ردا على الغزالي و سبحاني

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
محمد33333
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 292
اشترك في: الخميس أكتوبر 06, 2005 11:59 am

ردا على الغزالي و سبحاني

مشاركة بواسطة محمد33333 »

أولا قال الغزالي :
لا وقت عندى للاسف لهذه الجدالات المذهبية , و اكتفى بان اقول لك : ان اكبر طعن فى محمد ص هو القول بانه ترك امته دون ان ينصب لها علما هاديا يبين لها الحق و يفسر لها القران من بعده
و أقول

ال لاوقت كناية عن التهرب

و أقول لك

هذا العلم الهادي الذي يفسر القرآن و يبين الحق و يهدي الأمة

إما أن يكون على ذلك لأنه يتبع الدليل الذي هو القرآن و السنة و العقل و الاجماع

أو أن لا يكون

إن كان يتبع الدليل
فالعبرة ليست به و إنما العبرة بالدليل

فلا مصحح للاستجابة له إلا بالنظر في دليله


و إذا كان لا يتبع الدليل و إنما يهدي إلى الحق و يبين الطريق و يفسر القرآن

من دون استدلال و إنما يعرفها ضرورة

فاعلم أن الذي يعرفها ضرورة يعني يعرفها بدون فعله و إنما بما بفعل به

و من يفعل به و بنا و يحصل العلم الضروري فهو الله

و هذا معناه و بكل بساطة

أن هذا المتبع و المبين القرآن و الهادي للحق من دون أي استدلال

ليس سوى نبيا معصوم عن الخطأ بقدرة الله .

و القول بني بعد رسول الله

هو كفر برسول الله
----------

و على كل

فالنبي لم يتركنا

من دون علم

و إنما تركنا مع علم كبير

اسمه القرآن الكريم

و معه علم كبير مثله

اسمه السنة النبوية

و عندنا عقولنا

و نفكر و نستدل

و ليس بعد هذا الكلام كلام

و على كل و على أية حال

فنحن اليوم متروكون بلا علي

و ليس عندنا إلا القرآن و السنة و العقل و الاجماع

بعبارة أخرى

إما أن تجوز ترك الأمة بلا هاد (بشري ) يرشدها

أو أن لا تجوز

إن جوزت

فقل ذلك بعد وفاة الرسول و بالتالي تسقط حجتاك الواهية كما تسقط أوراق الشجر في فصل الخريف

و إن لم تجوز و زعمت أنه طعن في الرسول

فالحال أنه الآن الأمة متروكة بلا هاد و لا مرشد

فالطعن متحقق

و الطاعن في رسول الله كافر يا ( غزالي ) و ما أبعدك عن حجة الإسلام الغزالي

فلا يخلو حال حجتك عن طعن في النبي أو انتقاضها فاختر

-------------

و أما ما تفتق به ذهنك الوقاد
و ليس فى القول بمخالفة بعض او حتى اغلب الصحابة لوصية الرسول ص ما يقدح فى نبوة محمد ص فقد ارتد اغلب بنى اسرائيل فى حياة موسى ع و عبدوا العجل و لا يقول مسلم ان هذا يقدح فى نبوة موسى ع
و هذا أمر يكشف عن طوايا النفوس و خبايا الأمور

و على كل

بين الامرين فرق كبير

هو أن موسى لم يكن النبي الخاتم

بينما محمد كان النبي الخاتم

و النبي الخاتم

لم نعرف رسالته إلا بمن أخبر عنه

و من أخبر عنه ليسوا سوى أصحابه

فإن جوزنا عصيان أصحابه لأمره في الأمر الذي يعتبره الزاعمون به أصل الدين الأصيل و ركن الأمة الركينه
اذ كانوا بين مشارك و ممالئ و متق

فهلا جوزنا

كتمان سورة من القرآن ( سورة الولاية أو النورين مثلا)

صلاة سادسة

هلا جوزنا أن النص علي علي كان نصا في فترة من حياة الرسول

ثم نص الرسول على رجل آخر

فاتفق علي و أبو بكر و عمر و عثمان أن يكتموا النص على ذلك الرجل

و أن يرتبوا الخلافة بينهم على ما حصل

و أن يزعموا أن نص علي لم ينسخ تشويشا على ذلك الرجل المنصوص عليه و الذي لا نعرفه

و لعله سعد بن عبادة الذي اعتزلهم للشام

أو آخر قرروا كتمان أمره

ليظل الأمر فيهم

و هلا قلت

أن النبي لم يكن النبي الخاتم

و إنما كان النبي الخاتم هو أحمد الذي بشر به عيسى و ليس محمد

لكن أصحاب محمد (الذين برأيك جاز منهم الاجماع على مخالفته كل لسببه طمعا أو ممالئة أو خوفا و تقية ) قرروا أن يزعموا ختم النبوة ليفسدوا على ذلك النبي أمره و يبقى الامر فيهم قائما لا ينازعهم عليه أحدو تظل الخلافة في قريش والعربية لغة قريش لغة سيدة و ليظل العرب هم المصطفين من ولد آدم



أقول لك يا غزالي

كل هذه طعونات

و المزيد المزيد

إن فتحت الباب ستتوالي جمعاء

و كلها طاعنة في الإسلام و نبوة محمد و استمراريته

و كلها لازمة عن قولكم بالطعن في صحابة الرسول و اجماعهم على خلاف ما أراد الرسول في أصل من أصول الدين

----------

ثم قلت
و اقرا هذا البحث لعلك تستفيد
ربما كان معنى قولك

كي أصير رافضيا

-----------

على كل

أقول لك شيئا هاما جدا

هناك عدة أنظمة للحكم

ديموقراطي
ثيوقراطي
دكتاتوري


الفرق بين الشيعة و الزيدية (القائلين بالنص) و بين المعتزلة و أهل السنة ( النافين للنص)

هو الفرق بين الثيوقراطيين و بين الديموقراطيين


فهم في الواقع غير مختلفين على مسألة واحدة و إنما هم كل منهم لهم تصوره الخاص لنص المشكلة

الشيعة حين يتحدثون عن الإمام فهم يسندون إليه وظائف النبي + الوظائف الدنيوية لرئيس الدولة

بينما المعتزلة و أهل السنة حين يتحدثون عن الإمام فهم يسندون إليه مهام رئيس الدولة الدنيوية لا الدينية


و هنا الخلاف

في تصور كل طرف للمشكلة

لكن الحل يكمن بكل بساطة في أمرين هامين

أولها

الرئيس الذي يجمع السيفين ( و هو المصطلح المسيحي لسطلة البابا الدينية كنيابة عن المسيح و سلطة القيصر الدنيوية كرئيس للدولة )

قول باطل

لأن مما يعلمه المسلمون ضرورة حتى أن منكره كافر بالاجماع

هو أن النبي محمد -ص- و خاتم الأنبياء

و هذه القاعدة المهمة ختم النبوة تفند كل الدعاوي التي تزعم الحاجة إلى مرشد ذي سلطة آلهية و عصمة آلهية كي لا تضل الأمة
لأنهما متناقضان على طول الخط

لأن معنى ختم النبوة ليس أنه لا أحد يسمى نبيا بعد الرسول

فالعبرة ليس في الاسم

و إنما في المسمى في المعنى

و هو انقطاع أي اتصال بين السماء و الأرض

انقطاع الوحي

و الذين يقولون بالمرشد المعصوم من الله هم أنفسهم الذين يقولون بالوحي الآلهي بعد نبوة سيدنا محمد و هذا باطل باطل باطل و كفر كفر كفر

فإن كانت الأمة مجمعة على أن الوحي منقطع و أن صلة السماء بالارض انقطعت

كان القول بالإمامة وفق التصور الشيعي قولا باطلا لأنه مناقض للتصور الإسلامي الذي هو ختم النبوة و التي تصبح مجرد تسمية لا معنى لها وفق التصور الشيعي

و أما ان قال الشيعة

أنه كيف يهتدي الانسان إلى الصواب إن لم يكن هناك من هاد

جاوبنا

بأن العقل و القرآن و السنة هي أمور كافية لتحقيق الهداية

و المطلوب ليس أن يجبر الله الانسان على الاهتداء

و إنما أن يخيره و يبين له الطريق

فيهتدي مختارا لا مضطرا و إلا فلا ألجأ الله الناس للهداية و الطاعة لم يكن معنى للعقاب و الثواب لأنه أمر غير مستحق


ذلك كان الأمر الأول

أما الأمر الثاني

و هو أن المدعي بالإمامة التي تجمع السيفين ( تجمع السلطة الدينية و الدنيوية ) بحيث يكون صاحبها هاديا و مرشدا للأمة و مبينا لها الطريق الحق و يكون واجبا اتباعه

إما أن يقول هذا على الوجوب أو الجواز

إن قاله على الوجوب انتقض بالحاضر الواقع لنا

و الحال أن هذا الإمام الذي يبين الطريق و يهدي إلى الحق و المعين من قبل الله و المعصوم عن الخطأ

غير موجود

لكن لو كان واجبا لوجد

فلما لم يوجد لم يكن واجبا

و أما إذا كان الامر على طريق الجواز

فيكون نصب مثل هذا الامام جائز

و أيضا عدم نصبه جائز أيضا

و ترجيح أحد الطرفين بحاجة إلى مرجح

و لا مرجح

فيبطل القول على الحالين


و بالتالي ستعرف يا سيد غزالي

أن كل ما تقول به الشيعة ليس سوى أوهاما

يبطل العقل و المنطق

و بالتالي

فالقول أن العقل يوجب نصب الإمام على الله

قول باطل

و إذا بطل

بطل النص

--------
و على كل

فأنت تزعم زيديتك

لكن لسانك ينطق بقول الإمامية

لا الزيدية

و إلا فلو قرأت كتابا زيديا مثل القلائد في العقائد تأليف الإمام أحمد بن يحيى المرتضى رحمه الله ستجده يرد على دعاوي الشيعة في أن النص على الإمام واجب عقلا بحجة أنه لطف مقرب إلى الطاعات

فقد أجاب عليه المرتضى بان هذا لطف خاض و مثله لا يعلم بالعقل و إنما بالشرع بخلاف اللطف العام .

----------


و أما المقالة تاعت جعفر السبحاني

فهو يبدأ بالأمر التالي

ذكر أربع وظائف للنبي
( و هي الوظائف التبليغية للرسول )



ثم يتحدث أن غياب الرسول سيؤدي إلى غياب هذه الوظائف الأربعة

ثم يتحدث

أن هناك ثلاثة احتمالات

1- أن تكون الأمة لا مبالية
2- أن تكون الأمة مستعدة للقيام بالعبء
3- أن توكل مهمات التبليغ لشخص آخر

ثم هو يسقط الاحتمال الأول لأنه واه بنظره

و هو هنا يحاول تفنيد الأمر الثاني

و حججه أن الأمة مختلفه
و الأمثلة التي ساقها

1- الاختلاف في كيفية المسح أو الغسل على الأيدي


و أقول

يا غزالي يا من تقوم بالقص و النسخ

أنسيت أن الزيدية يقولون بالغسل مثل أهل السنة

و أن الخلاف لم يكن إلا من الإمامية

و لكن هذا جميل

فحجة موجهة لنحره

فهو يزعم أن بالحجة المزعومة و هو علي تنتفي الاختلافات لكن الواقع أن من يقولون بإمامة علي أيضا مختلفون فلم جاز هنا و لم يجز هناك

و أما الأمر الثاني

فهو تفسير كيفية القطع و الكلالة ، ....

و أما الأمر الثالث
فهو في مجال العقيدة


و أما الأمر الرابع
فهو عدم كفاية الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية لمعرفة أحكام الفقه مما أدى إلى استحداث وسائل جديدة من قياس و استحسان

ثم هو يذكر الأمثلة على الامور المستحدثة

و هو يزعم أن اللجوء إلى الاجتهاد تعبير عن عدم كفاية السنة و القرآن لحل كافة المشكلات+

فهو يذكر أن القياس كان أحد هذه الوسائل الذي تبنته جماعة من الصحابة و أنكره جماعة منها الإمام علي و أهل البيت
( و لاحظ يا غزالي أنك تزعم التزيد و الزيدية يقولنون بالقياس و هذه الحجة مفصلة على مقاس الإمامية و ليس على مقاسكم )

و بهذا يستنتج السبحاني
وذلك كلّه يدلّ على عدم وفاء نصوص الكتاب والسنّة، بما استجدّ للمسلمين بعد عصر الرسالة، من مسائل، أو ما جدّ لهم من حاجة.
و أيضا يقول
وهو أنّه لم يقدر للنبي استيفاء مهمة التشريع،
ثم يذكر الفراغ في مجال رد الشبهات و التشكيكات

ثم اختلاف الأمة

ثم يتحدث عن
ممّا يوضح عدم تمكّن الأمّة من صيانة الدين الحنيف عن التحريف وأبنائها عن التشتت،
بمعنى أنه يقر بأن الدين الحنيف تم تحريفه !!!!!!!!!!!

و بتحدث عن
وجود الروايات الموضوعة والمجوعولات الهائلة

و يخلص إلى النتيجة التالية
هذا البحث الضافي يثبت حقيقة ناصعة، وهي عدم تمكّن الأُمّة، مع مالها من الفضل، من القيام بسدّ الفراغات الهائلة خلّفتها رحلة النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فلا مناص من تعيُن الإحتمال الثالث، وهو سدّ تلك الثغرات بفرد مثالي يمارس وظائف النبي في المجالات السابقة، بعلمه المستودع فيه، ويكون له من المؤهلات ما للنبي الأكرم، وسوى كونه طرفاً للوحي.



هذا باختصار كل محاولة السبحاني

المتهافته

و التي تنطلق من أصول الشيعة الإمامية

و ليس من الزيدية

و أجيب عليها بالتالي


أولا
كل ما يسعى إليه هو ايجاب نصب الإمام على الله

لكن هذا باطل

لأن مثل هذا الإمام

غير موجود

فلو كان واجبا لوجد

فلما لم يوجد

لم يوجب

و هذا هدم لمقالته كلها

ثانيا

كل ما زعمها من مبررات

و هي اختلاف الأمة في التفسير

في الأحكام

في العقائد

في الأحاديث

حاصل ليس فقط بين الشيعة و إنما بين الشيعة الإمامية أنفسهم

فأما الأحاديث

فثلثا كتابهم الأكبر و هو الكافي هم مجمعون على أنه موضوع

و في العقائد

ففرق كبير في الاعتقاد بين الإمامية الأوائل

امامية هشام بن الحكم المجسم القائل بحدوث العلم

و بين امامية بنو نوبخت و إمامية الشريف المرتضى

فالواقع

أن الإمامية أنفسهم مختلفون في العقائد و بالتالي فإن النص لن يفدهم


و أما في الفقه

فحدث و لا حرج

و اختصر بتعليق واحد من أعظم علماء الشيعة على مر العصور و من يريد التحقق فليرجع لكتبهم الفقية

و هو الفيض الكاشاني

و هو يقول عن الشيعة ( و يقصد الإمامية ) : : (تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيد، بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها) الوافي ص 9



فالاختلاف أيضا موجود حتى في الأمور العقدية

فضلا عن الفقه

و في التفسير أيضا نفس الشيء

و لا أقل من أن يقرأ أي من تفاسير الشيعة خصوصا التي تعمل بالرواية


فينتج من هذا

أن ما اعترضته يا سبحاني

هو وجود هذه الأشياء

فاقترحت حلا و هو النص

لكن الحل فشل

فالخلاف أيضا موجود بين من يقرون بالنص و يزعمون أنهم يتبعون المنصوص عليه

-----------

ثم أقول

إن الزعم بان الدين حرف و بأن الشريعة لم تكتمل و ليست وافية بالأمور المستحدثة و لهذا فلا بد من حاجة لأئمة جدد بعد الرسول

زعم باطل
أولا
"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا "

ثانيا
إن اتصال الشيعة بأئمتها انقطع منذ ما يزيد عن 1000 عام و أي منذ بداية الغيبة الكبرى

فما يفعله الشيعة بالأمور المستحدثة و الجديدة
فإن جوزتموها في حالكم و لم تقولوا ببطلان الغيبة

فلم جعلتم عدم النص باطلا بعد النبي لأنه يترك الأمة بدون معرفة الأمور المستحدثة

فالحال سيان بيننا و بينكم

ثالثا
إن الزعم بعد اكتمال الشريعة و الحاجة إلى معلم استودع فيه العلم

ما الفرق بينه و بين الرسول

إلا أن الرسول يسمى رسول

بينما صاحبكم له كل ما للرسول إلا الاسم

و معلوم أن القول بختم النبوة يبطل مقالتكم

و على كل فما هو معنى ختم النبوة

هل هو عدم الاتيان بشريعة جديدة

ليس هذا فكل من جاؤوا بعد موسى كانوا على شريعته و كانوا أنبياء

و أيضا أنتم تقولون بشريعة جديدة مكلمة للناقص من الشريعة السابقة

و ختم النبوة

ليس إلا انقطاع الصلة بين السماء و الارض انقطاع الوحي

لأن الانسانية وصلت مرحلة النضوج التي أصبحت فيه قادرة على ممارسة دورها في خلافة الله

و ليس المطلوب من الله جبر البشر على الطاعات

و إنما تبيين سبل الطاعات ليختاروها بارادتهم أو يرفضوها إن شاؤوا



---------------------

و أخيرا

غاية الأمر

هي القول بوجوب النص على الإمامة عقلا

لمسببات مختلفة

و الرد عليه

بأن هذه مقالة الإمامية لا الزيدية

و ايضا

باطلة لما لك يكن اليوم إمام

و من يستدلون عليها

لا يؤمنون بختم النبوة

و إنما يؤمنون بأنبياء موحى إليهم مستودع بهم العلم قامت بهم الحجة على غيرهم

لكنهم لا يسمونهم أنبياء و موحى إليهم

و إنما يسمونهم

أئمة معصومين


و سلاما

على من يحاول أن يقرأ ما يأتي به

محمد33333
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 292
اشترك في: الخميس أكتوبر 06, 2005 11:59 am

مشاركة بواسطة محمد33333 »

و لما كانت مقالة السبحاني التي رددت عليها تندرج في اطار معارض لتوجه الزيدية

فجميل ذكر مقالة للقاسم الرسي إمام الزيدية

و هذا عنوانها على الانترنت

http://www.albasair.org/ebooks/Alrassi/ ... 105.htm#t1

الرد على الرافضة في الوصي والحجة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله على كل حال.

زعمت الرافضة أنه لم يكن قرن من القرون خلا، ولا أمة من الأمم الأولى، إلا وفيها وصي نبي، أو وصي وصي، حجة لله قائمة عليهم، وعالم بأحكامه فيهم، مفروضة عليهم طاعته ومعرفته، ليس لأحد ممن معه في دهره حالهولا صفته، لا يهتدي إلى الله أبدا مَن ضلَّه، ولا يعرف اللهَ سبحانه أبدا مَن جَهله .

فيُسألون ـ ولا قوة إلا بالله ـ عن فترات الرسل في الأيام الماضية، وما لم يزل فيها لا ينكره منكر ولا يجهله من الأمم الخالية، هل خلت منها كلها فترة ؟ وأمة منهم مستقلة أم مستكثرة ! ؟ من أن يكون فيها إمام هادٍ ؟ حجة لله على من معه من العباد، يعلم من حلال الله وحرامه، وجميع ما حكم الله به في العباد من أحكامه، ما يعلم مَن تقدَمه وكان قبله، من كل ما حكم الله به ونزله ؟

فإن قالوا: لا تخلو فترة من الفترات مضت، ولا أمة من الأمم كلها التي خلت، من أن يكون فيها إمام هاد على العباد لله حجة، ليس بأحد معه إلى غيره من الخلق كلهم حاجة مُحوِجة، في احتجاج بحق ولا تبيين، ولا في حكم من أحكام الدين، من نذارةٍ لِغيٍّ ولا ردى، ولا تبصرة لرشد ولا هدى، كما قالت الرافضة فلا حاجة إذاً بعد آدم، بأمة من الأمم، إلى أن يبعث الله فيهم نبيا، ولا يجدد لهم لرشده وحيا، يُعلِّمهم في دين الله علما، ولا يحكم عليهم لله حكما، ومن كان من ذلك وفيه، ففضل لا فاقة بأحد إليه، لأنه لا يُبعث نبي في فترة، ولا أمة مستقلة ولا مستكثرة، إلا ووصيها فيها، كافٍ في الحجة عليها، مستغنىً به عن التبصرة والتعريف، وما حمَّلها الله من فرض أو تكليف، تامة به النعمة في الهدى من الله عليهم، لعلمه بجميع أحكام الله سبحانه فيهم، وفيما قالوا به من هذا القول، الغِنَى عن كل نبي أو رسول، جاء عن الله بنذارة لجاهل من عباده أو تعليم، أو هداية لضآل من خلقه أو تقويم .

وفي هذا من إكذاب كتاب الله ووحيه، وخلاف خبره تبارك وتعالى على لسان نبيه، ما لا خفاء به ولا فيه عن موحِّد ولا ملحد، ولا خصم لَدَّ أو لم يلِدّ، والله تبارك وتعالى يقول في إكذاب من قال بهذا القول عليه في كتابه، بما لا يأباه مكابر مرتاب وإن عظمت بليته في ارتيابه، قال الله سبحانه :﴿ولقد أرسلنا قبلك في شيع الأولين﴾ [الحجر: 10] . وقال سبحانه :﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ [النمل: 36]. وقال سبحانه :﴿وإن من أمة إلا خلا فيها نذير، وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المنير﴾ [فاطر: 24- 25]. وقال سبحانه :﴿وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور﴾ [فاطر: 4]، مع ما ذكر لا شريك له مما يكثر، عن أن نحصيه من تبعيثه في الماضين للرسل والنذر، وما لم يزل يجدده من نعمه من ذلك في البشر، لا يذكر سبحانه في ذلك كله وصيا، ولا مما ذكرت الروافض في ذلك كله شيا، ولو كان الهدى يصاب بغير كتب الله ورسله، لعرف الله في ذلك بمنته وفضله، ولذكر حجته على عباده، وما دلهم عليه به من رشاده، كما قال سبحانه فيما أنعم به من وحيه، وَمنَّ به فيه من أمره ونهيه :﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾ [يونس: 75]. وقال سبحانه :﴿يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا﴾ [النساء: 174]. مع ما يكثر في هذا ومثله، من ذكر نعم الله فيه وفضله، وكما قال سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله :﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [الأنبياء: 107]. وقال سبحانه :﴿لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ [آل عمران: 164].

وكما قال سبحانه :﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا﴾ [الأحزاب: 45 - 46]. فذكر سبحانه منته على عباده، برسوله وكتابه. وما ذكر في ذلك مما تقول الرافضة ـ بحمد الله ـ قليلا ولا كثيرا، ولا أنه جعل غير رسوله كما جعله سراجا منيرا، فنحمد الله على ما أفرد به رسوله صلى الله عليه وعلى أهله من التقدمة والتبيين، إلى الدلالة به لعباده على كل رشد أودين، فهدى به في أيام حياته، وقبل نزول حِمامه ووفاته، خلقا كثيرا من خلقه، ودلَّهم سبحانه على سبيل حقه، وهو بينهم سَوِيّ حَيّ، ينزل عليه ـ وهم معه أحياء ـ الوحي، ببيان ما التبس عليهم، وبما مَنَّ الله به من بعث رسوله فيهم، وقد أكمل لهم سبحانه قبل وفاته الدين، وأبان لهم به صلى الله عليه وعلى أهله التبيين، بأنور دليل، وأقوم سبيل، وأبلغ حجة في هدى وتبصير، وأهدى هداية تكون بنذارة أو تذكير .

وفيهم ما يقول سبحانه :﴿وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم﴾ [آل عمران: 101]. وكما قال سبحانه :﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ [المائدة: 3]، خبرا منه سبحانه عن أنه قد بيَّن لهم دينهم كله جميعا تبيينا، ومن ذلك ما يقول سبحانه :﴿فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ [الأنعام: 149]. وقوله سبحانه :﴿ومالكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين﴾ [الأنعام: 119]. ويقول :﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير﴾ [الحج: 77 - 78]. فجعلهم جميعا برحمته وفضله، وإكرامه لآبائهم من أوليائه ورسله، شهداء على خلقه وعباده، وأمناءه في أرضه وبلاده .

وجعلهم سبحانه أئمة شهداء كما جعلهم، وفضَّلهم من ولادة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بما فضَّلهم، فبفعلهم للخيرات، وعملهم للصالحات، في كل ما حكم به عليهم من فرضه، وعدهم ما وعدهم من الإستخلاف لهم في أرضه، وما وعدهم في ذلك من مواعيده، وتكفَّل لهم به في الشكر عليه من مزيده.

وأخبر سبحانه بأصدق الخبر عن فسق من كفر منهم نِعَمَه فيه، ولم يؤد من شكره به ما يجب لله عليه، فقال سبحانه :﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون﴾ [النور: 55].

فمن لم يفعل من الإيمان ما فعلوا، ويعمل من الصالحات كما عملوا، فلم يجعل الله له إيمانا ولا إسلاما، فكيف يجعله الله في الهدى إماما ؟! وإنما جعل الله الإمام مَنْ هدى بأمره، وعُرِفَ بالجهاد في الله مكان صبره، كما قال الله لرسوله، صلى الله عليه وعلى آله :﴿ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرآئيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ [السجدة: 23].

فكيف يكون بالله موقنا أو معتصما، أو عند الله مؤمنا أو مسلما، من يشبه الله بصورة آدم، وبما فيه من صور الشعر واللحم والدم ؟ وأولئك فأصحاب هشام بن سالم .

أو كيف يكون كذلك من قال بقول ابن الحكم، وهو يقول: إن الله نور من الأنوار، وإنه سبحانه حبة مسدسة المقدار، وإنه يُعلم بالحركات ويُعقل، وتحف به الأماكن وينتقل، وتبدو له البدوات، وتخلو منه السماوات. لأنهم يزعمون أنه على العرش دون ما سواه، وأنه لا يبصر ما حجبت عنه الحجب ولا يراه، ويدنو لما يدنو له من الأشياء المشاهدة، وينأى عما نأى عنه بالمباعدة، فما نأى عنه فليس له شهيد، وما قرب منها إليه فهو منه غير بعيد .

والله سبحانه يقول فيما وصف نفسه لعباده، وما تَعرَّف إليهم به من الصفات في كتابه :﴿يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد﴾ [المجادلة: 6]. وقال سبحانه :﴿إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد﴾ [الحج: 17]. وقال سبحانه :﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ [ق: 16]. وقال سبحانه :﴿وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون﴾ [الأنعام: 3]. أفما في هذا بيان قاتلهم الله أنى يؤفكون!!

مع ما بَيَّن في غير هذا من بُعده عن شَبَهِ الأشياء، من النور وغيره من كل ظُلمة وضياء، من ذلك قوله سبحانه :﴿لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ﴾ [الأنعام: 103]. وقوله سبحانه :﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ [الشورى: 11]. وقوله جل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله، :﴿ولم يكن له كفؤا أحد﴾ [الإخلاص: 4]، والكفؤ: فهو المثل والند. فلو كان كما قال هشام وأصحابه نورا وجسما، أو كان كما قال ابن الحكم لحما أو دما، لكانت أكفآؤه عددا، وأمثاله سبحانه أشتاتابددا، لأن الأنوار في نورها متكافية، والأجسام في جسميتها متساوية، وكذلك تكافؤ اللحم والدم، كتكافؤ الجسمية كلها في الجسم، ولو كان كما قال أصحاب النور نورا محسوسا، لكانت الظلمة له ضدا ملموسا، ولو كان بينهما كذلك لوقع بينهما ما يقع بين الأضداد، من التغالب والتنافي والفساد، فسبحان من ليس له ند يكافيه، ولا ضد من الأضداد ينافيه، ﴿خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير﴾ [الزمر: 62].

وما قالت به الرافضة من هذا فقد تعلم أن كثيرا منها لم يقصد فيه لما قصد، أو يعتقد من الشرك بالله في قوله به ما اعتقد، ألا وإن ماقالوا به في الله، أشرك الشرك بالله، فنعوذ بالله من الشرك بربوبيته، والجهل لما تفرد به من وحدانيته.

هذا إلى ما أتوا به من الضلال بقولهم في الوصية، وما أعظموا على الله وعلى رسوله في ذلك من الدعوى والفِرية، التي ليس لهم بها في العقول حجة ولا برهان، ولم ينزل بها من الله وحي ولا فرقان.

وما قالت به الرافضة في الأوصياء من هذه المقالة فهو قول فرقة كافرة من أهل الهند يقال لهم البرهمية، تزعم أنها بإمامة آدم من كل رسول وهدى مكتفية، وأن من ادعى بعده نبوة أو رسالة، فقد ادعى دعوة كاذبة ضآلة، وأنه أوصى بنبوته إلى شيثَ، وأن شيثا أوصى إلى وصي مِن ولده، ثم يقودون وصيته بالأوصياء إليهم، ولا أدري لعلهم يزعمون أن وصيته اليوم فيهم.

ولو كان الهدى في كل فترة كاملا موجودا، ولم يكن إمام الهدى في كل أمة مفقودا، لما جاز أن يقال لفترة من الفترات فترة، ولا كانت للجاهلية في أمة من الأمم قَهَرة، وقد ذكر الله لا شريك له أنه لم يرسل محمدا عليه السلام إذ أرسله، ولم يرسل من أرسل من الرسل قبله، إلا في أمة ضآلة غير مهتدية في دينها لحظها، ولا مستحقة على الله بإصابة رشدٍ لحفظها، ولكن رحمة منه سبحانه لها وإن ضلت، وإحسانا منه إليها في تعليمها إذ جهلت، كما قال الله سبحانه :﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيئين مبشرين ومنذرين﴾ [البقرة: 213]، فأخبر أنهم كانوا ضالين غير مهتدين . ولو كان فيهم حينئذ وصي وأوصياء، لكان فيهم يومئد لله ولي وأولياء، ولما جاز مع ذلك، لو كان كذلك، أن يقال لهم: أمة واحدة، لأنهم فرق متضآدة، لا تجمعهم في الهدى كلمة، ولكنهم في الضلال أمة .

وكما قال سبحانه في بعثته لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم :﴿وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون﴾ [القصص: 46]. فما ذكر سبحانه أنه كان فيهم يوم بعثته له إليهم، ومنته بالهدى فيه عليهم، مهتدٍ واحد منهم بهداه، ولا قائم بما هو الهدى من تقواه، لا رسول ولا نبي، ولا إمام ولا وصي، حتى مَنَّ تبارك وتعالى عليهم، ببعثته لمحمد عليه السلام إليهم، فأقام لهم به منار الهدى وأعلامها، ونهج لهم سبل الحجج بأنوار أحكامها، فبين به من ذلك كله ما كان دَرَسَ وهلك خفاتا، وأحيى به صلى الله عليه وعلى آله ما كان مواتا، توحُّدا منه سبحانه بالمنة فيه على خلقه، وإفرادا لرسوله صلى الله عليه وعلى آله بالدلالة على حقه، فلم يبق من هدى المحجوجين من العباد، باقية بها إليهم حاجة من رشاد، يكون بها لهم في دنياهم صلاح، ولا لهم فيها عند الله فلاح، إلا وقد جاء بها كتاب الله سبحانه منيرة مستقرة، وكرر - لا إله إلا هو - بها فيه بعد تذكرة تذكرة، إحسانا إليهم ورحمة، وتذكرة لهم وعصمة، ومظاهرة للنعمة فيهم وإسباغا، واحتجاجا بكتابه عليهم وإبلاغا، كما قال سبحانه :﴿هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين﴾ [آل عمران: 138]. وقال سبحانه :﴿هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ [الأعراف: 203].

فأين ذكر الرافضة في هذا وأمرها من ذكر الله وأمره، وما بَيَّن سبحانه من إكذابهم فيما قالوا بخبره ؟! فالله سبحانه يخبر أن كلهم كان ضآلا فهَدَاه، وجاهلا بالهدى حتى علَّمه الله بمنة إياه، كما قال سبحانه لبني آدم :﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون﴾ [النحل: 78]. وقال سبحانه لرسوله :﴿وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما﴾ [النساء: 113]. وقال سبحانه :﴿هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ [الجمعة: 2].

وقال سبحانه :﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾ [النحل: 36].

ولا يُهْدَى أحد أبدا إلا من ضلال، ولا يهتدي مَن تركه الله في جهالته من الجهال، والله سبحانه يخبر أنهم كلهم كانوا في ضلال وعمى، وقد كانوا جميعا جهلة بدينه لا علماء .

والرافضة تزعم أن قد كانت فيهم يومئذ الأوصياء، وأنها قد كانت تعلم من الدين حينئذ ما كانت تعلمه الأنبياء، ومن كان لبعض علمِ الهدى وارثا، وكان هدى الأنبياء عليهم السلام له تراثا، كان بريا من الضلال، وغير معدود في الجهال، وإذا كان ذلك، في الأوصياء كذلك، وكانوا يزعمون أنهم إنما أخذوا هذا عن الكتاب وقَبِلوُه، وادعوا فيما قالوا به منه حكم الكتاب وتنحَّلوه، كان فيه للكتاب من التهجين، ما يلحد فيه كل لعين، شأنه تعطيل كل دين، وتلبيس كل برهان مبين. لأن ما قالوا به من هذا فمن القول المتناقض المستحيل، إذ وصفوا بعضهم بالهدى مع وصفهم لكلهم بالتضليل، لأن في أن يكون كلهم عَمِيَّا، دليل على أن لا يكون أحد منهم مهتديا ولا وصيا، وفي أن لا يكون منهم وصي ولا مهتدي، خبر عن أن كلهم ضآل ردي، وهذا فهو التناقض بعينه، وما لا يحتاج كثير إلى تبيينه، ولله الحمد في ذلك كله قبل غيره، وبالله نستعين على ما أوجب بالهدى من إجلاله وتكبيره.

ومما يسأل عنه الرافضة إن شاء الله فيما يقولون به من الأوصياء، أن يقال لهم: حدثونا عن النبي صلى الله عليه وآله، أكان وصيا لمن كان قبله من الأنبياء ؟

فإن قالوا : نعم. قد كان لمن قبله وصيا. كان أمرهم في المكابرة جليا، ولم يخرجهم ذلك من كر المسألة إليهم، وتوكيد الحجة بما في المكابرة عليهم.

فيقال لهم: حدثونا عن الوصي الذي أوصى إلى النبي عليه السلام بالوصية أمن أهل اللسان العربي ؟ كان ؟ أم من أهل اللسان العجمي ؟

فإن قالوا : إن من أوصى إليه، صلوات الله ورضوانه [عليه]، كان يومئذ وصيا عربيا، زعموا أن الوصي حينئذ كان أُمَّيا، لأن كل عربي كان حينئذ بغير شك أميا، لأن الله لم ينزل عليهم يومئذ قرآنا، ولم يفصل لهم حينئذ بوحي فرقانا، ولم يكن يومئذ أحد من العرب رسولا نبيا، يجوز أن يكون له أحد وصيا، لأنه معلوم عند كل أحد من الأمم غير مجهول، أنه لم يكن في العرب بعد عيسى صلى الله عليه رسول، ولا مُدعٍ يومئذ وإن أبطل، يدعي أن يكون نبيا قد أُرسل.

فإن قالوا : فإن الوصي الذي أوصى إلى النبي صلى الله عليه كان أعجميا .

قيل : أَوَ ليس قد كان يُعَلِّمُه علمه وكان عليه السلام في علمه به مقتديا ؟!

فإذا قالوا : بلى . قيل فإن الله تعالى يقول في ذلك بخلاف ما يقولونه، ويخبر أنه لم يُعلِّمه يومئذ بشر عربي ولا عجمي يعلمونه ولا يجهلونه، قال الله سبحانه :﴿ولقد نعلم إنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين﴾ [النمل: 103]. فأخبر أن معلمه صلى الله عليه وآله غير أمي بأنه علمه بلسان عربي مبين . ولو كان الأمر كما تقول الرافضة في الإمامة والوصية، لما خلا النبي عليه السلام فيما نسبت إلى عربية أو أعجمية، من أن يكون قبل نبوته وبعثته، وما وهبه الله بالرسالة من نعمته، لم ير وصيا ولم يصل إليه، ولم يعرفه ولم يستدل عليه، فيكونوا هم اليوم أهدى منه يومئذ في معرفة وصيهم سبيلا، أو يكون الله أقام لهم في معرفة الأوصياء ولم يُقم له دليلا، أو يزعمون أن قد لقي وصيَّ وصيِّ عيسى صلى الله عليه ورآه، وكان مهتديا يومئذ بهداه، من قبل مجيء رسالة الله إليه، وقبل تنزيله سبحانه لوحيه عليه، فيزعمون أن قد كان يومئذ مهتديا غير ضآل، وبريا قبل نبوته مِن جَهل الجهال، وعالما بجميع الإيمان، فيكذبوا بذلك آياً من الفرقان، منها قوله سبحانه :﴿ووجدك ضالا فهدى﴾ [الضحى: 7]. وقوله سبحانه في آية أخرى:﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم﴾ [الشورى: 52].

وقوله سبحانه :﴿قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون﴾ [يونس: 16]. فهو صلى الله عليه وعلى آله لم يكن يدري ما الإيمان حتى أُدْرِي، ولا يعلم عليه السلام ما الهدى حتى عُلِّم وهُدِي، وبعض أئمتهم عندهم فقد علم ما الهدى والإيمان وهو وليدٌ طفل، ورسول الله صلى الله عليه لم يكن يعلمه حتى علَّمه الله إياه وهو رجل كهل.

فأي شنعة أشنع، أو وحشة أفظع، من هذا ومثله، وما يلحق فيه بأهله، من مزايلة كل حق، ومخالفة كل صدق ؟! فإن هم أَبَوا ما وصفنا لتفاحشه، ولما يدخله من شنائع أواحشه، فزعموا أنه لم يكن في الأمم، لا في العرب منها ولا في العجم، قبل بعثة النبي محمد عليه السلام، وصي يُعلم يومئذ ولا إمام، ظل رسول الله صلى الله عليه بجهله، ولا أصاب الهدى يومئذ من قِبَلِه، حتى آتاه الله هداه وأرشده، وبصَّره سبيل الهدى وقَصْدَه، كما فعل بأبيه إبراهيم صلى الله عليه فيما آتاه قبله من رشده، ودله عليه من الهدى وقصده، إذ يقول سبحانه :﴿ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين﴾ [الأنبياء: 51]. ويقول فيه عند تلمسه ليقين المعرفة لرب العالمين، :﴿فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين﴾ [الأنعام: 75- 79]. فقرَّ بِهِ صلوات الله عليه قرارُ اليقين، في معرفة رب العالمين، حين برئ عنده من مذموم الأفول والزوال، وتصرف اختلاف التغيير و الأحوال، وما لا يكون من ذلك إلا في الأمثال المتعادلة، وأشباه الصنع المتماثلة، التي جل الله سبحانه أن يكون بشيء منها مثيلا، أو يكون جل جلاله لشيء منها عديلا .

وفي مثل ذلك ما يقول سبحانه لمحمد صلى الله عليه، مع إفضائه من يقين المعرفة إلى ما أفضى إليه :﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين﴾ [الأنعام: 162 - 163]. فهو عليه السلام يخبر أنه أول - أمته وقرنه، ومن كان معه من أهل أيامه وزمنه، بالله لا شريك له - إسلاماً وإيمانا، [ومعرفة بالله وإيقانا] .

والله يخبر أن قد أَرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين، ولو كان معهما صلى الله عليهما يومئذ وصي لمرسلين، لكان إسلام الوصي وإيمانه قبل إسلام إبراهيم ومحمد وإيمانهما، ويقين الوصي بالله وعلمه قبل علمهما بالله وإيقانهما، ولما جاز أن يقول محمد صلى الله عليه، :﴿وأنا أول المسلمين﴾ فيما قد سبقه غيره ممن معه إليه، وإبراهيم صلى الله عليه يطلب يومئذ المؤمنين، ويلتمس حينئذ بالله جاهداً اليقين، بحيلة كل محتال بفكره، ويخاف الضلال عن الله مع نظره، ويقول :﴿لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضآلين﴾، ويقول للكواكب :﴿هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين﴾، ومعه وصي أيامه ودهره، لايخطر على باله ولا نظره، فلا يقع على شيء مما يجيل بفكره .

والرافضة اليوم تزعم أنها قد تعلم أنه قد كان معه، وصي يلزمه أن يعرفه بعينه، ويعلمه ما يلزمها اليوم من معرفة الوصي، وما تدعي فيه من باطل الدعاوي، فهي عند أنفسها تعلم من الأوصياء في دين الله، ما لم يكن يعلمه منهم خليل الله، وتهدى من الرشد فيه، ما لم يهد الله خليله إليه. إلا أن تزعم أنه لم يكن مع إبراهيم وفي أمته وصي يهديها، فيكون في ذلك بطلان ما في أيديها، وما يلزمها من هذا في إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما، فقد يلزمها في كثير من رسل الله معهما، صلى الله على رسله وأنبيائه، وزادهم الله فيما خصهم من كرامته واصطفائه .

وإمامهم ـ اليوم فيما يزعمون، وكما في إفكهم يقولون – يدري ما كان رسول الله داريا، ويدعو إلى ما كان إليه داعيا، ودعوته صلى الله عليه وآله كانت إلى الخير والهدى، وتبيين ما كان يُبَيِّن عليه السلام من الغي والردى، وإنذار من أدبر عن الله يومئذ وأعرض، وإعلام العباد بما حكم الله يومئذ وفرض .

فهذه صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمه وفعله ونعته، وقد يزعمون أن للإمام أحواله كلها لا رسالته، فأين صفة أئمتهم وأحوالهم من صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وأحواله‍ ؟ وأين ما نرى من أفعال أئمتهم قديما وحديثا فيما وصفنا كله من أفعاله‍‍‍‍‍‍! ؟‍‍‍‍‍‍‍ لا أين، وإن كابروا !!! وأقروا بخلاف ذلك أو لم يقروا، أولا يعلم أنه إذا كان وصيهم غير نذير، ولا مذكر بما أمر الله به من التذكير، ولم يكن إلى ما دعا إليه الرسول عليه السلام داعيا، كان عند من يؤمن بالله واليوم الآخر من الهدى بريا قاصيا، وإذا لم يكن بما كان به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله على من خالفه محتجا، لم يكن منهجه عند من يؤمن بالله واليوم الآخر لرسول الله عليه السلام منهجا .

تم كتاب الرد على الرافضة والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.

الغزالى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 60
اشترك في: الجمعة مارس 04, 2005 2:00 pm

مشاركة بواسطة الغزالى »

الاخ محمد

قد اوضحت ان اعتراضك مبنى على ان الطعن فى الصحابة يقتضى الطعن فى صحة نقلهم للدين , و هى شبهة سطحية من شبهات خصوم التشيع و كل شبهاتهم فى الواقع سطحية
لان الشيعة لا يقولون بان كل الصحابة منافقون او خونة للاسلام حتى يعترض عليهم بذلك
اما الشيعة الزيدية فهم لا يقولون بنفاق احد من المهاجرين و الانصار , و عقيدتهم المعروفة فى من خالفوا النص على الامام على ع هى انهم لم يتعمدوا مخالفة الحق لان النص خفى و ليس جلى
و بالتالى فاعتراضك على الزيدية غير مقبول و لا وجه له
و اما الشيعة الامامية فبغض النظر عن رايهم فى الشيخين فانه لا تاثير لذلك فى صحة نقل القران و قد اثبت علماؤهم فى كتبهم تواتر القران و بطلان احتمال تحريف الشيخين للقران كما تجده فى " البيان " للسيد الخوئى , و " اراء حول القران " للسيد الاصفهانى و غيرهما من كتب علماء الامامية
على ان التواتر لا يشترط فيه اصلا عدالة الرواة و تواتر القران و سلامته من التحريف من الامور الاكيدة و التى اهتم علماء الامامية باثباتها

اذن لا يوجد خطورة حقيقية من مقالة الامامية , و الصحابة فيهم العدول و فيهم منافقون و فيهم فساق , و كما ان فتح باب الجرح فى التابعين لا يشكك فى الدين فكذلك فتح باب الجرح فى الصحابة لا يشكك فى الدين

و المسالة تحتاج الى بحث مستقل و سابين رؤيتى فيها ان شاء الله فى موضوع " تاملات فى المذاهب "

و لا يلزم من القول بامام معصوم بعد النبى ص عدم ختم النبوة لان النبوة ليست هى العصمة , و اهل السنة يثبتون العصمة بعد النبى ص لجماعة الامة فالقول بوجود معصومين بعد خاتم النبيين ص ليس قاصرا على الشيعة .
كما ان قول بعض الامامية بان ائمتهم محدثون لا يعنى انهم انبياء فقد نص القران على ان الملائكة حدثت مريم و ليست نبية .
آخر تعديل بواسطة الغزالى في الجمعة فبراير 03, 2006 6:50 pm، تم التعديل 5 مرات في المجمل.
الساكت عن الحق شيطان اخرس

الغزالى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 60
اشترك في: الجمعة مارس 04, 2005 2:00 pm

مشاركة بواسطة الغزالى »

كلمة للشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله فى الصحابة :

إننا إذا تتبعنا المرحلة الاولى من حياة الامة الاسلامية ، في عصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) نجد أن

اتجاهين رئيسين ومختلفين قد رافقا نشوء الامة وبداية التجربة الاسلامية منذ السنوات الاولى وكانا يعيشان معا داخل إطار الامة الوليدة التي أنشأها الرسول القائد ( صلى الله عليه وآله ) .


وقد ادى هذا الاختلاف بين الاتجاهين إلى انقسام عقائدي عقيب وفاة الرسول مباشرة ، شطر الامة الاسلامية الى شطرين ، قدر لاحدهما أن يحكم فاستطاع أن يمتد ويستوعب أكثرية المسلمين ، بينما أقصي الشطر الاخر عن الحكم ، وقدر له أن يمارس وجوده ، كأقلية معارضة ، ضمن الاطار الاسلامي العام ، وكانت هذه الاقلية هي ( الشيعة ) .

إن الاتجاهين الرئسين اللذين رافقا نشوء الامة الاسلامية في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) منذ البدء هما :

أولا : الاتجاه الذي يؤمن بالتعبد بالدين وتحكيمه والتسليم المطلق للنص الديني في كل جوانب الحياة


وثانيا : الاتجاه الذي لا يرى أن بالدين يتطلب منه التعبد إلا في نطاق خاص من العبادات والغيبيات ، ويؤمن بإمكانية الاجتهاد وجواز التصرف على أساسه بالتغيير والتعديل في النص الديني وفقا للمصالح في غير ذلك النطاق من مجالات الحياة


وبالرغم من أن الصحابة ، بوضفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة ، كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رسالية ، حتى أن تاريخ الانسان لم يشهد جيلا عقائديا أروع وأنبل وأطهر من الجيل الذي أنشأه الرسول القائد ( ص ) .


وبالرغم من ذلك نجد من الضروري التسليم بوجود اتجاه واسع ، منذ كان النبي حيا ، يميل إلى تقديم الاجتهاد في تقدير المصلحة ، واستتناجها من الظروف ، على التعبد بحرفية النص الديني ، وقد تحمل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) المرارة

في كثير من الحالات بسبب هذا الاتجاه حتى وهو على فراش الموت في ساعاته الاخيرة على ما يأتي ( 122 ) ، كما كان هناك اتجاه آخر يؤمن بتحكيم الدين والتسليم له والتعبد بكل نصوصه في جميع جوانب الحياة .


وقد يكون من عوامل انتشار الاتجاه الاجتهادي في صفوف المسلمين انه يتفق مع ميل الانسان بطبيعته الى التصرف وفقا لمصلحة يدركها وبقدرها ، بدلا عن التصرف وفقا لقرار لا يفهم مغزاه .
وقد قدر لهذا الاتجاه ممثلون جريئون من كبار الصحابة من قبيل عمر بن الخطاب الذي ناقش الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، واجتهد في مواضع عديدة ، خلافا للنص ايمانا منه بجواز ذلك ما دام يرى أنه لم يخطي المصلحة في اجتهاده .

وبهذا الصدد يمكننا ان نلاحظ ، موقفه من صلح الحديبية واحتجاجه على هذا الصلح ) ( 123 ) ، وموقفه من الاذان وتصرفه فيه باسقاط ( حي على خير العمل ) ( 124 ) وموقفه من النبي حين شرع متعة الحج ( 125 ) الى غير ذلك من مواقفه



الاجتهادية ( 126 ) .

وقد انعكس كلا الاتجاهين في مجلس الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في آخر يوم من أيام حياته فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال : لما حضر رسول الله الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي ( صلى الله

عليه وآله ) هلم اكتب الكم كتابا لن تضلوا بعده . فقال عمر : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول ، قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ،

ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم : قوموا ( 127 ) .


وهذه الواقعة وحدها كافية للتدليل على عمق الاتجاهين ، ومدى التناقض والصراع بينهما . ويمكن أن نضيف إليها - لتصوير عمق الاتجاه الاجتهادي وروسوخه - ما حصل من نزاع وخلاف بين الصحابة حول تأمير اسامة ابن زيد على الجيش بالرغم من النص النبوي الصريح على ذلك ، حتى خرج الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وهو مريض - فخطب الناس وقال :


( يا أيها الناس من مقالة بغلتني عن بعضكم في تأمير اسامة ، ولئن طعنتم في تأميري اسامة لقد طعنتهم في تأمير أبيه من قبل ، وأيم الله إن كان لخليقا بالامارة ، وإن ابنه من لخليق بها ) ( 128 ) .


وهذان الاتجاهان اللذان بدا الصراع بينهما في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قد انعكسا على موقف المسلمين من إطروحة زعامة الامام للدعوة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .


فالممثلون للاتجاه التعبدي وجدوا في النص النبوي على هذه الاطروحة سببا بقبولها ، دون توقف أو تعديل .

وأما الاتجاه الاجتهادي فقد رأى أنه بامكانه أن يتحرر من الصيغة المطروحة من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، إذا ادى اجتهاده الى صيغة اخرى أكثر انسجاما - في تصوره - مع الظروف .


وهكذا ترى أن الشيعة ولدوا منذ وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) مباشرة متمثلين في المسلمين الذين خضعوا عمليا لاطروحة زعامة الامام وقيادته التي فرض النبي الابتداء بتنفيذها من حين وفاته مباشرة


======

بحث للعلامة السبحانى حفظه الله فى نفس المسالة :

لقد ظهرت الحقيقة بأجلى صورها وثبت أنّ الرسول لم يرحل عن أُمّته إلاّ بعد أن نصّب علياً للخلافة والقيادة، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه وهو أنّه لو كان الحق كما نطقت به النصوص كتاباً وسنّة، فلماذا أعرض الجمهور عن ما اُمروا أن يتمسّكوا به؟ وهذه هي الشبهة المهمّة في الباب وهذا هو السؤال الّذي ترك العقول متحيرة تبحث عن جواب مقنع، وقد اعتمد على ذلك بعض المنصفين من أهل السنّة في ردّه لمذهب أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ، فقال: اُنظر إلى جمهور أهل القبلة والسواد الأعظم من ممثّلي هذه الملّة فإذا هم مع أهل البيت على خلاف ما توجبه ظواهر تلك الأدلّة، فانا اُؤامر منّي نفسين، نفساً تنزع إلى متابعة الأدلّة واُخرى تفزع إلى الأكثرية من أهل القبلة(1) .

والاجابة عن الشبهة سهلة لمن راجع التاريخ وسيرة الصحابة في عصر الرسول وبعده. فإنّ القرآن الكريم رغم أمره باتباع الرسول وعدم التقدّم عليه(2)، ورغم أمره


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . من كلام شيخ الأزهر الشيخ سيلم البشري في رسالته إلى السيد شرف الدين، لاحظ المراجعات ص 25، رقم المراجعة 11 .

2 . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتُقَدِّمُوا بَيْنؤ يَدَىِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ـ الحجرات / 1 ـ .


--------------------------------------------------------------------------------

( 80 )
بالتسليم له وأنّ الايمان رهنه(1)، ورغم أنّه يندّد ببعض المسلمين الذين كانوا يتمنّون طاعة الرسول لهم في بعض المواقف وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطيعُكُم فِى كَثِير مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)(2). رغم كل ذلك نشاهد رجالا يقفون أمام النبي في غير واحد من المواقف ويخالفونه بعنف وقوّة ويقدّمون الاجتهاد والمصالح الشخصية على أوامر الرسول في مواطن كثيرة، وإليك نزراً يسيراً منها وبالالمام بها تسهل عليك الاجابة عن السرّ في مخالفة عدّة من الأصحاب لأمر النبي في مسألة الوصاية والقيادة:

1- اختلافهم مع النبي في الأنفاق والاُسرى:

انتصر المسلمون في غزوة بدر وجمع غير واحد من المسلمين ما في معسكر العدو فاختلف المسلمون فيه، فقال من جمعه: هو لنا ،وقال الذين يقاتلون العدوّ ويطلبونه: واللّه لولا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا عنكم القوم حتّى اصبتم ما أصبتم، وقال الذين يحرسون رسول اللّه: ما أنتم بأحقّ به منّا واللّه لقد رأينا أن نقتل العدوّ إن منحنا اللّه كرّة العدوّ فقمنا دونه، فما أنتم بأحق به منّا. فنزل قوله سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للّهِ و الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذَاتِ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ) ـ الأنفال / 1 ـ (3) .

وأمّا اختلافهم في الأسرى فيكفي في ذلك قوله سبحانه: (مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أنْ


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . (فَلاَ وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حتّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوْا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ـ النساء / 65 ـ .

2 . الحجرات / 7 .

3 . السيرة النبوية لابن هشام 1 / 641 ـ 662 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 81 )
يَكُونَ لَهُ أسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا واللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ واللّهُ عِزِيزٌ حَكِيمٌ * لولا كِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظيمٌ)(1). نحن نضرب الصفح عمّا ذكره المفسّرون حول الآية من القصص غير أنّ قوله سبحانه (لولا كتاب...) يعرب عن أنّهم اختلفوا إلى حدّ كانوا مستحقّين لنزول العذاب لولا سبق كتاب من اللّه، ومن الجرأة ما يظهر عن بعض المفسّرين(2) من أنّ العتاب يعم النبي أيضاً مع أنّ نبىّ العظمة أجلّ من أن يشاركهم في العتاب فضلا عن العقاب وحاشا ساحة الحق أن يهدّد نبيّه بعذاب عظيم وقد عصمه من المعاصي، والعذاب العظيم لا ينزل إلاّ على عمل اجرامي كبير، ونحن لا نفسّر الآية ولا نريد أن نخوض في خصوصيّات القصة ويكفينا أنّها تكشف عن تباعد المؤمنين على النبىّ في مسألة الأسرى إلى حدّ استحقّوا هذا التنديد .

2- مخالفتهم الأمر الرسول في اُحد:

ورد رسول اللّه اُحد حين بلغه أنّ أباسفيان يريد شنّ هجوم على المدينة، واستقبل الرسول المدينة وجعل جبل عينين عن يساره، ونصب خمسين رجلا نبّالا على جبل عينين وأمَّر عليهم عبداللّه بن جبير وقال له: «انضح الخيل عنّا بالنبل، لا يأتوننا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا تؤتين من قبلك».

ولمّا صار الانتصار حليف المسلمين وأخذ العدو بالانسحاب عن ساحة القتال مولّياً نحو مكّة، خالف الرماة أمر الرسول وأخلوا مكانهم طمعاً في الغنائم، فكلّما نصحهم أميرهم بالبقاء وعدم ترك العينين خالفوه .


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . الأنفال / 67 ـ 68 .

2 . لاحظ الأقوال في الميزان 9 / 137 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 82 )
ولمّا رأى العدو المنهزم أنّ جبل العينين قد أضحى خالياً من الرماة، وكان جبل العينين يقع على ضفتين يتخلّلهما معبر، فاستغل العدو الفرصة فأدار خالد بن الوليد من معه من وراء المسلمين، فورد المعسكر من هذا المعبر على حين غفلة منهم، فوضع السيوف فيهم فقتل منهم لفيفاً إلى أن تحوّل النصر إلى هزيمة، وكان ذلك نتيجة مخالفة المسلمين لوصيّة الرسول، وتقديماً للاجتهاد على النص، والرأي الخاطئ على الدليل، وكم له من نظير في حياة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبعد وفاته .

3- مخالفتهم في صلح الحديبية:

دخلت السنة الثالثة للهجزة واشتاق النبي إلى زيارة بيت اللّه فأعدّ العدّة للعمرة ومعه جمع من أصحابه وليس معهم من السلاح إلاّ سلاح المسافر فلمّا وصلوا إلى أرض الحديبية، منعوا من مواصلة السير، فبعد تبادل الرسل بينه وبين رؤساء قريش اصطلحوا على وثيقة ذكرها أصحاب السيرة في كتبهم. فكانت نتيجة تلك الوثيقة رجوع النبي إلى المدينة ومجيئه في العام القابل للزيارة، وقد ذكر فيها شروط للصلح اثارت حفيظة بعض المسلمين، حتّى أنّ عمر بن الخطاب وثب فأتى أبابكر فقال: «أليس برسول اللّه؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلان نعطى الدنيّة في ديننا»(1) .

فقد زعم الرجل أنّ البنود الواردة في صلح النبي تعني اعطاء الدنية في الدين، حتّى أنّ النبي أخبرهم حين الشخوص من المدينة أنّ اللّه سبحانه أراه في المنام أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام، فلمّا انصرفوا ولم يدخلوا مكّة، قالوا: ما حلقنا ولا


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . السيرة النبوية لابن هشام 2 / 316 ـ 317 .

--------------------------------------------------------------------------------

( 83 )
قصّرنا ولا دخلنا المسجد الحرام، فأنزل اللّه سبحانه قوله: (لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الَحَرَامَ إِنَّ شَاءَ اللّهُ آمِنين)(1) .

ولو أراد المتتبّع أن يتعمّق في السيرو التفاسير يجد أنّ مخالفة القوم للرسول لم تكن مختصّة بموضوع دون موضوع، فكان تقديم الاجتهاد على النص شيئاً رائجاً عندهم ولنكتف في المقام بالمخالفتين الأخيرتين أيّام مرض وفاته.

4- مخالفتهم في تجهيز جيش اُسامة:

اتّفق المؤرّخون على أنّ النبي الأكرم أمر بتجهيز جيش اُسامة فقال: «جهّزوا جيش اُسامة، لعن اللّه من تخلّف عنه» فقال قوم: «يجب علينا امتثال أمره» واُسامة قد برز من المدينة، وقال قوم: «قد اشتدّ مرض النبي فلا تسع قلوبنا مفارقته والحال هذه، فنصبر حتّى ننظر أي شيء يكون من أمره»(2) .

هذا ما يذكره الشهرستاني ملخّصاً، وذكره المؤرّخون على وجه التفصيل، فقال الطبري في أحداث سنة إحدى عشرة: «وضرب على الناس بعثاً وأمّر عليهم اُسامة بن زيد، وأمره أن يوطىء من آبل الزيت من مشارف الشام الأرض بالأردن، فقال المنافقون في ذلك، وردّ عليهم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «إنّه لخليق لها أي حقيق بالامارة وإن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبل، وإن كان لخليقاً لها» فطار الأخبار بتحلل السير بالنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ (3) .

ويقول أيضاً: «لقد ضرب بعث اُسامة، فلم يستتبّ لوجع رسول اللّه وقد أكثر


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . الفتح / 27 .

2 . الملل والنحل للشهرستاني 1 / 29 ـ 30 (تحقيق محمّد بن فتح اللّه بدران) .

3 . تاريخ الطبري 2 / 429 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 84 )
المنافقون في تأمير اُسامة، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على الناس عاصباً رأسه من الصداع لذلك وقال: «وقد بلغني أنّ أقواماً يقولون في أمارة أُسامة، ولعمري لئن قالوا في أمارته لقد قالوا في أمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقاً للامارة وأنّه لخليق لها بعد اُسامة» وقال: «لعن اللّه الذين يتّخذون قبور أنبيائهم مساجد»(1) فضرب بالجرف وأنشأ الناس في العسكر، ونجم طليحة وتمهّل الناس وثقل رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فلم يستتم الأمر ينظرون أوّلهم آخرهم حتّى توفّى اللّه نبيّه»(2) .

وقد ذكر القصة ابن سعد في طبقاته(3)، والحلبي في سيرته(4)، ومن أراد التوسّع فليرجع إليهما.

5- مخالفتهم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في احضار القلم والدواة:

عن ابن عباس قال: «لمّا اشتدّ بالنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وجعه، قال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده» قال عمر: إنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ «قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع» فخرج ابن عباس يقول: إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبين كتابه(5) .


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . لا يخفى أنّه لاصلة لهذه الجملة لما قبل القصة وما بعده ولعلّه تحريف لما نقلناه عن الشهرستاني من أنه لعن المتخلّفين فبدّله الراوي بهذا .

2 . تاريخ الطبري 2 / 430 .

3 . الطبقات 2 / 189 ـ 190 .

4 . السيرة 3 / 227 ـ 228 .

5 . صحيح البخاري 1 باب كتابة العلم 30، الطبقات الكبرى 2 / 242 وجاء فيه: فقال بعض من كان عنده انّ نبي اللّه ليهجر .


--------------------------------------------------------------------------------

( 85 )
إنّ الراوي نقل الرواية بالمعنى كي يخفف من شدة الصدمة التي تحصل فيما لو نقل الرواية بألفاظها والشاهد على ما نقول أنّ البخاري نفسه روى الرواية بشكل آخر أيضاً، فروى عن ابن عباس إنه كان يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثمّ بكى حتّى بلّ دمعه الحصى قلت: ياابن عباس ما يوم الخميس؟ قال: اشتدّ برسول اللّه وجعه فقال: «ائتوني بكتف اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً» فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له؟ أهجر، استفهموه، فقال: «ذروني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه» فأمرهم بثلاث قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» و الثالثة خير إمّا أن سكت عنها وإمّا أن قالها فنسيتها»(1) .

ولعلّ الثالثة الّتي نسيها الراوي هو الّذي كان أراد النبي أن يكتبه حفظاً لهم من الضلال ولكن ذكره شفاهاً عوض كتابته، لكن السياسة اضطرّت المحدّثين إلى ادّعاء نسيانه .

ولعلّ النبي أراد أن يكتب في مرضه تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين وتشهد بذلك وحدة لفظهما، حيث جاء في الثاني: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب اللّه وعترتي».

وقد فهم الخليفة ما يريده رسول الإسلام وحدّث به بعد مدة من الزمن لابن عباس فقال له يوماً: يا عبداللّه إنّ عليك دماء البدن إن كتمتها، هل بقي في نفس علي شيء من الخلافة؟ قال ابن عباس: قلت: نعم، قال: أو يزعم أنّ رسول اللّه نصّ عليه؟ قلت: نعم، فقال عمر: لقد كان من رسول اللّه في أمره ذروة من قول لا تثبت حجّة، ولا تقطع عذراً ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . صحيح البخاري 4 باب اخراج اليهود من جزيرة العرب 99 .

--------------------------------------------------------------------------------

( 86 )
فمنعت من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام، فعلم رسول اللّه انّي علمت ما في نفسه فأمسك(1) .

والعجب أنّ أحمد أمين مع ما يكن على الشيعة من عداء وقسوه يعترف بما ذكرنا بصراحة .

أراد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في مرضه الّذي مات فيه أن يعيّن من يلي الأمر بعده ففي الصححين: البخاري ومسلم أنّ رسول اللّه لمّا اصفرّ قال: هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، وكان في البيت رجال منهم عمر بن الخطاب فقال عمر: إنّ رسول اللّه قد غلب عليه الوجع(2) وعندكم القرآن. حسبنا كتاب اللّه فاختلف القوم واختصموا فمنهم من قال: قرّبوا إليه يكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده ومنهم من قال القول ما قاله عمر فلمّا أكثروا اللغو(3) والاختلاف عنده ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: قوموا فقاموا. وترك الأمر خصوصاً لمن جعل المسلمين طوال عصرهم يختلفون على الخلافة حتّى عصرنا هذا بين السعوديين والهاشميين(4) .

هذه نماذج من مخالفة القوم لصريح النصوص الصادرة عن النبي الأكرم، وكل ذلك يعرب عن فقدانهم روح التسليم للنبي ولأحكامه، فلم يكونوا ملتزمين بما لا يوافق أهواءهم وأغراضهم من النصوص، نعم، ربّما يوجد بينهم من كان أطوع


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . شرح نهج البلاغة 3 / 17، وكأنَّ الرجل كان أشفق على الإسلام من رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .

2 . وفي موضع آخر في صحيح البخاري: أنّه قال «إنّ الرجل ليهجر» .

3 . والصحيح: اللغط .

4 . أحمد أمين يوم الإسلام: 41 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 87 )
للنبي من الظل لذي الظل، ولكن المتنفّذين لم يكونوا متعبّدين بالنصوص فضلا عن تعبّدهم بالاشارات والرموز، وربّما كانوا يقابلون النبي بكلمات عنيفة يقابل بها من هو أقل منه شأناً.

وياليت انّهم اكتفوا في مجال المخالفة للنصوص أثناء حياته، ولكنّهم خالفوها بعد وفاته أكثر ممّا خالفوها أيّام حياته، يقف على ذلك من سبر التاريخ وسيرة الخلفاء في غير واحد من المجالات .

ولقد حاول الشهرستاني في ملله ونحله(1)، والسيد الشريف في شرح المواقف(2) تحديد بدء الخلاف بين المسلمين بأيّام مرض النبي عندما كان طريح فراشه. ولكن ذلك التحديد من حسن ظنّهما بالصحابة وأنّهم كلّهم عدول، غير أنّك عرفت أنّ تاريخ الخلاف يرجع إلى بدايات الهجرة، وقد اكتفينا بموارد خمسة وضربنا الصفح عن ذكر موارد اُخرى .

هذا كلّه يرجع إلى مخالفتهم الرسول فيما يامر وينهى أيّام حياته، وأمّا مخالفتهم لنصوص الرسول بعد رحلته فحدّث عنها ولا حرج .

1- التصرّف في أذان الفجر:

أخرج الإمام مالك في موطئه: انّ المؤذّن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح، فوجده نائماً فقال: الصلاة خير من النوم. فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح .

وقال الزرقاني في تعليقته على هذه الكلمة من شرحه للموطأ ما هذا لفظه: هذا


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . الملل و النحل 1 / 29، ولاحظ التبصير في الدين للاسفرائيني 19 .

2 . شرح المواقف 8 / 372 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 88 )
البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنّفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنّه قال لمؤذّنه: إذا بلغت حىّ على الفلاح في الفجر فقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم(1) .

2- الحيلولة بين فاطمة وميراثها:

استفاضت الآيات باطلاقاتها تارة ونصوصها تارة اُخرى على أنّ أولاد الأنبياء يرثون آباءهم كسائر الناس أمّا الاطلاقات فيكفي في ذلك قوله سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِى أوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنثَيَيْنِ)(2) وأمّا النصوص فيكفي في ذلك قوله سبحانه: (وَوَرِثَ سُلَيَْمانُ دَاوُدَ)(3) وقال سبحانه ناقلا عن زكريا: (فَهَبْ لِى مِن لَدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِى وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)(4) .

إنّ طلب زكريا من اللّه سبحانه أن يهبه ولداً وأن يجعله رضيّاً لأوضح دليل على أنّ المراد من الوراثة، والوراثة في المال لا النبوّة، لبداهة أنّ الإنسان لا يكون نبيّاً إلاّ أن يكون رضيّاً، على أنّ لفظ الوراثة وما يشتق منه ظاهر في الوراثة في المال ولا يستعمل في غيره إلاّ توسّعاً ومجازاً ومع ذلك فقد خالفت القيادة بعد رسول اللّه هذا النص وحرّمت فاطمة من ميراث أبيها بحجّة أنّه سمع من النبي قوله: نحن الأنبياء لا نورث، مع أنّه لو صحّ هذا الحديث لكان على النبي أن يذكره لورّاثه حتّى لا يقعوا في الخطأ ولا يطلبوا شيئاً ليس لهم، فهل أنّ النبي أهمل هذا البيان اللازم وذكره لغير


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . الموطأ باب ما جاء من النداء في الصلاة الحديث 8، والموطأ مع شرح الزرقاني 1 / 150 طبع مصر .

2 . النساء / 11 .

3 . النمل / 16 .

4 . مريم / 5 ـ 6 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 89 )
وارثه؟

روى البخاري عن عائشة: انّ فاطمة ـ عليها السلام ـ بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: «إنّ رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: «لا نورث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال»، وإنّي واللّه لا اُغيّر شيئاً من صدقة رسول اللّه عن حالها الّتي كان عليها في عهد رسول اللّه، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللّه» فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر، فهجرته، فلم تكلّمه حتّى توفّيت، وعاشت بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلا، فلم يؤذِن بها أبابكر، وصلّى عليها(1) .

وقال ابن قتيبة: قال عمر لأبي بكر (رضى اللّه عنهما): انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها فانطلقاجميعاً فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلّماه، فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوَّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها فلم ترد السلام، فتكلّم أبوبكر وقال: يا حبيبة رسول اللّه، واللّه إنّ قرابة رسول اللّه أحبّ إلىّ من قرابتي، وانّك لأحبّ إلىّ من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أنّي متّ ولا ابقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنَعْك حقّك وميراثك من رسول، إلاّ أنّي سمعت أباك رسول اللّه يقول: «لا نورث ما تركنا فهو صدقة»(2) .

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ الرسول الأعظم وكذا كل من يتولّى الحكومة الإسلامية تكون له ملكيتين: ملكية شخصية تتعلّق بنفسه ويتصرّف فيها بما أنّها ماله الشخصي، وملكية تتعلّق بمقام الرسالة ويتصرّف فيها بما أنّه رسول وممثّل


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . صحيح البخاري 5 باب غزوة خيبر 139 .

2 . الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 13 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 90 )
الدولة الإلهية، والقسم الثاني من الملكيتين لا تورث بل تنتقل إلى من يمارس المسؤولية بعده. ونحن نربأ بفاطمة أن تطالب أبابكر بالأموال الّتي تعد من شؤون الدولة الإسلامية وانّما جاءت لتطلب ما كان ملكاً خاصّاً لأبيها، بما أنّه أحد الناس والمسلمين، يملك ما شاء باحدى الطرق الشرعية ويرثه أولاده بعده .

ثانياً: أنّ ما يرويه البخاري عن الخليفة أنّه قال: «وإنّي واللّه لا اُغيّر شيئاً من صدقة رسول اللّه عن حالها الّتي كان عليها» واقع في غير محلّه لأن حبيبة رسول اللّه لم تطلب منه صدقات أبيها حتّى تجاب بأنّ الصدقة لا تغيّر ولا تتبدّل و إنّما سألته أن يدفع لها ما ملكه رسول اللّه ونحله لبنته أعني فدك أيّام حياته عندما نزل قوله سبحانه: (وَ آتِ ذَالقُرْبى حَقَّهُ وَ المِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)(1) .

نحن نفترض أنّ الرسول قال: لا نورث ما تركناه صدقة، ولكن من المحتمل جدّاً، أنّ الفعل «لا نورث» فعل معلوم لا مجهول ومعناه نحن معاشر الأنبياء لا نورث الأشياء الّتي تركناها صدقة، فيكون لفظة ما مفعولا للفعل المبني على الفاعل وعند ذلك لاصلة للحديث بكل ما يتركه النبي حتّى أمواله الشخصية والمقصود النهائي هو أنّ الصدقة لا تورث كالزكاة وأمثالها.

3- النهي عن متعة الحج:

قال سبحانه: (فَمَنْ تَمَتَّع بِالعُمْرَةِ اِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ(2) فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيّام فِى الحَجِّ وَ سَبْعَة إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . الاسراء / 26 .

2 . أي فعليه ما يتسيّر من الهدي، ومن لم يجد الهدي ولا ثمنه فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج، وهي يوم السابع من ذي الحجّة وتنتهي بيوم عرفة، والتمتّع بالعمرة إلى الحج ليس لأهل مكّة ومن يجري مجراهم في القرب إليها.


--------------------------------------------------------------------------------

( 91 )
لِمَن لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى المَسْجِدِ الحَرَامِ)(1) .

إنّ صفة التمتّع بالعمرة إلى الحج عبارة عن الاحرام في أشهر الحج من احدى المواقيت، ثم الدخول إلى مكّة للطواف بالبيت والصلاة بعده، والسعي بين الصفا والمروة ثم التقصير وعندئذ يحلّ له كل ما كان محرماً عليه، فيقيم على هذه الحالة حتّى ينشأ في تلك السنة احراماً آخر للحج ويخرج إلى عرفات ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام، إلى آخر الأعمال، هذا هو التمتّع بالعمرة إلى الحج، وانّما اُضيف الحج بهذه الكيفية إلى التمتع وقال سبحانه: (فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إلى الحجّ)لما فيه من المتعة واللذّة باباحة محرمات الاحرام في المدّة المتخلّلة بين الاحرامين من غير فرق بين محرَّم وآخرَ حتّى مسِّ النساء .

هذا هو الّذي شرّعه القرآن وخالفه بعض أصحاب السلطة، روى مالك عن سعد بن أبي وقّاص والضّحّاك بن قيس: لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر اللّه عزّوجلّ، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فإنّ عمر قد نهى عن ذلك ،فقال سعد: قد صنعها رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وصنعناها معه(2) .

روى أحمد بن حنبل عن أبي موسى: انّه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك فإنّك لا تدري ما أحدث أميرالمؤمنين في النسك بعدك، حتّى لقيه بعد فسأله، فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : قد علمت أنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلّوا بهن معرسين في الاراك ثمّ يروحون بالحج


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . البقرة / 196 .

2 . موطأ مالك 235 باب ما جاء في التمتّع برقم 767 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 92 )
تقطر رؤوسهم(1) .

وروى أيضاً عن طريق آخر عنه: انّ عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: هي سنّة رسول اللّه ـ يعني المتعة ـ ولكن أخشى أن يعرسوا بهنّ تحت الاراك، ثمّ يروحوا بهنّ حجّاجاً(2) .

وقد استفاض القول عن الخليفة انّه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما(3) .

قال القرطبي: لا خلاف بين العلماء في أنّ التمتّع جائز وأنّ الإفراد جائز، وأنّ القِران جائز لأنّ رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رضي كلاّ ولم ينكره في حجّته على أحد من أصحابه، بل أجازه لهم ورضيه منهم... احتجّ من فضّل التمتّع بما رواه مسلم عن عمران بن حصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه ـ يعني متعة الحج ـ وأمرنا بها رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول اللّه حتّى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء(4) .

4- اسقاط سهم ذوي القربى من الخمس بعد وفاة الرسول :

ورد النص في الذكر الحكيم على أنّ لذي القربى سهم من الخمس قال سبحانه: (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم مِن شَىْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ للرَّسُولِ وَ لِذِى


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . مسند أحمد 1 / 49 - 50 .

2 . مسند أحمد 1 / 49 ـ 50 .

3 . تفسير الامام الرازي 5 / 167 وفسّر الآية بالتمتّع بمحظورات الاحرام، وشرح التجريد للمحقّق القوشجي (وهو من أئمة الأشاعرة): وقد عدّه من اجتهاد الخليفة. نعم هو من اجتهاده مقابل النص .

4 . الجامع لأحكام القرآن 2 / 388 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 93 )
القُرْبَى وَ اليَتَامَى وَ المَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُم آمَنْتُم بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ)(1). وقد أجمع أهل القبلة على أنّ الرسول كان يختصّ بسهم من الخمس ويخصّ أقاربه بسهم آخر. وأنّه لم يعهد تغيير ذلك حتّى دعاه اللّه إليه. غير أنّ أصحاب السلطة بعد الرسول أسقطوا سهم بني هاشم من الخمس، وجعلوهم كغيرهم من يتامى النساء و مساكينهم وأبناء السبيل منهم، وقد عرفت في المخالفة الثالثة أنّ فاطمة ـ عليها السلام ـ طلبت من أبي بكر ما بقى من خمس خيبر .

ويشهد بذلك ما أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس أنّه كتب إليه نجدة يسأله عن سهم ذي القربى، وعن اليتيم متى ينقضي يتمه، وعن المرأة والعبد يشهدان الغنيمة، وعن قتل أطفال المشركين، فكتب إليه ابن عباس: انّك كتبت إلىّ تسأل عن سهم ذي القربى لمن هو؟ وانّا كنّا نراها لقرابة رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فأبى ذلك علينا قومنا. وعن اليتيم متى ينقضي يتمه؟ قال: إذا احتلم...(2) .

هذا وقد نقل القرطبي أقوالا في كيفيّة تقسيم الخمس، وهي بين من يأخذ بنص الآية ويجعل سهماً لذي القربى ومن يجتهد أمام النص. ونقلها صاحب المنار في تفسيره(3) .

5- قطع سهم المؤلّفة قلوبهم:

قال سبحانه: (إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرآءِ وَ المَسَاكِينِ و العَامِلينَ عَلَيْهَا


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . الأنفال / 41 .

2 . مسند أحمد 1 / 248 .

3 . تفسير القرطبي 8 / 10، المنار 10 / 17 ـ 18 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 94 )
والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِى الرِّقَابِ وَ الغَارِمينَ وَ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلَيمٌ حَكِيمٌ)(1)، الآية صريحة في أنّ لكلّ واحد من الأصناف المذكورة سهم ودلّت كتب السيرة والفقه على أنّ الرسول يعطي سهم المؤلّفة قلوبهم، فيؤلّف بذلك قلوبهم، وهذه سيرته المستمرّة معهم، لكن لمّا ولّي ابوبكر جاء المؤلّفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم جرياً على عادتهم مع رسول اللّه فكتب أبوبكر لهم بذلك، فذهبوا بكتابه إلى عمر ليأخذوا خطّه عليه فمزّقه وقال: لا حاجة لنا بكم، فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن أسلمتم وإلاّ فالسيف بيننا وبينكم، فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا له: أنت الخليفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء اللّه تعالى، وأمضى ما فعله عمر(2) .

فاستمرّ الأمر على ذلك بعدهم، وأقصى ما عند المحقّقين من تبرير عمل الخليفة ما ذكره الدواليبي في كتابه اُصول الفقه وقال: ولعلّ اجتهاد عمر ـ رضي الله عنه ـ في قطع العطاء الّذي جعله القرآن الكريم للمؤلّفة قلوبهم كان في مقدّمة الأحكام الّتي قال بها عمر تبعاً لتغيير المصلحة بتغير الأزمان رغم أنّ النص القرآني لا يزال ثابتاً غير منسوخ(3) .

وما ذكره الاُستاذ يعارض ذيله صدره، فما معنى أنّ النص القرآني لا يزال ثابتاً غيرمنسوخ، فإذا كان غير منسوخ فما معنى الاجتهاد في مقابل النص، لأنّ معنى ذلك ابطال القرآن في فترة خاصة، ولو صحّ لأصحاب السلطة هذا النمط من العمل لما بقي من الإسلام أثر، فالنص لا يتغيّر ولا يتبدّل ولا تتقيّد اطلاقاته ولا عموماته بالمصالح المرسلة .


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . التوبة / 60 .

2 . الجوهرة النيرة 1 / 164 وهي في الفقه الحنفي ونقله في المنار 10 / 576 .

3 . اُصول الفقه للدواليبي: 239 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 95 )
نعم يجوز على القول بعدم لزوم الاستيعاب في تقسيم الزكاة، دفعها إلى صنف دون صنف، لكنّه إنّما يجوز مؤقّتاً لا دائماً، غير أنّ الخليفة قام بقطع سهم المؤلّفة قلوبهم من رأس، وهذا هو الّذي فهمه أبو حنيفة، والشافعي(1) بحجّة أنّ اللّه أعزّ الإسلام وهو اجتهاد من عمر بأنّه ليس من المصلحة استمرار هذا الأمر. ولا نريد من الاجتهاد في مقابل النص إلاّ هذا .

هذه نماذج خمسة من مخالفتهم للنصوص والعمل وفق اجتهادات ذوقية، غير أنّ أصحاب السلطة قدّموها على النصوص بقوة وحماس، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ النصوص كانت أداة طيّعة للتغيير حسب الأهواء والميول الشخصية سواء أكانوا مقصّرين في هذا التأويل أم قاصرين .

والهدف ايقاف القارىء على أن مخالفة النصوص لأصحاب النفوذ لم يكن أمراً عسيراً أو شيئاً نادراً .

وبذلك تبيّن أنّ إعراضهم عن أدلّة تنصيب الإمام للخلافة، لم يكن أمراً عجيباً، وذلك لجريان سيرة الصحابة على تقديم المصالح المزعومة على النصوص وبذلك يقطع العذر على من زعم أنّه لو كان في مسألة الخلافة وامامة الامام أميرالمؤمنين، نصّ، لما خالفه الصحابة العدول وتلقّوه بالقبول. فيقال أوما أمرهم النبىّ، بإحضار القلم والدواة، فحالوا بينه وبين منيته، أو ماحثهم على تجهيز جيش اُسامة ولعن المتخلّفين عنه، ولكنّهم اثّاقلوا إلى الأرض أو ما.. أوما...

وهناك كلمة لابن ابي الحديد، وهو يقارن بين سياستي علي وعمر و سياستي علي ومعاوية وإليك نصّه .

اعلم انّ السائس لا يتمكّن من السياسة البالغة إلاّ إذا كان يعمل برأيه، وبما يرى


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . المنار 10 / 576 .

--------------------------------------------------------------------------------

( 96 )
فيه صلاح ملكه وتمهيد أمره وتوطيد قاعدته، سواء أوافق الشريعة أم لم يوافقها، ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه، وإلاّ فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله .

وأميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ كان مقيّداً بقيود الشريعة، مدفوعاً إلى اتّباعها، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير، إذا لم يكن للشرع موافقا، فلم تكن قاعدته في خلافته، قاعدة غيره ممّن لم يلتزم بذلك ولسنا بهذا القول ضارّين على عمر بن الخطاب ولا ناسبين إليه ما هو منزّه عنه، ولكنّه كان مجتهداً يعمل بالقياس والاستحسان، والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء وبالاستنباط، من اُصول، تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النص، ويكيد خصمه، ويأمر اُمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدّب بالدرّة والسوط من يغلب على ظنّه أنّه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقّون به التأديب. كل ذلك بقوّة اجتهاده وما يؤدّيه إليه نظره. ولم يكن أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ يرى ذلك، وكان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعدّاها إلى الاجتهاد والأقيسة، ويطبّق اُمور الدنيا على الدين ويسوق الكل مساقاً واحداً، فاختلفت طريقتاهما في الخلافة والسياسة(1) .

وقال الجاحظ: وربّما رايت بعض من يظن بنفسه العقل والتحسين والفهم والتمييز، وهو من العامة وهو يظن أنّه من الخاصة يزعم أنّ معاوية كان أبعد غوراً، وأصحّ فكراً، وأجود رؤية وأبعد غاية، وأدق مسلكاً، وليس الأمر كذلك، وسأومي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه، والمكان الّذي دخل عليه الخطأ من قبله .


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . شرح نهج البلاغة 10 / 572 .

--------------------------------------------------------------------------------

( 97 )
كان علي ـ عليه السلام ـ لا يستعمل في حربه، إلاّ ما وافق الكتاب والسنّة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنّة، كما يستعمل الكتاب والسنّة(1) .

وفي حياة الخليفة عشرات الشواهد على اجتهاده تجاه النص، وأي اجتهاد تجاهه أظهر وأولى من منع تدوين الحديث وكتابته الّذي هو المصدر الثاني الرئيسي للمسلمين بعد الذكر الحكيم، وقد بلغت السنّة من الكمال مكانة حتّى صار لفظ السنّي شعاراً لجمهور المسلمين .

ولعلّ في قوله سبحانه: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بِيْنَ يَدَىِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ واتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم)(2). إشارة إلى بعض هذه الاُمور، ومعنى الآية: لا تقولوا حتّى يقول، ولا تأمروا حتّى يأمر، ولا تفتوا حتّى يفتي، ولا تقطعوا أمراً حتّى يقطع، بالتالي: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنّة فانّه تقدُّم على اللّه و رسوله.

فإذا كان هذا حال الخليفة وعمله طيلة حياته، فلا عجب أن يجتهد أمام نصوص الولاية والخلافة ويسدل عليها الستار، ولا يلتفت إليها ويندفع إلى تتبع مظان المصالح المزعومة في مجال الخلافة بعد عصر الرسول، وفي ما ذكرنا من مظان الاجتهاد أمام النص كفاية لطالب الحق .


ــــــــــــــــــــــــــــ

1 . شرح نهج البلاغة 10 / 578، نقلا عن أبي عثمان الجاحظ .

2 . الحجرات / 1 .
الساكت عن الحق شيطان اخرس

الغزالى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 60
اشترك في: الجمعة مارس 04, 2005 2:00 pm

مشاركة بواسطة الغزالى »

خبر وفاة الرسول (ص) برواية الامام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب ( نقلا عن المصابيح لابى العباس الحسنى ) و هو خبر صحيح عند الزيدية احتج به الامام المنصور بالله عبد الله بن حمزة فى كتابه العظيم الشافى =


:لما نزلت سورة ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ...﴾ إلى آخرها، قال رسول الله: ((نُعِيَت إليّ نفسي))، وعرف اقتراب أجله ، فدخل منزله، ودعا فاطمة -عليها السلام- فوضع رأسه في حجرها ساعة، ثم رفع رأسه وقال: ((يا فاطمة، يا بنية، أشعرت أن نفسي قد نعيت إليّ))، فبكت فاطمة عند ذلك حتى قطرت دموعها على خد رسول الله، فرفع رأسه ونظر إليها، فقال: ((أما إنكم المستضعفون المقهورون بعدي، فلا تبكين يابنية، فإني قد سألت ربي أن يجعلك أول من يلحق بي من أهلي، وأن يجعلك سيدة نساء أمتي، ومعي في الجنة، فأُجِبْت إلى ذلك))، فتبسمت فاطمة عليها السلام عند ذلك، ونساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظرنَ إليها حين بكت وتبسمت، فقال بعضهن: ما شأنك يا فاطمة، تبكين مرة وتبتسمين مرة؟

فقال رسول الله: ((دعن ابنتي))، فلما مضى النصف من صفر سنة إحدى عشرة، جعل رسول الله يجد الوجع والثقل في جسده حتى اشتد به الوجع في أول شهر ربيع الأول، واجتمع إليه أهل بيته ونساؤه، فلما رأت فاطمة أباها قد ثقل دعت الحسن والحسين، فجلسا معها إلى رسول الله، ووضعت خدّها على خد رسول الله، وجعلت تبكي حتى أخضلت لحيته ووجهه بدموعها، فأفاق صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد كان أغميَ عليه، فقال لها: ((يا بنية لقد شققت على أبيك))، ثم نظر إلى الحسن والحسين عليهما السلام فاستعبر بالبكاء، وقال: ((اللهم إني أستودعكهم وصالح المؤمنين، اللهم إن هؤلاء ذريتي أستودعكهم وصالح المؤمنين))، ثم أعاد الثالثة، ووضع رأسه.

فقالت فاطمة: واكرباه لكربك يا أبتاه.

فقال لهـا صلى الله عليه وآله وسلم : ((لاكرب على أبيك بعد اليوم))، ثم أمر أن يصب عليه سبع قرب ماء من سبع آبار، فَفُعِل به فوجد خفة، فخرج فصلى بالناس، ثم قام يريد المنبر، وعلي والفضل بن عباس قد احتضناه حتى جلس على المنبر، فخطبهم واستغفر للشهداء، ثم أوصى بالأنصار، وقال: ((إنهم لا يرتدون عن منهاجها، ولا آمن منكم يا معشر المهاجرين الارتداد))، ثم رفع صوته حتى سمع من في المسجد ووراءه، وهو يقول: ((يا أيها الناس، سُعِّرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم إنكم والله لا تتعلقون علي غداً بشيء، ألاّ وإني قد تركت الثقلين، فمن اعتصم بهما فقد نجا، ومن خالفهما هلك)).

فقال عمر بن الخطاب: وما الثقلان يا رسول الله؟

فقال: ((أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله طرف منه بيد الله وطرف بأيديكم، وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تذلوا أبداً، فإن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، وإني سألت الله ذلك فأعطانيه، ألا فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتضلوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم بالكتاب، أيها الناس، احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، وافهموا عني حتى تنتعشوا لئلا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض، فإن أنتم فعلتم ذلك - وستفعلون - لتجدن من يضرب وجوهكم بالسيف))، ثم التفت عن يمينه، ثم قال: ((ألا وعلي بن أبي طالب ألا وإني قد تركته فيكم ألا هل بلغت؟)).

فقال الناس: نعم يا رسول الله صلوات الله عليك.

فقال: ((اللهم اشهد))، ثم قال: ((ألا وإنه سيَرِد عليّ الحوض منكم رجالٌ فيدفعون عني، فأقول: يارب أصحابي أصحابي فيقول: يا محمد، إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك، فأقول سحقاً سحقاً))، ثم قام ودخل منزله فلبث أياماً يجد الوجع، والناس يأتونه ويخرج إلى الصلاة، فلما كان آخر ذلك ثقل، فأتاه بلال ليؤذنه بالصلاة وهو مُلق ثوبه على وجهه قد تغطى به، فقال: الصلاة يارسول الله، فكشف الثوب وقال: ((قد أبلغت يابلال فمن شاء فليصل))، فخرج بلال، ثم رجع الثانية والثالثة وهو يقول: الصلاة يارسول الله.

فقال: ((قد أبلغت يا بلال، فمن شاء أن يصلي فليصل))، فخرج بلال وكان رأس رسول الله في حجر علي بن أبي طالب عليه السلام والفضل بن عباس بين يديه يروحه، وأسامة بن زيد بالباب يحجب عنه زحمة الناس، ونساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ناحية البيت يبكين فقال: ((اغربن عني يا صويحبات يوسف))، فلما رجع بلال ولم يقم رسول الله بعثته عائشة بنت أبي بكر فقالت: يا بلال مر أبا بكر فليصل بالناس، ووجد رسول الله خفّة فقام فتمسح وتوضأ، وخرج معه علي والفضل بن عباس وقد أقيمت الصلاة وتقدم أبو بكر ليصلي، وكان جبريل عليه السلام الذي أمره بالخروج ليصلي بهم، وعلم ما يقع من الفتنة إن صلى بهم أبو بكر، وخرج رسول الله يمشي بين علي والفضل وقدماه يخطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما رآه أبو بكر تأخر، وتقدم رسول الله وصلى بالناس، فلما سلم أمر علياً والفضل فقال: ((ضعاني على المنبر))، فوضعاه على منبره، فسكت ساعة فقال: ((يا أمة أحمد، إن وصيتي فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، اعتصموا بهما تردوا على نبيكم حوضه، ألا ليُذَادنّ عنه رجال منكم، فأقول سحقاً سحقاً)) ثم أمر علياً والفضل أن يدخلاه منزله، وأمر بباب الحجرة ففتح ودخل الناس عليه، فقال: ((إن الله لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) ثم قال: ((ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لاتضلون بعدي أبداً)).

فقال عمر بن الخطاب: إن رسول الله ليهجر، كتاباً غير كتاب الله يريد.
فسمع رسول الله قوله فغضب، ثم قال لهم: ((اخرجوا عني وأستودعكم كتاب الله وأهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، وأنفذوا جيش أسامة، لا يتخلف عن بعثته إلاَّعاصٍ لله ولرسوله))، ثم جعل يقول: ((اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم))، وخرج الناس وأغلق الباب الذي كان على الحجرة، فلما طلعت الشمس وانبسطت، ثقل رسول الله ورأسه في حجر علي عليه السلام والفضل يذب عنه بين يديه، وأقبل رسول الله على علي يساره يناجيه، وتنحى الفضل، فطالت مناجاته، فكان علي عليه السلام يقول: إنه أوصاني وعلمني بما هو كائن بعده.

وقال له: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، بلغ عني تأويل القرآن، وأنت وصيي، وخليفتي في أهلي وأمتي، من والاك فقد والاني، ومن عصاك فقد عصاني))، فلما فرغ من وصيته إياه أغمي عليه، ثم أفاق وهو يقول: ((بالكأس الأوفى وفي الرفيق الأعلى)) يقولها ثلاثاً، ثم رجع الناس اجتمعوا على باب حجرة رسول الله وفيهم عمر بن الخطاب في يده درة يضرب بها الناس، ويقول: إن رسول الله لا يموت، ورجل آخر من بني فهر يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾[آل عمران:144].

قال: والناس يبكون وأرادوا الدخول على رسول الله فأبى علي أن يأذن لهم.

وجعل رسول الله يقول أحياناً: ((أين أنت يا جبريل؟ ادن مني)).

وجبريل يجيبه، وهو يقول: يا محمد، أبشر فإنك قادم على ربك.

ودنت منه فاطمة عليها السلام وهو مغمض العين فنادته: يا أبتاه تفديك نفسي، انظر إلي نظرة عسى كرب الموت تغشاني، ولا أراني إلاّ مفارقة الدنيا بعدك عن قريب أو معك.

فسمع رسول الله صوتها ففتح عينيه، ثم رفع يده فمسح خدها من الدموع، ثم غمض عينيه ساعة فقالت فاطمة: يا أبتاه نفسي لنفسك الفداء، قد ذاب قلبي ورقت كبدي، ولوددت أن نفسي خرجت قبل نفسك، ها أنا ذا بين يديك لا أراك تكلمني، اللهم صبرني، فسمع رسول الله قولها، ففاضت عيناه، ثم قال: ((ادني مني))، فدنت منه وانكبت عليه قد وضعت خدها على خده، فقال لها علي عليه السلام: تنحي عن رسول الله لاتؤذيه، فتنحت وجلست ناحية تسترجع وتدعوه.

ودنت عائشة وقالت: يا رسول الله، بأبي وأمي أنت، انظر إليّ نظرة وكلمني كلمةً واحدة، وأوصني بأمرك فإني أرى آخر العهد منك ومن كلامك.

ففتح عينيه، فلما نظر إليها قال: ((ادني مني، فدنت منه، فقال: قد أوصيتك قبل اليوم فاحفظي وصيتي، واحفظي أمري لك في لزوم بيتك ولا تبدلي، يا عائشة تأخري عني)).

قال: ثم دنت منه حفصة فقالت: بأبي أنت وأمي، اجعل لي نصيباً من كلامك، ولا تجعلني من أهون نسائك عليك، وأكرمني بكلمة تطيب بها نفسي طول حياتي.

ففتح رسول الله عينيه ونظر إليها وقال: ((يا حفصة، قالت: لبيك يا رسول، فقال لها: قد أوصيتك قبل اليوم، فاحفظي وصيتي، ولا تبدلي أمري، واحفظي أمري لك في لزوم بيتك، قومي عني)).

وكلم نساءه امرأةً امرأةً مثلما كلمها، ثم إن فاطمة عليها السلام جاءت بالحسن والحسين عليهما السلام وقالت لهما: ادنوا من جدكما فسلما عليه.

فدنوا منه وقالا: ياجداه، ثلاثاً، ثم بكيا وقال له الحسن عليه السلام: ألا تكلمنا كلمة وتنظر إلينا نظرة، فبكى علي عليه السلام والفضل وجميع من في البيت من النساء، وارتفعت أصواتهم بالبكاء ففتح رسول الله عينيه وقال: ((ما هذا الصوت))؟

فقالت فاطمة: يا رسول الله، هذان ابناك الحسن والحسين، كلماك فلم تجبهما فبكيا وبكى من في البيت لبكائهما.

فقال رسول الله: ((ادنوَا مني))، فدنا منه الحسن عليه السلام فضمه إليه وقبله ودنا الحسين منه، ففعل به مثل ذلك، فبكيا ورفعا أصواتهما بالبكاء، فزجرهما علي عليه السلام وقال: لا ترفعا أصواتكما.

فقال له رسول الله: ((مـه يا علي...))، ثم قال: ((اللهم إني أستودعكهما وجميع المؤمنين من أمتي)) وغمض عينيه فلم يدع علي عليه السلام أحداً يدنو منه.

فلما ارتفع النهار يوم الإثنين، شخص رسول الله بنظره فقال: ((اللهم الرفيق الأعلى)).

وقال الفضل لعلي: يا أبا الحسن، أغمض عين رسول الله وضمّ فاه، فوضع علي يده على فم رسول الله وقد خرجت نفسه من كف علي، فردها إلى لحيته وأراد أن يغمض عينيه، فأبصر عينيه قد غُمضتا، وضُم فوه، ويداه ورجلاه مبسوطتان، فإذا جبريل عليه السلام قد ولي ذلك منه، وهو في وسط البيت يسمعون حسَّه ولا يرونه.

فقبظه الله إليه يوم الإثنين من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة
الساكت عن الحق شيطان اخرس

الغزالى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 60
اشترك في: الجمعة مارس 04, 2005 2:00 pm

مشاركة بواسطة الغزالى »

بعد وضعى للمشاركات السابقة قرات كلاما للمدعو محمد 333 يسب فيه السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله و يكفر فيه العلامة الجليل جعفر السبحانى و يفترى عليه
لذا اعتذر عن مواصلة الحوار مع هذا الزميل المجادل غير المحترم
الساكت عن الحق شيطان اخرس

الإدارة
مدير مجالس آل محمد
مشاركات: 178
اشترك في: الاثنين ديسمبر 15, 2003 10:41 am
اتصال:

مشاركة بواسطة الإدارة »


أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“