يوم الغدير"إكمال الدين وإتمام الأنسانيه"(محمدخاتمي)
--------------------------------------------------------------------------------
و مع وفاة نبي الإسلام الأكرم ظهر فراغ كبير لا يسده شيء، فقد النقطع الوحي و هو حبل يصل مباشرة بين الأرض و السماء علي حد تعبير الإمام علي، و نقرأ في شكوي دعاء الافتتاح: «اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه و آله..». إذ إن انقطاع الوحي خسارة كبيرة للإنسان غير أن هذا الانقطاع في الوقت ذاته كان مؤذناً بظهور خاصية متميزة في تاريخ البشرية، فهو يعبر عن دخولها مرحلة جديدة من الكمال والعقلانية والتأهيل. ففي وسع الإنسان خلال المرحلة هذه أن ينهل من الهداية الإلهية في غياب النبي، و لذلك جري حفظ القرآن من التحريف بوصفه مجمع القيم الإلهية حتي إنه يتوافر دون أي نقص بين أيدينا اليوم، و هو محفوظ للأجيال القادمة. كان العقل البشري قد بلغ مرحلة من النضج تؤهله إلي فهم الوحي الإلهي واستثماره في تمشية شؤون الحياة، من خلال ضوابط و مقاييس معينة، و لا سيما ما وجدناه في الأئمة من آل البيت.
اضطلع النبي بمهمتين جوهريتين: إحداهما إبلاغ الحقائق التي أوحي بها الله إليه، و الأخري رسم ملامح الحياة والنظام الاجتماعي في ضوء الحقائق تلك. ثمه دور وقع علي عاتق أئمة آل البيت و أولئك الذين تربوا في مدرسة الوحي إلي جانب علماء الدين والمفكرين بما تحلوا به من تقوي، و هو حفظ حقائق الوحي و شرحها، و قد نجحوا بمستوي جيد في تحقيق ذلك. غير أن الآلية التي تركها النبي لإدارة النظام الحياتي والاجتماعي تعرضت إلي أضرار كبيرة، و نقرأ في الآيات التي نزلت خلال الأشهر الأخيرة من حياة النبي: ((اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلم ديناً)) (المائده: 5/3) أي إن الله تعالي قد بيّن الأطر والمباديء و الحقائق التي يحتاجها الإنسان في تحقيق الفلاح. كان من المفترض بعد ذلك اعتماد تلك الآليات والحقائق المبينة و استثمارها لبناء الحياة الإلهية.
إن ما حدث أواخر العصر الراشدي في زمن الإمام الحسن و في بدايات العصر الأموي زمن الإمام الحسين مثّل كارثة أكبر من تلك التي واجهها المسلمون برحيل الرسول الأكرم(ص). حيث واجه خطراً حقيقياً كلا قسمي الرسالة النبوية، أي الحقائق التي بينها الرسول الأكرم والمنهج في إرساء تلك التعاليم و الحقائق في الحياة و تأسيس النظام الاجتماعي الذي يبشر به الإسلام. فمن جهة كان هنالك خطر تحريف الحقائق الدينية، و من جهة أخري واجه النظام الاجتماعي الإسلامي تهديداً بالانحراف، و علي حد تعبير ابن خلدون فإن الخلافة والحكومة قد تحولت منذ عهد معاوية إلي ملك و سلطنه، أي سلطة تقوم علي القوة و التزييف. بمعزل عن الخلافات التي ظهرت في علم الكلام بين السنة و الشيعة و هي مهمة للغاية، لانجد خلافاً بين الفريقين في الملامح العامة لنظام إدارة الدولة، حيث اتفق السنة والشيعة علي ضرورة أن يمسك أهل الفضل و ذوو الحكمة بزمام السلطة السياسية. قصاري ما هنالك أن الشيعة يعتقدون بأن الفضائل تلك خصوصيات مميزة جداً، و إنما يتحلي بها أشخاص محددون يتمتعون بالعصمة، و هي تعني ذروة التقوي والعلم والوعي و تؤهل المرء لتجنب الخطأ في استيعاب الوحي و تطبيق القيم الإلهية. و لم تكن مدرسة أهل السنة تؤمن بذلك، بل هي تري أن الحكومة الإسلامية ليست أمراً إلهياً بل هي شأن مفوض إلي الأمة، و لا شك أنهم اشترطوا في الحاكم الفضيلة التي تشتمل علي سمات متنوعه، و لا سيما العلم والعدل.
النقطة الأخري التي اتفق الفريقان حولها هي المكانة المركزية التي تحتلها الأمة في الحكومة الإسلامية، إذ يعتقد السنة والشيعة معاً أن الحكومة ليست أمراً يمكن فرضه علي الأمة بالقوة، بل اشترطوا في الحكومة أن تعبر عن إرادة الأمة و مطالبها. إن السيرة العملية للنبي الأكرم تؤيد هذه الحقيقة، حيث أولي النبي اهتماماً كبيراً للأمة خلال السنوات العشر من حكومته، و كان يجد نفسه مسؤولاً حتي أمام أبسط الناس في المجتمع الاسلامي. و يقول علي بن أبي طالب بصراحة: إنه لم يكن ليقبل الخلافة لولا حضور الحاضر و طلب الأمة و إراتها، و هذا ما قامت عليه سيرة الأئمة أيضاً حتي في الظروف التي أتاحت لهم توظيف القوة العسكرية لإسقاط الحكومات الفاسدة، فقط ظلوا يرون في الأمة أساساً لمشروعية الحكومة، و لم يؤمنوا أبداً بالغلبة والقهر. كما نجد أن علماء أهل السنة يقررون بصراحة أن رأي أهل الحل و العقد هو شرط قيام الحكومة الإسلامية، و يريدون بذلك ممثلي الأمة والمجتمع الإسلامي. و في ضوء ذلك يري كل من السنة و الشيعة أن الحكومة الإسلامية لابدّ أن تتأسس علي أمرين هما: الفضيلة في الحاكم و إرادة الأمة و رقابتها المتواصلة علي الحكومه.
لحق ضرر كبير بهذين الأساسين في عهد الإمام الحسن بن علي، فظهرت حكومة بغت علي الحكومة الإلهية الجماهيرية والمتمثلة آنذاك بعلي بن أبي طالب، و عمدت بعدها إلي معارضة حكومة الحسن بن علي. إن الأساس الوحيد للسلطة تلك تمثل بالقوة والسيف والقمع و إشاعة الرعب. كانت البيعة تعني في الإسلام تعاقداً بين طرفين لكنها تحولت إلي فرض و قهر و إكراه للأمة من قبل طرف واحد في ظل سلطة تأسست علي الغلبة، و هذه هي الكارثة الكبري التي حلت بالبلاد الإسلامية، فأضحي الدين إداة السياسة، و جري إقصاء الأمة كلياً، و استلبت حاكميتها علي المقدرات.
تقديم
حبيب المظلومين
حسن علي العماد
يوم الغدير"إكمال الدين وإتمام الأنسانيه"(محمدخاتمي
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 16
- اشترك في: الاثنين أغسطس 22, 2005 10:40 am
- مكان: ايرن
يوم الغدير"إكمال الدين وإتمام الأنسانيه"(محمدخاتمي
(في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال)