قيمة عقيدة الإنسان

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
ياسر الوزير
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 404
اشترك في: الجمعة مارس 19, 2004 11:48 pm
مكان: النهرين

قيمة عقيدة الإنسان

مشاركة بواسطة ياسر الوزير »

الحمد لله رب العالمين ..
قبل أن نخوض في الحديث عن أي قضية فكرية عقائدية ينبغي علينا أولاً أن نتطرق إلى الحديث عن جدوى الخوض في هذه المسائل ، وما فائدة التركيز عليها مع عدم كونها مشروعاً وضع ليكافح فقراً أو يقي من مرض أو يبرئه أو نحو ذلك !! فكلنا يعلم أن القضايا العقائدية خاصة مع الطرح السائد الذي يتناولها ما زالت تنظيرات لا تتجسد غالباً على أرض الواقع إلا في تعصبات نابعة عن الخطاب العقائدي الذي يبحث عن مزيد من المعتقدين بفكرة ما وزيادة تمسك من اعتقدها .
فلماذا الحديث عنها ؟!
يمكنني أن أجزم بأن أهم أمر يتعلق بمعارف الإنسان هو عقيدته ، لأنها الركن الأساسي في هوية هذا الإنسان ، الإنسان الذي يريد أن يعيش في رغد ورفاهية ، ويبحث عن الصحة والوقاية من المرض ، يريد الأمن والاطمئنان والسكينة ، ويتطلع للعيش في ظل نظام يحميه ويكرمه ، هذا الإنسان هو ذلك الفرد الذي مهما تغيرت حالته في المعيشة ، ومهما توسعت معارفه بما حوله من الموجودات وكيفية التعامل معها ، ومهما تطورت استفادته من كل شئ حوله ، تظل هويته خاضعة لعقيدته في وجوده ، ولا يكتمل تبلور ذاته إلا مع تلك العقيدة التي تؤثر فيه كإنسان أعظم من تأثير سائر العلوم الأخرى التي قد تغير نمط معيشته كلياً .
قد أكون مخطئاً في هذا الكلام ، ولكن تأملوا معي أعظم الشخصيات التي كنّ لها الناس الاحترام الأكبر على مسار التأريخ البشري ، أليسوا هم أرباب العقيدة ، هل وصل أحد إلى مرتبة مثل إبراهيم الخليل ، أو موسى الكليم ، أو عيسى المسيح ، أو محمد المصطفى صلى الله عليهم ؟!! هذا بالنسبة لأتباع الكتب السماوية ، وبالنسبة لغيرهم ، فلا أعتقد أن ماني أو بوذا أو حتى ماركس يقلون تقديراً – بشكل عام - بالنسبة لأتباعهم ، هؤلاء لم يكونوا علماء في علوم المادة ، ولا كانوا قادة عسكريين أو سياسيين ، لم يكن همهم الأساسي إصلاح حالة الإنسان المعيشية بل كان همهم هذا الإنسان ورؤيته لنفسه ولحقيقة وجوده وللقوة الموجدة له والمؤثرة فيه ، وهذا الأمر هو أهم أمر بالنسبة للإنسان ، لأنه لا يمكن أن يولي المادة المسخرة له اهتماماً يفوق اهتمامه بذاته ، ولذلك فأنا أعتقد جازماً خطأ من يريد أن نقفز على ذواتنا وكياننا ووجودنا لنبحث عن المادة ونتحول إلى خدام لها .
لقد كنت أستعجب عندما أسمع عن حياة سيدنا عيسى المسيح صلوات الله عليه وأنه كان – كما قال أمير المؤمنين (ع) - : " يتوسد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجشب وكان إدامه الجوع وسراجه باليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها ، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم ، ولم تكن له زوجة تفتنه ، ولا ولد يحزنه ، ولا مال يلفته ، ولا طمع يذله .. "
لكن الذي يظهر لي أنه سلام الله عليه بعث في زمان امتلأت قلوب الناس بحب المادة وانتشرت مظاهر البهرجة وتطور العمارة مع الانحطاط العقائدي والسلوكي – ربما كما نعاني منه الآن – فأراد نبي الله أن يوصل رسالة إلى الناس أن المادة ليست كل شئ في حياة الإنسان بل ليست الشئ الأساسي فيه ، لأنا نعرف من خلال شريعتنا أن تلك الأشياء التي امتنع منها المسيح هي أمور مباحة ، بل نعم تمنن الله علينا بها ، وأراد منا أن نتمتع بها ، إذاً فتركه لها كان من أجل التنبيه على أمر أهم وأسمى ، لأن إنسانية الإنسان إذا سقطت بابتعاده عن خالقه وعن السلوك الذي ينبغي أن يتخلق به لم تبق له القيمة التي من أجلها سخر له هذا الكون كما قال الله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .
والقضية ليست قضية أخلاقية بحتة تتعلق بمعاملة الناس من حولنا والإحسان إليهم والرأفة بهم ، بل إن هذه الأمور لا قيمة حقيقية لها عندما يسئ الإنسان خلقه مع صاحب المنة العظمى عليه ، بل حتى مخالقة الناس والإحسان إليهم الذي حضنا عليه الله تعالى في كتابه يوجهنا الله إلى أن يكون من أجله هو ، لا شعوراً إنسانياً بحت ، فيقول عز وجل : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ، وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ، وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) ويقول : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا)
أعود هنا لحديثي عن أرباب العقيدة والاحترام الكبير الذي يكنه أتباعهم لهم ، ولم أقصد عندما تحدثت عن سائر الديانات أن أصحح كل ذلك ، ولكن أردت أن أعبر عن الأهمية الكبيرة لأولئك - من خلال ما تبنوه - لدى كل الناس ، وهنا يجب أن نفهم أن أولئك لم يكونوا مجرد منظرين يطرحون أفكارهم وينادون بها من خلف الطاولة ، بل كان تجسيدهم لما نادوا به على أعظم الصور ، لقد كانت حياتهم كلها عبارة عن تجسيد لتلك الأفكار فلم يتناقض فكرهم الذي نادوا به مع واقعهم الذي عاشوا فيه .
ولعل افتقار من ينادي - بأهمية العقيدة ولزومها - لهذه الحياة المجسدة لما ينبغي أن يكون عليه صاحب عقيدة ما ، وهروبهم إلى كتب فلسفية قديمة تتحدث عن الهيولى والأصل والصورة أو ترديد اسطوانة قديمة في الرد على المخالفين أو تكفيرهم أو ما إلى ذلك ، مع ترك الأولويات الهامة التي يتعطش لها الناس حقيقة ، هو من أهم المشاكل التي تشوب الطرح العقائدي السائد والذي لا نجد معه تأثيراً.. أو قل تأثيراً إيجابياً ملموساً ، يتجسد في حياة فرد ومجتمع .

لقد عاش في التاريخ قادة كانت لهم المكانة الأسمى في قلوب الناس مع أنهم أتباع لمن سبقهم ، فأمير المؤمنين علي والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام زيد والإمام القاسم الرسي والهادي وغيرهم سلام الله عليهم كانوا أتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله ولم يزيدوا شيئاً على ما جاء به بل كانت زيادتهم - لو زادوها - ستعد قدحاً فيهم ، لكن كانت لهم المكانة الروحية الأسمى ، ولماذا ؟! هل لأنهم اعتقدوا بعقيدة معينة ؟ أو لأنهم خدموها ؟ وإذا كان كذلك فلماذا ليس جميع من حمل تلك العقيدة يمتلك تلك المكانة ؟ الحقيقة ليست في ذلك ، فمكانتهم ليست لأنهم حملوا عقيدة من قبلهم ونقوها من كل الشوائب فحسب ، بل كذلك في تجسديهم لما ينبغي أن يكون عليه صاحب هذه العقيدة وتجديدهم مفهوم الإيمان واقعياً .
***
لسنا مخلوقين لنأكل ونشرب وننكح ، ولا ميزة الإنسان في أسلوب أو نوع أكله وشربه وسكنه ( بالشوكة أو بالملعقة ) ، وليس من ينادي بالعودة إلى حقيقة الوجود إنسان غبي منغلق أخرج نفسه من سباق الحضارات ، بل هذا هو خط الأنبياء .
لكن هذا الخط لم يكن ولا يصح أن يكون مجرد تنظيرات بل هي حياة كاملة .
والخطاب العقائدي لا بد وأن يتسع بسعة وعظمة المعارف التي يتناولها ، ويعرف الإنسان بعلاقة عقيدته مع واقعه .
ومهما لم تتجسد المفاهيم الإيمانية في الحياة والواقع فالسمة الملازمة لمن ينادي بها هي الفشل .
عسى مشربٌ يصفو فتروى ظميةٌ *** أطال صداها المنهل المتكدرُ

وجدانُ الأمةِ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 619
اشترك في: الثلاثاء فبراير 01, 2005 11:50 pm
مكان: اليمن

مشاركة بواسطة وجدانُ الأمةِ »

بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم ياسر ..أشكرك على هذا الموضوع الجوهري وطريقة الطرح الجميلة والواضحة..وأعترف أن حقيقة كون العقيدة هي أهم المعار ف الإنسانية لم تتبلور في عقلي بوضوح إلا منذ سنوات قليلة..
ربما كانت أول مرة احتار فيها هو عندما التقيت بأشخاص مسيحيين غربيين وعرب فأخبروني أنه لا فرق بين الإسلام والمسيحية في القيم والأخلاق، احترت لأن طفولتنا كانت مشبعة بحكايات عن أناس دخلوا في الإسلام تأثراً بسلوك معين لشخص مسلم أو بقيمة أخلاقية معينة أو حتى بأحكام فقهية معينة، ولكن الحقيقة التي اكتشفتها أن تلك كلها أمور تفصيلية ونسبية ولا تكفي ليحول الإنسان دينه خاصة وأن العالم الغربي ملئ بقيم جميلة نفتقرها للأسف تطبيقاً في مجتمعاتنا الإسلامية، وتساءلت في نفسي حينها طالما والأمر كذلك فما الذي يغريهم بدخول الإسلام إذاً؟؟ وما الداعي لذلك أصلاً؟
لم يخطر ببالي حينها أن عظمة الإسلام تكمن في تماسك عقيدته،في منطقيتها وقدرتها على الإجابة على أسئلة الإنسان حول حقيقة الوجود والحياة والله والإنسان ، انتبهت للفكرة أول مرة عندما قرأت كتاباً بعنوان (حتى الملائكة تسأل) للدكتور ( جيفري لانغ) وهو أمريكي دخل في الإسلام ،وكان هذا الكتاب يحكي جزءاً من تجربته، لم يقل في كتابه أن أخلاق المسلمين لا نظرياً ولا عملياً هو ما جعله يدخل في دين الإسلام بل على العكس من ذلك، يوضح الكتاب كيف أن تصرفات المسلمين كانت من التحديات التي واجهت تجربته الإيمانية وجعلتها أكثر صعوبة، وكيف أن كثير ممن يدخلون في دين الإسلام يرتدون عنه بسبب المسلمين ، لقد كان ما جعله يدخل في الإسلام هو العقيدة التي وجدها في القرآن والتي أجابت على أسئلته في الحياة حول نفسه وخالقه، وهي نفسها العقيدة التي لجأ إليها لتحميه من التراجع عندما كاد المسلمون أن ( يطفشونه)!
أنا حالياً أدرس مادة ( الفكر اليهودي) في الجامعة، وأثناء دراستنا لذلك الفكر بما فيه من أفكار عقائدية وسياسية واجتماعية- عجيبة وغريبة-، تساءل أحد الطلاب لماذا اليهود دون غيرهم يسيطرون على العالم اليوم؟،كانت الإجابة التي خطرت في ذهني هي ( العقيدة)، لا أحد يتمسك بعقيدته وينطلق منها كما يفعل اليهود لا المسيحيون ولا المسلمون، وكما قال الأستاذ عبد الله بن حميد الدين في كتابه الزيدية قراءة في المشروع وبحث في المكونات ( التجارب التاريخية للحركات الاجتماعية والسياسية تظهر أن الرؤية للعالم ذات قيمة كبرى، هذه القيمة لا تختلف باختلاف طبيعة الرؤية دينية أو غيرها ، إلهية أو إلحادية.ونجد أن الثورات الحضارية إنما انطلقت في البدء من تغير جذري في الرؤية للحياة وللإنسان ولدوره ومركزه فيها)، واليهود يوجد في عقيدتهم- التي يتمسكون بها كثيراً- ما يحفزهم للسيطرة على العالم.
وهنا نعود لعقيدة الإسلام التي ليست مشكلتها فقط أنها لم تجد من يجسدها واقعاً وإن كان عالماً بها وداعياً إليها بل المصيبة الكبرى أنها تحرفت في أذهان الناس وسيطرت على حياتهم وفق مفاهيم مغلوطة ومثبطة مثل مفهومي الجبر والإرجاء وتلك قصة أخرى......
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“