متـارس القبيلة والطائفية والقتل

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
smart
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2
اشترك في: الثلاثاء يناير 17, 2006 9:37 pm

متـارس القبيلة والطائفية والقتل

مشاركة بواسطة smart »

متـارس القبيلة والطائفية والقتل


نائف حسان ( 07/04/2006 )





الطريق الى صعدة مثقلة بالمشايخ والبنادق، عامرة بالصفقات المشبوهة والمؤامرات. نقطة الأزرقين عصية على التجاهل. انها بوابة صنعاء الشمالية، التي لم تكن تتجاوزها سلطة الرئيس علي عبدالله صالح..


ذات يوم. من هنا مرَّ الشيخ عبدالله، علي حميد جليدان، حمود عاطف، فيما مرَّ علي عبدالمغني وعبدالرقيب عبدالوهاب والشيخ أحمد عبدربه العواضي من البوابة الأخرى: نقطة يَسلِح. شعرت بوحشة في «الأزرقين». تذكرت أنها البوابة التي أدخلت اليمن في بيت الطاعة السعودي عبر قمقم القبيلة ومشايخها.


كنت أريد أن أعاتب «الأزرقين» لأنها لم تكن عادلة في معركة السيطرة على اليمن. كان يكفي أن تقف على الحياد، أن تكون مجرد نقطة عسكرية تفصل صنعاء عن المملكة الشقيقة. تفضي «الأزرقين» الى ضروان، خارف، عمران، خمر، حوث، سفيان، حيث مررنا، صباح 27 فبراير، قاصدين صعدة. كان صباحاً رائقاً لولا أني استفتحته بـ«مدَّرة» فول سيئة الطعم، ومونولوج داخلي عن مأساة اليمن مع القبيلة والأرض.


كنا ضمن موكب برلماني كبير، قاده الشيخ سلطان البركاني، للإطمئنان على انتهاء الحرب ضد الحوثيين. أظن هؤلاء ضحايا نقطة الأزرقين أيضاً، حال اليمنيين في المناطق الأخرى، الذين لا زالوا يدفعون ضريبة استفراد قبيلة ومشايخ الريال السعودي على الحكم.


بالنسبة لي كانت الزيارة مهمة بكل المقاييس، ذلك أن زياراتي السابقة في هذا الاتجاه لم تتجاوز ضروان. أكثر من خمسين سيارة لفتت انتباه المارة ومرتادي الأسواق المتناثرة في الطريق، بدرجة أقل من موكب رئاسي اعتاد البسط على رقاب الناس وأرزاقهم. فيما بعد «الأزرقين» بدا الناس أكثر انشداداً للتحديق في سيارات الموكب المارة بسرعة اضفت عليها طابعاً سلطوياً.


كنت في المقدمة على سيارة الشيخ ياسر العواضي، والى جواري الزميل مروان دماج والشيخ حسين السُوادي، لهذا أُتيح لي رؤية الطريق والمناطق المتناثرة على جانبيها، بشكل أكثر وضوحاً. كثير من المحدقين والمرتصين على الطريق كانوا يلوحون بأيديهم. أدركت ان التلويح أصبح جاهزية نفسية يحقق بها المرتصون ذواتهم، اعتماداً على ثقافة اجتماعية جعلت من الخروج لتحية الرئيس والهتاف له جزءاً من بنية وتركيبة العامة، الذين صاروا أحرص على ذلك ليكونوا جزءاً من مشهد القوة المفروض بالعسكر والسيارات الفارهة وحالة الاستنفار الأمني المرافق. المواكب الفخمة، إحدى أهم الوسائل التي استخدمها الرئيس لتأكيد حضوره الشعبي.


بدت الزيارات الميدانية اداة لتأكيد الحضور الشعبي للرئىس، غير أنها أخذت مساراً آخر باستخدامها لتغذية النزعات الفردية، التي قصرت الحكم على خلق صورة اسطورية لـ«القائد»، الذي أصبحت زياراته «تكريماً» للناس والمناطق والمحافظات التي يقصدها!! والشاهد أن علي عبدالله صالح يتجلى في زياراته للمناطق كامبراطور سماوي يمنح الناس شرف مشاهدته والتلويح له، لا كرئيس يتفقد أحوالهم ويتلمس حاجاتهم. ولا يحضر الناس في هذه الزيارات باعتبارهم مواطنين يمكنهم محاسبة الرئيس وتقريعه، بل يحضرون كرعية يتلمسون بركات وتوجيهات «القائد» «الرمز».


لقد حلت المواكب الرئاسية الضخمة بدلاً عن المشاريع التنموية، لهذا أصبحت حياة اليمنيين حلقة من النخيط وتواطؤاً يومياً على الإدعاء والكذب. أعذر الرئيس كثيراً، ذلك أني شعرت في المواكب المتواضعة التي سرت فيها، وهي قليلة، بأهمية أن تكون محاطاً بنظرات الناس ومستفرداً بانتباههم.


تلك طبيعة إنسانية تشبع مكامن النقص وترقع الخيبات الشخصية التي لا يسلم منها أحد. أعذر الرئيس أيضاً لأن اغراء السلطة يبدأ من المواكب الفخمة ثم يتدرج صعوداً: الثروة، الجاه، النفوذ، السيطرة.. في الطريق الى صعدة شعرت باغراء السلطة، رغم بساطة الموكب وتواضعه، لكني لم أعذر المحدقين والمرتصين على الطريق، كونهم مسؤولين بشكل مباشر، شأن بقية اليمنيين، عن الإستبداد الحاصل وتوابعه. قلوب تحس بالخجل التلويح مستمر، والإنشداد كذلك. يمكن الجزم بأن هذا أقل هنا منه في مناطق أخرى: تهامة، تعز، إب.. تأملت «ريدة» بحثاً عن يهودي عابر.


تخيلت «ساريتا» اليهودية وهي تقول لكازنتزاكي في برلين أنها تريد أن تساعد رفاقها اليهود في بناءعالم جديد لا يجعل قلوبهم تحس بالخجل. لا أسوأ من أن تصبح مسكوناً بالخجل من هويتك الدينية. يعرف يهود «ريدة» ذلك، ويتجرعون مرارته يومياً. نوعٌ من الطمأنينة سيطر عليَّ. أحسبه استئناس المظلوم بالمظلوم، أو المضطهد بالأكثر اضطهاداً.


«ريدة»؛ قلتها وفي نفسي أكثر من غصة على الذين لا زالوا يهوداً في محيط غارق بموجات كراهية ضدهم. نيتشيه، الذي اعتبر في «عدو المسيح» ان «كل شكل من إيمان هو تنازل عن الذات»، أكد أن «كل ما هو معاناة، كل ما هو معلق فوق الصليب، هو إلهي». لهذا الكلام معنى، وأكثر من وجه في «ريدة». الى اليمين، الطريق نحو «خارف»، تركناها ونحن نتحدث عن مجاهد أبوشوارب واحترام الناس له. تحاشياً للمرور في زحمة مدينة عمران سلكنا الطريق الجديدة، التي أوصلتنا مباشرة الى «خمر» معقل الشيخ عبدالله.


تأملت المدينة مستفسراً عن بيت الشيخ فيها. أيقنت أن المدن بناسها. ما الذي تعنيه «خمر» بدون الشيخ عبدالله؟ وما الذي تعنيه حاشد بدونه وبدون الرئيس علي عبدالله صالح؟ لا شيء، مجرد مناطق لزراعة القات و«البندقة». حاشد وخولان وبقية المناطق القبلية المحيطة بصنعاء، ليست معيقة لليمن، إلا بقدر ما هي معيقة لنفسها أيضاً.


ان الشيخ حميد بن عبدالله الأحمر يقدم اليوم نموذجاً جديداً للقبيلة. نموذجاً جعله محط احترام وتقدير.. خلال الفترة الماضية تحدث الشيخ حميد كثيراً عن المواطنة المتساوية والحقوق، ثم أعلن اصطفافه المدني مع حزبه ضد القبيلة: طالب بتقديم مرشح للرئاسة ينافس الرئيس علي عبدالله صالح، الذي كان ولا يزال مرشح حاشد بشكل أساسي.


ومع تقديرنا واحترامنا للرئيس والشيخ عبدالله، فإن من يمثل حاشد اليوم هو الشيخ حميد، الذي أرجو أن يستطيع تقديمها كشريك لبقية اليمنيين في الوطن لا كقبيلة مسيطرة على الجيش والثروة. «اليمن السافل» كوقود للحرب الأرض خضراء ذات خصوبة مغرية من همدان حتى قاع البون. ما بعد ذلك يتصاعد حضور الصخر والجدب مع الوجوه المكفهرة. أضفى الشيخ حسين السُوادي جواً جميلاً للرحلة. الى جانب خفة روحه، يملك الرجل أسلوباً خاصاً يجعل الاستماع إلى تعليقاته متعة. وفي أوقات كثيرة يظهر السُوادي كما لو أنه «قَيْل» حميري لم تُنسِه المعارك والحروب حس الفكاهة والدعابة ذات التلميحات الكلاسيكية اليقظة.


الشيخ ياسر والزميل مروان اظهرا معرفتهما الكبيرة بالقبائل والأمكنة، إذ استرسلا شارحين تداخل مناطق بكيل مع حاشد. لم أشعر بثقل الطريق، ومرد ذلك إلى الرفقة الجيدة التي كنت محظوظاً بها. لا زلنا في حرف سفيان وهي آخر المناطق القبلية التابعة لمحافظة عمران. ارتص عشرات المسلحين على جانب الطريق يتقدمهم شخص يحمل سلاحاً مختلفاً. توقفت السيارات ونزل كثير منها لتحية المرتصين، الذين قيل فيما بعد أنهم لم يخرجوا لاستقبال الموكب البرلماني، وإنما لحل قضية قبلية بينهم.


نهاية عمران استقبلنا طقمان عسكريان تقدمانا باتجاه صعدة، مستكملين مهمة آخرين بدأوا المهمة من خارج صنعاء. لم تكن موفقة مرافقة الأطقم العسكرية لنا. رأى أغلب البرلمانيين ان وصولهم صعدة بدون مظاهر القوة العسكرية أفضل ،حرصاً على عدم استفزاز الناس، وحفاظاً على بقاء مهمتهم بعيدة عن السلطة السياسية التنفيذية والعسكرية. تستقبلك صعدة بطريق جديد واضح أنه استحدث بعد نشوب الحرب. تلك أولى بركات السيد حسين بدرالدين الحوثي في صعدة. يبدأ التمركز


والانتشار العسكري من الحدود مع عمران. ورغم بُعد المكان عن أماكن المواجهات في نشور والرزامات، إلا أن الخوف كان بادياً في وجوه العسكر وتحصنهم خلف احجار مرصوفة كمتارس. تزايدت النقاط العسكرية، التي كان العسكر يخرجون من متاريسها لتحيتنا بفرحة المنتصر غير المصدق بأن الحرب أنتهت وأنه نجا من الموت فيها.


أكثر العسكر شبانٌ، وبينهم من هم دون الثامنة عشرة، تقول جباههم أنهم من «اليمن السافل». استفزاز الطقمين العسكريين اللذين تقدما الركب كان واضحاً للسيارات الأخرى في الطريق. بالسرعة الجنونية المعروفة بسط الطقمان على كافة الطريق مجبرين السيارات القادمة من صعدة على التوقف. وقد نجت أكثر من سيارة من الانقلاب أو الاصطدام بالطقم العسكري الذي كان يفاجئها بسرعته الكبيرة نحوها.


مناطقية تسطو حتى على حقوق الموتى في قبورهم دون الحاجة لأي نقطة عسكرية أو مرشد سياحي ستلاحظ التغيير البيئي الذي يفصل صعدة عن عمران في حدود المحافظتين. من هنا تبدأ أرض أخرى، وبشر مختلفون. انها صعدة معقل الزيدية وأرض الرسالات، بلاد مجد الدين المؤيدي وتجار السلاح.


جعلتها التناقضات أرضاً حية، جدرانها من طين، تزرع البرتقال، وتصدر مبشري هاشمية «سيدي حسين» وسلفية مقبل الوادعي. يعرف السُوادي صعدة جيداً. جاءها عام 1972 مقاتلاً خلف الشيخ أحمد عبدربه العواضي، الذي أطلق عليها تسمية مدينة السلام، بعد أن أخضعها بالكامل للجمهورية. ظلت بلاد الهادي وَفِيَّةٌ للمملكة المتوكلية، وقاتلت في سبيل ذلك سنوات بعد 1962. عُرفت بانها قاهرة العمداء، بعد أن فشل ثلاثة منهم في اخضاعها بالكامل لسلطة الجمهورية العربية اليمنية. مدينة السلام أصبحت اليوم مليئة بالنقاط العسكرية والمتارس.


طبقاً لمصادر عليمة فعدد المواقع العسكرية في المحافظة يصل الى (2800) موقع، فيما تتجاوز المتارس عشرة أضعاف ذلك. تكرر المشهد: عسكر شبان يخرجون من متارسهم لتحيتنا رافعين الأسلحة الى الأعلى. لا توجد احصائيات رسمية بعدد ضحايا الحرب، فيما تقديرات أوصلت العدد الى ستة آلاف ما بين قتيل وجريح. أبناء «اليمن السافل» وأبين والضالع، هم الوقود الفعلي لهذه الحرب. لا توجد حماسة تدفع بعسكري الى الحرب أكثر من أمر القائد، ولقب «شهيد» لا يغري في خوض حروب سلطوية تسطو حتى على حقوق الموتى في قبورهم.


سيقولون طائفية وهم يلاحقون موتانا بها. هذه هوية السلطة القبلية، التي وضعت مراتب لشهداء «الثورة» ملأتها وفقاً لأمزجة مناطقية قذرة. من لهم علاقة بهيئة رعاية أسر الشهداء يعرفون أن «شهداء» حاشد وخولان يستلمون أربعة آلاف ريال شهرياً، مقابل (1800) لـ«شهداء» أبين والضالع، و(800) ريال لـ«شهداء» بقية «اليمن السافل». يشعر الناس بهذه الفوارق المناطقية ويتحدثون عنها بألم بالغ.


بيد أن المشكلة أنه لايوجد إيمان حقيقي بأن «عدم المساواة في الحقوق هو الشرط الأول كيما توجد حقوق على العموم». بين بسط السعودية ومهدي مقولة على أراضي الآخرين دخلنا صعدة، مفتتحين زيارتها بلقاء خطابي تحدث فيه محافظها العميد يحيى الشامي والشيخ سلطان البركاني باتزان من يريد إنهاء الحرب.


خرجنا باتجاه قلعة السنارة، حيث بدت صعدة وادياً مفتوحاً في الأسفل. انها معلم تاريخي أبدع الإمام بناءها، فيما حولتها الجمهورية الى ثكنة للعسكر. السنارة التي تعد من أهم القلاع اليمنية، تحتضر اليوم، تتساقط أركانها وأعمدتها، دون أن يمثل ذلك استفزازاً للسلطة، التي ذهبت الى مران بقاذفاتها وطائراتها العسكرية طلباً لفرد أُعتبر رفضه دعوة رئاسية تمرداً واستفزازاً شخصياً. «كل نفس ذائقة الموت»؛ مكتوبة في أكثر من مكان داخل المدينة، كما لو أن الموت هو الأساس فيها.


الناس متفائلون بانتهاء الحرب، رغم وطأة الشعور بجوارهم اليومي للرصاص والدم. هناك تصالحاً بينهم وبين «القوارح» والموت الجاثم على صدر مدينتهم على شكل مقبرة هي الأكبر في الشرق الأوسط. صباح اليوم التالي خرجنا باتجاه نشور والرزامات، حيث دارت أشد المواجهات بين أنصار الحوثي والقوات الحكومية.


عرفت جبال مران من تقرير اخباري سيئ أعده الردمي للقناة الفضائية، ابتهالاً بدخولها من قبل الجيش. كنت أظن نشور والرزامات كجبال مران، سيما وأنها قدمت في وسائل الاعلام بأنها سلسلة جبلية. الزيارة مفاجئة لي، إذ وجدت الرزامات وادياً صغيراً يبعد عن المدينة نحو ثلث ساعة شمالاً. بعده مباشرة كانت نشور منطقة سهلية تتخللها أودية سكنية. السلسلة الجبلية لم تكن سوى تلال صغيرة ممتدة بشكل كثيف وطويل. آثار القصف لا زالت قائمة، خاصة في قرية الشيخ أحمد عيضة الرزامي، الذي وقف الى جوار صديقه الحوثي منذ انطلاق الحرب في يونيو 2004. مناطق العصايد، العند، الطلح، آل الصيفي، أقرب الى المدينة، أو هي ضواح متداخلة فيها. أدركت قوة حسين الحوثي، إذ كيف باستطاعة فرد أن ينقل الحرب من مران الواقعة على بعد نحو 80كم غرب صعدة، الى داخل المدينة وشمالها.


البيوت ترابية،وعلى قمم بعض التلال ظهرت أثار لشق طرقات، عرفنا أن القوات الحكومية نفذتها بعد انتصارها على مليشيات تابعة لانصار الحوثي كانت تتمركز فيها. تفضي الطريق الى البقع أحد المنافذ الحدودية مع السعودية.


طارق الشامي، علي السقاف، نبيل عبدالرب، وأنا.. في سيارة صالون أجرة كانت ترتعش اذا تجاوزت الرقم 60 في لوحة مؤشر السرعة. شعرت بمرارة أن تكون متأخراً عن رفاق سفر. خفة دم علي السقاف، وأخلاق طارق الشامي العالية، لم تستطع ان تنسيني ورطة السيارة الصالون الثمانينية وبرودة دم صاحبها.


بعد نشور وائلة، التي كانت النعمة السعودية واضحة في منازل أهلها. قبل الوصول الى البقع نزلنا من مرتفع صغير الى واد قيل أن أغلب أهله لديهم جنسيات سعودية. النقاط والمواقع العسكرية منتشرة، وكذلك المرتصون رغبة بالفرجة والتحية.


وصلنا المنفذ الحدودي متأخرين. في الطرف الآخر بدت نجران خضراء ومغرية، مقارنة بالصحراء وحالة الجدب اليمنية. الأرض واحدة لكن السلطات تختلف. منحت اتفاقية جدة اليمن مسافة في منفذ البقع داخل الأراضي السعودية، مقابل اقتطاعات كبيرة في أماكن أخرى وتنازل عن أكثر من مساحة اليمن الحالية. جرى الحديث عن ذلك، فأشار أحد الحاضرين الى حقيقة قيام السعودية كدولة توسعية. رد آخر: «الله أكبر عليها والله أنها مثل مهدي مقولة تشوف أي أرض تبسط عليها».


تجاوز زكريا الزكري نقطة الحدود اليمنية، فتبعه فتحي توفيق عبدالرحيم وبسام الشاطر، باتجاه نقطة الحدود السعودية.. وقف الحرس السعودي مبهورين بالسيارتين اللتين تجاوزتهما بسرعة مستفزة. أدار الزكري وفتحي سيارتيهما فتذكرا أهمية إلقاء السلام على الاشقاء والتعريف بأنفسهم. ماذا لو كانت »الأزرقين» هي نقطة الحدود الفعلية لليمن مع المملكة؟ لا شيء، كان الرئيس علي عبدالله صالح والشيخ عبدالله سيكونان من رعايا الأمير مشعل آل سعود أمير المنطقة الغربية السعودية.


مهرجانات للتطهر من رجس شخص ما زالوا يكنون له كل الاحترام اليوم الثالث قصدنا حيدان ومران. عدنا صباحاً باتجاه صنعاء، حيث انعطفنا من مدخل المحافظة غرباً. (30) كم جرى سفلتتها بعد اندلاع الحرب، ويجري العمل في شق وسفلتة الـ(50) كم الأخرى التي تصل الى قرية السيد حسين الحوثي، باتجاه الملاحيظ. في حيدان ومناطق متفرقة جرى رص الأطفال للهتاف: «بالروح بالدم نفديك ياعلي».


كانت الحشود مكشوفة. بدت الهتافات للرئيس واليمن كنوع من التكفير عن النفس واثبات براءة من حسين الحوثي، والدعوة للإمامة التي رُجم بها. تم تجميع الناس وارتفعت الهتافات في أكثر من مكان على الطريق. كانت التجمعات عبارة عن مهرجانات مفتوحة لإعلان التطهر من رجس الوقوف مع شخص لا زالوا يكنون له كل الاحترام.


تتوزع مزارع القات وأشجار الصبار على الطريق الترابية، التي بدت وعرة وشاقة أكثر مما ينبغي. جبال كبيرة ننزل منها إلى تجمعات سكانية متفرقة. السفر صاخب وملفت. الى اليمين لم يكترث رجل كان يفلح قطعة أرض بحمار، وتساعده زوجته بذات الإنهماك في الطرف الآخر. صعقنا المشهد من الداخل، أعادنا الى قرويتنا وأغاني أيوب.


رجل وامرأة يعملان دون أن يلتفت أحدهما للآخر؛ مع ذلك يظهران في مشهد غارق في الحميمية. الأرض التي كانا يفلحانها ظهرت أكثر ترتيباً وأناقة من جميع الأراضي التي مررنا بها. يقول محمد شكري في «وجوه» ان «ما يطيل العشرة بين رجل وامرأة هو أقل الكلام بينهما».


انتهينا بارتفاع جبلي جديد الى نقطة عسكرية وأطفال مرتصين على جانبي الطريق. كان وصولنا مفاجئاً انتبهنا معه لمدرس بيده عصا يمررها على الأطفال صائحاً بهم: «بالروح بالدم.. بالروح بالدم». قبل أن يردد الأطفال الشعار قلت لرفاقي في السيارة ان هذا الحقير من تعز!!.. فضحكوا.


وقفنا على قمة مرتفعة، قيل لنا أن أحد أنصار الحوثي أعلن استسلامه فيها بعد نفاذ ذخيرته، مشترطاً تسليم نفسه للضابط. حين تقدم الضابط منه احتضنه دافعاً به وبنفسه من على قمة الجبل، فيما رفع صوته صارخاً: الله أكبر!..


ان رؤية الجبل الذي وقع فيه الحادث يجعل المرء يراجع ذاته من مجرد التحديق في هاويته، والقفز منه يبدو مهمة جنونية لا يخفف منها ترديد الشهادة والهتاف باسم الله. تقول قصة أخرى أن القوات الحكومية وجدت أحد أنصار الحوثي مقتولاً في جرف والى جواره طحين وَشُوْلة صغيرة. كان الرجل لا يغادر موقعه يصنع أكله ويقاتل فيه. ما الذي فعله حسين الحوثي بهؤلاء الناس ليفدوه بأرواحهم ويموتوا دونه؟ تداخلت السحاب مع الجبال، وحين وصلنا أعلى قمة مران أشار أحدهم الى جبل في الشمال عرفت أنه رازح المطل على الأراضي السعودية.


داخل تدرج جبلي مزروع يقع مركزمران محاطاً بقرى ومنازل كثيرة. استقبال حاشد جُمِع فيه الناس من جميع القرى. الاطفال يهتفون شعارات اعلان التطهر والتوبة، ويرفعون علم الجمهورية اليمنية، فيما ملامح الإنكسار والقهر بادية على وجوه غالبية الرجال سيما الشباب منهم. انشغلت عن المهرجان الجماهيري بالتحدث للناس.


بعد تحفظ طويل أخبرني ثلاثة شباب عن حسين الحوثي، الذي كان حبهم له واضحاً. أربعة شبان آخرون وقفوا على الحياد محاولين تحاشي اظهار حبهم للرجل، وحين سألتهم: أين بيت حسين الحوثي؟ ردوا عليَّ بتعجب: السيد؟! العسكر منتشرون بشكل كبير. بيت «سيدي حسين» كان في منحدر جبلي مواجه. أمام البيت يمتد ديوان طويل مبني بالبلك، كان يلقي فيه دروسه ومحاضراته حتى العاشرة من مساء كل يوم.


سألتهم: أين جُرْفُ سليمان الذي قُتل حسين فيه؟ وحين عرفت أنه يقع أعلى بيته بقليل الى الجهة الأخرى، قلت مستغرباً: يعني لم يهرب؟ رد أحدهم: «السيد ما يهربش». بدا الشاب مصعوقاً لكوني فكرت، مجرد تفكير، بأن السيد يمكن أن يهرب.


شتم رجل مقتول.. عمل ينقصه أخلاق الشرفاء وشهامتهم لم يفرض حسين الحوثي نفسه على الناس بقوة المذهب، بل بخدمتهم والأخلاق الحسنة في التعامل. أنهى الرجل سلطة المشايخ التقليدية الجابية. الآن عاد ظهور المشايخ في المنطقة مالئين الفراغ بدعم رسمي.


الدعم الرسمي لإنهاء آثار الحوثي يسلك طريقاً آخر أشد خطورة: الدفع بسلفيين ووهابيين متشددين بهدف تغيير البنية المذهبية القائمة على التشيع في مران. جيء حتى بخطباء مساجد وهابيين. أحد مسني المنطقة أبدى تبرماً شديداً من الأمر مؤكداً أنه ورفاقه تركوا المساجد للخطباء الوافدين. في المهرجان الحاشد ألقى رجلٌ كلمة باسم ابناء مران وحيدان، تنقصها أخلاق الشرفاء وشهامتهم.


الرجل الذي قيل انه وهابي بالغ في شتم الحوثي، وإهانة أبناء المنطقة بتسول الصفح والمغفرة من الرئيس. جميع الكلمات عزفت على الموال ذاته. كلمة المرأة اضافت الى ذلك بتشدد، مناشدة الرئيس التراجع عن قراره عدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية. آلام الناس ما زالت قائمة. هناك 534 منزلاً دمرت في حيدان ومران.


ورغم أن المسؤولين الحكوميين يقولون أن 320 مليون ريال صرفت كتعويضات لترميم هذه المنازل، إلا أن تذمراً قائماً بين الأهالي بسبب عدم عدالة توزيع تلك التعويضات. سيطرة قائد اللواء السابع مشاة العميد الركن عبدالعزيز الشهاري على منزل الحوثي أمر لا يجب أن يستمر. يقيم عدد من الجنود أيضاً في نحو ثمانية بيوت من الواجب اخلاؤها في أقرب وقت.


جميع الذين تحدثت إليهم كان لديهم أقارب قتلوا في الحرب. الإنكسار ومرارات ذل الهزيمة بادية عليهم. لقد تحولت المنطقة الى ثكنة عسكرية كبيرة ترصد مناصري «التمرد» والخارجين على الشرعية. لا أعرف حسين الحوثي، وأختلف مع ما يطرح، لكني أشعر بألم لأنه قُتل. قُتل الرجل كقائد أسطوري، مؤرخاً لكربلاء جديدة في اليمن أظن أن ثمنها سيكون فادحاً.


--------------------------------------------------------------------------------


نقلاً عن صحيفة الثوري
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب ما قصدها تعلوا على اسيادها تبقى الأسود اسودا والكلاب كلاب

لن نذل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 862
اشترك في: السبت مايو 28, 2005 9:16 pm

مشاركة بواسطة لن نذل »

لا أعرف حسين الحوثي، وأختلف مع ما يطرح، لكني أشعر بألم لأنه قُتل. قُتل الرجل كقائد أسطوري، مؤرخاً لكربلاء جديدة في اليمن أظن أن ثمنها سيكون فادحاً.
مشكور أخي العزيز على النقل ، وأهلاً وسهلاً بك في منتداك مجالس آل محمد
سأجعل قلبي قدساً، تغسله عبراتي، تطهره حرارة آهاتي، تحييه مناجاة ألآمي، سامحتك قبل أن تؤذيني، وأحبك بعد تعذيبي..

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“