( 02/03/2006 )

العلامة/ يحيى حسين الديلمي نسمع دوما كلمة وطن يرددها الساسة من على منابرهم، والصحافيون في مقالاتهم، والمدرسون في حصص المادة الوطنية، يتغنى بها المنشدون، وتزدحم شاشة التلفاز ببرامج عن حماة الوطن وحراسه، فما هو مفهوم الوطن؟
لقد اختلطت علينا المفاهيم وكثر الدعاوى، فأصبح الوطن يروع باسم أمن الوطن والوطن يذبح من اجل حياة الوطن والوطن ينهب من اجل نماء الوطن ويتغنى الذابحون للوطن باسم الضحية (الوطن).
نسمع الزعيم يخطب عن مناوئيه ورافضيه بأنهم أعداء الوطن , وذاك يردد نحن فداء للوطن وهذا يعمل من اجل الوطن وبعد ذلك نصطدم بواقع يجد فيه الأجنبي عن الوطن الاستقرار والأمان، وابن البلد والمواطن في وطنه له الموت ، له السجن، له الفقر، له الخوف، له الجوع، له الذل، له.....!
كلنا داخل هذا الوطن ندور في حلقة خوف مفرغة، فالمواطن يخاف الحاكم، والحاكم يخاف المواطن، المواطن يخاف الجندي، والجندي يخاف المواطن، وكل يعتقد بأن الآخر يتربص به ويخطط للقضاء عليه، فلماذا نخاف من بعضنا ؟ ولمصلحة من؟ لماذا يخاف الصغار من الكبار، ويخاف الكبار من الصغار؟ ولماذا يتقرب القادة من الأجنبي ليثبتوا له أنهم ديمقراطيون يؤمنون بحرية الفرد ويرفضون الإذلال والظلم والطغيان، بينما ينفرون من المواطن ويتهمونه بالغباء والجهل والتآمر والعبث؟ لماذا يستقبلون الأجنبي بكل حفاوة ، بينما المواطن لا يلقون له بالا، ولا يأبهون لعرضه ولا لماله ولا لدمه ولا لحقوقه ولا لحريته؟ ما هذه الظاهرة المروعة؟ ومن وراء هذه اللعبة المميتة للقيم والأخلاق؟ لماذا الذعر القائم بكل هذه الكثافة بين القادة وبين المواطنين؟ لماذا لا يسير أولئك القادة إلا بمواكب كبيرة وطويلة ، محمية بالسلاح بمختلف أنواعه؟ ممن يخاف هؤلاء؟ من الأجنبي؟ أم يخافون المواطن؟ ولماذا يخافون المواطن ما داموا يريدون استقرار الوطن وأمنه ونموه وازدهاره وتقدمه ويحكمون باسمه؟
ما هو مفهوم الوطن؟ وهل الوطن هو الزعيم ؟ أم هو مجموعة البشر الساكنين، المستوطنين ببقعة من بقاع الأرض يجمعهم دين ولغة وقيم وغايات مشتركة؟ أم أنه تلك الآكام والصحاري والأودية والسهول والحدود الجغرافية؟
ما الذي يجب على الناس أن يبنوه؟ التراب أم الجبال أم الأودية والسهول؟ بناء ماذا؟ أمن من واستقرار من؟ إن لم يكن الإنسان هو الذي يجب أن يأمن وأن يستقر نفسيا وعقليا واجتماعيا وماديا في وطنه، ويطمئن على ماله وعرضه ودمه وحقوقه كبشر وإنسان ومواطن، ويجد حريته في وطنه؟
إن الوطن هو هذا الإنسان سواء كان حاكما أو محكوما ، فقيرا كان أو غنيا ، عسكريا كان أو مدنيا، الكل مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، ومن كان في موقع المسؤولية عليه أن يتحمل المشاق ليضمن للمواطنين العزة والكرامة، لأنه وفي الحقيقة مكلف من قبلهم، وقد اختاروه ليحقق لهم الأمن والاستقرار والرفاه بموجب الوعود التي وعدهم في برنامجه الانتخابي.
أما سياسة الذبح باسم الوطن فقد باتت طريقة منقرضة، بل وساذجة، وعلى القادة أن يستوعبوا مجريات الحياة ومتغيراتها من حولهم، ليسلم الجميع ويأمن الجميع.
--------------------------------------------------------------------------------
صحيفة الثوري العدد 1901