http://www.newsyemen.net/show_details.a ... 03_17_8106
سلام يجمع المقابر بتجار السلاح، والعزلة الطبيعة بالإهمال الحكومي
صعده ليست مجرد حرب بين (الشهداء) توقفت من أجل الرئاسة
17/03/2006
رشاد الشرعبي، نيوزيمن:
تغريك اللافتة الحديدية التي تقع عيناك عليها وأنت تتجه نحو مدينة صعدة حيث «مدينة السلام» ترحب بزائريها، وتتخيلها -محافظةً ومدينةً- واحة خضراء يسودها الأمن والاستقرار, وليس للحرب فيها تاريخ, وما أن تطل عليها تتفاجأ بمدينة يحتل التاريخ القديم وآثاره مساحة صغيرة منها.
المساحة الأكبر تتقاسمها المقابر المتعددة ذات الأسوار البيضاء والمساحات الكبيرة, وأحواش متميزة تظهر فيها خضرة مزارعها. ومعالم المنازل فيها تعكس ملكيتها لتجار وشخصيات اجتماعية يتهم البعض منهم بأنهم من كبار تجار السلاح وسلع أخرى في اليمن. شيئان اثنان يحكيان قصة حروب الماضي والحاضر وربما المستقبل, تصفعك بهما مدينة السلام باستثناء مدينة قديمة تكاد آثارها ومعالمها تندثر جراء الإهمال الذي يتعارف عليه أبناء اليمن كثقافة وسلوك لدى حكوماتهم المتعاقبة. المقابر والمزارع هما المعلمان البارزان لمدينة صعدة، اللذان يعكسان صورة متناقضة للاسم الذي لا أعلم له أصلاً, كما لم أعلم حتى الآن سبباً لتسمية المديرية التي أنتمي إليها (شرعب السلام) في حين أنها من أكثر مديريات الجمهورية في حوادث القتل والنزاعات. فالمقابر تحكي تاريخاً من الحروب لأكثر من ألف عام نزاعاً على الإمامة والسلطة بين الأئمة, أعقبها عقود ما بعد ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م, كان للصراع فيها حضورٌ كبيرٌ استمر إلى ما قبل أسابيع لأهداف شتى وبصور مختلفة. فيما المزارع تفسر مدى الإثراء الذي يصل إليه المستفيدون من حروب الداخل أو صراع الحدود؛ وقدر صعدة بأن تكون بمحاذاة الشقيقة السعودية وما بينها من فرص للتهريب والمتاجرة بالأسلحة والبضائع والقات.الحرب ملعونة، والخاسر الوحيد فيها شعب فقد أبناءه جنوداً وضباطاً ومتمردين وآمنين وكسب جراحات لن تتعافى بتطييب النفوس بين القائد والشعب، فيما يظل الوطن كأرض وشعب والجمهورية كنظام والثورة كقيم ومبادئ وأهداف سامية، آخر الاهتمامات
الصورة المنطبعة لديَّ مسبقاً عن صعدة دفعتني للقلق: كيف سأقضي أربعة أيام كما هو محدد لبرنامج زيارة وفد أعضاء مجلس النواب لها؟, لكن بمجرد ولوجي الغرفة المخصصة لي في أحد فنادقها شعرت بالإرتياح وطردت الوساوس والقلق الذي داهمني قبل الوصول لما سيكون عليه وضع الفندق من نظافة وغيره وهو ما يفزعني عند زيارتي لمدن أخرى تعتبر أكثر تمدناً وتنمية وأقل تخلفاً من صعدة.
تهدئة مؤقتة
بمجرد سماعي للخطبة المرتجلة لرئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم رئيس الوفد (سلطان البركاني) في المركز الثقافي، وحديثي مع بعض النواب والمسئولين المحليين في صعدة؛ استنتجت جدية لحل المشكلة التي اندلعت قبل عامين تقريباً بين الدولة وما وصف بـ«اتباع الحوثي».
غير أن الرغبة للحل تكتفي بـ"القشور" عبر شخصنة ما جرى دون السعي لإيجاد الحلول الجذرية لفتنة كادت تصدع وحدتنا الوطنية والتسامح المذهبي الذي عاشه اليمنيون عقوداً وقروناً.
مع أن الحل بحاجة لـ"إرادة صادقة تنفض غبار القشور لتصل للأسباب المتعددة حتى لاتظل نتوءاتها (صنافير) كامنة في الجسد اليمني قد تنفجر ويسيل صديدها وتزداد آلامها كلما توفرت الأسباب لفتن جديدة. ومع أهمية مايجري من جهود –آخرها الوفد البرلماني-، فإن مايظهر هو أن هناك سياسة مدروسة لتهدئة الأوضاع قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤهاعلي عبدالله صالح الرئيس القائد, الصادق, الأمين, الشجاع, المتسامح لن ينحني ولن يركع ولن تقلقه المؤتمرات أبداً
سلطان البركاني
في سبتمبر القادم دون البحث عن حلول دائمة ومداواة للجروح ومعالجة الأجيال القادمة نفسياً مما خلفته المواجهات من آثار في نفوسهم.
العلاج المؤقت واضحاً من خلال السعي لتصوير المشكلة التي جرد لها النظام كل آلته العسكرية والسياسية والإعلامية خلال عامين, لتتحول إلى مشكلة وكأنها بسبب أشخاص وكان في مقدمة ما أعتبرهم (كباش الفداء) الذين سيقدمون قرباناً للحل المؤقت، محافظ صعدة السابق -محافظ البيضاء حالياً- العميد يحيى العمري، ولحقه مدير الأمن العقيد محمد طريق الذي نقل إلى محافظة صنعاء.
خلال تحركات الوفد، وعبر أصوات مقربة من العمري، سمعنا عنه كرجل إداري حازم يعمل بحس أمني صرف تميز بممارسات إيجابية وفي المقابل ممارسات سلبية كثيرة وعمل كموظف في إطار منظومة نظام متكامل. خاض مواجهة عمياء بين طرفين تسببا في مقتل يمنيين لم يفصح عن أعدادهم الحقيقية حتى الآن كجنود وكأتباع للحوثي أو الآخرين من المواطنين الذين لم يكن لهم ناقة ولاجمل في ذلك الصراع، ولكل طرف شهداؤه. أما الثاني؛ (طريق) فحينما زرناه لم يكن قد نقل بعد، لذا تحدث كثيرا عن (العمري الرجل المناضل الثوري)، وأنه "كشف مخططاً كان يستهدف الثورة والنظام الجمهوري، مضيفا تهديدات في غير وقتها "وإن عدتم عدنا". غير أنه لم يمكث طويلا إذ نقل بعدها بأسابيع إلى صنعاء.
مواجهة عمياء
بسطاء صعده، غير المكترثين بمبايعة يحيى، ولا إمامة علي، يشكون كثيرا من أشهر الخراب في مدينة صعدة جراء الفتنة، من ركود للمتاجر وقلق وتعثر للتنمية التي تدعيها الحكومة وانتهاك لحقوق وحريات مواطنين جرفتهم المواجهة وتصفية الحسابات الشخصية والتزلف للحاكم إلى معمعة المأساة كمتمردين أو قتلى أو معتقلين أو مطاردين حتى وصل الأمر إلى الاعتقال والإجراءات المختلفة بسبب اللقب أو النسب, وهو ما حدث لمسئول أحد المشاريع الزراعية ورفيق له سجنا لعام كامل دون تحقيق، والأمر فقط لمجرد العثور عليهما في الطريق والتعرف إلى لقبيهما رغم أنهما لا علاقة لهما بالموضوع ولا يتفقان مع أفكار الحوثي المعروفة عنه أو التي قيلت باسمه.
أول مهمة خاضها الوفد البرلماني غير الرسمي كانت باتجاه وادي (نشور) و(البقع) في حدود المملكة، وعلى جانبي الطريق بدت الطبيعة قاسية بجبالها القاحلةعزلة مران جعلتها أرض خصبة للالتفاف حول أي دعوة تتدثر بشعارات الدين والعداء لليهود والأمريكان
السوداء في غالب الأحيان وبردها القارس وشمسها الحارة ينبعث في قممها وتبابها شباب كالزهور بملابس عسكرية غبراء ووجوه شاحبة يرتسم على ملامحها الخوف والشجاعة والقلق والإصرار.
امتزج لديَّ نوعان من المشاعر: مشاعر الإكبار والافتخار بهؤلاء الأبطال الذين يواجهون قساوة الطبيعة وهم يرابطون حماية للوطن رغم ما يعانونه من ظلم بمختلف الصور من قادتهم.
ومشاعر الحزن والحسرة والمرارة؛ لأن المعركة التي اقتيدوا إليها تحت لافتة الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري, اختتمت بمسرحية هزلية، تؤكد تهميش المؤسسات، وحشد الوطن والشعب والثورة والحزب والجيش والأمن والمال والإعلام والوظيفة العامة لصالح مالك السلطة والذي ليس هو الشعب، ولا الوطن.
وفد أعضاء مجلس النواب الذين ينتمون لكتلة المؤتمر الشعبي الكاسحة -باستثناء نائبين من حزب الإصلاح وثالث من الوحدوي الناصري- اكتفى موكبه الطويل بالمرور في الخط الأسفلتي متجهاً إلى منفذ (البقع) الحدودي وجمركه.
جوار جمرك البقع وقف مواطنون يتفرجون على موكب الداخلين إلى الجمرك. عجوز قالت إنها من تهامة وهي ضمن مجموعات استقبل النواب خطباء الحكم وشعراء المديح ولم يقترب منهم المواطنون, الذين كانوا يهرعون للصحفيين ليتحدثوا عن مدارسهم التي بلا مدرسين، ومناطقهم التي لا توجد بها مستوصفات، ومرضاهم الذين يموتون قبل أن يصلوا مدينة صعدة، ومشروع الكهرباء الذي سحبوه ليستفيد منه اللواء العسكري المرابط
المتسولين التي تفرض نفسها على المسافرين, عبرت عن تذمرها من المجيء الخاطف للمحافظ, ولم تكن تعلم أن معه ما يقارب ثلث أعضاء أعلى سلطة في البلاد, و ردَّت على أسئلتي عن سبب تذمرها بأنه "كان يجلس يومين.. ثلاث.. يسمأ (يسمع) الناس, بس الرجال رجأ (رجع) بسائته (بساعته)". وخلال الرحلة استقبل النواب خطباء الحكم وشعراء المديح ولم يقترب منهم المواطنون, الذين كانوا يهرعون لنا (نحن الصحفيين) ليتحدثوا عن مدارسهم التي "بلا مدرسين"، ومناطقهم التي "لا توجد بها مستوصفات"، ومرضاهم الذين "يموتون قبل أن يصلوا مدينة صعدة"، ومشروع الكهرباء الذي "سحبوه" ليستفيد منه اللواء العسكري المرابط.
وقبل ذلك وبعده "لا مياه للشرب". وهي نفس المعاناة التي سمعناها في مديريات صعدة التي زرنها.
الجنود وصور الرئيس
انطلق الموكب وتأخرت سيارتا الصحافيين مع سيارة دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة الحاملة لمكبرات الصوت بأغانيها الثورية، وبحكم قانون الترافق هذا فقد تقاسمت سيارتينا ضروريات الاستقبالات والمواكب الرسمية من صور للرئيس وشعارات معتادة عن الثورة والوحدة والتنمية وأعلام عليها شعار المؤتمر (الخيل)، وللعلم فقد ظلت رزم الصور مكومة على سطح سيارتنا وفي مؤخرة السيارة الثانية ولم يتم توزيعها.
الجنود المنتشرون في النقاط الكثيرة على الخط وآخرين على التبات والجبال الموحشة، يحاولون رسم ابتسامات الترحيب والفرح. جندي واحد أوقفنا أثناء العودة مستجدياً صورة للرئيس فأعطيناه رزمة كبيرة، وأخذ يرتبها كمن حصل على جائزة ثمينة, وفي نقطة لاحقة وقف جنديان يسألان عن هويتنا فعرفناهم بتبعيتنا للموكب البرلماني وعرضنا عليهم صور الرئيس كرشوة وفيما قفز أحدهما ليأخذها بلهفة فقد رفض الآخر, متسائلاً بغضب عن الفائدة منها باعتبارها «لا تنفع كبطانيات تقي من زمهرير البرد, ولا خيم تمنع حر الشمس».
أيادٍ مرتعشة تهتف للرئيس
طابور طويل من السيارات المتجهة نحو (مران) بمديرية (حيدان) جميعها كان يمر بسرعة في الطريق الذي شق عقب المواجهات بين القوات الحكومية وأتباع الحوثي.هتافات الأطفال بالروح بالدم نفديك ياعلي كانت تغطي على أغاني أيوب طارش، ومواويل سبتمبر ودرب النضال
وحده الفنان الكبير أيوب طارش، كان يهتف بحماس "مسجل": «عشت يا سبتمبر التحرير يا فجر النضال ثورة تمضي بنا نحو المعالي"." والقليل -إن لم يكن النادر- من كان يردد مع الأشرطة تلك الشعارات.
فعلى جانبي الطريق مجموعات متفرقة وقليلة من الأطفال والطلاب بأجساد نحيلة ووجوه شاحبة تلفحها الشمس المحرقة وأيديهم ترتفع عالياً.
وكانت هتافاتهم "بالروح بالدم نفديك ياعلي" تغطي على أغاني أيوب طارش، ومواويل سبتمبر ودرب النضال.
ارتسمت معالم الصورة لديَّ عن الغرض والهدف الذي كان يستدعي نزول وفد برلماني مكون من أكثر من 70 عضواً في مجلس النواب كانوا أكثر استغراباً مني عن الهدف ليحط الوفد رحاله في منطقة (المجازيين – مران), حيث منزل حسين بدر الدين الحوثي، الذي يمكن رؤيته ولكن من بعيد.
المنزل تحول –في وفاء لسلوك الأئمة ماقبل النظام الجمهوري- إلى مقر لقيادة اللواء 17 مشاة المرابطة في المنطقة، وخلفه مناطق منعنا من الوصول إليها بصورة غير مباشرة، لتبقى آثار المواجهات بين الطرفين والدمار الذي خلفته والمشردين كان يجلس يومين.. ثلاث.. يسمأ الناس, بس الرجال رجأ بسائته
عجوز تهامية على زيارة الوفد
ورواياتهم عن القتلى، خلف قرار السلطة التي لاتحبذ انتشارها.
الحرب ملعونة، والخاسر الوحيد فيها شعب فقد أبناءه جنوداً وضباطاً ومتمردين وآمنين وكسب جراحات لن تتعافى بالصورة التي حاول الوفد وموجهه تقديمها لتطييب النفوس بين القائد وشعب.
وأعلن رئيس الوفد في مهرجان خطابي أن أبناء (مران) ليسوا مشبوهين أو مشكوك فيهم بعد كلمة رنانة أُلقيت باسم أبناء المنطقة أكدت الولاء للرئيس والمؤتمر واعتبرت الآخرين مغضوباً عليهم وضالين في الدنيا والآخرة.
سلطان البركاني رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام، المكلف بحمل تحيات الأخ الرئيس لأبناء مران وكل حيدان وساقين وخولان بن عامر وصعدة عموماً، لم يتوقف في كلمته عن تعداد صفات الرئيس (القائد, الصادق, الأمين, الشجاع, المتسامح) ليتجه نحو تأكيد الثوابت الوطنية التي استقبل تلفوني الجوال رسالة من «سبتمبر موبايل» قبل أن نصل (ساقين) بعد باتجاه (مران), بأن الأخيرة "تؤكد التزامها بالثوابت الوطنية ونبذ العنف".
مع تأكيد البركاني وجود من حاول النيل من الثورة والجمهورية والمؤتمر الشعبي والرئيس، ليوجه خلاصة خطابه ويحدد الهدف من زيارته والوفد العرمرم المرافق له «ونقول لهم: على عبد الله صالح لن ينحني ولن يركع ولن تقلقه المؤتمرات أبداً".
الحلول الواردة لإنهاء الصراع الذي اندلع قبل عامين تقريباً تظهر وكأنها ستؤسس لصراعات جديدة وستفتح جروحاً لن تندمل مع مرور السنوات في ظل عدم القدرة على الاعتراف بالخطأ من الجانبين كل بحجم مخالفته للدستور والقانون والاندفاع للمواجهة وهدر الدماء وعرض العضلات. الجنود المنتشرون على التبات والجبال الموحشة، يتقافزون للحصول على صور الرئيس كأنها جوائز ثمينة, غير أن بعضهم كان يتساءل إن كان يمكن استخدامها كبطانيات تقي من زمهرير البرد, أو خيم تمنع حر الشمس
(مران) كما يبدو كانت خارج نطاق تغطية منجزات الثورة والوحدة بداية من الطريق ومروراً بالخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وماء وكهرباء وانتهاء بالاهتمام بها، وظلت معزولة مع غيرها من المديريات لتتحول بسبب ذلك وظروفها المناخية والجغرافية المتميزة إلى أرض خصبة للالتفاف حول أي دعوة تتدثر بشعارات الدين والعداء لليهود والأمريكان.
أخطاء لا تغتفر
خطآن كبيران ترتكبهما السلطة بالحلول التي تقدمها منذ تعيين العميد يحيى الشامي بدلاً عن العمري كمحافظ لصعدة, حيث تسعى كعادتها للوصول إلى تأكيد ولاء أبناء تلك المنطقة وغيرها من مناطق صعدة واليمن عموماً للرئيس الحالي والمؤتمر الشعبي العمري رجل إداري حازم عمل بحس أمني صرف ولكن كموظف في إطار منظومة نظام متكامل
الحاكم، فيما يظل الوطن كأرض وشعب والجمهورية كنظام والثورة كقيم ومبادئ وأهداف سامية، آخر اهتماماتها، إن كانت أصلا من اهتماماتها، لتربط المواطنين وخاصة الفتيان والشباب منهم بشخص الحاكم أكثر من الوطن فيما الجميع يعرف أن الحاكم زائل والوطن باق إلى ما لا نهاية.
والخطأ الثاني هو تصوير الحرب التي دارت ووصلت شظاياها إلى خارج صعدة وبالذات العاصمة صنعاء من خلال انفجارات ومحاكمات واعتقالات وإبعاد عن الوظائف كان الجاني فيها الطرفين بأنها كانت بسبب المحافظ السابق العمري واندفاعه لمواجهة سلالة بعينها ليقود نظاماً بأكمله وبكل آليته العسكرية والسياسية والإعلامية إلى هذه المواجهة. مرارة التعويضات (مران) كانت تحتفل بمهرجان يغلب عليه الطلاب والمدرسون والجنود ومرافقو أعضاء مجلس النواب, فيما كنت والزميل نايف حسان في مؤخرة الحفل نبحث عن مواطنين نتحدث إليهم ونسألهم عمَّا تردده الصحافة الرسمية حول التعويضات للمتضررين من الحرب، والتي بلغت في المرحلة الأولى 320 مليون ريال من إجمالي معلن قدره مليار ريال.
خوف شديد ورعب أشد كانا يسيطران على من قابلناهم وسألناهم. الجميع ينكر حبه للحوثي بإيماءات بالرأس أو الأيادي المرتعشة وزاد البعض في القول "من يحبونه ذهبوا معه قاتلوا معه فقتلوا أو اعتقلوا أو لازالوا مشردين حتى الآن", حاولنا طمأنتهم بأننا لسنا سوى صحفيين لا يتبعون الحكومة.
القليل تحدث عن تمييز في تقدير التعويضات وقال أحدهم "نصف بيتي تم تدميره وأعطوني 75 ألف ريال ويريدون أن أدفع منها 15 ألف ريال مقابل إدخال خدمة الكهرباء التي لم تصل بعد", آخر تحدث عن ظلم في التعويضات حيث "فلان حصل 700 ألف ريال لأن غرفة واحدة من منزله تهدمت فيما آخرين تم التعامل معهم عكس ذلك تماماً".
سائق الصالون الذي تنقلنا به طوال أيام بقاءنا في صعدة والمنتمي لمديرية ساقين قال أنه رغم الخسائر من الدماء وغيره في الحرب إلا أنها أدت لأن تلتفت إليها الحكومة، لقداعتقل مسئول أحد المشاريع الزراعية لعام كامل دون تحقيق، بسبب لقبه
كانت مناطق معزولة تماماً ولم تصلها خيرات الثورة والوحدة, وأضاف "شق الطريق بهذه الصورة لم تفكر الحكومة في الإقدام عليها إلا بعد اندلاع المواجهات ما جعل الكثيرين يتمنون حوثي آخر يظهر في مناطقم لتلتفت إليهم".
طريق ساقين – مران التي يتم العمل فيها كانت حاجة عسكرية لحسم المعركة وإيصال نفوذ الدولة ما يشير إلى أن الحكومة لم تنظر إليها بعد كحق واجب عليها تقديمه للمواطنين ولن ينقطع منها عليهم بهذا المنجز مع كل انتخابات ومناسبات.
صورة أخرى
صعدة كانت بالنسبة لي قبل زيارتها مجرد محافظة متاخمة للشقيقة السعودية يعيش ناسها في ترف, مشكلتها أن سكانها يصلون (مسربلين) ولا يرددون (آمين) في نهاية الفاتحة في الصلاة الجهرية, يتعامل أبناءها بالعملة السعودية ويتقاتلون على أشياء بسيطة ووقفوا إلى جانب حكم الأئمة لألف عام منذ احتضنوا الإمام الهادي يحيي بن الحسين –رحمه الله-, ووقفوا في صف حفيده البدر تخندقاً وراء معتقداته.
ظلت قناعتي تلك كما هي حتى عندما زرتها في مهمة لم تسمح لي بالتجول في المدينة كثيراً ولم أعرف مديريات المحافظة قبل عدة أشهر من اندلاع الفتنة بين الدولة والحوثي وأتباعه, وترسخت القناعة تلك لدي حينما لفت نظري المساحة الكبيرة التي تحتلها المقابر من مدينة صعدة جنباً إلى جنب مع مزارع ومنازل أشخاص معدودين تعرفت إلى أسماءهم من خلال مساهماتهم في برامج رمضان المسابقاتية.
لكن عقب زيارتي لمديرياتها والتي كانت لا تزيد عن مرور في الخطواط العامة ومهرجانات خطابية يسودها التصفيق بدون سبب صار لصعدة صورة أخرى لدى تختلف كثيراً عما كانت, صورة تحكيطريق الرئيس علي عبد الله صالح لم تكتمل وأصبحت محل خصام في باريس بين الدولة وبن صريمة
قساوة الطبيعة والظروف المناخية والجغرافية الصعبة بإرادة الخالق عز وجل, وحجم المعاناة والمأساة والإهمال واللامبالاة والحرمان والظلم بفضل سياسات حكومية فضلت استمرارها في براثن الفقر والجهل والمرض رغم مؤتمرية دوائرها التسع لحزب المؤتمر الشعبي.
تساءل احد أعضاء الوفد البرلماني عن الهدف من زيارته, فرد عليه آخر بأنها لتطبيع العلاقات, وثالث قال لتطييب النفوس وتهدئتها, إلا أن رابعا عبر عن تذمره لتحول الزيارة إلى استعراض خطابي وعرض عضلات وإجبار الطلاب على تحمل حرارة الشمس مردديين هتافات للرئيس, متمنياً غير ذلك باعتبار أن الجميع في المناطق التي شهدت مواجهات كانوا ينتظرون "مداواة للجروح" والأخذ بأيديهم خاصة الأطفال لتناس رعب الحرب وما يرافقها من ظلم وخوف وقلق وهلع.
اكتفى الوفد بالمرور في الخطوط العامة للمديريات والمكوث دقائق في مهرجانات خطابية ترتفع فيها أسهم التزلف وتبادل نقل التهاني والتحيات وتأكيد الولاء والشكر والوفاء وهي مهمة ما كان ينبغي أن يخصص لها وفد برلماني بذلك الحجم -رغم انه لم يكن بصورة رسمية- في ظروف كهذه ومهمة تتعارض مع مهمة أي وفد برلماني في كل بلاد الدنيا.
لم يطلع الوفد على أي من هموم المواطنين سوى تلك النادرة التي تضمنتها كلمات ممثلي الدوائر في مجلس النواب أو مسئولي السلطة المحلية, وحظيت المعابر الحدودية بالنصيب الأوفر من الإطلاع البرلماني حيث ترجل النواب من سياراتهم وتجولوا في مكاتبها واستفسروا مسئولياتها والعاملين فيها. حتى جمرك حرض ومنطقة ميدي في محافظة حجة خصص لهما يوم كامل لم يكن ضمن برنامج الزيارة.
الصرخة الوحيدة
وحدهم مواطنو شذوان بمديرية منبه الذين رفضوا السلبية واستقبلوا موكب النواب بالفوانيس وأنابيب المياه البلاستيكية الفارغة تعبيراً عن حاجاتهم لأهم شيئين الماء والكهرباء. ولعل ذلك ما استوجب ردا بركانيا سريعاً، ولكن على الطريقة الحلول الواردة لإنهاء الصراع الذي اندلع قبل عامين ستؤسس لصراعات جديدة
المؤتمرية، إذ وبعد أقل من 20 دقيقة في مركز المديرية أعلن سلطان البركاني أن المؤتمر هو الماء والكهرباء والطريق والمدرسة والمستشفى, مطالباً أن لا يصدقوا تنظيرات المعارضة ومقالاتها.
الطريق التي تصل عدة مديريات ما بين حرض وصعده سميت طريق الرئيس علي عبد الله صالح لم تكتمل بعد وهي منجز عظيم تأخر كثيراً أو لا زالت حساباتها في نزاع بين الدولة والمستثمر اليمني الأصل العماني الجنسية (بن صريمة) ما اضطر الأخير لتقديم دعوى أمام محكمة دولية.
استفسرت رئيس الوفد (سلطان البركاني) عن طبيعة الزيارة التي أعلن عنها للاطلاع على أوضاع صعده في حين لم يحدث شيء من الاطلاع كما أعلن هو قبل يوم من انطلاق الوفد إلى صعده، إلى جانب تحدثه كسلطة تنفيذية في المهرجانات الخطابية، رد البركاني قال إن الزيارة كانت للتأكيد أن 70 نائباً يتحركون بحرية في صعده ولم يعد هناك شيء وأن حاجات الناس طرحت في المهرجانات وحصرت بخدمات معينة إلى جانب الجلوس مع السلطة التنفيذية, مشيراً إلى أن الكثير من المناطق قدمت طلبات محددة ومتشابهة وخاصة حول الماء والكهرباء والطرق.العمياءمنزل حسين الحوثي، وفي وفاء لسلوك الأئمة ماقبل النظام الجمهوري- تحول إلى مقر لقيادة اللواء 17 مشاة المرابط في المنطقة
البركاني نفى أن يكون تحدث على لسان السلطة التنفيذية, وأضاف "لم أقل سننفذ ولكن الحكومة ستنفذ والرئيس وعد بذلك وسننقل هذه المطالب للأجهزة المختصة وبصفتي أمين عام مساعد في المؤتمر من حقي أقول ذلك".