بعض الخيارات التاريخية للنظام السعودي

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
عبدالوكيل التهامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 105
اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm

بعض الخيارات التاريخية للنظام السعودي

مشاركة بواسطة عبدالوكيل التهامي »

بسم الله الرحمن الرحيم

بعض الخيارات التاريخية للنظام السعودي.

مع وجود الطفرة النفطية التي كانت تنام عليها نجد والحجاز ، أصبح النظام السعودي من أكثر الانظمة تأثيرا في الواقع العربي والاسلامي ، وتميزت خياراته بسعة تأثيرها على الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية.
وسأحاول خلال هذا البحث القصير عرض ثلاثة خيارات تاريخية للنظام السعودي أثرت على الامة أعمق التأثير وحرفت مسار التاريخ فيها والنتائج المأساوية التي ترتبت على هذه الاختيارات وهي :

1- التبشير بالمذهب التكفيري الوهابي
2- نفخ نظام صدام حسين
3- الانخراط في المشروع الامريكي الاسرائيلي المصطلح عليه "بشرق أوسط جديد"


أولا الخيار التاريخي الاول:

نشر المذهب التكفيري الوهابي:

في ظل الحرب الباردة خلال سبعينات القرن الماضي تنامت في العالم العربي الافكار القومية والاشتراكية مما شكل تهديدا خطيرا للمصالح الامريكية في "منطقة النفط الاستراتيجية" وكذلك فإن دعم السوفييت لثورة فيتنام ضد أمريكا جعلت الامريكان يفكرون في رد الصاع صاعين بدعم الثورة الافغانية ضد السوفييت ، وكان لا بد من مواجهة المد القومي وتفنيده بواسطة فكر متأصل في الوجدان العربي ألا وهو الاسلام ، ولكن يجب أن يكون الاسلام المطلوب استخدامه لمواجهة المد القومي هو إسلام ذو خصائص معينة ، فمن الضروري أن لا يكون هذا الاسلام عامل وحدة بين المسلمين بقدر ما هو عامل تدمير وبؤرة للصراع الدائم كلما انتشر في المجتمع والامة ، ولذلك فقد قام النظام السعودي بتلبية ما يراد منه عبر دعم الفكر التكفيري الوهابي دعما ماديا ومعنويا غير محدود لمواجهة الحركات القومية من ناحية ولتجنيد المسلمين عسكريا لمحاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ثانيا والرد عليه في دعمه لثورة فيتنام على أمريكا ، وتوسع المشروع السعودي ليشمل معظم الاقطار العربية والاسلامية والعالمية في نشره للفكر التكفيري الوهابي فالمجتمعات في اليمن ومصر والخليج والجزائر وغيرها أصبحت هدفا للنظام السعودي كقاعدة لنشر الفكر التكفيري الوهابي الذي سبب الكثير من المشاكل والتناقضات داخل تلك المجتمعات وسبب حربا مذهبية مستعرة لا يمكن أن تخمد ، فاليمن التي عاش فيها الزيدية والشوافع جنبا إلى جنب زمنا طويلا دون تحديات كبرى تجد نفسها اليوم غارقة في "حرب المساجد" و"اتهامات المنابر" و "فتاوى التكفير".
وكذلك الحال في كثير من البلدان التي عانت الامرين من هذا الفكر التكفيري الدخيل عليها والمدعوم سعوديا.

نتائج هذا الخيار :

وبالطبع فإنه قد ظهرت لهذا الخيار التاريخي الذي اختاره نظام آل سعود آثار كبيرة على الساحة العالمية أبرزها :
- تفكك المجتمعات التي استهدفت من قبل الفكر التكفيري الوهابي
- النفور من الفكر الاسلامي عموما ومن المفاهيم الاسلامية الخاصة "كالجهاد" و"الزهد" و" التقوى" و"عذاب القبر" وغيرها
- ظهور خلايا تخريبية لا ترعى في أمة محمد إلا ولا ذمة ولا تحمل في قلبها مثقال ذرة من دين أو إنسانية أو أخلاق أو وفاء - كتجربة الخوارج -
- ظهور تنظيم القاعدة الذي ظل دائما المنقذ الاكبر لامريكا في أزماتها السياسية والذريعة المتكررة لادانة الاسلام باسم الارهاب ولاذلال المسلمين باسم الديمقراطية.
- آل سعود أنفسهم أصبحوا هدفا لهذه الاثار الجانبية التي تدعو الان للخروج عليهم.



ثانيا : الخيار التاريخي الثاني :

نفخ صدام حسين في حربه على الجمهورية الاسلامية في إيران:

بعد الثورة الاسلامية في إيران والصفعة الكبرى لمصالح الولايات المتحدة الامريكية ومشروع اسرائيل الكبرى ، قررت امريكا تكريس قوتها العظمى للقضاء على الجمهورية الاسلامية خصوصا وهي نظام قائم على اسس الدين المحمدي وبقيادة قائد لا يعرف المراوغة أو المداهنة أو الخوف أو التردد كالخميني رحمه الله ، فاستنفرت أمريكا جميع امكاناتها لضرب هذا النظام ووجدت في صدام الشخصية المناسبة لعدة اعتبارات كالقرب الجغرافي والتبلد الانساني في شخصيته وعدم وجود مبادئ دينية أو انسانية يدين بها فعهدت إليه محاربة ايران وتعهدت له بتوفير جميع الامكانات المادية والمعنوية والتكنولوجية ووفرت له الغطاء الدولي والاعلامي والاقليمي ، فكان آل سعود حلقة محورية ضمن تلك الخطة ، وكانوا يمثلون الجبهة الفكرية والدعائية ضد الثورة الاسلامية في ايران حيث استخدمت قواها التكفيرية الوهابية في تكفير ايران وتكفير قادتها ونظامها باعتبارهم شيعة ومجوس يهددون أمن العرب وبوابتهم الشرقية .
وتواطأ العرب وخصوصا الخليجيون على الثورة الاسلامية وحاربوا واستنزفوا طاقته وكان وفي حين كان صدام رأس الحربة كان النظام السعودي الثقالة الكبرى فيها.
ولا يمكن أن ينسى العالم ما فعله النظام السعودي بالحجاج الايرانيون من قتل وتنكيل لا يليق بمن هم آمنون في حرم الله ورسوله ولا يفعلون شيئا سوى التنديد بأمريكا والبراءة منها.

نتائج هذا الخيار :

- تضعيف الجبهة العربية الاسلامية في مواجهة المشروع الصهيوني والهيمنة الامريكية ، فلو تعاون العرب مع الثورة الاسلامية في ايران- وهي ثورة مدت يدها إليهم - لاصبحت الجبهة العربية الاسلامية أقوى في مواجهة السرطان الاسرائيلي ولربما كانت قد استطاعت استئصاله نهائيا
- تكريس فكرة التكفير والنفور بين الشيعة والسنة إلى يومنا هذا ، فالحرب الدعائية التي شنها النظام السعودي ومكفروه تغلغلت في الفكر السني بشكل يصعب معالجته في المدى المنظور ، وهذا التنافر بين الشيعة والسنة لا يخدم إلا مصلحة أمريكا واسرائيل.
- اضطهاد الشيعة القاطنين في شرق المملكة العربية السعودية وعدم احترام ابسط الحقوق لهم.
- تقوية نظام صدام حسين حتى أصبح غولا كبيرا وبعبعا مهولا لا يحترم عهدا ولا ميثاقا ولا يصون ودا ولا وفاء ولا يراعي في سبيل طموحاته الجنونية شيئا ، فأقدم على غزو الكويت وكاد أن يغزو السعودية لولا تدخل امريكا التي أخذت الثمن غاليا جدا من السعودية والعرب ، واتسع الشرخ في الصف العربي وكثرة الديون وكانت الضحية هي القضية الفلسطينية مجددا.

ثالثا : الخيار التاريخي الثالث:

الانخراط في المشروع الامريكي الاسرائيلي المصطلح عليه "بشرق أوسط جديد":

بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية تغير الواقع السياسي كثيرا واضمحلت الامال العربية في مواجهة المشروع الصهيوني لولا بسالة المقاومة في فلسطين ولبنان .
وظل انتصار المقاومة في لبنان على الجيش الاسرائيلي بآلته العسكرية الطاحنة الامل الاخير للامة العربية والاسلامية للخروج من المتاهة والسقوط.
وفي ظل عجز اسرائيل التام عن الحاق الهزيمة بإرادة حزب الله التي لا تقهر فقد جندت كل ما تستطيع لهزم حزب الله وخصوصا أهل اللين من العرب ، ووجدت أمريكا ضالتها مرة أخرى في السعودية التي لم تدخر جهدا في محاولة تفكيك حزب الله وإخضاعه مع لبنان بكل الوسائل الممكنة ، فعبر الكثير من المواقف السياسية والاعلامية لتوابعها وامتداداتها يمكن للمتتبع التأكد من أن النظام السعودي لم يكن يريد لحزب الله الاستمرار في مقاومته بل بات يريد محو مصطلحات "المقاومة" و"التحرير" و"الصمود" من الذاكرة العربية والاسلامية .
لقد انخرط النظام السعودي في مفهوم الشرق الاوسط الجديد بانسيابية كبيرة ومرونة هائلة وبدأ في ضرب التيار التكفيري الذي رباه ونشره ، ثم بدأت أجهزته الاعلامية تسوق للمفاهيم التي طالما أظهر معاداتها باعتبارها مخالفة للشرع الاسلامي والهوية العربية والدينية ، فالمتتبع للخلاعة والمجون والفسق والتربية الفاسدة التي تسوقها القنوات السعودية يتأكد الان من ذلك فهي التي تمتلك قنوات mbc وهي التي تدعم شبكة LBC اللبنانية وهي التي تدعم قناتي المستقبل و زين اللبنانيتين وغيرها.
وهذا الانسلاخ وإن لم يكن مفاجأ للمتخصصين العارفين بحقيقة النظام السعودي ، إلا أنه كان صادما للكثير من هذه الامة إذ طالما زايد النظام السعودي بأنه حامي حمى الدين الذي يحق له وحده فرض مفاهيمه التكفيرية على جميع المذاهب الاسلامية.

واليوم وبعد هذه القراءة السريعة في توجهات النظام السعودي خلال الفترة الاخيرة ، أقدمت اسرائيل على تدمير غزة بحجة الاسير الصهيوني ، وبالطبع وكما عودتنا الانظمة العربية ومنها السعودية لم تحرك ساكنا ، ولكن كان العزاء الوحيد هو تدخل حزب الله لنجدة فلسطين وتحمل مسؤوليته الدينية والقومية والاخلاقية ، وبالطبع فقد تفاعل الشارع العربي مع هذه البطولة والشجاعة من حزب الله تفاعلا يختزن الكثير من الاعتزاز والانبهار والحب والامنيات بالنصر والثبات ، في ظل توقعاتهم المعتادة من تخاذل الانظمة العربية ولكن ....
ولكن كانت المفاجأة الصادمة هي موقف النظام السعودي الذي لم يتخذ هذه المرة موقفا منددا بالعدوان الصهيوني ، ولم يلذ حتى بالصمت بل اتخذ توجها معاديا لحزب الله ومحفزا لاسرائيل على التمادي في العدوان عندما صرح مسؤولوه بأن "حزب الله قد أقدم على مغامرات غير محسوبة" ، بل ووصل الحال بالنظام السعودي إلى تحريض أولمرت - عبر رسالة من العاهل السعودي - في التعجيل بالقضاء على حزب الله - وهذا ما صرح به أحد المحللين الصهاينة في مقابلة تلفزيونية حيث أكد على أن أمريكا والسعودية تحبذان الاجتياح البري للقضاء على حزب الله سريعا.

والسؤال يبقى هنا :

ما هي النتائج التي نتوقعها من هذا الخيار للنظام السعودي ؟
هل سيكون كارثيا كما كان في الخيارين السابقين ؟

الايام وحدها تمتلك الاجابة.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“