العلامه / يحيى بن حسين الديلمي من السجون إلى الحكم بالإعدام
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1041
- اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm
اللقاء المشترك يستنكر الأحكام الصادرة بحقهما
الديلمي ومفتاح تعرضا لإهدار كامل لحقوقهما
الشورى نت-صنعاء ( 14/12/2005 )
أصدرت أحزاب اللقاء المشترك اليوم بلاغاً صحفياً استنكرت فيه تأييد الأحكام الصادرة بحق العلامة يحيى حسين الديلمي، والعلامة محمد أحمد مفتاح من قبل محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة.
واعتبرت الأحزاب في بلاغها اليوم ذلك التأييد للأحكام مخيباً للآمال في وجود قضاء نزيه وعادل في بلادنا.
كما طالبت أحزاب المشترك بإلغاء المحكمة الجزائية المتخصصة وتحقيق الحرية والإنصاف لسجيني الرأي الديلمي ومفتاح.
نص البلاغ:
بلاغ صحفي صادر عن أحزاب اللقاء المشترك
تابعت أحزاب اللقاء المشترك بقلق بالغ الأحكام الصادرة يوم السبت 3/12/2005م من قبل محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة بحق العلامة يحيى حسين الديلمي، والعلامة وحمد احمد مفتاح بتأييد أحكام المحكمة الابتدائية الجزائية المتخصصة والتي قضت بإعدام الأول وسجن الثاني لمدة ثمانية أعوام، والذي خيب آمال الرأي العام بوجود قضاء نزيه وعادل، ويعتبر اللقاء المشترك أن الديلمي ومفتاح قد تعرضا إلى عملية إهدار كامل لحقوقهما ومنع هيئة الدفاع عنهما من مجرد تصوير ملف القضية، حيث تمت محاكمتهما بإجراءات قمعية، ومظاهر عسكرية وامنية وممارسات طالت المحامين وأقربائهما والمتعاطفين معهما بإجراءات شملت الضرب والاعتقال والتهديد وأخذ التعهدات بعدم حضور جلسات المحاكمة.
وأكد ان هذه الأحكام وإجراءات المحاكمة أساءت فعلاً إلى القضاء وسجله في إحترام حقوق الانسان والالتزام بالمواثيق الوطنية والدولية.
إن احزاب اللقاء المشترك ترى في هذا النوع من المحاكمات والأحكام إهداراً لحقوق المواطنة، وحرية الرأي والتعبير يتوجب تصحيحها من خلال التزام السلطة بالدستور والقانون، والمعاهدات والمواثيق الدولية، وكذلك بالمعايير الدولية للعدالة، وسير إجراءات التقاضي.
وتطالب بإلغاء المحكمة الجزائية المتخصصة، وتحقيق الحرية والانصاف لسجيني الرأي يحيى الديلمي ومحمد مفتاح، وتطبيق قرار العفو العام الذي أصدره رئيس الجمهورية في الذكرى الـ43 لثورة 26 سبتمبر الخالدة، وطي صفحة الحرب في صعدة وآثارها التي تهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي وموروث التعايش في اليمن.
أحزاب اللقاء المشترك
التجمع اليمني للإصلاح
الحزب الإشتراكي اليمني
التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري
حزب البعث
حزب الحق
اتحاد القوى الشعبية
14/12/2005م
http://al-shoura.net/sh_details.asp?det=1440
الديلمي ومفتاح تعرضا لإهدار كامل لحقوقهما
الشورى نت-صنعاء ( 14/12/2005 )
أصدرت أحزاب اللقاء المشترك اليوم بلاغاً صحفياً استنكرت فيه تأييد الأحكام الصادرة بحق العلامة يحيى حسين الديلمي، والعلامة محمد أحمد مفتاح من قبل محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة.
واعتبرت الأحزاب في بلاغها اليوم ذلك التأييد للأحكام مخيباً للآمال في وجود قضاء نزيه وعادل في بلادنا.
كما طالبت أحزاب المشترك بإلغاء المحكمة الجزائية المتخصصة وتحقيق الحرية والإنصاف لسجيني الرأي الديلمي ومفتاح.
نص البلاغ:
بلاغ صحفي صادر عن أحزاب اللقاء المشترك
تابعت أحزاب اللقاء المشترك بقلق بالغ الأحكام الصادرة يوم السبت 3/12/2005م من قبل محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة بحق العلامة يحيى حسين الديلمي، والعلامة وحمد احمد مفتاح بتأييد أحكام المحكمة الابتدائية الجزائية المتخصصة والتي قضت بإعدام الأول وسجن الثاني لمدة ثمانية أعوام، والذي خيب آمال الرأي العام بوجود قضاء نزيه وعادل، ويعتبر اللقاء المشترك أن الديلمي ومفتاح قد تعرضا إلى عملية إهدار كامل لحقوقهما ومنع هيئة الدفاع عنهما من مجرد تصوير ملف القضية، حيث تمت محاكمتهما بإجراءات قمعية، ومظاهر عسكرية وامنية وممارسات طالت المحامين وأقربائهما والمتعاطفين معهما بإجراءات شملت الضرب والاعتقال والتهديد وأخذ التعهدات بعدم حضور جلسات المحاكمة.
وأكد ان هذه الأحكام وإجراءات المحاكمة أساءت فعلاً إلى القضاء وسجله في إحترام حقوق الانسان والالتزام بالمواثيق الوطنية والدولية.
إن احزاب اللقاء المشترك ترى في هذا النوع من المحاكمات والأحكام إهداراً لحقوق المواطنة، وحرية الرأي والتعبير يتوجب تصحيحها من خلال التزام السلطة بالدستور والقانون، والمعاهدات والمواثيق الدولية، وكذلك بالمعايير الدولية للعدالة، وسير إجراءات التقاضي.
وتطالب بإلغاء المحكمة الجزائية المتخصصة، وتحقيق الحرية والانصاف لسجيني الرأي يحيى الديلمي ومحمد مفتاح، وتطبيق قرار العفو العام الذي أصدره رئيس الجمهورية في الذكرى الـ43 لثورة 26 سبتمبر الخالدة، وطي صفحة الحرب في صعدة وآثارها التي تهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي وموروث التعايش في اليمن.
أحزاب اللقاء المشترك
التجمع اليمني للإصلاح
الحزب الإشتراكي اليمني
التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري
حزب البعث
حزب الحق
اتحاد القوى الشعبية
14/12/2005م
http://al-shoura.net/sh_details.asp?det=1440
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1041
- اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm
الخروقاتُ الدستوريةُ والقانونيةُ في محاكَمة الديلمي ومفتاح
Tuesday, 13 December 2005
> المحامي/ محمد الـقيز
} من باب الواجب علينا أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام ولي الأمر المتمثل في فخامة الرئيس/ علي عبدالله صالح، وأمام مجتمعنا كرجال قانون أن ننبِّهَ ونقفَ أمام أية ممارسات أو محاولات لخرق الدستور والقوانين النافذة من قبَل مَن منحهم القانونُ المسوِّغَ أو السندَ القانوني في شرعية وقانونية تعاملهم مع مَن يخضَعُ للتوقيف والحجز باعتبارهم جهةً ضبطيةً قضائيةً كأقسام الشرطة والمباحث الجنائية وجهاز الأمن السياسي وغيرها ممن اكتسب قانوناً صفةَ الضبطية القضائية، أو ممن له السلطةُ القانونيةُ في إصدار أوامر قضائية للإيداع بالحبس من النيابة العامة والمحاكم المتخصصة أثناء سير إجراءات التحقيق والمحاكمة، من خلال ما ذُكر أؤكد جازماً بأن دستورَ الجمهورية اليمنية والقوانينَ النافذةَ المتعلقةَ بالأعمال الأمنية والقضائية قد جاءت موافقةً للشريعة الإسلامية الغراء وبما يحفَظُ ويصونُ كرامةَ مواطنيها، وبما يكفل لهم حقَّ حرية الدفاع، وعدم إدانتهم إلا بموجب أحكام قضائية باتة، فالأصلُ في الإنسان البراءةُ حتى يثبتَ العكسُ شرعاً وقانوناً
من خلال ما طـُرح طالعتنا الصحُفُ في الأيام السابقة وهذه الأيام حول مَن تمت أو تتم محاكمتهم وأقصد هنا حول مَن تمت محاكمتهم وصدرت ضدهم أحكامٌ قضائيةٌ من قبَل المحكمة الجزائية المتخصصة بدرجتـَيها الإبتدائية والاستئنافية في قضايا المساس بسيادة واستقلال الوطن من خلال الإضرار بالبلاد عبر التخطيط وتنفيذ عملية تدمير المدمرة الأمريكية »كول«، والسفينة الفرنسية »ليمبرج« في مياه وأراضي الجمهورية اليمنية مما كان سيسبب مفاسدَ وأضراراً بالبلاد إلا أن اللهَ سبحانه وتعالى دفع عنا شرَّها وقد تم احتواءُ الموقف بحنكة القيادة السياسية إلا أننا كقانونيين لا نقرُّ التجاوزات التي حصلت أثناء ضبط وتوقيف ومحاكَمة المتورطين في العمليات الإرهابية؛ كونه تم إيداعُهم وتوقيفُهم بجهاز الأمن السياسي لشهور بل سنين دون إحالتهم إلى النيابة العامة المختصة في المدة القانونية، ومن ثـَم إلى القضاء لمحاكمتهم، الأمرُ الذي يطرَحُ أكثرَ من سؤال: مَن له المصلحةُ في تجميد الدستور والقانون مما يترُكُ فرصةً للمتربصين بالوطن في إيجاد الذرائع والحجج في استعطاف الرأي العام الدولي في إثبات ما يرمون إليه؟!!.
هذا من ناحية، أما ما يجري اليومَ من مهزلة وخرق صارخ للدستور والقانون في السير في إجراءات باطلة قانوناً من محاكمة العالِـمَينِ/ يحيى الديلمي ومحمد مفتاح أمام النيابة والمحكمة الجزائية المتخصصة بدرجتيها ومن قبلهم ما حصل من تعسف بل تجاوز من قبل جهة الضبط القضائي الممثلة بجهاز الأمن السياسي لَيعَدُّ أمراً مؤسفاً وضرباً لنصوص الدستور والقانون عرضَ الحائط مما يجعل المسؤولين عن ذلك يخضعون للمحاكمة لعدم العمل بنصوص الدستور والقوانين النافذة.
وباستقراء موجز للتجاوزات التي حصلت في ضبط وتوقيف وحجز وحبس العالِـمَينِ/ يحيى الديلمي ومحمد مفتاح نجدُ أن الأمنَ السياسيَّ بحجزه لهما في سراديبه لمدد طويلة دون إحالتهما للنيابة العامة في المدة القانونية، ومن ثـَم قيامُه باستباحة حُرمة منزليهما، وتفتيش ومصادرة ممتلكاتهما، خاصةً ما يخُصُّ العلامة/ محمد مفتاح من الكتب والمراجع الفقهية والشرعية بدون أمر قضائي.
أما النيابةُ والمحكمةُ المنظور عليها القضية من خلال سير إجراءات المحاكمة وحتى تأريخ حجز القضية للحكم من المحكمة الاستئنافية فقد أجمع المتتبعون لسير هذه المحاكمة خاصة المهتمون بالأمور القانونية من قضاة ومحامين ومنظمات حقوقية بعدم قانونية ما تم من إجراءات وبانعدامها بمواجهة من خضعا لها، وبأن الاستمرارَ في إيداعهما بالسجن المركزي كمنشأة عقابية لا يتم الإيداعُ فيها إلا لمن صدرت بحقهم أحكامٌ قضائية جنائيةٌ باتة، والاستمرار في محاكمتهما بهذه الصورة الخرقاء يعد انتهاكاً لآدميتهم ولحقهما الدستوري كمواطنـَين يمنيَين، ويعد سابقةً خطيرةً في تأريخ القضاء اليمني من خلال تجريدهما من أبسط حقوقهما كمتهمَين في فرصة الدفاع عن نفسيهما أو بواسطة محاميهما من تصوير محتويات ملف القضية للرد وتقديم ما يلزم من ردود ودفوع وطلبات قانونية، حيث كان الواضح من خلال سير جلسات محكمة أول درجة وثاني درجة أن المحكمة غير محايدة حيث كان لزاماً عليها أن تتركَ الفرصةَ الكافيةَ لممثلي الدفاع كما تركته للنيابة العامة للقيام بواجبها في الدفاع عن موكلـَيها، وأن تبُتَّ المحكمةُ فيما قـُدم إليها من دفوع قانونية مختلفة وطلبات وإصدار قرارات فيها وفقاً للقانون، وبتجاهلها ذلك قد جعلها موضع الاتهام بالانحياز الكامل للنيابة العامة وخرقها لأهم مبدأ من مبادئ التقاضي وهي المساواة بين الخصوم كون ممثل الإدعاء وممثل الدفاع يمثلان أمامها خصمين متساويين في الحقوق والواجبات، وما خرق المحكمة لمبدأ علانية الجلسات في منعها العامة وأهالي وأقرباء المتهمَين من حضور جلسات المحاكمة، والسكوت عن جهاز الأمن السياسي لقيامه بالإعتقال والتهديد لذويهما لَيؤكدُ صحةَ ما ذهبنا إليه في انحياز الحاكم وعدم حياديته وعدم استقلاليته بخرقه كذلك لمبدأ استقلالية القضاء.
وفي الأخير فإن طرحَنا لهذا الموضوع وهذه الخروقات الصارخة للدستور والقوانين النافذة مع اعتقادنا أنها حالاتٌ نادرةٌ وشاذةٌ ستنتهي بإذن الله قريباً وأملـُنا في فخامة رئيس الجمهورية المشير/ علي عبدالله صالح بأن يعيدَ الأمورَ إلى نصابها ويصححَ الإعوجاجَ؛ كونه مؤسسَ اليمن الحديث الموحد وبانيَ صرْح المؤسسات الديمقراطية والشوروية وسيادة القانون.
هذا وبالله التوفيق.
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 15&Itemid=
Tuesday, 13 December 2005
> المحامي/ محمد الـقيز
} من باب الواجب علينا أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام ولي الأمر المتمثل في فخامة الرئيس/ علي عبدالله صالح، وأمام مجتمعنا كرجال قانون أن ننبِّهَ ونقفَ أمام أية ممارسات أو محاولات لخرق الدستور والقوانين النافذة من قبَل مَن منحهم القانونُ المسوِّغَ أو السندَ القانوني في شرعية وقانونية تعاملهم مع مَن يخضَعُ للتوقيف والحجز باعتبارهم جهةً ضبطيةً قضائيةً كأقسام الشرطة والمباحث الجنائية وجهاز الأمن السياسي وغيرها ممن اكتسب قانوناً صفةَ الضبطية القضائية، أو ممن له السلطةُ القانونيةُ في إصدار أوامر قضائية للإيداع بالحبس من النيابة العامة والمحاكم المتخصصة أثناء سير إجراءات التحقيق والمحاكمة، من خلال ما ذُكر أؤكد جازماً بأن دستورَ الجمهورية اليمنية والقوانينَ النافذةَ المتعلقةَ بالأعمال الأمنية والقضائية قد جاءت موافقةً للشريعة الإسلامية الغراء وبما يحفَظُ ويصونُ كرامةَ مواطنيها، وبما يكفل لهم حقَّ حرية الدفاع، وعدم إدانتهم إلا بموجب أحكام قضائية باتة، فالأصلُ في الإنسان البراءةُ حتى يثبتَ العكسُ شرعاً وقانوناً
من خلال ما طـُرح طالعتنا الصحُفُ في الأيام السابقة وهذه الأيام حول مَن تمت أو تتم محاكمتهم وأقصد هنا حول مَن تمت محاكمتهم وصدرت ضدهم أحكامٌ قضائيةٌ من قبَل المحكمة الجزائية المتخصصة بدرجتـَيها الإبتدائية والاستئنافية في قضايا المساس بسيادة واستقلال الوطن من خلال الإضرار بالبلاد عبر التخطيط وتنفيذ عملية تدمير المدمرة الأمريكية »كول«، والسفينة الفرنسية »ليمبرج« في مياه وأراضي الجمهورية اليمنية مما كان سيسبب مفاسدَ وأضراراً بالبلاد إلا أن اللهَ سبحانه وتعالى دفع عنا شرَّها وقد تم احتواءُ الموقف بحنكة القيادة السياسية إلا أننا كقانونيين لا نقرُّ التجاوزات التي حصلت أثناء ضبط وتوقيف ومحاكَمة المتورطين في العمليات الإرهابية؛ كونه تم إيداعُهم وتوقيفُهم بجهاز الأمن السياسي لشهور بل سنين دون إحالتهم إلى النيابة العامة المختصة في المدة القانونية، ومن ثـَم إلى القضاء لمحاكمتهم، الأمرُ الذي يطرَحُ أكثرَ من سؤال: مَن له المصلحةُ في تجميد الدستور والقانون مما يترُكُ فرصةً للمتربصين بالوطن في إيجاد الذرائع والحجج في استعطاف الرأي العام الدولي في إثبات ما يرمون إليه؟!!.
هذا من ناحية، أما ما يجري اليومَ من مهزلة وخرق صارخ للدستور والقانون في السير في إجراءات باطلة قانوناً من محاكمة العالِـمَينِ/ يحيى الديلمي ومحمد مفتاح أمام النيابة والمحكمة الجزائية المتخصصة بدرجتيها ومن قبلهم ما حصل من تعسف بل تجاوز من قبل جهة الضبط القضائي الممثلة بجهاز الأمن السياسي لَيعَدُّ أمراً مؤسفاً وضرباً لنصوص الدستور والقانون عرضَ الحائط مما يجعل المسؤولين عن ذلك يخضعون للمحاكمة لعدم العمل بنصوص الدستور والقوانين النافذة.
وباستقراء موجز للتجاوزات التي حصلت في ضبط وتوقيف وحجز وحبس العالِـمَينِ/ يحيى الديلمي ومحمد مفتاح نجدُ أن الأمنَ السياسيَّ بحجزه لهما في سراديبه لمدد طويلة دون إحالتهما للنيابة العامة في المدة القانونية، ومن ثـَم قيامُه باستباحة حُرمة منزليهما، وتفتيش ومصادرة ممتلكاتهما، خاصةً ما يخُصُّ العلامة/ محمد مفتاح من الكتب والمراجع الفقهية والشرعية بدون أمر قضائي.
أما النيابةُ والمحكمةُ المنظور عليها القضية من خلال سير إجراءات المحاكمة وحتى تأريخ حجز القضية للحكم من المحكمة الاستئنافية فقد أجمع المتتبعون لسير هذه المحاكمة خاصة المهتمون بالأمور القانونية من قضاة ومحامين ومنظمات حقوقية بعدم قانونية ما تم من إجراءات وبانعدامها بمواجهة من خضعا لها، وبأن الاستمرارَ في إيداعهما بالسجن المركزي كمنشأة عقابية لا يتم الإيداعُ فيها إلا لمن صدرت بحقهم أحكامٌ قضائية جنائيةٌ باتة، والاستمرار في محاكمتهما بهذه الصورة الخرقاء يعد انتهاكاً لآدميتهم ولحقهما الدستوري كمواطنـَين يمنيَين، ويعد سابقةً خطيرةً في تأريخ القضاء اليمني من خلال تجريدهما من أبسط حقوقهما كمتهمَين في فرصة الدفاع عن نفسيهما أو بواسطة محاميهما من تصوير محتويات ملف القضية للرد وتقديم ما يلزم من ردود ودفوع وطلبات قانونية، حيث كان الواضح من خلال سير جلسات محكمة أول درجة وثاني درجة أن المحكمة غير محايدة حيث كان لزاماً عليها أن تتركَ الفرصةَ الكافيةَ لممثلي الدفاع كما تركته للنيابة العامة للقيام بواجبها في الدفاع عن موكلـَيها، وأن تبُتَّ المحكمةُ فيما قـُدم إليها من دفوع قانونية مختلفة وطلبات وإصدار قرارات فيها وفقاً للقانون، وبتجاهلها ذلك قد جعلها موضع الاتهام بالانحياز الكامل للنيابة العامة وخرقها لأهم مبدأ من مبادئ التقاضي وهي المساواة بين الخصوم كون ممثل الإدعاء وممثل الدفاع يمثلان أمامها خصمين متساويين في الحقوق والواجبات، وما خرق المحكمة لمبدأ علانية الجلسات في منعها العامة وأهالي وأقرباء المتهمَين من حضور جلسات المحاكمة، والسكوت عن جهاز الأمن السياسي لقيامه بالإعتقال والتهديد لذويهما لَيؤكدُ صحةَ ما ذهبنا إليه في انحياز الحاكم وعدم حياديته وعدم استقلاليته بخرقه كذلك لمبدأ استقلالية القضاء.
وفي الأخير فإن طرحَنا لهذا الموضوع وهذه الخروقات الصارخة للدستور والقوانين النافذة مع اعتقادنا أنها حالاتٌ نادرةٌ وشاذةٌ ستنتهي بإذن الله قريباً وأملـُنا في فخامة رئيس الجمهورية المشير/ علي عبدالله صالح بأن يعيدَ الأمورَ إلى نصابها ويصححَ الإعوجاجَ؛ كونه مؤسسَ اليمن الحديث الموحد وبانيَ صرْح المؤسسات الديمقراطية والشوروية وسيادة القانون.
هذا وبالله التوفيق.
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 15&Itemid=
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1041
- اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm
ماذا سيعمل الأخ الرئيس
Tuesday, 13 December 2005
العلامة / إبراهيم محمد الوزير
إن شريحة كبيرة من أبناء اليمن ينتظرون ماذا سيعمل الأخ الرئيس لتحقيق وعده؟
سمعنا أن المحكمة الاستئنافية أيدت الحكم الصادر على العالمين الجليلين/ يحيى بن حسين الديلمي ، ومحمد مفتاح وأقرته ، بينما القاضي/ محمد لقمان أيضاً لا يزال في السجن ، ولقد كان هذا الإقرار ظالماً وغير معقول ، لكن كل إنسان سيلقى عمله ، وسيلقى جزاءه عند لقاء ربه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.
والمهم الآن ماذا سيعمل الأخ الرئيس؟ لقد وعد الأخ الرئيس الكثيرين بأنه بعد صدور حكم المحكمة الاستئنافية سيعيد النظر فيه.
واليوم كل أبناء المذهب الزيدي ، وكل الهاشميين في اليمن ، وكل علماء اليمن ينتظرون ماذا سيفعل الرئيس لتحقيق وعده؟.
إن المنتظر أن يصدر الرئيس قراره بإلغاء هذه الأحكام ، وأن يدعو إليه العلماء الثلاثة يحيى حسين الديلمي ، ومحمد مفتاح ، والقاضي محمد لقمان ، وأن يسمع منهم ويحاورهم ، ويأخذ بخواطرهم.
وهذا هو المنتظر من الأخ الرئيس / علي عبدالله صالح المعروف بسعة الصدر والذكاء.
وفق الله الأخ الرئيس إلى الخطوة التي ترضي الله سبحانه ، وتطمئن نفوس أبناء اليمن ، وتقوي وحدتهم ، وتجمع شملهم.
والله ولي الهداية والتوفيق..
وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصير ، وعلى الله توكلت..
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 1&Itemid=0
Tuesday, 13 December 2005
العلامة / إبراهيم محمد الوزير
إن شريحة كبيرة من أبناء اليمن ينتظرون ماذا سيعمل الأخ الرئيس لتحقيق وعده؟
سمعنا أن المحكمة الاستئنافية أيدت الحكم الصادر على العالمين الجليلين/ يحيى بن حسين الديلمي ، ومحمد مفتاح وأقرته ، بينما القاضي/ محمد لقمان أيضاً لا يزال في السجن ، ولقد كان هذا الإقرار ظالماً وغير معقول ، لكن كل إنسان سيلقى عمله ، وسيلقى جزاءه عند لقاء ربه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.
والمهم الآن ماذا سيعمل الأخ الرئيس؟ لقد وعد الأخ الرئيس الكثيرين بأنه بعد صدور حكم المحكمة الاستئنافية سيعيد النظر فيه.
واليوم كل أبناء المذهب الزيدي ، وكل الهاشميين في اليمن ، وكل علماء اليمن ينتظرون ماذا سيفعل الرئيس لتحقيق وعده؟.
إن المنتظر أن يصدر الرئيس قراره بإلغاء هذه الأحكام ، وأن يدعو إليه العلماء الثلاثة يحيى حسين الديلمي ، ومحمد مفتاح ، والقاضي محمد لقمان ، وأن يسمع منهم ويحاورهم ، ويأخذ بخواطرهم.
وهذا هو المنتظر من الأخ الرئيس / علي عبدالله صالح المعروف بسعة الصدر والذكاء.
وفق الله الأخ الرئيس إلى الخطوة التي ترضي الله سبحانه ، وتطمئن نفوس أبناء اليمن ، وتقوي وحدتهم ، وتجمع شملهم.
والله ولي الهداية والتوفيق..
وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصير ، وعلى الله توكلت..
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 1&Itemid=0
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 233
- اشترك في: الأربعاء ديسمبر 14, 2005 11:19 am
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 233
- اشترك في: الأربعاء ديسمبر 14, 2005 11:19 am
هوامشُ على مُحاكَمَة العَالِـمَينِ الجليلَينِ الديلمي ومفتاح
} لا أظنُّ أني سأضيفُ جديداً على ما قاله الأستاذُ/ حسن محمد زيد عن الحُـكم الصادر ضدَّ العَالِـمَينِ الجليلَينِ العلاَّمة/ يحيى حسين الديلمي، والعلامة/ محمد مفتاح، فقد قال فيه وأوفى، ولهذا جعلتُ حديثي مجردَّ هوامش على الحُـكم تنبِّهُ على تفاصيلَ لم يتسع البحثُ الرصين للأستاذ/ زيد لها.
إعداد: أحمد الوادعي
الهامش (١)
> لن يجدَ المتابعُ المنصفُ لمقدمات الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية المتخصصة في حق العَالِـمَينِ المذكورَين أن الحكمَ جاء في سياق حرب ذات بُعد ثقافي ومذهبي طويلة الأمد، وحرب عسكرية ذات مدى قصير وحاسم على المذهب الزيدي وأتباعه وضد الهاشميين.
أما بدايةُ الحرب الأولى فكانت عقبَ الإطاحة بالنظام الملكي عام ٢٦٩١م وإنْ على نحو خفيف وأحياناً عرضي، ثم اشتدت بعدَ ذلك خلال السبعينيات وتأججت في عقدَي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وما زالت تستعرُ إلى اليوم، وأما الحربُ العسكرية ضد أولئك فهي المسماة "حرب صعدة" هذه المحافظة التي شاءت أقدارُها أن تكونَ أولَ انطلاق الزيدية، وشـُيء لها اليومَ أن تكونَ مقبرتها!!.
وخلاصةُ هذا الهامش: إن أية دراسة للحكم المذكور لن تكن شاملة ما لم تضعه في سياقه العام، وهذا ليس موضعه هنا، وإنما في مكان لاحق من هذه الهوامش.
الهامش (٢)
> أول ما يلفتُ النظرَ في هذا الحكم أن العَالِـمَينِ المذكورَين حُوكما أمام المحكمة المتخصصة، وهي في الحقيقة والراجح عند غالبية المحامين ورجال القانون، محكمة غير دستورية نشأت بالمخالَفة للمبدأ الدستوري الذي يحظـُرُ إنشاءَ محاكم استثنائية، والطابعُ الاستثنائي لهذه المحاكم ظاهرٌ من اختصاصها بالجرائم المتعلقة بأمن الدولة، ومن الإجراءات المتبعة أمامَها، وهي تتسمُ بالإيجاز والسرعة، وإهدار حقوق الدفاع!.
ومُحاكَمَةُ العَالِـمَينِ الجليلَينِ أمام هذه المحكمة لدلالة لا تخفى على أحد، إذ معنى ذلك أن محاكمتـَهما وتوقيعَ العقوبة عليهما وحجْزَ حريتهما كُلُّ ذلك جاء من وراء الدستور، ومن وراء القانون تبعاً لذلك، وقد صارَ من المفاهيم الشائعة في الوسط القانوني أن النظامَ القائمَ إذا أراد إنزالَ عُقوبة قاسية على أحد خُصومه أو المغضوب عليهم عندَه فإنه يُحالُ إلى المحاكم المتخصصة.
كما أن الطابعَ الاستثنائيَّ لما تعرض له هذان العالمان أنهما يُحاكَمان أمامَ غير قاضيهما الطبيعي!.
ويشهدُ المحامون الذين ترافعوا أمام هذه المحكمة على طابعها البوليسي، وأن هذا ظاهرٌ فيها من خلال:
أولاًً: جلساتـُها سريةٌ، وبالأقل شبهُ سرية، فلا يُسمَحُ للجمهور بدخولها، وحضور الجلسات -كما يفترض القانون- إلا في حدود ضيِّقة وبإجراءات مهينة تزهد الناس من دخولها إذ يتعرضُ الداخلُ إليها -بمَن في ذلك المحامون- لتفتيش دقيق، ومستفز، وبسؤاله عن غرضه من الدخول وتسجيل اسمه لدى مندوب من المخابرات مع عنوانه، وغرضه من الدخول، وسائر المعلومات الشخصية عنه، وتسحَبُ منه بطاقتُه الشخصيةُ أو العائلية وعُلبة الدخان و"الولاعة" وجهاز الهاتف والقلم، وكُلُّ متعلقاته عدا النقود، ولا يتمكنُ من استعادة ما أُخذ منه عند الخروج إلا بصعوبة وامتهان، وعند خروجه يكتشفُ أن مسؤولَ المخابرات صَوَّرَ بطاقتـَه، وسجَّلَ أرقامَ الهاتف المخزونة في هاتفه الجوال.
ثانياً: إختلافُ إجراءات وطبيعة حراسة المحكمة المتخصصة عن سائر المحاكم الأخرى، فهي محاطة بحراسة مشددة وخاصة، فخلال الجلسات التي تعقدها تكون محاطة بعدد كبير من الضباط والجنود لا تجده في أية محكمة، وهؤلاء مدججون بالسلاح الناري والقنابل التي يتمنطقها الجنودُ، ومع ذلك عدةُ أطقم عسكرية مزودة بأسلحة رشاشة، وكُلُّ هؤلاء ليسوا من الشرطة القضائية، وإنما من القوات الخاصة برئاسة الجمهورية، ويوزعون في الشوارع المحيطة بالمحكمة من الجهات الأربع، وفي سطح المحكمة وحوشها وسلالمها، وفي قاعة الجلسة، ويمنـَعُ مرورُ السيارات من الشوارع المحيطة.. وصفوةُ القول تمت عسكرةُ المحكمة فأنت تدخلـُها وكأنك دخلت معسكراً في حالة استنفار قصوى، والتعامُلُ مع الناس يتم بغلظة واستفزاز سواء من العسكر أو من العاملين بالمحكمة جميعهم دون استثناء، فإذا دخلت المحكمةَ المتخصصةَ تشعُرُ بالرعب، وأنك أخطأتَ الهدفَ فلست في قلعة من قلاع العدالة كما يفترَضُ، وإنما دخلتَ خطأً إدارةَ استخبارات.
ثالثاً: والطابعُ الاستثنائي لهذا النوع من المحاكم لا يتمثل في شبه السرية لجلساتها فقط وإنما له مظاهرُ أخرى أكثرُ إيغالاً في الاستثنائية تتصلُ بإجراءات الترافـُع أمامَها وبالأحكام الصادرة عنها، فالإجراءاتُ أمامَها مختصرةٌ وسريعةٌ، فالجلساتُ غالباً تكونُ أسبوعيةً، وأحياناً أدنى من ذلك وهذا لا يوجدُ في المحاكم العادية التي تكونُ الجلسات فيها غالباً شهريةً أو أكثرَ من ذلك خاصةً في القضايا الجنائية الكُبرى، وكُلُّ القضايا التي تـُعرَّضُ على المحاكم المتخصِّصة كُبرى سواء من حيث موضوعها أو أطرافها، والتحقيقاتُ الأوليةُ في القضايا يتولاها "الأمنُ السياسيُّ" في تكتـُّم وسرية لا يتوفرُ فيها أدنى حقوق الدفاع التي كفلها القانونُ، أو الدستورُ، وغالباً ما يكون المتهَمُ (أو المتهَمون) الذي تحاكمُه موقوفاً في زنازن "الأمن السياسي"، وبعلم وأوامر المحكمة، وهذا الإجراء ُيَحرِمُه من حقَين قانونيَين هما: حريتـُه في الإدلاء بأقواله دون خوف من عواقب سيئة مما يجيدُه هذا الجهازُ، كما أن ذلك يَحرِمُه من الاتصال بمحاميه، والجلوس إليه بحرية ودون خوف لتحضير دفاعه.
وعندَ حضور المتهَم إلى المحكمة يُمنـَعُ على المحامي أن يتحدثَ معه وهو في قفص الإتهام خلال الجلسة، وإذا تعدد المحامون للمتهَم تمنعُ المحكمةُ عليهم خلال الجلسة التداوُلَ همساً بينهم في شأن من الشؤون، وأذكُرُ أني حضرتُ إحدى الجلسات الأولى في محاكَمة القاضي العلامة/ محمد لقمان منضماً إلى هيئة الدفاع المكونة من عدة زملاء من المحامين، وخلال الجلسة حدث ما يتعين عليَّ التداوُلُ بشأنه مع موكلي، وهمْساً أيضاً، فصرخ القاضي في وجهي مانعاً لي نهائياً من التحدث إلى موكلي، وأمرني بالجلوس وإلا سوف يخرجني من الجلسة، رغم أن ما فعلته مألوفٌ ومعتادٌ أمام المحاكم العادية، وبعدَ دقائق طرأ في الجلسة ما اضطرني التداوُل بشأنه مع زميلي رئيس هيئة الدفاع عن العلامة/ محمد لقمان فتهامست مع الزميل لبُرهة، ولكن صرخ في وجهي رئيس المحكمة يوبخني، ويعتبرُ ذلك عملاً مشيناً، ما حملني على الانسحاب نهائياً فقد تبينت لي صحةُ الروايات السيئة التي رواها زملاءٌ محامون سبق أن ترافعوا أمامَها قبلي، وكنت أظنُّ أنهم مبالغون في غرائب ما يروونه عن هذه المحكمة، وكانت تجربتي هذه كافيةً جداً ليس لتصديق تلك الروايات، وإنما أقنعتني بالتجربة أن ترافـُعَ المحامي أمامَ هذه المحكمة نافلةٌ لا ثمرةَ وراءَها غيرُ لزوم كمال الديكور حتى تستطيع السلطة التي تسوقُ هؤلاء الأبرياءَ إلى المجزرة أن تفاخرَ بعدالة قضائها أمامَ الدول الغربية المعنية بالشأن اليمني ويحتاجُ النظامُ إلى شهادة إيجابية من هذه الدول!!.
والطابعُ الاستثنائي لهذا اللون من المحاكم له مظاهرُ أخرى أهمُّ مما سبق في دلالته، وتبرز في اتسام أحكامها عادةً بالقسوة إذا ما كانت السلطةُ تريدُ ذلك، وخيرُ نموذج على ذلك الحكمُ الذي نناقشُه الآنَ، وستتضحُ ملامحُ هذا النموذج لاحقاً.
الهامش (٣)
> أول ما يدهشُ الدارس لهذا الحكم أن الاتهامَ الذي رمت به النيابةُ هذين العَالِـمَينِ مبهمٌ، وينطوي على جهالة، ومعلومٌ أن من شروط قبول الدعوى أن تكونَ الدعوى واضحةً، وأنه إذا لابستها جهالةٌ تعين على المحكمة عدمُ قبولها حتى يزيلَ المدعي ما بها من جهالة، لكن المحكمة المتخصصة لها طابعٌ استثنائي، ولهذا كان من الطبيعي أن تـُقبَلَ الدعوى رغم جهالتها!.
وأما الجهالةُ والغموضُ في هذه الدعوى فهذا بيانـُه:
١- التهمةُ الأولى كما في لائحة اتهام النيابة:
(سعيا بالإتصال غير المشروع [لاحظ سعيا بالإتصال] بدولة أجنبية وتخابَرَا مع مَن يعملون لمصلحتها، وكان من شأن ذلك الإضرارُ بمركز الجمهورية السياسي والدبلوماسي، وعلى النحو المبين تفصيلاً في الأوراق).
وهذا النصُّ ينسبُ إلى العلامتـَين (الديلمي ومفتاح) عدةَ وقائع غير محددة على نحو واضح:
الأولى: الإتصالُ بدولة أجنبية.
الثانية: التخابُرُ مع مَن يعملون لمصلحة هذه الدولة.
الثالثة: الإضرارُ بمركز الجمهورية السياسي والدبلوماسي.
وجهالةُ هذه الوقائع لا يمكنُ أن تنجليَ عنها إلا بالإجابة عن الأسئلة التالية:
متى وقع هذا الاتصال؟، وأين حدث؟، وما طبيعة الإتصال المزعوم؟، ثم: مَن هي الدولة الأجنبية التي تم الإتصالُ بها؟، ومَن الشخص (أو الأشخاص) الذي مثـَّلَ هذه الدولةَ؟، وما مركزُه فيها؟، وهل هذه الدولةُ صديقةٌ أم عدوَّةٌ؟، وإذا كانت عدوةً هل هي في حالة حرب مع اليمن أم لا؟.
ثم ما نوعُ التخابُر المنسوب إليهما؟، وما هي المعلوماتُ التي كانت موضوعَ التخابر، عسكرية؟ اقتصادية؟ سياسية؟ دينية؟، أم أنها معلوماتُ تتعلق بفن "البَرَع" في البلاد؟.
ثم ما هي الأضرارُ السياسيةُ التي لحقت بالمركز السياسي للجمهورية؟، وما هي التي أضرت بمركزها الدبلوماسي؟، وما معنى المركز الدبلوماسي والمركز السياسي؟، ثم ما نوعُ هذا الضرر؟، هل هو ضرر مادي أم أدبي أم من نوع ثالث؟.
ثم ما حجمُ هذا الضرر؟، هل من النوع البسيط أم المتوسط أم الجسيم؟..
إن قرارَ الاتهام لا يقدِّمُ إجابةً عن أيٍّ من هذه الأسئلة، وإنما أحال المحكمةَ والدفاعَ بشأنها على الأوراق قائلاً: (وعلى النحو المبين تفصيلاً في الأوراق) وما لم يقل حتى أية أوراق يقصُدُ؟.
ومن الناحية القانونية لا تكفي الإحالةُ في تحديد الجُرم المسنـَد إلى الشخص؛ لأن قرارَ الاتهام وبعبارة أخرى الدعوى الجنائية يجبُ أن تكونَ بينةً بذاتها، حتى يمكنَ القولُ بخلوِّها من الجهالة، وهذه قاعدة معروفةٌ لكل مَن له أدنى إلمامٌ بأصول الترافع ومبادئ الإجراءات، ولأسباب عديدة تجاهلتها النيابة (المدعي) والمحكمة، وننوِّهُ بأهمها إن كانا يجهلانها وهي:
كُلُّ دعوى مهما كانت طبيعتـُها يجبُ إثباتـُها بطرُق الإثبات المحددة في القانون، والواقعة المجهولة يستحيلُ إثباتـُها، ثم لتعلـُّق الأمر بحقوق الدفاع، وحقوقُ الدفاع جوهرُ العدالة الجنائية في كلِّ الشرائع بما فيها قانونُ الإجراءات الجزائية اليمنية، ومن حق الدفاع أن يمكَّنَ من الدفاع عن نفسه دونَ عوائق، ولا شك أن غموضَ الوقائع الجرمية المسندة إليه سيعيقـُه من تحضير دفاعه بتمكـُّن، إذ الوضوحُ شرطٌ ضروري لدفاع قوي ومتمكن، وكلُّ هذه القواعد والمبادئ معروفةٌ مشهورةٌ ومثبتةٌ في القوانين ومسلـَّمٌ بها من فقهاء القانون.
وقد يُقبَلُ من النيابة العامة أن تعمَدَ إلى تجهيل المتهم بالوقائع والتهم المسندة إليه؛ لأنها في التحليل الأخير خصمٌ، خاصةً في هذه البلاد حيث درجت النيابةُ في عملها ليس على البحث عن الحقيقة كما يفترَضُ منها، وإنما على تكريس جُهدها كلـِّه لشيء واحد هو إدانةُ المتهم، متخليةً عن الحيدة وفكرة (الخصم الشريف)، ولكن لا يُقبلُ ذلك من القضاء مهما تكاثرت العللُ التي تنخز جسدَه؛ لأن ذلك في مستوى ألف باء العمل القضائي فهو متعلقٌ بالدعوى، ومعلومٌ أن الدعوى هي التي تؤسِّسُ للخصومة وتحدد إطارَها، ولذلك لا بد أن تكونَ الدعوى واضحةً بيِّنَةً خاليةً من اللبس والغموض، ولكن المدهشَ أن هذه المحكمةَ قبلت الدعوى مجهولةً غامضةً، وبذلك أثبتت تحيُّزَها وطبيعتـَها الاستثنائيةَ منذ الخطوة الأولى في القضية، وسنرى أن هذا المسلكَ المعيبَ سيتوالى حتى نهاية القضية.
٢- التهمةُ الثانيةُ ونـَصُّها:
((إشتركا في اتفاق جنائي للإعتداء على السلطات الدستورية القائمة، وأنشئا لذلك تنظيماً سُمِّي [شباب صنعاء]...الخ)).
وهذه التهمة لا تقل غموضاً عن السابقة، فالتهمة هنا هي (الإتفاق الجنائي) والإتفاق الجنائي في القانون يكون إذا (اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية) بصرف النظر عن الغرض، والتهمة في نص قرار الاتهام هي الإتفاق الجنائي، ولكن لم يحدد الجناية التي تم الاتفاق عليها، فهو يذكر الوصف القانوني للفعل وهو (الإتفاق الجنائي) ثم يذكر الغاية منه وهي (الإعتداء على السلطات).
ولكن لا يذكُرُ الجريمةَ ذاتها أي الفعل الموصوف بأنه جريمة إذ لا يكون اتحادُ الإرادتين من نوع الإتفاق الجنائي إلا إذا انصبت إرادة المتفقين منصبةَ جريمة جنائية.
وعبارةٌ (للإعتداء على السلطة) الواردة في هذه التهمة ليست الفعلَ الجرمي موضوع الإتفاق المزعوم وذلك لسببَين:
أولـُهما: أنها الغايَةَ من الإتفاق وليس موضوعه بدليل أن قرارَ الإتهام قال:
(للإعتداء) باللام، واللام هنا للغاية.
وثانيهما: أن عبارةَ (الإعتداءُ على السلطة) ليست من الجرائم الواردة في قانون العقوبات إذ لم يستعمل القانون هذا الوصف.
وإذا شئنا استخدامَ التعبير القانوني والمصطلحات الفقهية في ذلك فصفوةُ القول هو أن دعوى النيابة في هذه القضية هي دعوى جنائيةٌ، لكنها تفتقرُ إلى سببها ذلك أن لكل دعوى -جنائيةً كانت أو مدنيةً- سبباً، وهو في الحالتين الواقعةُ التي يستندُ إليها المدعي (وهو هنا النيابةُ) في الحق الذي يطالبُ به، أي أن الواقعةََ هي سببُ الدعوى، فسببُ الدعوى الجنائية هي الجريمةُ المسندةُ إلى المتهم المرادِ معاقبتـُه من أجلها.
فالجريمةُ هي الواقعة التي أنشأت حقَّ المجتمع (وتمثله النيابة) في عقاب المتهَم أي السند الذي ترتكن عليه النيابةُ في طلبها تجريمَ المتهم ومعاقبتـَه، فلا يمكنُ أن يكونَ توجيهُ التهمة صحيحاً إلا ببيان الواقعة الجُرمية، وبيانُ الواقعة الجُرمية يقصَدُ به (بيان ُأركان الجريمة بياناً كافياً من فعل مادي وقصْد جنائي) [راجع مبادئ الإجراءات. د. رؤوف ص ٤٤٦، ود. محمود نجيب في شرح قانون الإجراءات ص٥٥٢].
وكُلُّ هذه البيانات تخلو منها الدعوى الجنائيةُ الموجَّهَةُ ضدَّ العلامتـَينِ الجليلينِ الديلمي ومفتاح، كما سبق البيانُ، وكما أن المحكمةَ المتخصصةَ لم تكلف نفسَها عناءَ استكمال هذه البيانات من النيابة وقبلت الدعوى على علاتها اتساقاً مقصوداً مع مسلك النيابة حين قدمتها مجهولةً، وهذا الإتساقُ لا يجوزُ أن يكونَ وليدَ جهل الطرفين بأصول الإجراءات لواحدية المخرج وحبكته؛ لأن كلاً من النيابة العامة والمحكمة لا يجوز الجهلُ في حقهما، خاصة إذا تعلق الأمر بأبجديات الدعوى الجنائية، كما هو حال هذه القضية، فالجهالةُ واقعةٌ على البيانات التي لا تستقيمُ الدعوى بدونها، وهذه البياناتُ يعرفـُها مَن له صلةٌ بالقانون أدنى من صلة النيابة العامة فهي مدرَكَةٌ للمبتدئ في القانون.
ولكن لماذا كانت الدعوى مجهولةً على هذا النحو؟.
السببُ لا يرجعُ إلى جهل المدعي (النيابة) أو المحكمةُ كما قد يفترضُ مَن لم يقفْ على القضية عن كَثَبٍ وعن بصر وبصيرة، وإنما يرجَعُ إلى الخلفية التي وراء القضية، وهذه معالمُ تلك الخلفية:
وأولُ أسباب الجهالة يرجعُ إلى طابع التكلـُّف والتحكـُّـم للدعوى بمعنى أن منشأَ الدعوى ليس وجودَ وقائع جُرمية بعناصرها القانونية المعروفة، وإنما كان المطلوبُ قمعَ ومعاقبةَ العَالِـمَينِ الجليلين الديلمي ومفتاح وإقصاءَهما عن ساحة العمل العام!!.
فهناك أمرٌ -بالتأكيد- من جهة عُـليا بحسب التعبير الجاري في بلاد (واق الواق) صدَرَ عن قصد وتدبير بزج هَذَين العَالِـمَينِ في دائرة الإجرام، ثم بعدَ الأمر كُلفت الأجهزةُ التابعةُ للجهة العُليا بالتنفيذ ابتداءً من جهاز "الأمن السياسي"، مروراً بالنيابة العامة والمحكمة المتخصصة حتى السجان وعشماوي اليمن!!، فأولاً: جاءت الفكرةُ ثم تلتْها التدابيرُ، وهذه نشأةٌ شاذةٌ وغيرُ صحية للتهمة؛ لأن المعتادَ والطبيعي في باب الجرائم أن تحدُثَ أولاً الواقعة الجرمية ثم تتلوها المحاكمةُ، والعقابُ.
كما أن مدارَ الدعاوى الجنائية وجوهرَها الفعلُ الجُرمي وليس شخصَ المتهَم بها.
وبسبب هذه النشأة الشاذة عن طبيعة الأمور كان من البديهي أن يلُفَّ الشذوذُ القضيةَ برمتها بما في ذلك الدعوى التي جاءت غامضةً ومجهولةً.
إن الصنعةَ والإفتعالَ فيما واجهه العالمان الجليلان من اتهام وعقاب هما المسؤولان عن جهالة الدعوى وسائر ما لابس هذه القضية من الشذوذ، وسوف نتقصَّى هذا الشذوذَ في مناسبته من هذا الحديث.
وما هو جدير بالحديث هنا هو معلم آخر بالغ الأهمية من معالم الخلفية الواقعة وراء هذه القضية، وأهميته تكمن في السياق العام الذي تقع فيه القضية برمتها، إذ من المعروف أن قذفَ هَذَين العَالِـمَينِ الجليلَينِ تمَّ في سياق حملة منظمة ممنهجة يشُنـُّها النظامُ ضد الهاشميين وضد المذهب الزيدي عبرت عن نفسها بعنف في حرب صعدة الأولى والثانية، وتمظهرت في إجراءات غير حربية، وتفوق الحرب في القسوة، وفي التأثير، ومنها الإعتقالاتُ والملاحقاتُ والمحاكَماتُ والإحتجازُ التي طاولت المئات بل الألوفَ من الهاشميين والهاشميات والزيديين والزيديات في عدد من محافظات الجمهورية، وإلى ذلك تم إغلاقُ عدد هائل من المدارس والمعاهد والزوايا التي تدرِّسُ كُتـُبَ الزيدية، واُستكتتب العشراتُ من علماء ومدرِّسي هذا المذهب سيء الحظ تعهدات خطيةً بعدم تدريس المذهب، والامتناع عن الخطاب والوعظ به، كما تم فصلٌ أو إحالةٌ للتقاعُد لعدد من مدرِّسي المذهب، ومَن كان من المعلمين في العلوم الأخرى لدى المدارس الرسمية وينتمون إلى المذهب الزيدي أو هاشميون تم نقلهم من محافظات صعدة وعمران والجوف وحجة إلى مدارس أخرى في المحافظات النائية مثل المهرة وحضرموت وريمة، وصادرت الأجهزةُ الحكومية والأمنيةُ الآلافَ من كتب الزيدية المعروضة للبيع من المكتبات التجارية!!، كما تم سحب مثل هذه الكتب من المكتبات الحكومية كوزارة العدل، ومعهد القضاء، وما شابه.. ومنعت المكتبات ودور النشر اليمنية والعربية من عرض كتب الزيدية خلال دورتين لمعرض الكتاب السنوي دورة ٤٠٠٢م، ودورة سبتمبر ٥٠٠٢م، واقتحمت أجهزةُ الاستخبارات منزلَ العلامة/ محمد مفتاح وكان يخزنُ في جزء منه الكتبَ التي يتاجرُ بها ليعتاشَ هو وأسرتـَه، وأخذت جميعَ ما وجدته على ست عربيات نقل كبيرة.
وأخذت الحملةُ ضد الهاشميين وضد الزيديين أياً كانوا مظاهرَ أخرى غير السابقة من أهمها:
> حملة إعلامية متصلة (وما زالت) تولتها صحف الحكومة والصحف المستنسخة، وتلك الصادرة بأسماء أشخاص يعتاشون من كرم النظام وفضلات موائده، واستهدف الإعلامُ في حملته أن يرسخ في ذهن الناس وواعيتهم صورةً مقيتةً قاتمةً عن الهاشميين وعن المذهب الزيدي خلال نشر جملة من الأغاليط والزيف، أبرزُها:
١- أن الهاشميين من يحيى المتوكل، وهو من أبرز ضباط سبتمبر إلى أحمد العماد -رئيس الدائرة التنظيمية في الحزب الحاكم جميعَهم مجرد ضيوف في اليمن السعيد، وعليهم العودةُ من حيث أتوا قبل ألف عام، وأنهم ومعهم الزيديون غير الهاشميين حاقدون على الثوابت اليمنية (الثورة، والوحدة)، ويريدون إعادةَ الإمامة التي قضى عليها الضباط الأحرار قبل خمسة وأربعين عاماً، وأنهم يسبون أمهات المؤمنين (زوجات الرسول) وصحابة النبي صلى اللهُ عليه وآلـَه وسلم.
٢- الحرمانُ من حُقوق المواطـَنة ضمن سياسة صامتة، ولكنها جاريةٌ على أرض الواقع، وضمن هذا السياق وقع اعتقالُ العَالِـمَينِ الديلمي ومفتاح ومحاكمتُهما ومعاقبتُهما الأولُ لهاشميته وزيديته، والثاني لزيديته وتشيعه لآل بيت النبي صلى اللهُ عليه وآلـَه وسلم، وكلٌّ من الهاشميين والزيديين مطلوبون لهذه الحملة وهم هدفـُها، وما جعلهما هدفاً على هذا النحو مقامُهما، فهما ليسا من آحاد الناس، وإنما هما عالمان كبيران، وعلى مستوى عالٍ من الفاعلية والتأثير، ولهما شغفٌ قوي، والتزامٌ قاطعٌ بعقائد وأفكار المذهب الزيدي.
وبسبب ذلك كله كان من الطبيعي أن يتعرضا لما تعرضا له، فلا بد أن يُحاكما ويُدانا ويُعاقبا لاعتناقهما مذهباً وعقائدَ يُرادُ اجتثاثـُهما من البلاد سواء حدث منهما ما يقع تحت طائلة القانون أو لم يحدُثْ.
ولعل خيرَ دليل على هذا الاستنتاج أنهما يُحاكمان على أفعال قديمة ومشروعة جرى استحضارُها من قبَل السلطات المعنية بعد أن عجزت عن العثور في سيرتهما الخيِّرة والنبيلة ما يمكن اعتبارُه عن حقٍّ فعلاً جُرمياً، فمثلاً عُوقبا على اشتراكهما في مظاهرة جماهيرية ضخمة قامت في أوائل عام ٣٠٠٢م احتجاجاً على غزو العراق، وتضامُناً مع الشعب الفلسطيني في محنته، والمظاهرةُ مشروعةُ قانوناً فضلاً عن قدمها، ولم يُحاكم أحدٌ من المئات الذين اشتركوا فيها غيرُ هَذَين العَالِـمَينِ، وذلك لذاتهما لا لاشتراكهما في المظاهرة، وشيء آخر هو فعل مشروع قانوناً ومع ذلك يُحاكمان ويُدانان بسببه وهو زيارةُ أحد موظفي سفارة إيران والتحدُّث إليه، ومعلومٌ أن القانونَ لا يمنعَ المواطنَ اليمني من الإتصال بالمبعوثين الدبلوماسيين للدول الأجنبية في صنعاء، وهناك المئاتُ من المواطنين على صلة بهؤلاء ولبعضهم صداقاتٌ مع العاملين في السفارات يضيفونهم ويتزاورون ويجتمعون بهم في "مقايل قات" دون أي حرج.
وقد فعل العالمان شيئاً من ذلك ولمرة واحدة وقبل سنوات من بدء الحملة على الزيدية؛ ولأن السلطات لم تعثر على جُرم تمكنُ محاكمتـُهم به جعلت الزيارةَ اليتيمَ جريمةَ تخابُرٍ مع دولة أجنبية.
وتقبلت المحكمةُ المتخصصةُ هذا العبثَ السياسي شأنـُها شأنُ أية محكمة من محاكم أمن الدولة التي عرفتها الشعوبُ العربيةُ في النصف الثاني من القرن المنصرم، إلا أن المحاكمَ المتخصصة تفترقُ عن تلك المحاكم بمساحة واسعة، فقد أُنشئت محاكمُ أمن الدولة آنذاك للدفاع عن الثورة وحماية (الشرعية الثورية) واليمنُ دخلت مرحلةَ الشرعية الدستورية وتجاوزت مرحلةَ الشرعية الثورية قبل عقد ونصف العقد من إنشاء المحكمة المتخصصة وحلت محل محاكم أمن الدولة التي عرفتها اليمن المحكمة الدستورية ووظيفتها حماية الشرعية الدستورية بعد أن نـُكب النظامُ اليمني بالديمقراطية التي جَلبت له الوحدةُ، وعاضدها المدُّ الديمقراطي الذي اجتاح كُلَّ الأنظمةً في البلدانِ الشبيهةِ باليمن!.
} وخير دليل على الطابع الإستثنائي لهذه المحكمة تبرزه واقعة تكشف تبعيتها الكاملة للسطة السياسية والجهاز الأمني في البلاد تتلخص في الآتي:
في الجلسة الثانية للمحكمة من نظرها هذه القضية والمؤرخة 2004/12/20م طلبت هيئة الدفاع عن هذين العالمين نسخة من ملف القضية (المحاضر والأدلة)، ويرأس المحكمة وقتها القاضي/ أحمد الجرموزي الذي استجاب للطلب وأمر -في نهايه الجلسه- "تمكين هيئة الدفاع بصورة من ملف القضيه" (ص9 من الحكم).
وقبل أن يتمكن الدفاع من تصوير الملف صدر قرار رئيس الجمهورية بعد يومين من قرار المحكمة بالتصوير، وبالذات في 2/28 تضمن تعيين/ نجيب قادري -رئيساً للمحكمة بدلاً عن القاضي/ الجرموزي الذي نقله الرئيس إلى محافظة بعيدة وناشئة حديثاً هي محافظة ريمة، وبعد يومين أو ثلاثة أيام من قرار التعيين ذهبت هيئة الدفاع إلى قلم كتاب المحكمة، وطلب تصوير الملف تنفيذاً لقرار المحكمة ففوجئ المحامون أن القاضي الجديد وجه قلم المحكمه شفوياً عدم تصوير الأدلة المستندية المقدمة من النيابة العامة ومحاضر التحقيق الذي أجراه الأمن السياسي (الإستخبارات) وتصوير المحاضر الأخرى فقط.
فطلب المحامون مقابلة القاضي الجديد بأمل إقناعه تصويرَ كامل ملف القضية تنفيذاً لقرار المحكمة برئاسة القاضي السلف للقاضي الجديد فرفض القاضي الجديد مقابلة المحامين، وقيل لهم إن موعد الجلسة القادمة يوم 2005/9/1م، وفي الجلسة المذكورة كرر محامو الدفاع طلبهم تصوير الملف، فاتخذ القاضي القرار التالي قررت المحكمة تمكين هيئة الدفاع من الاطلاع وتصوير ما أمكن تصويره وتصوير قرار الإتهام وقائمة أدلة الإثبات) [ص10]. وأجلت الجلسة إلى يوم 2005/1/30م وفيها ألحّت هيئة الدفاع والمتهمون على المحكمة في تصوير الملف كاملاً كي يتمكنوا من ممارسة الحقوق القانونية للدفاع، ولكن المحكمة رفضت ذلك بشدة وطلبت الى النيابة العامة تقديم أدلتها، فتبين لهيئة الدفاع من المحامين إزاء موقف المحكمة انه يستحيل على محامي الدفاع أداء واجبهم في الدفاع عن موكليهما دون أن تكون الأدلة تحت أيديهم يتأملونها ويمحّصونها ويتدارسونها مع موكليهما بأناة وتؤودة ليتبين لهم ما قد يلحق هذه الادلة من عوار ومدى توافر الشروط القانونية لها، وهل تقوى على إثبات الوقائع الإتهامية المسندة إليهما، وعلى الجزم واليقين، وبدون ذلك لن تتمكن الهئة من تقديم دفاع متمكن، كما بان للمحامين أن حضورَهم هذه المحكمة مكبلي الأيدي لن يخدم القضية، أو يستفيد منه موكلاهما، إنما بالعكس سيكون لهذا الحضور مردوداً سلبياً عليهما إذ أنه سيجعل أمام الرأي العام الداخلي والخارجي محاكمة ظالمة يفتقدُ الدفاعُ فيها أبسط حقوقه التي كفلها الدستور والقانون، وإزاء ذلك لم يكن أمام هيئة الدفاع غير الإنسحاب عن القضية ومقاطعة المحكمة وهو ما حدث بالفعل.
إن الوقائعَ السابقة ليست بلا دلالات ودلالات خطيرة على صعيد قضية العالمين الجليلين (الديلمي ومفتاح) فك الله أسرهما، ويجدر بنا الإشارة إلى هذه الدلالات:
1-أول ما تسوق إليه تلك الوقائع من دلائل يتصل بواقعة تغيير القاضي الذي أجاز للدفاع تصوير ملف القضيه كاملاً، فقد تم تغييرُه فورَ أن أمر بذلك واستبداله بقاضٍ آخر (نجيب قادري)، وكان أولُ ما فعله الأخير في القضية إلغاء قرار التصوير، وقد فعل قبل أن يعقدَ الجلسة الأولى، وهذا معناه أن سبب تغيير القاضي الأول يرجعُ إلى استجابته لطلب الدفاع بتصوير كامل أوراق الملف، ورفضه لإلحاح النيابة الشديد بحرمان الدفاع من هذا الحق.
بدلالة أن أولَ إجراء فعله القاضي الخلف في القضية إلغاءُ قرار سلفه بالتصوير.
٢- وثاني ما لتلك الوقائع من دلالة هو أن منعَ الدفاع من تصوير كامل الملف كان مطلباً للسلطة السياسية في البلاد بقصد حرمان المتهَمَين الكريمَين من حقهما القانوني في الحصول على دفاع متمكن، ولهذا تم تغييرُ القاضي بقرار جمهوري، كما عوقب القاضي الذي أمر بالتصوير بنقله فجأةً إلى محكمة ناشئة وقليلة القيمة وتقع في منطقة نائية وينفر منها القضاة، ويعتبرون التعيينَ فيها أشبه بالنفي.
وتتأكد هذه الأدلة بواقعة أخرى وهي أن القاضي الذي أقصي من المحكمة المتخصصة قضى مدة غير قصيرة في المحكمة المذكورة وفصل في عدد من القضايا وهو محل رضى من قبل السلطة التي أنشأت هذا اللون من المحاكم ولم يتم إبعاده من هذا المنصب إلا بمناسبة قضية العالمين »الديلمي ومفتاح« وقد قدمت القضية إليه وهو محل رضا وترحاب ولم ينحسر عنه ذلك وينقلب حاله إلى الرضا إلى السخط إلا بمناسبة قراره حق الدفاع في تصوير كامل الملف.
٣- كما تدل الوقائع تلك على أن القاضي البدل أطوع لسلطة الإتهام والسلطة التي خلفها مما كان حال القاضي المبدل، وأنه أكفأ من الأخير في تنفيذ محاكمة هذين العالمين على النحو المرسوم وبما يحقق الهدف المطلوب سلفاً من هذه المحاكمة.
٤- وتؤكد الوقائع السابقة الطابع الاستثنائي للمحاكم المتخصصة والذي لحظه فيها منذ نشأتها أوفر عدد من المحامين ورجال القانون وحمل نقيب المحامين في صنعاء الأستاذ/ عبدالله راجح على مناشدة المحامين مقاطعة هذه المحاكم وعدم الترافع أمامها، واعتبرها صيغة محسنة لمحاكم أمن الدولة التي عرفتها اليمن في القرن الماضي، وحتى عشية الوحدة.
٥- وأخيراً تدل الواقعة على شيء آخر مخصوص بمحاكمة العالمين المذكورين وهو أن عدم تمكين هيئة الدفاع عنهما ومنع الوكيل والأصيل معاً من الأدلة المقدمة في القضية والتي قام عليها حكم الإدانة هو أمر مقصود متعمد، وجاء من خارج المحكمة، وأن الغرض من ذلك ليس إلا تجريد العالمين المغضوب عليهما من أي سلاح للدفاع عن نفسيهما في مواجهة التهم الملفقة والظالمة التي رميا بها وحتى يسهل على المحكمة إدانتهما وعقابهما بأشد العقوبات التي يوفرها القانون بسخاء كما سنرى لاحقاً.
إن بسط الأدلة بشفافية ومنح هيئة الدفاع الفرصة الكاملة لتقديم دفاع قانوني متمكن تناقش فيه هذه الأدلة بالمعايير القانونية وبعد دراسة وتمحيص كما يحدث في القضايا المعروضة على القضاء العادي كل ذلك ما كان للمحكمة أن تتمكن معه من إصدار حكم كالذي صدر عنها وكان محل استغراب معظم مَن سأل عنه
} لا أظنُّ أني سأضيفُ جديداً على ما قاله الأستاذُ/ حسن محمد زيد عن الحُـكم الصادر ضدَّ العَالِـمَينِ الجليلَينِ العلاَّمة/ يحيى حسين الديلمي، والعلامة/ محمد مفتاح، فقد قال فيه وأوفى، ولهذا جعلتُ حديثي مجردَّ هوامش على الحُـكم تنبِّهُ على تفاصيلَ لم يتسع البحثُ الرصين للأستاذ/ زيد لها.
إعداد: أحمد الوادعي
الهامش (١)
> لن يجدَ المتابعُ المنصفُ لمقدمات الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية المتخصصة في حق العَالِـمَينِ المذكورَين أن الحكمَ جاء في سياق حرب ذات بُعد ثقافي ومذهبي طويلة الأمد، وحرب عسكرية ذات مدى قصير وحاسم على المذهب الزيدي وأتباعه وضد الهاشميين.
أما بدايةُ الحرب الأولى فكانت عقبَ الإطاحة بالنظام الملكي عام ٢٦٩١م وإنْ على نحو خفيف وأحياناً عرضي، ثم اشتدت بعدَ ذلك خلال السبعينيات وتأججت في عقدَي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وما زالت تستعرُ إلى اليوم، وأما الحربُ العسكرية ضد أولئك فهي المسماة "حرب صعدة" هذه المحافظة التي شاءت أقدارُها أن تكونَ أولَ انطلاق الزيدية، وشـُيء لها اليومَ أن تكونَ مقبرتها!!.
وخلاصةُ هذا الهامش: إن أية دراسة للحكم المذكور لن تكن شاملة ما لم تضعه في سياقه العام، وهذا ليس موضعه هنا، وإنما في مكان لاحق من هذه الهوامش.
الهامش (٢)
> أول ما يلفتُ النظرَ في هذا الحكم أن العَالِـمَينِ المذكورَين حُوكما أمام المحكمة المتخصصة، وهي في الحقيقة والراجح عند غالبية المحامين ورجال القانون، محكمة غير دستورية نشأت بالمخالَفة للمبدأ الدستوري الذي يحظـُرُ إنشاءَ محاكم استثنائية، والطابعُ الاستثنائي لهذه المحاكم ظاهرٌ من اختصاصها بالجرائم المتعلقة بأمن الدولة، ومن الإجراءات المتبعة أمامَها، وهي تتسمُ بالإيجاز والسرعة، وإهدار حقوق الدفاع!.
ومُحاكَمَةُ العَالِـمَينِ الجليلَينِ أمام هذه المحكمة لدلالة لا تخفى على أحد، إذ معنى ذلك أن محاكمتـَهما وتوقيعَ العقوبة عليهما وحجْزَ حريتهما كُلُّ ذلك جاء من وراء الدستور، ومن وراء القانون تبعاً لذلك، وقد صارَ من المفاهيم الشائعة في الوسط القانوني أن النظامَ القائمَ إذا أراد إنزالَ عُقوبة قاسية على أحد خُصومه أو المغضوب عليهم عندَه فإنه يُحالُ إلى المحاكم المتخصصة.
كما أن الطابعَ الاستثنائيَّ لما تعرض له هذان العالمان أنهما يُحاكَمان أمامَ غير قاضيهما الطبيعي!.
ويشهدُ المحامون الذين ترافعوا أمام هذه المحكمة على طابعها البوليسي، وأن هذا ظاهرٌ فيها من خلال:
أولاًً: جلساتـُها سريةٌ، وبالأقل شبهُ سرية، فلا يُسمَحُ للجمهور بدخولها، وحضور الجلسات -كما يفترض القانون- إلا في حدود ضيِّقة وبإجراءات مهينة تزهد الناس من دخولها إذ يتعرضُ الداخلُ إليها -بمَن في ذلك المحامون- لتفتيش دقيق، ومستفز، وبسؤاله عن غرضه من الدخول وتسجيل اسمه لدى مندوب من المخابرات مع عنوانه، وغرضه من الدخول، وسائر المعلومات الشخصية عنه، وتسحَبُ منه بطاقتُه الشخصيةُ أو العائلية وعُلبة الدخان و"الولاعة" وجهاز الهاتف والقلم، وكُلُّ متعلقاته عدا النقود، ولا يتمكنُ من استعادة ما أُخذ منه عند الخروج إلا بصعوبة وامتهان، وعند خروجه يكتشفُ أن مسؤولَ المخابرات صَوَّرَ بطاقتـَه، وسجَّلَ أرقامَ الهاتف المخزونة في هاتفه الجوال.
ثانياً: إختلافُ إجراءات وطبيعة حراسة المحكمة المتخصصة عن سائر المحاكم الأخرى، فهي محاطة بحراسة مشددة وخاصة، فخلال الجلسات التي تعقدها تكون محاطة بعدد كبير من الضباط والجنود لا تجده في أية محكمة، وهؤلاء مدججون بالسلاح الناري والقنابل التي يتمنطقها الجنودُ، ومع ذلك عدةُ أطقم عسكرية مزودة بأسلحة رشاشة، وكُلُّ هؤلاء ليسوا من الشرطة القضائية، وإنما من القوات الخاصة برئاسة الجمهورية، ويوزعون في الشوارع المحيطة بالمحكمة من الجهات الأربع، وفي سطح المحكمة وحوشها وسلالمها، وفي قاعة الجلسة، ويمنـَعُ مرورُ السيارات من الشوارع المحيطة.. وصفوةُ القول تمت عسكرةُ المحكمة فأنت تدخلـُها وكأنك دخلت معسكراً في حالة استنفار قصوى، والتعامُلُ مع الناس يتم بغلظة واستفزاز سواء من العسكر أو من العاملين بالمحكمة جميعهم دون استثناء، فإذا دخلت المحكمةَ المتخصصةَ تشعُرُ بالرعب، وأنك أخطأتَ الهدفَ فلست في قلعة من قلاع العدالة كما يفترَضُ، وإنما دخلتَ خطأً إدارةَ استخبارات.
ثالثاً: والطابعُ الاستثنائي لهذا النوع من المحاكم لا يتمثل في شبه السرية لجلساتها فقط وإنما له مظاهرُ أخرى أكثرُ إيغالاً في الاستثنائية تتصلُ بإجراءات الترافـُع أمامَها وبالأحكام الصادرة عنها، فالإجراءاتُ أمامَها مختصرةٌ وسريعةٌ، فالجلساتُ غالباً تكونُ أسبوعيةً، وأحياناً أدنى من ذلك وهذا لا يوجدُ في المحاكم العادية التي تكونُ الجلسات فيها غالباً شهريةً أو أكثرَ من ذلك خاصةً في القضايا الجنائية الكُبرى، وكُلُّ القضايا التي تـُعرَّضُ على المحاكم المتخصِّصة كُبرى سواء من حيث موضوعها أو أطرافها، والتحقيقاتُ الأوليةُ في القضايا يتولاها "الأمنُ السياسيُّ" في تكتـُّم وسرية لا يتوفرُ فيها أدنى حقوق الدفاع التي كفلها القانونُ، أو الدستورُ، وغالباً ما يكون المتهَمُ (أو المتهَمون) الذي تحاكمُه موقوفاً في زنازن "الأمن السياسي"، وبعلم وأوامر المحكمة، وهذا الإجراء ُيَحرِمُه من حقَين قانونيَين هما: حريتـُه في الإدلاء بأقواله دون خوف من عواقب سيئة مما يجيدُه هذا الجهازُ، كما أن ذلك يَحرِمُه من الاتصال بمحاميه، والجلوس إليه بحرية ودون خوف لتحضير دفاعه.
وعندَ حضور المتهَم إلى المحكمة يُمنـَعُ على المحامي أن يتحدثَ معه وهو في قفص الإتهام خلال الجلسة، وإذا تعدد المحامون للمتهَم تمنعُ المحكمةُ عليهم خلال الجلسة التداوُلَ همساً بينهم في شأن من الشؤون، وأذكُرُ أني حضرتُ إحدى الجلسات الأولى في محاكَمة القاضي العلامة/ محمد لقمان منضماً إلى هيئة الدفاع المكونة من عدة زملاء من المحامين، وخلال الجلسة حدث ما يتعين عليَّ التداوُلُ بشأنه مع موكلي، وهمْساً أيضاً، فصرخ القاضي في وجهي مانعاً لي نهائياً من التحدث إلى موكلي، وأمرني بالجلوس وإلا سوف يخرجني من الجلسة، رغم أن ما فعلته مألوفٌ ومعتادٌ أمام المحاكم العادية، وبعدَ دقائق طرأ في الجلسة ما اضطرني التداوُل بشأنه مع زميلي رئيس هيئة الدفاع عن العلامة/ محمد لقمان فتهامست مع الزميل لبُرهة، ولكن صرخ في وجهي رئيس المحكمة يوبخني، ويعتبرُ ذلك عملاً مشيناً، ما حملني على الانسحاب نهائياً فقد تبينت لي صحةُ الروايات السيئة التي رواها زملاءٌ محامون سبق أن ترافعوا أمامَها قبلي، وكنت أظنُّ أنهم مبالغون في غرائب ما يروونه عن هذه المحكمة، وكانت تجربتي هذه كافيةً جداً ليس لتصديق تلك الروايات، وإنما أقنعتني بالتجربة أن ترافـُعَ المحامي أمامَ هذه المحكمة نافلةٌ لا ثمرةَ وراءَها غيرُ لزوم كمال الديكور حتى تستطيع السلطة التي تسوقُ هؤلاء الأبرياءَ إلى المجزرة أن تفاخرَ بعدالة قضائها أمامَ الدول الغربية المعنية بالشأن اليمني ويحتاجُ النظامُ إلى شهادة إيجابية من هذه الدول!!.
والطابعُ الاستثنائي لهذا اللون من المحاكم له مظاهرُ أخرى أهمُّ مما سبق في دلالته، وتبرز في اتسام أحكامها عادةً بالقسوة إذا ما كانت السلطةُ تريدُ ذلك، وخيرُ نموذج على ذلك الحكمُ الذي نناقشُه الآنَ، وستتضحُ ملامحُ هذا النموذج لاحقاً.
الهامش (٣)
> أول ما يدهشُ الدارس لهذا الحكم أن الاتهامَ الذي رمت به النيابةُ هذين العَالِـمَينِ مبهمٌ، وينطوي على جهالة، ومعلومٌ أن من شروط قبول الدعوى أن تكونَ الدعوى واضحةً، وأنه إذا لابستها جهالةٌ تعين على المحكمة عدمُ قبولها حتى يزيلَ المدعي ما بها من جهالة، لكن المحكمة المتخصصة لها طابعٌ استثنائي، ولهذا كان من الطبيعي أن تـُقبَلَ الدعوى رغم جهالتها!.
وأما الجهالةُ والغموضُ في هذه الدعوى فهذا بيانـُه:
١- التهمةُ الأولى كما في لائحة اتهام النيابة:
(سعيا بالإتصال غير المشروع [لاحظ سعيا بالإتصال] بدولة أجنبية وتخابَرَا مع مَن يعملون لمصلحتها، وكان من شأن ذلك الإضرارُ بمركز الجمهورية السياسي والدبلوماسي، وعلى النحو المبين تفصيلاً في الأوراق).
وهذا النصُّ ينسبُ إلى العلامتـَين (الديلمي ومفتاح) عدةَ وقائع غير محددة على نحو واضح:
الأولى: الإتصالُ بدولة أجنبية.
الثانية: التخابُرُ مع مَن يعملون لمصلحة هذه الدولة.
الثالثة: الإضرارُ بمركز الجمهورية السياسي والدبلوماسي.
وجهالةُ هذه الوقائع لا يمكنُ أن تنجليَ عنها إلا بالإجابة عن الأسئلة التالية:
متى وقع هذا الاتصال؟، وأين حدث؟، وما طبيعة الإتصال المزعوم؟، ثم: مَن هي الدولة الأجنبية التي تم الإتصالُ بها؟، ومَن الشخص (أو الأشخاص) الذي مثـَّلَ هذه الدولةَ؟، وما مركزُه فيها؟، وهل هذه الدولةُ صديقةٌ أم عدوَّةٌ؟، وإذا كانت عدوةً هل هي في حالة حرب مع اليمن أم لا؟.
ثم ما نوعُ التخابُر المنسوب إليهما؟، وما هي المعلوماتُ التي كانت موضوعَ التخابر، عسكرية؟ اقتصادية؟ سياسية؟ دينية؟، أم أنها معلوماتُ تتعلق بفن "البَرَع" في البلاد؟.
ثم ما هي الأضرارُ السياسيةُ التي لحقت بالمركز السياسي للجمهورية؟، وما هي التي أضرت بمركزها الدبلوماسي؟، وما معنى المركز الدبلوماسي والمركز السياسي؟، ثم ما نوعُ هذا الضرر؟، هل هو ضرر مادي أم أدبي أم من نوع ثالث؟.
ثم ما حجمُ هذا الضرر؟، هل من النوع البسيط أم المتوسط أم الجسيم؟..
إن قرارَ الاتهام لا يقدِّمُ إجابةً عن أيٍّ من هذه الأسئلة، وإنما أحال المحكمةَ والدفاعَ بشأنها على الأوراق قائلاً: (وعلى النحو المبين تفصيلاً في الأوراق) وما لم يقل حتى أية أوراق يقصُدُ؟.
ومن الناحية القانونية لا تكفي الإحالةُ في تحديد الجُرم المسنـَد إلى الشخص؛ لأن قرارَ الاتهام وبعبارة أخرى الدعوى الجنائية يجبُ أن تكونَ بينةً بذاتها، حتى يمكنَ القولُ بخلوِّها من الجهالة، وهذه قاعدة معروفةٌ لكل مَن له أدنى إلمامٌ بأصول الترافع ومبادئ الإجراءات، ولأسباب عديدة تجاهلتها النيابة (المدعي) والمحكمة، وننوِّهُ بأهمها إن كانا يجهلانها وهي:
كُلُّ دعوى مهما كانت طبيعتـُها يجبُ إثباتـُها بطرُق الإثبات المحددة في القانون، والواقعة المجهولة يستحيلُ إثباتـُها، ثم لتعلـُّق الأمر بحقوق الدفاع، وحقوقُ الدفاع جوهرُ العدالة الجنائية في كلِّ الشرائع بما فيها قانونُ الإجراءات الجزائية اليمنية، ومن حق الدفاع أن يمكَّنَ من الدفاع عن نفسه دونَ عوائق، ولا شك أن غموضَ الوقائع الجرمية المسندة إليه سيعيقـُه من تحضير دفاعه بتمكـُّن، إذ الوضوحُ شرطٌ ضروري لدفاع قوي ومتمكن، وكلُّ هذه القواعد والمبادئ معروفةٌ مشهورةٌ ومثبتةٌ في القوانين ومسلـَّمٌ بها من فقهاء القانون.
وقد يُقبَلُ من النيابة العامة أن تعمَدَ إلى تجهيل المتهم بالوقائع والتهم المسندة إليه؛ لأنها في التحليل الأخير خصمٌ، خاصةً في هذه البلاد حيث درجت النيابةُ في عملها ليس على البحث عن الحقيقة كما يفترَضُ منها، وإنما على تكريس جُهدها كلـِّه لشيء واحد هو إدانةُ المتهم، متخليةً عن الحيدة وفكرة (الخصم الشريف)، ولكن لا يُقبلُ ذلك من القضاء مهما تكاثرت العللُ التي تنخز جسدَه؛ لأن ذلك في مستوى ألف باء العمل القضائي فهو متعلقٌ بالدعوى، ومعلومٌ أن الدعوى هي التي تؤسِّسُ للخصومة وتحدد إطارَها، ولذلك لا بد أن تكونَ الدعوى واضحةً بيِّنَةً خاليةً من اللبس والغموض، ولكن المدهشَ أن هذه المحكمةَ قبلت الدعوى مجهولةً غامضةً، وبذلك أثبتت تحيُّزَها وطبيعتـَها الاستثنائيةَ منذ الخطوة الأولى في القضية، وسنرى أن هذا المسلكَ المعيبَ سيتوالى حتى نهاية القضية.
٢- التهمةُ الثانيةُ ونـَصُّها:
((إشتركا في اتفاق جنائي للإعتداء على السلطات الدستورية القائمة، وأنشئا لذلك تنظيماً سُمِّي [شباب صنعاء]...الخ)).
وهذه التهمة لا تقل غموضاً عن السابقة، فالتهمة هنا هي (الإتفاق الجنائي) والإتفاق الجنائي في القانون يكون إذا (اتحد شخصان فأكثر على ارتكاب جناية) بصرف النظر عن الغرض، والتهمة في نص قرار الاتهام هي الإتفاق الجنائي، ولكن لم يحدد الجناية التي تم الاتفاق عليها، فهو يذكر الوصف القانوني للفعل وهو (الإتفاق الجنائي) ثم يذكر الغاية منه وهي (الإعتداء على السلطات).
ولكن لا يذكُرُ الجريمةَ ذاتها أي الفعل الموصوف بأنه جريمة إذ لا يكون اتحادُ الإرادتين من نوع الإتفاق الجنائي إلا إذا انصبت إرادة المتفقين منصبةَ جريمة جنائية.
وعبارةٌ (للإعتداء على السلطة) الواردة في هذه التهمة ليست الفعلَ الجرمي موضوع الإتفاق المزعوم وذلك لسببَين:
أولـُهما: أنها الغايَةَ من الإتفاق وليس موضوعه بدليل أن قرارَ الإتهام قال:
(للإعتداء) باللام، واللام هنا للغاية.
وثانيهما: أن عبارةَ (الإعتداءُ على السلطة) ليست من الجرائم الواردة في قانون العقوبات إذ لم يستعمل القانون هذا الوصف.
وإذا شئنا استخدامَ التعبير القانوني والمصطلحات الفقهية في ذلك فصفوةُ القول هو أن دعوى النيابة في هذه القضية هي دعوى جنائيةٌ، لكنها تفتقرُ إلى سببها ذلك أن لكل دعوى -جنائيةً كانت أو مدنيةً- سبباً، وهو في الحالتين الواقعةُ التي يستندُ إليها المدعي (وهو هنا النيابةُ) في الحق الذي يطالبُ به، أي أن الواقعةََ هي سببُ الدعوى، فسببُ الدعوى الجنائية هي الجريمةُ المسندةُ إلى المتهم المرادِ معاقبتـُه من أجلها.
فالجريمةُ هي الواقعة التي أنشأت حقَّ المجتمع (وتمثله النيابة) في عقاب المتهَم أي السند الذي ترتكن عليه النيابةُ في طلبها تجريمَ المتهم ومعاقبتـَه، فلا يمكنُ أن يكونَ توجيهُ التهمة صحيحاً إلا ببيان الواقعة الجُرمية، وبيانُ الواقعة الجُرمية يقصَدُ به (بيان ُأركان الجريمة بياناً كافياً من فعل مادي وقصْد جنائي) [راجع مبادئ الإجراءات. د. رؤوف ص ٤٤٦، ود. محمود نجيب في شرح قانون الإجراءات ص٥٥٢].
وكُلُّ هذه البيانات تخلو منها الدعوى الجنائيةُ الموجَّهَةُ ضدَّ العلامتـَينِ الجليلينِ الديلمي ومفتاح، كما سبق البيانُ، وكما أن المحكمةَ المتخصصةَ لم تكلف نفسَها عناءَ استكمال هذه البيانات من النيابة وقبلت الدعوى على علاتها اتساقاً مقصوداً مع مسلك النيابة حين قدمتها مجهولةً، وهذا الإتساقُ لا يجوزُ أن يكونَ وليدَ جهل الطرفين بأصول الإجراءات لواحدية المخرج وحبكته؛ لأن كلاً من النيابة العامة والمحكمة لا يجوز الجهلُ في حقهما، خاصة إذا تعلق الأمر بأبجديات الدعوى الجنائية، كما هو حال هذه القضية، فالجهالةُ واقعةٌ على البيانات التي لا تستقيمُ الدعوى بدونها، وهذه البياناتُ يعرفـُها مَن له صلةٌ بالقانون أدنى من صلة النيابة العامة فهي مدرَكَةٌ للمبتدئ في القانون.
ولكن لماذا كانت الدعوى مجهولةً على هذا النحو؟.
السببُ لا يرجعُ إلى جهل المدعي (النيابة) أو المحكمةُ كما قد يفترضُ مَن لم يقفْ على القضية عن كَثَبٍ وعن بصر وبصيرة، وإنما يرجَعُ إلى الخلفية التي وراء القضية، وهذه معالمُ تلك الخلفية:
وأولُ أسباب الجهالة يرجعُ إلى طابع التكلـُّف والتحكـُّـم للدعوى بمعنى أن منشأَ الدعوى ليس وجودَ وقائع جُرمية بعناصرها القانونية المعروفة، وإنما كان المطلوبُ قمعَ ومعاقبةَ العَالِـمَينِ الجليلين الديلمي ومفتاح وإقصاءَهما عن ساحة العمل العام!!.
فهناك أمرٌ -بالتأكيد- من جهة عُـليا بحسب التعبير الجاري في بلاد (واق الواق) صدَرَ عن قصد وتدبير بزج هَذَين العَالِـمَينِ في دائرة الإجرام، ثم بعدَ الأمر كُلفت الأجهزةُ التابعةُ للجهة العُليا بالتنفيذ ابتداءً من جهاز "الأمن السياسي"، مروراً بالنيابة العامة والمحكمة المتخصصة حتى السجان وعشماوي اليمن!!، فأولاً: جاءت الفكرةُ ثم تلتْها التدابيرُ، وهذه نشأةٌ شاذةٌ وغيرُ صحية للتهمة؛ لأن المعتادَ والطبيعي في باب الجرائم أن تحدُثَ أولاً الواقعة الجرمية ثم تتلوها المحاكمةُ، والعقابُ.
كما أن مدارَ الدعاوى الجنائية وجوهرَها الفعلُ الجُرمي وليس شخصَ المتهَم بها.
وبسبب هذه النشأة الشاذة عن طبيعة الأمور كان من البديهي أن يلُفَّ الشذوذُ القضيةَ برمتها بما في ذلك الدعوى التي جاءت غامضةً ومجهولةً.
إن الصنعةَ والإفتعالَ فيما واجهه العالمان الجليلان من اتهام وعقاب هما المسؤولان عن جهالة الدعوى وسائر ما لابس هذه القضية من الشذوذ، وسوف نتقصَّى هذا الشذوذَ في مناسبته من هذا الحديث.
وما هو جدير بالحديث هنا هو معلم آخر بالغ الأهمية من معالم الخلفية الواقعة وراء هذه القضية، وأهميته تكمن في السياق العام الذي تقع فيه القضية برمتها، إذ من المعروف أن قذفَ هَذَين العَالِـمَينِ الجليلَينِ تمَّ في سياق حملة منظمة ممنهجة يشُنـُّها النظامُ ضد الهاشميين وضد المذهب الزيدي عبرت عن نفسها بعنف في حرب صعدة الأولى والثانية، وتمظهرت في إجراءات غير حربية، وتفوق الحرب في القسوة، وفي التأثير، ومنها الإعتقالاتُ والملاحقاتُ والمحاكَماتُ والإحتجازُ التي طاولت المئات بل الألوفَ من الهاشميين والهاشميات والزيديين والزيديات في عدد من محافظات الجمهورية، وإلى ذلك تم إغلاقُ عدد هائل من المدارس والمعاهد والزوايا التي تدرِّسُ كُتـُبَ الزيدية، واُستكتتب العشراتُ من علماء ومدرِّسي هذا المذهب سيء الحظ تعهدات خطيةً بعدم تدريس المذهب، والامتناع عن الخطاب والوعظ به، كما تم فصلٌ أو إحالةٌ للتقاعُد لعدد من مدرِّسي المذهب، ومَن كان من المعلمين في العلوم الأخرى لدى المدارس الرسمية وينتمون إلى المذهب الزيدي أو هاشميون تم نقلهم من محافظات صعدة وعمران والجوف وحجة إلى مدارس أخرى في المحافظات النائية مثل المهرة وحضرموت وريمة، وصادرت الأجهزةُ الحكومية والأمنيةُ الآلافَ من كتب الزيدية المعروضة للبيع من المكتبات التجارية!!، كما تم سحب مثل هذه الكتب من المكتبات الحكومية كوزارة العدل، ومعهد القضاء، وما شابه.. ومنعت المكتبات ودور النشر اليمنية والعربية من عرض كتب الزيدية خلال دورتين لمعرض الكتاب السنوي دورة ٤٠٠٢م، ودورة سبتمبر ٥٠٠٢م، واقتحمت أجهزةُ الاستخبارات منزلَ العلامة/ محمد مفتاح وكان يخزنُ في جزء منه الكتبَ التي يتاجرُ بها ليعتاشَ هو وأسرتـَه، وأخذت جميعَ ما وجدته على ست عربيات نقل كبيرة.
وأخذت الحملةُ ضد الهاشميين وضد الزيديين أياً كانوا مظاهرَ أخرى غير السابقة من أهمها:
> حملة إعلامية متصلة (وما زالت) تولتها صحف الحكومة والصحف المستنسخة، وتلك الصادرة بأسماء أشخاص يعتاشون من كرم النظام وفضلات موائده، واستهدف الإعلامُ في حملته أن يرسخ في ذهن الناس وواعيتهم صورةً مقيتةً قاتمةً عن الهاشميين وعن المذهب الزيدي خلال نشر جملة من الأغاليط والزيف، أبرزُها:
١- أن الهاشميين من يحيى المتوكل، وهو من أبرز ضباط سبتمبر إلى أحمد العماد -رئيس الدائرة التنظيمية في الحزب الحاكم جميعَهم مجرد ضيوف في اليمن السعيد، وعليهم العودةُ من حيث أتوا قبل ألف عام، وأنهم ومعهم الزيديون غير الهاشميين حاقدون على الثوابت اليمنية (الثورة، والوحدة)، ويريدون إعادةَ الإمامة التي قضى عليها الضباط الأحرار قبل خمسة وأربعين عاماً، وأنهم يسبون أمهات المؤمنين (زوجات الرسول) وصحابة النبي صلى اللهُ عليه وآلـَه وسلم.
٢- الحرمانُ من حُقوق المواطـَنة ضمن سياسة صامتة، ولكنها جاريةٌ على أرض الواقع، وضمن هذا السياق وقع اعتقالُ العَالِـمَينِ الديلمي ومفتاح ومحاكمتُهما ومعاقبتُهما الأولُ لهاشميته وزيديته، والثاني لزيديته وتشيعه لآل بيت النبي صلى اللهُ عليه وآلـَه وسلم، وكلٌّ من الهاشميين والزيديين مطلوبون لهذه الحملة وهم هدفـُها، وما جعلهما هدفاً على هذا النحو مقامُهما، فهما ليسا من آحاد الناس، وإنما هما عالمان كبيران، وعلى مستوى عالٍ من الفاعلية والتأثير، ولهما شغفٌ قوي، والتزامٌ قاطعٌ بعقائد وأفكار المذهب الزيدي.
وبسبب ذلك كله كان من الطبيعي أن يتعرضا لما تعرضا له، فلا بد أن يُحاكما ويُدانا ويُعاقبا لاعتناقهما مذهباً وعقائدَ يُرادُ اجتثاثـُهما من البلاد سواء حدث منهما ما يقع تحت طائلة القانون أو لم يحدُثْ.
ولعل خيرَ دليل على هذا الاستنتاج أنهما يُحاكمان على أفعال قديمة ومشروعة جرى استحضارُها من قبَل السلطات المعنية بعد أن عجزت عن العثور في سيرتهما الخيِّرة والنبيلة ما يمكن اعتبارُه عن حقٍّ فعلاً جُرمياً، فمثلاً عُوقبا على اشتراكهما في مظاهرة جماهيرية ضخمة قامت في أوائل عام ٣٠٠٢م احتجاجاً على غزو العراق، وتضامُناً مع الشعب الفلسطيني في محنته، والمظاهرةُ مشروعةُ قانوناً فضلاً عن قدمها، ولم يُحاكم أحدٌ من المئات الذين اشتركوا فيها غيرُ هَذَين العَالِـمَينِ، وذلك لذاتهما لا لاشتراكهما في المظاهرة، وشيء آخر هو فعل مشروع قانوناً ومع ذلك يُحاكمان ويُدانان بسببه وهو زيارةُ أحد موظفي سفارة إيران والتحدُّث إليه، ومعلومٌ أن القانونَ لا يمنعَ المواطنَ اليمني من الإتصال بالمبعوثين الدبلوماسيين للدول الأجنبية في صنعاء، وهناك المئاتُ من المواطنين على صلة بهؤلاء ولبعضهم صداقاتٌ مع العاملين في السفارات يضيفونهم ويتزاورون ويجتمعون بهم في "مقايل قات" دون أي حرج.
وقد فعل العالمان شيئاً من ذلك ولمرة واحدة وقبل سنوات من بدء الحملة على الزيدية؛ ولأن السلطات لم تعثر على جُرم تمكنُ محاكمتـُهم به جعلت الزيارةَ اليتيمَ جريمةَ تخابُرٍ مع دولة أجنبية.
وتقبلت المحكمةُ المتخصصةُ هذا العبثَ السياسي شأنـُها شأنُ أية محكمة من محاكم أمن الدولة التي عرفتها الشعوبُ العربيةُ في النصف الثاني من القرن المنصرم، إلا أن المحاكمَ المتخصصة تفترقُ عن تلك المحاكم بمساحة واسعة، فقد أُنشئت محاكمُ أمن الدولة آنذاك للدفاع عن الثورة وحماية (الشرعية الثورية) واليمنُ دخلت مرحلةَ الشرعية الدستورية وتجاوزت مرحلةَ الشرعية الثورية قبل عقد ونصف العقد من إنشاء المحكمة المتخصصة وحلت محل محاكم أمن الدولة التي عرفتها اليمن المحكمة الدستورية ووظيفتها حماية الشرعية الدستورية بعد أن نـُكب النظامُ اليمني بالديمقراطية التي جَلبت له الوحدةُ، وعاضدها المدُّ الديمقراطي الذي اجتاح كُلَّ الأنظمةً في البلدانِ الشبيهةِ باليمن!.
} وخير دليل على الطابع الإستثنائي لهذه المحكمة تبرزه واقعة تكشف تبعيتها الكاملة للسطة السياسية والجهاز الأمني في البلاد تتلخص في الآتي:
في الجلسة الثانية للمحكمة من نظرها هذه القضية والمؤرخة 2004/12/20م طلبت هيئة الدفاع عن هذين العالمين نسخة من ملف القضية (المحاضر والأدلة)، ويرأس المحكمة وقتها القاضي/ أحمد الجرموزي الذي استجاب للطلب وأمر -في نهايه الجلسه- "تمكين هيئة الدفاع بصورة من ملف القضيه" (ص9 من الحكم).
وقبل أن يتمكن الدفاع من تصوير الملف صدر قرار رئيس الجمهورية بعد يومين من قرار المحكمة بالتصوير، وبالذات في 2/28 تضمن تعيين/ نجيب قادري -رئيساً للمحكمة بدلاً عن القاضي/ الجرموزي الذي نقله الرئيس إلى محافظة بعيدة وناشئة حديثاً هي محافظة ريمة، وبعد يومين أو ثلاثة أيام من قرار التعيين ذهبت هيئة الدفاع إلى قلم كتاب المحكمة، وطلب تصوير الملف تنفيذاً لقرار المحكمة ففوجئ المحامون أن القاضي الجديد وجه قلم المحكمه شفوياً عدم تصوير الأدلة المستندية المقدمة من النيابة العامة ومحاضر التحقيق الذي أجراه الأمن السياسي (الإستخبارات) وتصوير المحاضر الأخرى فقط.
فطلب المحامون مقابلة القاضي الجديد بأمل إقناعه تصويرَ كامل ملف القضية تنفيذاً لقرار المحكمة برئاسة القاضي السلف للقاضي الجديد فرفض القاضي الجديد مقابلة المحامين، وقيل لهم إن موعد الجلسة القادمة يوم 2005/9/1م، وفي الجلسة المذكورة كرر محامو الدفاع طلبهم تصوير الملف، فاتخذ القاضي القرار التالي قررت المحكمة تمكين هيئة الدفاع من الاطلاع وتصوير ما أمكن تصويره وتصوير قرار الإتهام وقائمة أدلة الإثبات) [ص10]. وأجلت الجلسة إلى يوم 2005/1/30م وفيها ألحّت هيئة الدفاع والمتهمون على المحكمة في تصوير الملف كاملاً كي يتمكنوا من ممارسة الحقوق القانونية للدفاع، ولكن المحكمة رفضت ذلك بشدة وطلبت الى النيابة العامة تقديم أدلتها، فتبين لهيئة الدفاع من المحامين إزاء موقف المحكمة انه يستحيل على محامي الدفاع أداء واجبهم في الدفاع عن موكليهما دون أن تكون الأدلة تحت أيديهم يتأملونها ويمحّصونها ويتدارسونها مع موكليهما بأناة وتؤودة ليتبين لهم ما قد يلحق هذه الادلة من عوار ومدى توافر الشروط القانونية لها، وهل تقوى على إثبات الوقائع الإتهامية المسندة إليهما، وعلى الجزم واليقين، وبدون ذلك لن تتمكن الهئة من تقديم دفاع متمكن، كما بان للمحامين أن حضورَهم هذه المحكمة مكبلي الأيدي لن يخدم القضية، أو يستفيد منه موكلاهما، إنما بالعكس سيكون لهذا الحضور مردوداً سلبياً عليهما إذ أنه سيجعل أمام الرأي العام الداخلي والخارجي محاكمة ظالمة يفتقدُ الدفاعُ فيها أبسط حقوقه التي كفلها الدستور والقانون، وإزاء ذلك لم يكن أمام هيئة الدفاع غير الإنسحاب عن القضية ومقاطعة المحكمة وهو ما حدث بالفعل.
إن الوقائعَ السابقة ليست بلا دلالات ودلالات خطيرة على صعيد قضية العالمين الجليلين (الديلمي ومفتاح) فك الله أسرهما، ويجدر بنا الإشارة إلى هذه الدلالات:
1-أول ما تسوق إليه تلك الوقائع من دلائل يتصل بواقعة تغيير القاضي الذي أجاز للدفاع تصوير ملف القضيه كاملاً، فقد تم تغييرُه فورَ أن أمر بذلك واستبداله بقاضٍ آخر (نجيب قادري)، وكان أولُ ما فعله الأخير في القضية إلغاء قرار التصوير، وقد فعل قبل أن يعقدَ الجلسة الأولى، وهذا معناه أن سبب تغيير القاضي الأول يرجعُ إلى استجابته لطلب الدفاع بتصوير كامل أوراق الملف، ورفضه لإلحاح النيابة الشديد بحرمان الدفاع من هذا الحق.
بدلالة أن أولَ إجراء فعله القاضي الخلف في القضية إلغاءُ قرار سلفه بالتصوير.
٢- وثاني ما لتلك الوقائع من دلالة هو أن منعَ الدفاع من تصوير كامل الملف كان مطلباً للسلطة السياسية في البلاد بقصد حرمان المتهَمَين الكريمَين من حقهما القانوني في الحصول على دفاع متمكن، ولهذا تم تغييرُ القاضي بقرار جمهوري، كما عوقب القاضي الذي أمر بالتصوير بنقله فجأةً إلى محكمة ناشئة وقليلة القيمة وتقع في منطقة نائية وينفر منها القضاة، ويعتبرون التعيينَ فيها أشبه بالنفي.
وتتأكد هذه الأدلة بواقعة أخرى وهي أن القاضي الذي أقصي من المحكمة المتخصصة قضى مدة غير قصيرة في المحكمة المذكورة وفصل في عدد من القضايا وهو محل رضى من قبل السلطة التي أنشأت هذا اللون من المحاكم ولم يتم إبعاده من هذا المنصب إلا بمناسبة قضية العالمين »الديلمي ومفتاح« وقد قدمت القضية إليه وهو محل رضا وترحاب ولم ينحسر عنه ذلك وينقلب حاله إلى الرضا إلى السخط إلا بمناسبة قراره حق الدفاع في تصوير كامل الملف.
٣- كما تدل الوقائع تلك على أن القاضي البدل أطوع لسلطة الإتهام والسلطة التي خلفها مما كان حال القاضي المبدل، وأنه أكفأ من الأخير في تنفيذ محاكمة هذين العالمين على النحو المرسوم وبما يحقق الهدف المطلوب سلفاً من هذه المحاكمة.
٤- وتؤكد الوقائع السابقة الطابع الاستثنائي للمحاكم المتخصصة والذي لحظه فيها منذ نشأتها أوفر عدد من المحامين ورجال القانون وحمل نقيب المحامين في صنعاء الأستاذ/ عبدالله راجح على مناشدة المحامين مقاطعة هذه المحاكم وعدم الترافع أمامها، واعتبرها صيغة محسنة لمحاكم أمن الدولة التي عرفتها اليمن في القرن الماضي، وحتى عشية الوحدة.
٥- وأخيراً تدل الواقعة على شيء آخر مخصوص بمحاكمة العالمين المذكورين وهو أن عدم تمكين هيئة الدفاع عنهما ومنع الوكيل والأصيل معاً من الأدلة المقدمة في القضية والتي قام عليها حكم الإدانة هو أمر مقصود متعمد، وجاء من خارج المحكمة، وأن الغرض من ذلك ليس إلا تجريد العالمين المغضوب عليهما من أي سلاح للدفاع عن نفسيهما في مواجهة التهم الملفقة والظالمة التي رميا بها وحتى يسهل على المحكمة إدانتهما وعقابهما بأشد العقوبات التي يوفرها القانون بسخاء كما سنرى لاحقاً.
إن بسط الأدلة بشفافية ومنح هيئة الدفاع الفرصة الكاملة لتقديم دفاع قانوني متمكن تناقش فيه هذه الأدلة بالمعايير القانونية وبعد دراسة وتمحيص كما يحدث في القضايا المعروضة على القضاء العادي كل ذلك ما كان للمحكمة أن تتمكن معه من إصدار حكم كالذي صدر عنها وكان محل استغراب معظم مَن سأل عنه
قال الأمام زيد بن علي عليه السلام ؛
من استشعر حب البقاء ،،، استدثر الذل إلى الفناء
من استشعر حب البقاء ،،، استدثر الذل إلى الفناء
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1041
- اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm
هوامشُ على مُحاكَمَة العَالِـمَينِ الجليلَينِ الديلمي ومفتاح 2
Tuesday, 14 February 2006
المحامي الوادعي: العالمان اتهما أمام محكمة غير التي تختص قانوناً بنظر خصومتهما ( 2)
} لا أظنُّ أني سأضيفُ جديداً على ما قاله الأستاذُ/ حسن محمد زيد عن الحُـكم الصادر ضدَّ العَالِـمَينِ الجليلَينِ العلاَّمة/ يحيى حسين الديلمي، والعلامة/ محمد مفتاح، فقد قال فيه وأوفى، ولهذا جعلتُ حديثي مجردَّ هوامش على الحُـكم تنبِهُ على تفاصيلَ لم يتسع البحثُ الرصين للأستاذ/ زيد لها.
إعداد: أحمد الوادعي
} وإذا كانت النيابةُ العامة قد بررت إلحاحَها الشديدَ على المحكمة بعدم تمكين الدفاع من تلك الأدلة بحُجة تعلقها بأسرار وطنية من شأن العلنية فيها الإضرارُ بالمصالح العليا فإن هذه التعلة ساذجة وزائفة، بدليل أن الحكمَ حين صدر كشف تلك الأدلةَ في شكلها وفي مضمونها، وصارت الآن علنيةً منذ إعلان المحكمة لحكمها على الكافة دون أدنى حرج!!، وبما في ذلك الوقائعُ والتي حرصت النيابة على عدم الإفصاح عنها في قرار الإتهام والذي فتحت به القضية (الخصومة).. وكان من الواضح أن النيابة وهي ترفع في وجه المحكمة الأسرارَ الوطنيةَ سبباً لعدم تمكين الدفاع من تصوير أوراق القضية كانت تقصُدُ واقعتين سبقت الإشارة إليهما آنفاً وحان أوانُ كشفهما وهما:
- سبق القول عند مناقشتنا لقرار الإتهام وما لابسه من جهالة وتجهيل أنه إتهم العَالِـمَينِ بالتخابُر مع دولة أجنبية، وقلنا: إن التهمة مجهولة. وكانت حجتنا في ذلك أن قرار الإتهام لم يحدد الدولة التي يقصُدُها وهو يحدد التهمة بالتخابُر.
- ورغم أن الحكمَ قبِلَ عُذرَ السرية خلال المحاكمة فمنع الدفاعَ من الوقوف على الأدلة حتى لا يُستدَلَّ منها على هذه الدولة إلا أن قبولـَه ذاك انقطع وأسقط السريةََ عند نهاية المحاكمة فذكَرَ الدولةََ التي أخفاها قرارُ الاتهام بالاسم!!، كما أخفى قرارُ الاتهام اسم الشخص الذي وُصف أنهما تخابرا معه، وقال هذه الجملة المبهمة (تخابرا مع مَن يعملون لمصلحتها) أي لمصلحة الدولة الأجنبية، ورغم أن المحكمةَ وافقت الإدعاءَ على سرية هذا الاسم إلا أنها عند الحكم كشفت هذا الاسم كما صنعت بشأن الدولة الأجنبية!!.
كما أن كشف هاتين الواقعتين تم أثناء المرافعة وقبل الحكم، وذلك عند تقديم أدلة الإثبات إلى المحكمة فذُكر اسمُ الدولة واسمُ الشخص بحضور جمع من الناس هم العساكرُ والمخبرون الذين تملأُ بهم قاعة الجلسات ومعهم المحامون الذين لا يخفون صلتهم بالأجهزة الأمنية والذين يُبعثون من متبوعيهم لسد حاجات المحكمة إليهم.
وهذا نـَصُّ ما جاء في الحُـكم:
} (وحيث أن البيِّنَ من أقوال المتهم الأول [يقصد يحيى الديلمي] أنه تواصَلَ مع سفير الدولة الإيرانية بصنعاء، ذاهباً إليه ستَّ مرات، إحداها كانت دعوى على غداء طلب بعده الدعمَ بحضور المتهم الثاني [يقصد محمد مفتاح]، فنصحه السفيرُ بإنشاء جمعيات، وأنه كان يتواصَلُ مع شخص يُدعى "علي جمير" موظف بالسفارة الإيرانية، وكان تليفون كل منهما مع الآخر) [ص٠٦ و١٦ الحكم].
ومما سبق يتضحُ أن السريةَ التي زعمتها النيابةُ وقبِلتها المحكمةُ كذلك سبباً لقرار المحكمة المتخصصة حرمانَ الدفاع من تصوير أدلة القضية قد اُخترعت لهذا الغرض فقط، وليس لأنها أسرارٌ حقيقيةٌ أو أن كشفـَها يضُرُّ بالمصلحة العُـليا للدولة!!، إذ لو كان الأمرُ كذلك بالفعل لما كشفت النيابةُ هذه (الأسرار!!) وهي تترافعُ أمام المحكمة، كما أن المحكمةَ المتخصصة أكثرُ حرصاً على أمن الدولة من النيابة وربما أكثر صلةً بها، فـلو كانت الوقائع من أسرار الدولة لما كشفتها المحكمة في حكمها!! على النحو الوارد في النص السابق، والذي كشف ما خبأته النيابةُ في قرار الإتهام بشأن دولة التخابر وموظفها.
وصفوةُ القول وما ترشح له الوقائعُ ودلالاتـُها السابقةُ أن الطابعَ السريَّ الذي أُضفي على أدلة القضية، وفكرة مَسِّها بأمن الدولة والمصالح العليا أدى دوره المطلوب وهو ليس الحفاظ على تلك المصالح كما يفترَضُ وإنما حَجْبُ الأدلة عن الدفاع ومنعُ اتصاله بها، وبتعبير آخر تجريد العَالِـمَينِ الجليلـَينِ من حقوقهما التي كفلها القانونُ وقبله كفلها الدستور الذي يقرر في المادة (٩١) منه أنه:
(حقُّ الدفاع مكفولٌ أصالةً أو وكالةً في جميع مراحل التحقيق والدعوى وأمام جميع المحاكم).
ويشهدُ الحكمُ الذي أصدره القاضي قادري في القضية أن هذا الهدفَ تحقق بالكامل، ولقد أدرك المحامون ذلك تمامَ الإدراك كما أدركه كذلك موكلاهم، ولذلك فضَّـلَت هيئةُ الدفاع -وهي مجموعة من أكفأ المحامين- الانسحابَ من القضية ومقاطعةَ هذا اللون من المحاكم، وفعل موكلاهم نفسَ الشيء، ولكن مقاطعةَ المحكمة لم تكن بسبب ذلك، وإنما أيضاً لقناعة راسخة بأن المحاكمَ المتخصِّصَةَ غيرُ دستورية وهذا جديرٌ ببسط القول فيه.
الهامشُ (٣)
إستثنائيةُ المحكَمة المتخصِّصة
> حين قررت هيئةُ الدفاع مقاطعة المحكمة المتخصصة وعدم الترافع أمامها أصدرت بذلك بياناً نُشر في وسائل الإعلام شرحت فيه الأسبابَ التي حملتها على هذا القرار، وكان من تلك الأسباب أن إنشاءَ هذه المحاكم تمَّ بالمخالفة للدستور ولقانون السلطة القضائية، وفوجئنا بتصريح على لسان »مصدر قانوني« نشرته »صحيفة النداء« في صدر صفحتها الأولى، وهي صحيفةٌ محل احترام من القراء وتتصف بالموضوعية والمصداقية، وتضمن التصريح تفنيدَ ما قاله البيانُ الصحفي لهيئة الدفاع عدم دستورية وقانونية المحكمة المتخصصة، وأشار المصدر في تصريحه إلى أن إنشاء هذه المحاكم يستند إلى نص قانوني ورد في قانون السلطة القضائية تضمن صراحةً جوازَ إنشاء محاكم متخصصة وبقرار من مجلس القضاء الأعلى، ورغم أن هذا التصريح (شوَّشَ) على موقف هيئة الدفاع إلا أننا لم نرد عليه وقتها والآن حان أوانُ الحديث في هذا الموضوع.
وقبل أن نلجَ إلى الموضوع نلفت نظرَ القراء إلى وقائع تقتضي الأمانةُ العلميةُ إحاطتـَهم بها وهي لا تزيدُ عن واقعتين هما:
الأولى: بعدَ أن أعلنت هيئة الدفاع لا دستورية المحكمة المتخصصة أجرى الإعلامُ الحكومي (الثورة، ٦٢ سبتمبر، القضائية) سلسلةَ مقابلات مع قضاة مختارين دافعوا خلالها عن المحاكم المتخصصة والتأكيد على دستوريتها.
والثانية: موقفُ نقابة صنعاء، قد أصدرت بياناً -خلال نظر القضية هذه- أكدت فيه عدم دستورية المحكمة المتخصصة وعممت على المحامين طلباً بمقاطعة المحكمة والإمتناع عن الترافع أمامها؛ كي لا تضفي عليها شرعيةً تفتقدُها من المنشأ.
كما أن المنظمات والهيئات الدولية المعنية والمتابعة للشأن اليمني وحماية حقوق الإنسان ترى في هذه المحكمة نسخةً أخرى من المحاكم الاستثنائية.
وبعدَ هذه التوطئة الضرورية نناقشُ طبيعةَ المحاكم المتخصصة على ضوء وبمعايير الدستور والقانون.
} ولهذا الغرض ننقل أحكامَ الدستور وأحكامَ القانون ذات الصلة بالموضوع بالنص؛ كي تتيسَّرَ للقارئ مشاركتـُنا في قراءتنا لهذه النصوص، وهل تتسع نصوصُهما لهكذا محاكم!!:
١- النص الدستوري: المادة (149): »القضاءُ وحدة متكاملة ويرتب القانونُ الجهات القضائيةَ ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها، كما يحدد الشروطَ الواجبَ توفرُها في مَن يتولى القضاءَ، وشروطَ وإجراءات تعيين القضاة، ونقلهم، وترقيتهم، والضمانات الأخرى الخاصة بهم، ولا يجوزُ إنشاءُ محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال«.
٢- النص في قانون السلطة القضائية النافذ والصادر عام 1991م مادة (٨):
أ- لا يجوزُ إنشاءُ محاكم استثنائية.
ب- يجوزُ بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناءاً على اقتراح من وزير العدل إنشاءُ محاكم قضائية متخصصة.
٣- نـَصُّ إنشاء المحاكم المتخصصة واختصاصاتها: (قرار جمهوري رقم [١٩٣] لسنة 1991م بإنشاء محكمة جزائية ابتدائية متخصصة وشُعبة جزائية استئنافية متخصصة).
مادة (١): تنشأ بأمانة العاصمة محكمة جزائية ابتدائية متخصصة وشُعبة جزائية استئنافية متخصصة يكون مقرُّها أمانةَ العاصمة وتتبعان تنظيمياً محكمةَ استئناف أمانة العاصمة.
مادة (٢): [عن اختصاصات المحكمة]:
أولاً: جرائمُ الحِرابة.
ثانياً: جرائمُ اختطاف الأجانب والقرصنة البحرية والجوية.
ثالثاً: جرائمُ الإضرار والإتلاف والحريق والتفجيرات التي تقع على أنابيب النفط والمنشآت والمرافق النفطية والاقتصادية ذات النفع العام.
رابعاً: جرائمُ سرق وسائل النقل العامة والخاصة التي تقومُ بها عصاباتٌ مسلحةٌ أو منظمةٌ أو التي تتم من فرد أو أكثر...الخ.
وعُدِّلت المادةُ بقرار جمهوري رقم (٨) لسنة 2004م، بإضافة فقرة سادسة تقول:
سادساً: الجرائمُ الماسَّةُ بأمن الدولة، والجرائمُ بالغةُ الخطورة الاجتماعية والاقتصادية.
مادة (٤): يشمَلُ الإختصاصَ المكاني للمحكمة الجزائية المتخصصة الجرائمَ التي تقع داخل إقليم الجمهورية اليمنية أو أجوائها أو مياهها الإقليمية.
مادة (٥): تعقدُ المحكمةُ جلساتها في أمانة العاصمة أو في أي مكان داخل الجمهورية.
مادة (٦): تـُتـَّبَعُ في إجراءآت المحاكمة القواعدُ والإجراءاتُ المتعلقةُ بالمحاكمة المستعجلة المنصوص عليها في المواد [296]، وما بعدُ من قانون الإجراءات الجزائية.
سنقرأ هذه النصوصَ بمنهج يأخذ في تحديد دلالاتها بالسياق العام التي تندرج فيها هذه النصوص، كما يأخذ في اعتباره المقاصدَ والغايات التي تغيّاها المشرعُ عند وضعه النصَّ سواء المشرع الدستوري أو المشرع العادي الشامل للقوانين واللوائح والقرارات، وخلال ذلك لن نهملَ ظواهرَ النصوص وما يدل علىه منطوقـُها بمجرده وعلى نحو يقيني ويسميه علماء القانون التفسير اللفظي.
وباعتبار الدستور القانون الأسمى، فإن ما أرساه من قواعد تعتبَرُ حاكمةً على كل التشريعات الأدنى مرتبةً منه بما في ذلك القوانين، كما أن الخطابَ في الدستور موجَّهٌ بالأساس إلى المشرّع العادي وهو الهيئة التشريعية (البرلمان) المولج بسن القوانين، ومن ثم فإن هذا الأخير ملزَمٌ أن يتقيَّدَ في سنه القوانين بمحددات الدستور في قواعده ونصوصه، وفي المقاصد والغايات التي تقصَّدَها أو تغيَّاها، وكُلُّ نصوص وأحكام القوانين يجبُ أن تتسقَ مع الدستور في دلالاته السابقة كلها، ولا يجوزُ للمشرِّع العادي وتحتَ أيِّ ظروف أو اعتبارات أن يمارسَ وظيفتـَه في سن القوانين بما يتجاوزُ ملزومات الدستور له، ولو كان ذلك لدواعٍ تتصلُ بالمصالح العليا للبلاد؛ لأن المشرِّعَ الدستوري أعلمُ وأحرصُ على تلك المصالح.
ومبدأُ حضْرِ المحاكم الاستثنائية وجعل كل القضايا من ولاية القضاء العادي لم يأتِ من فراغ وإنما في سياق تأريخي لا يجهلـُه أحد.. ومختصَرُ القول فيه: إن اليمنَ عانت كثيراً من الظلم والعَسَف وإهدار حقوق الإنسان في ظل نظام مَحاكم الثورة أو مَحاكم أمن الدولة الذي عرفه اليمنيون ردحاً من الزمن، وفي صنعاء وعدن حتى عشية الوحدة عام ٠٩٩١م، ومع الوحدة ودستورها الخاص هلت الديموقراطية بما تعنيه من تعددية حزبية وتداول السلطة بطريقة الانتخاب، وكفالة الحقوق والحريات العامة، وفي ظل هذه الظروف والمستجدات وانتقال البلد من عهد الشرعية الثورية إلى عهد الشرعية الدستورية لم يعد نظامُ مَحاكم أمن الدولة يتناسبُ وهذه المستجدات التي معها بدَتْ اليمنُ في صباحية الوحدة أنها بسبيل إنجاز تغييرات جذرية في حياتها.
وفي هذا السياق انبثق مبدأُ حضْر إنشاء محاكم استثنائية أياً كانت تسميتـُها، وهذه النشأةُ يجبُ أن تظلَّ في الاعتبار عند تفسير النصوص التي لها صلة بهذا الحضر، فهي تكشفُ أن الغايةَ منها تكريسُ هذا الحضر ولا يمكن بل ولا يجوز أن يتجاوزه أي نص مهما كان مصدرُه أو موضوعُه، وقد أحسن الدستور صُنعاً حين استخدم عبارة »المحاكم الاستثنائية« دون غيرها؛ لأن هذا التعبير يتسم بالعموم، بحيث يطاول كلَّ شكل من أشكال المحاكم الشبيهة بمحاكم أمن الدولة سواء منها ما عرفته المنطقة العربية مثل محكمة الثورة، ومحكمة الطوارئ، ومحكمة القيَم، والمحكمة العسكرية، أو تلك التي تتخذ تسمياتٍ أخرى غيرَ ما عرفته المنطقةُ بما في ذلك المحاكم المتخصصة التي أُنشئت أخيراً في هذه البلاد.
ويبدو أن ما حمل البعضَ على اعتناق رأي ينأى بالمحاكم المتخصصة عن المحاكم الاستثنائية، والزعم بدستوريتها هو المسلكُ الذي نهجه قانونُ السلطة القضائية في معالجة الأمر، فقد لاحظنا في المادة (٨) من هذا القانون أن المشرعَ العادي جعلها من فقرتين [أ] و[ب]، وفي الأولى قرر المبدأ الدستوري حضْر إنشاء محاكم استثنائية، وفي فقرة [ب]، أباح إنشاءَ محاكم متخصصة بقرار من مجلس القضاء، فاستنتج القرارُ أصحاب الرأي المذكور بأن إنشاءَ المحاكم المتخصصة استند إلى نص قانوني صحيح، فهي بالتالي شرعيةٌ خاصةٌ وأن الدستورَ قرَّرَ في المادة (٠٥١) ذاتها أن القانونَ هو الذي يحدِّدُ الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها.
وهذه قراءة مغلوطة ولا تجوز من شخص ذي حصيلة قانونية، إذ لا تستقيمُ هذه القراءة إلا إذا جعلنا الحُـكمَ الذي تضمنته الفقرةُ [ب] وهو جواز إنشاء محاكم متخصصة بقرار من مجلس القضاء الأعلى استثناءً من حكم الفقرة [أ] الذي يحضرُ إنشاءَ محاكم استثنائية، وهذه معناه أنهم مقرون معنا بأن المحاكم المتخصصة إنما هي محاكم استثنائية بصرف النظر عن التسمية.
ونحن نوافقُهم في هذه الجُزئىة وهو الطابع الاستثنائي لتلك المحكمة ولكن لا نوافقهم على الطريقة التي توصّلوا بها الى هذا الاستنتاج، فالنتيجة صحيحةٌ مائة بالمائة، ولكن المقدمات السابقة عليها فاسدة بالمرة.
وتفصيلُ ذلك أن الاستثناءَ الواردَ في الفقرة [ب] من المادة السابقة لا ينصب على الفقرة [أ] السابقة عليها فلا شيء أن يتم الاستثناءُ أو التخصيصُ للعام، أو التقييدُ للمطلق بين نصوص القانون، إنما الذي لا يجوزُ أن يقيِّدَ القانونُ حُـكماً أو أحكاماً واردة في الدستور، فالنصُّ في فقرة [ب] من القانون الذي أجاز محاكم متخصصة بقرار من مجلس القضاء يعتبر قيداً أطلقه الدستورُ في المادة (150) حين قال : (ولا يجوزُ إنشاءُ محاكم إستثنائىة بأي حال من الأحوال)... وهذا منعٌ بالمطلق، ويتأكد هذا الإطلاق في الدستور بصورة مركبة، إذ يكفي لتحقيق الحكم بالمطلق قولـُه: (ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية)، لكن إزالة لأي لبس وتأكيداً للإطلاق السابق أضاف الدستور »بأي حال من الأحوال«، وكأني بالدستور كان يتوقعُ أن يأتيَ يوم فيُنشئ منشئ محاكم استثنائية ولكن باسم مختلف كالمحاكم المتخصصة فأراد الدستورُ أن يغلقَ هذا الباب بالقفل والضبة معاً، فأكد الإطلاق أو عدمَ الجواز مرتين.
ولكن الذين يرون شرعيةً دستوريةً للمحكمة المتخصصة لا يستندون في ذلك إلى الدستور، وإنما إلى الفقرة [ب] من قانون السلطة القضائية التي أجازت إنشاءَ محاكم متخصصة ولكي يستقيم حجاجُهم يردفون ذلك بالقول: إن هذه المحاكم ليست محاكم استثنائية.
وهذا التخريجُ التبريري لهذه المحاكم يقومُ على دعامتين تعين علينا مناقشتـُهما على ضوء الدستور والقانون وهما:
- كفاية الفقرة [ب] المذكورة آنفاً كأساس شرعي للمحكمة المتخصصة.
- وأن هذه المحكمة ليست استثنائية.
وبما أن الدعامة الأولى تنهارُ من تلقاء نفسها إذا تبينت مصداقية الطابع الاستثنائي للمحاكم المتخصصة فإننا سندغم الدعامتين في كيان واحد ومن ثم نتحدث عنهما معاً.
أولاً: يقرر الدستور في المادة (150) التي أوردنا نصها في صدر هذا الحديث أن إنشاء وتحديد درجات المحاكم واختصاصاتها يتم بطريق القانون: (ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها..).
ومعنى ذلك أن إنشاءَ المحاكم وتحديدَ اختصاصاتها ودرجاتها لا يجوزُ أن يكونَ بناءاً على قانون ولا بلائحة أو قرار وإنما ذلك يصدُرُ به قانون من المشرع العادي المولج دستورياً بسن القوانين، وهذا يطابقُ مبدأً من أهم مبادئ الشرعية الدستورية هو مبدأ (الانفراد التشريعي).
والمقرر في المادة (62) من الدستور التي تقول: »مجلسُ النواب هو السلطة التشريعية وهو الذي يقرر القوانين«.
ومن النصين يتبين أن المشرِّعَ وحدَه هو المختصُّ بإنشاء المحاكم وتحديد اختصاصاتها، وأنه لا يجوزُ أن تسطوَ السلطةُ التنفيذيةُ على سُلطة مجلس النواب في التشريع، كما لا يجوزُ للسلطة التشريعية (مجلس النواب) أن تتنازلَ عن سُلطتها هذه للسلطة التنفيذية أو تتنصلَ منها.
وإذا كان ذلك في أي شأن من الشؤون فإنه أولى في مجال الحقوق والحريات؛ لأن مبدأَ (انفراد التشريع) يهدفُ -كما تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية- إلى أن يكونَ تنظيمُ ممارسة الحقوق والحريات ورسمُ حدودها بواسطة الشعب والحيلولة دون تدخل السلطة التنفيذية في المساس بهذه الحقوق والحريات دون موافقة السلطة التشريعية الممثلة للشعب، فـالتشريعُ: هو التعبيرُ عن موافقة الشعب عما يمكنُ القيامُ به في مجال يتعلقُ به وحدَه وهو الحقوق والحريات. (أحكام الدستورية العليا في يناير 1991م 31 لسنة 17).
والقضيةُ التي نحن بصددها تقعُ في صُلب الحقوق والحريات؛ لأن ما نشكوه فيها ويشكوه العالمان (الديلمي ومفتاح) هو أنهما يُحاكمان أمامَ غير قاضيهما الطبيعي، والقضاءُ الطبيعيُّ يقومُ على دعامتـَين كُلٌّ منهما تكمِّـلُ الأخرى، وهما استقلال القضاء والمساواة أمام القضاء، وكلاهما من أهم ضمانات الحقوق والحريات كما هو معلوم.
فمن حيث استقلال القضاء لا يجوزُ أن يخضَعَ القاضي إلا للقانون الذي يستمدُّ منه شرعيتـَه وولايتـَه دونَ تدخل في اختصاصه بنزع القضية من يد قاضيها المختص بنظرها قانوناً وإعطائها لقاضٍ أو محكمة أخرى أي تنحية قاضٍ عن قضيته وإعطاء الاختصاص لغيره بطريق التحكم.
وأما بشأن مبدأ المساواة أمام القضاء فهذا يتجسدُ في أن يحاكَمَ كُلُّ المواطنين أمامَ قضاء واحد هو القضاءُ الطبيعي ووفق مقاييس واحدة دون تمايز بحيث تتكافأ مراكزهم القانونية.
وهذا كُـلـُّه لا يتوفرُ في حق العَالِـمَينِ الجليلينِ فقد أُتهما أمام محكمة غير التي تختصُّ قانوناً بنظر خصومتهما وهي المحكمةُ التي يقعُ موطنُ كل واحد منهما في دائرتها أي أمام غير القاضي الطبيعي لكل منهما؛ لأن العلامة/ الديلمي يسكُنُ صنعاء القديمة وقاضيه الطبيعي محكمة شرق الأمانة، بينما العلامة/ مفتاح يسكُنُ الروضة (بني الحارث) فقاضيه الطبيعي محكمة بني الحارث التابعة لمحافظة صنعاء وليس للأمانة التابع لها القاضي الطبيعي لزميله في القضية، أما غيرُهما من مواطنين دائرتهما يُحاكمان أمام محكمة شرق الأمانة -بالنسبة للأول أو أمام محكمة بني الحارث بالنسبة للثاني، وهما يُحاكمان أمام المحكمة المتخصصة، وهذا إهدارٌ كلي لمبدأ المساواة أمام القضاء.
ثانياً: تبين مما سبق أن الفقرة [ب] من المادة (٨) من قانون السلطة القضائية قد خولت مجلسَ القضاء الأعلى سلطة إنشاءَ محاكم متخصصة، ووفقاً لما قلناه سابقاً عن المبدأ الثابت في الدستور اليمني وهو مبدأُ »الإنفراد التشريعي« لمجلس النواب، فإن هذا المجلسَ حين أوكل الى مجلس القضاء إنشاءَ مثل تلك المحاكم يكونُ قد خرَقَ المبدَأَ المذكورَ وتنازَلَ عن سُلطته في التشريع لغيره!!!!، وقد رأينا سابقاً أن هذا ليس من حق المجلس ليس اقتضاءً لمبدأ الانفراد التشريعي فحسب، وإنما اقتضاءٌ ايضاً للمادة(150) من الدستور التي قررت أن إنشاءَ المحاكم وتحديدَ اختصاصاتها يكونُ بقانون وإنشاءُ المحاكم بقرار من مجلس القضاء الأعلى مؤداه إنشاؤُها بلائحة أو بقرار وليس بقانون.
وبناءاً على ما سبق فإن الفقرة [ب] من المادة (٨) من قانون السلطة القضائية والتي يعتمدُ عليها قلةٌ من رجال القانون ومعهم جُلُّ قضاة اليمن الأجلاء في القول بدستورية المحاكم المتخصصة هي مادة مخالفة مخالفةً صريحةً لمادتين من الدستور هما المادة (٦٢) التي حكرت سلطةَ القوانين على مجلس النواب، والمادة (150) التي منعت إنشاءَ محاكم وتحديد اختصاصاتها بغير طريق القانون، وعدم جواز عمل ذلك بطريق قرار أو بلائحة تصدرُها السلطةُ التنفيذية.. وتأكيداً للطابع الاستثنائي للمحكمة المتخصصة نعرض بالقول المختصر لنشأة هذه المحكمة.
ثالثاً: في ٧١/١١/٩٩٩١م أصدر فخامة المشير/ علي عبدالله صالح قراراً تحت رقم (391) قضى بإنشاء محكمة جزائية ابتدائية متخصصة وشعبة جزائية استئنافية متخصصة، وفي ٠٢/٤/٤٠٠٢م أصدر قراراً أضاف مادة واحدة إلى قراره السابق.
ويتكوّنُ القرارُ مع الزائدة المتأخرة من (٢١) مادة، الأولى منها عن التأسيس، والثانية عن تكوين المحكمة، والثالثة وتتكون من سبع فقرات مكرسة لتحديد اختصاصات المحكمة، أما بقية الفقرات (وهي تسع) فموضوعُها الوحيدُ هو الإجراءات الخاصة بهذه المحكمة.
ونشيرُ هنا إلى الخـُطوط العامة لمضمون هذا القرار بما يكفي للحُكم عليه مع بيان مصادمة أحكامه للدستور أو القانون.
} ١- تحدِّدُ المادةُ (٣) اختصاصات المحكمة الابتدائية المتخصصة، ويشملُ اختصاصُها الحرابةَ والخطفَ والقرصنةَ بأنواعها وجرائمَ الإتلاف والحريق والتفجير للمنشآت والمرافق الاقتصادية، وسرقَ وسائل النقل بالقوة أو بواسطة عصابات، وعصابةَ التعدي على الأراضي، والإعتداءَ أو الإختطافَ لرجال القضاء وأسرَهم والجرائمَ الماسة بأمن الدولة الجرائم ذات الخطورة اجتماعياً أو اقتصادياً...الخ.
ومن الواضح أن مجمَلَ هذه الاختصاصات يشكّلُ قائمةً طويلةً من الجرائم جميعُها سُحبت من اختصاص المحاكم العادية بقرار إداري »بجرة قلم!!« فـالقرارُ خالَفَ قواعدَ الاختصاص المقررة في ثلاثة قوانين ودفعة واحدة، فهو خالف المادة (١٣٢) من قانون الإجراءات التي تقولُ بأن المحاكم الابتدائية تختص وحدَها بالفصل في جميع الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصها، وخالف المادة (٩٨ فقرة -أ) من قانون المرافعات وتقرر اختصاص المحكمة الابتدائية بجميع الدعاوى أياً كان نوعُها.
وخالف قانون السلطة القضائية في مادته (٧٤) وتقول: »تكونُ للمحكمة الابتدائية الولايةُ العامة للنظر في جميع القضايا«.
وهذه النصوصُ القانونيةُ التي أهدرها قرارُ إنشاء المحكمة المتخصصة جاءت تطبيقاً للمبدأ الدستوري الذي منع إنشاءَ محاكم استثنائية، إذ مقتضى هذا المنع وغاية الدستور منه هو شمول اختصاص القضاء العادي جميع الجرائم أياً كان نوعها أو جسامتها.
ووجهُ مخالفة القانون يكمُنُ في أنه نزَعَ جملةً من الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العادية بحكم القانون!!، وجعلها من اختصاص هيئة أخرى بطريق قرار إداري صادر عن رئيس الجمهورية!!.
وفضلاً عن ذلك وأهم منه خالف الدستور، فقد رأينا سابقاً أن الدستور جعل لتحديد اختصاصات المحاكم طريقة واحدة هي القانون، ومفهومُ المخالفة للمبدأ الدستوري المذكور عدمُ جواز وعدمُ شرعية أي هيئة حُـكْم يتحدَّدُ اختصاصُها بطريق ما هو أدنى مرتبةً من القانون كاللائحة والقرار سواء كانا من إصدار السلطة التنفيذية أو غيرها من سلطات الدولة.
ومن الطبيعي أن شرطَ الدستور تحديدَ اختصاصات المحاكم القضائية بطريقة القانون معناه أنه أسند سُلطةَ تقرير هذه الاختصاصات إلى السلطة التشريعية حصراً، وبما أن قرارَ إنشاء المحكمة المتخصصة صادرٌ عن السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية فإن معنى ذلك وبدون أدنى شك أن القرارَ يمثلُ اعتداءً صريحاً من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، واغتصاباً لسلطاتها الدستورية.
ومما سبق يتضحُ أن الطابعَ الاستثنائي للمحكمة المتخصصة لا يرجعُ إلى منشأها بخصوصه، وإنما الشذوذ طاوَلَ اختصاصاتها، وبعبارة أخرى لا يرجع طابعها الاستثنائي إلى شكلها، وإنما أيضاً إلى مضمونها فهي استثنائيةٌ في قالبها وفي قلبها على السواء، ومن ثم فـوجودُها لا يصادمُ نصوصَ الدستور، وإنما يجافي أيضاً روحَه ويصادمُ غاياته؛ وذلك لأن الدستور وإن لم ينص صراحةً على مبدأ الفصل بين السلطات، إلا أن ذلك كان الناظم لمعظم نصوصه إن لم تكن كلها، ولا شك أن القرار الذي نناقشه هنا من أهم النماذج الزاخرة بها حياتنا للمستوى المتدني الذي بلغه مبدأُ الفصل بين السلطات ومدى العبث الذي يتعرض له من قبل السلطة التنفيذية.
٢- والمادة (٤) من قرار إنشاء المحكمة المتخصصة مكرسةٌ لتحديد الاختصاص المكاني لها، وجعلته شاملاً لكل الجرائم التي تقع في إقليم الجمهورية اليمنية أو أجوائها أو مياهها الإقليمية تماماً كما هو حال كل المحاكم الاستثنائية طبيعةً لصيقةً بها لا تعفي حتى المحكمة المتخصصة ذاتها.
وإذا قسنا الاختصاصَ المكاني المقدر قانوناً لجميع المحاكم الجنائية العادية في البلاد على الاختصاص المكاني الذي حدده هذا النصُّ للمحكمة الجنائية المتخصصة -بطريقة القياس المنطقي والواقعي- سنجد أن الإختصاصَ المكاني الذي أعطته هذه المادة للمحكمة المتخصصة على سعة الجمهورية هو أبرزُ مظاهر الطابع الاستثنائي!! والاستثنائي جداً لهذه المحكمة!!، إذ كلُّ محكمة جنائية عداها لها اختصاصٌ مكاني محدودٌ، فهو بحسب المادة (٤٣٢) من قانون الإجراءات والذي يحدد الاختصاص المكاني للمحاكم الجنائية، إما بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة، أو الذي يقيم فيه المتهم، أو قـُبض عليه فيه، وكل هذه الأماكن محدودة لا يتسع أيٌّ منها لليمن كله.
إن من أهم صفات المحاكم الاستثنائية أنها لا تخضَعُ لقواعد الإجراءات المتبعة أمام محاكم القانون العام بما في ذلك قواعد الإجراءات المتعلقة بالإختصاص المكاني وغير المكاني، فكان من الطبيعي وقد قررت السلطةُ التنفيذية عام ٩٩٩١م استعادةَ نظام المحاكم الاستثنائية التي ألغاها دستورُ الوحدة قبل ذلك أن يأتيَ اختصاصُ المحاكم المتخصصة على هذا النحو المجافي للدستور وللقوانين في أهم حقوق المتهم المكفولة له حتى تتسق مع الغاية من إنشاء المحكمة المتخصصة!!.
٣- وما دامت المحكمةُ المتخصصةُ من جنس المحاكم الاستثنائية فإن القرارَ المنشأَ لها استقصى لها كلَّ خصائص تلك المحاكم سيئة السُمعة!!، فالمادة (٥) من القرار المذكور أجازت للمحكمة أن تعقدَ جلساتها في أي مكان من أراضي الجمهورية اليمنية، وهذا لا تملكُه أيةُ محكمة في اليمن سواء محاكم الموضوع (الابتدائية، والاستثنائية)، أو محكمة القانون وهي المحكمة العليا، فقانون المرافعات وهو الشرعةُ العامة المنظـِّمُ لإجراءات الترافع أمام المحاكم سواء منها المحاكم المدنية أو الجنائية يوجبُ على المحكمة (م ٧٥١) أن تعقدَ جلساتها في مبنى المحكمة وفي القاعة المخصصة لتلك.
ولم يُجِزْ لها أن تعقدَ جلساتها خارج مبنى المحكمة إلا على سبيل الاستثناء وبشرطَين:
أولهما: أن تدعوَ الضرورةُ لذلك، كأن يتعذر على المحكمة عقدُ جلستها في مبناها لدواعي الأمن أو لأية ضرورة ملجئة أخرى.
ثانيهما: أن يتمَّ ذلك بإذن مُسبق من وزير العدل.
فالأصلُ أن تعقدَ المحكمةُ جلساتها في مقرها ويجوزُ عقدُها في مكان آخر على سبيل الاستثناء، لكن المحكمة المتخصصة بحسب النص تعقد جلساتها في أمانة العاصمة أو في مكان (مناسب) بحسب قرار إنشائها!!، فـكلُّ مكان في الجمهورية صالحٌ لانعقادها وعلى السواء في ذلك، فليست مقيَّدةً بشرط الضرورة، وإذن وزير العدل كمحاكم القضاء العام!!، فهي استثناءٌ منها -كما أكدنا مراراً- ومع ذلك يُعابُ علينا إذ ننعتها بأنها محكمة استثنائية، بل إن في زملائنا المحامين مَن جهلنا بسبب ذلك.
٤- ويأبى قرارُ إنشاء المحكمة المتخصصة إلا أن يتوِّجَها في خاتمته بتاج الاستثنائية الذي تتوجت به محاكم الثورة، وأمن الدولة، ومحكمة الشعب وسائر المحاكم الاستثنائية بمختلف مسمياتها!!، وذلك في المادة (٦) من القرار التي دمغتها بالميسم الأبرز للمحاكم الاستثنائية والخاص بالإجراءات الواجبِ اتباعُها أمام المحكمة المتخصصة.
تقول المادة المذكورة: »تـُتـَّبَعُ في إجراءات المحاكَمة القواعدُ والإجراءاتُ المتعلقة بالمحاكمة المستعجلة المنصوص عليها في المواد (٦٩٢) وما بعدها من قانون الإجراءات«.
ودلالةُ هذا النص على الطابع الاستثنائي للمحكمة المختصة واضحةٌ، ولا تحتاج إلى مزيد بيان، فـهذه المحكمةُ تنظـُرُ القضايا أمامها بأقصى سُرعة، وهو ما يعني أنها تتبعُ في ذلك إجراءات غيرِ تلك المتبعة في المحاكم العادية!!، ويتفق الفقهاء أن أهمَّ ما يميِّزُ المحاكمَ الاستثنائية عن القضاء العادي يرجعُ إلى أن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الاستثنائية تختلفُ عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العادية (المرافعات، فتحي وإلى ص ٦٩٣)، والاستعجالُ الذي وسمَ به قرارُ الرئيس المحاكم المتخصصة معناه أن الإجراءات المتبعةَ أمامَها لا تـُـراعَى فيها حُقوقُ المتهم وحُريته في الدفاع!!، كما هو الشأنُ في المحاكم العادية، وهذا ما قرره قانونُ الإجراءات الذي أحال إليه قرار إنشاء المحكمة المختصة، فالمادة (٩٩٢) إجراءات حددت معنى الاستعجال في نظر الدعوى الجزائية بأن المقصودَ به أن تنظرَ المحكمة الدعوى فورَ إحالتها إليها، وبالأقصى بعد أسبوع من الإحالة، وأن تنظرَها في جلسات متعاقبة وتفصُلَ فيها على وجه السرعة، وهذه الإجراءاتُ تختلفُ كليةً عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العادية!!، فالسرعةُ أمام هذه الأخيرة من أخطر معايب الإجراءات وما يطلبُه القانونُ من المحكمة على العكس من ذلك هو التؤدة والبحثُ المتأني والمستقصي عن الحقيقة، وإفساحُ المجال واسعاً أمام المتهم كي يدافعَ عن نفسه، ولذلك قررت المادة (٨٦٢) إجراءات وجوب مَدِّ الجلسات إلى أن تنتهيَ المحاكمة، وإذا اقتضت الدواعي تأجيلـَها أو وقفـَها وجب المصيرُ إلى ذلك.
ومجملُ القول في ذلك: إن الغايةَ من القضاء العادي الوصول إلى الحقيقة بينما غاية القضاء الاستثنائي الزجر والردع!!، ولذلك السرعةُ في الإجراءات مطلوبةٌ للأخيرة بينما هي معوِّقٌ كبيرٌ بالنسبة للمحكمة العادية.
٥- واستكمالاً للطابع الاستثنائي للمحكمة المتخصصة ينص قرارُ إنشائها في المادة (٩) منه على أن »تكونَ للمحكمة مخصصاتٌ ماليةٌ مستقلةٌ بما يفي بحاجاتها«!!!!.
ويكفي تعليقاً على هذا النص أن نضَعَ خطاً بالبنط الكبير تحت كلمتي (مستقلة)، و(بما يفي بحاجاتها)، ثم نتذكر أن المحكمةَ المتخصصةَ وحدَها من بين سائر المحاكم في الجمهورية لها مالية مستقلة، وبما يفي بكامل احتياجاتها، وهذا الاستثناءُ العريضُ الطويلُ للمحكمة المتخصصة ودونَ غيرِها من المحاكم لم يُقنعْ بعضَ قومنا بأن هذه محكمةٌ استثنائيةٌ!!.
رابعاً: تلك لائحةٌ بالمكونات الأساسية للمحكمة المتخصصة: نشأتها- أصل مشروعيتها- اختصاصاتها، الإجراءآت المتبعة أمامها، ومنها تبيُّنُ خصائصها الاستثنائية بكامل بشاعتها!!، وبقي لها ذيولٌ أهَمُّها:
١- في البدء نقفُ عند تسميتها والتي قـُصد بها التلبيسُ على الناس بشأن الطبيعة الحقيقية لها، إذ يوهمُ الاسمُ أنها من قبيل القاضي المتخصص المعروف في بعض الأنظمة القضائية، ولا يُعابُ عليها فيه بنقيصة الاستثنائية، وهذا فيه نظرٌ، إذ لا عبرة بالاسم وإنما العبرةُ بحقيقة المسمى، وقد أبانت اللائحة السابقة التي عرضت لأهم ما تضمنه القرار الجمهوري بإنشائها أن هذه المحكمة جمعت أهم خصائص المحاكم الاستثنائية.
٢- ونزيد على ما سبق فنزن المحكمة المختصة بالمعيار السائد لدى فقهاء القانون والذي يميزون به بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية الموازية لها، ولهم في ذلك عدة معايير وأهمها -فيما نحسب- معيار المصالح وهو المعيار الذي أخذ به الدكتور/ فتحي والي (مرجع سابق ص ٦٩١) مأخوذاً من فقيه فرنسي اسمه (كيوفوندا) وآخرين ويقوم على أساس المصالح التي يحميها قضاء المحكمة، فإذا كان يحمي المصالح العادية التي تهم عموم الأشخاص فهي محكمة عادية، أما إذا كان قضاء المحكمة يحمي مصالح خاصة ذات وصف محدد أو تتعلق بشريحة معينة من الأشخاص فهي محكمة استثنائية، فالصلة بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية كالصلة بين القاعدة العامة والاستثناء.
وبتنزيل الاختصاصات المناطة بالمحكمة المتخصصة والسابق ذكرها على المعيار المذكور نجده ينطبق عليها تمام الانطباق فهي لا تحمي المصالح التي تهم عموم المواطنين مباشرة وإنما معنية بحماية مصالح خاصة تتصل بأمن الدولة؛ لأن الجرائم التي تفصل فيها تقع على خلفية هذه المصالح مثل الحرابة، والقرصنة البحرية والجوية، والجرائم الماسة بأمن الدولة، وجرائم إتلاف أو تفجير المنشآت النفطية والاقتصادية، وجرائم التعدي من قبل عصابات منظمة على الأملاك العامة أو المواصلات العامة...الخ.
وخيرُ نموذج تطبيقي لما سبق تقدمه قضية العَالِـمَينِ الفاضلين الديلمي وابن مفتاح، فالتهم التي وجهتها إليهما المحكمة تستند إلى المواد (١٢١، ٨٢١، ٩٢١، ١٣١، ٥٣١، ٦٣١) من قانون العقوبات وجميع هذه المواد تقع في الباب الأول من الكتاب الثاني المعنون (في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة) ومثل ذلك القضايا التي سبق للمحكمة المتخصصة أن فصلت فيها، ومن أشهرها قضايا المدمرة الأمريكية (كول) والفرقاطة الفرنسية (ليمبرج) وجرائم الإرهاب التي حوكم بشأنها أتباع القاعدة..
وحتى لو أخذنا المعايير التي قال بها فقهاء آخرون وهم يميزون بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية فلن تخرُجَ المحكمةُ المتخصصة عن ذلك قيد شعرة فبعضُهم يأخذ بمعيار طبيعة الإجراءات المتبعة أمامها أو طبيعة قضاتها، فالإجراءاتُ تكونُ مستعجلةً ولا تحفل بحقوق الدفاع وهذا موجودٌ في المحكمة المتخصصة بأوفر ما يكون وغالباً ما يكونُ قضاتـُها من العسكريين وقضاة محكمتنا ليسوا عن ذلك ببعيد إذا أخذنا السيرة الظل لقضاتها بدرجتيها.
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 79&Itemid=
Tuesday, 14 February 2006
المحامي الوادعي: العالمان اتهما أمام محكمة غير التي تختص قانوناً بنظر خصومتهما ( 2)
} لا أظنُّ أني سأضيفُ جديداً على ما قاله الأستاذُ/ حسن محمد زيد عن الحُـكم الصادر ضدَّ العَالِـمَينِ الجليلَينِ العلاَّمة/ يحيى حسين الديلمي، والعلامة/ محمد مفتاح، فقد قال فيه وأوفى، ولهذا جعلتُ حديثي مجردَّ هوامش على الحُـكم تنبِهُ على تفاصيلَ لم يتسع البحثُ الرصين للأستاذ/ زيد لها.
إعداد: أحمد الوادعي
} وإذا كانت النيابةُ العامة قد بررت إلحاحَها الشديدَ على المحكمة بعدم تمكين الدفاع من تلك الأدلة بحُجة تعلقها بأسرار وطنية من شأن العلنية فيها الإضرارُ بالمصالح العليا فإن هذه التعلة ساذجة وزائفة، بدليل أن الحكمَ حين صدر كشف تلك الأدلةَ في شكلها وفي مضمونها، وصارت الآن علنيةً منذ إعلان المحكمة لحكمها على الكافة دون أدنى حرج!!، وبما في ذلك الوقائعُ والتي حرصت النيابة على عدم الإفصاح عنها في قرار الإتهام والذي فتحت به القضية (الخصومة).. وكان من الواضح أن النيابة وهي ترفع في وجه المحكمة الأسرارَ الوطنيةَ سبباً لعدم تمكين الدفاع من تصوير أوراق القضية كانت تقصُدُ واقعتين سبقت الإشارة إليهما آنفاً وحان أوانُ كشفهما وهما:
- سبق القول عند مناقشتنا لقرار الإتهام وما لابسه من جهالة وتجهيل أنه إتهم العَالِـمَينِ بالتخابُر مع دولة أجنبية، وقلنا: إن التهمة مجهولة. وكانت حجتنا في ذلك أن قرار الإتهام لم يحدد الدولة التي يقصُدُها وهو يحدد التهمة بالتخابُر.
- ورغم أن الحكمَ قبِلَ عُذرَ السرية خلال المحاكمة فمنع الدفاعَ من الوقوف على الأدلة حتى لا يُستدَلَّ منها على هذه الدولة إلا أن قبولـَه ذاك انقطع وأسقط السريةََ عند نهاية المحاكمة فذكَرَ الدولةََ التي أخفاها قرارُ الاتهام بالاسم!!، كما أخفى قرارُ الاتهام اسم الشخص الذي وُصف أنهما تخابرا معه، وقال هذه الجملة المبهمة (تخابرا مع مَن يعملون لمصلحتها) أي لمصلحة الدولة الأجنبية، ورغم أن المحكمةَ وافقت الإدعاءَ على سرية هذا الاسم إلا أنها عند الحكم كشفت هذا الاسم كما صنعت بشأن الدولة الأجنبية!!.
كما أن كشف هاتين الواقعتين تم أثناء المرافعة وقبل الحكم، وذلك عند تقديم أدلة الإثبات إلى المحكمة فذُكر اسمُ الدولة واسمُ الشخص بحضور جمع من الناس هم العساكرُ والمخبرون الذين تملأُ بهم قاعة الجلسات ومعهم المحامون الذين لا يخفون صلتهم بالأجهزة الأمنية والذين يُبعثون من متبوعيهم لسد حاجات المحكمة إليهم.
وهذا نـَصُّ ما جاء في الحُـكم:
} (وحيث أن البيِّنَ من أقوال المتهم الأول [يقصد يحيى الديلمي] أنه تواصَلَ مع سفير الدولة الإيرانية بصنعاء، ذاهباً إليه ستَّ مرات، إحداها كانت دعوى على غداء طلب بعده الدعمَ بحضور المتهم الثاني [يقصد محمد مفتاح]، فنصحه السفيرُ بإنشاء جمعيات، وأنه كان يتواصَلُ مع شخص يُدعى "علي جمير" موظف بالسفارة الإيرانية، وكان تليفون كل منهما مع الآخر) [ص٠٦ و١٦ الحكم].
ومما سبق يتضحُ أن السريةَ التي زعمتها النيابةُ وقبِلتها المحكمةُ كذلك سبباً لقرار المحكمة المتخصصة حرمانَ الدفاع من تصوير أدلة القضية قد اُخترعت لهذا الغرض فقط، وليس لأنها أسرارٌ حقيقيةٌ أو أن كشفـَها يضُرُّ بالمصلحة العُـليا للدولة!!، إذ لو كان الأمرُ كذلك بالفعل لما كشفت النيابةُ هذه (الأسرار!!) وهي تترافعُ أمام المحكمة، كما أن المحكمةَ المتخصصة أكثرُ حرصاً على أمن الدولة من النيابة وربما أكثر صلةً بها، فـلو كانت الوقائع من أسرار الدولة لما كشفتها المحكمة في حكمها!! على النحو الوارد في النص السابق، والذي كشف ما خبأته النيابةُ في قرار الإتهام بشأن دولة التخابر وموظفها.
وصفوةُ القول وما ترشح له الوقائعُ ودلالاتـُها السابقةُ أن الطابعَ السريَّ الذي أُضفي على أدلة القضية، وفكرة مَسِّها بأمن الدولة والمصالح العليا أدى دوره المطلوب وهو ليس الحفاظ على تلك المصالح كما يفترَضُ وإنما حَجْبُ الأدلة عن الدفاع ومنعُ اتصاله بها، وبتعبير آخر تجريد العَالِـمَينِ الجليلـَينِ من حقوقهما التي كفلها القانونُ وقبله كفلها الدستور الذي يقرر في المادة (٩١) منه أنه:
(حقُّ الدفاع مكفولٌ أصالةً أو وكالةً في جميع مراحل التحقيق والدعوى وأمام جميع المحاكم).
ويشهدُ الحكمُ الذي أصدره القاضي قادري في القضية أن هذا الهدفَ تحقق بالكامل، ولقد أدرك المحامون ذلك تمامَ الإدراك كما أدركه كذلك موكلاهم، ولذلك فضَّـلَت هيئةُ الدفاع -وهي مجموعة من أكفأ المحامين- الانسحابَ من القضية ومقاطعةَ هذا اللون من المحاكم، وفعل موكلاهم نفسَ الشيء، ولكن مقاطعةَ المحكمة لم تكن بسبب ذلك، وإنما أيضاً لقناعة راسخة بأن المحاكمَ المتخصِّصَةَ غيرُ دستورية وهذا جديرٌ ببسط القول فيه.
الهامشُ (٣)
إستثنائيةُ المحكَمة المتخصِّصة
> حين قررت هيئةُ الدفاع مقاطعة المحكمة المتخصصة وعدم الترافع أمامها أصدرت بذلك بياناً نُشر في وسائل الإعلام شرحت فيه الأسبابَ التي حملتها على هذا القرار، وكان من تلك الأسباب أن إنشاءَ هذه المحاكم تمَّ بالمخالفة للدستور ولقانون السلطة القضائية، وفوجئنا بتصريح على لسان »مصدر قانوني« نشرته »صحيفة النداء« في صدر صفحتها الأولى، وهي صحيفةٌ محل احترام من القراء وتتصف بالموضوعية والمصداقية، وتضمن التصريح تفنيدَ ما قاله البيانُ الصحفي لهيئة الدفاع عدم دستورية وقانونية المحكمة المتخصصة، وأشار المصدر في تصريحه إلى أن إنشاء هذه المحاكم يستند إلى نص قانوني ورد في قانون السلطة القضائية تضمن صراحةً جوازَ إنشاء محاكم متخصصة وبقرار من مجلس القضاء الأعلى، ورغم أن هذا التصريح (شوَّشَ) على موقف هيئة الدفاع إلا أننا لم نرد عليه وقتها والآن حان أوانُ الحديث في هذا الموضوع.
وقبل أن نلجَ إلى الموضوع نلفت نظرَ القراء إلى وقائع تقتضي الأمانةُ العلميةُ إحاطتـَهم بها وهي لا تزيدُ عن واقعتين هما:
الأولى: بعدَ أن أعلنت هيئة الدفاع لا دستورية المحكمة المتخصصة أجرى الإعلامُ الحكومي (الثورة، ٦٢ سبتمبر، القضائية) سلسلةَ مقابلات مع قضاة مختارين دافعوا خلالها عن المحاكم المتخصصة والتأكيد على دستوريتها.
والثانية: موقفُ نقابة صنعاء، قد أصدرت بياناً -خلال نظر القضية هذه- أكدت فيه عدم دستورية المحكمة المتخصصة وعممت على المحامين طلباً بمقاطعة المحكمة والإمتناع عن الترافع أمامها؛ كي لا تضفي عليها شرعيةً تفتقدُها من المنشأ.
كما أن المنظمات والهيئات الدولية المعنية والمتابعة للشأن اليمني وحماية حقوق الإنسان ترى في هذه المحكمة نسخةً أخرى من المحاكم الاستثنائية.
وبعدَ هذه التوطئة الضرورية نناقشُ طبيعةَ المحاكم المتخصصة على ضوء وبمعايير الدستور والقانون.
} ولهذا الغرض ننقل أحكامَ الدستور وأحكامَ القانون ذات الصلة بالموضوع بالنص؛ كي تتيسَّرَ للقارئ مشاركتـُنا في قراءتنا لهذه النصوص، وهل تتسع نصوصُهما لهكذا محاكم!!:
١- النص الدستوري: المادة (149): »القضاءُ وحدة متكاملة ويرتب القانونُ الجهات القضائيةَ ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها، كما يحدد الشروطَ الواجبَ توفرُها في مَن يتولى القضاءَ، وشروطَ وإجراءات تعيين القضاة، ونقلهم، وترقيتهم، والضمانات الأخرى الخاصة بهم، ولا يجوزُ إنشاءُ محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال«.
٢- النص في قانون السلطة القضائية النافذ والصادر عام 1991م مادة (٨):
أ- لا يجوزُ إنشاءُ محاكم استثنائية.
ب- يجوزُ بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناءاً على اقتراح من وزير العدل إنشاءُ محاكم قضائية متخصصة.
٣- نـَصُّ إنشاء المحاكم المتخصصة واختصاصاتها: (قرار جمهوري رقم [١٩٣] لسنة 1991م بإنشاء محكمة جزائية ابتدائية متخصصة وشُعبة جزائية استئنافية متخصصة).
مادة (١): تنشأ بأمانة العاصمة محكمة جزائية ابتدائية متخصصة وشُعبة جزائية استئنافية متخصصة يكون مقرُّها أمانةَ العاصمة وتتبعان تنظيمياً محكمةَ استئناف أمانة العاصمة.
مادة (٢): [عن اختصاصات المحكمة]:
أولاً: جرائمُ الحِرابة.
ثانياً: جرائمُ اختطاف الأجانب والقرصنة البحرية والجوية.
ثالثاً: جرائمُ الإضرار والإتلاف والحريق والتفجيرات التي تقع على أنابيب النفط والمنشآت والمرافق النفطية والاقتصادية ذات النفع العام.
رابعاً: جرائمُ سرق وسائل النقل العامة والخاصة التي تقومُ بها عصاباتٌ مسلحةٌ أو منظمةٌ أو التي تتم من فرد أو أكثر...الخ.
وعُدِّلت المادةُ بقرار جمهوري رقم (٨) لسنة 2004م، بإضافة فقرة سادسة تقول:
سادساً: الجرائمُ الماسَّةُ بأمن الدولة، والجرائمُ بالغةُ الخطورة الاجتماعية والاقتصادية.
مادة (٤): يشمَلُ الإختصاصَ المكاني للمحكمة الجزائية المتخصصة الجرائمَ التي تقع داخل إقليم الجمهورية اليمنية أو أجوائها أو مياهها الإقليمية.
مادة (٥): تعقدُ المحكمةُ جلساتها في أمانة العاصمة أو في أي مكان داخل الجمهورية.
مادة (٦): تـُتـَّبَعُ في إجراءآت المحاكمة القواعدُ والإجراءاتُ المتعلقةُ بالمحاكمة المستعجلة المنصوص عليها في المواد [296]، وما بعدُ من قانون الإجراءات الجزائية.
سنقرأ هذه النصوصَ بمنهج يأخذ في تحديد دلالاتها بالسياق العام التي تندرج فيها هذه النصوص، كما يأخذ في اعتباره المقاصدَ والغايات التي تغيّاها المشرعُ عند وضعه النصَّ سواء المشرع الدستوري أو المشرع العادي الشامل للقوانين واللوائح والقرارات، وخلال ذلك لن نهملَ ظواهرَ النصوص وما يدل علىه منطوقـُها بمجرده وعلى نحو يقيني ويسميه علماء القانون التفسير اللفظي.
وباعتبار الدستور القانون الأسمى، فإن ما أرساه من قواعد تعتبَرُ حاكمةً على كل التشريعات الأدنى مرتبةً منه بما في ذلك القوانين، كما أن الخطابَ في الدستور موجَّهٌ بالأساس إلى المشرّع العادي وهو الهيئة التشريعية (البرلمان) المولج بسن القوانين، ومن ثم فإن هذا الأخير ملزَمٌ أن يتقيَّدَ في سنه القوانين بمحددات الدستور في قواعده ونصوصه، وفي المقاصد والغايات التي تقصَّدَها أو تغيَّاها، وكُلُّ نصوص وأحكام القوانين يجبُ أن تتسقَ مع الدستور في دلالاته السابقة كلها، ولا يجوزُ للمشرِّع العادي وتحتَ أيِّ ظروف أو اعتبارات أن يمارسَ وظيفتـَه في سن القوانين بما يتجاوزُ ملزومات الدستور له، ولو كان ذلك لدواعٍ تتصلُ بالمصالح العليا للبلاد؛ لأن المشرِّعَ الدستوري أعلمُ وأحرصُ على تلك المصالح.
ومبدأُ حضْرِ المحاكم الاستثنائية وجعل كل القضايا من ولاية القضاء العادي لم يأتِ من فراغ وإنما في سياق تأريخي لا يجهلـُه أحد.. ومختصَرُ القول فيه: إن اليمنَ عانت كثيراً من الظلم والعَسَف وإهدار حقوق الإنسان في ظل نظام مَحاكم الثورة أو مَحاكم أمن الدولة الذي عرفه اليمنيون ردحاً من الزمن، وفي صنعاء وعدن حتى عشية الوحدة عام ٠٩٩١م، ومع الوحدة ودستورها الخاص هلت الديموقراطية بما تعنيه من تعددية حزبية وتداول السلطة بطريقة الانتخاب، وكفالة الحقوق والحريات العامة، وفي ظل هذه الظروف والمستجدات وانتقال البلد من عهد الشرعية الثورية إلى عهد الشرعية الدستورية لم يعد نظامُ مَحاكم أمن الدولة يتناسبُ وهذه المستجدات التي معها بدَتْ اليمنُ في صباحية الوحدة أنها بسبيل إنجاز تغييرات جذرية في حياتها.
وفي هذا السياق انبثق مبدأُ حضْر إنشاء محاكم استثنائية أياً كانت تسميتـُها، وهذه النشأةُ يجبُ أن تظلَّ في الاعتبار عند تفسير النصوص التي لها صلة بهذا الحضر، فهي تكشفُ أن الغايةَ منها تكريسُ هذا الحضر ولا يمكن بل ولا يجوز أن يتجاوزه أي نص مهما كان مصدرُه أو موضوعُه، وقد أحسن الدستور صُنعاً حين استخدم عبارة »المحاكم الاستثنائية« دون غيرها؛ لأن هذا التعبير يتسم بالعموم، بحيث يطاول كلَّ شكل من أشكال المحاكم الشبيهة بمحاكم أمن الدولة سواء منها ما عرفته المنطقة العربية مثل محكمة الثورة، ومحكمة الطوارئ، ومحكمة القيَم، والمحكمة العسكرية، أو تلك التي تتخذ تسمياتٍ أخرى غيرَ ما عرفته المنطقةُ بما في ذلك المحاكم المتخصصة التي أُنشئت أخيراً في هذه البلاد.
ويبدو أن ما حمل البعضَ على اعتناق رأي ينأى بالمحاكم المتخصصة عن المحاكم الاستثنائية، والزعم بدستوريتها هو المسلكُ الذي نهجه قانونُ السلطة القضائية في معالجة الأمر، فقد لاحظنا في المادة (٨) من هذا القانون أن المشرعَ العادي جعلها من فقرتين [أ] و[ب]، وفي الأولى قرر المبدأ الدستوري حضْر إنشاء محاكم استثنائية، وفي فقرة [ب]، أباح إنشاءَ محاكم متخصصة بقرار من مجلس القضاء، فاستنتج القرارُ أصحاب الرأي المذكور بأن إنشاءَ المحاكم المتخصصة استند إلى نص قانوني صحيح، فهي بالتالي شرعيةٌ خاصةٌ وأن الدستورَ قرَّرَ في المادة (٠٥١) ذاتها أن القانونَ هو الذي يحدِّدُ الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها.
وهذه قراءة مغلوطة ولا تجوز من شخص ذي حصيلة قانونية، إذ لا تستقيمُ هذه القراءة إلا إذا جعلنا الحُـكمَ الذي تضمنته الفقرةُ [ب] وهو جواز إنشاء محاكم متخصصة بقرار من مجلس القضاء الأعلى استثناءً من حكم الفقرة [أ] الذي يحضرُ إنشاءَ محاكم استثنائية، وهذه معناه أنهم مقرون معنا بأن المحاكم المتخصصة إنما هي محاكم استثنائية بصرف النظر عن التسمية.
ونحن نوافقُهم في هذه الجُزئىة وهو الطابع الاستثنائي لتلك المحكمة ولكن لا نوافقهم على الطريقة التي توصّلوا بها الى هذا الاستنتاج، فالنتيجة صحيحةٌ مائة بالمائة، ولكن المقدمات السابقة عليها فاسدة بالمرة.
وتفصيلُ ذلك أن الاستثناءَ الواردَ في الفقرة [ب] من المادة السابقة لا ينصب على الفقرة [أ] السابقة عليها فلا شيء أن يتم الاستثناءُ أو التخصيصُ للعام، أو التقييدُ للمطلق بين نصوص القانون، إنما الذي لا يجوزُ أن يقيِّدَ القانونُ حُـكماً أو أحكاماً واردة في الدستور، فالنصُّ في فقرة [ب] من القانون الذي أجاز محاكم متخصصة بقرار من مجلس القضاء يعتبر قيداً أطلقه الدستورُ في المادة (150) حين قال : (ولا يجوزُ إنشاءُ محاكم إستثنائىة بأي حال من الأحوال)... وهذا منعٌ بالمطلق، ويتأكد هذا الإطلاق في الدستور بصورة مركبة، إذ يكفي لتحقيق الحكم بالمطلق قولـُه: (ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية)، لكن إزالة لأي لبس وتأكيداً للإطلاق السابق أضاف الدستور »بأي حال من الأحوال«، وكأني بالدستور كان يتوقعُ أن يأتيَ يوم فيُنشئ منشئ محاكم استثنائية ولكن باسم مختلف كالمحاكم المتخصصة فأراد الدستورُ أن يغلقَ هذا الباب بالقفل والضبة معاً، فأكد الإطلاق أو عدمَ الجواز مرتين.
ولكن الذين يرون شرعيةً دستوريةً للمحكمة المتخصصة لا يستندون في ذلك إلى الدستور، وإنما إلى الفقرة [ب] من قانون السلطة القضائية التي أجازت إنشاءَ محاكم متخصصة ولكي يستقيم حجاجُهم يردفون ذلك بالقول: إن هذه المحاكم ليست محاكم استثنائية.
وهذا التخريجُ التبريري لهذه المحاكم يقومُ على دعامتين تعين علينا مناقشتـُهما على ضوء الدستور والقانون وهما:
- كفاية الفقرة [ب] المذكورة آنفاً كأساس شرعي للمحكمة المتخصصة.
- وأن هذه المحكمة ليست استثنائية.
وبما أن الدعامة الأولى تنهارُ من تلقاء نفسها إذا تبينت مصداقية الطابع الاستثنائي للمحاكم المتخصصة فإننا سندغم الدعامتين في كيان واحد ومن ثم نتحدث عنهما معاً.
أولاً: يقرر الدستور في المادة (150) التي أوردنا نصها في صدر هذا الحديث أن إنشاء وتحديد درجات المحاكم واختصاصاتها يتم بطريق القانون: (ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها..).
ومعنى ذلك أن إنشاءَ المحاكم وتحديدَ اختصاصاتها ودرجاتها لا يجوزُ أن يكونَ بناءاً على قانون ولا بلائحة أو قرار وإنما ذلك يصدُرُ به قانون من المشرع العادي المولج دستورياً بسن القوانين، وهذا يطابقُ مبدأً من أهم مبادئ الشرعية الدستورية هو مبدأ (الانفراد التشريعي).
والمقرر في المادة (62) من الدستور التي تقول: »مجلسُ النواب هو السلطة التشريعية وهو الذي يقرر القوانين«.
ومن النصين يتبين أن المشرِّعَ وحدَه هو المختصُّ بإنشاء المحاكم وتحديد اختصاصاتها، وأنه لا يجوزُ أن تسطوَ السلطةُ التنفيذيةُ على سُلطة مجلس النواب في التشريع، كما لا يجوزُ للسلطة التشريعية (مجلس النواب) أن تتنازلَ عن سُلطتها هذه للسلطة التنفيذية أو تتنصلَ منها.
وإذا كان ذلك في أي شأن من الشؤون فإنه أولى في مجال الحقوق والحريات؛ لأن مبدأَ (انفراد التشريع) يهدفُ -كما تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية- إلى أن يكونَ تنظيمُ ممارسة الحقوق والحريات ورسمُ حدودها بواسطة الشعب والحيلولة دون تدخل السلطة التنفيذية في المساس بهذه الحقوق والحريات دون موافقة السلطة التشريعية الممثلة للشعب، فـالتشريعُ: هو التعبيرُ عن موافقة الشعب عما يمكنُ القيامُ به في مجال يتعلقُ به وحدَه وهو الحقوق والحريات. (أحكام الدستورية العليا في يناير 1991م 31 لسنة 17).
والقضيةُ التي نحن بصددها تقعُ في صُلب الحقوق والحريات؛ لأن ما نشكوه فيها ويشكوه العالمان (الديلمي ومفتاح) هو أنهما يُحاكمان أمامَ غير قاضيهما الطبيعي، والقضاءُ الطبيعيُّ يقومُ على دعامتـَين كُلٌّ منهما تكمِّـلُ الأخرى، وهما استقلال القضاء والمساواة أمام القضاء، وكلاهما من أهم ضمانات الحقوق والحريات كما هو معلوم.
فمن حيث استقلال القضاء لا يجوزُ أن يخضَعَ القاضي إلا للقانون الذي يستمدُّ منه شرعيتـَه وولايتـَه دونَ تدخل في اختصاصه بنزع القضية من يد قاضيها المختص بنظرها قانوناً وإعطائها لقاضٍ أو محكمة أخرى أي تنحية قاضٍ عن قضيته وإعطاء الاختصاص لغيره بطريق التحكم.
وأما بشأن مبدأ المساواة أمام القضاء فهذا يتجسدُ في أن يحاكَمَ كُلُّ المواطنين أمامَ قضاء واحد هو القضاءُ الطبيعي ووفق مقاييس واحدة دون تمايز بحيث تتكافأ مراكزهم القانونية.
وهذا كُـلـُّه لا يتوفرُ في حق العَالِـمَينِ الجليلينِ فقد أُتهما أمام محكمة غير التي تختصُّ قانوناً بنظر خصومتهما وهي المحكمةُ التي يقعُ موطنُ كل واحد منهما في دائرتها أي أمام غير القاضي الطبيعي لكل منهما؛ لأن العلامة/ الديلمي يسكُنُ صنعاء القديمة وقاضيه الطبيعي محكمة شرق الأمانة، بينما العلامة/ مفتاح يسكُنُ الروضة (بني الحارث) فقاضيه الطبيعي محكمة بني الحارث التابعة لمحافظة صنعاء وليس للأمانة التابع لها القاضي الطبيعي لزميله في القضية، أما غيرُهما من مواطنين دائرتهما يُحاكمان أمام محكمة شرق الأمانة -بالنسبة للأول أو أمام محكمة بني الحارث بالنسبة للثاني، وهما يُحاكمان أمام المحكمة المتخصصة، وهذا إهدارٌ كلي لمبدأ المساواة أمام القضاء.
ثانياً: تبين مما سبق أن الفقرة [ب] من المادة (٨) من قانون السلطة القضائية قد خولت مجلسَ القضاء الأعلى سلطة إنشاءَ محاكم متخصصة، ووفقاً لما قلناه سابقاً عن المبدأ الثابت في الدستور اليمني وهو مبدأُ »الإنفراد التشريعي« لمجلس النواب، فإن هذا المجلسَ حين أوكل الى مجلس القضاء إنشاءَ مثل تلك المحاكم يكونُ قد خرَقَ المبدَأَ المذكورَ وتنازَلَ عن سُلطته في التشريع لغيره!!!!، وقد رأينا سابقاً أن هذا ليس من حق المجلس ليس اقتضاءً لمبدأ الانفراد التشريعي فحسب، وإنما اقتضاءٌ ايضاً للمادة(150) من الدستور التي قررت أن إنشاءَ المحاكم وتحديدَ اختصاصاتها يكونُ بقانون وإنشاءُ المحاكم بقرار من مجلس القضاء الأعلى مؤداه إنشاؤُها بلائحة أو بقرار وليس بقانون.
وبناءاً على ما سبق فإن الفقرة [ب] من المادة (٨) من قانون السلطة القضائية والتي يعتمدُ عليها قلةٌ من رجال القانون ومعهم جُلُّ قضاة اليمن الأجلاء في القول بدستورية المحاكم المتخصصة هي مادة مخالفة مخالفةً صريحةً لمادتين من الدستور هما المادة (٦٢) التي حكرت سلطةَ القوانين على مجلس النواب، والمادة (150) التي منعت إنشاءَ محاكم وتحديد اختصاصاتها بغير طريق القانون، وعدم جواز عمل ذلك بطريق قرار أو بلائحة تصدرُها السلطةُ التنفيذية.. وتأكيداً للطابع الاستثنائي للمحكمة المتخصصة نعرض بالقول المختصر لنشأة هذه المحكمة.
ثالثاً: في ٧١/١١/٩٩٩١م أصدر فخامة المشير/ علي عبدالله صالح قراراً تحت رقم (391) قضى بإنشاء محكمة جزائية ابتدائية متخصصة وشعبة جزائية استئنافية متخصصة، وفي ٠٢/٤/٤٠٠٢م أصدر قراراً أضاف مادة واحدة إلى قراره السابق.
ويتكوّنُ القرارُ مع الزائدة المتأخرة من (٢١) مادة، الأولى منها عن التأسيس، والثانية عن تكوين المحكمة، والثالثة وتتكون من سبع فقرات مكرسة لتحديد اختصاصات المحكمة، أما بقية الفقرات (وهي تسع) فموضوعُها الوحيدُ هو الإجراءات الخاصة بهذه المحكمة.
ونشيرُ هنا إلى الخـُطوط العامة لمضمون هذا القرار بما يكفي للحُكم عليه مع بيان مصادمة أحكامه للدستور أو القانون.
} ١- تحدِّدُ المادةُ (٣) اختصاصات المحكمة الابتدائية المتخصصة، ويشملُ اختصاصُها الحرابةَ والخطفَ والقرصنةَ بأنواعها وجرائمَ الإتلاف والحريق والتفجير للمنشآت والمرافق الاقتصادية، وسرقَ وسائل النقل بالقوة أو بواسطة عصابات، وعصابةَ التعدي على الأراضي، والإعتداءَ أو الإختطافَ لرجال القضاء وأسرَهم والجرائمَ الماسة بأمن الدولة الجرائم ذات الخطورة اجتماعياً أو اقتصادياً...الخ.
ومن الواضح أن مجمَلَ هذه الاختصاصات يشكّلُ قائمةً طويلةً من الجرائم جميعُها سُحبت من اختصاص المحاكم العادية بقرار إداري »بجرة قلم!!« فـالقرارُ خالَفَ قواعدَ الاختصاص المقررة في ثلاثة قوانين ودفعة واحدة، فهو خالف المادة (١٣٢) من قانون الإجراءات التي تقولُ بأن المحاكم الابتدائية تختص وحدَها بالفصل في جميع الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصها، وخالف المادة (٩٨ فقرة -أ) من قانون المرافعات وتقرر اختصاص المحكمة الابتدائية بجميع الدعاوى أياً كان نوعُها.
وخالف قانون السلطة القضائية في مادته (٧٤) وتقول: »تكونُ للمحكمة الابتدائية الولايةُ العامة للنظر في جميع القضايا«.
وهذه النصوصُ القانونيةُ التي أهدرها قرارُ إنشاء المحكمة المتخصصة جاءت تطبيقاً للمبدأ الدستوري الذي منع إنشاءَ محاكم استثنائية، إذ مقتضى هذا المنع وغاية الدستور منه هو شمول اختصاص القضاء العادي جميع الجرائم أياً كان نوعها أو جسامتها.
ووجهُ مخالفة القانون يكمُنُ في أنه نزَعَ جملةً من الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العادية بحكم القانون!!، وجعلها من اختصاص هيئة أخرى بطريق قرار إداري صادر عن رئيس الجمهورية!!.
وفضلاً عن ذلك وأهم منه خالف الدستور، فقد رأينا سابقاً أن الدستور جعل لتحديد اختصاصات المحاكم طريقة واحدة هي القانون، ومفهومُ المخالفة للمبدأ الدستوري المذكور عدمُ جواز وعدمُ شرعية أي هيئة حُـكْم يتحدَّدُ اختصاصُها بطريق ما هو أدنى مرتبةً من القانون كاللائحة والقرار سواء كانا من إصدار السلطة التنفيذية أو غيرها من سلطات الدولة.
ومن الطبيعي أن شرطَ الدستور تحديدَ اختصاصات المحاكم القضائية بطريقة القانون معناه أنه أسند سُلطةَ تقرير هذه الاختصاصات إلى السلطة التشريعية حصراً، وبما أن قرارَ إنشاء المحكمة المتخصصة صادرٌ عن السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية فإن معنى ذلك وبدون أدنى شك أن القرارَ يمثلُ اعتداءً صريحاً من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، واغتصاباً لسلطاتها الدستورية.
ومما سبق يتضحُ أن الطابعَ الاستثنائي للمحكمة المتخصصة لا يرجعُ إلى منشأها بخصوصه، وإنما الشذوذ طاوَلَ اختصاصاتها، وبعبارة أخرى لا يرجع طابعها الاستثنائي إلى شكلها، وإنما أيضاً إلى مضمونها فهي استثنائيةٌ في قالبها وفي قلبها على السواء، ومن ثم فـوجودُها لا يصادمُ نصوصَ الدستور، وإنما يجافي أيضاً روحَه ويصادمُ غاياته؛ وذلك لأن الدستور وإن لم ينص صراحةً على مبدأ الفصل بين السلطات، إلا أن ذلك كان الناظم لمعظم نصوصه إن لم تكن كلها، ولا شك أن القرار الذي نناقشه هنا من أهم النماذج الزاخرة بها حياتنا للمستوى المتدني الذي بلغه مبدأُ الفصل بين السلطات ومدى العبث الذي يتعرض له من قبل السلطة التنفيذية.
٢- والمادة (٤) من قرار إنشاء المحكمة المتخصصة مكرسةٌ لتحديد الاختصاص المكاني لها، وجعلته شاملاً لكل الجرائم التي تقع في إقليم الجمهورية اليمنية أو أجوائها أو مياهها الإقليمية تماماً كما هو حال كل المحاكم الاستثنائية طبيعةً لصيقةً بها لا تعفي حتى المحكمة المتخصصة ذاتها.
وإذا قسنا الاختصاصَ المكاني المقدر قانوناً لجميع المحاكم الجنائية العادية في البلاد على الاختصاص المكاني الذي حدده هذا النصُّ للمحكمة الجنائية المتخصصة -بطريقة القياس المنطقي والواقعي- سنجد أن الإختصاصَ المكاني الذي أعطته هذه المادة للمحكمة المتخصصة على سعة الجمهورية هو أبرزُ مظاهر الطابع الاستثنائي!! والاستثنائي جداً لهذه المحكمة!!، إذ كلُّ محكمة جنائية عداها لها اختصاصٌ مكاني محدودٌ، فهو بحسب المادة (٤٣٢) من قانون الإجراءات والذي يحدد الاختصاص المكاني للمحاكم الجنائية، إما بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة، أو الذي يقيم فيه المتهم، أو قـُبض عليه فيه، وكل هذه الأماكن محدودة لا يتسع أيٌّ منها لليمن كله.
إن من أهم صفات المحاكم الاستثنائية أنها لا تخضَعُ لقواعد الإجراءات المتبعة أمام محاكم القانون العام بما في ذلك قواعد الإجراءات المتعلقة بالإختصاص المكاني وغير المكاني، فكان من الطبيعي وقد قررت السلطةُ التنفيذية عام ٩٩٩١م استعادةَ نظام المحاكم الاستثنائية التي ألغاها دستورُ الوحدة قبل ذلك أن يأتيَ اختصاصُ المحاكم المتخصصة على هذا النحو المجافي للدستور وللقوانين في أهم حقوق المتهم المكفولة له حتى تتسق مع الغاية من إنشاء المحكمة المتخصصة!!.
٣- وما دامت المحكمةُ المتخصصةُ من جنس المحاكم الاستثنائية فإن القرارَ المنشأَ لها استقصى لها كلَّ خصائص تلك المحاكم سيئة السُمعة!!، فالمادة (٥) من القرار المذكور أجازت للمحكمة أن تعقدَ جلساتها في أي مكان من أراضي الجمهورية اليمنية، وهذا لا تملكُه أيةُ محكمة في اليمن سواء محاكم الموضوع (الابتدائية، والاستثنائية)، أو محكمة القانون وهي المحكمة العليا، فقانون المرافعات وهو الشرعةُ العامة المنظـِّمُ لإجراءات الترافع أمام المحاكم سواء منها المحاكم المدنية أو الجنائية يوجبُ على المحكمة (م ٧٥١) أن تعقدَ جلساتها في مبنى المحكمة وفي القاعة المخصصة لتلك.
ولم يُجِزْ لها أن تعقدَ جلساتها خارج مبنى المحكمة إلا على سبيل الاستثناء وبشرطَين:
أولهما: أن تدعوَ الضرورةُ لذلك، كأن يتعذر على المحكمة عقدُ جلستها في مبناها لدواعي الأمن أو لأية ضرورة ملجئة أخرى.
ثانيهما: أن يتمَّ ذلك بإذن مُسبق من وزير العدل.
فالأصلُ أن تعقدَ المحكمةُ جلساتها في مقرها ويجوزُ عقدُها في مكان آخر على سبيل الاستثناء، لكن المحكمة المتخصصة بحسب النص تعقد جلساتها في أمانة العاصمة أو في مكان (مناسب) بحسب قرار إنشائها!!، فـكلُّ مكان في الجمهورية صالحٌ لانعقادها وعلى السواء في ذلك، فليست مقيَّدةً بشرط الضرورة، وإذن وزير العدل كمحاكم القضاء العام!!، فهي استثناءٌ منها -كما أكدنا مراراً- ومع ذلك يُعابُ علينا إذ ننعتها بأنها محكمة استثنائية، بل إن في زملائنا المحامين مَن جهلنا بسبب ذلك.
٤- ويأبى قرارُ إنشاء المحكمة المتخصصة إلا أن يتوِّجَها في خاتمته بتاج الاستثنائية الذي تتوجت به محاكم الثورة، وأمن الدولة، ومحكمة الشعب وسائر المحاكم الاستثنائية بمختلف مسمياتها!!، وذلك في المادة (٦) من القرار التي دمغتها بالميسم الأبرز للمحاكم الاستثنائية والخاص بالإجراءات الواجبِ اتباعُها أمام المحكمة المتخصصة.
تقول المادة المذكورة: »تـُتـَّبَعُ في إجراءات المحاكَمة القواعدُ والإجراءاتُ المتعلقة بالمحاكمة المستعجلة المنصوص عليها في المواد (٦٩٢) وما بعدها من قانون الإجراءات«.
ودلالةُ هذا النص على الطابع الاستثنائي للمحكمة المختصة واضحةٌ، ولا تحتاج إلى مزيد بيان، فـهذه المحكمةُ تنظـُرُ القضايا أمامها بأقصى سُرعة، وهو ما يعني أنها تتبعُ في ذلك إجراءات غيرِ تلك المتبعة في المحاكم العادية!!، ويتفق الفقهاء أن أهمَّ ما يميِّزُ المحاكمَ الاستثنائية عن القضاء العادي يرجعُ إلى أن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الاستثنائية تختلفُ عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العادية (المرافعات، فتحي وإلى ص ٦٩٣)، والاستعجالُ الذي وسمَ به قرارُ الرئيس المحاكم المتخصصة معناه أن الإجراءات المتبعةَ أمامَها لا تـُـراعَى فيها حُقوقُ المتهم وحُريته في الدفاع!!، كما هو الشأنُ في المحاكم العادية، وهذا ما قرره قانونُ الإجراءات الذي أحال إليه قرار إنشاء المحكمة المختصة، فالمادة (٩٩٢) إجراءات حددت معنى الاستعجال في نظر الدعوى الجزائية بأن المقصودَ به أن تنظرَ المحكمة الدعوى فورَ إحالتها إليها، وبالأقصى بعد أسبوع من الإحالة، وأن تنظرَها في جلسات متعاقبة وتفصُلَ فيها على وجه السرعة، وهذه الإجراءاتُ تختلفُ كليةً عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العادية!!، فالسرعةُ أمام هذه الأخيرة من أخطر معايب الإجراءات وما يطلبُه القانونُ من المحكمة على العكس من ذلك هو التؤدة والبحثُ المتأني والمستقصي عن الحقيقة، وإفساحُ المجال واسعاً أمام المتهم كي يدافعَ عن نفسه، ولذلك قررت المادة (٨٦٢) إجراءات وجوب مَدِّ الجلسات إلى أن تنتهيَ المحاكمة، وإذا اقتضت الدواعي تأجيلـَها أو وقفـَها وجب المصيرُ إلى ذلك.
ومجملُ القول في ذلك: إن الغايةَ من القضاء العادي الوصول إلى الحقيقة بينما غاية القضاء الاستثنائي الزجر والردع!!، ولذلك السرعةُ في الإجراءات مطلوبةٌ للأخيرة بينما هي معوِّقٌ كبيرٌ بالنسبة للمحكمة العادية.
٥- واستكمالاً للطابع الاستثنائي للمحكمة المتخصصة ينص قرارُ إنشائها في المادة (٩) منه على أن »تكونَ للمحكمة مخصصاتٌ ماليةٌ مستقلةٌ بما يفي بحاجاتها«!!!!.
ويكفي تعليقاً على هذا النص أن نضَعَ خطاً بالبنط الكبير تحت كلمتي (مستقلة)، و(بما يفي بحاجاتها)، ثم نتذكر أن المحكمةَ المتخصصةَ وحدَها من بين سائر المحاكم في الجمهورية لها مالية مستقلة، وبما يفي بكامل احتياجاتها، وهذا الاستثناءُ العريضُ الطويلُ للمحكمة المتخصصة ودونَ غيرِها من المحاكم لم يُقنعْ بعضَ قومنا بأن هذه محكمةٌ استثنائيةٌ!!.
رابعاً: تلك لائحةٌ بالمكونات الأساسية للمحكمة المتخصصة: نشأتها- أصل مشروعيتها- اختصاصاتها، الإجراءآت المتبعة أمامها، ومنها تبيُّنُ خصائصها الاستثنائية بكامل بشاعتها!!، وبقي لها ذيولٌ أهَمُّها:
١- في البدء نقفُ عند تسميتها والتي قـُصد بها التلبيسُ على الناس بشأن الطبيعة الحقيقية لها، إذ يوهمُ الاسمُ أنها من قبيل القاضي المتخصص المعروف في بعض الأنظمة القضائية، ولا يُعابُ عليها فيه بنقيصة الاستثنائية، وهذا فيه نظرٌ، إذ لا عبرة بالاسم وإنما العبرةُ بحقيقة المسمى، وقد أبانت اللائحة السابقة التي عرضت لأهم ما تضمنه القرار الجمهوري بإنشائها أن هذه المحكمة جمعت أهم خصائص المحاكم الاستثنائية.
٢- ونزيد على ما سبق فنزن المحكمة المختصة بالمعيار السائد لدى فقهاء القانون والذي يميزون به بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية الموازية لها، ولهم في ذلك عدة معايير وأهمها -فيما نحسب- معيار المصالح وهو المعيار الذي أخذ به الدكتور/ فتحي والي (مرجع سابق ص ٦٩١) مأخوذاً من فقيه فرنسي اسمه (كيوفوندا) وآخرين ويقوم على أساس المصالح التي يحميها قضاء المحكمة، فإذا كان يحمي المصالح العادية التي تهم عموم الأشخاص فهي محكمة عادية، أما إذا كان قضاء المحكمة يحمي مصالح خاصة ذات وصف محدد أو تتعلق بشريحة معينة من الأشخاص فهي محكمة استثنائية، فالصلة بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية كالصلة بين القاعدة العامة والاستثناء.
وبتنزيل الاختصاصات المناطة بالمحكمة المتخصصة والسابق ذكرها على المعيار المذكور نجده ينطبق عليها تمام الانطباق فهي لا تحمي المصالح التي تهم عموم المواطنين مباشرة وإنما معنية بحماية مصالح خاصة تتصل بأمن الدولة؛ لأن الجرائم التي تفصل فيها تقع على خلفية هذه المصالح مثل الحرابة، والقرصنة البحرية والجوية، والجرائم الماسة بأمن الدولة، وجرائم إتلاف أو تفجير المنشآت النفطية والاقتصادية، وجرائم التعدي من قبل عصابات منظمة على الأملاك العامة أو المواصلات العامة...الخ.
وخيرُ نموذج تطبيقي لما سبق تقدمه قضية العَالِـمَينِ الفاضلين الديلمي وابن مفتاح، فالتهم التي وجهتها إليهما المحكمة تستند إلى المواد (١٢١، ٨٢١، ٩٢١، ١٣١، ٥٣١، ٦٣١) من قانون العقوبات وجميع هذه المواد تقع في الباب الأول من الكتاب الثاني المعنون (في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة) ومثل ذلك القضايا التي سبق للمحكمة المتخصصة أن فصلت فيها، ومن أشهرها قضايا المدمرة الأمريكية (كول) والفرقاطة الفرنسية (ليمبرج) وجرائم الإرهاب التي حوكم بشأنها أتباع القاعدة..
وحتى لو أخذنا المعايير التي قال بها فقهاء آخرون وهم يميزون بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية فلن تخرُجَ المحكمةُ المتخصصة عن ذلك قيد شعرة فبعضُهم يأخذ بمعيار طبيعة الإجراءات المتبعة أمامها أو طبيعة قضاتها، فالإجراءاتُ تكونُ مستعجلةً ولا تحفل بحقوق الدفاع وهذا موجودٌ في المحكمة المتخصصة بأوفر ما يكون وغالباً ما يكونُ قضاتـُها من العسكريين وقضاة محكمتنا ليسوا عن ذلك ببعيد إذا أخذنا السيرة الظل لقضاتها بدرجتيها.
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 79&Itemid=
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1041
- اشترك في: السبت مارس 19, 2005 9:03 pm
هوامشُ على مُحاكَمَة العَالِـمَينِ الجليلَينِ الديلمي ومفتاح الاخيرة
Tuesday, 21 February 2006
المحاكم الابتدائية تختص وحدَها بالفصل في جميع الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصها
} لا أظنُّ أني سأضيفُ جديداً على ما قاله الأستاذُ/ حسن محمد زيد عن الحُـكم الصادر ضدَّ العَالِـمَينِ الجليلَينِ العلاَّمة/ يحيى حسين الديلمي، والعلامة/ محمد مفتاح، فقد قال فيه وأوفى، ولهذا جعلتُ حديثي مجردَّ هوامش على الحُـكم تنبِهُ على تفاصيلَ لم يتسع البحثُ الرصين للأستاذ/ زيد لها.
إعداد: أحمد الوادعي
أولاً: يقرر الدستور في المادة 150 التي أوردنا نصها في صدر هذا الحديث أن إنشاء وتحديد درجات المحاكم واختصاصاتها يتم بطريق القانون: (ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها..).
ومعنى ذلك أن إنشاءَ المحاكم وتحديدَ اختصاصاتها ودرجاتها لا يجوزُ أن يكونَ بناءاً على قانون ولا بلائحة أو قرار وإنما ذلك يصدُرُ به قانون من المشرع العادي المولج دستورياً بسن القوانين، وهذا يطابقُ مبدأً من أهم مبادئ الشرعية الدستورية هو مبدأ (الانفراد التشريعي).
والمقرر في المادة 62 من الدستور التي تقول: »مجلسُ النواب هو السلطة التشريعية وهو الذي يقرر القوانين«.
ومن النصين يتبين أن المشرِّعَ وحدَه هو المختصُّ بإنشاء المحاكم وتحديد اختصاصاتها، وأنه لا يجوزُ أن تسطوَ السلطةُ التنفيذيةُ على سُلطة مجلس النواب في التشريع، كما لا يجوزُ للسلطة التشريعية (مجلس النواب) أن تتنازلَ عن سُلطتها هذه للسلطة التنفيذية أو تتنصلَ منها.
وإذا كان ذلك في أي شأن من الشؤون فإنه أولى في مجال الحقوق والحريات؛ لأن مبدأَ (انفراد التشريع) يهدفُ -كما تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية- إلى أن يكونَ تنظيمُ ممارسة الحقوق والحريات ورسمُ حدودها بواسطة الشعب والحيلولة دون تدخل السلطة التنفيذية في المساس بهذه الحقوق والحريات دون موافقة السلطة التشريعية الممثلة للشعب، فـالتشريعُ: هو التعبيرُ عن موافقة الشعب عما يمكنُ القيامُ به في مجال يتعلقُ به وحدَه وهو الحقوق والحريات. (أحكام الدستورية العليا في يناير 1991م ق31 لسنة 71
والقضيةُ التي نحن بصددها تقعُ في صُلب الحقوق والحريات؛ لأن ما نشكوه فيها ويشكوه العالمان (الديلمي ومفتاح) هو أنهما يُحاكمان أمامَ غير قاضيهما الطبيعي، والقضاءُ الطبيعيُّ يقومُ على دعامتـَين كُلٌّ منهما تكمِّـلُ الأخرى، وهما استقلال القضاء والمساواة أمام القضاء، وكلاهما من أهم ضمانات الحقوق والحريات كما هو معلوم.
فمن حيث استقلال القضاء لا يجوزُ أن يخضَعَ القاضي إلا للقانون الذي يستمدُّ منه شرعيتـَه وولايتـَه دونَ تدخل في اختصاصه بنزع القضية من يد قاضيها المختص بنظرها قانوناً وإعطائها لقاضٍ أو محكمة أخرى أي تنحية قاضٍ عن قضيته وإعطاء الاختصاص لغيره بطريق التحكم.
وأما بشأن مبدأ المساواة أمام القضاء فهذا يتجسدُ في أن يحاكَمَ كُلُّ المواطنين أمامَ قضاء واحد هو القضاءُ الطبيعي ووفق مقاييس واحدة دون تمايز بحيث تتكافأ مراكزهم القانونية.
وهذا كُـلـُّه لا يتوفرُ في حق العَالِـمَينِ الجليلينِ فقد أُتهما أمام محكمة غير التي تختصُّ قانوناً بنظر خصومتهما وهي المحكمةُ التي يقعُ موطنُ كل واحد منهما في دائرتها أي أمام غير القاضي الطبيعي لكل منهما؛ لأن العلامة/ الديلمي يسكُنُ صنعاء القديمة وقاضيه الطبيعي محكمة شرق الأمانة، بينما العلامة/ مفتاح يسكُنُ الروضة (بني الحارث) فقاضيه الطبيعي محكمة بني الحارث التابعة لمحافظة صنعاء وليس للأمانة التابع لها القاضي الطبيعي لزميله في القضية، أما غيرُهما من مواطنين دائرتهما يُحاكمان أمام محكمة شرق الأمانة -بالنسبة للأول أو أمام محكمة بني الحارث بالنسبة للثاني، وهما يُحاكمان أمام المحكمة المتخصصة، وهذا إهدارٌ كلي لمبدأ المساواة أمام القضاء.
ثانياً: تبين مما سبق أن الفقرة [ب] من المادة (8) من قانون السلطة القضائية قد خولت مجلسَ القضاء الأعلى سلطة إنشاءَ محاكم متخصصة، ووفقاً لما قلناه سابقاً عن المبدأ الثابت في الدستور اليمني وهو مبدأُ »الإنفراد التشريعي« لمجلس النواب، فإن هذا المجلسَ حين أوكل الى مجلس القضاء إنشاءَ مثل تلك المحاكم يكونُ قد خرَقَ المبدَأَ المذكورَ وتنازَلَ عن سُلطته في التشريع لغيره!!!!، وقد رأينا سابقاً أن هذا ليس من حق المجلس ليس اقتضاءً لمبدأ الانفراد التشريعي فحسب، وإنما اقتضاءٌ ايضاً للمادة(150) من الدستور التي قررت أن إنشاءَ المحاكم وتحديدَ اختصاصاتها يكونُ بقانون وإنشاءُ المحاكم بقرار من مجلس القضاء الأعلى مؤداه إنشاؤُها بلائحة أو بقرار وليس بقانون.
وبناءاً على ما سبق فإن الفقرة [ب] من المادة (8) من قانون السلطة القضائية والتي يعتمدُ عليها قلةٌ من رجال القانون ومعهم جُلُّ قضاة اليمن الأجلاء في القول بدستورية المحاكم المتخصصة هي مادة مخالفة مخالفةً صريحةً لمادتين من الدستور هما المادة 26 التي حكرت سلطةَ القوانين على مجلس النواب، والمادة (150) التي منعت إنشاءَ محاكم وتحديد اختصاصاتها بغير طريق القانون، وعدم جواز عمل ذلك بطريق قرار أو بلائحة تصدرُها السلطةُ التنفيذية.. وتأكيداً للطابع الاستثنائي للمحكمة المتخصصة نعرض بالقول المختصر لنشأة هذه المحكمة.
ثالثاً: في 17/ 11/1999م أصدر فخامة المشير/ علي عبدالله صالح قراراً تحت رقم (391) قضى بإنشاء محكمة جزائية ابتدائية متخصصة وشعبة جزائية استئنافية متخصصة، وفي 20/4/2004م أصدر قراراً أضاف مادة واحدة إلى قراره السابق.
ويتكوّنُ القرارُ مع الزائدة المتأخرة من 12 مادة، الأولى منها عن التأسيس، والثانية عن تكوين المحكمة، والثالثة وتتكون من سبع فقرات مكرسة لتحديد اختصاصات المحكمة، أما بقية الفقرات (وهي تسع) فموضوعُها الوحيدُ هو الإجراءات الخاصة بهذه المحكمة.
ونشيرُ هنا إلى الخـُطوط العامة لمضمون هذا القرار بما يكفي للحُكم عليه مع بيان مصادمة أحكامه للدستور أو القانون.
} ١- تحدِّدُ المادةُ (٣) اختصاصات المحكمة الابتدائية المتخصصة، ويشملُ اختصاصُها الحرابةَ والخطفَ والقرصنةَ بأنواعها وجرائمَ الإتلاف والحريق والتفجير للمنشآت والمرافق الاقتصادية، وسرقَ وسائل النقل بالقوة أو بواسطة عصابات، وعصابةَ التعدي على الأراضي، والإعتداءَ أو الإختطافَ لرجال القضاء وأسرَهم والجرائمَ الماسة بأمن الدولة الجرائم ذات الخطورة اجتماعياً أو اقتصادياً...الخ.
ومن الواضح أن مجمَلَ هذه الاختصاصات يشكّلُ قائمةً طويلةً من الجرائم جميعُها سُحبت من اختصاص المحاكم العادية بقرار إداري »بجرة قلم!!« فـالقرارُ خالَفَ قواعدَ الاختصاص المقررة في ثلاثة قوانين ودفعة واحدة، فهو خالف المادة (١٣٢) من قانون الإجراءات التي تقولُ بأن المحاكم الابتدائية تختص وحدَها بالفصل في جميع الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصها، وخالف المادة (٩٨ فقرة -أ) من قانون المرافعات وتقرر اختصاص المحكمة الابتدائية بجميع الدعاوى أياً كان نوعُها.
وخالف قانون السلطة القضائية في مادته (٧٤) وتقول: »تكونُ للمحكمة الابتدائية الولايةُ العامة للنظر في جميع القضايا«.
وهذه النصوصُ القانونيةُ التي أهدرها قرارُ إنشاء المحكمة المتخصصة جاءت تطبيقاً للمبدأ الدستوري الذي منع إنشاءَ محاكم استثنائية، إذ مقتضى هذا المنع وغاية الدستور منه هو شمول اختصاص القضاء العادي جميع الجرائم أياً كان نوعها أو جسامتها.
ووجهُ مخالفة القانون يكمُنُ في أنه نزَعَ جملةً من الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العادية بحكم القانون!!، وجعلها من اختصاص هيئة أخرى بطريق قرار إداري صادر عن رئيس الجمهورية!!.
وفضلاً عن ذلك وأهم منه خالف الدستور، فقد رأينا سابقاً أن الدستور جعل لتحديد اختصاصات المحاكم طريقة واحدة هي القانون، ومفهومُ المخالفة للمبدأ الدستوري المذكور عدمُ جواز وعدمُ شرعية أي هيئة حُـكْم يتحدَّدُ اختصاصُها بطريق ما هو أدنى مرتبةً من القانون كاللائحة والقرار سواء كانا من إصدار السلطة التنفيذية أو غيرها من سلطات الدولة.
ومن الطبيعي أن شرطَ الدستور تحديدَ اختصاصات المحاكم القضائية بطريقة القانون معناه أنه أسند سُلطةَ تقرير هذه الاختصاصات إلى السلطة التشريعية حصراً، وبما أن قرارَ إنشاء المحكمة المتخصصة صادرٌ عن السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية فإن معنى ذلك وبدون أدنى شك أن القرارَ يمثلُ اعتداءً صريحاً من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، واغتصاباً لسلطاتها الدستورية.
ومما سبق يتضحُ أن الطابعَ الاستثنائي للمحكمة المتخصصة لا يرجعُ إلى منشأها بخصوصه، وإنما الشذوذ طاوَلَ اختصاصاتها، وبعبارة أخرى لا يرجع طابعها الاستثنائي إلى شكلها، وإنما أيضاً إلى مضمونها فهي استثنائيةٌ في قالبها وفي قلبها على السواء، ومن ثم فـوجودُها لا يصادمُ نصوصَ الدستور، وإنما يجافي أيضاً روحَه ويصادمُ غاياته؛ وذلك لأن الدستور وإن لم ينص صراحةً على مبدأ الفصل بين السلطات، إلا أن ذلك كان الناظم لمعظم نصوصه إن لم تكن كلها، ولا شك أن القرار الذي نناقشه هنا من أهم النماذج الزاخرة بها حياتنا للمستوى المتدني الذي بلغه مبدأُ الفصل بين السلطات ومدى العبث الذي يتعرض له من قبل السلطة التنفيذية.
٢- والمادة (٤) من قرار إنشاء المحكمة المتخصصة مكرسةٌ لتحديد الاختصاص المكاني لها، وجعلته شاملاً لكل الجرائم التي تقع في إقليم الجمهورية اليمنية أو أجوائها أو مياهها الإقليمية تماماً كما هو حال كل المحاكم الاستثنائية طبيعةً لصيقةً بها لا تعفي حتى المحكمة المتخصصة ذاتها.
وإذا قسنا الاختصاصَ المكاني المقدر قانوناً لجميع المحاكم الجنائية العادية في البلاد على الاختصاص المكاني الذي حدده هذا النصُّ للمحكمة الجنائية المتخصصة -بطريقة القياس المنطقي والواقعي- سنجد أن الإختصاصَ المكاني الذي أعطته هذه المادة للمحكمة المتخصصة على سعة الجمهورية هو أبرزُ مظاهر الطابع الاستثنائي!! والاستثنائي جداً لهذه المحكمة!!، إذ كلُّ محكمة جنائية عداها لها اختصاصٌ مكاني محدودٌ، فهو بحسب المادة (٤٣٢) من قانون الإجراءات والذي يحدد الاختصاص المكاني للمحاكم الجنائية، إما بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة، أو الذي يقيم فيه المتهم، أو قـُبض عليه فيه، وكل هذه الأماكن محدودة لا يتسع أيٌّ منها لليمن كله.
إن من أهم صفات المحاكم الاستثنائية أنها لا تخضَعُ لقواعد الإجراءات المتبعة أمام محاكم القانون العام بما في ذلك قواعد الإجراءات المتعلقة بالإختصاص المكاني وغير المكاني، فكان من الطبيعي وقد قررت السلطةُ التنفيذية عام ٩٩٩١م استعادةَ نظام المحاكم الاستثنائية التي ألغاها دستورُ الوحدة قبل ذلك أن يأتيَ اختصاصُ المحاكم المتخصصة على هذا النحو المجافي للدستور وللقوانين في أهم حقوق المتهم المكفولة له حتى تتسق مع الغاية من إنشاء المحكمة المتخصصة!!.
٣- وما دامت المحكمةُ المتخصصةُ من جنس المحاكم الاستثنائية فإن القرارَ المنشأَ لها استقصى لها كلَّ خصائص تلك المحاكم سيئة السُمعة!!، فالمادة (٥) من القرار المذكور أجازت للمحكمة أن تعقدَ جلساتها في أي مكان من أراضي الجمهورية اليمنية، وهذا لا تملكُه أيةُ محكمة في اليمن سواء محاكم الموضوع (الابتدائية، والاستثنائية)، أو محكمة القانون وهي المحكمة العليا، فقانون المرافعات وهو الشرعةُ العامة المنظـِّمُ لإجراءات الترافع أمام المحاكم سواء منها المحاكم المدنية أو الجنائية يوجبُ على المحكمة (م ٧٥١) أن تعقدَ جلساتها في مبنى المحكمة وفي القاعة المخصصة لتلك.
ولم يُجِزْ لها أن تعقدَ جلساتها خارج مبنى المحكمة إلا على سبيل الاستثناء وبشرطَين:
أولهما: أن تدعوَ الضرورةُ لذلك، كأن يتعذر على المحكمة عقدُ جلستها في مبناها لدواعي الأمن أو لأية ضرورة ملجئة أخرى.
ثانيهما: أن يتمَّ ذلك بإذن مُسبق من وزير العدل.
فالأصلُ أن تعقدَ المحكمةُ جلساتها في مقرها ويجوزُ عقدُها في مكان آخر على سبيل الاستثناء، لكن المحكمة المتخصصة بحسب النص تعقد جلساتها في أمانة العاصمة أو في مكان (مناسب) بحسب قرار إنشائها!!، فـكلُّ مكان في الجمهورية صالحٌ لانعقادها وعلى السواء في ذلك، فليست مقيَّدةً بشرط الضرورة، وإذن وزير العدل كمحاكم القضاء العام!!، فهي استثناءٌ منها -كما أكدنا مراراً- ومع ذلك يُعابُ علينا إذ ننعتها بأنها محكمة استثنائية، بل إن في زملائنا المحامين مَن جهلنا بسبب ذلك.
٤- ويأبى قرارُ إنشاء المحكمة المتخصصة إلا أن يتوِّجَها في خاتمته بتاج الاستثنائية الذي تتوجت به محاكم الثورة، وأمن الدولة، ومحكمة الشعب وسائر المحاكم الاستثنائية بمختلف مسمياتها!!، وذلك في المادة (٦) من القرار التي دمغتها بالميسم الأبرز للمحاكم الاستثنائية والخاص بالإجراءات الواجبِ اتباعُها أمام المحكمة المتخصصة.
تقول المادة المذكورة: »تـُتـَّبَعُ في إجراءات المحاكَمة القواعدُ والإجراءاتُ المتعلقة بالمحاكمة المستعجلة المنصوص عليها في المواد (٦٩٢) وما بعدها من قانون الإجراءات«.
ودلالةُ هذا النص على الطابع الاستثنائي للمحكمة المختصة واضحةٌ، ولا تحتاج إلى مزيد بيان، فـهذه المحكمةُ تنظـُرُ القضايا أمامها بأقصى سُرعة، وهو ما يعني أنها تتبعُ في ذلك إجراءات غيرِ تلك المتبعة في المحاكم العادية!!، ويتفق الفقهاء أن أهمَّ ما يميِّزُ المحاكمَ الاستثنائية عن القضاء العادي يرجعُ إلى أن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الاستثنائية تختلفُ عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العادية (المرافعات، فتحي وإلى ص ٦٩٣)، والاستعجالُ الذي وسمَ به قرارُ الرئيس المحاكم المتخصصة معناه أن الإجراءات المتبعةَ أمامَها لا تـُـراعَى فيها حُقوقُ المتهم وحُريته في الدفاع!!، كما هو الشأنُ في المحاكم العادية، وهذا ما قرره قانونُ الإجراءات الذي أحال إليه قرار إنشاء المحكمة المختصة، فالمادة (٩٩٢) إجراءات حددت معنى الاستعجال في نظر الدعوى الجزائية بأن المقصودَ به أن تنظرَ المحكمة الدعوى فورَ إحالتها إليها، وبالأقصى بعد أسبوع من الإحالة، وأن تنظرَها في جلسات متعاقبة وتفصُلَ فيها على وجه السرعة، وهذه الإجراءاتُ تختلفُ كليةً عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العادية!!، فالسرعةُ أمام هذه الأخيرة من أخطر معايب الإجراءات وما يطلبُه القانونُ من المحكمة على العكس من ذلك هو التؤدة والبحثُ المتأني والمستقصي عن الحقيقة، وإفساحُ المجال واسعاً أمام المتهم كي يدافعَ عن نفسه، ولذلك قررت المادة (٨٦٢) إجراءات وجوب مَدِّ الجلسات إلى أن تنتهيَ المحاكمة، وإذا اقتضت الدواعي تأجيلـَها أو وقفـَها وجب المصيرُ إلى ذلك.
ومجملُ القول في ذلك: إن الغايةَ من القضاء العادي الوصول إلى الحقيقة بينما غاية القضاء الاستثنائي الزجر والردع!!، ولذلك السرعةُ في الإجراءات مطلوبةٌ للأخيرة بينما هي معوِّقٌ كبيرٌ بالنسبة للمحكمة العادية.
٥- واستكمالاً للطابع الاستثنائي للمحكمة المتخصصة ينص قرارُ إنشائها في المادة (٩) منه على أن »تكونَ للمحكمة مخصصاتٌ ماليةٌ مستقلةٌ بما يفي بحاجاتها«!!!!.
ويكفي تعليقاً على هذا النص أن نضَعَ خطاً بالبنط الكبير تحت كلمتي (مستقلة)، و(بما يفي بحاجاتها)، ثم نتذكر أن المحكمةَ المتخصصةَ وحدَها من بين سائر المحاكم في الجمهورية لها مالية مستقلة، وبما يفي بكامل احتياجاتها، وهذا الاستثناءُ العريضُ الطويلُ للمحكمة المتخصصة ودونَ غيرِها من المحاكم لم يُقنعْ بعضَ قومنا بأن هذه محكمةٌ استثنائيةٌ!!.
رابعاً: تلك لائحةٌ بالمكونات الأساسية للمحكمة المتخصصة: نشأتها- أصل مشروعيتها- اختصاصاتها، الإجراءآت المتبعة أمامها، ومنها تبيُّنُ خصائصها الاستثنائية بكامل بشاعتها!!، وبقي لها ذيولٌ أهَمُّها:
١- في البدء نقفُ عند تسميتها والتي قـُصد بها التلبيسُ على الناس بشأن الطبيعة الحقيقية لها، إذ يوهمُ الاسمُ أنها من قبيل القاضي المتخصص المعروف في بعض الأنظمة القضائية، ولا يُعابُ عليها فيه بنقيصة الاستثنائية، وهذا فيه نظرٌ، إذ لا عبرة بالاسم وإنما العبرةُ بحقيقة المسمى، وقد أبانت اللائحة السابقة التي عرضت لأهم ما تضمنه القرار الجمهوري بإنشائها أن هذه المحكمة جمعت أهم خصائص المحاكم الاستثنائية.
٢- ونزيد على ما سبق فنزن المحكمة المختصة بالمعيار السائد لدى فقهاء القانون والذي يميزون به بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية الموازية لها، ولهم في ذلك عدة معايير وأهمها -فيما نحسب- معيار المصالح وهو المعيار الذي أخذ به الدكتور/ فتحي والي (مرجع سابق ص ٦٩١) مأخوذاً من فقيه فرنسي اسمه (كيوفوندا) وآخرين ويقوم على أساس المصالح التي يحميها قضاء المحكمة، فإذا كان يحمي المصالح العادية التي تهم عموم الأشخاص فهي محكمة عادية، أما إذا كان قضاء المحكمة يحمي مصالح خاصة ذات وصف محدد أو تتعلق بشريحة معينة من الأشخاص فهي محكمة استثنائية، فالصلة بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية كالصلة بين القاعدة العامة والاستثناء.
وبتنزيل الاختصاصات المناطة بالمحكمة المتخصصة والسابق ذكرها على المعيار المذكور نجده ينطبق عليها تمام الانطباق فهي لا تحمي المصالح التي تهم عموم المواطنين مباشرة وإنما معنية بحماية مصالح خاصة تتصل بأمن الدولة؛ لأن الجرائم التي تفصل فيها تقع على خلفية هذه المصالح مثل الحرابة، والقرصنة البحرية والجوية، والجرائم الماسة بأمن الدولة، وجرائم إتلاف أو تفجير المنشآت النفطية والاقتصادية، وجرائم التعدي من قبل عصابات منظمة على الأملاك العامة أو المواصلات العامة...الخ.
وخيرُ نموذج تطبيقي لما سبق تقدمه قضية العَالِـمَينِ الفاضلين الديلمي وابن مفتاح، فالتهم التي وجهتها إليهما المحكمة تستند إلى المواد (١٢١، ٨٢١، ٩٢١، ١٣١، ٥٣١، ٦٣١) من قانون العقوبات وجميع هذه المواد تقع في الباب الأول من الكتاب الثاني المعنون (في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة) ومثل ذلك القضايا التي سبق للمحكمة المتخصصة أن فصلت فيها، ومن أشهرها قضايا المدمرة الأمريكية (كول) والفرقاطة الفرنسية (ليمبرج) وجرائم الإرهاب التي حوكم بشأنها أتباع القاعدة..
وحتى لو أخذنا المعايير التي قال بها فقهاء آخرون وهم يميزون بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية فلن تخرُجَ المحكمةُ المتخصصة عن ذلك قيد شعرة فبعضُهم يأخذ بمعيار طبيعة الإجراءات المتبعة أمامها أو طبيعة قضاتها، فالإجراءاتُ تكونُ مستعجلةً ولا تحفل بحقوق الدفاع وهذا موجودٌ في المحكمة المتخصصة بأوفر ما يكون وغالباً ما يكونُ قضاتـُها من العسكريين وقضاة محكمتنا ليسوا عن ذلك ببعيد إذا أخذنا السيرة الظل لقضاتها بدرجتيها.
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 18&Itemid=
Tuesday, 21 February 2006
المحاكم الابتدائية تختص وحدَها بالفصل في جميع الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصها
} لا أظنُّ أني سأضيفُ جديداً على ما قاله الأستاذُ/ حسن محمد زيد عن الحُـكم الصادر ضدَّ العَالِـمَينِ الجليلَينِ العلاَّمة/ يحيى حسين الديلمي، والعلامة/ محمد مفتاح، فقد قال فيه وأوفى، ولهذا جعلتُ حديثي مجردَّ هوامش على الحُـكم تنبِهُ على تفاصيلَ لم يتسع البحثُ الرصين للأستاذ/ زيد لها.
إعداد: أحمد الوادعي
أولاً: يقرر الدستور في المادة 150 التي أوردنا نصها في صدر هذا الحديث أن إنشاء وتحديد درجات المحاكم واختصاصاتها يتم بطريق القانون: (ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها..).
ومعنى ذلك أن إنشاءَ المحاكم وتحديدَ اختصاصاتها ودرجاتها لا يجوزُ أن يكونَ بناءاً على قانون ولا بلائحة أو قرار وإنما ذلك يصدُرُ به قانون من المشرع العادي المولج دستورياً بسن القوانين، وهذا يطابقُ مبدأً من أهم مبادئ الشرعية الدستورية هو مبدأ (الانفراد التشريعي).
والمقرر في المادة 62 من الدستور التي تقول: »مجلسُ النواب هو السلطة التشريعية وهو الذي يقرر القوانين«.
ومن النصين يتبين أن المشرِّعَ وحدَه هو المختصُّ بإنشاء المحاكم وتحديد اختصاصاتها، وأنه لا يجوزُ أن تسطوَ السلطةُ التنفيذيةُ على سُلطة مجلس النواب في التشريع، كما لا يجوزُ للسلطة التشريعية (مجلس النواب) أن تتنازلَ عن سُلطتها هذه للسلطة التنفيذية أو تتنصلَ منها.
وإذا كان ذلك في أي شأن من الشؤون فإنه أولى في مجال الحقوق والحريات؛ لأن مبدأَ (انفراد التشريع) يهدفُ -كما تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية- إلى أن يكونَ تنظيمُ ممارسة الحقوق والحريات ورسمُ حدودها بواسطة الشعب والحيلولة دون تدخل السلطة التنفيذية في المساس بهذه الحقوق والحريات دون موافقة السلطة التشريعية الممثلة للشعب، فـالتشريعُ: هو التعبيرُ عن موافقة الشعب عما يمكنُ القيامُ به في مجال يتعلقُ به وحدَه وهو الحقوق والحريات. (أحكام الدستورية العليا في يناير 1991م ق31 لسنة 71
والقضيةُ التي نحن بصددها تقعُ في صُلب الحقوق والحريات؛ لأن ما نشكوه فيها ويشكوه العالمان (الديلمي ومفتاح) هو أنهما يُحاكمان أمامَ غير قاضيهما الطبيعي، والقضاءُ الطبيعيُّ يقومُ على دعامتـَين كُلٌّ منهما تكمِّـلُ الأخرى، وهما استقلال القضاء والمساواة أمام القضاء، وكلاهما من أهم ضمانات الحقوق والحريات كما هو معلوم.
فمن حيث استقلال القضاء لا يجوزُ أن يخضَعَ القاضي إلا للقانون الذي يستمدُّ منه شرعيتـَه وولايتـَه دونَ تدخل في اختصاصه بنزع القضية من يد قاضيها المختص بنظرها قانوناً وإعطائها لقاضٍ أو محكمة أخرى أي تنحية قاضٍ عن قضيته وإعطاء الاختصاص لغيره بطريق التحكم.
وأما بشأن مبدأ المساواة أمام القضاء فهذا يتجسدُ في أن يحاكَمَ كُلُّ المواطنين أمامَ قضاء واحد هو القضاءُ الطبيعي ووفق مقاييس واحدة دون تمايز بحيث تتكافأ مراكزهم القانونية.
وهذا كُـلـُّه لا يتوفرُ في حق العَالِـمَينِ الجليلينِ فقد أُتهما أمام محكمة غير التي تختصُّ قانوناً بنظر خصومتهما وهي المحكمةُ التي يقعُ موطنُ كل واحد منهما في دائرتها أي أمام غير القاضي الطبيعي لكل منهما؛ لأن العلامة/ الديلمي يسكُنُ صنعاء القديمة وقاضيه الطبيعي محكمة شرق الأمانة، بينما العلامة/ مفتاح يسكُنُ الروضة (بني الحارث) فقاضيه الطبيعي محكمة بني الحارث التابعة لمحافظة صنعاء وليس للأمانة التابع لها القاضي الطبيعي لزميله في القضية، أما غيرُهما من مواطنين دائرتهما يُحاكمان أمام محكمة شرق الأمانة -بالنسبة للأول أو أمام محكمة بني الحارث بالنسبة للثاني، وهما يُحاكمان أمام المحكمة المتخصصة، وهذا إهدارٌ كلي لمبدأ المساواة أمام القضاء.
ثانياً: تبين مما سبق أن الفقرة [ب] من المادة (8) من قانون السلطة القضائية قد خولت مجلسَ القضاء الأعلى سلطة إنشاءَ محاكم متخصصة، ووفقاً لما قلناه سابقاً عن المبدأ الثابت في الدستور اليمني وهو مبدأُ »الإنفراد التشريعي« لمجلس النواب، فإن هذا المجلسَ حين أوكل الى مجلس القضاء إنشاءَ مثل تلك المحاكم يكونُ قد خرَقَ المبدَأَ المذكورَ وتنازَلَ عن سُلطته في التشريع لغيره!!!!، وقد رأينا سابقاً أن هذا ليس من حق المجلس ليس اقتضاءً لمبدأ الانفراد التشريعي فحسب، وإنما اقتضاءٌ ايضاً للمادة(150) من الدستور التي قررت أن إنشاءَ المحاكم وتحديدَ اختصاصاتها يكونُ بقانون وإنشاءُ المحاكم بقرار من مجلس القضاء الأعلى مؤداه إنشاؤُها بلائحة أو بقرار وليس بقانون.
وبناءاً على ما سبق فإن الفقرة [ب] من المادة (8) من قانون السلطة القضائية والتي يعتمدُ عليها قلةٌ من رجال القانون ومعهم جُلُّ قضاة اليمن الأجلاء في القول بدستورية المحاكم المتخصصة هي مادة مخالفة مخالفةً صريحةً لمادتين من الدستور هما المادة 26 التي حكرت سلطةَ القوانين على مجلس النواب، والمادة (150) التي منعت إنشاءَ محاكم وتحديد اختصاصاتها بغير طريق القانون، وعدم جواز عمل ذلك بطريق قرار أو بلائحة تصدرُها السلطةُ التنفيذية.. وتأكيداً للطابع الاستثنائي للمحكمة المتخصصة نعرض بالقول المختصر لنشأة هذه المحكمة.
ثالثاً: في 17/ 11/1999م أصدر فخامة المشير/ علي عبدالله صالح قراراً تحت رقم (391) قضى بإنشاء محكمة جزائية ابتدائية متخصصة وشعبة جزائية استئنافية متخصصة، وفي 20/4/2004م أصدر قراراً أضاف مادة واحدة إلى قراره السابق.
ويتكوّنُ القرارُ مع الزائدة المتأخرة من 12 مادة، الأولى منها عن التأسيس، والثانية عن تكوين المحكمة، والثالثة وتتكون من سبع فقرات مكرسة لتحديد اختصاصات المحكمة، أما بقية الفقرات (وهي تسع) فموضوعُها الوحيدُ هو الإجراءات الخاصة بهذه المحكمة.
ونشيرُ هنا إلى الخـُطوط العامة لمضمون هذا القرار بما يكفي للحُكم عليه مع بيان مصادمة أحكامه للدستور أو القانون.
} ١- تحدِّدُ المادةُ (٣) اختصاصات المحكمة الابتدائية المتخصصة، ويشملُ اختصاصُها الحرابةَ والخطفَ والقرصنةَ بأنواعها وجرائمَ الإتلاف والحريق والتفجير للمنشآت والمرافق الاقتصادية، وسرقَ وسائل النقل بالقوة أو بواسطة عصابات، وعصابةَ التعدي على الأراضي، والإعتداءَ أو الإختطافَ لرجال القضاء وأسرَهم والجرائمَ الماسة بأمن الدولة الجرائم ذات الخطورة اجتماعياً أو اقتصادياً...الخ.
ومن الواضح أن مجمَلَ هذه الاختصاصات يشكّلُ قائمةً طويلةً من الجرائم جميعُها سُحبت من اختصاص المحاكم العادية بقرار إداري »بجرة قلم!!« فـالقرارُ خالَفَ قواعدَ الاختصاص المقررة في ثلاثة قوانين ودفعة واحدة، فهو خالف المادة (١٣٢) من قانون الإجراءات التي تقولُ بأن المحاكم الابتدائية تختص وحدَها بالفصل في جميع الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصها، وخالف المادة (٩٨ فقرة -أ) من قانون المرافعات وتقرر اختصاص المحكمة الابتدائية بجميع الدعاوى أياً كان نوعُها.
وخالف قانون السلطة القضائية في مادته (٧٤) وتقول: »تكونُ للمحكمة الابتدائية الولايةُ العامة للنظر في جميع القضايا«.
وهذه النصوصُ القانونيةُ التي أهدرها قرارُ إنشاء المحكمة المتخصصة جاءت تطبيقاً للمبدأ الدستوري الذي منع إنشاءَ محاكم استثنائية، إذ مقتضى هذا المنع وغاية الدستور منه هو شمول اختصاص القضاء العادي جميع الجرائم أياً كان نوعها أو جسامتها.
ووجهُ مخالفة القانون يكمُنُ في أنه نزَعَ جملةً من الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العادية بحكم القانون!!، وجعلها من اختصاص هيئة أخرى بطريق قرار إداري صادر عن رئيس الجمهورية!!.
وفضلاً عن ذلك وأهم منه خالف الدستور، فقد رأينا سابقاً أن الدستور جعل لتحديد اختصاصات المحاكم طريقة واحدة هي القانون، ومفهومُ المخالفة للمبدأ الدستوري المذكور عدمُ جواز وعدمُ شرعية أي هيئة حُـكْم يتحدَّدُ اختصاصُها بطريق ما هو أدنى مرتبةً من القانون كاللائحة والقرار سواء كانا من إصدار السلطة التنفيذية أو غيرها من سلطات الدولة.
ومن الطبيعي أن شرطَ الدستور تحديدَ اختصاصات المحاكم القضائية بطريقة القانون معناه أنه أسند سُلطةَ تقرير هذه الاختصاصات إلى السلطة التشريعية حصراً، وبما أن قرارَ إنشاء المحكمة المتخصصة صادرٌ عن السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية فإن معنى ذلك وبدون أدنى شك أن القرارَ يمثلُ اعتداءً صريحاً من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، واغتصاباً لسلطاتها الدستورية.
ومما سبق يتضحُ أن الطابعَ الاستثنائي للمحكمة المتخصصة لا يرجعُ إلى منشأها بخصوصه، وإنما الشذوذ طاوَلَ اختصاصاتها، وبعبارة أخرى لا يرجع طابعها الاستثنائي إلى شكلها، وإنما أيضاً إلى مضمونها فهي استثنائيةٌ في قالبها وفي قلبها على السواء، ومن ثم فـوجودُها لا يصادمُ نصوصَ الدستور، وإنما يجافي أيضاً روحَه ويصادمُ غاياته؛ وذلك لأن الدستور وإن لم ينص صراحةً على مبدأ الفصل بين السلطات، إلا أن ذلك كان الناظم لمعظم نصوصه إن لم تكن كلها، ولا شك أن القرار الذي نناقشه هنا من أهم النماذج الزاخرة بها حياتنا للمستوى المتدني الذي بلغه مبدأُ الفصل بين السلطات ومدى العبث الذي يتعرض له من قبل السلطة التنفيذية.
٢- والمادة (٤) من قرار إنشاء المحكمة المتخصصة مكرسةٌ لتحديد الاختصاص المكاني لها، وجعلته شاملاً لكل الجرائم التي تقع في إقليم الجمهورية اليمنية أو أجوائها أو مياهها الإقليمية تماماً كما هو حال كل المحاكم الاستثنائية طبيعةً لصيقةً بها لا تعفي حتى المحكمة المتخصصة ذاتها.
وإذا قسنا الاختصاصَ المكاني المقدر قانوناً لجميع المحاكم الجنائية العادية في البلاد على الاختصاص المكاني الذي حدده هذا النصُّ للمحكمة الجنائية المتخصصة -بطريقة القياس المنطقي والواقعي- سنجد أن الإختصاصَ المكاني الذي أعطته هذه المادة للمحكمة المتخصصة على سعة الجمهورية هو أبرزُ مظاهر الطابع الاستثنائي!! والاستثنائي جداً لهذه المحكمة!!، إذ كلُّ محكمة جنائية عداها لها اختصاصٌ مكاني محدودٌ، فهو بحسب المادة (٤٣٢) من قانون الإجراءات والذي يحدد الاختصاص المكاني للمحاكم الجنائية، إما بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة، أو الذي يقيم فيه المتهم، أو قـُبض عليه فيه، وكل هذه الأماكن محدودة لا يتسع أيٌّ منها لليمن كله.
إن من أهم صفات المحاكم الاستثنائية أنها لا تخضَعُ لقواعد الإجراءات المتبعة أمام محاكم القانون العام بما في ذلك قواعد الإجراءات المتعلقة بالإختصاص المكاني وغير المكاني، فكان من الطبيعي وقد قررت السلطةُ التنفيذية عام ٩٩٩١م استعادةَ نظام المحاكم الاستثنائية التي ألغاها دستورُ الوحدة قبل ذلك أن يأتيَ اختصاصُ المحاكم المتخصصة على هذا النحو المجافي للدستور وللقوانين في أهم حقوق المتهم المكفولة له حتى تتسق مع الغاية من إنشاء المحكمة المتخصصة!!.
٣- وما دامت المحكمةُ المتخصصةُ من جنس المحاكم الاستثنائية فإن القرارَ المنشأَ لها استقصى لها كلَّ خصائص تلك المحاكم سيئة السُمعة!!، فالمادة (٥) من القرار المذكور أجازت للمحكمة أن تعقدَ جلساتها في أي مكان من أراضي الجمهورية اليمنية، وهذا لا تملكُه أيةُ محكمة في اليمن سواء محاكم الموضوع (الابتدائية، والاستثنائية)، أو محكمة القانون وهي المحكمة العليا، فقانون المرافعات وهو الشرعةُ العامة المنظـِّمُ لإجراءات الترافع أمام المحاكم سواء منها المحاكم المدنية أو الجنائية يوجبُ على المحكمة (م ٧٥١) أن تعقدَ جلساتها في مبنى المحكمة وفي القاعة المخصصة لتلك.
ولم يُجِزْ لها أن تعقدَ جلساتها خارج مبنى المحكمة إلا على سبيل الاستثناء وبشرطَين:
أولهما: أن تدعوَ الضرورةُ لذلك، كأن يتعذر على المحكمة عقدُ جلستها في مبناها لدواعي الأمن أو لأية ضرورة ملجئة أخرى.
ثانيهما: أن يتمَّ ذلك بإذن مُسبق من وزير العدل.
فالأصلُ أن تعقدَ المحكمةُ جلساتها في مقرها ويجوزُ عقدُها في مكان آخر على سبيل الاستثناء، لكن المحكمة المتخصصة بحسب النص تعقد جلساتها في أمانة العاصمة أو في مكان (مناسب) بحسب قرار إنشائها!!، فـكلُّ مكان في الجمهورية صالحٌ لانعقادها وعلى السواء في ذلك، فليست مقيَّدةً بشرط الضرورة، وإذن وزير العدل كمحاكم القضاء العام!!، فهي استثناءٌ منها -كما أكدنا مراراً- ومع ذلك يُعابُ علينا إذ ننعتها بأنها محكمة استثنائية، بل إن في زملائنا المحامين مَن جهلنا بسبب ذلك.
٤- ويأبى قرارُ إنشاء المحكمة المتخصصة إلا أن يتوِّجَها في خاتمته بتاج الاستثنائية الذي تتوجت به محاكم الثورة، وأمن الدولة، ومحكمة الشعب وسائر المحاكم الاستثنائية بمختلف مسمياتها!!، وذلك في المادة (٦) من القرار التي دمغتها بالميسم الأبرز للمحاكم الاستثنائية والخاص بالإجراءات الواجبِ اتباعُها أمام المحكمة المتخصصة.
تقول المادة المذكورة: »تـُتـَّبَعُ في إجراءات المحاكَمة القواعدُ والإجراءاتُ المتعلقة بالمحاكمة المستعجلة المنصوص عليها في المواد (٦٩٢) وما بعدها من قانون الإجراءات«.
ودلالةُ هذا النص على الطابع الاستثنائي للمحكمة المختصة واضحةٌ، ولا تحتاج إلى مزيد بيان، فـهذه المحكمةُ تنظـُرُ القضايا أمامها بأقصى سُرعة، وهو ما يعني أنها تتبعُ في ذلك إجراءات غيرِ تلك المتبعة في المحاكم العادية!!، ويتفق الفقهاء أن أهمَّ ما يميِّزُ المحاكمَ الاستثنائية عن القضاء العادي يرجعُ إلى أن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الاستثنائية تختلفُ عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العادية (المرافعات، فتحي وإلى ص ٦٩٣)، والاستعجالُ الذي وسمَ به قرارُ الرئيس المحاكم المتخصصة معناه أن الإجراءات المتبعةَ أمامَها لا تـُـراعَى فيها حُقوقُ المتهم وحُريته في الدفاع!!، كما هو الشأنُ في المحاكم العادية، وهذا ما قرره قانونُ الإجراءات الذي أحال إليه قرار إنشاء المحكمة المختصة، فالمادة (٩٩٢) إجراءات حددت معنى الاستعجال في نظر الدعوى الجزائية بأن المقصودَ به أن تنظرَ المحكمة الدعوى فورَ إحالتها إليها، وبالأقصى بعد أسبوع من الإحالة، وأن تنظرَها في جلسات متعاقبة وتفصُلَ فيها على وجه السرعة، وهذه الإجراءاتُ تختلفُ كليةً عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العادية!!، فالسرعةُ أمام هذه الأخيرة من أخطر معايب الإجراءات وما يطلبُه القانونُ من المحكمة على العكس من ذلك هو التؤدة والبحثُ المتأني والمستقصي عن الحقيقة، وإفساحُ المجال واسعاً أمام المتهم كي يدافعَ عن نفسه، ولذلك قررت المادة (٨٦٢) إجراءات وجوب مَدِّ الجلسات إلى أن تنتهيَ المحاكمة، وإذا اقتضت الدواعي تأجيلـَها أو وقفـَها وجب المصيرُ إلى ذلك.
ومجملُ القول في ذلك: إن الغايةَ من القضاء العادي الوصول إلى الحقيقة بينما غاية القضاء الاستثنائي الزجر والردع!!، ولذلك السرعةُ في الإجراءات مطلوبةٌ للأخيرة بينما هي معوِّقٌ كبيرٌ بالنسبة للمحكمة العادية.
٥- واستكمالاً للطابع الاستثنائي للمحكمة المتخصصة ينص قرارُ إنشائها في المادة (٩) منه على أن »تكونَ للمحكمة مخصصاتٌ ماليةٌ مستقلةٌ بما يفي بحاجاتها«!!!!.
ويكفي تعليقاً على هذا النص أن نضَعَ خطاً بالبنط الكبير تحت كلمتي (مستقلة)، و(بما يفي بحاجاتها)، ثم نتذكر أن المحكمةَ المتخصصةَ وحدَها من بين سائر المحاكم في الجمهورية لها مالية مستقلة، وبما يفي بكامل احتياجاتها، وهذا الاستثناءُ العريضُ الطويلُ للمحكمة المتخصصة ودونَ غيرِها من المحاكم لم يُقنعْ بعضَ قومنا بأن هذه محكمةٌ استثنائيةٌ!!.
رابعاً: تلك لائحةٌ بالمكونات الأساسية للمحكمة المتخصصة: نشأتها- أصل مشروعيتها- اختصاصاتها، الإجراءآت المتبعة أمامها، ومنها تبيُّنُ خصائصها الاستثنائية بكامل بشاعتها!!، وبقي لها ذيولٌ أهَمُّها:
١- في البدء نقفُ عند تسميتها والتي قـُصد بها التلبيسُ على الناس بشأن الطبيعة الحقيقية لها، إذ يوهمُ الاسمُ أنها من قبيل القاضي المتخصص المعروف في بعض الأنظمة القضائية، ولا يُعابُ عليها فيه بنقيصة الاستثنائية، وهذا فيه نظرٌ، إذ لا عبرة بالاسم وإنما العبرةُ بحقيقة المسمى، وقد أبانت اللائحة السابقة التي عرضت لأهم ما تضمنه القرار الجمهوري بإنشائها أن هذه المحكمة جمعت أهم خصائص المحاكم الاستثنائية.
٢- ونزيد على ما سبق فنزن المحكمة المختصة بالمعيار السائد لدى فقهاء القانون والذي يميزون به بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية الموازية لها، ولهم في ذلك عدة معايير وأهمها -فيما نحسب- معيار المصالح وهو المعيار الذي أخذ به الدكتور/ فتحي والي (مرجع سابق ص ٦٩١) مأخوذاً من فقيه فرنسي اسمه (كيوفوندا) وآخرين ويقوم على أساس المصالح التي يحميها قضاء المحكمة، فإذا كان يحمي المصالح العادية التي تهم عموم الأشخاص فهي محكمة عادية، أما إذا كان قضاء المحكمة يحمي مصالح خاصة ذات وصف محدد أو تتعلق بشريحة معينة من الأشخاص فهي محكمة استثنائية، فالصلة بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية كالصلة بين القاعدة العامة والاستثناء.
وبتنزيل الاختصاصات المناطة بالمحكمة المتخصصة والسابق ذكرها على المعيار المذكور نجده ينطبق عليها تمام الانطباق فهي لا تحمي المصالح التي تهم عموم المواطنين مباشرة وإنما معنية بحماية مصالح خاصة تتصل بأمن الدولة؛ لأن الجرائم التي تفصل فيها تقع على خلفية هذه المصالح مثل الحرابة، والقرصنة البحرية والجوية، والجرائم الماسة بأمن الدولة، وجرائم إتلاف أو تفجير المنشآت النفطية والاقتصادية، وجرائم التعدي من قبل عصابات منظمة على الأملاك العامة أو المواصلات العامة...الخ.
وخيرُ نموذج تطبيقي لما سبق تقدمه قضية العَالِـمَينِ الفاضلين الديلمي وابن مفتاح، فالتهم التي وجهتها إليهما المحكمة تستند إلى المواد (١٢١، ٨٢١، ٩٢١، ١٣١، ٥٣١، ٦٣١) من قانون العقوبات وجميع هذه المواد تقع في الباب الأول من الكتاب الثاني المعنون (في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة) ومثل ذلك القضايا التي سبق للمحكمة المتخصصة أن فصلت فيها، ومن أشهرها قضايا المدمرة الأمريكية (كول) والفرقاطة الفرنسية (ليمبرج) وجرائم الإرهاب التي حوكم بشأنها أتباع القاعدة..
وحتى لو أخذنا المعايير التي قال بها فقهاء آخرون وهم يميزون بين المحاكم العادية والمحاكم الاستثنائية فلن تخرُجَ المحكمةُ المتخصصة عن ذلك قيد شعرة فبعضُهم يأخذ بمعيار طبيعة الإجراءات المتبعة أمامها أو طبيعة قضاتها، فالإجراءاتُ تكونُ مستعجلةً ولا تحفل بحقوق الدفاع وهذا موجودٌ في المحكمة المتخصصة بأوفر ما يكون وغالباً ما يكونُ قضاتـُها من العسكريين وقضاة محكمتنا ليسوا عن ذلك ببعيد إذا أخذنا السيرة الظل لقضاتها بدرجتيها.
http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 18&Itemid=
عندما نصل إلى مرحلة الفناء على المنهج القويم ، أعتقد أنا قد وصلنا إلى خير عظيم .

