الفــــنّان المهمش ..

[الهاشمي اليماني]

الفنان المهمش ... بل الفنان المرهف الحس المثابر العصامي هو المدّار "الخزّاف" ( صانع الفخّار ) فنان رغما عنه بدافع إجتماعي ،،، ولا أراه يتذمر أو يتضايق لمرور عجينة الطين الموحلة بين يديه ... تراه يشكلها بأصابعه الرشيقة فيجعل منها لوحة أو عمل فني وفي نفس الوقت نفعي .. وبالرغم من النفع والفن نجده شخصية مهمشة ،، أي يعيش قابعا بأدنى الرتب الإجتماعية ...
ترى ما الذي حدى بمجتمعنا أن ينظر بمثل هذه النظرة القاصرة لمهنة بها من الأناقة والدقة والجمال والنفع مايجعل التوصيف دونها قزما عاجزا فيخلص القول أن المدّار فنان وحسب ... ولكنه بعين المجتمع أو شقه الأكبر لازال مدّار ..
يجعل من عجينة الصلصال تحفة ، ويجعلك تطرب لأواني الطهي قبل أن تلعقها ، فتتغزل بالفنجان قبل شربه وتراقص الصحن قبل بنت الصحن ..
وبمثل المدار يدمي صانع الحديد أصابعه وتكوي النيران جسده وهو يعمل جاهدا ليطوع الحديد ليصنع منه كل مانحتاج وما نريد ... من سيوف بها ريب المنون يتجسد ، إلى محاريث ينبت بها الزرع والكروم تنضد ، ومعاول بها البساتين تسعد ....
وتمتد سلسلة الفنانين المهمشين لتشمل صانع الجلود وصائغ الفضة وحائك الإزار والبرد ... والمزين ( فني المكياج ) ...
ترى ماذا جرى ؟ ولم هذه النظرة القاصرة ؟ وسرها .... والذي قد يوصلنا بمناطق أخرى من يمننا الميمون لإحتقار المزارع ... حيث يكنى بالحراث وعليه يعتبر المزارع بالطبقة الدنيا من السلم الإجتماعي ... مع صايد الأسماك ... وهلم جرا ..
هناك أيضا من همش فنانين أدائيين أي من المطربين والمغنين ونحوهم .. من المزمرين ... وهنا تتشعب الأمور ويصعب الإمساك بسبب معقول ومنطقي .
قيل ولازال يتردد أن ذلك الأمر مرده الجهل ... وهذه حقيقة لا يختلف عليها أثنان .. لكن ونحن بعصر الإعلام المعمم ( من التعميم حتى لاأفهم خطاء ) ونعيش عصر الفضائيات والإنترنت ... ترى ماذا قدمناه لإستئصال هذه الترهات من مجتمعنا ... وما هودور وسائل الثقافة والإعلام لمكافحة هذا المرض الإجتماعي الضار ..
وأخيرا ... ترى هل نرى معاهد متخصصة مهنية تدرب شبابنا على هذه المهن وتطور موروثنا الثقافي بكل مشاربه من الممدارة للحوكي والحدادة ... حتى المزمار ؟
هي مهن مرتبطة بثقافتنا الوطنية وبخصوصيتنا التاريخية .