محمد رسول الله(ص) النبي اليتيم
الإهداء إلى كل يتيم ويتيمة في بلادنا وجميع بلاد المسلمين والعالم
لقد رحم الله شتات البشرية وضياعها فأكرمها باصطفاء محمد(ص) ليختم به الرسالات ويكمل به النبوات فابتعثه بين يدي تحولات كبرى في حياتها تنذر بانتهاء دورة الحياة البشرية كاملة وقرب حلول البعث والنشور ، وقد جسد الله تعالى الكمال البشري في شخصية خاتم الأنبياء (ص) الذي تميز بالتفوق المطلق في كل فضيلة ، وقد أثنى الله عليه أعظم الثناء فقال سبحانه ( وإنك لعل خلق عظيم) وقال سبحانه( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) و(إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) و( فبما رحمة من الله لنت لهم )و( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
وقد منحه الله تعالى أعظم المنح الربانية والمكارم الآلاهية فشرح له صدره ، ووضع عنه وزره ، ورفع له ذكره ، وفتح له الفتح المبين ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأتم عليه نعمته ، وأكمل له الدين ، وهداه إلى الصراط المستقيم ، ونصره النصر العزيز .
في ولادته ونشأته (ص) تجلت العناية الربانية والاصطفاء الآلاهي فقد اختصه الله برعايته الخالصة فلم يكن لأبويه وقرابته عظيم تأثير عليه حيث ولد (ص) بعد أن توفي أبوه الشاب القرشي ( مفخرة قريش وابن سيدها وألمع شبانها ) وترك أمه آمنة بنت وهب الفتاة القرشية الأثيرة ( جوهرة مكة ودرة عقد فتياتها ) حبلى به . وكأن الله تعالى أراد لزواجهما القصير الأجل أن يكون فقط سبباً في ولادة خاتم الأنبياء (ص) ، وأراد سبحانه أن يكون محمد (ص) وحيد أبويه لحكمة استأثر بعلمها .
وقد كانت العائلة الهاشمية تترقب بشوق ولهفة لحظة ولادة آمنة، وكان أشدهم ترقباً ولهفة جد رسول الله (ص) عبد المطلب بن هاشم) وعمه أبو طالب.
وكانت الولادة المميزة للمولود المصطفى في اللحظة المميزة وبإزاء الحدث المميز في جزيرة العرب (عام الفيل )حين حاول أبرهة الحبشي هدم الكعبة وصرف أنظار العرب إلى الكنيسة التي أنشأها بإيعاز من الرومان في صنعاء في (غرقة القليس ) .
وبميلاد محمد(ص) (اليتيم) ولدت حياة جديدة للبشرية على وجه الأرض ، وبميلاده ولد تاريخ جديد لبني آدم خطت حروفه الأولى ورسمت ملامحه البارزة في (أم القرى ) مكة المكرمة .
لقد تميزت نشأة رسول الله (ص) عن كل البشر فطفولته المبكرة قضاها في بادية بني سعد ذات البيئة الاجتماعية النظيفة والخالية من تعقيدات المدنية وصخبها وضجيجها.
البيئة الفطرية الخالصة حيث الإنسان صغيراً كان أو كبيراً يلامس بساطة الحياة وسلس المعيشة ويمتزج بمكونات الأرض والحياة من حوله.
وهناك قضى (محمد) لحظات مهمة من طفولته بين الشعاب والآكام والهضاب تحوطه رعاية الله وتكلؤه عنايته يرتعي ويلعب مع إخوته من الرضاع مغموراً بالحب والإعجاب لنجابته وفطنته وبديع هيئته وتكوينه ، وكانت كل عين تراه تقر لرؤيته ويمتلأ قلب صاحبها حباً له وإعجاباً به وحدباً عليه ، وكانت أمه تختلف إليه في البادية بين حين وآخر تحمل معها الهدايا والحب والحنان ويحملها شوق أم أعظم البشر شأناً وأرفعهم ذكراً وأعلاهم قدراً .
وبعد حادثة شق الصدر عاد إلى أمه بمكة ولم يمكث معها إلا يسيراً حتى هاجها الشوق لاصطحاب ولدها وحبيبها لزيارة قبر أبيه بالمدينة المنورة ، وفي هذه الرحلة فاضت روحها إلى باريها ودفنت بالأبواء على طريق المدينة ليعود محمد (ص) اليتيم إلى مكة تتلقفه شفقة جده وحبه التي ما لبثت أن تحولت إلى إعجاب نبيل ونباهة حفيده الذي فاق عظماء الرجال في طفولته ، وكان يصطحبه معه في مجالسه مع كبار القوم باعتباره زعيم قريش وسيدها ، فعُرف محمد في قريش منذ طفولته بفتى قريش الصادق الأمين وكان لقباً لازمه حتى عند كفر قريش بنبوته وجحودهم لرسالته قال تعالى ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) وقالوا له في يوم الصفا ما جربنا عليك كذباً قط .
إن يتم محمد آية من آيات رسالته ، وانفراده عن الإخوة والأخوات آية أخرى ، ومراحل ولادته ورضاعته ونشأته آيات بينات ، ثم إن وفاة والده بالمدينة ومن بعده زيارة أمه لقبر أبيه ووفاتها في طريق المدينة ، ثم هجرته إلى المدينة ووفاته بها فيه سر آخر وآية من آيات نبوته ، إن الله تعالى أرسل محمداً بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وأنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان لينذر به العالمين من عواقب الانحراف ومخاطر الضلال .
إنني أدعو منظمة المؤتمر الإسلامي أن تسعى لجعل يوم ولادة خاتم الأنبياء (ص) يوماً عالمياً للأيتام.