

الثانية: وٱختلف الناس في المراد بهذه الآية وفيمن نزلت؛ فذكر المفسرون أنها نزلت في بُخْتَ نَصّر؛ لأنه كان أخرب بيت المقدس. وقال ٱبن عباس وغيره: نزلت في النصارى؛ والمعنى كيف تدّعون أيها النصارى أنكم من أهل الجنة! وقد خرّبتم بيت المقدس ومنعتم المصلين من الصلاة فيه. ومعنى الآية على هذا: التعجّب من فعل النصارى ببيت المقدس مع تعظيمهم له، وإنما فعلوا ما فعلوا عداوة لليهود. روى سعيد عن قتادة قال: أولئك أعداء الله النصارى، حملهم إبغاض اليهود على أن أعانوا بُخْتَ نَصّر البابليّ المجوسيّ على تخريب بيت المقدس. وروي أن هذا التخريب بقي إلى زمن عمر رضي الله عنه. وقيل: نزلت في المشركين إذ منعوا المصلين والنبيّ صلى الله عليه وسلم، وصدّوهم عن المسجد الحرام عامَ الحُدَيْبِيَة. وقيل: المراد مَن منع من كل مسجد إلى يوم القيامة، وهو الصحيح؛ لأن اللفظ عام ورد بصيغة الجمع، فتخصيصها ببعض المساجد وبعض الأشخاص ضعيف؛ والله تعالى أعلم.

الثالثة: خراب المساجد قد يكون حقيقيًّا كتخريب بُخْتَ نَصّر والنصارى بيت المقدس على ما ذُكر أنهم غَزَوْا بني إسرائيل مع بعض ملوكهم ـ قيل: ٱسمه نطوس ابن اسبيسانوس الرومي فيما ذكر الغزنَوِيّ ـ فقتلوا وسبَوْا، وحرقوا التوراة، وقذفوا في بيت المقدس العِذْرة وخربوه.

ويكون مجازاً كمنع المشركين المسلمين حين صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام؛ وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها.

الرابعة: قال علماؤنا: ولهذا قلنا لا يجوز منع المرأة من الحج إذا كانت ضَرُورة، سواء كان لها مَحْرَم أو لم يكن؛ ولا تمنع أيضاً من الصلاة في المساجد ما لم يخف عليها الفتنة؛ وكذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " ولذلك قلنا: لا يجوز نقض المسجد ولا بيعه ولا تعطيله وإن خربت المحلة، ولا يمنع بناء المساجد إلا أن يقصدوا الشقاق والخلاف، بأن يبنوا مسجداً إلى جنب مسجد أو قُربه؛ يريدون بذلك تفريق أهل المسجد الأوّل وخرابه وٱختلاف الكلمة، فإن المسجد الثاني ينقض ويمنع من بنيانه؛ ولذلك قلنا: لا يجوز أن يكون في المصر جامعان، ولا لمسجد واحد إمامان، ولا يصلي في مسجد جماعتان. وسيأتي لهذا كله مزيد بيان في سورة «براءة» إن شاء الله تعالى، وفي «النور» حكم المساجد وبنائها بحول الله تعالى. ودلّت الآية أيضا على تعظيم أمر الصلاة، وأنها لمّا كانت أفضل الأعمال وأعظمها أجراً كان منعها أعظم إثماً.

الخامسة: كل موضع يمكن أن يُعبد الله فيه ويُسجد له يسمَّى مسجداً؛ قال صلى الله عليه وسلم: " جُعلت لِيَ الأرض مسجداً وطهوراً " ، أخرجه الأئمة. وأجمعت الأمة على أن البُقعة إذا عُيِّنت للصلاة بالقول خرجت عن جملة الأملاك المختصة بربّها وصارت عامةً لجميع المسلمين؛ فلو بنى رجل في داره مسجداً وحجزه على الناس وٱختص به لنفسه لبقي على ملكه ولم يخرج إلى حَدّ المسجدية، ولو أباحه للناس كلهم كان حكمه حكم سائر المساجد العامة، وخرج عن ٱختصاص الأملاك.

السادسة: قوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } «أولئك» مبتدأ وما بعده خبره. «خائفين» حال؛ يعنى إذا ٱستولى عليها المسلمون وحصلت تحت سلطانهم فلا يتمكن الكافر حينئذ من دخولها. فإن دخلوها، فعلى خوف من إخراج المسلمين لهم، وتأديبهم على دخولها. وفي هذا دليل على أن الكافر ليس له دخول المسجد بحال، على ما يأتي في «براءة» إن شاء الله تعالى. ومن جعل الآية في النصارى روى أنه مَرَ زمان بعد بناء عمر بيت المَقْدِس في الإسلام لا يدخله نصرانيّ إلا أُوجع ضرباً بعد أن كان متعبّدهم. ومن جعلها في قريش قال: كذلك نودي بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أَلاَ لا يَحُجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبَيْت عُرْيان " وقيل: هو خبر ومقصوده الأمر؛ أي جاهدوهم وٱستأصلوهم حتى لا يدخل أحد منهم المسجد الحرام إلا خائفاً؛ كقوله:
{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ }
[الأحزاب: 53] فإنه نَهْي ورَدَ بلفظ الخبر.

السابعة: قوله تعالى: { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } قيل القَتْل للحربيّ، والْجزية للذِّمي؛ عن قتادة. السُّديّ: الخزْيُ لهم في الدنيا قيامُ المهِديّ، وفتحُ عَمُّورِيّة ورُومِيَة وقُسْطَنْطِينية، وغير ذلك من مُدُنهم؛ على ما ذكرناه في كتاب التّذكرة. ومن جعلها في قريش جعل الْخزي عليهم في الفتح، والعذاب في الآخرة لمن مات منهم كافراً.











اظلم الناس ( من اعرض عن آيات ربه )

قال تعالى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } الكهف 57



تفسير الأعقم للأعقم
{ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه } هذا استفهام والمراد التقرير، يعني ليس أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه، قيل: بالقرآن، وقيل: سائر حجج الله فأعرض عنها { ونسي ما قدمت يداه } من الذنوب { إنا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه } أغطية، وقوله: أن يفقهوه: يعلموه { وفي آذانهم وقرا } وهذا على وجه التشبيه أي أعرضوا عن الدين إعراض من جعل على قلبه أكنَّة وكان في أذنيه وقرا، وقيل: المراد بالأكنة والوقر الختم، علامة يجعلها على قلب الكافر لتميزه الملائكة { وان تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً } أي لا يقبلون الحق { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم } يعاقبهم { بما كسبوا } من الذنوب { لعجّل لهم العذاب } في الدنيا { بل لهم موعد } وهو القيامة إذا بعثوا { لن يجدوا من دونه موئلاً } يعني ملجأ، وقيل: منجا، ومتى قيل: وما معنى قوله: { وربك الغفور ذو الرحمة }؟ قالوا: غفوراً لذنب التائب، ذو الرحمة للمصرّ يمهل ولا يعاجل، وقيل: غفور يستر عليهم، ذو الرحمة منعم عليهم بالنعم، وقيل: غفور لا يؤاخذهم عاجلاً وبالرحمة يؤخرهم ليتوبوا ويقبل توبتهم { وتلك القرى } إشارة إلى القرى التي تنزل بهم العذاب { أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً } أي أجلاً وميقاتاً، والأجل: الوقت الذي وعدوا فيه بالإِهلاك، أي كما جعلنا لأولئك موعداً أأخذناهم اليه للمصلحة التي علمنا كذلك هؤلاء، ثم ذكر قصة موسى (عليه السلام) فقال سبحانه: { وإذ قال موسى لفتاه } ، قيل: عبده، وقيل: يوشع بن نون لأنه كان يحدثه ويبعه، وقيل: كان يأخذ منه العلم { لا أبرح حتى أبلغ } يعني لا أبرح أسير { حتى أبلغ مجمع البحرين } وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر، (عليهما السلام) وهو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق، أو أسر زماناً طويلاً، والحقب: ثمانون سنة، تدل الآية على أن موسى (عليه السلام) سافر لمرض واختلفوا في سنّه، روي أنه لما ظهر موسى (عليه السلام) على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط أمره الله أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيباً فذكرهم الله وقال: إنه اصطفا نبيكم وكلّمه، فقالوا له: قد علمنا ذلك فأي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه حيث لم يردّ العلم إلى الله فأوحى إليه بل أعلم منك عبدٌ لي عند مجمع البحرين وهو الخضر (عليه السلام)، وروي أن موسى سأل ربه: أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علم نفسه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى وترده عن ردى، فقال: إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه، قال: أعلم منك الخضر، قال: أين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة، قال: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتاً في مكتل فحيث فقدته فهو هناك، فقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فاخبرني، فذهبا يمشيان حتى بلغا البحر فرقد موسى فاضطرب الحوت فوقع في البحر، فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر، فأتيا الصخرة فإذا رجل متسجي بثوبه فسلم عليه، وقيل: رآه على طنفسة خضراء فسلم عليه، فقال: وعليك السلام يا نبي بني اسرائيل، فقال له موسى: وما أدراك أني نبي، قال: من ذلك عليَّ، وقيل: وصل إليه وهو يصلي فلما صلاَّ تحدثا، فقال: يا موسى أنا على علم علّمْنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم لا أعلمه أنا، فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع فنقر في الماء، فقال الخضر: ما نقص علمي وعلمك مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر، وقيل: كانت سمكة مملوحة، وقيل: أن يوشع حمل الحوت والخبز في المكتل فنزلا على عين تسمى عين الحياة، فلما نام موسى أصاب السمكة روح الماء وبرده فعاشت، وروي أنهما أكلا منها، وروي أن يوشع توضأ من تلك العين فانفض الماء على الحوت فعاش، قيل: تركاه، وقيل: نسياه من النسيان، ومتى قيل: كيف نسياه والحوت مع يوشع؟ قالوا: كما يقال نسي القوم زادهم، وإنما نسي واحد، ويقال: نسي يوشع حمل الحوت، ونسي موسى أن يذكره { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } أي مسلكاً يذهب فيه، قيل: قاما عند الصخرة فاضطرب السمك وخرجت من المكتل وسقطت في البحر، فلما استيقظ موسى من نومه نسي صاحبه أن يخبره به.


تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار جدالهم بالباطل وصفهم بعده بالصفات الموجبة للخزي والخذلان. الصفة الأولى: قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايِـٰتِ رَبّهِ } أي لا ظلم أعظم من كفر من ترد عليه الآيات والبينات فيعرض عنها وينسى ما قدمت يداه أي مع إعراضه عن التأمل في الدلائل والبينات يتناسى ما قدمت يداه من الأعمال المنكرة والمذاهب الباطلة والمراد من النسيان التشاغل والتغافل عن كفره المتقدم. الصفة الثانية: (قوله): { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يفقهوه } وقد مر تفسير هذه الآية على الاستقصاء في سورة الأنعام، والعجب أن قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايِـٰتِ رَبّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } متمسك القدرية، وقوله: { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } إلى آخر الآية متمسك الجبرية وقلما نجد في القرآن آية لأحد هذين الفريقين إلا ومعها آية للفريق الآخر، والتجربة تكشف عن صدق قولنا. وما ذاك إلا امتحان شديد من الله تعالى ألقاه على عباده ليتميز العلماء الراسخون من المقلدين ثم قال تعالى: { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } الغفور البليغ المغفرة وهو إشارة إلى دفع المضار ذو الرحمة الموصوف بالرحمة، وإنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة لا في الرحمة، لأن المغفرة ترك الإضرار وهو تعالى قد ترك مضار لا نهاية لها مع كونه قادراً عليها، أما فعل الرحمة فهو متناه لأن ترك ما لا نهاية له ممكن، أما فعل ما لا نهاية له فمحال ويمكن أن يقال: المراد أنه يغفر كثيراً لأنه ذو الرحمة ولا حاجة به إليها فيهبها من المحتاجين كثيراً ثم استشهد بترك مؤاخذة أهل مكة عاجلاً من غير إمهال مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ } وهو إما يوم القيامة، وإما في الدنيا وهو يوم بدر وسائر أيام الفتح (وقوله): { لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } (أي) منجى ولا ملجأ، يقال وأل إذا لجأ، ووأل إليه إذا لجأ إليه، ثم قال تعالى: { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ } يريد قرى الأولين من ثمود وقوم لوط وغيرهم أشار إليها ليعتبروا، وتلك مبتدأ، والقرى صفة لأن أسماء الإشارة توصف بأصناف الأجناس وأهلكناهم خبر والمعنى، وتلك أصحاب القرى أهلكناهم لما ظلموا مثل ظلم أهل مكة: { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا } أي وضربنا لإهلاكهم وقتاً معلوماً لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر، والمهلك الإهلاك أو وقته، وقرىء لمهلكهم بفتح الميم واللام مفتوحة أو مكسورة، أي لهلاكهم أو وقت هلاكهم، والموعد وقت أو مصدر، والمراد إنا عجلنا هلاكهم ومع ذلك لم ندع أن نضرب له وقتاً ليكونوا إلى التوبة أقرب.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار جدالهم بالباطل وصفهم بعده بالصفات الموجبة للخزي والخذلان. الصفة الأولى: قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايِـٰتِ رَبّهِ } أي لا ظلم أعظم من كفر من ترد عليه الآيات والبينات فيعرض عنها وينسى ما قدمت يداه أي مع إعراضه عن التأمل في الدلائل والبينات يتناسى ما قدمت يداه من الأعمال المنكرة والمذاهب الباطلة والمراد من النسيان التشاغل والتغافل عن كفره المتقدم. الصفة الثانية: (قوله): { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يفقهوه } وقد مر تفسير هذه الآية على الاستقصاء في سورة الأنعام، والعجب أن قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايِـٰتِ رَبّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } متمسك القدرية، وقوله: { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } إلى آخر الآية متمسك الجبرية وقلما نجد في القرآن آية لأحد هذين الفريقين إلا ومعها آية للفريق الآخر، والتجربة تكشف عن صدق قولنا. وما ذاك إلا امتحان شديد من الله تعالى ألقاه على عباده ليتميز العلماء الراسخون من المقلدين ثم قال تعالى: { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } الغفور البليغ المغفرة وهو إشارة إلى دفع المضار ذو الرحمة الموصوف بالرحمة، وإنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة لا في الرحمة، لأن المغفرة ترك الإضرار وهو تعالى قد ترك مضار لا نهاية لها مع كونه قادراً عليها، أما فعل الرحمة فهو متناه لأن ترك ما لا نهاية له ممكن، أما فعل ما لا نهاية له فمحال ويمكن أن يقال: المراد أنه يغفر كثيراً لأنه ذو الرحمة ولا حاجة به إليها فيهبها من المحتاجين كثيراً ثم استشهد بترك مؤاخذة أهل مكة عاجلاً من غير إمهال مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ } وهو إما يوم القيامة، وإما في الدنيا وهو يوم بدر وسائر أيام الفتح (وقوله): { لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } (أي) منجى ولا ملجأ، يقال وأل إذا لجأ، ووأل إليه إذا لجأ إليه، ثم قال تعالى: { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ } يريد قرى الأولين من ثمود وقوم لوط وغيرهم أشار إليها ليعتبروا، وتلك مبتدأ، والقرى صفة لأن أسماء الإشارة توصف بأصناف الأجناس وأهلكناهم خبر والمعنى، وتلك أصحاب القرى أهلكناهم لما ظلموا مثل ظلم أهل مكة: { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا } أي وضربنا لإهلاكهم وقتاً معلوماً لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر، والمهلك الإهلاك أو وقته، وقرىء لمهلكهم بفتح الميم واللام مفتوحة أو مكسورة، أي لهلاكهم أو وقت هلاكهم، والموعد وقت أو مصدر، والمراد إنا عجلنا هلاكهم ومع ذلك لم ندع أن نضرب له وقتاً ليكونوا إلى التوبة أقرب.
تفسير فتح القدير/ الشوكاني



لما ذكر سبحانه افتخار الكفرة على فقراء المسلمين بأموالهم وعشائرهم، وأجابهم عن ذلك وضرب لهم الأمثال الواضحة، حكى بعض أهوال الآخرة فقال: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } أي: كرّرنا ورددنا { فِى هَـٰذَا القرآن للناس } أي لأجلهم ولرعاية مصلحتهم ومنفعتهم { مِن كُلّ مَثَلٍ } من الأمثال التي من جملتها الأمثال المذكورة في هذه السورة، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة بني إسرائيل، وحين لم يترك الكفار ما هم فيه من الجدال بالباطل، ختم الآية بقوله { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ أَكْثَرَ شَىء جَدَلاً } قال الزجاج: المراد بالإنسان: الكافر، واستدل على أن المراد الكافر بقوله تعالى: { وَيُجَـٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ } وقيل: المراد به في الآية: النضر بن الحارث، والظاهر العموم وأن هذا النوع أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال جدلاً، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عليّ: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلاً، فقال: " ألا تصليان؟ " فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئاً، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول: { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ أَكْثَرَ شَىء جَدَلاً } ، وانتصاب جدلاً على التمييز. { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأوَّلِينَ } قد تقدّم الكلام على مثل هذا في سورة بني إسرائيل، وذكرنا أنّ (أن) الأولى في محل نصب، والثانية في محل رفع، والهدى: القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم، والناس هنا هم أهل مكة، والمعنى على حذف مضاف، أي: ما منع الناس من الإيمان والاستغفار إلا طلب إتيان سنة الأوّلين، أو انتظار إتيان سنة الأوّلين، وزاد الاستغفار في هذه السورة لأنه قد ذكر هنا ما فرط منهم من الذنوب التي من جملتها جدالهم بالباطل، وسنة الأوّلين هو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا عذاب الاستئصال. قال الزجاج: سنّتهم هو قولهم:
{ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ }
الآية [الأنفال: 2] { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي: عذاب الآخرة { قُبُلاً } قال الفراء: إن قبلاً جمع قبيل، أي: متفرقاً يتلو بعضه بعضاً، وقيل: عياناً، وقيل: فجأة. ويناسب ما قاله الفراء قراءة أبي جعفر وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي ويحيـى بن وثاب وخلف { قُبُلاً } بضمتين فإنه جمع قبيل، نحو سبيل وسبل، والمراد: أصناف العذاب، ويناسب التفسير الثاني، أي: عياناً، قراءة الباقين بكسر القاف وفتح الباء أي: مقابلة ومعاينة، وقرىء بفتحتين على معنى: أو يأتيهم العذاب مستقبلاً، وانتصابه على الحال. فحاصل معنى الآية أنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون إلا عند نزول عذاب الدنيا المستأصل لهم، أو عند إتيان أصناف عذاب الآخرة أو معاينته







ظلم الانسان لنفسه


تفسير جامع البيان في تفسير القران/ الطبري (ت 310 هـ)
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
ويعنـي بقوله: { وَمَا ظَلَـمُونَا }: وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرّة علـينا ومنقصة لنا، ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرّة علـيها ومنقصة لها. كما:

حدثت عن الـمنـجاب، قال: ثنا بشر، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { وَما ظَلَـمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِـمُونَ } قال: يضرّون. وقد دللنا فـيـما مضى علـى أن أصل الظلـم وضع الشيء فـي غير موضعه بـما فـيه الكفـاية، فأغنى ذلك عن إعادته. وكذلك ربنا جل ذكره لا تضرّه معصية عاص، ولا يتـحيف خزائنه ظلـم ظالـم، ولا تنفعه طاعة مطيع، ولا يزيد فـي ملكه عدل عادل بل نفسه يظلـم الظالـم، وحظها يبخس العاصي، وإياها ينفع الـمطيع، وحظها يصيب العادل.


تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ)
{ وَمَا ظَلَمُونَا } عطف على محذوف أي فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر أو فظلموا بأن كفروا هذه النعم وما ظلمونا بذلك، ويجوز ـ كما في «البحر» ـ أن لا يقدر محذوف لأنه قد صدر منهم ارتكاب قبائح من اتخاذ العجل إلهاً، وسؤال رؤيته تعالى ظلماً وغير ذلك فجاء قوله تعالى: { وَمَا ظَلَمُونَا } بجملة منفية تدل على أن ما وقع منهم من تلك القبائح لم يصل إلينا منها نقص ولا ضرر، وفي هذا دليل على أنه ليس من شرط نفي الشيء عن الشيء إمكان وقوعه لأن ظلم الإنسان لله تعالى لا يمكن وقوعه ألبتة.

{ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بالكفران أو بما فعلوا إذ لا يتخطاهم ضرره، وتقديم المفعول للدلالة على القصر الذي يقتضيه النفي السابق، وفيه ضرب تهكم بهم، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على تماديهم في الظلم واستمرارهم عليه، وفي ذكر (أنفسهم) بجمع القلة تحقير لهم وتقليل، والنفس العاصية أقل من كل قليل.



تفسير مجمع البيان في تفسير القران/ الطبرسي (ت 548 هـ)






اصحاب الأيكه ظالمين

وأصحاب الأيكة هم أهل الشجر الذين أرسل إليهم شعيب (ع) وأرسل إلى أهل مدين فأهلكوا بالصيحة. وأما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة التي احترقوا بنارها عن قتادة وجماعة من المفسرين, ومعنى الآية أنه كان أصحاب الأيكة لظالمين في تكذيب رسولهم وكانوا أصحاب غياض فعاقبهم الله تعالى بالحر سبعة أيام ثم أنشأ سبحانه سحابة فاستظلوا بها يلتمسون الروح فيها فلما اجتمعوا تحتها أرسل منها صاعقة فأحرقتهم جميعاً.




تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 373 هـ)
قال قتادة: مدين وإلى أصحاب الأيكة، وقال بعضهم: آل مدين والأيكة واحد. لأن الأيكة كانت عند مدين وهذا أصح. { لَظَـٰلِمِينَ } أي: لكافرين قوله: { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } بالعذاب { وَإِنَّهُمَا } أي: قريات لوط وشعيب { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } أي: لبطريق واضح. وقال القتبي: أصل الإمام ما يؤتم به. قال الله تعالى: { إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } أي يؤتم ويقتدى بك، ثم تستعمل لمعاني منها الكتاب إماماً لأنه يؤتم بما أحصاه الكتاب قال الله تعالى:
{ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ }
[الإسراء: 71] أي بكتابهم وقال تعالى
{ وَكُلَّ شىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ فِىۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ }






تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ)
وقوله سبحانه: { وَإِن كَانَ أَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ لَظَـٰلِمِينَ * فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ }: { الأَيْكَةِ }: الغَيْضة والشجَرُ الملتفُّ المُخْضَرُّ، قال الشاعر: [الطويل]
إِذا اخْضَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا غَضَارَةُ أَيْكَةٍ

وكان هؤلاءِ قوماً يسكنون غَيْضَة، ويرتَفِقُون بها في معايِشِهم، فبعث إِليهم شعيبٌ، فكفروا به، فسَلَّط اللَّه عليهم الحَرَّ، فدام عليهم سبعةَ أيام، ثم رَأَوْا سحابة، فخرجُوا، فٱستظلُّوا بها، فأمطرتْ عليهم ناراً، وحكى الطبريُّ قال: بُعِثَ شعيبٌ إِلى أَمَّتَيْنِ، فكفرتا، فعُذِّبتا بعذابَيْنِ مختلفينِ: أهْلِ مَدْيَنَ عَذِّبوا بالصيحة، وأصْحَابِ الأيكة بالظُّلَّة.

وقوله: { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ }: الضميرُ في «وإنهما»: يحتملُ أنْ يعود على مدينةِ قومِ لوطٍ، ومدينة أصحابِ الأيْكَة، ويحتملُ أنْ يعود على لُوطٍ وشُعَيْبٍ عليهما السلام، أي: أنهما على طريقٍ من اللَّه وشَرْعٍ مبينٍ، و«الإِمامُ»، في كلام العرب: الشيء الذي يهتدى به، ويؤتَمُّ به؛ فقد يكون الطريقَ، وقد يكون الكتابَ، وقد يكونُ الرَّجُلَ المقتدَى به، ونَحْوَ هذا، ومَنْ رأى عودَ الضميرِ على المدينتين، قال: «الإِمام»: الطريقُ، وقيل على ذلك الكتاب الذي سبق فيه إِهلاكهما، و { أَصْحَـٰبُ ٱلحِجْرِ }: هم ثمود، وقد تقدَّم قصصهم، و«الحِجْر»: مدينتهم، وهي ما بين المدينةِ وتَبُوك، وقال: { ٱلْمُرْسَلِينَ }؛ من حيث يلزم من تكذيبِ رسولٍ واحدٍ تكذيبَ الجميع، إِذِ القولُ في المعتَقَدَاتِ واحدٌ.

- الشرك (ظلم عظيم)







تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ)
{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
قيل: كان اسم ابنه «أنعم» وقال الكلبي: «أشكم» وقيل: كان ابنه وامرأته كافرين، فما زال بهما حتى أسلما { لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لأنّ التسوية بين من لا نعمة إلا هي منه، ومن لا نعمة منه البتة ولا يتصوّر أن تكون منه - ظلم لا يكتنه عظمه.




تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ)
وجملة: { إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } تعليل لما قبلها، وبدأ في وعظه بنهيه عن الشرك لأنه أهمّ من غيره.

وقد اختلف في هذه الجملة، فقيل: هي من كلام لقمان. وقيل: هي من كلام الله، فتكون منقطعة عما قبلها، ويؤيد هذا ما ثبت في الحديث الصحيح أنها لما نزلت
{ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ }
[الأنعام: 82] شق ذلك على الصحابة، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه. فأنزل الله: { إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } فطابت أنفسهم.







الغافلون عن وعيد الله

ففيه تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)قولان: الأول: لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين وفي الآخرة يعرفون الحق. والثاني: { لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } وهم في الآخرة في ضلال عن الجنة بخلاف المؤمنين، وأما قوله تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ } فلا شبهة في أنه أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم بأن ينذر من في زمانه فيصلح بأن يجعل هذا كالدلالة على أن قوله فاختلف الأحزاب أراد به اختلاف جميعهم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأما الإنذار فهو التخويف من العذاب لكي يحذروا من ترك عبادة الله تعالى وأما يوم الحسرة فلا شبهة في أنه يوم القيامة من حيث يكثر التحسر من أهل النار وقيل يتحسر أيضاً في الجنة إذا لم يكن من السابقين الواصلين إلى الدرجات العالية والأول هو الصحيح لأن الحسرة غم وذلك لا يليق بأهل الثواب، أما قوله تعالى: { إِذْ قُضِىَ ٱلأَمْرُ } ففيه وجوه: أحدها: إذ قضى الأمر ببيان الدلائل وشرح أمرالثواب والعقاب. وثانيها: إذ قضى الأمر يوم الحسرة بفناء الدنيا وزوال التكليف والأول أقرب لقوله: { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } فكأنه تعالى بين أنه ظهرت الحجج والبينات وهم في غفلة وهم لا يؤمنون. وثالثها: روي أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: قضى الأمر: " فقال حين يجاء بالموت في صورة كبش أملح فيذبح والفريقان ينظران فيزداد أهل الجنة فرحاً على فرح وأهل النار غماً على غم " واعلم أن الموت عرض فلا يجوز أن يصير جسماً حيوانياً بل المراد أنه لا موت ألبتة بعد ذلك وأما قوله: { وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ } أي عن ذلك اليوم وعن كيفية حسرته وهم لا يؤمنون أي بذلك اليوم ثم قال بعده: { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } أي هذه الأمور تؤول إلى أن لا يملك الضر والنفع إلا الله تعالى: { وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } أي إلى محل حكمنا وقضائنا لأنه تعالى منزه عن المكان حتى يكون الرجوع إليه وهذا تخويف عظيم وزجر بليغ للعصاة







اتباع الهوى يؤدي إلى الظلم


{ بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }
تفسير الكشاف/ الزمخشري ت 538 هـ
{ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أي أشركوا، كقوله تعالى:
{ إِنَّ ٱلشِـّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
[لقمان: 13]، { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي اتبعوا أهواءهم جاهلين لأنّ العالم إذا ركب هواه ربما ردعه علمه وكفه. وأما الجاهل فيهيم على وجهه كالبهيمة لا يكفه شيء { مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } من خذله ولم يلطف به، لعلمه أنه ممن لا لطف له، فمن يقدر على هداية مثله. وقوله: { وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ } دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان.




تفسير البحر المديد في تفسير القران المجيد/ ابن عجيبة (ت 1266 هـ)

قال القشيري. قوله: { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم }: أشدُّ الظلم متابعةُ الهوى؛ لأنه قريب من الشِّرْكِ. قال الله تعالى:
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ }
[ الجاثية: 23]، ومن اتَّبع هواه؛ خالف رضا مولاه، فهو، بوضع الشيء في غير موضعه، صار ظالماً، كما أن العاصي، بوضع المعصية في موضع الطاعة، صار ظالماً، كذلك بمتابعة هواه، بَدَلاً عن موافقة ومتابعة رضا مولاه، صار في الظلم متمادياً. هـ.
تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ)
{ بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }
إضراب إبطالي لما تضمنه التعريض الذي في قوله
{ كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون }
[الروم: 28] إذ اقتضى أن الشأن أن ينتفع الناس بمثل هذا المثل فيُقلع المشركون منهم عن إشراكهم ويَلِجُوا حظيرة الإيمان، ولكنهم اتبعوا أهواءهم وما تسوله لهم نفوسهم ولم يطلبوا الحق ويتفهموا دلائله فهم عن العلم بمنأى. فالتقدير: فما نفعتهم الآيات المفصلة بل اتبعوا أهواءهم.

{ الذين ظلموا: المشركون إن الشرك لظلم عظيم }
[لقمان: 13] وتقييد اتباع الهوى بأنه بغير علم تشنيع لهذا الاتباع فإنه اتباع شهوة مع جهالة، فإن العالم إذا اتبع الهوى كان متحرزاً من التوغل في هواه لعلمه بفساده، وليس ما هنا مماثلاً لقوله تعالى
{ ومن أضل مِمنّ اتبع هواه بغير هدىً من الله }
[القصص: 50] في أنه قيد كاشف من حيث إن الهوى لا يكون إلا ملتبساً بمغايرة هدى الله.

والفاء في { فَمَن يهدي } للتفريع، أي يترتب على اتباعهم أهواءهم بغير علم انتفاء الهدى عنهم أبداً. و { مَن } اسم استفهام إنكاري بمعنى النفي فيفيد عموم نفي الهادي لهم، إذ التقدير: لا أحد يهدي من أضل الله لا غيرُهم ولا أنفسُهم، فإنهم من عموم ما صدق { مَن يَهدي.

ومعنى من أضل الله: } مَن قَدَّر له الضلال وطبع على قلبه، فإسناد الإضلال إلى الله إسناد لتكوينه على ذلك لا للأمر به وذلك بيّن. ومعنى انتفاء هاديهم: أن من يحاوله لا يجد له في نفوسهم مسلكاً. ثم عطف على جملة نفي هداهم خبرٌ آخر عن حالهم وهو { ما لهم من ناصرين } ردّاً على المشركين الزاعمين أنهم إذا أصابوا خطيئة عند الله أن الأصنام تشفع لهم عند الله
قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت و يطهركم تطهيرا)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي ولفاطمة وحسن وحسين(اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس)
اللهم صلي على محمد وآل محمد

عصام البُكير
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 241
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 12:21 am
مكان: اليمن - صنعاء

مشاركة بواسطة عصام البُكير »


ثالثا: احاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في التحذير من الظلم:

تيسير المطالب
في أمالي أبي طالب
للإمام الناطق بالحق
أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني
عليه السلام


عن سعيد بن زيدٍ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من غصب شبراً من الأرض طوق به من سبع أرضين يوم القيامة، وقتال المسلم دون ماله شهادةٌ)).

حدثني الحارث أنه سمع عليا عليه السلام وهو يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لا يحب الله الشيخ الجهول ولا الغني الظلوم ولا السائل المختال)).


عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيها الناس اتقوا الظلم فإنه الظلمات يوم القيامة)).



عن علي بن أبي طالبٍ (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أذنب ذنباً فذكره فأفزعه، فقام في جوف الليل فصلى ما كتب الله له ثم قال: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت غفر له ما لم تكن مظلمةٌ فيما بينه وبين عبدٍ مؤمنٍ فإن ذلك إلى المظلوم)).


عن الزبير بن عدي، قال: سمعت أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من اجتنب من الرجال أربعاً فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء: الدماء والأموال والفروج والأشربة، ومن النساء: إذا صلت خمسها وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت زوجها فتحت لها أبواب الجنة الثمانية تدخل من أيها شاءت)).



عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تكونوا إمعةً، تقولوا: إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم على أنه إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا)).



عن مسروقٍ قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها ذلك بأنه سن القتل)).

عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إضمنوا لي ستةً أضمن لكم الجنة: لا تظلموا عند قسمة مواريثكم، ولا تغلوا غنائمكم، ولا تجبنوا عن قتال عدوكم، وامنعوا ظالمكم من مظلومكم، وأنصفوا الناس من أنفسكم، ولا تحملوا على الله ذنوبكم)).


ابن عباسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تشربوا الخمر فإنه مفتاح كل شر ولا يموتن أحدكم وعليه دينٌ فإنه مفتاح كل مظلمةٍ؛ إنه ليس هناك إلا الحسنات وإلا السيئات، وليس هناك دينارٌ ولا درهمٌ)).
أبيه علي بن أبي طالبٍ (صلوات الله عليهم) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته، ووجب أجره، وحرمت غيبته)).


عن محمد بن كعب بن مالك أنه سمع أخاه عبد الله بن كعب بن مالكٍ يحدث أن أبا أمامة حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لا يقطع رجلٌ حق امرئٍ مسلمٍ بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار، فقال رجلٌ من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً، قال: وإن كان سواكاً من أراك)).


عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إياكم والظلم فإنه ظلماتٌ يوم القيامة، وإياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)).

عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي: ((أوصيك بتقوى الله العظيم، وأن تموت خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، كافا عن أعراضهم، ملازمًا لجماعتهم، ولا تدعن عليك ديناً فينقص من حسناتك)).

عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالسٍ: سفك دمٍ حرامٍ، وانتهاك فرجٍ حرامٍ، أو اقتطاع مالٍ بغير حق)).

عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يقول الله عز وجل: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا.
يا عبادي إنكم الذين تخطئون بالليل وبالنهار وأنا أغفر الذنوب، ولا أبالي فاستغفروني أغفر لكم.
يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أشبعته فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي كلكم عارٌ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ منكم لم يزد ذلك في ملكي شيئًا.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ منكم لم ينقص ذلك من ملكي.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل إنسانٍ ما سألني لم ينقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص من البحر ان يغمس فيه المخيط، فمن وجد خيراً ليحمد الله، ومن وجد شرا فلا يلومن إلا نفسه)).


عن ابن وائلة بنت الأسقع أنها سمعت أباها يقول: قلت: يا رسول الله ما المعصية؟ قال: ((أن تعين قومك على الظلم)).
قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت و يطهركم تطهيرا)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي ولفاطمة وحسن وحسين(اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس)
اللهم صلي على محمد وآل محمد

عصام البُكير
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 241
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 12:21 am
مكان: اليمن - صنعاء

مشاركة بواسطة عصام البُكير »






رابعاً: قوال العتره الطاهره ائمة أهل البيت عليهم السلام
شرح نهج البلاغة للابن ابي حديد ص 1030
ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب. فأما الظلم الذي لا يغفر، فالشرك بالله، قال الله سبحانه: "إن الله لا يغفر أن يشرك به".
وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات.
وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً.
القصاص هناك شديد، ليس هو جرحاً بالمدى، ولا ضرباً بالسياط، ولكنه ما يستصغر ذلك معه، فإياكم والتلون في دين الله، فإن جماعة فيما تكرهون من الحق، خير من فرقة فيما تحبون من الباطل، وإن الله سبحانه لم يعط أحداً بفرقة خيراً ممن مضى، ولا ممن بقي.
يا أيها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس! وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، وأشتغل بطاعة ربه، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل، والناس منه في راحة! الشرح: قسم رضي الله عنه الظلم ثلاثة أقسام: أحدها: ظلم لا يغفر، وهو الشرك بالله، أي أن يموت الإنسان مصراً على الشرك، ويجب عند أصحابنا أن يكون أراد الكبائر، وإن لم يذكرها، لأن حكمها حكم الشرك عندهم.
وثانيها: الهنات المغفورة، وهي صغائر الذنوب، هكذا يفسر أصحابنا كلامه رضي الله عنه.
وثالثها: ما يتعلق بحقوق البشر بعضهم على بعض، فإن ذلك لا يتركه الله هملاً ، بل لا بد من عقاب فاعله، وإنما أفرد هذا القسم مع دخوله في القسم الأول لتميزه بكونه متعلقاً بحقوق بني آدم بعضهم على بعض، وليس الأول كذلك.


موسوعة فقه أهل البيت
عليهم السلام
جمع السيد
معاذ بن علي بن الإمام يحي حميدالدين


وثورة الإمام زيد في الواقع ثورة لا يمكن حصرها في دائرة الكفاح المسلح، إذا أن الكفاح المسلح، وإن كان وجهها البارز، إلا إنه لا يشكل سوى الفصل الأخير من فصولها، فالإمام نفسه كان هو الثورة ذاتها، ولذا فإن استيعاب هذه الثورة، يحتاج إلى قراءة واستيعاب كل مراحل النضال التي خاضها الإمام زيد طوال حياته، ولأن المقام لا يتسع لكل ذلك، فإن ما يمكن قوله في هذه العجالة هو أن الإمام زيد لم يدخر جهداً في إنقاذ الشريعة، وبعث مفاهيمها من جديد، وإعداد المنهج اللازم، لتصفية الظلم والظالمين، واستئصال شأفة الفساد والمفسدين العابثين بمقدارت الأمة، وتحقيق الحاكمية لله -عز وجل- واحترام المقدسات، وتبجيل العلماء، ومكافئة المحسن، ومعاقبة المسيء، وإعادة الحق إلى نصابه..إلى غير ذلك من الأهداف النبيلة.


مجموع رسائل
الإمام الهادي إلى الحق القويم
يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم
عليهم السلام



أعوان الظلمة
وفعل هؤلاء الظالمين وأمرهم وسلطنتهم إنما تقوم بأعوانهم الذين يتبعونهم، ويعينونهم على ظلمهم، وإذا تفرق الأعوان منهم وأسلموهم لم تقم لهم دولة، ولا تثبت لهم راية، فمتى كثرت جماعتهم تقووا بهم على باطلهم، واستضعفوا المستضعفين من خلق الله، وأمهل لهم ربهم وتركهم، ولم يَحُل بينهم وبين من يظلمونهم؛ إذ كلٌّ ظالم، القوي والمستضعف، وذلك قوله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[الأنعام:129]، وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾[مريم:83]، يقول: خليناهم عليهم، كما قال: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾[الإسراء:50]، وكما قال النبي صلى الله عليه وآله: ((لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم، حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه، فيقول: ما منعكم إذ رأيتموني أُعصى أن لا تغضبوا فيّ.)).
فمن هذه الجهة ترك الظالمين ولم يأخذهم؛ لأن الرعية في ظلمهم وتظالمهم فيما بينهم أصناف:
فقوم يقولون على الله بالجبر والتشبيه، وينفون عنه العدل والتوحيد، وينسبون إليه عز وجل أفعال العباد، ويقولون: إن هذا الذي نزل بهم بقضاء وقدر، ولولا أن الله قضى عليهم بهذا الظلم الذي نزل بهم من هؤلاء الظالمين ما إذا قدر الظالم أن يظلمهم، غير أن هذا الظلم مقدر عليهم عند الله على يدي هذا الظالم. فإذا كانت معرفتهم هذه المعرفة، وكان معبودهم الذي يزعمون أنهم يعبدونه هذا فعله بهم؛ فمتى يصل هؤلاء إلى معرفة الخالق، ومتى يدعونه ويستعينون به على ظالمهم؟ إنما هم يدعون هذا الذي يزعمون أنه قضى عليهم بهذا الظلم وقدره، ولهذا يصلّون، وله يصومون ويحجون، وبه في جميع ما ينزل بهم من الظلم والجور والمصائب في المال والولد والبدن يستغيثون به على دفع هذه المضار والبلوى التي نزلت بهم. فهم يعبدون صورة مصورة، وعلى هذا النحو أسلمهم ربهم، وتركهم من التوفيق والتسديد، وخذلهم ولم ينصرهم على ظالمهم، وكيف ينصرهم على ظالمهم وهو المقدر لهذا الظالم عليهم الذي نزل بهم؟ فهو الذي يدعونه بزعمهم.
أما إنهم لو أنصفوا عقولهم، وعرفوا الله عز وجل حق معرفته، ونفوا عنه ظلم عباده، كما نفاه عز وجل عن نفسه، ثم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ودعوا ربهم حينئذٍ على ظالمهم؛ إذا لاستجاب لهم دعوتهم، وكشف ما بهم من الظلم والجور، وذلك قوله عز وجل: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[غافر:60]، وقال: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الروم:47]، ﴿كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[يونس:103].

اقول: في مجمل هذا الكلام يتضح من كلام الإمام القاسم الرسي عليه السلام على مخالفيه بالحجة الساطعه والبرهان الذي لا غبار عليه .






مفردات
ألفاظ القرآن الكريم
للراغب الأصفهاني

الظلم ثلاثة:
الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾ [لقمان:13]، وإياه قصد بقوله: ﴿ألا لعنة الله على الظالمين﴾ [هود:18]، ﴿والظالمين أعد لهم عذابا أليما﴾ [الإنسان :31]، في آي كثيرة، وقال: ﴿فمن أظلم ممن كذب على الله﴾ [الزمر:32]، ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا﴾ [الأنعام:93].
والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله: ﴿وجزاء سيئة سيئة﴾ إلى قوله: ﴿إنه لا يحب الظالمين﴾ (الآية: ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين﴾ الشورى: 40)، وبقوله: ﴿إنما السبيل على الذين يظلمون الناس﴾ [الشورى:42]، وبقوله: ﴿ومن قتل مظلوما﴾ [الإسراء:33].
والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله: ﴿فمنهم ظالم لنفسه﴾ [فاطر :32]، وقوله: ﴿ظلمت نفسي﴾ [النمل:44]، ﴿إذ ظلموا أنفسهم﴾ [النساء:64]، ﴿فتكونا من الظالمين﴾ [البقرة:35]، أي: من الظالمين أنفسهم، ﴿ومن يفعل ذلك فقد أظلم نفسه﴾ [البقرة:231].
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس؛ فإن الإنسان في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذا الظالم أبدا مبتدئ في الظلم، ولهذا قال تعالى في غير موضع: ﴿وما ظلمهم الله ولكن كانوا يظلمون﴾ [النحل:33]، ﴿وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ [البقرة:57]، وقوله: ﴿ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾ [الأنعام:82]، فقد قيل: هو الشرك، بدلالة أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي عليه السلام، وقال لهم: (ألم تروا إلى قوله: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾ ) (سورة لقمان: آية 13.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾ شق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه؟! قال: (إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾ إنما هو الشرك). انظر: الدر المنثور 3:308؛ وفتح الباري 8:294 كتاب التفسير، ومسلم برقم 124، والمسند 1:424)، وقوله: ﴿ولم تظلم منه شيئا﴾ [الكهف:33]، أي: لم تنقص، وقوله: ﴿ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا﴾ [الزمر:47]، فإنه يتناول الأنواع الثلاثة من الظلم، فما أحد كان منه ظلم ما في الدنيا إلا ولو حصل له ما في الأرض ومثله معه لكان يفتدي به، وقوله: ﴿هم أظلم وأطغى﴾ [النجم: 52]، تنبيها أن الظلم لا يغني ولا يجدي ولا يخلص بل يردي بدلالة قوم نوح. وقوله: ﴿وما الله يريد ظلما للعباد﴾ [غافر:31]، وفي موضع: ﴿وما أنا بظلام للعبيد﴾ [ق:29]، وتخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد، والآخر بلفظ الظلام للعبيد يختص بما بعد هذا الكتاب (يريد كتاب تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد). والظليم: ذكر النعام، وقيل: إنما سمي بذلك لاعتقادهم أنه مظلوم.


سبيل الرشاد
إلى معرفة رب العباد
للسيد العلامة محمد بن الحسن
ابن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد
عليهم السلام



يجب على كل مُكَلَّف العلم بأن اللّه تعالى عدل حكيم، ليس في أفعاله شيء من القبيح، ولا الظلم ولا العَبَث، بدليل العقل والنَّقل.
أما العقل: فلأنه سبحانه عالم بقُبْح القبيح الذي هو الظلم والعبث، وَمُسْتَغْنٍ عنه، وعالم باستغنائه عنه، ومن كان كذلك فإنه لا يفعل شيئاً منه، ولا يريده، ولا يرضاه لغيره، ولا يأمر به، فكيف يرضاه لنفسه وهو عدل حكيم؟
وأما النقل: فإن اللّه سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ اللّه لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُوْنَ﴾[يونس: 44]، ويقول: ﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾[الكهف: 49]، ويقول: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلِيْنَا لاَ تُرْجَعُوْنَ﴾[المؤمنون: 115]، ويقول سبحانه: ﴿وَيَتَفَكَّرُوْنَ فِيْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ الناَّرِ﴾[آل عمران: 191].
وكل أفعاله سبحانه وأوامره ونواهيه مَنُوْطَةٌ بالحكمة والمصلحة، صَرَّحت بذلك آيات كتابه الكريم في كثير من المواضع، وكرر لفظ: (( حكيم )) و (( عليم )) مراراً في آيات متعددة، فيجب اعتقاد ذلك، وإن خَفِيَت علينا الحكمة في بعض ذلك فهو يعلمها، وتعالى اللّه علواً كبيراً أن يفعل شيئاً لا لِحكمة، ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَذِيْنَ كَفَرُوْا فَوَيْلٌ لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا مِنَ النَّارِ﴾[ص: 27] وقيل لعلي كرم اللّه وجهه: ما العدل؟ قال: (( أن لا تتهمه )). وهذه حكمة جامعة.
واللّه سبحانه وتعالى لا يجازي أحداً إلاَّ بالعمل، ولا يعاقب أحداً إلاَّ بما اكْتَسَب، ولا يُثيبه إلاَّ بما كَسَب؛ لأن ذلك من العدل والحق، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّه يَأمُرُ بالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاء ذِيْ القُرْبَىْ وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ﴾[النحل: 90]، وما يأمر إلاَّ بما يرضاه ويريده ويَتَّصِفُ به، وقال تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِيْنَ أَسَاؤُا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِيْنَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى﴾[النجم: 31]، وقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّك بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيْدِ﴾[فصلت: 46]، وقال تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَومٍ لاَ رَيْبَ فِيْهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾[آل عمران: 25]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيْهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفسٍ بِمَا تَسْعَى﴾[طه: 15]، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[الأنعام: 164].

فنرى أن الأخ يظلم اخاه والأب يظلم ابنه بعدم مساواة مع اخواته والأب يعق والديه وما دفعني الى كتابة هذا الموضوع بالذات هو عدة اسباب:

تأثري بمصائب الانبياء وما لقاه آل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فما جرى بكربلاء وموقعه الحرة التي افتضت فيها العذارى وبلغ القتل اشده وما جرى لحليف القرآن وغيرهم من الصالحين وايضاً معايشة للظلم ولهذا شدني الى كتابة هذا الموضوع لعله يوجد من يدكر .

فالحذر الحذر من الظلم اللهم اني بلغت اللهم فأشهد وحسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم أني ابرأ من كل ظالم واسئل الله العلي القدير ان يعصمنا من الظلم وابرأ ممن اغضب آل البيت عليهم السلام

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت و يطهركم تطهيرا)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي ولفاطمة وحسن وحسين(اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس)
اللهم صلي على محمد وآل محمد

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“